مقال نشر في جريدة الأيام البحرينية
للكاتب/فواز الشروقي
مثلما كنّا ننبهر سابقاً بأطروحات الشيخ عبدالمجيد الزنداني التي كان يربط فيها بين المكتشفات العلمية الحديثة وبين الآيات القرآنية، ننبهر حالياً بالأطروحات المماثلة للدكتور زغلول النجار الحامل الحالي للواء الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والداعي إلى تجديد الخطاب الديني عبر إبهار الجمهور بما تحتويه الآيات القرآنية من دقائق علمية وإشارات للمكتشفات الحديثة.
الدكتور زغلول النجار يعتبر أنّ الإعجاز العلمي هو لغة العصر، وإذا أردنا أن ندفع الغرب إلى الإيمان بالله الواحد الأحد والدخول إلى الإسلام، فلابدّ من الحديث بلغتهم وبإبهارهم بما يحتويه القرآن من إعجاز علمي تطرّق إليه قبل 14 قرناً من اكتشاف الغرب له. ويقول بأنّه نظّم عدّة محاضرات في إعجاز القرآن للجنود الأمريكان في المملكة العربية السعودية، وإنّ حوالي 20 ألف جندي أعلنوا إسلامهم جرّاء ذلك.
ويشنّ الدكتور زغلول النجار هجوماً كاسحاً على الذين يعارضون أطروحاته، معتبراً أنهم إما أن يكونوا من علماء الدين الذين لم ينشغلوا بالدراسة العلمية على الإطلاق، وإما أنّهم يساريون دهريون كارهون للمدّ الإسلامي بشتّى صوره، وهم لا يستحقّون – حسب تعبيره – وصفهم بالعلمانيين لأنّهم لا يمتّون إلى العلم بصلة.
ولقد كان أولى بالدكتور النجار أن يضيف إلى قائمة معارضيه أولئك الذين يرفضون أن يتحوّل كتاب الله إلى كتاب للعلوم، وأن يتمّ العبث بالآيات القرآنية الثابتة المحكمة وإقحامها في علوم الظنّ والتجربة والفرضيات والتقديرات، والحديث باسم الله خالق الكون في مكتشفات قد تتغيّر مع مرور الزمن ومع بروز نتائج علمية حديثة قد تخطّئ القرآن وتدحض الحقائق العلمية التي تحدّث عنها الله.
لقد قال الإمام علي بن أبي طالب «إنّ القرآن حمّال أوجه»، وإذا ما استشهدنا مثلاً بالآية «وإذا الأرض سطحت» للدلالة على أنّ الأرض مسطحة، للتوافق مع الأطروحات العلمية الرائجة قبل 400 عام، فإنّ المركبات الفضائية التي جالت حول الأرض والتقطت لها صوراً من الفضاء الخارجي لم تترك مجالاً للحديث عن أنّ الأرض مسطحة، ولأوقعنا القرآن الكريم من حيث لا نحتسب في حرج كبير.
لقد تحدّى بعض علماء الدين في بداية القرن العشرين تمكّن علماء الفضاء من الوصول إلى الفضاء الخارجي والنزول على سطح القمر، مستشهدين بقول الله تعالى: «يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا. لا تنفذون إلا بسلطان». ولما تمكن يوري غاغارين من اختراق الغلاف الجوّي والدوران حول الأرض، وتمكّن بعده نيل أرمسترونغ من الرسوّ على سطح القمر أسقط في يد علماء الدين، فروّجوا في بادئ الأمر لفكرة أنّ هذا النزول لم يكن سوى خدعة من خدع هوليوود، وبعد أن ازدادت رحلات الفضاء وارتفع مستوى التطلّع لعلماء الفضاء وقرروا التوجّه إلى كواكب المجموعة الشمسية، لم يجد علماء الدين بُدّاً من إعادة تفسير الآية، معتبرين أنّ الله قد أنبأنا بوصول الإنسان إلى الفضاء الخارجي والنزول على سطح القمر، وأنّ السلطان الذي يستطيع الإنسان النفاذ به إلى الفضاء هو سلطان العلم!
ولا أريد لأحد أن يفهم أنني أشكك في نية الدكتور زغلول النجار ولا أقلّل من جهده الذي لا يريد منه سوى نشر الإسلام والترويج له، ولكنّي أخشى أن ينشغل الناس بما يسميه الدكتور النجار الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وينسوا إعجازه الحقيقي المتمثّل في كونه منهجاً للحياة صالحاً لكلّ زمان ومكان.
لقد مهّد القرآن – بفضل تعاليمه السامية وتوجيهاته الرّبانية – الطريق أمام البحث العلمي والانطلاق في الآفاق والتفكّر في خلق الله والتدبّر في آياته الكونية. ولقد بلغ المسلمون الأوائل شأواً كبيراً في هذا المجال. أما اليوم، وبعد ابتعاد المسلمين عن تعاليم الإسلام المحفّزة على طلب العلم والاكتشاف والاختراع، وبعد أخذ الغرب قصب السبق في هذا المضمار، وبلوغهم أعلى المراتب في كافّة الأصعدة العلمية، ظهر ما يسمّى بـ»الإعجاز العلمي في القرآن» لمداراة عجزنا عن اللحاق بركب المكتشفين والمخترعين، وعوضاً عن أن نتّجه إلى المختبرات والمعامل للمساهمة في الإنجاز العلمي، اتجهنا إلى الآيات القرآنية لإيجاد المطابقة بين ما أشارت إليه كلماتها وما أنجزته البشرية.
للكاتب/فواز الشروقي
مثلما كنّا ننبهر سابقاً بأطروحات الشيخ عبدالمجيد الزنداني التي كان يربط فيها بين المكتشفات العلمية الحديثة وبين الآيات القرآنية، ننبهر حالياً بالأطروحات المماثلة للدكتور زغلول النجار الحامل الحالي للواء الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والداعي إلى تجديد الخطاب الديني عبر إبهار الجمهور بما تحتويه الآيات القرآنية من دقائق علمية وإشارات للمكتشفات الحديثة.
الدكتور زغلول النجار يعتبر أنّ الإعجاز العلمي هو لغة العصر، وإذا أردنا أن ندفع الغرب إلى الإيمان بالله الواحد الأحد والدخول إلى الإسلام، فلابدّ من الحديث بلغتهم وبإبهارهم بما يحتويه القرآن من إعجاز علمي تطرّق إليه قبل 14 قرناً من اكتشاف الغرب له. ويقول بأنّه نظّم عدّة محاضرات في إعجاز القرآن للجنود الأمريكان في المملكة العربية السعودية، وإنّ حوالي 20 ألف جندي أعلنوا إسلامهم جرّاء ذلك.
ويشنّ الدكتور زغلول النجار هجوماً كاسحاً على الذين يعارضون أطروحاته، معتبراً أنهم إما أن يكونوا من علماء الدين الذين لم ينشغلوا بالدراسة العلمية على الإطلاق، وإما أنّهم يساريون دهريون كارهون للمدّ الإسلامي بشتّى صوره، وهم لا يستحقّون – حسب تعبيره – وصفهم بالعلمانيين لأنّهم لا يمتّون إلى العلم بصلة.
ولقد كان أولى بالدكتور النجار أن يضيف إلى قائمة معارضيه أولئك الذين يرفضون أن يتحوّل كتاب الله إلى كتاب للعلوم، وأن يتمّ العبث بالآيات القرآنية الثابتة المحكمة وإقحامها في علوم الظنّ والتجربة والفرضيات والتقديرات، والحديث باسم الله خالق الكون في مكتشفات قد تتغيّر مع مرور الزمن ومع بروز نتائج علمية حديثة قد تخطّئ القرآن وتدحض الحقائق العلمية التي تحدّث عنها الله.
لقد قال الإمام علي بن أبي طالب «إنّ القرآن حمّال أوجه»، وإذا ما استشهدنا مثلاً بالآية «وإذا الأرض سطحت» للدلالة على أنّ الأرض مسطحة، للتوافق مع الأطروحات العلمية الرائجة قبل 400 عام، فإنّ المركبات الفضائية التي جالت حول الأرض والتقطت لها صوراً من الفضاء الخارجي لم تترك مجالاً للحديث عن أنّ الأرض مسطحة، ولأوقعنا القرآن الكريم من حيث لا نحتسب في حرج كبير.
لقد تحدّى بعض علماء الدين في بداية القرن العشرين تمكّن علماء الفضاء من الوصول إلى الفضاء الخارجي والنزول على سطح القمر، مستشهدين بقول الله تعالى: «يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا. لا تنفذون إلا بسلطان». ولما تمكن يوري غاغارين من اختراق الغلاف الجوّي والدوران حول الأرض، وتمكّن بعده نيل أرمسترونغ من الرسوّ على سطح القمر أسقط في يد علماء الدين، فروّجوا في بادئ الأمر لفكرة أنّ هذا النزول لم يكن سوى خدعة من خدع هوليوود، وبعد أن ازدادت رحلات الفضاء وارتفع مستوى التطلّع لعلماء الفضاء وقرروا التوجّه إلى كواكب المجموعة الشمسية، لم يجد علماء الدين بُدّاً من إعادة تفسير الآية، معتبرين أنّ الله قد أنبأنا بوصول الإنسان إلى الفضاء الخارجي والنزول على سطح القمر، وأنّ السلطان الذي يستطيع الإنسان النفاذ به إلى الفضاء هو سلطان العلم!
ولا أريد لأحد أن يفهم أنني أشكك في نية الدكتور زغلول النجار ولا أقلّل من جهده الذي لا يريد منه سوى نشر الإسلام والترويج له، ولكنّي أخشى أن ينشغل الناس بما يسميه الدكتور النجار الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وينسوا إعجازه الحقيقي المتمثّل في كونه منهجاً للحياة صالحاً لكلّ زمان ومكان.
لقد مهّد القرآن – بفضل تعاليمه السامية وتوجيهاته الرّبانية – الطريق أمام البحث العلمي والانطلاق في الآفاق والتفكّر في خلق الله والتدبّر في آياته الكونية. ولقد بلغ المسلمون الأوائل شأواً كبيراً في هذا المجال. أما اليوم، وبعد ابتعاد المسلمين عن تعاليم الإسلام المحفّزة على طلب العلم والاكتشاف والاختراع، وبعد أخذ الغرب قصب السبق في هذا المضمار، وبلوغهم أعلى المراتب في كافّة الأصعدة العلمية، ظهر ما يسمّى بـ»الإعجاز العلمي في القرآن» لمداراة عجزنا عن اللحاق بركب المكتشفين والمخترعين، وعوضاً عن أن نتّجه إلى المختبرات والمعامل للمساهمة في الإنجاز العلمي، اتجهنا إلى الآيات القرآنية لإيجاد المطابقة بين ما أشارت إليه كلماتها وما أنجزته البشرية.