الأخ الفاضل لؤي!
الأخ الفاضل لؤي!
أولاً- أعتذر إليك عن الأخ عبد القادر مع أنني أرى أنه لم يسىء إليك. وإن قال: إن ما أتيت به ليس من ابتكارك، فلأنك قلت: إنك اعتمدت على بحث الدكتور يوسف الأنصاري، الذي تشير إليه.
ثانيًا- عنوان المشاركة قد تغير فعلاً، وقد تزامن هذا مع مداخلة الأخ جمال. وكلنا يعلم أنه لا يملك هو حق هذا التغيير. فالذي قام به لم يقم به مصادفة. ولست أدري ماذا يقصد من وراء ذلك. ولعل هذا هو السبب، الذي أثار الأخ عبد القادر، ويضاف إلى ذلك الدعوة التي وجهها إليك الأخ جمال في منتديات الفصيح الأسبوع الماضي، ولم تجبه إليها، وأظنك تذكرها.
ثالثًا- لقد قرأت مداخلتك الأولى وأجبتك عنها، ثم قرأت مداخلتك الثانية، فرأيتك تكرر الذي قلته أولاً، وها أنت تكرره ثالثًا. فماذا تريدني بعد هذا أن أقول لك، وأنا أراك تتعب نفسك وتجهدها بذكر هذه النقول، التي تجعلك تبتعد عن الموضوع مع أنها نقول جيدة ومفيدة.
وإذا أردت أن أصارحك دون مجاملة، فأقول لك: إنني لم أر في كل ما ذكرته درة واحدة ألتقطها؛ وربما يكون السبب أنني لست كغيري ماهرًا في التقاط الدرر. وأحب أن تعلم أنني لم أقل لك ذلك انتقاصًا منك، ولا مما تكتب.. ولكنني لا أحب المجاملات، وبخاصة تلك التي تفصح عن جهل صاحبها.. ولست أدري ما علاقة ما نقلته عن ابن السيد البطليوسي من قوله في حقيقة حرف الاستعلاء( على ) بما نحن فيه؟ أم أنك تظن أنني لا أعلم شيئًا عن معاني الحروف؟
رابعًا- إذا كنت تعتمد في آرائك على بحث الدكتور الأنصاري، وتتبنى آراءه فهذا من حقك. وكنت أتمنى منك أن تنقل عنه شيئًا ممَّا ذكره من أمثلة في تعدية الفعل ( دخل ) بالباء، ومع.. وغيرهما مما ذكرت من الحروف.
خامسًا- إذا سألك سائل: ما إعراب(من أبواب) في قوله تعالى:( وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ )؟ فأظنك ستقول له: جار ومجرور متعلقان بفعل( دخل ). أليس كذلك؟
فإذا سألك: ما إعراب( أبواب ) في قوله تعالى:( فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ )، فماذا ستقول له؟
لا شك أن جوابك سيكون: ظرف مكان... أو: مفعولاً به... أو: منصوبًا بنزع الخافض(من).
فإذا كانت الأبواب ظرف مكان، أو: مفعولاً به، كانت مدخولاً فيها... وهذا يعني: أن أبواب جهنم ليست كـ( أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ) في الآية السابقة.. وكان الدخول الأول دخول في الأبواب، والثاني دخول من الأبواب؛ كما فصل في ذلك القول الأخ عبد القادر.
وإذا كانت الأبواب منصوبة على نزع الخافض، فهذا يعني: أن المفعول محذوف، وأن الأبواب اسم مجرور، حذف حرف الجر منها.. وسيكون تقدير الكلام حينئذ: فادخلوا جهنم من أبواب جهنم.. وكلا القولين باطل؛ لأنه يخل بنظم الكلام، ومعناه. وإن لم يكن المفعول محذوفًا، فستكون الأبواب هي المفعول به. وهذا يعيدك إلى القول الأول.. وعلى هذه الأقوال كلها لا يجوز أن تقول: إن الفعل( دخل ) متعديًا بـ( من )؟؟؟ وقس على ذلك بقية الأمثلة. وهذا كله واضح يا أخ لؤي لمن تأملَّه أدنى تأمل، ولا يحتاج إلى كل هذا الأخذ والرد ؟
سادسًا- إذا كان أخ لك في كهف تحت الأرض، وطلب منك الدخول عليه، فماذا تقول: أتقول: دخلت فيه، أو: دخلت معه، أو دخلت به، أو دخلت عليه...؟؟؟ من البدهي أنك ستقول: دخلت عليه.. فهل يشير( على ) هنا مع فعل الدخول إلى ارتفاع المكان الذي فيه أخوك، وعلوه؟
ألا ترى أن( في ) تدل على الظرفية، وأن( مع ) تدل على المصاحبة، وأن الباء تدل على الإلصاق، وأن( على ) تدل على الاستعلاء... وأن دلالاتها هذه ليست مقتصرة على مصاحبتها للفعل( دخل )؛ وإنما هي هيَ مع كل الأفعال؟!
وينبغي أن نفرق بين: أشرفت على الجبل، ودخلت على القوم.. فالأول متعد بـ( على )؛ لأنه لازم.. والثاني متعد بنفسه؛ لأنه متعد، ومفعوله محذوف، تقديره: دخلت المجلس على القوم.. والعجب ممن لا يفرق بين القولين على الرغم من وضوح الفرق بينهما.
سابعًا- الفعل من حيث التعدي واللزوم ينقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: أن يكون متعديًا بالحرف.. وهذا هو الفعل اللازم؛ كقولك: أشرفت على الجبل، وذهبت إلى المدينة، وخرجت منها. ودخلت في أمم.. والحرف هنا لا يجوز حذفه بحال من الأحوال.
والثاني: أن يكون متعديًا بنفسه.. وهذا هو الفعل المتعدي.. والأكثر أن يتعدى إلى مفعول واحد، وقد يتعدى إلى مفعولين..
والثالث: أن يكون متعديًا بنفسه تارة، وبحرف الجر تارة أخرى؛ كقولك: شكرك، وشكرت لك.
والرابع: أن يكون متعديًا إلى مفعول واحد بنفسه، وإلى مفعول آخر بحرف الجر؛ كقولك: اخترت من الرجال لؤيًّا.. وتقول ذلك؛ لأن( الرجال ) مفعول به تعدى إليه الفعل. وهذا كقولك: أشرفت على الجبل، من النوع الأول؛ لأن الجبل- وهو اسم مجرور- هو في أصله مفعول به؛ ولكن لما كان الفعل معه قاصرًا توصل إليه بحرف الجر، فأصبح اسمًا مجرورًا.
والفعل( دخل ) الذي يتعدى إلى الأماكن غير المختصة هو من النوع الأول.. والذي يتعدى إلى الأماكن المختصة هو من النوع الثالث الذي يكون فيه الفعل متعديًا إلى مفعول واحد.
ثامنًا- ألا ترى أن قولك هذا:(( والدخول: نقيض الخروج، ويستعمل ذلك في المكان والزمان، وحقيقته كما يقول الطاهر بن عاشور: نفوذ الجسم في جسم أو مكان محوط كالبيت والمسجد )) هو دليل عليك، لا دليل لك، كما كان قولك الأول كذلك؟؟؟ وأعني به الذي نقلته عن العكبري.
لاحظ:( الدخول نقيض الخروج ).. تقول: دخلت في البيت.. وخرجت من البيت.. فهما نقيضان.. فكيف يجتمع نقيضان في فعل واحد: دخلت في البيت.. ودخلت من البيت؟؟؟ يا سبحان الله!!!
ثم لاحظ قول ابن عاشور:( وحقيقة الدخول: نفوذ الجسم في جسم أو مكان محوط كالبيت والمسجد ). هذا هو معنى الدخول، فلماذا تخرجونه إلى معان ما أنزل الله بها من سلطان؟؟؟
تاسعًا- تقول:(( ذهب كثير من المفسرين والنحويين إلى القول بتناوب حروف الجر بعضها مكان بعض، وأن( في ) بمعنى( مع ) وفي هذا الصدد يقول الهروي:" وتكون أيضا بمعنى( مع ) قال جل ثناؤه:( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ومعناه: مع عبادي، وقال:( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) /9
لا أظن أنه يخفى عليك أن هذا مذهب الكوفيين، وأنه مذهب باطل، وأن مذهب البصريين على خلافه.. اقرأ ذلك على هذا الرابط، إن شئت:
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4332&highlight=%C7%E1%CA%D6%E3%ED%E4
عاشرًا- أعيد وأقول: الأصل في الفعل( دخل ) أن يتعدى ب( في )، وألحق به ( إلى )، ولا يتعدى إلى المفعول بغيرهما، وأن ما يصاحبه من أحرف الجر يصاحب غيره من الأفعال لأغراض بلاغية يتطلبها السياق، ولكل منها معناه الذي يستقل به عن غيره من الحروف، ولا يجوز أن ينوب حرف مناب حرف آخر.
وأخيرًا- قلت: الأصل في الفعل( دخل ) أن يتعدى بـ( في )، وألحق به( إلى ).. فهل تعلم لماذا جاز تعديته بـ( إلى )، دون غيره من الحروف؟! مع تمنياتي لك بالتوفيق