هل هذا التوجيه صحيح ، (فادخلوا أبواب جهنم) حُذف منها ( من )

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

مهاجر

New member
إنضم
28 فبراير 2006
المشاركات
31
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله

السلام عليكم

هل يمكن أن يقال في قوله تعالى : (فادخلوا أبواب جهنم) ، بأن هناك محذوفا مقدرا تقديره : من ، فيكون تقدير الكلام : فادخلوا من أبواب جهنم ، لأن الدخول يكون من الأبواب ، والحذف هنا إنما أتى للدلالة على المبالغة في تأكيد هذا الدخول ، فكأنهم دخلوا في نفس الأبواب ؟

وجزاكم الله خيرا
 
السلام عليكم

جاء تعبير "الدخول من أبواب" مرة واحدة في سورة يوسف في قوله (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ )67
أمّا في باقي آيات الكتاب فقد جاء فعل الدخول متعديا بنفسه

# قال في النحل 29 (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرِينَ)

# قال في الزمر 72 (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرِينَ)# قال في غافر 76 (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرِينَ)

# قال في الأعراف 161 (وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ)

# قال في البقرة 58 (وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ)
وتوجيهك مقبول أخي---إلّا أنني ارتأيت أنّ كون التعبير "ادْخُلُوا أَبْوَابَ " متعديا بنفسه يشير إلى سرعة الدخول-وكأنه أراد منهم أن يكونوا في داخل جهنم مسرعين-فأنت تقول آمرا ولدك أدخل الباب وتعني أنّ عليه أن يكون داخل المنزل--أمّا قولك له إدخل من الباب فأنت تقوله عندما يتوفر مدخل آخر غير الباب للمنزل

ومداخل جهنم أبوابها ويتم الدخول إليها من أبوابها ولا دخول إلّا من أبوابها لقوله ( لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ)
 
وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً [البقرة:58]

وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً [النساء:154]

قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ [المائدة:32]

وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً [الأعراف:161]

فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ[النحل:29]

قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ [الزمر:72]

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ [الرعد:23] وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ .... وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم [يوسف:67،68].
===============
أيُّ الصورتين هي الأصل: تعدي الفعل (دخل) بنفسه، أم بحرف (من)؟

الأصل أن الفعل (دخل) يتعدى بنفسه، قال الراغب الأصفهاني في المفردات: يقال: دخل مكان كذا وكذا.

ويُستأنس على أن هذا هو الأصل بما جاء في (البحر المحيط) عند قوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا (80) [الإسراء]: .... ويجوز أن يكونا اسم المكان وانتصابهما على الظرف، وقال غيره: منصوبان مصدرين على تقدير فعل أي {أدخلني} فأدخل {مدخلَ صدق} {وأخرجني} فأخرج {مخرج صدق}.أ.هـ.

ولم يقدر: فأدخل من مدخل.

وإذا صحَّ أن الأصل هو عدم التعدي بحرف، فلا نبحث بسبب مجيء التعبير القرآني بـ: (ادخلوا أبواب جهنم)، لأنه هو القاعدة والأصل، وإنما نبحث في الآيات التي تعدى فيها فعل (دخل) بحرف (من)، وما المعنى الذي أفاده هذا الحرف.
وقد جاء في آيتين، الأولى في الرعد والثانية في يوسف، كما هو مبين أعلاه.

فما هو السر البياني الذي أفاده هذا الحرف (من)؟ هل يمكن أن يكون للابتداء؟


بانتظار تعليقاتكم وملاحظاتكم .... وخصوصاً المهتمين والمختصين بعلوم اللغة.
وبارك الله فيكم.
 
أولاً- يجب التفريق بين قول القائل: دخلت المسجد من الباب، وقوله: دخلت في المسجد من الباب؛ لأن الأول يتعدى إلى المفعول بنفسه، والثاني يتعدى إلى المفعول بأداة الجر( في ). والمفعول في الموضعين هو( المسجد ).. أما ( الباب ) في الموضعين فهو اسم مجرور بـ( من )، وهي هنا لابتداء الغاية المكانية.
ثانياً- الفعل( دخل ) يتعدى إلى المفعول بـ( في )، ولا يتعدى بـ( من )؛ لأن المجرور بـ( من ) ليس مفعولاً في المعنى، بخلاف المجرور بـ( في ). والذي يتعدى بـ( من ) هو الفعل( خرج ) نقيض( دخل ). يقال: دخلت في الكوفة، وخرجت منها.
ثالثاً- الدخول يعني: الانتقال من مكان بسيط من الأرض إلى مكان منها غير بسيط. فإذا كان المنقول إليه مكانًا غير مختصٍّ، وجب إدخال( في ) قبله. وإذا كان مكانًا مختصًّا، جاز إدخال ( في ) قبله، وجاز إسقاطها. وإسقاطها أبلغ من إدخالها، لما فيه من دلالة على سرعة الدخول.
ومثال الأول قولك: دخل في عالم الغيب. ومثال الثاني قولك: دخل في المسجد، ودخل المسجد.
وعلى الأول جاء قوله تعالى:( ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم )(الأعراف/ 38)- ( وأدخلني في عبادك الصالحين )( النمل/19). فهنا لا يحوز إسقاط ( في )؛ لأن ما بعدها مكان غير مختص.
وعلى الثاني جاء قوله تعالى:( ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ )(المائدة/ 21)- ( ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(النحل/ 32). فلو قيل: ادخلوا في الأرض المقدسة، وادخلوا في الجنة، لكان ذلك جائزاً؛ لأن كلاًّ من الأرض والجنة مكان مختص.
وقد اجتمع ذكر( في )، وإسقاطها في قوله تعالى:( فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي )(الفجر/29-30).
رابعاً- قوله تعالى:( فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ )(النحل/29) ليس كقوله تعالى:( وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ )(يوسف/67)؛ لأن الأبواب في الأول مفعول به، وهي المدخول فيه. ولهذا قال المفسرون: المعنى: فادخلوا جهنم.. وأصل الكلام: ادخلوا جهنم من أبوابها. فقدمت الأبواب على ( جهنم ) بعد إسقاط ( من )، وحلت محلها في المعنى، وفي الإعراب. ويقاس على ذلك بقية الآيات. والدليل قوله تعالى عقب ذلك:( فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ)( النحل/29)، فقال: مثوى وهو مكان يراد به جهنم، لا أبوابها.
أما الأبواب الثانية في آية يوسف فهي اسم مجرور، والمفعول به محذوف، تقديره: ادخلوا مصر من أبواب متفرقة. ومن قبلها لابتداء الغاية المكانية.
وبذلك يتضح الفرق بين قول القائل: ادخلوا الباب.. وقوله: ادخلوا من الباب. فالأول دخول في الباب، والثاني دخول من الباب.. ولهذا يجوز في الأول: دخلت في الباب.
قال تعالى:( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة/ 58 ).
والمعنى: ادخلوا في هذه القرية... وادخلوا في الباب سجداً. ثم أسقطت ( في ) تنبيهاً على سرعة الدخول.. وإنما جاز ذلك في القرية والباب؛ لأن كلاًّ منهما مكان مختص. وجاز ذلك في الباب: لأنه في معنى القرية.. والدليل قوله تعالى:( ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ )(المائدة/ 32)، فقال: دخلتموه. والمراد: دخلتم فيه.. والله تعالى أعلم!!!
 
زادكم الله علماً على علم .. كلامكم مفيد جداً وقوي، أفادني كثيراً، فجزاكم الله خيراً.
 
وجزاك أنت أيضاً أختي الكريمة..
( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )!!!
 
جزى الله الأستاذ الفاضل عبد القادر خير الجزاء على هذا الجواب، وزاده علماً. وإن أسلوبه في عرض المسائل، والاستدلال لها ليذكرني بأسلوب أستاذنا الكبير محمد إسماعيل عتوك حفظه الله؛ فقد تعلمنا منه الكثير.. وأود أن أضيف إلى ما ذكره فضيلته:
أن الفعل ( دخل ) كما يتعدى بـ( في )، فكذلك يتعدى بـ( إلى ). يقال: دخل في البيت.. ودخل إلى البيت.. والأول هو الأصل، وهو الأكثر في الاستعمال.. والفرق بينهما هو الفرق بين( في ) الدالة على الظرفية، و( إلى ) الدالة على انتهاء الغاية. وهذا يعني: أن البيت في المثال الأول هو مظروف للدخول، وليس كذلك البيت في المثال الثاني.
وشيء آخر، وهو أنه إذا قيل: دخل البيت، أو المسجد، أو المدينة، فإن كثيرًا من يذهب إلى أن المنصوب بعد فعل الدخول منصوب على الظرفية المكانية.. وليس كذلك؛ لأن من شروط الظرف أن يكون مبهماً، وهذه الأسماء الدالة على المكان هي أسماء مختصة.. ولهذا لا يجوز انتصابها على الظرفية؛ وإنما هي منصوبة بإسقاط الجار. أي: بنزع الخافض. وتعرب مفعولاً به توسُّعاً.
 
الأخ الفاضل خالد
إن ما ذكرته من قولك:(( أن الفعل ( دخل ) كما يتعدى بـ( في )، فكذلك يتعدى بـ( إلى ). يقال: دخل في البيت.. ودخل إلى البيت.. والأول هو الأصل، وهو الأكثر في الاستعمال.. والفرق بينهما هو الفرق بين( في ) الدالة على الظرفية، و( إلى ) الدالة على انتهاء الغاية )) هو قول صحيح لا غبار عليه.. وللسبب الذي ذكرتَ أنت لم يستعمل المتعدي بـ( إلى ) في القرآن على حسب علمي.. ولهذا لم أذكره في جوابي السابق.
وأما ما ذكرته ثانياً من قولك إن الأسماء المنصوبة في نحو قولهم:(( دخل البيت، أو المسجد، أو المدينة... إنما هي منصوبة بإسقاط الجار. أي: بنزع الخافض. وتعرب مفعولاً به توسُّعاً ))
فهذا موضع نزاع بين النحاة: فمن قال بالنصب على نزع الخافض فلأنه يرى أن الفعل ( دخل ) لازم.. ومن قال بالنصب على المفعول به فلأنه يرى أن الفعل ( دخل ) متعدٍّ.. وما ذكرته من تفصيل في استعمال هذا الفعل هو الأنسب.. والله تعالى أعلم.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولاً- الفعل في النحو العربي من حيث التعدي واللزوم ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: يكون فيه الفعل لازمًا، وهو الذي يتعدى إلى المفعول بوساطة حرف الجر.. والقسم الثاني: يكون فيه الفعل متعديًا، وهو الذي يتعدى إلى المفعول بدون وساطة حرف الجر.
ثانيًا- قد يحذف حرف الجر مع بعض الأفعال اللازمة، فينتصب الاسم على المفعول به اتساعًا؛ كقول العرب: ذهبت الشام. ومررت الديار. والأصل فيهما: ذهبت إلى الشام. ومررت على الديار، ومررت بالديار. قال الشاعر:
تمرون الديار ولم تعوجوا *** سلامكم علي إذن حرام

فهذا ممَّا حذف منه حرف الجر اتساعًا، لسر بلاغي من أسرار البيان، فانتصب الاسم بعده على نزع الخافض؛ إذ الأصل فيه اللزوم.
ومنه قوله تعالى:﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ﴾(الأعراف: 155). والأصل فيه: واختار موسى من قومه سبعين رجلاً. فكأن قومه كلهم هذا العدد المذكور.

ثالثًا- قد ترد بعض الأفعال المتعدية متعدية بأنفسها تارة، ومتعدية بحرف الجر تارة أخرى؛ كقول العرب: سبَّح اللهَ، وسبَّح لله. وشكر الله، وشكر لله. ونصح القوم، ونصح للقوم. فانتصاب الاسم مع هذه الأفعال على المفعول به؛ لأن الأصل فيها التعدي. وأمثلتها في القرآن كثيرة لمن أراد أن يتتبعها.

رابعًا- الفعل ( دخل ) يستعمل لازمًا تارة. ومتعديًا تارة أخرى. ومتعديًا ولازمًا تارة ثالثة:
أما كونه لازمًا فلأن مصدره على: فعول، وهو غالب في الأفعال اللازمة؛ ولأن نظيره ونقيضه كذلك: عبرت، وخرجت، وكلاهما لازم. ويتعين كونه لازمًا، إذا كان المدخول فيه مكانًا غير مختص؛ كقوله تعالى:﴿ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم ﴾(الأعراف: 38). وقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السَّّلْمِ كَآفَّةً ﴾(البقرة: 208).

فإذا كان المدخول فيه مكانًا مختصًّا فإما أن يكون ذلك المكان متسعًا جدًّا، بحيث يكون كالبلد العظيم. أو يكون ضيِّقًا جدًّا، بحيث يكون الدخول فيه ولوجًا وتقحمًا. أو يكون وسطًا بينهما.
فإذا كان الأول، لم يكن من نصبه بدٌّ؛ كقول العرب: دخلت الكوفة، والحجاز، والعراق. ويقبُح أن يقال: دخلت في الكوفة، وفي الحجاز، وفي العراق، مع جوازه. ومنه قوله تعالى:﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ﴾(المائدة: 21). وقوله تعالى:﴿ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(النحل: 32).
وإن كان الثاني، لم يكن من جره بدٌّ؛ كقولهم: دخلت في البئر.
وإن كان الثالث، جاز فيه النصب، والجر؛ كقولهم: دخلت المسجد، وفي المسجد. ونصبه أبلغ من جره. وانتصابه على المفعول به، لا على نزع الخافض؛ لأن الأصل في الفعل( دخل ) المتعدي إلى المكان المختص التعدي بنفسه، خلافًا للفعل ( ذهب ) في قولهم: ذهبت الشام؛ لأن الأصل في هذا اللزوم. ومنه قوله تعالى:﴿ يَا أيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾(النمل: 18).
ومما يدل على ما ذكرنا: أن الفعل( ذهب ) مقصور على مكان معين، وهو( الشام ). فلما كان( دخل ) شائعًا في سائر الأمكنة، دل على أنه متعد. أما( ذهبت ) فمتفق على كونه غير متعد بنفسه، وقد حذف منه حرف الجر اتساعًا.
ولهذا الذي ذكرناه لا يجوز في أسماء الأمكنة المختصة بعد الفعل( دخل ) النصب على نزع الخافض؛ لأن الأصل فيه التعدي..
 
[align=justify]السلام عليكم
بارك الله فيكم جميعاً ، وأخصّ بالذكر الأخ عبد القادر يثرب على توجيهه الموفّق بإذن الله .. والأستاذ محمد عتوك على ما أثرانا به من بيان ماتع ..

واسمحوا لي - أيها الأفاضل - أن أضيف إلى ما ذكرتم أن الفعل ( دخل ) قد جاء أيضاً متعدّياً بـ( على ) في الذكر الحكيم . وحين تعدّى فعل الدخول بـ( على ) دلّ حرف الاستعلاء على ارتفاع المكان وإشرافه وعلوّه ، وأن الداخل أو المأمور بالدخول فيه مطالَب بمزيد من التحمّل والصبر على ما يلاقيه من الضرر والمشقّة ، وإن بقي لكلّ سياق مزيد خصوصية بما تشيعه تراكيبه من الدلالات والأغراض التي لا نجدها في السياق الآخر .

وقد أوضح ابن السيد البطليوسي حقيقة حرف الاستعلاء بقوله : " اعلم أن أصل ( على ) العلو على الشيء وإتيانه من فوقه ، كقولك : أشرفت على الجبل ، ثم يعرض فيها إشكال في بعض مواضعها التي تتصرّف فيها ، فيظنّ الضعيف في هذه الصناعة أنها قد فارقت معناها ، فمن ذلك قول القائل : زرته على مرضي ، وأعطيته على أن شتمني ، وإنما جاز استعمال ( على ) ها هنا ، لأن المرض من شأنه أن يمنع من الزيارة ، وكذلك الشتم يمنع المشتوم من أن يعطي شاتمه شيئاً ، والمنع قهر للممنوع ، واستيلاء عليه ، فهي إذن لم تخرج عن أصلها بأكثر من أن الشيء المعقول شبه بالشيء المحسوس ، فخفي ذلك على من لا دربة له في المجازات والاستعارات " (الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، 2/282) .

وبتأمّل مواطن تعدية الدخول بـ( على ) في القرآن الكريم نجد له الدلالة التي ذكرناها آنفاً في قوله تعالى : ( وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) [آل عمران: 37] . فـ( على ) بدلالته على الاستعلاء يشير إلى ارتفاع المكان الذي فيه مريم عليها السلام وعلوّه ، وقد نصّ المفسّرون على أن زكريا عليه السلام بنى لها محراباً في المسجد ، أي غرفة يُصعد إليها بسلّم (انظر الكشاف 1/417) . أو أن ( على ) توحي بمشقّة زكريا عليه السلام وهو شيخ كبير في الوصول إليها ، ومعاناته في كفالته لها ، والقيام على رعايتها حقّ الرعاية على أكمل وجه .

ولنفس الغرض جاءت ( على ) حين تعدّى بها فعل الدخول في قصّة يوسف عليه السلام في أربعة مواطن ، منها قوله تعالى : ( وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) [يوسف: 58] ، وقوله تعالى : ( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ) [يوسف: 69] . فهي تدلّ على مكان ارتفاع يوسف وعلوّه ، وأنهم قد وجدوا من المشقّة والصعاب ما وجدوه في سبيل الوصول إليه والدخول عليه .

أما ( على ) في قوله تعالى : ( قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ) [المائدة: 23] ، فإن الاستعلاء فيها مع دلالته على علوّ مكان العدوّ يدلّ على التمكّن والقهر والغلبة ، وهو في الوقت نفسه يطالب المخاطبين بمزيد من التحمّل والصبر على ملاقاة هؤلاء الأعداء .

ولقد كشف السياق عن رغبة هذين الرجلين اللذين أنعم الله عليهما في تشجيع قومهما على قتال العدوّ من خلال التعبير بحرف الاستعلاء ومن خلال تأكيد وعدهما لهم بالفوز والغلبة على العدوّ بقولهما كما حكاه القرآن الكريم : ( ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ) .

[/align]
 
أخي لؤي! أحسن الله إليك، وجزاك كل خير، ووفقك إلى ما فيه الصواب.
أولاً- أحب أن تعلم أن الأصل في الفعل( دخل ) هو أن يتعدى إلى المفعول بـ( في )، وأن مفعوله لا يكون إلا اسمًا مختصًا، أو غير مختص؛ كما هو واضح في الأمثلة والآيات التي استشهد بها. والمنصوب منه لا يكون إلا على تقدير( في ). وقد يتعدى بـ( إلى )، والفرق بينهما ما ذكره الأخ خالد.
تقول: دخلت البيت، ودخلت في البيت. هذا هو الأصل.. ثم تقول: دخلت البيت عليه، فتذكر( عليه ) زيادة في التوضيح والبيان. وما ذكرته ليس أصلاً؛ وإنما هو فضلة، ذكرت تتميمًا للكلام.
ومثل ذلك قوله تعالى:﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ ﴾(آل عمران: 37 ). فالمفعول به هو المحراب. والمفعول في قوله تعالى:﴿ ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ ﴾(المائدة: 23) هو الباب.
وفي قوله تعالى:﴿ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ ﴾( يوسف: 58) المفعول به محذوف للعلم به. أي: دخلوا عليه القصر، أو المدينة. وكذلك قوله تعالى:﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾( يوسف: 69 ). وهذا واضح.
أما ( على ) فهو فضلة، الفائدة منه بيان الغرض من الدخول، وهو كيفيته. وهذا كما تقول: دخلت المحراب للصلاة. فقولك: للصلاة، لا يعني أن الفعل يتعدى باللام؛ وإنما هي فضلة الغرض منها بيان سبب الدخول.
وقوله تعالى:﴿ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ﴾(يوسف: 67 ) المفعول محذوف للعلم به. و( من باب ) بيان للطريقة أو الوسيلة التي يتم بها الدخول.
وتقول: دخلت الكوفة على أهلها من أبوابها لقضاء بعض الحاجات.. فالمفعول هو الكوفة، وهو الأصل، وما ذكر بعده فإنما ذكر لأغراض أخرى بلاغية.
ثانيًا- ومما يدلك على أن الفعل( دخل ) لا يتعدى بهذه الأحرف أنه لا يجوز حذفها، ونصب الأسماء بعدها؛ كما حذفت ( في )، وانتصب الاسم بعدها.. ومن شروط تعدي الفعل بالحرف أن يكون المجرور به في المعنى مفعولاً به.
وتأمل ذلك في قوله تعالى:﴿ ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ ﴾(المائدة: 23)، كيف تعدى الفعل( دخلتموه ) إلى ضمير ( الباب )؛ لأنه هو المفعول. ولو كان الضمير المجرور بـ( على ) في ( عليهم ) مفعولاً به، لوجب أن يعود عليه هذا الضمير في ( دخلتموه ).

ثالثًا- التعدي إلى المفعول يعني: وقوع الحدث عليه. فإذا قلت: دخلت في البيت، فمعناه: أن حدث الدخول وقع على البيت... وإذا قلت: قعد على الأرض، فمعناه: أن حدث القعود وقع على الأرض. ولهذا كان المجرور- هنا- مفعولاً به في المعنى.

فإذا قلت: دخلت البيت على زيد، فمعناه: أن حدث الدخول وقع على البيت؛ لأنه المدخول فيه. فإن كان ثمة وقوع من الفعل على زيد، فلأنه داخل البيت، فالبيت مشتمل عليه. ولو كان مفعولاً في المعنى، لصح أن يكون هو المفعول. بمعنى أن يكون هو المدخول فيه.. فهل هذا معقول يا أستاذ لؤي ؟؟؟
وفي الختام تقبل تحياتي، وتمنياتي لك بالتوفيق
 
[align=justify]معلِّمي الفذّ الأستاذ الفاضل / أبو الهيثم
قد بالغت إسعادي وسروري بالمعلومات الثمينة ، التي بذلتها وما زلت تبذل حُبّاً في نشر العلم .. أسأل الله - عزّ وجلّ - أن يجزيك عني وعن كل قاريء خير الجزاء ، وأن يجعل التيسير حليفك دائماً .. وأشكرك كل الشكر على تصحيحك ، وكلّي فخر وسعادة أن أظلّ تلميذاً لك ينهل من نبع علمك الصافي .

أستاذي الفاضل - أكمل الله أمانيك فيما يحبّه ويرضاه ..
في قوله تعالى : ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) [آل عمران: 37] ، يقول العكبري : " فحقّ ( دخل ) أن يتعدّى بـ( في) أو ( إلى ) ، لكنه اتسّع فيه ، فأوصل بنفسه إلى المفعول " (إعراب القرآن، 1/74) . وعلى هذا التوسّع مدار الحديث .

فقد قرأت قبل سنوات بحثاً للدكتور يوسف الأنصاري عن أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم ، جاء فيه أن الفعل ( دخل ) ورد في القرآن متعدّياً بـ( على ) و ( في ) و ( من ) و ( الباء ) و ( مع ) ، كما وأذكر أنه - حفظه الله - ضرب في بحثه المذكور أمثلة على كل وجه من أوجه "التعدّي" بحروف الجرّ ، ومنها ما ذكرته في مشاركتي السابقة . وكان هدفه من ذلك بيان المعاني والدلالات التي تشيعها حروف الجرّ في سياقاتها المختلفة مع الفعل ( دخل ) .

وليس هدفي من هذه المشاركة أن أعرض للخلاف بين سيبويه والمبرد - رحمهما الله - حول تعدية هذا الفعل ، ولكني أقول : لابدّ من وقفة على الفعل ( دخل ) واستعماله في لغة التنزيل ، وهذا لا يتأتّى إلا باستقراء الآيات التي اشتمل عليها ..
وإذ ذاك نجد اختلافاً واسعاً في استعمالاته ، منها :
أولاً : في المحسوسات من الأسماء الدالّة على الأمكنة والظروف المكانية .
وثانياً : في الدخول على العاقل من الآدميين .
وثالثاً : في الأمور العقلية أو ما يُدعى بأسماء المعاني .
ورابعاً : في تجاوز حقيقته مجازاً لعلاقة من العلاقات ..

ففي الحالة الأولى يصل الفعل إلى مدخوله من غير أداة واسطة كحروف الخفض ، كما جاء في قوله تعالى : ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ) [القصص: 15] ، وقوله : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ) [البقرة: 214] ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) [الأحزاب: 53] ، وقوله : ( ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ ) [الحجر: 46] .

وحين يُطوى اسم المكان الذي يصير إليه الداخل ، ويكون الدخول على الآدميين ، فنلاحظ أنه يستعمل حرف الجرّ ( على) ، كما في قوله تعالى : ( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ) [يوسف: 69] ، وقوله : ( إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ) [ص: 22] ، وقوله : ( وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ) [الرعد: 23] . وقد يظهر المكان المدخول فيه مع ذكر الآدميين ، كقوله تعالى : ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) [آل عمران: 37] .

كما نلاحظ أن فعل الدخول استعمل أيضاً في بضع آيات قاصراً لازماً غير متّصل بمتعلّق به ، كقوله تعالى : ( كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ) [الأعراف: 38] ، وقوله : ( وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا ) [الأحزاب: 53] ، وقوله : ( لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ) [يوسف: 67] . ومن غير شكّ أن المتعلّق وهو الاسم المكاني ، أو المدخول عليهم من الآدميين قد طُوي ذكره في هذه الآية لعدم الحاجة إليه ..

أما إذا كان الدخول في الأمور العقلية ، أو ما يُدعى بأسماء المعاني ، فنلاحظ أن الفعل يتطلّب في هذه الحال حرف الجرّ ( في ) أو ( الباء) ، كما في قوله تعالى : ( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) [النصر: 2] ، وقوله : ( وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ ) [المائدة: 61] . كما وقد يُحمل استعمال الفعل في الأمور المعنوية ، كقوله تعالى : ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) [الفجر: 29-30] . فالمراد بالدخول في العباد الاتصال بهم والعيش بينهم ، فجاز استعمال ( في ) ، في حين عُطف عليه قوله (وادخلي جنتي) ، وذلك لأن المدخول فيه من الأسماء الدالّة على المكان .

وأما حين يتجاوز استعمال الفعل ( دخل ) حقيقته مجازاً لعلاقة من العلاقات ، فنلاحظ أنه يتطلّب في هذه الحال حرف الجرّ ( الباء ) ، كما في قوله تعالى : ( فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) [النساء: 23] فالدخول بالزوج هنا هو كناية عن الجماع .

وغير خافٍ من هذه الاستعمالات أنها تكشف عمّا تومض به حروف الجرّ من المعاني والأسرار في البيان القرآني ، فلكل حرف دلالات بلاغية ينشرها على السياق ، كما أن لكل حرف استعماله المطرد في آي الذكر الحكيم ..

فما رأيكم - حفظكم الله ؟
[/align]
 
هذه الدرر التي يتحدث عتها فضيلة الأستاذ جمال شرباتي حفظه الله مبنية على فهم غير صحيح لما نقله الأستاذ لؤي الطيبي عن العكبري من قوله:(( في قوله تعالى: ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) [آل عمران: 37] ، يقول العكبري : " فحقّ ( دخل ) أن يتعدّى بـ( في) أو ( إلى ) ، لكنه اتسّع فيه ، فأوصل بنفسه إلى المفعول " (إعراب القرآن، 1/ 74 ). وعلى هذا التوسّع مدار الحديث ).
وقول العكبري أوضح من أن يفسر، فهو ينص على أن حق الفعل( دخل ) أن يتعدى بـ( في) أو ( إلى )، لكنه اتسّع فيه، فأوصل بنفسه إلى المفعول.. وهذا ظاهر في قولك:
دخل في المسجد، وإلى المسجد، ثم تقول: دخل المسجد، فتسقط حرف الجر توسعًا. وهذا التوسع هو مدار الحديث، لا التوسع الذي فهمه الأخ لؤي من قول العكبري.
وعلماء النحو كسيبويه، والمبرد، الأخفش، والفارسي، وغيرهم لم يفهموا هذا التوسع كما فهمه الأخ لؤي، وبنى عليه هذه الدرر الفريدة في نظر الأستاذ جمال الشرباتي. وهي بالفعل درر، ولكن لا علاقة لهذه الدرر بما هو موضع الخلاف.. وكنت أتمنى من الأخ جمال أن يأتي بمثلها مع أن الأخ لؤي يصرح بأنها ليست من عنده ومن ابتكاره. بل هي أقوال ينقلها عن غيره.
وهؤلاء العلماء الأفذاذ لم يختلفوا أبدًا في أن الفعل( دخل ): هل يتعدى بـ( في )، أو( إلى )؟؟؟ أم يتعدى بـ( على )، أو ( الباء )، أو اللام )؟؟؟ لأن تعديه بـ( إلى )، و في ) من الأمور المسلمة التي لا يختلف فيها اثنان... وإنما كان خلافهم: هل هذا الفعل لازم، أم هو متعد؟؟؟ وإذا كان متعديًا: فهل الاسم المنصوب بعده: مفعولاً به، أو ظرف مكان، أو منصوباً على نزع الخافض؟؟؟ وما صاحب بعد ذلك الفعل ( دخل ) من حروف الجر، فلأغراض بلاغية يتطلبها السياق. وهذا ما وضحه أستاذنا الفاضل محمد إسماعيل بمثال بسيط قبل أن يسأل عنه الأخ لؤي، وهو قوله:(( دخلت الكوفة على أهلها من أبوابها لقضاء بعض الحاجات.. فالمفعول هو الكوفة، وهو الأصل، وما ذكر بعده فإنما ذكر لأغراض أخرى بلاغية )).
والعجيب في الأمر أن يغير العنوان من ( هل هذا التوجيه صحيح ) إلى العنوان (هل هذا التوجيه صحيح، ( فادخلوا أبواب جهنم) حُذف منها ( من )، ليتلائم مع نظر الأستاذ شرباتي، وقوله بحذف من قبل ( أبواب جهنم ). ولو شارك الذي غيره إلى هذه الصورة برأيه، وأبدى وجهة نظره، لكان أفضل له من أن يقوم بهذا التغيير.
والآية قد شرحتها بما لا يدع مجالاً لأحد أن يلتبس عليه الأمر، وقلت أن الدخول في هذه الآية هو دخول في الأبواب.. وفي قوله تعالى:( وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ) هو دخول من الأبواب، فقوله تعالى:( فادخلوا أبواب جهنم ) أبلغ من قولنا: فادخلوا جهنم من أبوابها؛ حيث جعلت الأبواب هي جهنم نفسها.. والفرق بين التعبيرين واضح، ومع ذلك فإن هذا لا يفهمه كل أحد. ومن العجيب أن تفهمه الأخت الفاضلة روضة، وهي طالبة مبتدئه في دراسة التفسير وعلومه- مع احترامي وإكباري لها- ولم يفهمه الأستاذ جمال، وهو مدرس للغة العربية منذ أكثر من ثلاثين سنة!!!

وأود أن أشير هنا إلى أن ما ذكرته في مداخلتي الأولى إنما هو من فضل الله وتعليمه أولاً، ثم من فضل وتعليم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك الذي تتلمذت عليه أكثر من عشر سنوات تعلمت فيها منه الكثير. وهذا ليس مدحاً بقدر ما هو اعتراف بالجميل، وأنا أعلم أن الأستاذ محمد لا يحب أن يمدح، ولا يريد أن تكون له منة على أحد.
 
عبد القادر يثرب قال:
وكنت أتمنى من الأخ جمال أن يأتي بمثلها مع أن الأخ لؤي يصرح بأنها ليست من عنده ومن ابتكاره. بل هي أقوال ينقلها عن غيره.

-----





والعجيب في الأمر أن يغير العنوان من ( هل هذا التوجيه صحيح ) إلى العنوان (هل هذا التوجيه صحيح، ( فادخلوا أبواب جهنم) حُذف منها ( من )، ليتلائم مع نظر الأستاذ شرباتي، وقوله بحذف من قبل ( أبواب جهنم ). ولو شارك الذي غيره إلى هذه الصورة برأيه، وأبدى وجهة نظره، لكان أفضل له من أن يقوم بهذا التغيير.
-

----------------------------------------------


ولم يفهمه الأستاذ جمال، وهو مدرس للغة العربية منذ أكثر من ثلاثين سنة!!!

.

-------------------------------------------

والظلم ظلمات يوم القيامة
 
من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم

من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم

[align=justify]الأخ عبد القادر يثرب ..
عطف الله قلبك علينا ، وألهمك الإحسان إلينا ..
بداية أقول : ينبغي إذا وعَظتَ - أخي الفاضل - ألا تتشكّل بشكل منتقم من عدوّ ، ولكن بشكل مَن يُسعِط أو يكوي بعلاجه داءً بصديق له ، وإذا وُعِظتَ أيضاً بشيءٍ فيه صلاحُك ، فينبغي أن تتشكّل بشكل المريض للطبيب . أما أن تنتقص من شأن فلان وشخص علان ، فما هكذا يكون شأن صاحب العلم مع المتعلّم ، وما هكذا تورد الإبل ..

وبخصوص ما جاء في مداخلتك عن ( الدرر ) ، فأقول إنها من " ابتكاري " ولا فخر .. ولا يخفى عليك - أخي عبد القادر - أنه من السهل على الإنسان أن يتتبّع المواضع التي تردّد فيها الفعل ( دخل ) في القرآن الكريم من خلال المعجم المفهرس - رحم الله صاحبه - وأن يستقريء المواضع التي اقترن فيها هذا الفعل بحروف الجرّ ، ليخلص إلى نفس النتيجة التي انتهيتُ إليها ، والتي لم تنل منك إلا إعجاباً دون أي تعقيب .. الأمر الذي كنت أرجوه من أستاذي الفاضل أبي الهيثم - حفظه الله ..

وأما ما يخصّ تعدية الفعل ( دخل) بحروف الجر ( مع ) و ( في ) و ( من ) و ( على ) و ( الباء ) ، فقد رجعت إلى بحث الدكتور يوسف الأنصاري من جديد ، وأنا أوثّق لك جزءاً منه ها هنا .. ولئن واجهتَ إشكالاً ما في بحثه ، فما عليك إلا أن تتوجّه لفضيلته - حفظه الله - وأن تخبره بأن كلامه باطل جملة وتفصيلاً ..

عنوان البحث : من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم .
عدد الصفحات : 39 .
اسم الباحث : الدكتور يوسف الأنصاري - الأستاذ المشارك بقسم البلاغة والنقد - كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى .
الإصدار : مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها ، ج15 ، ع27 .
تاريخ النشر : جمادي 1424هـ .

الفصل الثاني : من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم
دخل :

الفعل " دخل" /1/ تنوعّت دلالاته تبعا لتعدد تعديته بحروف الجر التي يكتسـب معهـا الفعل من معانيها الأصلية من الدلالات الموحية التي يعين على إبرازها السياق والمقام . وقد جاء في القرآن الكريم متعديا بنفسه كما في قوله تعالى ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) [الكهــف 35] ، وقوله تعالى ( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ) [النمل 34] ، وورد متعديا بعلى وفي ومن والباء ومع ، فدل على معان متباينة طبقا للحرف المتعدى به .

والدخول : نقيض الخروج ، ويستعمل ذلك في المكان والزمان /2/ ، وحقيقته كما يقول الطاهر بن عاشور " نفوذ الجسم في جسم أو مكان محوط كالبيت والمسجد " /3/ . وحين تعدى فعل الدخول بعلى دلّ حرف الاستعلاء على ارتفـاع المكان وإشـرافه وعلوه ، وأن الداخل أو المأمور بالدخول فيه مطالب بمزيد من التحمل والصبر على ما يلاقيه من الضرر والمشقة، وإن بقي لكل سياق مزيد خصوصية بما تشيعه تراكيبه من الدلالات والأغراض التي لا تجدها في السياق الآخر.

وقد أوضح ابن السيد البطليوسي حقيقة حرف الاستعلاء بقوله " اعلم أن أصل ( على ) العلو على الشيء وإتيانه من فوقه كقولك : أشرفت على الجبل، ثم يعرض فيها إشكال في بعض مواضعها التي تتصرف فيها، فيظن الضعيف في هذه الصناعة أنها قد فارقت معناها، فمن ذلك قول القائل : زرته على مرضي، وأعطيته على أن شتمني ، وإنما جاز استعمال ( على ) ها هنا ، لأن المرض من شأنه أن يمنع من الزيارة، وكذلك الشتم يمنع المشتوم من أن يعطي شاتمه شيئا، والمنع قهر للممنوع ، واستيلاء عليه ، فهي إذن لم تخرج عن أصلها بأكثر من أن الشيء المعقول شبه بالشيء المحسوس ، فخفي ذلك على مـن لا دربـة لـه في المجازات والاستعارات /4/ .

وبتأمل مواطن تعدية الدخول بعلى في القرآن الكريم نجد له الدلالة التي ذكرناها آنفا في قوله تعالى ( وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) [آل عمران 37] . فعلى بدلالته على الاستعلاء يشير إلى ارتفاع المكان الذي فيه مريم عليها السلام وعلوه وقد نصّ المفسرون على أن زكريا عليه السلام بنى لها محرابا في المسجد أي غرفة يصعد إليهـا بسلم /5/ .

أو أن ( على ) توحي بمشقة زكريا عليه السلام وهو شيخ كبير في الوصول إليها، ومعاناته في كفالته لها، والقيام على رايتها حقّ الرعاية على أكمل وجه. ولنفس الغرض جاءت ( على ) حين تعدى بها فعل الدخول في قصة يوسف عليه السلام في أربعة مواطن /6/، منها قوله تعالى ( وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) [يوسف 58] ، وقوله تعالى ( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ) [يوسف 69] ، فهي تدل على ارتفاع مكان يوسف وعلوه ، وأنهم قد وجدوا من المشقة والصعاب ما وجدوه في سبيل الوصول إليه والدخول عليه.

أما ( على ) في قوله تعالى ( قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ) [المائدة 23] فإن الاستعلاء فيها مع دلالته على علو مكان العدو يدل على التمكن والقهر والغلبة، وهو في الوقت نفسه يطالب المخاطبين بمزيد من التحمل والصبر على ملاقاة هؤلاء الأعداء.

وقد كشف السياق عن رغبة هذين الرجلين اللذين أنعم الله عليهما في تشجيع قومهما على قتال العدو من خلال التعبير بحرف الاستعلاء ومن خلال تأكيد وعدهما لهم بالفوز والغلبة ( ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ) على العدو بقولهما كما حكاه القرآن وهل كنت تجد هذه المعاني والدلالات التي يشـيعها حـرف الاسـتعلاء في سـياقاته المختلفـة لو قيل : إن ( على ) بمعنى ( من ) في قوله تعالى ( ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَاب ) أي ادخلـوا من الباب أو أنه بمعنى ( إلى ) في قوله تعالى ( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُف ) أي ولمـا دخلـوا إلى يوسف؟

وحين تعدى بفعل الدخول ( في ) دل حرف الظرفية على التمكن والاستقرار كمـا في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) [البقرة 208] .

ذهب المفسرون إلى أن المراد بالسلم الإسلام /7/ ، ومعنى الدخول في الإسـلام كمـا يكشف عنه حرف الظرفية زيادة التمكن منه والتغلغل في فهم شرائعه وأحكامه، كما أنه يوحي بأن الإسلام حصن منيع للداخلين في كنفه يحيط بهم من جميـع الجوانـب كإحاطة الظرف بمظروفه /8/ ونظيره قوله تعالى ( يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) [النصـر 2] وفي قولـه تعـالى ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) [الفجر 29-30] ونظائرها كما في قوله تعالى ( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) [النمل 19] ، وقوله تعالى ( ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ ) [الأعراف 38] .

ذهب كثير من المفسرين والنحويين إلى القول بتناوب حروف الجر بعضها مكان بعض، وأن ( في ) بمعنى ( مع ) وفي هذا الصدد يقول الهروي :" وتكون أيضا بمعنى ( مع ) قال جل ثناؤه ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ومعناه مع عبادي، وقال ( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) /9/ .

وغير خاف أن القول بتناوب حروف الجر لا يكشف عما تومض به حروف الجر مـن المعاني والأسرار في البيان القرآني لأنه ليس إلا محاولة لإيضاح المعنى وبيانه وليس مستساغاً أن يقال باستواء الحرفين دون أن تكون لأحدهما دلالات بلاغية ينشرها على السياق ، نرى البليغ من أجلها يؤثر في كلامه التعبير بأحدهما دون الآخر، فما بالك بالبيان المعجز. وفي إيثار القرآن التعبير بحرف الظرفية دون كلمة المصاحبة ( مع ) من الأسرار البلاغية التي لا تستطيع الوفاء بأدائها كلمة المصاحبة.

ففي قوله تعالى ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) [الفجر 27-30] ثناء وتطمين وتكريم من الله تعالى لهذه النفس المطمئنة إلى طريقها ونهايتها بسبب إيمانها وما قدمته من العمل الصالح ، وحسبها أن يستقبلها الله راضيا عنها راضية عنه، فإذا جاء أمر الله تعالى لها بالدخول كان نهاية التكريم أن تكون هذه النفس في الصدر من هؤلاء العباد يحيطون بها ويحتفون بوفادتها وليست في الحاشية من هؤلاء العباد كما تدل عليه كلمة المصاحبة الموحية بإتباعهم لهم وإلحاقهم بهم، ولعل في تقديم دخولهم في هؤلاء على دخولهم الجنة ما يؤكد هذا التكريم بما يدل على أنهم لم يسبقوا بـدخول الجنـة، وكأن السابقين من عباد الله الصالحين في انتظارهم قبل دخولها.

ومثله قوله تعالى في دعاء سليمان عليه السلام ( وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) [النمل 19] فإن منزلة سليمان عليه السلام ومقام الضراعة والرجاء يجعلانه في الصـدر مـن عباده الصالحين وليس مصاحبا لهم ملحقا بهم .

أما قوله تعالى ( حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ) [الأعراف 37-38] . فإن السياق ينبض بالإهانة والتحقير لهؤلاء الكافرين، والسخرية منهم، وممن أشركوهم مـع الله آلهة، وتعدية الفعل ( ادخلوا ) بحرف الظرفية بقوله (ادخلوا في أمم ) يـوحي بـأن المخاطبين يتوارون في غمار الأمم التي كفرت بربها وألقى الله بها في نار جهنم، وهو غني عنـهم وعـن عبادتهم /10/ .

ولا يخفى أن التعبير القرآني ( ادخلوا في أمم ) يوضح شدة عذابهم ، وعظيم حقـارتهم، فهم في وسط تلك الجموع يقاسون العذاب، والكل يراقبهم ويراهم، وأن عذابهم سيكون على تلك الصفة يوم القيامة مظروفين في وسط الأمم للدلالة " على كثرة الكافرين وحقـارة شأن الداخلين فيهم " /11/ . ولو عبر القرآن بكلمة المصاحبة ( مع ) بدلا من حرف الظرفية لدل التعـبير على أن هؤلاء المعذبين دخلوا النار في صحبة ومعية أمم كثيرة، والمصاحبة في العذاب ربما تخففه لا تزيده.

وإذا كان حرف الظرفية - كما رأيت - قد نشر على سياقه من المعاني الـتي اقتضاها السياق والمقام، فإن لكلمة المصاحبة ظلالا وأسرارا لا يستطيع أن يؤديها حرف غيره كمـا في قوله تعالى ( وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ) [يوسف 36] فدلت كلمة المصاحبة ( مع ) على أن دخول هذين الفتيين السجن كان بمعية يوسف مصاحبين له ملحقين به ، ولو رمت حذف ( مع ) من هذه الآية الكريمة فلن تجد هذه المعاني التي أومأت إليها كلمة المصاحبـة مـن أن دخـول الثلاثة السجن في آن واحد /12/ .

ونشرت الباء بدلالتها على الإلصاق والملابسة على فعل الدخول حين تعدى بها معنى الجماع في قوله تعالى ( وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) [ النساء 23] ، يقال دخل بعروسه : جامعهـا ، ومعنى دخلتم بهن : جامعتوهن /13/ ، وهو كناية عن الجماع، وقد أعانت الباء على تحقيق الكنايـة في قوله ( دخلتم بهن ) بما لا يمكن أن تنهض به الحقيقة كما قدرها الزمخشري بقوله " يعني أدخلتموهن الستر " /14/ مما يدل على قدرة هذه اللغة على الوفاء بآداب الإســلام، ومــا يوجبـه مـن الترفـع عن التصريح بما يستحسن الكناية عنه، إلى جانب ما جسدته الباء بما فيها من اللصوق والملابسة من الدلالة على شدة الارتباط والقرب الروحي، والمخالطة النفسية بين الزوجين، بما يحقق الغاية من قوله تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ) [الروم 21] /15/ .
انتهى .


--------------------
/1/ ستقوم الدراسة باختيار بعض الأفعال مراعية ما بينها من تناسب أو تضاد .
/2/ انظر المفردات ص 309 .
/3/ التحرير والتنوير 2/275 .
/4/ الاقتضاب في شرح أدب الكتاب 2/282 وما بعدها .
/5/ انظر الكشاف 1/417 .
/6/ انظر المعجم المفهرس 253 وما بعدها وسورة يوسف الآية 88 ، 99 .
/7/ انظر الكشاف 1/353 والتفسير الكبير 5/324 وتفسير المنار 2/256 .
/8/ انظر نظم الدرر 3/179 والتحرير والتنوير 2/277 وتفسير المنار 2/256 .
/9/ الأزهية ص 268 وراجع التفسير الكبير 14/77 والبحر المحيط 3/295 .
/10/ انظر من أسرار حروف الجر ص 155 بتصرّف يسير .
/11/ المرجع السابق ص 156 .
/12/ راجع نظم الدرر 10/80 .
/13/ انظر معجم ألفاظ القرآن الكريم 1/397 وما بعدها .
/14/ الكشاف 1/517 .
/15/ الروم 21 وانظر من أسرار حروف الجر ص 174 وما بعدها .

[/align]
 
الأخ الفاضل لؤي!

الأخ الفاضل لؤي!

أولاً- أعتذر إليك عن الأخ عبد القادر مع أنني أرى أنه لم يسىء إليك. وإن قال: إن ما أتيت به ليس من ابتكارك، فلأنك قلت: إنك اعتمدت على بحث الدكتور يوسف الأنصاري، الذي تشير إليه.
ثانيًا- عنوان المشاركة قد تغير فعلاً، وقد تزامن هذا مع مداخلة الأخ جمال. وكلنا يعلم أنه لا يملك هو حق هذا التغيير. فالذي قام به لم يقم به مصادفة. ولست أدري ماذا يقصد من وراء ذلك. ولعل هذا هو السبب، الذي أثار الأخ عبد القادر، ويضاف إلى ذلك الدعوة التي وجهها إليك الأخ جمال في منتديات الفصيح الأسبوع الماضي، ولم تجبه إليها، وأظنك تذكرها.
ثالثًا- لقد قرأت مداخلتك الأولى وأجبتك عنها، ثم قرأت مداخلتك الثانية، فرأيتك تكرر الذي قلته أولاً، وها أنت تكرره ثالثًا. فماذا تريدني بعد هذا أن أقول لك، وأنا أراك تتعب نفسك وتجهدها بذكر هذه النقول، التي تجعلك تبتعد عن الموضوع مع أنها نقول جيدة ومفيدة.
وإذا أردت أن أصارحك دون مجاملة، فأقول لك: إنني لم أر في كل ما ذكرته درة واحدة ألتقطها؛ وربما يكون السبب أنني لست كغيري ماهرًا في التقاط الدرر. وأحب أن تعلم أنني لم أقل لك ذلك انتقاصًا منك، ولا مما تكتب.. ولكنني لا أحب المجاملات، وبخاصة تلك التي تفصح عن جهل صاحبها.. ولست أدري ما علاقة ما نقلته عن ابن السيد البطليوسي من قوله في حقيقة حرف الاستعلاء( على ) بما نحن فيه؟ أم أنك تظن أنني لا أعلم شيئًا عن معاني الحروف؟
رابعًا- إذا كنت تعتمد في آرائك على بحث الدكتور الأنصاري، وتتبنى آراءه فهذا من حقك. وكنت أتمنى منك أن تنقل عنه شيئًا ممَّا ذكره من أمثلة في تعدية الفعل ( دخل ) بالباء، ومع.. وغيرهما مما ذكرت من الحروف.
خامسًا- إذا سألك سائل: ما إعراب(من أبواب) في قوله تعالى:( وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ )؟ فأظنك ستقول له: جار ومجرور متعلقان بفعل( دخل ). أليس كذلك؟
فإذا سألك: ما إعراب( أبواب ) في قوله تعالى:( فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ )، فماذا ستقول له؟
لا شك أن جوابك سيكون: ظرف مكان... أو: مفعولاً به... أو: منصوبًا بنزع الخافض(من).
فإذا كانت الأبواب ظرف مكان، أو: مفعولاً به، كانت مدخولاً فيها... وهذا يعني: أن أبواب جهنم ليست كـ( أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ) في الآية السابقة.. وكان الدخول الأول دخول في الأبواب، والثاني دخول من الأبواب؛ كما فصل في ذلك القول الأخ عبد القادر.
وإذا كانت الأبواب منصوبة على نزع الخافض، فهذا يعني: أن المفعول محذوف، وأن الأبواب اسم مجرور، حذف حرف الجر منها.. وسيكون تقدير الكلام حينئذ: فادخلوا جهنم من أبواب جهنم.. وكلا القولين باطل؛ لأنه يخل بنظم الكلام، ومعناه. وإن لم يكن المفعول محذوفًا، فستكون الأبواب هي المفعول به. وهذا يعيدك إلى القول الأول.. وعلى هذه الأقوال كلها لا يجوز أن تقول: إن الفعل( دخل ) متعديًا بـ( من )؟؟؟ وقس على ذلك بقية الأمثلة. وهذا كله واضح يا أخ لؤي لمن تأملَّه أدنى تأمل، ولا يحتاج إلى كل هذا الأخذ والرد ؟
سادسًا- إذا كان أخ لك في كهف تحت الأرض، وطلب منك الدخول عليه، فماذا تقول: أتقول: دخلت فيه، أو: دخلت معه، أو دخلت به، أو دخلت عليه...؟؟؟ من البدهي أنك ستقول: دخلت عليه.. فهل يشير( على ) هنا مع فعل الدخول إلى ارتفاع المكان الذي فيه أخوك، وعلوه؟
ألا ترى أن( في ) تدل على الظرفية، وأن( مع ) تدل على المصاحبة، وأن الباء تدل على الإلصاق، وأن( على ) تدل على الاستعلاء... وأن دلالاتها هذه ليست مقتصرة على مصاحبتها للفعل( دخل )؛ وإنما هي هيَ مع كل الأفعال؟!
وينبغي أن نفرق بين: أشرفت على الجبل، ودخلت على القوم.. فالأول متعد بـ( على )؛ لأنه لازم.. والثاني متعد بنفسه؛ لأنه متعد، ومفعوله محذوف، تقديره: دخلت المجلس على القوم.. والعجب ممن لا يفرق بين القولين على الرغم من وضوح الفرق بينهما.
سابعًا- الفعل من حيث التعدي واللزوم ينقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: أن يكون متعديًا بالحرف.. وهذا هو الفعل اللازم؛ كقولك: أشرفت على الجبل، وذهبت إلى المدينة، وخرجت منها. ودخلت في أمم.. والحرف هنا لا يجوز حذفه بحال من الأحوال.
والثاني: أن يكون متعديًا بنفسه.. وهذا هو الفعل المتعدي.. والأكثر أن يتعدى إلى مفعول واحد، وقد يتعدى إلى مفعولين..
والثالث: أن يكون متعديًا بنفسه تارة، وبحرف الجر تارة أخرى؛ كقولك: شكرك، وشكرت لك.
والرابع: أن يكون متعديًا إلى مفعول واحد بنفسه، وإلى مفعول آخر بحرف الجر؛ كقولك: اخترت من الرجال لؤيًّا.. وتقول ذلك؛ لأن( الرجال ) مفعول به تعدى إليه الفعل. وهذا كقولك: أشرفت على الجبل، من النوع الأول؛ لأن الجبل- وهو اسم مجرور- هو في أصله مفعول به؛ ولكن لما كان الفعل معه قاصرًا توصل إليه بحرف الجر، فأصبح اسمًا مجرورًا.
والفعل( دخل ) الذي يتعدى إلى الأماكن غير المختصة هو من النوع الأول.. والذي يتعدى إلى الأماكن المختصة هو من النوع الثالث الذي يكون فيه الفعل متعديًا إلى مفعول واحد.
ثامنًا- ألا ترى أن قولك هذا:(( والدخول: نقيض الخروج، ويستعمل ذلك في المكان والزمان، وحقيقته كما يقول الطاهر بن عاشور: نفوذ الجسم في جسم أو مكان محوط كالبيت والمسجد )) هو دليل عليك، لا دليل لك، كما كان قولك الأول كذلك؟؟؟ وأعني به الذي نقلته عن العكبري.
لاحظ:( الدخول نقيض الخروج ).. تقول: دخلت في البيت.. وخرجت من البيت.. فهما نقيضان.. فكيف يجتمع نقيضان في فعل واحد: دخلت في البيت.. ودخلت من البيت؟؟؟ يا سبحان الله!!!
ثم لاحظ قول ابن عاشور:( وحقيقة الدخول: نفوذ الجسم في جسم أو مكان محوط كالبيت والمسجد ). هذا هو معنى الدخول، فلماذا تخرجونه إلى معان ما أنزل الله بها من سلطان؟؟؟
تاسعًا- تقول:(( ذهب كثير من المفسرين والنحويين إلى القول بتناوب حروف الجر بعضها مكان بعض، وأن( في ) بمعنى( مع ) وفي هذا الصدد يقول الهروي:" وتكون أيضا بمعنى( مع ) قال جل ثناؤه:( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ومعناه: مع عبادي، وقال:( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) /9
لا أظن أنه يخفى عليك أن هذا مذهب الكوفيين، وأنه مذهب باطل، وأن مذهب البصريين على خلافه.. اقرأ ذلك على هذا الرابط، إن شئت:
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4332&highlight=%C7%E1%CA%D6%E3%ED%E4
عاشرًا- أعيد وأقول: الأصل في الفعل( دخل ) أن يتعدى ب( في )، وألحق به ( إلى )، ولا يتعدى إلى المفعول بغيرهما، وأن ما يصاحبه من أحرف الجر يصاحب غيره من الأفعال لأغراض بلاغية يتطلبها السياق، ولكل منها معناه الذي يستقل به عن غيره من الحروف، ولا يجوز أن ينوب حرف مناب حرف آخر.
وأخيرًا- قلت: الأصل في الفعل( دخل ) أن يتعدى بـ( في )، وألحق به( إلى ).. فهل تعلم لماذا جاز تعديته بـ( إلى )، دون غيره من الحروف؟! مع تمنياتي لك بالتوفيق
 
عذراً ...

عذراً ...

[align=justify]أخي وأستاذي الفاضل أبا الهيثم ..
وسّع الله عليك العيش .. وشدّ بالعصمة والتوفيق أزرك ..

كن على بصيرة - أخي الكريم - أن ما جاء في كلامي لَهُوَ من المسائل التي عقدتُ عليها خِنصري منذ زمن .. وأعتذر إن كان التكرار في مشاركاتي قد سبّب لك الملل ، ولكنّي أذكّرك بقول الأوائل : أبالي البلاءَ وإنّي امرؤٌ ***** إذا ما تَبيّنتُ لمْ أَرْتَبِ .

وإن كنتَ قد أحلتني في مداخلتك إلى دراسة تتناول موضوع التضمين ، إلا أنك لو أمعنت النظر في ذلك الذي كتبتُه لتبيّن لك - حفظ الله روحَك - أنني أعتمد رأياً ثالثاً ، لا هو كوفي يلجأ إلى التناوب ، ولا هو بصري يلجأ إلى التضمين ، وإنما هو قول يعتبر أن بعض الصيغ قد تلزم حروفاً بعينها ولا تتجاوزها إلى غيرها ، ولكنه في الوقت نفسه لا يسمح بتعميم هذه القاعدة على جميع الصيغ ، فلا يعتبر العلاقة بين صيغة معيّنة وحرف مخصوص علاقة تلازمية وإلزامية ، لا يفارق أحدهما الآخر .

وهذا رأي له وجاهته ، ويستمدّ برهانه وأدلّته من القرآن الكريم ولغة العرب شعراً ونثراً ، ويتبنّاه اليوم كثير من علماء اللغة - منهم الدكتور يوسف الأنصاري ( جامعة أم القرى ) ، والدكتور محمد الأمين الخضري ( جامعة الإمارات العربية ) ، والدكتور الصادق خليفة راشد ( جامعة قاريونس - بنغازي ) وآخرون ..

فهؤلاء الأساتذة الكرام يرون أن التناوب والتضمين - مع أنهما وردا في كلام العرب شعره ونثره وفي البيان القرآني نفسه - إلا أنهما محاولة لتصحيح وجوه التعدية ، وأن منشأ الاختلاف في استعمالهما اللغوي يرجع في حقيقته إلى عدم دراسة العلاقة بين الصيغة الفعلية والحرف ، دراسة أسلوبية وافية تخرجه من هذه الإشكاليات ، وتقف به عند الاستعمال الفعلي للمتعاملين باللغة تعاملاً مباشراً حيّاً .

وهم يرون أن تحديد الحرف المعدّي للفعل يجب ألا يتمّ والكلمات خارج السياق ، وإنما يتحدّد عندما يكون الفعل مرتبطاً مع مجموعة أخرى من الألفاظ التي تحكم علاقاته بغيره من الأسماء والحروف . ووفقاً لهذا الرأي ، فإن اختلاف الحرف ، وتبادله على الصيغة الواحدة ، لم يحصل عبثاً ، أو لمجرّد إيجاد باب للتأويل ، وشحذ الذهن في مجال التفسير اللغوي ، وإنما مردّ ذلك إلى اختلاف المعاني التي تتنوّع باختلاف الحرف .

فكثيراً ما نجد أحكاماً مطلقة تلحق بالصيغ وهي منفردة ، لتطبق عليها في حالة التركيب ، على نحو ما نجد في أنّ ( سأل ) - مثلاً - يتعدّى بحرف الجرّ ( عن ) ، وأنّ ( شرب ) يتعدّى بنفسه ، وبحرف الجرّ ( من ) ، وما إلى ذلك من الأحكام المشابهة ، دون أن نراعي أن الكلمة قد تكتسب بالتركيب أحكاماً تختلف مع الحالة التي نجعلها قاعدة ، أو أصلاً لها في الاستعمال ..

وما أوضح الردّ الذي أثبته السيوطي على تأويل أبي نزار ، لقوله تعالى : ( وَقَدْ أَحْسَنَ بَي ) [يوسف 100] بمعنى : لطف ، لا لشيء إلا لأنه رأى أن أحسن لا يتعدّى بالباء ، وإنّما يتعدّى بـ( إلى ) فقط ، ورفضه لهذا التأويل بقوله : نقلت معنى الكلمة عما وضعت له ... وأما نقل الكلمة فهو تأولك ( أَحْسَنَ بَي ) على لطف بي ، وإنما حملك على ذلك أنك وجدت أحسن يتعدّى بإلى في مثل قول القائل : قد أحسنت إليه ولا يقول قد أحسنت بي ، وجهلت أن الفعل قد يتعدّى بعدّة من حروف الجرّ على مقدار المعنى المراد من وقوع الفعل ، لأن هذه المعاني كائنة في الفعل وإنما يثيرها ويظهرها حروف الجرّ ، وذلك أنك إذا قلت : خرجت ، فأردت أن تبيّن أن خروجك مقارن لاستعلائك قلت : خرجت على الدابّة ، فإن أردت المجاوزة للمكان قلت : خرجت عن الدار ، وإن أردت الصحبة قلت : خرجت بسلاحي ... فقد وضح بهذا أنه ليس يلزم في كل فعل أن لا يتعدّى إلا بحرف واحد ، ألا ترى أن ( مررت ) المشهور فيه أن يتعدّى بالباء ، نحو : مررت به ، وقد يتعدّى بإلى وعلى ، وتقول : مررت إليه ومررت عليه ، وكذلك قوله سبحانه ( وَقَدْ أَحْسَنَ بَي ) " . ( الأشباه والنظائر في النحو : 3/175-176 ).

ما أريد قوله إن الحكم على علاقة الحرف بالصيغة ودور الحرف في التعدّي يجب أن يكون من خلال السياق ، وأن الحكم على فعل ما بأنه يتعدّى بحرف كذا أو بنفسه - هكذا بإطلاق الحكم - أمر لا تقبله طبيعة اللغة التي تتجدّد كل لحظة في تراكيبها للوفاء بالمعاني المتجدّدة .

ولن أطيل عليك ، ولكني أضع أمامك المراجع التي أعتمد عليها في نصرتي لهذا الرأي :
- دور الحرف في أداء معنى الجملة ، للدكتور الصادق خليفة راشد ، ط1 ، 1996 ، منشورات جامعة قاريونس ، بنغازي .
- من أسرار حروف الجرّ في الذكر الحكيم ، للدكتور محمد الأمين الخضري ، ط1 ، 1989 ، مكتبة وهبة .

كما وأحيلك إلى بحث الدكتور يوسف عبد الله الأنصاري على هذا الرابط :

من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم

ثم أعتذر لك مجدّداً .. وأضْمِرُ لك في نفسي ألا يقطع الله عنك أكمل الخير ..
ودمتم ..

تلميذكم
لؤي الطيبي

[/align]
 
الأخ الفاضل لؤي

الأخ الفاضل لؤي

دعك من هذا الذي تقوله، ولا تخاطبني بمثل قول شاعرك.. وتذكر أنت أن الوقت أثمن من أن يفرط به... وأقول: إن لك الحق كله في أن تتبنى من الآراء ما تتبناه، فأنا لم ولن أحملك على رأي أيًّا كان.. ولكن عندما تسأل عن شيء فلا تتهرَّب من الإجابة عنه، وتدخل نفسك في متاهات يصعب عليك الخروج منها.. فأنت حتى الآن لم تجب عن سؤال واحد من الأسئلة المطروحة عليك، وكلما استشهدت بقول بينت لك أن هذا القول هو دليل عليك، لا دليك لك.. والآن تذكر قول السيوطي الذي يرد فيه تأويل أبي نزار، لقوله تعالى:﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي ﴾(يوسف: 100) بمعنى: لطف.. فيقول:
(( وأما نقل الكلمة فهو تأولك ( أَحْسَنَ بَي ) على لطف بي ، وإنما حملك على ذلك أنك وجدت أحسن يتعدّى بإلى في مثل قول القائل : قد أحسنت إليه ولا يقول قد أحسنت بي ، وجهلت أن الفعل قد يتعدّى بعدّة من حروف الجرّ على مقدار المعنى المراد من وقوع الفعل ، لأن هذه المعاني كائنة في الفعل وإنما يثيرها ويظهرها حروف الجرّ ، وذلك أنك إذا قلت : خرجت ، فأردت أن تبيّن أن خروجك مقارن لاستعلائك قلت : خرجت على الدابّة ، فإن أردت المجاوزة للمكان قلت : خرجت عن الدار ، وإن أردت الصحبة قلت : خرجت بسلاحي... فقد وضح بهذا أنه ليس يلزم في كل فعل أن لا يتعدّى إلا بحرف واحد ، ألا ترى أن ( مررت ) المشهور فيه أن يتعدّى بالباء ، نحو: مررت به، وقد يتعدّى بإلى وعلى ، وتقول: مررت إليه ومررت عليه، وكذلك قوله سبحانه ( وَقَدْ أَحْسَنَ بي ) ". ( الأشباه والنظائر في النحو: 3/175-176 ))
ويتبين من أقوالك السابقة، ومن هذا القول الذي تستشهد به هنا على رأيك، الذي عقدتَ عليه خِنصرك منذ زمن- كما تقول- أنك حتى الآن لم تميِّز بين الفعل اللازم الذي يتعدى بحرف الجر، وبين الفعل المتعدي الذي يتعدى بنفسه.. مع أنني لفت نظرك إلى وجوب التفريق بينهما أكثر من مرة، وبينت لك الفرق بين الفعل ( دخل )، والفعل( خرج )، و( ذهب )، و( مرَّ )، وأمثالها.
وقلت لك: إن هذه الأفعال تتعدى إلى المفعول بحرف الجر، وذكرت منها: الفعل( مرَّ ) وذكرت أنه يتعدى بـ( على )، و( الباء )، ثم قلت: ويحذفون حرف الجر توسعًا، فيقولون: مررتك، وذكرت قول الشاعر:
تمرون الديار...
وذكرت لك أن الفعل ( دخل ) ينقسم في الاستعمال اللغوي إلى ثلاثة أقسام، وشرحتها لك شرحًا وافيًا، لا تجده في كتب من تذكر، ولا في كتب غيرهم.. وقلت لك: إن الفعل( دخل ) في نحو قوله تعالى:﴿ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم ﴾ هو فعل لازم تعدى إلى المفعول بحرف الجر.. وإنه في نحو قوله تعالى:﴿ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ﴾، فعل متعد تعدى إلى المفعول بنفسه.. وقلت: إن ما صاحب الفعل بعد ذلك من حروف الجر فإنما هو لأغراض بلاغية يتطلبها السياق كالاستعلاء، والمصاحبة، والإلصاق.. وغيرها..
وبينت: أن الفعل ( دخل ) إذا كان متعديًا بنفسه، لا يجوز أن يقال: إنه متعد بـ( على )؛ كما في قوله تعالى:﴿ ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ﴾. فالفعل هنا متعد بنفسه إلى ( الباب ). وقد دل على ذلك عود الضمير في ( دخلتموه ) عليه.. والذين يفهمون أسرار البيان، ويعرفون جوهر الكلام، يفرقون:
بين قوله تعالى:﴿ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم ﴾، وقوله تعالى:﴿ ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ﴾؛ لأن الفعل الأول لازم، تعدى إلى المفعول بـ( في )، والثاني متعد، تعدى إلى المفعول بنفسه.
وليس بعد هذا البيان بيان لمن أراد الهدى.. وأما من لم يرد فلن ينفع معه أي بيان مهما عظمت حجته.
السيوطي في النص السابق يذكر أفعالاً ثلاثة:( أحسن )، ( خرج )، ( مرَّ ).. وهذه أفعال لازمة تتعدى إلى المفعول بحرف الجر، ومثلها الفعل ( دخل ) اللازم، الذي يتعدى إلى المفعول بحرف الجر.
تقول: أحسن إليَّ.. وأحسن بي.. فتعدى إلى المفعول بـ( إلى )، و( الباء ).
وتقول: خرج عليه.. وخرج عنه.. وخرج به.. فتعدى بـ( على )، و( عن )، و( الباء ).
وتقول: مررت به.. ومررت عليه.. ومررت إليه.. فتعدى بـ( الباء )، و( على )، و( إلى ).
وتقول: دخل في الشيء.. ودخل إلى الشيء.. فتعدى بـ( في )، و( إلى ).
ليتك يا أستاذ لؤي تفرق بين هذا النوع من الأفعال، التي تتعدى إلى المفعول بوساطة حروف الجر، وهي التي يطلق عليها:( أفعال لازمة )، وبين الأفعال المتعدية إلى المفعول بأنفسها، فتريح نفسك وتريح غيرك.. وليتك تعلم أيضًا أن الباء في قوله تعالى:﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بي ﴾ ليست بمعنى ( إلى ) كما قال السيوطي.. وليس الفعل ( أحسن ) مضمنًا معنى( لطف ) كما قال غيره؛ وإنما هو على أصله الذي استعملته فيه العرب والقرآن الكريم.. وأن الباء على أصلها من الدلالة على الإلصاق.. وليتك تتخذ لنفسك منهجًا، لم تقلد فيه غيرك... وليتك تعيد إرسال بحث الدكتور الأنصاري بطريقة أخرى تمكنني من الدخول إليه، وفيه!!!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله.. وأسأله سبحانه أن يلهمنا الصواب، ويرزقنا حسن الفهم لكلامه.. والحمد لله رب العالمين.
 
[align=justify]أستاذي الفاضل أبا الهيثم ..
أظنّ أنك في واد وأنا في واد .. فأسأل الله أن يجمع بين قلوبنا ..

وإليك رابط بحث الدكتور الأنصاري من جديد :

http://www.uqu.edu.sa/majalat/shariaramag/mag27/pdf/doc013.pdf

فإن لم تستطع الدخول إليه وفيه ، فحاول على هذا الرابط :

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=5792

وأشكرك كل الشكر على ما بذلت من جهد ووقت ومعلومات ثمينة ..
فجزاك الله عني وعن كل قاريء خير الجزاء ..
ودمتم للعلم وطالبيه ..

[/align]
 
السلام عليكم

أمّا عندي في القدس فهما ظاهران---وإن تفضل أحد الأخوة بإرشادي إلى مركز نظيف لتحميل الملفات أحمّلهما لأخينا الدكتور الفاضل عتوك بكل سرور
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
عودة
أعلى