هل يصح ترديد الإمام لجزء من آية في الصلاة تتغير به الصيغة ؟

إنضم
18 مايو 2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
رأيت بعض من يؤم المصلين يقرأ في صلاته قوله تعالى ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) ثم يردد بعدها مرات عديدة ( رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) !
وترديد الإمام ( رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) في الصلاة يحول كلام الله من أمر للمخاطب إلى صيغة دعاء ليس كلام الله !
فهل يجيز السادة علماء القراءات مثل هذا الترديد للإمام وهو يصلي بالناس ؟
أفيدونا مأجورين .
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وبعد،
نعم أخي الفاضل يجوز أن يُردِّد الإمام الآية على الوصف المذكور؛ مع ثلاثة تنبيهات.
وهذا الفعل الموصوف ليس من باب الترديد ، ولكنه من باب الدعاء، وهو داخل في الجواب، ويندرج عمومًا تحت ما أسميتُه بالذكر التدبُّري، وقد حرَّرت ذلك بفضل الله تعالى في بحث بعنوان: (وقف التدبُّر: معناه، وأنواعه، وأحكامه)؛ نسأل الله أن ييسِّر نشره.
أمَّا الجواز فدليله ما ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أنَّه كان إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ؛ فعن حذيفة رضي الله عنه قال: «صلَّيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة؛ فافتتح البقرة؛ فقلتُ: يركع عند المائة، ثم مضى فقلتُ: يُصلي بها في ركعة، فمضى، فقلتُ: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها؛ يقرأ مترسِّلًا، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ...» الحديث [1].
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: «قمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ فاستاك، ثم توضأ، ثم قام يصلي وقمت معه، فبدأ فاستفتح البقرة؛ لا يمرُّ بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف يتعوذ...» الحديث[2].
وعن مسلم بن مخراق قال: قلتُ لعائشة رضى الله عنها: إنَّ رجالًا يقرأ أحدهم القرآن فى الليلة مرتين أو ثلاثًا؛ فقالت: أولئك قرءوا ولم يقرءوا، كنتُ أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الليل التامّ (وفي رواية: ليلة التمام)، فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء، فإذا مرَّ بآية فيها استبشار دعا ورغب، وإذا مرَّ بآية فيها تخويف دعا واستعاذ[3].
وعن ابن عباس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1]؛ قال: سبحان ربي الأعلى[4].
ونُقِلَ عن جماعة من السلف أنَّهم كانوا إذا قرؤوا:{سبح اسم ربك الأعلى} ؛ قالوا: سبحان ربي الأعلى. وذلك في الصلاة وخارجها.
فممن روي عنه أنَّه فعله في الصلاة عليٌّ[5] وأبو موسى الأشعريُّ[6] وابن الزبير[7] وعروة بن المغيرة [8] رضي الله عنهم أجمعين.
وممن رُوي عنهم أنَّه فعله دون تعيين: عمر[9] وابن عبَّاس[10] وابن عمر [11] وسعيد بن جبير [12] رضي الله عنهم أجمعين.
وعن ابن عمر رضي الله عنها قال:« إذا قرأت: {قل أعوذ برب الفلق} [الفلق:1]؛ فقل أعوذ برب الفلق، وإذا قرأت: {قل أعوذ برب الناس} [الناس:1]؛ فقل: أعوذ برب الناس» [13].
وعن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال: «إذا قرأتَ: {قل هو الله أحد} [الإخلاص:1]؛ فقل أنت: الله أحد الله الصمد. وإذا قرأت: {قل أعوذ برب الفلق}؛ فقل أنت: أعوذ برب الفلق. وإذا قرأت: {قل أعوذ برب الناس} ؛ فقل أنت: أعوذ برب الناس» [14].
وعن علقمة قال: طلبتُ عبد الله [يعني ابن مسعود رضي الله عنه ] فوجدته في المسجد يصلي بين المغرب والعشاء فسمعته يقرأ طه فلما بلغ:{وقل رب زدني علمًا} [طه:114]؛ قال: رب زدني علمًا رب زدني علمًا... ثلاثًا ، ثم ركع فقرأتُ الأعراف، وهو راكع [15].
وأمَّا التنبيهات فهي:
التنبيه الأوَّل: أنَّه يسعُ المصلِّيَ منفردًا ما لا يسع الإمامَ؛ لأنَّ الإمام بتكرُّر ذلك منه قد يُطيل على المأمومين وهو مكروهٌ، ولأنَّ بعض المأمومين قد يظنُّ أن الإمام قد نسيَ أو تعايا أو أُرتِجَ عليه فيبادر بالفتح عليه، فيحصل التشويش بذلك.
التنبيه الثاني: أنَّه يسعُ المتنفِّل فيه ما لا يسعُ المفترض، وأنقل كلامًا ماتعًا للشيخ العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع(3/235-238)؛ قال: «أما المنفرد والإِمام فمُسَلَّمٌ أنَّ لهما أن يتعوَّذا عند آية الوعيد، ويسألا عند آية الرحمة. وأما المأموم فغير مُسلَّم على الإِطلاق، بل في ذلك تفصيل وهو: إن أدَّى ذلك إلى عدم الإنصات للإِمام فإنه يُنهى عنه، وإن لم يؤدِّ إلى عدم الإِنصات فإن له ذلك.
مثال الأول: لو كانت آيةُ الوعيد في أثناء قراءة الإِمام، فإن المأموم إذا تعوَّذ في هذه الحال والإِمام لم يسكت؛ انشغل بتعوُّذه عن الإِنصات للإِمام....
قوله: «ولو في فرض» هذا إشارة خلاف: هل له ذلك في الفرض، أو ليس له ذلك؟
والصحيح: ما قاله المؤلِّف أنَّ له ذلك؛ لأنَّ هذا لا يعدو أن يكون دعاءً، والصَّلاةُ لا بأس بالدُّعاء فيها، فله أن يتعوَّذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة، ولو كان في الفرض....
وهذا فِعْلُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، والأصل أنه أسوة لنا، وأن ما فَعَلَه فلنا أن نتأسَّى به، إلا ما دَلَّ عليه الدليل، فإذا قال قائل: هذا في النَّفْلِ فما دليلكم على جوازه في الفرض؟
فالجواب: أن ما ثَبَتَ في النَّفْل ثَبَتَ في الفرض إلا بدليل، وهنا لا دليل على الفَرْقِ بين الفرض وبين النفل. والراجح في حكم هذه المسألة أن نقول: أمَّا في النفل؛ ولا سيما في صلاة الليل؛ فإنَّه يُسَنُّ له أن يتعوَّذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ ذلك أحضرُ للقلب وأبلغُ في التدبر، وصلاة الليل يُسَنُّ فيها التطويل، وكثرة القراءة والركوع والسُّجود، وما أشبه ذلك. وأما في صلاة الفرض فليس بسُنَّة وإنْ كان جائزًا. فإن قال قائل: ما دليلك على هذا التفريق، وأنت تقول: إنَّ ما ثبت في النَّفْلِ ثَبَتَ في الفرض، فليكن سُنَّة في الفرض كما هو في النفل. فالجواب: الدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كلِّ يوم وليلة ثلاث صلوات، كلَّها جهر فيها بالقراءة، ويقرأ آيات فيها وعيد وآيات فيها رحمة، ولم ينقل الصَّحابةُ الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك في الفَرْض، ولو كان سُنَّة لفَعَلَهُ، ولو فَعَلَهُ لنُقل، فلمَّا لم ينقل علمنا أنه لم يفعله، ولما لم يفعله علمنا أنه ليس بسُنَّة، والصَّحابةُ رضي الله عنهم حريصون على تتبُّع حركات النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسكناته؛ حتى إنهم كانوا يستدلُّون على قراءته في السرِّية باضطراب لحيته، ولـمَّا سكت بين التكبير والقراءة سأله أبو هريرة رضي الله عنه ماذا يقول، ولو كان يسكت عند آية الوعيد مِن أجل أن يتعوَّذ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شَكٍّ.
فإذا قال قائل: إذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا لا تمنعونه في صلاة الفرض كما مَنَعَهُ بعضُ أهل العلم؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي»؟
فالجواب على هذه أن نقول: تَرْكُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم له لا يدلُّ على تحريمه؛ لأنه أعطانا قاعدة: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء مِن كلام الناس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». والدعاء ليس من كلام الناس، فلا يبطل الصَّلاة، فيكون الأصل فيه الجواز، لكننا لا نندب الإِنسان أن يفعل ذلك في صلاة الفريضة لما تقدم تقريره».

التنبيه الثالث: أنَّ هذا الفعل قد يستدعي بكاء المأمومينَ؛ وتكلُّفه فيه نوعٌ من الكراهة في صلاة الجماعة؛ يقول ابن باز رحمه الله: «والأظهر أنه لا يُتكلَّف؛ بل إذا حصل بكاءٌ فليجاهد نفسه ألا يزعج الناس، بل يكون بكاءً خفيفًا ليس فيه إزعاج لأحد حسب الطاقة والإمكان»[16].
وسئل: ما رأي سماحتكم في ظاهرة ارتفاع الأصوات بالبكاء؟
«لقد نصحت كثيرا ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء، وأنه لا ينبغي لأن هذا يؤذي الناس ويشق عليهم ويشوش على المصلين وعلى القارئ، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن لا يسمع صوته بالبكاء، وليحذر من الرياء، فإن الشيطان قد يجره إلى الرياء، فينبغي له أن لا يؤذي أحدا بصوته ولا يشوش عليهم، ومعلوم أن بعض الناس ليس ذلك باختياره بل يغلب عليه من غير قصد وهذا معفو عنه إذا كان بغير اختياره... ولكن هذا ليس معناه أنه يتعمد رفع صوته بالبكاء، وإنما شيء يغلب عليه من خشية الله عز وجل. فإذا غلبه البكاء من غير قصد فلاحرج عليه في ذلك».
وفيه وجهٌ آخر للكراهة؛ وهو ما قد يُداخله من الرِّياء؛ قال الشيخ الجريسيُّ - في بيان بعض الأمور المحرَّمة التي ابتدعها القرَّاء:« ومنها شيءٌ يُسمَّى بالتحزين: وهو أن يترك القارئ طباعه وعادته في التلاوة، ويأتي بها على وجهٍ آخرَ كأنَّه حزينٌ يكادُ أن يبكي من خشوع وخضوعٍ، وإنَّما نُهيَ عنه لما فيه من الريَاءِ» [17].
فالأوْلى عدم تكلُّف البكاء في صلاة الجماعة، والله أعلم.

الحواشي:
[1]رواه مسلم (ح 772)، وغيره.
[2] أخرجه الإمام أحمد في المسند (39/405: ح23980)، وأبو داود (ح873)، والنسائي (ح 1132)، وغيرهم، وصححه الألباني في أصل صفة الصلاة (2/509-510).
[3] رواه أحمد (41/155: برقم 24609)، وأبو عبيد في الفضائل (1/313: برقم178)، والفريابي في الفضائل (ص208 برقم 116)، والمستغفري في الفضائل (1/167: برقم 65)، البيهقي في شعب الإيمان (3/437: برقم 1925)، وفي السنن الكبرى (2/439: برقم 3686)، وإسناده حسنٌ.
[4] رواه أحمد وأبو داود (ح 883)، والحاكم والبيهقي (2/440: ح3691)، والمستغفري في الفضائل (1/179: ح87)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح 4766)، وفي مشكاة المصابيح (ح 859) وفي صحيح أبي داود (ح883).
[5] رواه عبد الرزاق في مصنَّفه (2/451: ح4049)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (1/322: ح201)، وابن أبي شيبة في مصنَّفه (3/589: ح8723)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 440 :ح3694).
[6]رواه عبد الرزاق في المصنَّف (22/451: ح 4050)، وابن أبي شيبة في المصنف (3/589: ح8721، 8722)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/440: ح3694)، والمستغفري في الفضائل (1/178: ح83)، وقال محققه: صحيح. ورواه أبو عبيد في الفضائل مختصرًا بدون ذكر الصلاة (1/322: ح202).
[7] رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/589: ح8724، 8725)، وفيه: وهو في الصلاة. ورواه المستغفري في الفضائل (1/178: ح84)، وقال محققه: صحيح.
[8] رواه ابن أبي شيبة في المصنَّف (3/590: ح8728).
[9] رواه ابن أبي شيبة (3/590: ح8730).
[10] رواه ابن أبي شيبة في المصنَّف (3/589: ح8726، 8727)،
[11] الحاكم وأبو عبيد والمستغفري (ح 88) (1/180).
[12] رواه ابن أبي شيبة في المصنَّف (3/590: ح7829).
[13] مختصر قيام الليل (ص141)، والدر المنثور (15/791) وعزاه لابن الأنباري.
[14] فضائل القرآن (1/321: برقم 199).
[15] أخرجه عبد الرزاق (2/450: برقم 4045)، وابن أبي شيبة (2/288 برقمي 3676، 3677، 2/289 برقم 3684)، وذكره البيهقي في السنن (2/229) وأخرجه المستغفري في الفضائل (1/163 برقم 60)؛ وقال محققه: صحيح.
[16] فتاوى ابن باز (11/348).
[17] نهاية القول المفيد (ص19)، وانظر: جمال القراء (2/528).
 
الشيخ محمود رعاه الله
لا زال يشكل علي أن الصور التي تكرمت بسوقها كلها من كلام الإمام أو المأموم كالإستعاذة وسؤال الرحمة وقول (بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين ) لا يوهم بأن قائلها لا يزال يتلو القرآن ! وإنما يدعو بصوت لا يدخل دعاءه في التلاوة !
أما الصورة التي أشرت إليها فكان الأمام يتلوها ويرددها جزء من الآية !
ولعل فضيلتكم و بقية المشايخ يضيفون ما يزيل الإشكال عندي .
 
يُضافُ ترديده لهذا المقطع على هذه الصفة من الترتيل إلى ما سبق من تنبيهاتٍ، فهو مدخلٌ آخرُ للكراهةِ لما فيه من إيهامِ المأمومِ بتعايي الإمام أو نِسيانه فيبادر بالفتح عليه، أمَّا ذات الترتيلِ فلا شيءَ فيه إن شاء الله، وإن قصد به الدعاء؛ لأنَّ الأصل صحَّة الصلاة ولا تبطل إلا بدليلٍ، وإن كان الأوْلَى ترك الترديد بغرض الدُّعاء على هذه الصفة من الترتيل للاعتبارات التي ذكرناها، وإن كان لابدَّ داعيًا فليغايرْ نغمة الترتيل، وليُسرَّ بها ما لم يُطل على المأمومينَ. والله تعالى أعلم.
هذا خلاصة ما سألتَ عنه تحديدًا. وللمسألة صورٌ أخرى، وخصوصًا إذا كان المردَّدُ الفاتحةَ أو بعضَ آياتها - ذكرتُها بتوسُّع في البحث المشار إليه آنفًا، ولعلِّي أنشط لإضافتها... والله المستعانُ.
 
الأستاذ الشيخ الفاضل: محمود بن عبد الجليل روزن
أشكر لك ما كتبته من كلام في هذه المسألة ولكني اسمح لي أن أختلف معك:ودعني أغير صيغة السؤال الذي سأله الأخ الفاضل حتي ابين وجهة نظري
والسؤال هو: هل يجوز البدء بقوله تعالي: رب ارحمهما كما ربياني صغير؟
والإجابة التي تتبادر إلي ذهن كل من درس قواعد الوقف والابتداء هي: لا يجوز لأن في ذلك فصل للقول عن مقوله وهو ما قرره جل علماء الوقف كالداني وابن الجزري والأشموني والأنصاري ولا حاجة بنا لنقل نصوصهم فهي أشهر من أن تذكر
ولو جاز ذلك لجاز في كل أشباهه
قل للذين كفرو إن ينتهو
قل هو القادر علي أن يبعث عليكم عذابا
قل للمؤمنين يغضو من أبصارهم
قل تعالو اتل ما حرم ربكم
والبدء بمقول القول في كل ذلك لا يؤدي لمعني فاسد وإنما هو مغير للسياق- وهو الأمر بالفعل – في بعضها ولا بد من تغيير اللفظ في بعضها الأخر
وأما ما ذكرته أنت من أحاديث فهي أحاديث تفيد الامتثال للأمر ويدخل ترديده في جملة الدعاء في الصلاة وغيرها
وهل اذا قرأ سبح اسم ربك الأعلي فقال سبحان ربي الأعلي يكون ما قاله قرءان لا بل هو دعاء لأنه امتثل للأمر فكذلك اذا قال رب ارحمهما فقد امتثل للأمر
والملبس في الأمر أن المعني حسن واللفظ موافق للنص القرءاني
وعليه فلا يجوز البدء بالقول دون مقوله كما قرره أهل العلم
هذا ماافهمه في هذه المسألة وكلامي خطأ يحتمل الصواب
 
الأستاذ الفاضل محمود الحسيني حفظه الله، وبارك فيه...
دعني أوضِّح لكَ أخي الكريم أمرينِ إذا أعدتَّ النَّظرَ في ضوئهما إلى المسألةِ ستتهيَّأ لكَ بإذن الله:
الأمر الأول: أنَّ الفرق جَليٌّ بين بعض الآيات التي ذكرتها وبين قوله تعالى:
{وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا}
وهذا الفرق من وجهين: الوجه الأوَّل: أنَّ المتبقي بعد تجريد هذه الآيات من (قُلْ) يدور بين حالين: إما أن يكون المعنى مفهومًا، وإمَّا أن يكون غامضًا، وعليه تكون درجة الاستئناف بما بعد (قل) في الآيات التي مثَّلتَ بها.
وبيان ذلك أنَّك لو قرأت قوله تعالى:
{قل للذين كفرو إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}؛ بتجريدها من (قل) ماذا يبقى لك؟ يبقى لك: للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف.... والمعنى غامضٌ، ولو استأنفتَ به في قراءتكَ فهو على تحرير الاصطلاح (استئنافٌ غامض)، ويغمض حتَّى في العَوْد، بمعنى أنَّه لو فُرِضَ أنَّك تقرأ الآية فقلتَ: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفرْ) ثم ضاق نَفَسُكَ فوقفتَ مضطرًا على (يُغفر)= فإنه يجب عليك (وجوبًا صناعيًّا لا شرعيًّا) أن تعود لتُسوِّغ المعنى، فلو استأنفت: (للذين كفروا...) فهذا عَوْدٌ غامضٌ، ولو ائتنفتَ: إن ينتهوا يغفر لهم ... لكان عَوْدًا مفهومًا..
ومثلها قوله تعالى:
{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} ...الآية
وأمَّا قوله تعالى:
{قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم }...الآية؛ لو جرَّدتها من (قل) فمعنى المقطع الباقي مفهومٌ، والاستئنافُ بها جائزٌ، وكذلك قوله تعالى:{قل تعالو أتل ما حرم ربكم}، فبان الفرقُ من هذا الوجه.
وقِسْ على ذلك...
الفارق الثاني: أنَّ المتبقي لكَ بعد تجريد هذه الآيات من (قل) في حال كونه مفهومًا؛ يدور – كذلك – بين حالينِ؛ الأوَّل: أن يكون إنشاءً: أمرًا، أو نهيًا أو استفهامًا، والثاني: أن يكون خبرًا. فإن كان إنشاءً ممَّا يحتمل الدعاء ساغَ أن يدعوَ به القارئ، كما صحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إجمالًا، وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم تحديدًا بما يُطبِّق المفصل في المسألة المبحوثة، وقد نقلتُ بعض الآثار عنهم في المشاركة الأولى، وحسبُك به.
وإن كان خبرًا، جاز في كثير منه أن يقوله القارئ من باب الجواب والشهادة، وقد صحَّت بذلك الآثارُ أيضًا إجمالًا وتفصيلًا. والذي يضبط ذلك هو المعنى، وهل يحسُن فيه ذلك أم لا؟ وهل يقوله حرفيًّا أم يتصرَّف فيه؟ السياق حاكمٌ.
وكلُّ ذلك سلَّمٌ للتدبُّر الذي هو أهمُّ مقاصد إنزال القرآن الكريم كما لا يخفى: {كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا ءاياته وليذكر أولوا الألباب}، وقد حرَّرتُ ذلك مستوفىً بفضل الله وتوفيقه في البحث المشار إليه آنفًا، وفيه ما يقرب من ثلاثين مسألة.
....​
الأمر الثاني: أنَّ تناوُل هذه الفتوى لا يصحُّ بالنَّظر إليها من متخصِّص الوقف والابتداء دون الإلمام بفقه الصلاة، وما كلُّ ما لا يجوز في الوقف والابتداء تبطلُ به الصلاة، ولهذا السبب لم يزل المصنِّفون في الوقف والابتداء ينوِّهون بالفرق بين العبارات والمصطلحات الصناعية وبين المصطلحات الشرعيَّة، فقولهم: (وقف لازم) و(وقف ممتنع).. ونحو ذلك، إنَّما يعنون منه اللزوم والامتناع الصناعيَّ الذي يكون القارئ بمخالفته مسيئًا في عُرف القراءة لا مرتكبًا لموجب الإثم الشرعيِّ. وهو مشهور موجود في كُتب من ذكرتَ من علماء الوقف والابتداء وغيرهم بما يُغني عن نقله.
ولو تأتَّى للقارئ في صلاته بعضُ ما يُخلُّ بكمال القراءة فيما يتعلَّق بتجويد الحروف ومعرفة الوقوف؛ فليس بالضرورة أن تبطل صلاته أو أن يلزمه سجودُ السهو أو نحو ذلك، ولكن يُنظرُ ماهيَّة هذا الخلل، ثمَّ يبنى عليه ما يلزم الـمُصلِّي بسببه من أحكام.
وهذا المعنى هو الذي جعل كثيرًا من الفقهاء يقدِّمون في الإمامة الأفقهَ الذي أحكمَ من القرآن ما تصحُّ به صلاتُه على الأقرإ العالم بفقه الصلاة، قالوا: لأنَّ مسائل القراءة تنضبط (يعني محدودة) ومسائل الفقه لا تنضبط (يعني غير محدودة).
....​
فإذا أعدتَّ النظر إلى المسألة موضع المباحثة؛ وجدتَّ ما فعله القارئ من باب الدُّعاء، وهذا جائزٌ لا غبار عليه؛ بل لو نظرتَ إليه مُجرَّدًا من الاعتبارات لقلتَ إنَّه مستحبٌّ، ولكنَّ الحكم عليه بالكراهة في السياق المذكور جاء للاعتبارات الموضّحة في المشاركات السابقة. والله تعالى أعلم.
والحمد لله ربِّ العالمين...
 
سيدي الكريم الأستاذ الشيخ الفاضل: محمود بن عبد الجليل روزن
أولا أشكرك علي سعة صدرك والتي تشجعني علي توضيح ما أفهمه في المسألة:
اما قولكم:( أنَّ الفرق جَليٌّ بين بعض الآيات.............) فهو صحيح ولكن مرادي القاعدة العامة وهي هل يجوز فصل القول عن مقوله؟
وبناءا علي ماذكرتموه يتغير السؤال ويصبح هل يجوز فصل القول عن مقوله إذا أفادت جملة مقول القول معني؟
أما حسب ما ذكره علماء الوقف:
فإن الداني والأشموني والأنصاري والجزري كل منهم ذكر القاعدة بدون استثناء ولم يعرج أحد منهم علي ذلك واعتبروا ان الأمر غير جائز جملة وتفصيلا
وأما من ناحية اللغة والإعراب: فإن لعلماء اللغة مذهبين في جملة القول
الأول أنها محكية في موضع نصب علي المفعولية وحينها لا يجوز فصل العامل عن معموله
الثاني: إجراء القول مجري الظن فينصب مفعولين وهذا مما يتضح فيه عدم جواز البدء بما بعد الناصب(قل)
فظهر من ذلك أنه لا فرق في اللغة والإعراب بين ان تكون جملة القول تفيد معني أو لا وعمدتنا في الوقف والابتدا علي اللغة والإعراب
ثانيا: أما قولكم (ساغَ أن يدعوَ به القارئ،) نعم يسوغ ولكن السؤال هو هل يكون الممتثل للأمر بالدعاء يكون قارئا للقرءان؟ وإن كان قارئا للقرءان فنعود للسؤال الأول هل يجوز فصل القول عن مقوله؟
ثالثا : قولكم (وما كلُّ ما لا يجوز في الوقف والابتداء تبطلُ به الصلاة،)
سيدي لم يقل أحد بأن من يبدأمن موضع يكون فيه فصل للمعني فإنه آثم أو قراءته غير صحيحة فضلا عن صلاته
والقاعدة العامة في البطلان : هي وليس في القرءان من وقف وجب ولا حرام غير ما له سبب
الرابع : وأما قولكم (لم يزل المصنِّفون في الوقف والابتداء ينوِّهون بالفرق بين العبارات والمصطلحات الصناعية وبين المصطلحات الشرعيَّة، فقولهم: (وقف لازم) و(وقف ممتنع).. ونحو ذلك، إنَّما يعنون منه اللزوم والامتناع الصناعيَّ الذي يكون القارئ بمخالفته مسيئًا في عُرف القراءة لا مرتكبًا لموجب الإثم الشرعيِّ.) سيدي نحن نتكلم في علم الوقف والابتداء ونستعمل مصطلحات القوم-الصناعية- ولم نذكر مصطلحات شرعية ولم نقصد الخروج عن قولك (مسيئًا في عُرف القراءة لا مرتكبًا لموجب الإثم الشرعيِّ)
الخامس : قولكم (تأتَّى للقارئ في صلاته) نحن نجرد المسألة ونخضعها لقواعد الوقف والابتدا التي قررها العلماء بعيدا عن مسالة التلاوة في الصلاة والحقيقة أن الكتب القليلة التي اطلعت عليها في هذا العلم -الوقف- لم يخلطو بين هذين الأمرين وأنا لم أتعرض لبطلان صلاة أو قراءة وإنما مرادي المسألة الصناعية هل يجوز الابتدا بالكلمة حسب قواعد العلماء في هذا العلم
وأخيرا: أرجو المعذرة ولعلك تردني إلي الصواب
 
أستاذ محمود؛ بارك الله فيكم.
لو أوضحت مقصودك بأنَّك تبحث الأمر من الناحية الصناعية المجردَّة بعيدًا عن حُكم المسألة المطروحة في الصلاة لـما احتجنا إلى كلِّ هذا الحوار، ولكن حين تبدأ فتقول (اسمح لي أن أختلف معكَ..إلخ) فهذا يعني في بديهةِ كلِّ ذي عقلٍ أننا نتواردُ على محلٍّ واحدٍ للنزاعِ، وأنّ بيننا فيه خلافًا، وهذا مفهوم قولكَ...
أما وقد صرَّحت بمنطوقٍ مغايرٍ لهذا المفهوم وجب أن نُقدِّم المنطوق على المفهوم، فيظهرُ أنَّنا لم نتوارد على محلِّ نزاعٍ واحدٍ أصلًا، فضلًا عن أن يكون بيننا خلافٌ فيه.
وهذا يُبيِّن لكل مناقشٍ ضرورة تحرير محلِّ النزاع وتدقيق اختيار الألفاظِ حفظًا للأوقاتِ، وخروجًا من التشقيقاتِ والتفريعاتِ.
ولو أنَّك طرحت سؤالًا مباشرًا متعلِّقًا بحكم الابتداء بما بعد (قل) من وجهة نظرِ علماء الوقف والابتداءِ؛ لكان لذلك المقامِ مقالٌ آخر، وهو لن يختلف كثيرًا عن ما تفضَّلتُّم بإيراده.
وشكر الله لكم، مع خالص تقديري. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
الشيخ محمود رعاه الله
في تصوري أن المسألة لا تندرج تحت أحكام الوقف والابتداء ! وقد عبرت بالترديد لألفت عناية فضيلتكم والمشايخ إلى أن الإمام هنا لم يقف عند موضع ويبدأ من موضع آخر لعارض أو غيره .. ، وأنه كان يتلو القرآن بإسقاط كلمة (وقل) ، وظني أن الإمام بقراءته هذه لم يعد يتلو قرآنا ، فليس كلام الله تعالى الجملة التي قام الإمام بترديدها وهي ( رب ارحمهما .. ) كما ليس كلام الله لو ردد (أعوذ برب الفلق ) أو ( أعوذ برب الناس ) فالله عزوجل لا يستعيذ وإنما يأمر بالإستعاذة !
فهل يصح ترديد الإمام لهذا الجزء من الآية أو ترديد الجزء الذي مثلت به في المعوذتين على وجه الخصوص ؟
وجزاكم الله خيرا.
 
أستاذ محمد حفظه الله؛
اكتب بريدك الإلكتروني وسوف أرسل لكَ عليه بحث (وقف التدبر) ففيه - بإذن الله - إجابات شافية على كلِّ تساؤلاتكَ، ولولا أنَّ البحثَ قيد التحكيم والمراجعة لرفعتُه على الموقع لأستفيد من آراء الجميع. ولولا ضيق الوقت لديَّ لحاولتُ أن أُلخِّص منه بعض الفوائد، ولعلِّي أنشط لذلك قريبًا بإذن الله.
مع خالص مودتي.
 
عودة
أعلى