محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
هل يمتد الغلاف الجوي بين الأرض والسماء الدنيا؟!!
ورد ذكر (ما بين السماوات والأرض) في القرآن في عشرين آية كقول الله (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)، وقول الله (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)، فبينت هذه الآيات أن هناك خلق عظيم يشغل ما بين السماوات والأرض وأن هذه المسافة الشاسعة ليست فراغ.
فما هذا الخلق الذي يملأ بين السماوات والأرض؟، هل هو تابع للأرض أم للسماء، ام خلق منفصل عنهما؟، ومتى تم خلقه في زمن الأيام الستة؟، وهل هذا الخلق ينتهي عند حدود السماء الدنيا ام يمتد بين السماوات السبع الطباق؟!
كل هذه التساؤلات دفعتني للبحث عن معنى ما بين السماوات والأرض من منظور إسلامي ثم من منظور علمي لأكتشف أن ما بينهما هو الغلاف الجوي الذي يمتد من سطح الأرض إلى أن يصل للسماء الدنيا مُحتضناً القمر بطبقة الهالة الأرضية الهيدروجينية (Geocorona) وإليكم التفصيل.
@ تفسير ما بين السماوات والأرض)@
١. تفسير مُقاتل وتفسير نظم الدُرر للبقاعي وتفسير حدائق الروح والريحان للهرري
{وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ يعني الرياح، والسحاب.
٢. تفسير البغوي وتفسير الوسيط للنيسابوري وتفسير البيضاوي، وتفسير أبو السعود، وتفسير الشعراوي
قالوا جميعاً {وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ هو الهواء
٣. تفسير زهرة التفاسير
{وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ هو الفضاء القائم، والذي تكون فيه السحاب وينزل منه المطر.
وعليه فمُراد المفسرين بالخلق الذي بين السماء والأرض هو الغلاف الجوي والذي به الرياح والسحاب والمطر والطير إلى غير ذلك من المخلوقات التي لا يعلم تفصيلها إلا الله، قال تعالى (وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض)، وقال ايضا (اولم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء)، وهذا كله مما سخره الله في الغلاف الجوي.
@هل (ما بينهما) تابع للأرض والسماوات أم مُنفصل؟@
حين نقرأ قول الله (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) قد نظن أن ما بينهما خلق منفصل لا ينتمي للأرض ولا للسماوات وهذا ظن خطأ لأن الله تارةً يذكر (ما بينهما) ضمن ما خلقه في الستة أيام وتارةً اخرى لا يذكره كقوله تعالى (الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة ايام) فدل ذلك على أن ما بينهما هو تابع إما للأرض وإما للسماوات أو لكليهما، وحيث أن ما بينهما بأقوال المفسرين هو الغلاف الجوي فهو تابع للأرض وجزء من خلقها لا تتم إلا به والله تعالى أعلى وأعلم.
قال ابن تيمية في الفتاوى (١٤ / ٤١٧)
فَتَارَةً يَذْكُرُ الله وَمَا بَيْنَهُمَا فِيمَا خَلَقَهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَتَارَةً لَا يَذْكُرُهُ، وَهُوَ مُرَادٌ، فَإِنْ ذَكَرَهُ كَانَ إيضَاحًا وَبَيَانًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ دَخَلَ فِي لَفْظِ " السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ".
@حدود (ما بينهما) في النص الأسلامي@
أجمع اصحاب التفاسير على أن هذا الخلق البيني (الغلاف الجوي) يقع بين جنسيّ السماوات والأرض غير داخل بين السماوات لأن الله قال وما بينهما ولم يقل وما بينهن، اي أنه يمتد من سطح الأرض إلى بداية ما يقال له سماوات اي السماء الدنيا والله تعالى أعلى وأعلم.
بالنسبة لأهل الأرض أقرب ما في السماء هو القمر، وظاهر الآيات أن القمر مع البروج والشمس في السماء، قال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا}، وقال {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}.
ومع ان ظاهر القرآن واضح في إنتماء القمر والشمس والبروج للسماوات إلا أن هناك فريق من أهل العلم يقول بأن الشمس والقمر والنجوم تجري في فلك تحت السماء لقول الله (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون).
فهل النيرين الشمس والقمر في السماء أم في فلك تحت السماء؟
الذي أراه والعلم عند الله أن الجمع بين القولين (في السماء _ فلك تحت السماء) ممكن فالله يخاطبنا بما تراه عيوننا فنحن نرى القمر يجري في فلك في السماء التي ينتهي إليها بصرنا، فلابد ان الفلك تابع للسماء، وقد أبدع ابن تيمية في الجمع بين القولين في مجموع الفتاوى (٦ / ٥٩٢) حين سُئل هل الأفلاك التي تحوي الشمس والقمر هي السماوات أم غيرها؟، فقال كلاهما واحد فالله أخبر أننا نرى السماوات { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} وقال: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ}، وأمثال ذلك من النصوص الدالة على أن السماء مشاهدة، والمشاهد هو الفلك، فدل على أن أحدهما هو الآخر.
@ خُلاصة ما سبق@
يبدو لنا جلياً أن ظاهر النص الإسلامي يقول بوصول الغلاف الجوي للسماء الدنيا أو على الأقل ينتهي عند القمر الذي هو اقرب مخلوقات السماوات إلى الأرض، ومعلوم أن القمر يبعُد عن الأرض عند أبعد نقطة في مداره حوالي ٤٠٠ ألف كم، فهل يُعقل أن يصل الغلاف الجوي لهذا البعد الشاسع؟!!!
والله العظيم أنا مثلكم في غاية العجب مما قرأتم ولكن يزول العجب أذا عرفنا أن العلم مُتغير تبعاً للقدرات الرصدية للإنسان فكلما زادت معارف الإنسان وقدراته على الرصد تقدم خطوات بإتجاه كشف الحقائق، ولا يمكن لعلم حقيقي أن يخالف صريح النقل فلا يُنبئك مثل خبير، وليس أصدق من الله حديثا، وهذا ما سوف نراه في السطور المقبلة بإذن الله تعالى.
@إرتفاع الغلاف الجوي علمياً@
حتى وقت قريب كان ما نعرفه من كافة المراجع العلمية أن الغلاف الجوي للأرض ينتهي عند خط كارمان وهو خط وهمي على ارتفاع ١٠٠ كم يفصل بين الغلاف الجوي والفضاء الخارجي ويُستفاد به في تحديد مجالات الطائرات والرحلات الفضائية، ولكن علمياً الغلاف الجوي لا ينتهي عند خط كارمان وإنما يصبح بعده اكثر رقة ويمتد لمسافة أكبر قد تصل إلى ١٠ آلاف كم او أكثر، وعلمياً لا توجد حدود واضحة ينتهي عندها الغلاف الجوي. يمكن مراجعة ارتفاع الغلاف الجوي على موقع وكالة ناسا على الرابط التالي:
EARTH'S ATMOSPHERE
ومن المعروف أنه عند اقاصي الغلاف الجوي في أعلى طبقة الإكسوسفير Exosphere توجد سحابة رقيقة من ذرات الهيدروجين تُعرف باسم الهالة الأرضية (geocorona) واكثر مركب فيها هو الهيدروجين، ولطالما ظل الحجم الكامل لهذه الهالة لغزًا، فقد التقط رواد فضاء بعثة «أبوللو» صورة لها وهي تسطع في أشعة الشمس فوق البنفسجية في عام 1972، دون أن يدركوا أنهم كانوا بداخلها.
بين عامي 1996، و1998، جرى تسليط مرصد الشمس والغلاف الشمسي «سوهو» (SOHO) التابع للوكالتين الأمريكية والاوربية لعلوم الفضاء صوب الأرض ليرسم خريطة للهالة الأرضية حيث تحمل المركبة «سوهو» كاميرا حساسة للغاية تدعى «سوان» يمكن لها التقاط أثر الهيدروجين حينما تثيره أشعة الضوء القادمة من الشمس في ظاهرة تسمى (ألفا لايمان Lyman-Alpha).
وقد ظلت تلك البيانات الخاصة بالهالة الأرضية في أرشيف البيانات الخاص بالمركبة سوهو إلى أن تمكن فريق بحثي روسي بقيادة العالم إيجور باليوكين من معهد أبحاث الفضاء التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، تمكن هذا الفريق من الحصول على البيانات الأرشيفية لمركبة الفضاء سوهو من أجل دعم أبحاثهم الخاصة بهالة الأرض.
وقد بينت القياسات التي أخذتها الكواشف الحساسة في مرصد «سوهو» أن سحابة الهيدروجين تتلاشى تدريجيًا على بُعْد حوالي 630 ألف كيلومتر من كوكب الأرض، أي أنها تصل للقمر وتتخطاه. وقد نشر فريق البحث الروسي نتائج دراسته في مجلة Geophysical Research: Space Physics وذلك في فبراير ٢٠١٩ تحت عنوان (خريطة ألفا ليمان للكاميرا سوان التابعة للمركبة سوهو: الهالة الأرضية الهيدروجينية تمتد إلى ما وراء القمر)، ويمكن مطالعة المقال على الرابط التالي:
SWAN/SOHO Lyman‐α Mapping: The Hydrogen Geocorona Extends Well Beyond the Moon
وقد أحدثت هذه المقالة ضجة كبيرة في الأوساط العلمية وذلك لأهمية النتائج التي حصلوا عليها وهي كالآتي:
١. إعادة تعريف الإمتداد الحقيقي للغلاف الجوي حيث تبين أنه يتجاوز القمر، حيث يصل ارتفاعه الى ٦٣٠ الف كم.
٢. ستساعد نتائج هذه الدراسة في البحث عن الماء على الكواكب الأخرى لأن الهالات الكوكبية الهيدروجينية تظهر فقط في الكواكب التي تحوي بخار ماء قريبًا من السطح، ما يعني أن رصدها هو علامة على وجود الماء.
٣. الكشف الجديد سيساعد التليسكوبات الأرضية والفضائية على ضبط معاييرها للرصد، حيث ستضاف قيمة كثافة ذرات الهيدروجين في تلك الهالة الأرضية الهيدروجينية إلى قواعد بياناتها حتى لا تقوم بضمها للإشعاع الذي تحصل عليه من الأجرام البعيدة كالمجرات.
وأعظم نتيجة نخرج بها نحن المسلمون من هذا البحث العلمي أنه متوافق مع ما أخبر به رب العالمين في القرآن الكريم عن إمتداد الغلاف الجوي من سطح الأرض إلى حدود السماء الدنيا، فالحمد لله على نعمة الإسلام.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
ا. م. بكلية طب القنفذة - جامعة أم القرى
ورد ذكر (ما بين السماوات والأرض) في القرآن في عشرين آية كقول الله (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)، وقول الله (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)، فبينت هذه الآيات أن هناك خلق عظيم يشغل ما بين السماوات والأرض وأن هذه المسافة الشاسعة ليست فراغ.
فما هذا الخلق الذي يملأ بين السماوات والأرض؟، هل هو تابع للأرض أم للسماء، ام خلق منفصل عنهما؟، ومتى تم خلقه في زمن الأيام الستة؟، وهل هذا الخلق ينتهي عند حدود السماء الدنيا ام يمتد بين السماوات السبع الطباق؟!
كل هذه التساؤلات دفعتني للبحث عن معنى ما بين السماوات والأرض من منظور إسلامي ثم من منظور علمي لأكتشف أن ما بينهما هو الغلاف الجوي الذي يمتد من سطح الأرض إلى أن يصل للسماء الدنيا مُحتضناً القمر بطبقة الهالة الأرضية الهيدروجينية (Geocorona) وإليكم التفصيل.
@ تفسير ما بين السماوات والأرض)@
١. تفسير مُقاتل وتفسير نظم الدُرر للبقاعي وتفسير حدائق الروح والريحان للهرري
{وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ يعني الرياح، والسحاب.
٢. تفسير البغوي وتفسير الوسيط للنيسابوري وتفسير البيضاوي، وتفسير أبو السعود، وتفسير الشعراوي
قالوا جميعاً {وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ هو الهواء
٣. تفسير زهرة التفاسير
{وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ هو الفضاء القائم، والذي تكون فيه السحاب وينزل منه المطر.
وعليه فمُراد المفسرين بالخلق الذي بين السماء والأرض هو الغلاف الجوي والذي به الرياح والسحاب والمطر والطير إلى غير ذلك من المخلوقات التي لا يعلم تفصيلها إلا الله، قال تعالى (وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض)، وقال ايضا (اولم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء)، وهذا كله مما سخره الله في الغلاف الجوي.
@هل (ما بينهما) تابع للأرض والسماوات أم مُنفصل؟@
حين نقرأ قول الله (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) قد نظن أن ما بينهما خلق منفصل لا ينتمي للأرض ولا للسماوات وهذا ظن خطأ لأن الله تارةً يذكر (ما بينهما) ضمن ما خلقه في الستة أيام وتارةً اخرى لا يذكره كقوله تعالى (الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة ايام) فدل ذلك على أن ما بينهما هو تابع إما للأرض وإما للسماوات أو لكليهما، وحيث أن ما بينهما بأقوال المفسرين هو الغلاف الجوي فهو تابع للأرض وجزء من خلقها لا تتم إلا به والله تعالى أعلى وأعلم.
قال ابن تيمية في الفتاوى (١٤ / ٤١٧)
فَتَارَةً يَذْكُرُ الله وَمَا بَيْنَهُمَا فِيمَا خَلَقَهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَتَارَةً لَا يَذْكُرُهُ، وَهُوَ مُرَادٌ، فَإِنْ ذَكَرَهُ كَانَ إيضَاحًا وَبَيَانًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ دَخَلَ فِي لَفْظِ " السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ".
@حدود (ما بينهما) في النص الأسلامي@
أجمع اصحاب التفاسير على أن هذا الخلق البيني (الغلاف الجوي) يقع بين جنسيّ السماوات والأرض غير داخل بين السماوات لأن الله قال وما بينهما ولم يقل وما بينهن، اي أنه يمتد من سطح الأرض إلى بداية ما يقال له سماوات اي السماء الدنيا والله تعالى أعلى وأعلم.
بالنسبة لأهل الأرض أقرب ما في السماء هو القمر، وظاهر الآيات أن القمر مع البروج والشمس في السماء، قال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا}، وقال {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}.
ومع ان ظاهر القرآن واضح في إنتماء القمر والشمس والبروج للسماوات إلا أن هناك فريق من أهل العلم يقول بأن الشمس والقمر والنجوم تجري في فلك تحت السماء لقول الله (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون).
فهل النيرين الشمس والقمر في السماء أم في فلك تحت السماء؟
الذي أراه والعلم عند الله أن الجمع بين القولين (في السماء _ فلك تحت السماء) ممكن فالله يخاطبنا بما تراه عيوننا فنحن نرى القمر يجري في فلك في السماء التي ينتهي إليها بصرنا، فلابد ان الفلك تابع للسماء، وقد أبدع ابن تيمية في الجمع بين القولين في مجموع الفتاوى (٦ / ٥٩٢) حين سُئل هل الأفلاك التي تحوي الشمس والقمر هي السماوات أم غيرها؟، فقال كلاهما واحد فالله أخبر أننا نرى السماوات { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} وقال: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ}، وأمثال ذلك من النصوص الدالة على أن السماء مشاهدة، والمشاهد هو الفلك، فدل على أن أحدهما هو الآخر.
@ خُلاصة ما سبق@
يبدو لنا جلياً أن ظاهر النص الإسلامي يقول بوصول الغلاف الجوي للسماء الدنيا أو على الأقل ينتهي عند القمر الذي هو اقرب مخلوقات السماوات إلى الأرض، ومعلوم أن القمر يبعُد عن الأرض عند أبعد نقطة في مداره حوالي ٤٠٠ ألف كم، فهل يُعقل أن يصل الغلاف الجوي لهذا البعد الشاسع؟!!!
والله العظيم أنا مثلكم في غاية العجب مما قرأتم ولكن يزول العجب أذا عرفنا أن العلم مُتغير تبعاً للقدرات الرصدية للإنسان فكلما زادت معارف الإنسان وقدراته على الرصد تقدم خطوات بإتجاه كشف الحقائق، ولا يمكن لعلم حقيقي أن يخالف صريح النقل فلا يُنبئك مثل خبير، وليس أصدق من الله حديثا، وهذا ما سوف نراه في السطور المقبلة بإذن الله تعالى.
@إرتفاع الغلاف الجوي علمياً@
حتى وقت قريب كان ما نعرفه من كافة المراجع العلمية أن الغلاف الجوي للأرض ينتهي عند خط كارمان وهو خط وهمي على ارتفاع ١٠٠ كم يفصل بين الغلاف الجوي والفضاء الخارجي ويُستفاد به في تحديد مجالات الطائرات والرحلات الفضائية، ولكن علمياً الغلاف الجوي لا ينتهي عند خط كارمان وإنما يصبح بعده اكثر رقة ويمتد لمسافة أكبر قد تصل إلى ١٠ آلاف كم او أكثر، وعلمياً لا توجد حدود واضحة ينتهي عندها الغلاف الجوي. يمكن مراجعة ارتفاع الغلاف الجوي على موقع وكالة ناسا على الرابط التالي:
EARTH'S ATMOSPHERE
Climate Change: Vital Signs of the Planet
Part One sidebar: Earth’s atmosphere has five major and several secondary layers. From lowest to highest, the major layers are the troposphere, stratosphere, mesosphere, thermosphere and exosphere.
www.google.com
ومن المعروف أنه عند اقاصي الغلاف الجوي في أعلى طبقة الإكسوسفير Exosphere توجد سحابة رقيقة من ذرات الهيدروجين تُعرف باسم الهالة الأرضية (geocorona) واكثر مركب فيها هو الهيدروجين، ولطالما ظل الحجم الكامل لهذه الهالة لغزًا، فقد التقط رواد فضاء بعثة «أبوللو» صورة لها وهي تسطع في أشعة الشمس فوق البنفسجية في عام 1972، دون أن يدركوا أنهم كانوا بداخلها.
بين عامي 1996، و1998، جرى تسليط مرصد الشمس والغلاف الشمسي «سوهو» (SOHO) التابع للوكالتين الأمريكية والاوربية لعلوم الفضاء صوب الأرض ليرسم خريطة للهالة الأرضية حيث تحمل المركبة «سوهو» كاميرا حساسة للغاية تدعى «سوان» يمكن لها التقاط أثر الهيدروجين حينما تثيره أشعة الضوء القادمة من الشمس في ظاهرة تسمى (ألفا لايمان Lyman-Alpha).
وقد ظلت تلك البيانات الخاصة بالهالة الأرضية في أرشيف البيانات الخاص بالمركبة سوهو إلى أن تمكن فريق بحثي روسي بقيادة العالم إيجور باليوكين من معهد أبحاث الفضاء التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، تمكن هذا الفريق من الحصول على البيانات الأرشيفية لمركبة الفضاء سوهو من أجل دعم أبحاثهم الخاصة بهالة الأرض.
وقد بينت القياسات التي أخذتها الكواشف الحساسة في مرصد «سوهو» أن سحابة الهيدروجين تتلاشى تدريجيًا على بُعْد حوالي 630 ألف كيلومتر من كوكب الأرض، أي أنها تصل للقمر وتتخطاه. وقد نشر فريق البحث الروسي نتائج دراسته في مجلة Geophysical Research: Space Physics وذلك في فبراير ٢٠١٩ تحت عنوان (خريطة ألفا ليمان للكاميرا سوان التابعة للمركبة سوهو: الهالة الأرضية الهيدروجينية تمتد إلى ما وراء القمر)، ويمكن مطالعة المقال على الرابط التالي:
SWAN/SOHO Lyman‐α Mapping: The Hydrogen Geocorona Extends Well Beyond the Moon
وقد أحدثت هذه المقالة ضجة كبيرة في الأوساط العلمية وذلك لأهمية النتائج التي حصلوا عليها وهي كالآتي:
١. إعادة تعريف الإمتداد الحقيقي للغلاف الجوي حيث تبين أنه يتجاوز القمر، حيث يصل ارتفاعه الى ٦٣٠ الف كم.
٢. ستساعد نتائج هذه الدراسة في البحث عن الماء على الكواكب الأخرى لأن الهالات الكوكبية الهيدروجينية تظهر فقط في الكواكب التي تحوي بخار ماء قريبًا من السطح، ما يعني أن رصدها هو علامة على وجود الماء.
٣. الكشف الجديد سيساعد التليسكوبات الأرضية والفضائية على ضبط معاييرها للرصد، حيث ستضاف قيمة كثافة ذرات الهيدروجين في تلك الهالة الأرضية الهيدروجينية إلى قواعد بياناتها حتى لا تقوم بضمها للإشعاع الذي تحصل عليه من الأجرام البعيدة كالمجرات.
وأعظم نتيجة نخرج بها نحن المسلمون من هذا البحث العلمي أنه متوافق مع ما أخبر به رب العالمين في القرآن الكريم عن إمتداد الغلاف الجوي من سطح الأرض إلى حدود السماء الدنيا، فالحمد لله على نعمة الإسلام.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
ا. م. بكلية طب القنفذة - جامعة أم القرى