فالأخ الفاضل صاحب السؤال إنما كان يسأل عن ( تفسير آيات القرآن ) وليس عن معانى ألفاظه
ومن المعلوم أن بينهما فرق كبير
ما هو هذا الفرق الكبير ؟
وغنى عن البيان أن سورة النصر – على سبيل المثال - كانت معلومة المعنى للصحابة الكرام أشياخ بدر - رضوان الله عليهم - من جهة اللغة والألفاظ ، ولكنهم جميعا لم يحيطوا بكامل معانيها حتى أنبأهم ابن عباس - رضى الله عنهما - بأنها تشير إلى دنو أجل النبى صلى الله عليه وسلم
- هل جميع أشياخ بدر حضروا ذلك المجلس ؟
- وهل كان يجهل عمر ذلك المعنى أيضاً ؟
- وكيف جميع أشياخ بدر لم يحيطوا بكامل معانيها ؟ وأنت تقول قبل ذلك : كانت معلومة المعنى لهم !
المعنى هو المعنى , والمعنى عند من حضر من أشياخ بدر هو نفسه المعنى عند ابن عباس . فما الذي أضافه ابن عباس ؟ ما أضافه ابن عباس هو ما يسميه العلماء : الاستنباط .
ومن لا يفرق بينهما يقع في مثل هذا الخلط .
ومعلوم كذلك أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لم يفهموا المراد من لفظة ( ظُلم ) فى قوله تعالى " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " حتى أنبأهم النبى صلى الله عليه وسلم بأن المراد به هو الشرك مستشهدا بقوله تعالى : " إن الشرك لظلم عظيم "
الصحابة رضي الله عنهم فهموا المراد من لفظة الظلم في الآية ؛ وهو : عموم الظلم , فقالوا : (وأيّنا لم يظلم نفسه) , وهذا المعنى صحيح سليم في لسانهم الذي نزل به القرآن , فكيف يُقَال أنهم لم يفهموا المُراد ؟!
وقول النبي صل1 لهم : (إنه ليس بالذي تذهبون إليه) ليس إتكاراً لأخذهم بمعنى اللفظ في لسانهم , وإنما توجيه إلى اعتبار المعاني القرآنية المشابهة للَّفظ في القرآن , وقد دَلَّ على ذلك توجيهه لهم بقوله : (ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح ؟) ؛ إذ كان بإمكانه أن يقول : (هو الشرك) بلا تبيين لوجه معرفته ودليله .
فعبارة الأخ العليمي مجانبة للصواب وفي الروابط السابقة ما يدلّ بالتفصيل على أنه ليس في القرآن ما لم يعلم معناه رسول الله صل1 , كما ليس فيه ما لا يعلم معناه صحابته على العموم رضي الله عنهم .
فكيف يقال بعد هذا أن كل ما فى القرآن معلوم المعنى ، بما فى ذلك الأحرف المقطّعة ؟!!
من يقول أن هذه الأحرف لا معنى لها إنما يُخبرُ عن حّدِّ نفسه , ومنتهى علمه ؛ فلا معنى لها عنده يعرفه .
وقد أمر الله الناس مؤمنهم وكافرهم بتدبر جميع القرآن , وقامت الحجة على الناس بجميعه , فكيف تقوم عليهم الحجة بما لا يعرفون معناه ؟! وكيف يكلفهم ما لا يستطيعون ويأمرهم بتدبر ما لا يعرفون معناه , فهذا أعظم الحرج ؟!
وقد كان المشركون واليهود زمن التنزيل أحرص الناس على الصد عن القرآن وتكذيبه ؛ فلو كانت هذه الحروف المقطعة مجهولة المعنى عندهم لكانت خير سبيل في الطعن في القرآن وردّه بأنه جاءهم بما لا يعرفونه في لسانهم , وخاطبهم بما ليس من معهود خطابهم .
ثم لو كانت العبارة الأخيرة صحيحة فلماذا تعددت أقوال المفسرين فيما تعنيه الأحرف المتقطعة حتى أنها قد بلغت فى احصاء الإمام الفخر الرازى أكثر من عشرين قولا ؟!!
بل لا تزال محاولات تفسيرها لا تتوقف ولا تنقطع حتى وقتنا الحاضر
فلماذا كان هذا لو كانت تلك الحروف معلومة المعنى ؟؟!!!!
وما علاقة هذا بهذا ؟
ما علاقة اختلاف المفسرين في تحديد معنى الأحرف المقطعة بعدم معرفتهم لمعناها ؟
وهل اختلاف المفسرين في تحديد معنىً ما دليلٌ على عدم معرفتهم لذلك المعنى ؟!
هذه طريقة غريبة في الاستدلال , ولو أخذنا بها لقلنا في كل موضع اختلف فيه المفسرون أو كثُر فيه اختلافهم : هذا دليلٌ على أن معنى هذه الآية غير معروف وإلاّ لَمَا اختلفوا !!
ثم ما هو ذلك المعنى المعلوم لها ؟!
ولماذا لم يعبأ به مفسرو القرآن فذكروا من معانيها ما جاوز العشرين ؟!!!
عدم معرفتك للمعنى لا يعني عدم وجوده , بل كثرة أقوال المفسرين في معنىً ما دليلٌ على وجوده ؛ وإلا لقالوا : هذا لا معنى له فلا حاجة للاختلاف حوله وتكثير الأقوال فيه بلا فائدة . فقد كانوا أذكى من يضيعوا أعمارهم وأوقاتهم فيما لا طائل تحته .
كل من فسرها من السلف والخلف يرى أن ذلك معناها عنده , فبأيّ وجهٍ تقول لا معنى لها في القرآن ؟
وأرجو ممّن يرى أنه ليس لها معنى أن يذكر مثالاً واحداً غيرها في القرآن لا معنى له .
أمّا تحديد ذلك المعنى فأرجح الأقوال فيه اختيار ابن جرير رحمه الله وقد بسطه في أوّل سورة البقرة .