إنضم
21 أغسطس 2003
المشاركات
9
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الحمد لله وبعد ،،،

فإني منذ مدة وأنا أنظر في بعض أقوال السلف التي تلقاها الكثيرون ، إن لم يكن الكل منا بالقبول ، وكررها خطباء ووعاظ ، بل وعلماء ، لكنها حين العرض على كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ينمحي أثرها ، وتفقد قيمتها .
وإني أعتذر عن من نقلت عنه هذه المقولة أو تلك ، فقد يدفعه إليها غيرة أو غفلة عن السنة أو وهم فيها ، أو رغبة في الدفاع عن قاعدة أو عقيدة ، وأخال أنه لو روجع في تلك المسألة لرجع ، هكذا أظن ، وقد يكون الوهم مني ، وهو أقرب ، ولكني سأضرب مثالا من مجال هذا المنتدى ، أي في التفسير ، وذلك عند قوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } . قال ابن كثير في تفسيرها : فلما ضاقت به ذرعا ، ألهمت في سرها ، وألقي في خلدها ، ونفث في روعها .
وقال البغوي : وهو وحي إلهام ، لا وحي نبوة ، قال قتادة : قذفنا في قلبها .
قال أبو السعود : بإلهام ، أو رؤيا .
قال ابن عاشور : والوحي هنا وحي إلهام ، يوجد عنده من انشراح الصدر ما يحقق عندها أنه خاطر من الواردات الإلهية ..... وقد يكون هذا الوحي برؤيا صادقة رأتها .... قال وإنما أمرها الله بإرضاعه لتقوى بنيته .
وكذا قال القنوجي : أي ألهمناها الذي صنعت بموسى . وليس ذلك هو الوحي الذي يوحى إلى الرسل ، وقيل : كان ذلك رؤيا في منامها ، وقيل : كان بملك أرسله الله يعلمها بذلك ، فعلى هذا هو إعلام لا إلهام .
وقال ابن جرير : وكان قتادة يقول في معنى ذلك : قذفنا في قلبها . ثم ساق سنده إليه بقوله ذاك ، .... قال : وأولى قول قيل في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر أم موسى أن ترضعه ، فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليم .
وإنما أخرت قول ابن جرير لبيان المراد ، فإن من تأمله وجد نوعا من التنافر ، رحمه الله ، فإنه في الوحي اختار قول قتادة ، ولكنه في بيان تحديد مدة الرضاعة فقد اختار رحمه الله الأولى بقوله : إن الله تعالى ذكره أمر أم موسى . فهل يكون الأمر بالإلهام ؟
ومن هنا فإن أفضل من تكلم في هذه المسألة فيما أعلم هو ابن عطية رحمه الله فقد قال : وهذا الوحي إلى أم موسى قالت فرقة : كان قولا في منامها ، وقال قتادة : كان إلهاما ، وقالت فرقة : كان بملك تمثل لها . وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية ، وإنما إرسال الملك لها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص في الحديث المشهور ، وغير ذلك مما روي في تكليم الملائكة للناس من غير نبوة .
لكنه رحمه الله ناقض نفسه فقال : وجملة أمر أم موسى أنها علمت أن الذي ( وقع في نفسها ) هو من عند الله ووعد منه ، يقتضي ذلك قوله تعالى بعد { فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق } وهذا معنى قوله { لتكون من المؤمنين } أي بالوعد .
قال أبو عبد الإله : كان الأولى به رحمه الله أن يجزم بالقول ولا يتردد فيه ، فإن الآية تثبت أن الوحي إلى أم موسى لم يكن إلهاما قط ، كيف والله تعالى ذكره يقول : ولا تخافي ولا تحزني ، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين . وقال بعد ذلك : ولتعلم أن وعد الله حق . فقد أثبت جل جلاله وعده لها المذكور في آية الوحي إليها ، وأنه رد ابنها إليها تصديقا لوعده ، فهل يكون كل ذلك مجرد إلهام .
كما لا يصح أن يقال : إنها رؤيا ، لنفس ما تقدم . فلا يبقى إلا أن يكون وعد الله لها وأمره إياها كما قال ابن جرير ، لا بد أن يكون عن طريق الملك .
وعذر من قال بالإلهام أنه يهرب من إلزامه بنبوتها ، وهذا لا يلزم فقد قال تعالى ذكره : وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي . وهذا الوحي إليهم بواسطة عيسى عليه السلام . وفي الأحاديث التي أشار إليها ابن عطية دليل على ذلك .
وفي حديث آخر عند مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل لك عليه من نعمة تربها قال لا غير أني أحببته في الله عز وجل قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه .
فلا مانع أن يرى المرء ملكا ، ولا يلزم منه النبوة ، وأكبر دليل على هذا نص الله تعالى في سورة مريم { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا } الآيات . فلا ريب أن الروح هنا هو جبريل عليه السلام ، ومع هذا لم تحض مريم مع ما فضلها الله به على نساء العالمين بالنبوة .
 
أخي الكريم أبا عبدالإله وفقه الله ورعاه : نعتذر بسبب الانقطاع الذي حدث للملتقى ، فقد تسبب في ذهاب ثلاثة تعقيبات فيما أظن من هذا الموضوع .
وقد تأملت ما تفضلتم به ، فوجدته استدراكاً صحيحاً على فهم بعض المفسرين رحمهم الله . حيث خلصتم إلى أن المراد بالوحي لمريم هو بواسطة الملك الذي تمثل لها بشراً ، وأن الآيات تدل على ذلك ، وأن هذا لا يعني كونها نبيةً ، للأدلة المانعة ، ولحصول الوحي للحواريين وغيرهم ولم يقل أحد بنبوتهم .
ويمكن التماس العذر للمفسرين في مثل هذه المواضع أنها موضوعات غيبية ، لا يوجد دليل قاطع على صحة قول منها ، وفساد ما عداه ، وإن كان التأمل الدقيق للآيات ، وجمع بعضها مع بعض يرجح قولاً منها كما في هذه الاية . وكذلك فإن أقوال مفسري السلف كقتادة السدوسي وغيره لم تصل إلينا كاملة ، فربما وصلنا جزء ناقص من القول ، وغاب عنا الجزء المكمل له ، فحملنا أقوالهم على الخطأ وليس الأمر في الواقع كذلك . واعتبر بما صنعه بعض المفسرين من جمع أقوال السلف في التفسير فبلغت عشرات المجلدات ، في حين لا يوجد منها الآن إلا دون ذلك ، مما يعني فقدان جزء كبير من أقوال السلف واجتهاداتهم في التفسير ، ولو وصلتنا لوصلنا علم وخير كثير ، كما قال أبو عمرو بن العلاء عن أشعار العرب وأخبارها .
غير أن في التدبر والتأمل في آيات القرآن - كما صنعتم يا أبا عبدالإله ، وكما صنع المفسرون من قبل ، كابن عطية الذي ارتضيتم قوله في الآية - ما يجبر هذا النقص ، ويسد هذا الخلل .
زادكم الله فقهاً وبصيرة بكتابه ، والله يحفظكم ويرعاكم .
 
قولُ أبي محمد عليّ بن أحمد بن حزم الظاهريّ القرطبي الأندلسي ت 456هـ

قولُ أبي محمد عليّ بن أحمد بن حزم الظاهريّ القرطبي الأندلسي ت 456هـ

[align=justify]نبوة النساء
قال أبو محمد‏:‏ هذا فصل لا نعلمه حدث التنازع العظيم فيه إلا عندنا بقرطبة وفي زماننا، فإن طائفة ذهبت إلى إبطال كون النبوة في النساء جُملةً وبدَّعتْ من قال ذلك ،وذهبت طائفة إلى القول بأنه قد كانت في النساء نبوة، وذهبت طائفة إلى التوقف في ذلك‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ ما نعلم للمانعين من ذلك حُجّةً أصلاً إلا أن بعضهم نازع في ذلك بقول الله تعالى(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم). قال أبو محمد‏:‏ وهذا أمرٌ لا ينازَعون فيه ولم يدّع ِأحدٌ أن الله تعالى أرسل امرأة، وإنما الكلامُ في النبوة دون الرسالة فوجَب طلبُ الحقِّ في ذلك بأن يُنظَر في معنى لفظة النبوّةِ في اللغة التي خاطبنا الله بها عزّ وجلّ فوجدْنا هذه اللفظةَ مأخوذةٌ من الإنباء وهو الإعلام فمن أعلمه الله عز وجل بما يكون قبل أن يكون أو أوحى إليه منبئًا له بأمر ما فهو نبيٌّ بلا شك. وليس هذا من باب الإلهام الذي هو طبيعة كقول الله تعالى ‏"‏ وأوحى ربك إلى النحل ‏"‏ ولا من باب الظن والتوهم الذي لا يقطع بحقيقته إلا مجنون، ولا من باب الكهانة التي هي من استراق الشياطين السمع من السماء فيُرمَون بالشهب الثواقب وفيه يقول الله عز وجل ‏"‏ شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ‏"‏ وقد انقطعت الكهانة بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولا من باب النجوم التي هي تجارِبُ تُتعلم ، ولا من باب الرؤيا التي لا يدري أصدقَتْ أم كذَبت بل الوحي الذي هو النبوة قصد من الله تعالى إلى إعلام من يوحي إليه بما يعلمه به ويكون عند الوحي به إليه حقيقة خارجة عن الوجوه المذكورة يحدث الله عز وجل لمن أوحى به إليه علما ضروريا بصحة ما أوحي به كعلمه بما أدرك بحواسه وبديهة عقله سواء لا مجال للشك في شيء منه إما بمجئ الملك به إليه وإما بخطاب يخاطب به في نفسه وهو تعليم من الله تعالى لمن يعلمه دون وساطة معلم فإن أنكروا أن يكون هذا هو معنى النبوة فلْيُعَرِّفونا ما معناها فإنهم لا يأتون بشيء أصلاً .فإذْ ذلك كذلك فقد جاء القرآنُ بأنَّ الله عز وجل أرسل ملائكةً إلى نساء فأخبَروهن بوحيٍ حق ٍّمن الله تعالى فبَشروا أمَّ إسحاقَ بإسحاق عن الله تعالي قال عز وجل ‏"‏ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ‏"‏ ، فهذا خطاب الملائكة لأمِّ إسحاق عن الله عز وجل بالبشارة لها بإسحاق ثم يعقوب ثم بقولهم لها أتعجبين من أمر الله ولا يمكن البتة أن يكون هذا الخطاب من ملَك لغير نبيٍّ بوجهٍ من الوجوه . ووجدناه تعالى قد أرسل جبريل إلى مريمَ أمِّ عيسى عليهما السلام بخطابها و قال لها ‏"‏ إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ‏"‏ فهذه نبوة صحيحة بوحي صحيح ورسالة من الله تعالى إليها . وكان زكريا عليه السلام يجد عندها من الله تعالى رزقا واردًا تمنّى من أجله ولداً فاضلا. ووجدنا أم َّموسى عليهما الصلاة والسلام قد أوحى الله إليها بإلقاء ولدها في اليم وأعلمَها أنه سيرده إليها ويجعله نبيا مرسلا .فهذه نبوة لا شك فيها وبضرورة العقل يدري كلُّ ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عز وجل لها لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها أو قام في هاجستها في غاية الجنون والمرار الهائج ولو فعل ذلك أحدُنا لكان في غاية الفسق أو في غاية الجنون مستحقا لمعاناة دماغه في البيمارستان[المستشفى] لا يشكُّ في هذا أحد. فصحَّ يقيناً أن الوحي الذي ورد لها في إلقاء ولدها في اليمِّ كالوحي الواردِ على إبراهيم في الرؤيا في ذبح ولده لكنه ذبح ولده لرؤيا رآها أو ظن وقع في نفسه لكان بلا شك فاعل ذلك من غير الأنبياء فاسقا في نهاية الفسق أو مجنونا في غاية الجنون هذا ما لا يشك فيه أحد من الناس، فصحت نبوَّتُهن بيقينٍ. ووجدنا الله تعالى قد قال وقد ذكر من الأنبياء عليهم السلام في سورة كهعيص ذكر مريم في جملتهم ثم قال عز وجل ‏"‏ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ‏"‏ وهذا هو عموم لها معهم لا يجوز تخصيصها من جملتهم، وليس قوله عز وجل وأمُّه صديقةٌ بمانع من أن تكون نبية ًفقد قال تعالى ‏"‏ يوسف أيُّها الصِّديق ‏"‏ وهو مع ذلك نبيّ رسول ،وهذا ظاهر وبالله تعالى التوفيق. ويلحق بهن عليهن َّالسلام في ذلك امرأة فرعون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون أو كما قال عليه الصلاة والسلام والكمال في الرجال لا يكون إلا لبعض المرسلين عليهم الصلاة والسلام لأن من دونهم ناقص عنهم بلا شك وكان تخصيصُه صلى الله عليه وسلم مريم وامرأة فرعون تفضيلا لهما على سائر من أوتيت النبوة من النساء بلا شك إذ من نقص عن منزلة آخر ولو بدقيقة فلم يكمل فصح بهذا الخبر أن هاتين المرأتين كملتا كمالاً لم يلحقْهُما فيه امرأة غيرُهما أصلاً وإن كنّ بنصوص القرآن نبياتٍ. وقد قال تعالى ‏"‏ تلك الرسلُ فضَّلنا بعضهم على بعض ‏"‏ فالكامل في نوعه هو الذي لا يلحقه أحد من أهل نوعه فهم من الرجال الرسل الذين فضلهم الله تعالى على سائر الرسل ومنه نبينا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام بلا شك للنصوص الواردة بذلك في فضلهما على غيرهما وكمل من النساء من ذكر عليه الصلاة والسلام‏.‏
[/align]
 
عودة
أعلى