د. محمد بن جميل المطري
Member
هل يوجد شيطان خاص بالوسوسة لكل مصلٍّ؟
دراسة حديث (خنزب) رواية ودراية ومعنى
بقلم/ محمد بن جميل المطري
دراسة حديث (خنزب) رواية ودراية ومعنى
بقلم/ محمد بن جميل المطري
روى الإمام مسلم في صحيحه (2203): من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى وسفيان الثوري وحماد بن أسامة وسالم بن نوح كلهم عن سعيد بن إياس الجُرَيري عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسُهَا عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا))، ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. ورواه أحمد في مسنده (17897) من طريق إسماعيل بن إبراهيم ابن عُليَّة عن الجُريري، ورواه عبد بن حُمَيد في مسنده (381) والطبراني في المعجم الكبير (8368) من طريق حمَّاد بن سلَمة عن الجُريري، وله طرق أخرى عن سعد بن إياس الجُرَيري، وهو ثقة اختلط قبل موته بثلاث سنين، وممن روى عنه قبل الاختلاط: عبد الأعلى وسفيان الثوري وحماد بن سلمة وإسماعيل بن إبراهيم، وكلهم رووا عنه هذا الحديث، ورواية عبد بن حُمَيد والطبراني في المعجم الكبير هي من طريق حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن الجُريري عن أبي العلاء عن أخيه مُطرِّف عن عثمان بن أبي العاص، ومطرِّف أكبر من أخيه يزيد بعشر سنين، والحديث صحيح ثابت سواء سمع يزيد الحديث من عثمان مباشرة أو سمعه من أخيه مطرف عن عثمان.
وورد هذا الحديث أيضًا من رواية خمسة من التابعين عن عثمان بن أبي العاص، وبجمعها يُفهم معنى الحديث، ويتبين أن خنزب اسم شيطان تلبَّس بعثمان بن أبي العاص:
قال ابن ماجه في سننه (3548): حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني عُيينة بن عبد الرحمن قال: حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ابْنُ أَبِي الْعَاصِ؟)) قلت: نعم يا رسول الله. قال: ((مَا جَاءَ بِكَ؟!)) قلت: يا رسول الله، عرض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي! قال: ((ذَاكَ الشَّيْطَانُ، ادْنُهْ))، فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، فضرب صدري بيده، وتفل في فمي، وقال: ((اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ))، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: ((الْحَقْ بِعَمَلِكَ))، قال عثمان: فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ. وهذا الحديث إسناده كلهم ثقات، ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1531) من طريق سعيد بن سفيان الجَحدري عن عُيينة بن عبد الرحمن به، وصححه البوصيري والألباني، وقال الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه (4/ 569): "إسناده قوي".
وروى أبو نُعَيم الأصبهاني في دلائل النبوة (396) من طريق عباس الدوري قال: حدثنا عثمان بن عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أبي عن يونس عن الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء حفظي للقرآن قال: ((ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خِنْزَبٌ، ادْنُ مِنِّي يَا عُثْمَانُ))، ثم تفل في فمي فوضع يده على صدري فوجدت بردها بين كتفي فقال: ((يَا شَيْطَانُ اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ))، قال: فما سمعت شيئًا بعد ذلك إلا حفظته. قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 1001): "إسناد صحيح لولا عنعنة الحسن البصري، فإنه كان يُدَلِّس، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن عبد الوهاب، وثقه ابن حبان".
وروى البيهقي في دلائل النبوة (5/ 308) من طريق الصلت بن مسعود البصري قال: حدثنا معتمِر بن سليمان قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي يحدث عن عمه عمرو بن أويس عن عثمان بن أبي العاص قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثَقِيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة، فقلت: يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري، وقال: ((يَا شَيْطَانُ اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ))، فما نسيت شيئًا بعده أريد حفظه. وصحح إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 1000).
وروى الطبراني في المعجم الكبير (8347) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الله بن الحكم عن عثمان بن بشر قال: سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن، فضرب صدري بيده فقال: ((يَا شَيْطَانُ اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ))، قال عثمان: فما نسيت منه شيئًا بعد أحببت أن أذكره. وحسَّن إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 1000).
وروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده (1028) بإسناد ضعيف عن عبد ربه بن الحكم عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت أنسى القرآن فقلت: يا رسول الله إني أنسى القرآن! فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري ثم قال: (اخْرُجْ يَا شَيْطَانُ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ)، فما نسيت شيئًا بعد أريد حفظه.
فهذه الروايات الخمس تبين أن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أصابه مسٌ من الشيطان لبَّس عليه صلاته، ومنعه من قراءة القرآن وحفظه، فرحل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فذكر له ذلك، فرقاه النبي عليه الصلاة والسلام، وخرج منه ذلك الشيطان الذي مسه، وشفاه الله سبحانه، وأخبره النبي عليه الصلاة والسلام أن اسم ذلك الشيطان خنزب، هذا هو معنى الحديث كما يُفهم من جمع رواياته، فالظاهر من مجموع الروايات أن خنزب اسم الشيطان الذي تلبَّس بعثمان بن أبي العاص، وليس للوسوسة في الصلاة شيطان خاص اسمه خنزب يوسوس لكل مصل كما ظن ذلك بعض العلماء المتأخرين والمعاصرين، ولم أجد أحدًا من العلماء المتقدمين ذكر أن للوسوسة في الصلاة شيطان خاص اسمه خنزب، وإنما ذكر ذلك بعض العلماء المتأخرين والمعاصرين، ومنهم على سبيل المثال:
القاضي عياض رحمه الله، قال في مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 171): "خنزب بالخاء المعجمة والنون والزاي اسم الشيطان الذي يلبس في الصلاة، واختُلف في ضبط الخاء، فضبطناها بكسرها وبفتحها".
وقال المناوي رحمه الله في فيض القدير (2/ 503): "شيطان الصلاة يسمى خنزب".
وقال العظيم آبادي رحمه الله في عون المعبود شرح سنن أبي داود (1/ 117): "الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية شيطان الصلاة الذي يوسوس للمصلي فيها خنزب، رواه مسلم في صحيحه من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي".
وقال خالد الجريسي وفقه الله في التحصين من كيد الشياطين (ص: 144): "خنزب شيطان اختص بالوسوسة في الصلاة".
ويوجد حديث آخر إسناده ضعيف جدًا رواه الترمذي في سننه برقم (57) وضعفه من حديث أُبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للوضوء شيطانًا يقال له: الوَلَهَان، فاتقوا وسواس الماء)، قال الترمذي: حديث أُبي بن كعب حديث غريب، وليس إسناده بالقوي ... ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء"، وضعفه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 106) والألباني والأرناؤوط. ويُنظر: المسند المصنف المعلل (1/ 53).
هذا والله أعلم، والحمد لله الذي علَّم وفهَّم، ونعوذ بالله من همزات الشياطين، ونعوذ بالله أن يحضرون.