هل يصح تفسير د.محمد أبو الفتوح لهذه الآيات لإثبات إعجاز القرآن الطبي في بعض الأمراض؟

إنضم
18/07/2010
المشاركات
537
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1

بين يدي بحثٌ لطبيب يدعى الدكتور/ محمد إبراهيم أبو الفتوح, وقد نُشر في مجلة "آفاق عربية" أمس الجمعة الموافق 20 مارس 2015م بعنوان: "القرآن يبين أعراض الذئبة الحمراء الجهازية وعلاقتها بالأجسام المضادة لكريات الدم الحبيبية المتعادلة", وقد تأملتُ الآيات التي بنى عليها دراسته فشعرتُ أن ما يستنتجه غير واضح وغير مباشر, ولأني غير متخصصة في التفسير أردتُ معرفة آراء من يتكرم علينا برأيه من المتخصصين ـ مشكورا مأجورا بإذن الله ـ.

وأثناء بحثي في الموضوع وكاتبه وجدتُ أبحاثا مشابهة له, وهو بالمناسبة طبيب أسنان, والأبحاث هي:
*البحث الأول نشر في النافذة الإلكترونية: "بوابة الدلتا الإخبارية" بعنوان: "القرآن يُسلط الضوء على مشاكل المشي والتوازن عند مريض القدم السكري وأسبابها" وبقراءة سريعة لمطلع هذا البحث لاحظتُ نفس الملاحظة في أنه يستنتج من آيات تبدو لا علاقة لها بالموضوع ما يريد!
*البحث الثاني نشر أيضا في النافذة الإلكترونية: "بوابة الدلتا الإخبارية" بعنوان: "القرآن أشار إلى استخدام مستقبلات الاستروجين في تقوية عضلات الرحم لدى الحامل".

وفيما يلي أضع النص الكامل للبحث الذي نشر في مجلة "آفاق عربية" بالأمس, وعنوانه: "القرآن يبين أعراض الذئبة الحمراء الجهازية وعلاقتها بالأجسام المضادة لكريات الدم الحبيبية المتعادلة".

البحث:
إن القرآن قد بيَّن لنا كثيراً من المفاهيم الطبية الحديثة والتي تربط بين الأمراض المختلفة وأعراضها وبين التغيرات الميكروسكوبية التي تحدث لعُضيات الخلية نتيجةً لهذه الأمراض. ومن أهم هذه المفاهيم المرضية التي بيَّنها القرآن تلك التي تتعلق بأمراض المناعة الذاتية. وأمراض المناعة الذاتية تحدث نتيجة فشل الجهاز المناعي للكائن الحي في التعرف على خلاياه وأنسجته وذلك نتيجةً لخطأ في نظام المعلومات الخاص بالبصمة الوراثية لأنسجة وخلايا الجسم ومن ثم يصنفها الجهاز المناعي كأجسام غريبة ويبدأ بمهاجمتها من خلال الخلايا والأجسام المناعية. ومن أهم الأمراض المناعية التي أشار إليها القرآن الذئبة الحمراء الجهازية Systemic Lupus Erythematosus . وهي مرض التهابي مزمن يحدث عندما يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة أنسجة وأجهزة الجسم وتمتد هذه الالتهابات لتشمل العديد من أجهزة الجسم بما في ذلك الجلد والمفاصل والكلى والرئتين وخلايا الدم والقلب، ومن أهم الأعراض التي تميز هذا المرض ما يُعرف بالحساسية الضوئية.

ولكن قبل أن نبدأ في شرح أعراض مرض الذئبة الحمراء الجهازية والتي ذكرها القرآن في أكثر من موضع وكذلك شرح سبل التعرف عليه من خلال البحث عن الأجسام المضادة لكريات الدم الحبيبية المتعادلة، فإنه يجب علينا أولاً أن نتعرف على العُضيات المختلفة للخلية وذلك من خلال إشارة القرآن إليها وإلى وظائفها ومن ثم يتكون لدينا الأساس الضروري لفهم البصمة الوراثية والتغيرات التي تحدث في أمراض المناعة الذاتية.

ولقد عدد لنا القرآن مختلف عُضيات الخلية من خلال القراءات المختلفة لقوله تعالى “ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون” سورة يّس (62) ذلك أن الخلية هي الوحدة التركيبية والوظيفية للكائنات الحية، ولذا أودع الله تعالى في الخلية نظاماً أساسياً وآليات تهتدي بها لتؤدي عملها بكفاءة فجبلها وفطرها على طبيعة خاصة تلائم وظيفتها، ولذا سُمِّيَ بنو آدم بالجبلة حيث فطرهم الله تعالى وخلقهم مادياً ونفسياً وعقلياً بما يحقق مراده في العبادة واستعمار الأرض، ويظهر ذلك الأمر جلياً من خلال علاقة الآية السابقة بقوله تعالى “وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون (26) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين” سورة الزخرف (26-27).

وبالتأمل في الآيتين السابقتين، يتضح لنا أن الله سبحانه تعالى حينما فطر وخلق الإنسان من الخلية كوحدة تركيبية ووظيفية، فإنه تعالى قد هدي هذه الخلية – التي هي أساس الفطر والخلق – في جميع شئونها كما يؤكد ذلك قوله تعالى “قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى” سورة طه (50)، ولكنه من ناحية أخرى هو الذي يُضل من يشاء فهو أضلهم لما زاغوا عن الحق ورغبوا عنه وأرادوا الزيغ والباطل ولذا أضل منهم سبحانه وتعالى أمماً كثيرة. وينطبق هذا أيضاً على الناحية الجسدية، فإنه سبحانه وتعالى كما يهدي الخلية لتقوم بوظيفتها فإنها يُضلها ويُضل ما فيها من عُضيات عند ابتلائه سبحانه وتعالى للإنسان بالمرض والأذى.

وهكذا سنقوم من خلال استعراض القراءات المختلفة لآية سورة يّس “وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ”، بتبيين مختلف عُضيات الخلية وشرح واستبيان وظيفة كل واحدة منها، ذلك أن اختلاف قراءات كلمة “جبل” في الآية السابقة يرجع إلى اختلاف الآليات التي أودعها الله تعالى لهداية الخلية حيث كل آلية من هذه الآليات تقوم بها عُضية محددة من عُضيات الخلية.

وبدايةً، فأصل مادة “جبل” وضع أمر ما في الشيء بما يتكيف مع الغاية التي خُلق أو جُعل من أجلها بحيث يُصبح ذلك أساساً ومنهجاً له في شئونه فلا يخرج عنه بل إنه يتقوى به في مواجهة ما يُحيط به من أمور. والدليل على ما سبق أنه يُشتق من هذه المادة كلمة “الجَبَل” وهو ما يعلو عن التل وكذلك كلمة “الجَبْل” وهو الخلق والفطر. ومن ناحية أخرى، فأصل مادة “ضلل” هو ابتعاد الشيء عن الطريق الموصل لغايته أو ابتعاد الغاية عنه وذلك لاتخاذ هذا الشيء طريقاً مخالفاً للسبل التي قد تحقق الغاية المتوافقة مع طبيعته. والدليل على ذلك أنه يُشتق من هذه المادة كلمة “الضَّلة” بمعنى الحيرة، وكذلك الفعل “تضلَّل” حيث يُقال “تضلَّل الماء من تحت الحجر” أي ذهب. وأخيراً فإن أصل مادة “عقل” يتضمن الاستمساك بالأصل ومعرفته بطريقة تمنع التباسه بأي عارض من العوارض وذلك من خلال اتباع مسلك عقلي أو مادي يؤدي إلى تمايز الأصل عن العرض أو يؤدي إلى منع تفلت الأصل وما قد يتسبب عن ذلك من عدم التعرف على هذا الأصل مرة أخرى. والدليل على ذلك أنه يُشتق من هذه المادة كلمة “العِقال” وهو الحبل الذي يُمسك ويُعقل به البعير، وكذلك الفعل “اعتقل” حيث يُقال “اعتقل من دم فلان” أي أخذ الدية.
وهكذا عند استعرضنا للقراءات السبعة لآية “وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ” قراءة تلو قراءة فإننا سنجد أن كل قراءة تقابل آلية أودعها الله تعالى لهداية الخلية حيث كل آلية من هذه الآليات تقوم بها عُضية محددة من عُضيات الخلية، ولذلك سنذكر كل عُضية والقراءة التي تدل عليها وتوجيهها فيما يلي:
النواة، وتدل عليها قراءة (جُبُلاَّ) بضم الأول والثاني وتضعيف الثالث. وهي قراءة روح والحسن وابن أبي اسحاق وعيسى بن عمر وعبد الله بن عبيد الله بن عمر والنضر بن أنس والزهري وابن هرمز وحفص بن حميد وزيد. ووجه الاستدلال بها على هذا الأمر هو أنها تعتبر إشارة إلى النواة وما يتعلق بها ديمومة الحركة لأنها على صيغة “فُعُلّ” بضم الفاء والعين وتشديد اللام وهي في ذلك تشبه صيغة “فُعُل” بدون تشديد التي تدل على ديمومة الحركة كما في كلمة “حُمُر” في قوله تعالى “كأنهم حمر مستنفرة” سورة المدثر (50)، وأما فيما يتعلق بدلالة تشديد اللام في “جُبُلاًّ” فيمكن استنباطها من تشديد الميم في قراءة حمزة وابن عامر والكسائي وخلف واليزيدي “نَعِمَّا” لقوله تعالى “إن الله نَعِمَّا يعظكم به” سورة النساء (58) بفتح الأول وكسر الثاني وتضعيف الثالث والتي لا يصح تأويلها كونها إدغام بين الكلمتين “نِعم” و “ما” ولكن فيها دلالة على تمايز الأمر (وهو الحكم بالعدل) عن غيره نظراً لأهميته وكماله وعظم شأنه ولذا لا يُسقط أو يُبطل ذلك الأمر شيء، ونظراً لاتحاد المناط بين أصل جبل – والذي يتضمن كون الأمر أساساً ومنهجاً للشيء في شئونه المختلفة فلا يخرج عنه – وبين دلالة “نَعِمَّا” فيؤخذ بدلالتها في إثبات دلالة تضعيف اللام في “جُبُلاًّ”، ويشتمل المعنى حينئذ على الأمر الذي يُوضع في الشيء بما يتوافق مع غايته حيث بهذا الأمر تكتمل حركات وسكنات الشيء فلا تخرج حركات وسكنات هذا الشيء عن المنهج الذي يضعه ذلك الأمر.

وعلى هذا، إذا كانت دلالة “من” مرادفة لدلالة “الباء” كما في قوله تعالى “ينظرون من طرف خفي” سورة الشورى (45) وإذا اُستخدمت كلمة “أضل” للإشارة إلى النتيجة وهو الهلاك المخالف لغاية البقاء وذلك كمجاز مرسل علاقته المسبَّبِية فإن المعنى حينئذ يشير إلى إخراج الخلق وأجسادهم بعيداً عن استعمار الأرض كغاية لهم تتلاءم معها طبيعة أجسامهم. وهكذا نستنتج مما سبق من الأدلة أن “جُبُلاً كثيراً” تشير إلى العدد الضخم من نويات الخلايا التي تهلك حينما يصيب الإنسان أمراض معينة (كالسرطان مثلاً) تؤدي إلى إخراج الأعضاء المختلفة لجسم الإنسان عن وظائفها حيث النواة تكتمل بها حركات وسكنات الكائن وبها المنهج الذي يجب أن يسير عليه.

المايتوكندريا (المُتَقَدِّرات – الحبيبات الخيطية – الخلايا المولدة للطاقة)، وتدل عليها قراءة (جُبُلاً) بضم الأول والثاني وتخفيف الثالث. وهي قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس وخلف وابن محيصن والحسن والأعمش. ويُلاحظ أن هذه القراءة تتضمن إشارة إلى ديمومة الحركة فهي على صيغة “فُعُل” بدون تشديد، وتختلف عن القراءة السابقة من حيث تخفيف اللام مما يدل على عدم على تمييز الأمور رغم أهميتها وكمالها وعظم شأنها. وعلى هذا فهذه القراءة تشير إلى مايتوكندريا الخلايا ذلك أنها مواضع إخراج الطاقة، فالطاقة لا تمتاز في موضع عن موضع رغم أهمية إخراجها وعظم شأنها ودورها في تيسير شئون الخلية وهي في ذات الوقت سبيل لاستمرار الحركة ودوامها داخل الخلية والمايتوكوندريا هي محل توليد الطاقة في جسم الإنسان ككل.

الشبكة الإندوبلازمية (الشبكة الهيولية الباطنة)، وتدل عليها قراءة (جُبْلاً) بضم الأول وسكون الثاني. وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر والهذيل بن شرحبيل. وقراءة (جُبْلاً) بضم الأول وسكون الثاني مثل خُسْفٍ والذي هو الجوز الذي يُؤكل وواحدته خَسْفة، وأصل مادة “خسف” التحاق الشيء بهيئة أخرى أو محل آخر غير الذي شهد فيه الخير أو النعيم أو العافية وذلك لأمر أصابه، وذلك مصداقاً لقوله تعالى “فخسفنا به وبداره الأرض” سورة القصص (81). ونظراً لتوافر الجمعين “خُسُف وخُسْف” في مادة “خسف” والذي يتوافق مع توافر الجمعين “جُبُل وجُبْل” في مادة “جبل”، فهذه أمارة على أن كلمة “جُبْل” تدل على الهيئة أو المحل الذي تلتحق به المادة التي هي أساس بناء الإنسان والتي تتكيف وتتغير على حسب الغاية أو الوظيفة المراد تحقيقها والتي تتنوع وتختلف مع أنشطة الخلية المختفة، وبطبيعة الحال هذه المادة هي البروتين. فالبروتين هو سبيل بناء الخلية وإتمام أنشطتها وغاياتها المختلفة ومن ثم تشير كلمة “جُبْل” إلى الشبكة الإندوبلازمية الداعمة للبروتين.

جهاز جولجي، وتدل عليه قراءة (جِبْلاً) بكسر الأول وسكون الثاني. وهي قراءة عاصم والأشهب العقيلي وأبي يحي اليماني وحماد بن سلمة. وصيغة “جِبْل” مثل صيغة كلمة “فِعْل” والذي هو حياء الناقة. وهذه إشارة إلى وقوع شيء ما أو حدوثه فيلحق بمن وقع به هذا الشيء أمر أو حالة معينة يمكن اعتبارها استجابة فطرية أو طبيعية لهذا الشيء. وعلى هذا فكلمة “جِبْل” تدل على الشيء الذي يقع عليه تكييف وتقدير المادة التي هي أساس بناء الإنسان وفطره وخلقه والتي تتكيف وتتغير على حسب الغاية أو الوظيفة المراد تحقيقها حيث تتنوع هذه الوظيفة وتختلف مع أنشطة الخلية المختفة. وإذ إن سبيل بناء وتحقيق مختلف غايات الخلية هو البروتين، فإن هذا الشيء يستجيب للبروتين المتكون في الخلية بتعديله أو تصنيفه وتجميع جزئياته وهذه إشارة لطيفة إلى جهاز جولجي.

السيتوبلازم (الهيولي أو الحشوة)، وتدل عليه قراءة (جِبِلاً) بكسر الأول والثاني وتخفيف الثالث. وهي قراءة الأعمش. وقراءة “جِبِلاً” مثل “إِبِل” وأصل مادة “أبل” هو استمساك الشيء بأمر ما مع الاستغناء عن غيره بما يؤدي أن تستمسك أجزاء الشيء المختلفة بهذا الأمر أو تأخذه بما يؤدي إلى الاستغناء عن غيره. والدليل على ذلك أنه يُشتق من هذه المادة كلمة “أبلت الإبل” بمعنى استغنت بالنبات الرطب عن الماء وكذلك يُشتق منها “أبُل أبالة” بمعنى ترهَّب وتنسَّك. ولذا يُقال على الجماعات التي استغنت بما لديها من قوة عن أي أمر آخر لفظ “أبابيل”، وذلك مصداقاً لقوله تعالى “وأرسل عليهم طيراً أبابيل” سورة الفيل (3). وهكذا فقراءة “جِبِلاً” تدل على التجمع الذي يمسك أجزاء وعُضيات الخلية مع بعضها فيجعلها تستغني عن الذي حولها وذلك بما لديها من عضيات وآليات وقدرة على أداء الوظيفة لتصبح الخلية هي الوحدة التركيبية والوظيفية للكائن الحي. وعليه فهذه القراءة أمارة على السيتوبلازم الذي يجمع كل عضيات الخلية.

الغشاء السيتوبلازمي (غشاء البلازما – الغشاء الهيولي)، وتدل عليه قراءة (جِبِلاًّ) بكسر الأول والثاني وتضعيف الثالث، وهي القراءة التي في مصاحفنا. وصيغة “جِبِلاًّ” مثل صيغة كلمة “عِهِبّى” وهي الزمان عن الفراء، وفي تاج العروس “الشباب، أي شرخه وأوله، والعِهِبّى من الملك زمنه” مع ملاحظة أن الألف المقصورة للتأنيث وكلمة “عِهِبّى” اسم جنس إفرادي. وهكذا فصيغة “فِعِلّ” تدل على موضع أو محل القوة والحركة بالنسبة لمجموع الشيء أو أجزائه المختلفة، وهذا يتوافق مع أول الشباب وشرخه، كما يتوافق مع القوة والشدة والجبروت في الأمم السابقة التي تشير إليها كلمة “جِبِلّ”، بالإضافة إلى كونه يتوافق مع ما تم استنباطه من دلالة قراءة “جِبِلاً” بتخفيف اللام في النقطة السابقة. وعليه فإن موضع أو محل القوة والحركة بالنسبة لمجموع الخلية هو الغشاء السيتوبلازمي الذي يسمح بانتقال المواد والعناصر من وإلى الخلية ويقوم باستقبال وإرسال الإشارات من وإلى الخلية وغير ذلك من الوظائف الحيوية المهمة لجميع مكونات الخلية.

الحويصلات السيتوبلازمية (الحويصلات الهيولية)، وتدل عليها قراءة (جِبَلاً) بكسر الأول وفتح الثاني وتخفيف الثالث. وقد ذكرت في القراءات الشاذة لأبي حيان وفي الكشاف الزمخشري. وصيغة (جِبَل) وهي (فِعَل) من أمثلتها ضِلَع وعِنَب وبِدَر حيث تدل هذه الصيغة على تعدد أنواع الشيء ( أعناب مختلفة مثلاً ) مع اتحاد هذه الأنواع في الجنس، وعدم غلبة نوع معين بحيث يرتبط جنس الشيء بهذا النوع (كلها تسمى عنب، ولا يتميز نوع معين من العنب بحيث يصبح هو النوع الأساسي) ولذا يُطلق على كل نوع نفس المسمى (عنب الإيرلي سوبيريور – عنب السوبيريور – عنب بيرليت – عنب ديليت – عنب الفليم سيدلس – عنب طومسون سيدلس – عنب الفيستا – عنب مسكات الإسكندرية – العنب الجولد). ويرجع ذلك الأمر لتشابه أنواعه في الصفات العامة التي تميز هذا الشيء عن غيره. وهكذا فإنه بالنسبة للخلية لا ينطبق ذلك إلا على الحويصلات السيتوبلازمية وهي في الحقيقة عُضيات ناقلة تتشابه في وظيفتها التي هي نقلها المواد المختلفة، ولكن يلاحظ أن لكل مادة ناقل معين مع إمكانية معالجة المادة أثناء النقل، وهي تضم على سبيل المثال الجسيمات المحللة (ليسوزوم) والجسيمات البروتينية (بروتيازوم)، وجسيمات ماء الأكسجين (بيروكسيزوم) ، وجسيمات الهيدروجين (هيدروجينوزوم).

وبعد أن تناولنا عُضيات الخلية ووظائفها المختلفة، سننتقل إلى مسألة البصمة الوراثية حيث برجوعنا إلى قوله تعالى “وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم (61) ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون” يّس (61 – 62) يظهر لنا ارتباط الفطرة الجسدية والنفسية والسلوكية والخلقية مع بعضها كما يظهر لنا من قراءة قنبل ورويس “سراط” في قوله “هذا صراط مستقيم” فأصل مادة “سرط” هو بقاء الشيء في حالة ثابتة مستقرةً وديمومة رغم وجود مثيرات حوله وذلك نتيجة لاستجابة الشيء لأمر أو شيء واحد وليس لأي شيء آخر. والدليل على ذلك أن السُّرط هو الكائن عظيم اللقم أو سريع الجري، والسُّراط هو الشيء القطَّاع فيُقال السيف السُّراط، كما يُقال “انسرط الطعام في حلقه” أي سار فيه سيراً سهلاً. وهكذا فالسراط يشير إلى الاستجابة الدائمة إلى أوامر محددة. وفيما يتعلق بعُضيات الخلية فهذا يُشير إلى استجابتها للرسائل المختلفة من خلال وجود علامة واحدة هادية تستجيب لها هذه العُضيات وهي البصمة الوراثية.
وهذه البصمة الوراثية تظهر لنا جلياً في الآية المفسرة التي تلي الآية التي بيَّنت عُضيات الخلية حيث يقول تعالى “اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون” سورة يّس (65) وسنركز على قراءة عبد الله بن مسعود وطلحة ومحمد بن طلحة وعبد الرحمن بن محمد بن طلحة “ولِتُكلِّمَنَا” بكسر اللام وفتح الميم مع قراءة البحر المحيط لابن حبان والمحتسب لابن جني “ولِتَشْهَدَ” بكسر اللام وفتح الدال حيث توضح القراءتان ما يلي:
الذي يمنع شهادة وكلام الأيدي والأرجل هو ما أودعه الله تعالى في الإنسان من جهاز عصبي مركزي وهذا مستنبط من كون الذي يتحكم في الكلام والنطق هي القشرة المخية والمراكز العليا للمخ دون غيرها ويظهر ذلك من عبارة “اليوم نختم على أفواههم”
الرسائل المختلفة إلى خلايا الجسم والتي تتم عبر البصمة الوراثية تتحكم في معدل الأيض والهدم والبناء وتوليد الطاقة في مختلف الخلايا كما يظهر من عبارة “بما كانوا يكسبون”
الرسائل المختلفة إلى خلايا الجسم تتضمن معلومات محددة لإتمام وظائف معينة حيث تشبه في ذلك الكلام المنطوق الذي يصدر من جهاز النطق عند الإنسان.
الرسائل المختلفة إلى خلايا الجسم والتي تتم عبر البصمة الوراثية تتضمن معلومات عن البيئة الداخلية للجسم والبيئة الخارجية والوسط المحيط كما يظهر من مفهوم الشهادة في عبارة “وتشهد أرجلهم” لأن الشهادة تتضمن التعرف على تفاصيل الموضع أو المحل المتعلق بالفعل.
الرسائل المختلفة إلى خلايا الجسم والتي تتم عبر البصمة الوراثية بها معلومات دقيقة عن الوظيفة المطلوب أداؤها والمواضع والخلايا التي يتم التفاعل معها أو التعرف عليها كما يظهر من عبارة “وتكلمنا أيديهم”.

الرسائل المختلفة إلى خلايا الجسم والتي تتم عبر البصمة الوراثية يتم إرسالها من المخ أو من خلايا أخرى عبر وسائل مختلفة مثل الدم أو سوائل الجسم المختلفة كما يظهر من قراءة “ولِتكلمنا أيديهم”.

الرسائل المختلفة إلى خلايا الجسم والتي تتم عبر البصمة الصوتية إنما يتم إرسالها من خلال مواد كيميائية لها مواضع تعرُّف على سطح هذه الخلايا يتم من خلالها التعرف على البصمة الوراثية وعلى محتوى هذه المواد الكيميائية كما يظهر من الجمع بين قراءة “ولِتشهد أرجلهم” وعبارة “بما كانوا يكسبون” وذلك باعتبار عبارة “بما كانوا يكسبون” متعلقة بعبارة “ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً” في الآية (62) السابقة.
وهكذا يتضح مما سبق أن الرسائل التي يتم إرسالها إلى خلايا الجسم والمحتوية على البصمة الصوتية يتم إرسالها من خلال مواد كيميائية لها مواضع تعرُّف على الخلايا المرسل إليها حيث يتم من خلال هذه المواضع التعرف على البصمة الوراثية وعلى ما تحتويه هذه المواد الكيميائية من معلومات دقيقة عن الوظيفة المطلوب أداؤها والمواضع والخلايا التي يتم التفاعل معها أو التعرف عليها ويتم إرسال هذه المواد الكيميائية عبر وسائل مختلفة مثل الدم أو سوائل الجسم المختلفة كما تتضمن هذه الرسائل معلومات عن معدل الأيض والهدم والبناء وتوليد الطاقة وكذلك عن البيئة الداخلية للجسم والبيئة الخارجية والوسط المحيط.
وبعد أن تناولنا مسألة البصمة الوراثية، فإننا سننطلق إلى مسألة أمراض المناعة الذاتية. وفي الحقيقة إن أمراض المناعة الذاتية يُمكن استنباطها من قوله تعالى “قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون (41) فلمَّا جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين” سورة النمل (41 -42). وسنركز على قراءة أبي حيوة “ننظُرُ” بضم الراء بدلاً من سكونها. وفي الحقيقة إن هاتين الآيتين أوضحتا أن التعرف على شيء ما من أجل أن يتم التعامل معه بشكل سليم يمكن ألا يتم إذا حدث خلل في نظام المعلومات ومن ثم في قدرة الشخص على التعرف على هوية الشيء كما يظهر من عبارة “كأنه هو”، كما أوضحت عبارة “نكروا لها عرشها” أن هذا الخلل الذي يؤدي إلى عدم التعرف على هوية الشيء يرجع في الأساس إلى وجود مواد غريبة – يختلط بهذا الشيء – تجعل قدرة التعرف عليه متعذرة جداً. وفي الحقيقة إن الآية التي بيَّنت مسألة البصمة الجينية قد تلتها آية أخرى أوضحت ما يحدث من خلل في نظام المعلومات الخاص بهذه البصمة في أمراض المناعة الذاتية حيث يقول تعالى “ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون” سورة يّس (67).

وأصل المسخ التحويل إلى مشوه في الخلقة لا ملامح له أو بمعنى آخر يقع تشويه في البصمة الجينية ويمتد هذا التشويه في البصمة الجينية ليمنع استمرار جسم الإنسان في أداء وظائفه المختلفة حتى أنه لا يستطيع إتمام أي عمل نظراً لأن الرسائل المتعلقة بالعمليات الحيوية والتي تُرسل إلى جميع خلايا الجسم وتتضمن معلومات عن معدل الأيض والهدم والبناء وتوليد الطاقة وعن البيئة الداخلية والخارجية – قد حدث لها خلل، والدليل على ذلك كلمة “مُضياً” بمعنى استمراراً في أداء الوظيفة. وبالتأمل في كلمة “مضي” – وهي مصدر “مَضَى، يمضِي” – يظهر لنا أنها على صيغة “فُعُول” إذ إن أصلها “مُضْويِّ”، وباستعراض المصادر الثلاثية التي على وزن “فُعُول” مثل دخول وسجود وقعود وجلوس وصعود وركوع ورقود نرى أنها تشترك في كونها تعبر عن هيئة معينة للفعل يُحكم من خلالها هل تم أداء الفعل أم لا حيث إنه رغم الاختلاف الشاسع في طرق أداء الفعل إلا أن هناك قدراً مشتركاً من الصفات تتضمنها هذه الهيئة يمكن من خلالها تأكيد حدوث الفعل. ومن ثم نستنتج من خلال كلمة “مضياً” أن هذا التشويه في البصمة الجينية يتضمن تشويهاً في شكل وهيئة الخلايا التي يجب التعرف عليها من قبل الخلايا الأخرى. وإذا رجعنا إلى تنكير عرش بلقيس، نرى أن تشويه البصمة الجينية للخلايا – بما يتضمن ذلك من خلل في طرق التعرف عليها من قبل خلايا الجسم المختلفة – يؤدي في الحقيقة إلى مجموعة من الأمراض التي تتميز بمهاجمة الأجهزة الدفاعية للجسم لخلايا الجسم نفسها، والدليل على ذلك عبارة “ننظرُ أتهتدي” بضم الراء وعبارة “وأوتينا العلم من قبلها” حيث توضح العبارة الأولى استمرار عمليات التعرف على الخلايا ومهاجمة الخلايا التي لم يتم التعرف عليها وتحديد هويتها كجزء من الجسم بينما توضح العبارة الثانية أن هذا الأمر يرجع إلى أنه قد طرأ تشويه في نظام المعلومات الخاص بالبصمة الجينية وأن هذا التشويه مستمر ويحفز على استمرار مهاجمة الجسم لخلاياه، ومن ثم ينتج من ذلك هذا النوع من الأمراض.

وبعد تناولنا أمراض المناعة الذاتية بوجه عام، نتناول على وجه الخصوص مرض الذئبة الحمراء الجهازية والذي يتميز بما يُعرف بالحساسية الضوئية والتي ترجع في الأساس إلى خلل في كريات الدم البيضاء وعلاقتها بنظام المناعة. وتظهر لنا حقيقة هذا المرض وطبيعته من الآيات التالية للآية التي بينت لنا حقيقة أمراض المناعة الذاتية حيث يقول تعالى “أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون (71) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون (72) ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون (73) واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم يُنصرون (74) لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون (75) فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون (76) أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين (77) وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم (78) قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم (79) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون” سورة يّس (71 – 80). ويظهر من الآيات السابقة أن هذه الأمراض ينشأ عنها في بعض الحالات عدم قدرة على الحركة لمهاجمة الجهاز المناعي لمفاصل الجسم المختلفة كما تدل على ذلك عبارة “وذللناهم لهم فمنها ركوبهم” حيث إذا مُسخ الإنسان فلا يستطيع الركوب كما يتضح لنا وجود إشارة خفية إلى المفاصل في قوله “الذي أنشأها أول مرة” حيث لا يقع الإنشاء إلا بتكوين نهايات للعظام ومن ثم إنشاء مواضع تمفصل هذه العظام مع بعضها.

إن ذِكر هذا الموضع من سورة يّس للأنعام وخلقها في بادئ الأمر ثم تحوله إلى ذكر الإنسان ونشأته مع توضيح أن الجامع بين المسألتين علم الله تعالى بالمنافع التي قد تُصلح كلاً من الخلقين، إنما يدفعنا في الحقيقة إلى آيات أخرى تشرح أوجه هذه العلاقة بين المسألتين ومن هذه الآيات قوله تعالى “وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاد ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (141) ومن الأنعام حمولة وفرشاً كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (142) ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين (143) ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (144) قل لا أجد في ما أوحي إلىَّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أُهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم” سورة الأنعام (141 – 145) حيث توضح هذه الآيات أن صلاح الخلق وصلاح أبنيتهم قائم على أمرين أولهما قدرة أبنيتهم على تحمل أعباء المعيشة وتكيفها مع البيئة المحيطة كما يتضح من العبارتين ” مختلفاً أكله” و”ومن الأنعام حمولة” وثانيهما قدرة أبنيتهم على بناء أجهزة دفاعية قادرة على إبقاء هذه الأبنية صالحة رغم ما تتعرض له من مصاعب ومشاكل من الداخل ومن الخارج كما يظهر من العبارتين “جنات معروشات وغير معروشات” و” وفرشاً”. ومن الآليات التي جعلها الله تعالى للحفاظ على أبنية خلقه من الآثار التي تتحملها هذه الأبنية نتيجة لأعباء المعيشة وحركة الإنسان في الحياة وتكيفه مع البيئة المحيطة، أنه تعالى جعل لهذه الأبنية آليات للإخراج مما يُمكن الكائن من الاستمرار في حركته ويتضح لنا ذلك من الكلمتين “حمولة” و” فرشاً” حيث كلمة “حمولة” تشير إلى ما يحمله الكائن من مواد ضارة نتيجة لحركته وتفاعله مع البيئة كما يظهر من قوله تعالى “ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به” سورة البقرة (286)، كما تشير كلمة “فرشاً” إلى قدرة الكائن على معالجة وإحاطة هذه المواد الضارة وعزلها مما يُتيح للكائن في النهاية القدرة على إخراجها وذلك كما يظهر من قراءة أبي السمال ومجاهد وابن مقسم “والأرضُ” بالرفع لقوله تعالى “والأرض فرشناها فنعم الماهدون” سورة الذاريات (48) حيث تشير هذه القراءة إلى جمال وروعة التمهيد والتهيئة التي تمت من خلال فرش الأرض بما يُصلحها ويحيط بما تحتويه من مواد ضارة لا تصلح لمعيشة الإنسان فقد جعل الله تعالى للأرض قشرة تحيط بها مما يمنع تأثير هذه المواد الضار على الإنسان. ولكن كما يظهر من علاقة هذه الآية بقوله تعالى “ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون” فإن من نتائج بعض أمراض المناعة الذاتية تأثر الجهاز الإخراجي وخاصة الكلى بالأجسام المضادة التي يفرزها الجهاز المناعي والتي تحدث نتيجة لخطأ في نظام المعلومات الخاص به مما يؤدي في النهاية إلى عدم قدرة الإنسان على المضي في حياته وحركته.
ومن ناحية أخرى فإن من أعراض بعض أمراض المناعة الذاتية تأثر الدم بهذه الأمراض وخاصة كريات الدم المسئولة عن نظام المناعة والأجسام المضادة وذلك كما يظهر من قوله تعالى “لا أجد في ما أوحي إلىَّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس” حيث الدم غير المسفوح الذي يتواجد في الخلايا ليس فيه أذى لأنه يؤدي وظائف هامة لخلايا الجسم ونسبة تركيز المواد الضارة فيه قليلة. ومن أهم أدوار هذا النوع من الدم، دوره في الالتحام مع الأجسام الغريبة والضارة وإفراز الأجسام المضادة تجاه هذه المواد كما يظهر من قراءة ابن عامر وأبي جعفر ويزيد بن القعقاع “تكون ميتةٌ” بالرفع حيث تشير الآية إلى موت بعض خلايا جسم الكائن الحي ويحدث ذلك نتيجة للإصابة ببعض المواد أو الكائنات الضارة، ومما يؤكد ذلك أن الله تعالى قد وصف ذلك بأنه رجس. وتشير كلمة “رجس” إلى التفاعل بين المواد والكائنات الضارة وبين خلايا الدم المسئولة عن الدفاع عن خلايا الجسم المختلفة فكلمة “الرجس” تتضمن معنى زيادة الأذى كلما زاد تأثير المادة الضارة مع وجود مقاومة لهذا التأثير ويتضح ذلك جلياً من قوله تعالى “وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون” سورة التوبة (125). وهكذا يتضح مما سبق تأثر الخلايا اللمفية كمثال لتأثر كريات الدم في بعض أمراض المناعة الذاتية.

ومن الأعراض الأخرى لبعض أمراض المناعة الذاتية كما بينها القرآن المعجز، تأثر القلب بهذه الأمراض وذلك يظهر من قوله تعالى “وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين (20) وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون” سورة المؤمنون (20 – 21) حيث سنركز على قراءة عامر بن عبد الله “وصباغ” حيث كلمة “الصباغ” تشير إلى المادة المسببة للصبغة وهي في حالة الآكلين الخلايا الصباغية وأشباهها Melanocytes and Melanocytes-like Cells. وترتبط هاتان الآيتان بالآيات السابقة التي تذكر أعراض بعض أمراض المناعة الذاتية من خلال إبرازهم جميعاً لبعض منافع الأنعام والخلق عموماً كما يظهر من عبارة “ولكم فيها منافع”. وهكذا مما سبق يتضح لنا أن أشباه الخلايا الصباغية لها دور مهم في تحفيز بعض الأعراض على الظهور في حالة أمراض المناعة الذاتية. وفي الحقيقة إن أشباه الخلايا الصباغية الموجودة في الأوردة القلبية والصدرية تشارك بعض المستحثات في خلق خلل في انتظام ضربات القلب. وهذا من أعراض بعض أمراض المناعة الذاتية.
وفي النهاية نأتي إلى أهم عرض لمرض الذئبة الحمراء الجهازية وهو الحساسية الضوئية وذلك كما يظهر من قوله تعالى “ولا الظل ولا الحرور (21) وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور (22) إن أنت إلا نذير (23) إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (24) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير (25) ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير (26) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود” سورة فاطر (21 – 27). وتشير هذه الآيات إلى أن رؤية الألوان المختلفة للأجسام ترجع إلى عكسها أطوال موجية مختلفة من حزمة الموجات التي يتضمنها الضوء كما يظهر من عبارة “جدد بيض وحمر” فأصل مادة “جدد” هو تحول الشيء من أمر إلى آخر نتيجة لأن الأمر الآخر يعكس ويخالف ما كان يشوب الأمر الأول من معوقات ومخالفات كانت تتسبب في عدم أداء الشيء لوظيفته على الوجه الأكمل. ولكن هناك نوعاً آخر من الموجات تتسبب في رفع درجة الحرارة بل هي السبب الرئيس في ارتفاع درجات الحرارة حين تهب الموجات الحارة على بعض الأقطار وهي الموجات فوق البنفسجية وقد عبر عنها القرآن بقوله “ولا الحرور”. وفي الحقيقة إن هذا النوع من الموجات يتسبب في حالة الذئبة الحمراء الجهازية في حساسية مفرطة في جلد الإنسان، ويتضح لنا ذلك من علاقة قوله “ولا الظل ولا الحرور” بقوله “فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها” حيث تحتاج هذه الثمرات لمستويات مختلفة من المياه ودرجات الحرارة، ولكن من ناحية أخرى إن تعدد أنواع الثمار اُستخدم في الآيات السابقة كإشارة إلى تأثر الجهاز الإخراجي وخاصة الكلى بأمراض المناعة الذاتية حيث يتأثر هذا الجهاز بالأجسام المضادة التي يفرزها الجهاز المناعي نتيجة لخطأ في نظام المعلومات الخاص به. وفي الحقيقة إن الجامع بين المسألتين والذي يشير إلى كون الحساسية الضوئية هي أحد أعراض مرض الذئبة الحمراء الجهازية هو ما تم استنباطه من تأثر الخلايا اللمفية ببعض أمراض المناعة الذاتية، حيث إن السبب الرئيس في هذه الحساسة الضوئية تأثر الخلايا اللمفية بهذا المرض. والدليل الذي يجمع بين المسألتين والذي يشير إلى كون الحساسية الضوئية هي أحد أعراض مرض الذئبة الحمراء هو قوله تعالى “وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآيات لقوم يذكرون” سورة النحل (13) حيث الذرء في الأرض هو لإخراج كائنات مختلفة الألوان وهو لا يقع إلا إذا توافر مصدر ماء للإنبات وسبيل لإخراج المخلفات حيث هذا الذرء يشمل ذرء النبات والأنعام والإنسان، كما أن عبرة “مختلفاً ألوانه” تشير إلى اختلاف ألوان النباتات والحيوانات وبني آدم.

وهكذا يتضح لنا مما سبق أن القرآن بيّن بعض أعراض مرض الذئبة الحمراء الجهازية ومن أهم هذه الأعراض التي بيَّنها القرآن الحساسية الضوئية، وتأثر الخلايا اللمفية إلى جانب تأثر كل من الكلى والقلب والمفاصل.
وأما بالنسبة لإشارة القرآن إلى الأجسام المضادة لكريات الدم الحبيبية المتعادلة كسبيل من سبل التعرف على مرض الذئبة الحمراء الجهازية. فإن القرآن أشار إلى بعض التغيرات البيولوجية التي تحدث على مستوى الخلية نتيجة لأمراض المناعة الذاتية التي منها مرض الذئبة الحمراء الجهازية وذلك في قوله تعالى “واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب (41) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب”، حيث ذكر أيوب عليه السلام في معرض وصفه لمرضه أن هذا المرض متواصل ومستمر لا تكاد بعض أعراضه تختفي إلا وتظهر أعراض أخرى فهو لا ينفك عن إصابته بأعراض مختلفة والدليل على ذلك عبارة “مسني الشيطان” فهذه العبارة دليل على التخبط في المرض والترنح والاستمرار فيه فلا يستطيع أيوب عليه السلام القيام منه أو التخلص من آثاره وأعراضه، والدليل على ما سبق قوله تعالى “لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس” سورة البقرة (275). وإضافةً إلى ذلك فإن كلمة “بنُصْب” برفع النون وسكون الصاد والتي على صيغة “فُعْل” إنما تدل على التحاق الشيء (وهو أيوب عليه السلام في هذه الحالة) بهيئة أخرى أو محل آخر غير الذي شهد فيه الخير أو النعيم أو العافية وذلك لأمر أصابه. وهكذا فإن العبارة “مسني الشيطان بنصب” تدل على إصابة الجهاز المناعي لدى أيوب عليه السلام بخلل وعلى وجه الخصوص الخلايا اللمفية البائية وذلك لعلاقتها بتفاعل الضدي – المستضدي Antigen – Antibody Reaction ، وما يحدثه من تحفيز لتطوير خلايا لمفية بائية ذات ذاكرة والتي هي جزء من نظام المناعة المكتسبة.
وقد استنبطنا سابقاً، تأثر كريات الدم وبخاصة الخلايا اللمفية أثناء الإصابة بأمراض المناعة الذاتية وبخاصة مرض الذئبة الحمراء الجهازية، ولذا فهناك وجه اتفاق بين المسألتين والذي يُسمى باتحاد المناط، والدليل الذي يؤيد ذلك قراءة الحسن “طيرهم” لقوله تعالى “فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون (131) وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132) فأرسلنا عليهم الطوفان والجرد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين (133) ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل (134) فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ” سورة الأعراف (131 – 135) حيث تم اعتبار الدم رجز، والرجز هو ما يصيب الإنسان بالأذى لأنه يحمل في طياته مواد ضارة تثير مقاومة الإنسان وجهازه المناعي وهو رغم ذلك يحمل في طياته أيضاً مقاومة لتأثير هذه المواد الضارة وذلك مصداقاً لقوله تعالى “إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام” سورة الأنفال (11). ولذا فقراءة الحسن “طيرهم” إشارة إلى تأثر الدم وخلاياه بما قد يصيبه من أمراض تؤدي إلى عدم قدرته على مواجهة ما يصيبه ويصيب الجسم من أذى نتيجة لأن الدم – باعتباره وسط تجرى فيه خلايا متعددة – هو الفصل في تحديد قدرة الإنسان على العمل والحركة المُجلبة للرزق وهو يتشابه في ذلك مع حركة الطير وهذا كله مستنبط من عبارة “آيات مفصلات”.
وهكذا في حالة مرض الذئبة الحمراء الجهازية تتأثر الخلايا اللمفية البائية وقدرتها على التطور إلى خلايا اللمفية بائية ذات ذاكرة. وفي الحقيقة إن هذا الأمر يرجع في بعض أوجهه إلى وجود أجسام مضادة لكريات الدم الحبيبية المتعادلة Neutrophil والتي تعتبر من الخلايا المعاونة لتنشيط الخلايا اللمفية البائية، فيما يمكن اعتباره نوعاً من التعاون بين فرعي الجهاز المناعي وهما الجهاز المناعي الطبيعي وجهاز المناعة المكتسبة. وقد أشار القرآن إلى وجود أجسام مضادة لكريات الدم الحبيبة المتعادلة في حالة مرض الذئبة الحمراء الجهازية، وذلك من خلال قراءة نافع وعاصم وحفص وشعبة وأبي جعفر والحسن وشيبة وأبي عمار والجعفي وأبي معاذ “بنُصُب” بضم الأول والثاني حيث تدل هذه القراءة – ليس فقط – على إصابة الخلايا اللمفية البائية الخاصة بالجهاز المناعي لأيوب عليه السلام بل تدل أيضاً على إصابة ما يساعد هذه الخلايا وهي الكريات الحبيبية المتعادلة. ونظراً لاتحاد المناط بين حالة أيوب عليه السلام ومرض الذئبة الحمراء الجهازية لأن الدم في كل منهما آية مفصلة فاصلة في تحديد طبيعة المرض كما يظهر من قوله “هذا مغتسل بارد وشراب” – والذي يوضح أن السائل العلاجي في حالة أيوب عليه السلام له تأثير مباشر على الدم – فإنه يثبت لدينا من كل ما سبق أن من طرق الكشف والتعرف على مرض الذئبة الحمراء الجهازية الكشف عن وجود أجسام مضادة لكريات الدم الحبيبية المتعادلة.
وهكذا في النهاية يتضح لنا أن القرآن أشار إلى أعراض متعددة لمرض الذئبة الحمراء الجهازية، كما أشار إلى بعض الطرق المعملية التي تُستخدم في الكشف عن هذا المرض. وهذا – في الحقيقة – يثبت أن القرآن قد بيَّن لنا كثيراً من المفاهيم الطبية الحديثة والتي تربط بين الأمراض المختلفة وأعراضها وبين التغيرات الميكروسكوبية التي تحدث لعُضيات الخلية نتيجةً لهذه الأمراض.
المصدر:القرآن يبين أعراض الذئبة الحمراء الجهازية وعلاقتها بالأجسام المضادة لكريات الدم الحبيبية المتعادلة | آفاق عربية
 
يقول ابن تيمية : " قوم اعتقدوا معاني ، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها ! "
ويعتبر هذا النوع من التفسير المذموم . فصاحب هذا التحليل دكتور ، ينطلق من خلال معجمه الطبي ، ويفسر به الآيات بدون ضوابط ولا قواعد . ويظهر ذلك من خلال ربط الآيات بما يعنيه في ميدان تخصصه ، مستغلا كون الجسم الإنساني كعالَم متحرك يشبه العالم الخارجي في حركاته وسكناته .
وهذا النوع قد سقط فيه بعض المتصوفة من قبل ، من خلال شطحاتهم التفسيرية التي اعتبرها العلماء بعيدة كل البعد عن معاني القرآن الكريم .

والله أعلم وأحكم
 
لقد تول كبر هذا النهج من التفسير المتأخرين جداً،
بالذات من ( مصر) ، ليتهم يكفون عن ذلك!
 
من ناحية القيمة والوظيفة، هذا تفسير صحيح. قيمته تتمثل في "تحيين" الوحي.أما الوظيفة فآلية من آليات نقد الأرخنة. المنهج التاريخي كما وصفه صبحي الصالح رحمه الله يستمد مشروعيته من التقليد، أي من اتصال الإطار العام الذي نشأت فيه علوم القرآن وتم تحديد معالمها، وعليه أي نقد للتحيين من هذا المنطلق يتحدد بتلك المرجعية ولا قيمة له خارجها. أما المنهجية التاريخانية فتعكس الحداثة، والحداثة واقع وفكرانية، لذا منطلقاتها وحججها ليست بالضرورة علمية. عندما تطرح الفكرة كفكرة تواجه بفكرة آخرى إذ لا يمكن مثلا نقد تجربة ما بالفكرة، إلا عندما يحصل الإختلاف في تأويل التجربة فعندها تتصارع التأويلات لا التجربة مع الفكرة. إذن شتان بين نقد الأستاذ مساعد الطيار لإقحام العلوم الزمنية في علم التفسير، ونقد مراد وهبه لهذا النوع من التفسير.

أخي عبدالكريم،
أنت أيضا إعتقدت معاني، ثم قمت بحمل مقولات المتصوفة عليها، مما جعلك تصفها بالشطحات. ومن الناحية الثانية، أظن أنك ترمي إلى إعمال المقابلة، ولم تلتزم شروط المقابلة التطابقية (إن كنت تعتقد بموافقة التحليل للشطحات) ولا التعارضية، والظاهر أنك تريد المقابلة التطابقية بدليل تعبيرك بالتصنيف النوعي، وهذا الذي يتم بتصنيف، فهل تم ذلك لغويا أم عقليا أم قلبيا ؟ الأستاذ طبيب "يحلل" لغة شرعية و لغة طبية ويبحث عن خطوط إتصال بين اللغتين وهذا لا يتم داخل اللغة فحسب لأن البحث عن العلاقات يتم من خلال ممارسة عقلية، فما شأن المقولات الصوفية بالعقل أو اللغة ؟ الصوفي يأخذ بالإشارات حيث لا يجوز حمل العبارات أو الألفاظ على المعاني الإصطلاحية بسبب إنعدام أي علاقة عن ضرورة أو بالعادة بين اللفظ والمعنى لأن المعنى متحوّل أي يتحوّل بتحول حالته الوجدانية. المتصوف يتحول نعم لكن لا يحلل بل يتحول حتى يصل فإن وصل حل وإن حل عاين.
 
يا أخي هذه مجازفات ما أنزل الله بها من سلطان ، أن تقول أن المعنى الذي يريده الله هو كذا وكذا هو افتتاء عليه عزوجل ! للتفسير شروط ، والتفسير الحديث يجب أن ينضبط بها وإلا أصبح الأمر بازاراً للتكهنات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

انظر مثلاً
( المايتوكندريا (المُتَقَدِّرات – الحبيبات الخيطية – الخلايا المولدة للطاقة)، وتدل عليها قراءة (جُبُلاً) بضم الأول والثاني وتخفيف الثالث. وهي قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس وخلف وابن محيصن والحسن والأعمش. ويُلاحظ أن هذه القراءة تتضمن إشارة إلى ديمومة الحركة فهي على صيغة “فُعُل” بدون تشديد، وتختلف عن القراءة السابقة من حيث تخفيف اللام مما يدل على عدم على تمييز الأمور رغم أهميتها وكمالها وعظم شأنها. وعلى هذا فهذه القراءة تشير إلى مايتوكندريا الخلايا )

هذا الكلام
( فهذه القراءة..... تشير .... إلى المايتكوندريا)

بالله عليك ماهو " نقد الأرخنة" في ذلك ؟ أصلحني الله وإياك !
بل فليكفوا عن هذا العبث بآيات الله أولى لهم !
 
تعليقك أخي عبدالله الأحمد لا علاقة له بكلامي لا من قريب ولا من بعيد. أنا لم أتكلم عن المعنى بل عن القيمة والوظيفة، وفي تعليقي على رسالة الأستاذ عبدالكريم تكلمت عن الإشارة. وما يتعلق بالمعنى يمكن لك مراجعة مشاركات أخرى إنتقدت فيها إقحام العلوم الزمنية في علم التفسير بتلك الطريقة المتنطعة (في التأويل). إضافة إلى القيمة و الوظيفة هناك شيء آخر يسمى عند الحداثيين بالتبجيل، وهو تعظيم الإعجاز أو توسيع تلك الدائرة وهذا ما فعله السابقون الذين خاضوا في أنواع الإعجاز بينما هو نوع واحد في نظرية محمود محمد شاكر؟؟

أما سؤالك فلا معنى له، بل له وظيفة.
أما إنعدام المعنى فلأني لم أقل أن تفسيره ينتقد الأرخنة، لكن قلت بنقد الأرخنة من خلال وظيفة التفسير، حتى لو لم يكن هذا هدفه. هو في الأخير رجل يعيش واقعه ولابد أن يمر في وعيه وهو يفسر ذاك الشعور المتشوق إلى تحيين الخطاب القرآني. والتحيين قيمة. ربما هو لا يولّد القيمة بشكل صحيح لأنه زل في بيان المعنى، لكن هذه المحاولة تبقى في النهاية أحسن حالا من التفرّج لأن التفرّج من مظاهر التقليد وليس هناك فرق كبير بين التفرّج والأرخنة. لماذا؟ أترك لك الإجابة.

وأما الوظيفة فظاهرة في صيغة السؤال وهو سؤال إستنكاري .. وأنا أستنكر معك كما تستنكر، والفرق بيننا يكمن في المُستَنكر إذ أن دائرة المُستَنكر عندي أوسع.
 
الفاضل شايب حفظه الله
ربما نحن متفقون على أن ما جاء في نص المشاركة ليس تفسيرا ؛ لأننا نتكلم في مجال علم التفسير لا غير ، وأن أصل السؤال هو : هل يعتبر هذا تفسيرا . فكان الجواب كما قال ابن تيمية : " من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك ، كان مخطئا في ذلك ، بل مبتدعا ، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه "
أما كلامك عن القيمة ، فهو خارج عن الموضوع ؛ لأنه يتناول موضوعا آخر غير تفسير كتاب الله وبيان مراده كما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
وحتى إذا قبلنا تسميته تفسيرا فهو تفسير بالراي المذموم الذي صنف فيه أصحابه أنواعا من التفاسير البعيدة عن بيان مراد الله تعالى .
وأخيرا أريد من هذا الرد أن أبين أنني لم أتطرق إلى نص المشاركة من حيث هي قيمة في حد ذاتها ، ولكن حاولت أن أشير إلى أنها خارجة عن نطاق التفسير كعلم يبحث فيه عن بيان مراد الله تعالى كما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم .

مع فائق التقدير والاحترام
 
إذا كانت أصناف العلوم .... بنايات في مدينة العلم
وكانت أطوار كل علم ... طوابق في بنايته
فالقيمة وإن قلَّت .... درجة من الدرجات الصاعدة بين طابقين
ومن أنكر القيمة ... فليس بصاعد

مثال من علم التفسير - في الآيات الكونية:
الأستاذ محمد دودح - في مسألة سرعة الضوء وعلاقتها بآية (السجدة-5)
قدَّم "قيمة" عندما أدرك أن الآية يمكن تحويلها إلى معادلة يمكن التعرف بواسطتها على قيمة سرعة ما .... ولم يقدم بعد تفسيراً مقبولاً للآية (حلاً للمعادلة)، حتى وإن زعم.
والقيمة التي قدّمها إضافة هامة جداً في طريق الوصول إلى التفسير الراجح للآية .. حتى وإن تأخر التفسير، وسواء بزغ التفسير الراجح على يديه أو يد غيره.
والخلاصة أنه لا تفسير بلا تراكم قيم معرفية حتى تبلغ نِصَاب التفسير.

أما ما يجب فيه القطع (أي القفز عبر الطوابق) فهو الإعجاز العلمي، لأنه موقف التحدي والإفحام، ولا يغني فيه درجات من القيمة لم تُثمر بعد، راجحات من المعانى، فضلاً عن أن تكون قاطعات.

هذا والله تعالى أعلم،
 
أخي المحترم عبدالكريم،
نحن متفقون عندما نتكلم في مجال علم التفسير كعلم شرعي محدد بأسسه الشرعية ومفاهيمه الإصطلاحية المعروفة، بينما التفسير أعم من علم التفسير مثل أي موضوع آخر هو أعم من العلم الذي يتناوله بالبحث والنظر والتجريب. عندنا تفسير يكشف ويبين المعاني، فهو علم يبحث في الوصول إلى فهم كتاب الله، أو بتعريف صاحب المناهل "علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية". لكن إلى جانب هذا الفعل أي فعل الفهم هناك أفعال أخرى مثل فعل التأويل وفعل الفقه و فعل التدبر و فعل النظر وفعل التحليل.

خذ الآية الكريمة {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} :
يقول تعالى آمرا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}؟ فإنها خلق عجيب، وتركيبها غريب، فإنها في غاية القوة والشدة، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف، وتؤكل، وينتفع بوبرها، ويشرب لبنها. ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل، وكان شريح القاضي يقول: اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت؟ أي: كيف رفعها الله ، - عز وجل - عن الأرض هذا الرفع العظيم، كما قال تعالى {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج}.

هذا هو تفسير إبن كثير رحمه الله، وهو تفسير بالمعنى العام، لا بالمعنى العلمي الشرعي فقط.

فعل الفهم "يقول تعالى آمرا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}؟". هل تلك الإضافة "الدالة على قدرته وعظمته" تفسير أم تأويل؟ كل شيء يدل على عظمة الله وقدرته، فلم العظمة والقدرة في الدعوة إلى النظر إلى الإبل و السماء والجبال والأرض بعد إخبار الإنس بأحوال الغاشية وقبل الأمر بدعوة الإنس إلى العودة للنفس قصد التذكر؟؟ لا أدري، المهم تفسير إبن كثير هو أن الله يأمر عباده بالنظر في مخلوقات. هذا هو فعل الفهم.

ثم فعل النظر "فإنها خلق عجيب، وتركيبها غريب، .. ويشرب لبنها" وهذا ما يمكن إستبداله أو التعليق عليه بمعلومات أخرى من علوم الحياة والحيوان وغيرها. وفي إنتقال إبن كثير رحمه الله من فعل الفهم إلى فعل النظر فعل آخر هو فعل التأويل عبّر عنه بحرف الفاء في قوله "فـإنها خلق..".

وفعل التحليل "ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل...".

إلى آخره ..

عليه أظن هناك مستويات إلى جانب التبويب التقليدي أنواع و أوجه ومناهج التفسير. والحديث عن الوظيفة والقيمة والإشارة لا يفهم منه المعنى العلمي الشرعي بالتفسير، ومن يخلط بين المستويات فالعيب فيه لا عند من يشير ويوظف ويوسع أبعاد الخطاب (القيمة). وهذا خطأ نلاحظه عند العصرانيين حيث تجد بينهم من يحلل بعض الآيات فيقارن فيربط فيستنتج الراجحات والمرجوحات وربما ردّ تفاسير تراثية مع الفارق الكبير بين تفسيرهم وتحليله.
 
عودة
أعلى