هل هناك مدارس في التفسير ؟

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,144
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
تُطلَقُ المَدرَسَةُ ويُرادُ بِها لُغةً: مكانُ الدَّرسِ والتعليمِ([1]). ثُمَّ تُوُسِّعَ في معناها حديثاً, فصار يُراد بِها في عُرف الاستعمال: (جماعةٌ من الفلاسفة أو المفكرين أو الباحثين, تعتنقُ مذهباً مُعَيَّناً, أو تقولُ برأيٍ مُشتَرَك. ويُقالُ هو من مدرسة فلانٍ: على رأيِهِ ومذْهَبِه)([2]).

وعلى هذا دَرَجَ جماعةٌ من المعاصرين([3])؛ فاستعملوا مصطلح «مدارس التفسير» في هذا المعنى([4]), وقَسَّموا هذه المدارس بحسب أمصار أعلام المفسرين من الصحابة والتابعين([5]), ومَيَّزوا كُلَّ مدرسةٍ بخصائص تنفرد بِها عن غيرها.

وقد انحصرت بِهذا مدارسُ التفسيرِ في ثلاثِ مدارس([6]):

الأولى: مدرسة ابن عباس رضي الله عنه بِمَكَّة, وأشهر تلاميذها سعيد بن جبير(ت:95), ومجاهد(ت:104), وعكرمة(ت:105), وطاووس(ت:106), وعطاء بن أبي رباح(ت:114).

الثانية: مدرسةُ أُبَيّ بن كعبٍ رضي الله عنه بالمدينة, وأشهر تلاميذها أبو العالية(ت:93), ومحمد بن كعب القرظي(ت:108), وزيد بن أسلم(ت:136).([7])

الثالثة: مدرسةُ ابن مسعود رضي الله عنه في العراق, وأشهر تلاميذها علقمة بن قيس(ت:62), ومسروق بن الأجدع(ت:63), والشعبي(ت:104), والحسن(ت:110), وقتادة(ت:117).

وقد احتوت استدراكات السلف في التفسير عِدَّةَ نماذجَ من استدراكات أصحابِ كُلِّ مدرسةٍ على غيرها من المدارس([8]), وهذه الجُملة الوافرة من الاستدراكات أوضحت بعض المسائل في هذا الجانب, وهي:

أولاً: مع أن الاستدراكات هي مَظِنَّة بروز التمايز والتنوع بين هذه المدارس لطبيعة اختلاف الأقوال فيها- على ما سبق وصفه-, ومع كثرة هذا التداخل في الاستدراكات بين مختلف المدارس المذكورة = إلا أنه لا أثر في الاستدراكات يشير إلى وجود هذه المدارس أو تَمَايُزها, لا من جهة الإشارة إلى بلد المفسِّر, ولا من جهة الإشارة إلى شيوخه.

ثانياً: كما أنه لا أثرَ أيضاً لتنوُّع المدارس- المذكور- على وجود الاستدراكات, أو قِلَّتها وكثرتِها, بل احتوت الاستدراكات نماذِجَ عديدةً من استدراكات أصحاب المدرسة الواحدة على بعضهم([9]), وهذا يشير إلى أمرين:
أولهما: ضعف الوحدة الفكرية الواجبِ توفُّرها في المدارس التفسيرية, والتي تقتضي قِلَّة هذا الاختلاف داخل المدرسة الواحدة.([10])
ثانيهما: لا فرق عند المستَدرِك في استدراكه بين قائلٍ وآخر, بل ربما وقع الاستدراك من الطالب على شيخه([11])؛ فإنهم لا يلتزمون آراء شيوخهم في كل موضع في التفسير, بل يجتهدون ثم يوافقون أو يخالفون عن عِلمٍ وعَدلٍ, ولم يكن تنوُّع الأمصار وتعدد الشيوخ مثيراً لأحدهم في اعتراضه واستدراكه على غيره.

ثالثاً: إن كان المُرادُ باختلاف المدارس وتنوعها اختلافاً فكرياً منهجيَّاً يَمَسُّ أصول التفسير وقواعده فهذا غير موجود بين السلف كما سيأتي, وإن كان المُراد بهذا التنوع اختلافاً وتمايُزاً فرعياً جُزئِيَّاً فهو موجود- وبشكلٍ ظاهرٍ كما سبق- في داخل كُلِّ مدرسةٍ تفسيرية, فعلى كِلا المعنيين لا يَصِحُّ إطلاقُ هذا المصطلح على تراجمةِ القرآن([12])وأمصارهم؛ لعدم مطابقته للواقع.

رابعاً: أكَّدت جمهرةُ الاستدراكات اتِّحادَ منهج وأصول التفسير عند السلف بجميع طبقاتهم, وهذا من أظهر نتائج دراسة الاستدراكات في الباب الأول, فجميعُ مفسري السلف معتمدون في تفاسيرهم على القرآن, والسنة, ولسان العرب, وأسباب النُّزول, وقصص الآي, ونحوها ممَّا يلزمُ للتفسير, , لا يخرجون عن ذلك, ولا يختلفون عليه, وتفاوُتُ علماءِ هذه المدارس في الإلمام بكامل هذه الجوانب, لا يعني اختلاف مناهجهم وتعدد مدارسهم, فاعتماد أحدهم في تفسيره على القراءات أو الشِّعْر لا يعني عدم اعتماد الآخر عليها, أو رَدِّه لها, وإنما هو تفاوت في الإقلال أو الإكثار من هذا المصدر أو ذاك.

هذه أبرز المسائل المتعلقة بالمدارس التفسيرية, والتي برزت من خلال استدراكات السلف في التفسير, وهي في مجملها -في الاستدراكات المدروسة وغيرها- لا تحتوي أيَّ إشارةٍ تَدُلُّ على وجود هذه المدارس في عصر السلف, بحسب المعنى اللغوي المتعارف عليه لهذه الكلمة.

فإذا انضاف إلى هذه المسائل:
- عدمُ وجودِ تعريفٍ واضحٍ لهذا المصطلح عند من استعمله .
- وعدمُ الاتفاقِ على تقسيمٍ واحدٍ مستوعِبٍ لهذه المدارس .
- وعدمُ صحةِ نسبةِ عددٍ من أعلام مفسري التابعين إلى هذه المدارس؛ لا بحسب الشيوخ, ولا بحسب الأمصار .
- وعدمُ شمولِ هذا المصطلح ليستوعبَ كُلَّ من له مشاركة في علم التفسير من أعلام التابعين .
- وحيث إن كلمة «مدرسة» في عُرف الاستعمال تتضَمَّن نوعاً من الاختلاف أكبرُ وأعمقُ من الاختلاف الموجود بين السلف في علم التفسير, وفي غيره من العلوم = اقتضى ذلك كُلُّه إعادةَ النظرِ في هذا الاصطلاح؛ وتجاوزه إلى التعبير بما هو أصَحُّ وأدقُّ في الدلالة على المُراد منه؛ سواءً في بيان أئمة المفسرين من الصحابة ومن لهم جمهرةٌ من الطلاب اختَصُّوا بهذا العلم, أو بيان أشهر الأمصار التي تميزت ببثِّ علم التفسير بصورة واضحة.

ومِمَّا يَصِحُّ أن يُعَبَّر به في هذا المقام, قول ابن تيمية(ت:728) رحمه الله: (وأما التفسير فإن أعلمُ الناس به أهلَ مكةَ؛ لأنهم أصحاب ابن عباس, كمجاهد, وعطاء بن أبى رباح, وعكرمة مولى ابن عباس, وغيرهم من أصحاب ابن عباس, كطاووس, وأبي الشعثاء, وسعيد بن جبير, وأمثالهم, وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود, ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم, وعلماء أهل المدينة في التفسير, مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير, وأخذه عنه أيضاً ابنه عبد الرحمن, وأخذه عن عبد الرحمن عبد الله بن وهب)([13]).

- - - - - - -
([1]) ينظر: تهذيب اللغة 12/250, والقاموس المحيط (ص:490).

([2]) المعجم الوسيط (ص:280), وأشار الدكتور إبراهيم السامرائي إلى أن استعمال لفظة «المدرسة» بهذا المعنى إنَّما جاء تقليداً للاستعمال الغربي لَهَا؛ والذي يريدون به ما يُقابِل كلمة «مذاهب» في الاستعمال العربي. ينظر: المدارس النحوية (ص:139- 141), ومقال: الدرس النحوي في بغداد أم مدرسة بغداد النحوية, للدكتور محمد قاسم, مجلة التراث العربي, عدد:64, 1417, و مقالاتٌ في علوم القرآن وأصول التفسير, للدكتور مساعد الطيار (ص:295).

([3]) من أوائل من استعمل هذا المصطلح في تأريخه لعلم التفسير: الدكتور محمد حسين الذهبي, في كتابه التفسير والمفسرون 1/110, وتبعهُ عليه عددٌ من الباحثين. ينظر: عبد الله بن عباس ومدرسته في التفسير, لعبد الله محمد سلقيني, ومناهج المفسرين- التفسير في عصر الصحابة, لمصطفى مسلم (ص:45), وفي علوم القرآن, لأحمد حسن فرحات (ص:242), وتفسير التابعين, لمحمد الخضيري 1/ 365, والمدرسةُ القرآنيةُ في المغرب, لعبد السلام الكنُّوني, ومدرسة التفسير في الأندلس, لمصطفى المشيني, ومنهج المدرسة الأندلسية في التفسير, لفهد الرومي, ومدرسة الكوفة في تفسير القرآن العظيم, لمحمد حسين الصغير, مجلة المورد العراقية, مجلد 17/ عدد 4, 1988م.

([4]) لم أجد تحديداً لمصطلح «مدارس التفسير» عند أحدٍ ممَّن استعمله, وقد أشار إلى ذلك صاحب تفسير التابعين 1/369, ثم لم يُبيِّن أيضاً مراده به!.

([5]) ينظر: التفسير والمفسرون 1/110. وقَسَّم بعضهم مدارس التفسير- باعتبار مصدر التفسير- إلى: مدرسة التفسير بالأثر, ومدرسة التفسير بالرأي. ينظر: أثر التطور الفكري في التفسير في العصر العباسي (ص:63), وتفسير التابعين 2/1169. والتقسيم بحسب الأمصار هو الأشهر.

([6]) ينظر: التفسير والمفسرون 1/110. ووسَّعها بعضُهم وزاد: مدرسة التفسير في البصرة, والشام, واليمن, ومصر. ينظر: تفسير التابعين 1/525. كما قابل بعضُهم بين مدرسة المغاربة والأندلسيين, ومدرسة المشارقة في التفسير. ينظر: المدرسةُ القرآنيةُ في المغرب (ص:120, 293), ومنهج المدرسة الأندلسية في التفسير (ص:8).

([7]) نَسَبَ الخضيريُّ مدرسةَ المدينةِ إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه , وذكر من تلاميذها عروة بن الزبير(ت:94), وسعيد بن المسيب(ت:94), وسليمان بن يسار(ت:107), ولم يُشِر فيها إلى أُبَيّ بن كعب أو أحد تلامذته. ينظر: تفسير التابعين 1/505.
وهذا يشير إلى ضعف الأصل الذي بُنِيَ عليه تقسيم المدارس وتحديد علمائها وطلابها, ويؤكد ذلك التنازعُ الظاهرُ في تحديد مدرسة عدد من التابعين مِمَّن أقام بأكثر من مصرٍ, وأخذَ عن أكثر من شيخ من شيوخ هذه المدارس, كمجاهد, والحسن, وأبي العالية, وأبي مالك الغفاري, وأبي الشعثاء جابر بن زيد, وغيرهم. وينظر في إيضاح عدد من الملاحظات على هذا المصطلح مقالٌ بعنوان: حول مصطلح «مدارس التفسير», للدكتور مساعد الطيار, ضمن كتابه: مقالاتٌ في علوم القرآن وأصول التفسير (ص:295).

([8]) كما في الاستدراكات (17, 20, 59), ولولا صعوبة تحديد مدارس عدد من التابعين لأُلحِقَ بها عددٌ غير قليل من الاستدراكات نحو (37, 39, 46, 47, 50, 52, 56, 57, 59, 60, 62, 65, 73, 74), وينظر: بيان إعجاز القرآن, للخطابي (ص:30) عن أبي الشعثاء وابن مسعود, وتفسير عبد الرزاق 3/464 عن أبي العالية والحسن.

([9]) كما في الاستدراكات (36, 46, 51, 55, 61, 62, 65, 75), وينظر: جامع البيان 2/742 عن سعيد بن جبير ومجاهد وطاووس, وسنن سعيد بن منصور 3/984 عن إبراهيم النخعي والربيع بن خثيم, وفيه أيضاً 4/1633 عن عكرمة ومجاهد, والدر 4/265 عن السُّدِّي وإبراهيم النخعي.

([10]) وأشار إلى نحو هذا الدكتور فضل حسن عباس في كتابه إتقان البرهان في علوم القرآن 2/234, حيث عَدَل عن استعمال لفظ «مدارس التفسير في عهد التابعين», إلى التعبير بـ: أشهر المفسرين في عهد التابعين. وقال: (لأن المدرسة في لغة العصر: ما كانت لها ممَيِّزات وأُسس). وينظر: تفسير التابعين 2/1168.

([11]) ينظر: الدر 3/533 عن عكرمة وابن عباس رضي الله عنه , وجامع البيان 12/67 عن سعيد بن جبير وابن عباس رضي الله عنه , وجامع البيان 1/164 عن ابن جريج ومجاهد, وجامع البيان 12/66 عن قتادة والحسن.

([12]) أي أئمة المفسرين, كما يسميهم ابن جرير. ينظر: جامع البيان 1/110.

([13]) مجموع الفتاوى 13/347.


- - - - -


هذا المبحث من ضمن مباحث رسالة (استدراكات السلف في التفسير) , بعنوان :
اختلاف مدارس التفسير وعلاقته بالاستدراكات فيه .
 
لا مشاحة في الاصطلاح

لا مشاحة في الاصطلاح

المشاركة تبدأ بسؤال غاية في الغرابة هو: هل للتفسير مدارس ؟
الجواب: لا !!!!!
لماذا؟ لأن الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لم تخرج من بين ثناياه كلمة "مدارس التفسير".

هذه هي المباحث التى تجني على العلم وتقوقع المعرفة ، حيث إن المعاصرين قد استحدثوا مصطلحا جديدا هو مدارس التفسير الثلاث ، وحيث إن المدرسة بمعناها اللغوي ليس أصيلا ـ كما يفهم من المشاركة ـ فإن المعول عليه هو المعنى الاصطلاحي العرفي الذي يوجب التمذهب والاختلاف وإن لم يوجد الاختلاف فلا يجوز أن يوجد مصطلح " مدرسة " وحيث إننا قد اختلفنا في اسم مدير مدرسة ما فقد فقدت التسمية صبغتها ومشروعيتها القانونية والعرفية والشرعية .ولكون التسمية تسمية غربية أو استشراقية فهي دخيلة على الدراسات القرآنية ومن هنا كانت النتيجة الحتمية أنه لا توجد أية إشارةٍ تَدُلُّ على وجود هذه المدارس في عصر السلف, بحسب المعنى اللغوي المتعارف عليه لهذه الكلمة.
ومِمَّا يَصِحُّ أن يُعَبَّر به في هذا المقام قول ابن تيمية(ت:728) رحمه الله: (وأما التفسير فإن أعلمُ الناس به أهلَ مكةَ؛ لأنهم أصحاب ابن عباس, كمجاهد, وعطاء بن أبى رباح, وعكرمة مولى ابن عباس, وغيرهم من أصحاب ابن عباس, كطاووس, وأبي الشعثاء, وسعيد بن جبير, وأمثالهم, وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود, ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم, وعلماء أهل المدينة في التفسير.
ما المانع من تقدير المحذوف في كلام ابن تيمية ؟ فتقول " أهل مكة" أي أهل مدرسة مكة !!
ومن الحجج القاضية على محو هذا المصطلح :
1ـ عدمُ وجودِ تعريفٍ واضحٍ لهذا المصطلح عند من استعمله .
الجواب: مصطلح " مدرسة " من البديهيات التى لا تحتاج إلى تعريف أصلا .
- وعدمُ الاتفاقِ على تقسيمٍ واحدٍ مستوعِبٍ لهذه المدارس .
الجواب: هذا حق ولكن هل عدم الاتفاق يعني انكار المصطلح الذي ذهب إليه كبار أهل العلم من المتأخرين وعم قبوله أهلَ العلم جميعا ؟
- وعدمُ صحةِ نسبةِ عددٍ من أعلام مفسري التابعين إلى هذه المدارس؛ لا بحسب الشيوخ, ولا بحسب الأمصار .
الجواب : عدم صحة نسبة البعض إلى هذه المدارس لا يعيب المدارس وإنما يعيب من نسبهم إليها وهم ليسوا منها.
- وعدمُ شمولِ هذا المصطلح ليستوعبَ كُلَّ من له مشاركة في علم التفسير من أعلام التابعين .
الجواب: عدم الشمول يفتح الباب بمصراعية أمام المنقبين عن مزيد من المدارس لا محوها.
ولله در المشرف العام حين علق على مثل هذا الموضوع فقال كلاما في غايات النّصفة والاعتدال :"
إنه ليس من مستلزمات تعدد مدارس التفسير اختلاف المناهج والأصول التي تقوم عليها......وعلى هذا فإن تسميتنا لهذه المجموعات أو البيئات التفسيرية مدرسة مكة أو مدرسة المدينة أو مدرسة العراق لن تغير من المفهوم الذي شاع وعرف عن خصائص تفسير كل بيئة منها. ولن يغير استعمالنا لكلمة مدرسة من الواقع شيئاً ، ولن يحتم علينا استعمالها وجود مناهج مختلفة كل الاختلاف للتفسير في كل بلد ، وذلك لأنه مهما تعددت التسميات ومهما اختلفت المناهج فلن يظن ظان أنها تكون مناهج متباعدة مستقلة لا رابط بينها ولا تشابه ولا مشاركة ، ما دامت مادة التفسير هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وما دامت اللغة التي يستقى منها هذا الدرس هي اللغة العربية ، وشعرها الفصيح ، ولغة أعرابها السليمة الفصيحة النقية ، فلن يختلف التفسير كثيراً ، ولن تختلف الظواهر ، وإن اختلفت المدارس ، أو اختلف أتباع هذه المدارس في بعض نواحي تكوينهم العلمي" .

 
ألا يعد اهتمام عالم معين - وطلابه من بعده - بجانب الوعظ في تفسيره للقرآن منهجا يميزه ويميز طلابه ، أولا يعد اهتمام عالم آخر بآيات الأحكام والناسخ والمنسوخ، واهتمام ثالث بالآيات التي تصف المغازي نواة لإنشاء مدارس -بغض النظر عن التسمية- ، وهذا موجود عند التابعين كما أظهره ( تفسير التابعين ) للخضيري، وهذا الاختلاف في الاهتمامات لا يلزم منه أن يوجد خلاف تضاد، وإنما هي اهتمامات تميزت بها بعض المدارس، ومن المفيد لنا في فهم كلامهم أن نعرف مدارسهم وجوانب التميز والضعف في كل مدرسة ، والله أعلم.
 
حديثنا هنا حول اصطلاح
وكل مصطلح فيشترط فيه الدقة والوضوح وأمن اللبس , ولم يسعد مصطلح (مدارس التفسير) بمثل هذا , وكل من درس اختلاف السلف في التفسير تتحقق عنده النتيجة السابقة في المبحث , ولعل أخانا الفاضل محمد صالح (أبو صفوت) يشاركنا برأيه من خلال رسالته (اختلاف السلف في التفسير بين التنظير والتطبيق) : هل لاختلاف (مدارس التفسير) أثرٌ في اختلاف السلف في التفسير ؟

وليست المشكلة في وجود بعض الاهتمامات والمميزات عند كل مفسر , وإنما الإشكال في جعل ذلك مدرسة والواقع لا يشهد له .
بل إنني أدعو إلى أبعد من ذلك , وهو التأكد من وجود تلك (الخصائص والسمات ..) عند أئمة تلك (المدارس) ؛ فإن كثيراً ممّا يُذكَر فيها ليس بـ(خاصِّية) ولا (سمة) , بل هو من المشترك بين عامّتهم , وعبارة ابن تيمية رحمه الله عن أتباع ابن مسعود : (ومن ذلك ما تميزوا به عن غيرهم) لا تتجاوز في نظري ما اشتهر بين التابعين من أثر قراءة ابن مسعود في التفسير كما قال مجاهد رحمه الله : (كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود {أو يكون له بيت من ذهب}) , وقال -وقد عرض القرآن على ابن عباس ثلاث مرات يسأله عن كل آية فيم نزلت وكيف كانت- : (لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن ممّا سألتُ) .

ومع أن عبارة ابن تيمية ذُكِرَت في آخر المبحث السابق وبعد الفراغ من الأدلة , إلا أنها انقلبت عند بعض قرَّائِنا لتصبح رأس الأدلة وأهمّها , ثم بنى عليها ! والأمر أيسر من ذلك .
 
حديثنا هنا حول اصطلاح
وكل مصطلح فيشترط فيه الدقة والوضوح وأمن اللبس , ولم يسعد مصطلح (مدارس التفسير) بمثل هذا
بل إنني أدعو إلى أبعد من ذلك , وهو التأكد من وجود تلك (الخصائص والسمات ..) عند أئمة تلك (المدارس) ؛ فإن كثيراً ممّا يُذكَر فيها ليس بـ(خاصِّية) ولا (سمة) , بل هو من المشترك بين عامّتهم
الموضوع بمنتهى اليسر هو أن مدرسة تعني "وجود مكان ووجود مدرّس ووجود طالب ووجود مادة علمية تُدرّس" هل ياترى يشترط أن مدارس وزارة المعارف لابد أن يكون لكل مدرسة خاصية معينة تختلف عن غيرها ؟ وسمات معينة ومقررات تباين مقررات غيرها؟
وماذا لو أن وزارة التعليم أو المعارف حددت مقررا واحدا على عموم المملكة ؟ هل نلغي مصطلح " مدرسة " عندئذ ؟
اجعلها مجموعات ـ حلقات ـ معاهد ـ كل مجموعة أو حلقة أو معهد في بلد يسمي باسمه معهد مكه معهد المدينة معهد تبوك ......
السؤال: ما الأثر أو ما الثمرة ؟ أو ما النفع الذي يعود علينا كأهل تفسير علميا من نفي أومسح أو بتر أو إزالة مصطلح "مدارس التفسير"؟
لا زلت أرى أن هذا من العلم الذي لا ينفع فلولا برهنت على نفعه ؟؟

الجواب ـ من وجهة نظري ـ أن الشيخ نايف ـ حفظه الله ـ لكونه ذهب إلى حجج وجيهة لديه ، وكونه تناولها في بحث علمي وفاتت على مناقشيه ـ إن كانت قد نوقشت ـ فبذا يكون للبحث قصب السبق في هدم ما اصطلح عليه كبار العلماء في قضية ليس خلفها أية ثمار علمية إلا " خالف تعرف" وهذا ما يعظّم فكرة عدم الرجوع إلى الحق لدى بعض أهل العلم ــــــ .
 
أخي الكريم
أخرج نايف الزهراني من الموضوع , وليكن حديثنا حول الفكرة نفسها للفائدة .

هذا بحثٌ علميٌ بُنيَ على استقراء تام , ووصل إلى تلك النتيجة بوضوح -وقد اتفقت لجنة مناقشة الرسالة على أنها من أحسن نتائج البحث- .
فإن لم تجد فيه مقنعاٌ لسبب أو لآخر فانظر أيّ بحث في موضوعه -وقد أحلتك على أحدها- وقارن بين النتيجتين .
فإن لم ترضَ أيضاً فشاركنا باستقراءك العلمي الخاص .
فإن لم تستطع فلا بأس أخي ؛ ولنجتمع على ما عرفناه بيقين حتى يتيسر لك خلافه بيقين , ولا ننتقل عنه إلا بدليل , وستجدنا من أسعد الناس بذلك إن شاء الله .

وإلى أن يتيسر لك ذلك .. أرجو أن تدلني على خاصّيّة واحدة انفردت بها مدرسة دون أخرى . شاكراً لك .
 
ألا يعد اهتمام عالم معين - وطلابه من بعده - بجانب الوعظ في تفسيره للقرآن منهجا يميزه ويميز طلابه ، أولا يعد اهتمام عالم آخر بآيات الأحكام والناسخ والمنسوخ، واهتمام ثالث بالآيات التي تصف المغازي نواة لإنشاء مدارس -بغض النظر عن التسمية- ، وهذا موجود عند التابعين كما أظهره ( تفسير التابعين ) للخضيري، وهذا الاختلاف في الاهتمامات لا يلزم منه أن يوجد خلاف تضاد، وإنما هي اهتمامات تميزت بها بعض المدارس، ومن المفيد لنا في فهم كلامهم أن نعرف مدارسهم وجوانب التميز والضعف في كل مدرسة ، والله أعلم.
كلام رائع ، يحل الخلاف في نظري لأن المخالفين للتسمية نظروا إلي مئارب أخري (( نتفق نحن وإياهم عليها )).
"" قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في (( مقدمة في أصول التفسير )) ؛
{{ وأما التفسير ، فان أعلم الناس به أهل مكة ؛ لأنهم أصحاب ابن عباس ؛ كمجاهد ، وعطاء بن أبى رباح ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وغيرهم من أصحاب ابن عباس ؛ كطاووس ، وأبى الشعثاء ، وسعيد بن جبير وأمثالهم .
وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود ، {{ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم }} ، وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير ، وأخذه عنه أيضا ابنه عبدالرحمن ، وأخذه عن عبدالرحمن عبد الله بن وهب .""
أقول أليس من الممكن أن يقصد شيخ الإسلام بقوله { ومن ذلك ما تميزوا به علي غيرهم } ما قال عنه المتأخرون (( مدارس )) وأن كل مدرسة تميزت بأشياء لم تتميز به المدرسة الأخرى ،
كمنهج مختلف ـ وليس بالضرورة أن يكون متسعا ـ ككثرة الاستدلال بالسنة ، أو كثرة الربط بين الكتاب والسنة .........الخ ، مما هو من هذا الباب ، كاختصاص كل جماعة بالرواية عن واحد من الصحابة ، وتكون هذه ((مدارس)) أو ((مناهج)) تحت المنهج العام وهو السنة والأثر ، كما أن هناك مناهج مختلفة في تفاسير أهل السنة أنفسهم .
 
عودة
أعلى