تقصد أنه عليه السلام كان يسايرهم تنـزلا؟
فلم قال لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ{77}
أنت بارك الله فيك تصرف النص عن ظاهره، فأين قرينتك؟
وما الدليل أن الحجة هي ما ذكرت؟
ولم لا تكون مثلا:
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ{72} أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ{73} الشعراء
أو قوله للنمروذ {فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }البقرة258
ثم الأهم من هذا كله؟
كيف تفسر قوله تعالى {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى }الضحى7
ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل - ولا شك - من إبراهيم عليه السلام؟
وقد حملني كلامك على البحث، فوجدت الخلاف بين المفسرين شديدا، وليس ثمة رأي قاطع، ولا دليل مانع
ولا أتفق مع رأيك؛ لأنه - إضافة إلى ما سبق - ينسب التمثيل والخديعة إلى الأنبياء وهذا لا يليق.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
آمل منك أخي الكريم رصين أن تتقبّل ما أسطّره لك الآن بصدر رحب؛ ولا تعدّه من التّوجيهات لك أو لغيرك حفظك الله ورعاك.
إنّما هي كلمات تلمّستها أحاول أن أصيب فيها ولا أخطئ، وأسدّد فيها وأقارب؛ وكأنّني أسير على المُدى:
عندما عقّبتُ عليكم أخي الكريم لم يكن هذان السّطران الملوّنان بالأحمر موجودين؛ فقد أضفتَهما يرحمك الله بعد أن عقّبتُ عليكم بإنزال الآيات الكريمة لتتدبّرها ما دمتَ لغويّاً متخصّصاً.
فلمّا وصلتني مشاركة الأخ العزيز العليميّ على بريد الملتقى قرأتها وقرأت مشاركتك فوجدتهما.
ولذا فإنّني مقترح على كلّ من يحدث معه هذا؛ أن لا يضيف شيئاً قد عُقّب عليه فيه؛ بل يفرد مشاركة أخرى يستدرك فيها على ما فاته. وهذا أفضل للدّقّة وللأمانة العلميّة. والله أعلم وأحكم.
وليتك أخي تتمهّل حينما تقطع في مسألة. (في البداية قطعتَ، ثمّ بعد ذلك درستَ المسألة في السّطرين المضافين فأكّدتَ، فليتك تتأكّد قبل أن تقطع)
وأنت حفظك الله ذكرتَ في السّطرين المؤكِّدين: أنّ خلافاً شديداً بين المفسّرين حولها؛ ثمّ بعد ذلك اتّهمتَ القائلين بالرّأي الّذي لا تؤيّده بأنّه ينسب التّمثيل والخديعة إلى الأنبياء وهذا لا يليق -كما ذكرتَ-.
وهذا كلام خطير يتّهم المفسّرين الّذين يرون هذا الرّأي الّذي تبنّيتُه ترجيحاً بحكمك القاسي الفظّ. فليتك تكتفي بالتّبنّي دون إصدار حكم قاس غليظ. وهذا أسلوب في إرهاب الخصم حتّى ينسحب أو يقرّ بخطئه. وغفر الله لك.
والشّيء بالشّيء يُذكر وهذا أوان النّصح لك إن قبلته من أخيك على الملأ وإلا فاحذفه من ذاكرتك وأستغفر الله منه فيحذف من صحيفتينا؛ ثانية أقول، وأربط، وأتصوّر شخصيّتك الكريمة من خلال بعض محاوراتك؛ فأقول:
ليتك وأنت تفسّر تتمهّل قليلاً قبل إصدار الأحكام؛ كما فعلتَ هنا، وكما تفعل في اللّهجات وتقطع بها؛ ثمّ تحكم على أكثر أهلها بإفساد لغتهم بسبب التّغريب. وتقبل أحكام الشّيّاب من كبار السّنّ!!! وأنت لا تدري عن محدّثك؛ أشابّ هو أم شيبة؟!
ثمّ أجِلِ الطّرفَ أخي الكريم وكحّل العين بالآية الكريمة الّتي استشهدتَ بها في مجادلة الّذي بهت؛ هل وافق الخليل عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام على ادّعاء مجادله بإحياء الموتى حين تجاوزه لما يفحمه ويبهته؟
إنّنا يا أخي عند تفسيرنا القصص القرآنيّ لا بدّ من قراءته بنيويّاً؛ بمعنى أن نستعرض قصّة إبراهيم -عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام- كلّها في القرآن الكريم؛ لتخرج لنا كاملة بلا رتوش يصيبها في أذهاننا، ولا ضبابيّة تكتنفها في أعيننا. أو نكتفي بتفسير الآيات الكريمة ذات السّياق الواحد كاملة بلا اجتزاء فهذا أحكمُ للبناء، وأسلمُ من الأخطاء.
ثمّ أخيراً أيها الأخ الكريم: أيّهما أفضل، وأكرم، وأولى بالتّقدمة؛ -والمتكلّم اللهُ والمتكلَّم عنه خليل الله صلوات ربّي وسلامه عليه وعلى نبيّنا محمّد وعلى آله- أن نقول إنّه كان متحيّراً أم إنّه كان منه على سبيل الإنكار والتّدرّج مع المجادل في الباطل؛ ليدحض حجّته؟ وبخاصّة أنّ سياق الآيات الكريمات واضح لكلّ محقّق أو متحقّق.
أشكر لك سعة صدرك إن تحمّلت، وأستغفر لك ربّي إن غضبت.
والمسألة: كتابُ الله؛ والغاية: رضوان الله.
وليسَتْ أفحمتُك أو أفحمتَني. فما أهون ذلك وأرخصه!
فإن كان الحقّ معك رجعت، وإن كان معي فارجع يرحمني الله وإيّاك؛
وإلا بقي كلّ أحد على ما يتبنّاه ممّا يميل إليه من غير نزوع إلى هوى.
وصلّى الله على حبيبنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم