الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
ذكر العلماء رحمهم الله لإخفاء النون الساكنة والتنوين عند حروفها مراتبا ، ومبناها تفاوت حروف الإخفاء في القرب والبعد ، وهذا ما أشار إليه الداني رحمه الله حيث قال : " إلا أن إخفاءهما على قدر قربهما منهن وبعدهما عنهن ، فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنه " النشر 2/24 .
وقال عبد الوهاب القرطبي رحمه الله :" إن حروف الإخفاء أيضا ترتبت في التوسط ، فكان فيها أقرب وأبعد ، فكان الإخفاء في الأقرب أكثر منه في الأبعد " . الموضح 117 .
وقال علي القاري رحمه الله: " ثم إن الإخفاء يأتي على مراتب ، فكل ما هو أقرب يكون الإخفاء فيه أزيد ، وما قرب إلى البعد يكون الإخفاء كذلك " المنح الفكرية 161 .
ولما كان لحروف الإخفاء ثلاث مراتب من حيث قربها من النون وبعدها عنها جعلوا الإخفاء على ثلاث مراتب أعلاها عند الطاء والدال والتاء ، وأقلها عند القاف والكاف ، وأوسطها عند بقية الحروف .
فهل لهذه المراتب أثر صوتي ظاهر ؟
أغلب من أشار إلى مراتب الإخفاء من المتقدمين لم يذكر ما الأثر الصوتي المترتب على ذلك سوى ما ذكره الملا علي القاري رحمه الله حيث قال : " وتظهر فائدته في تفاوت التشديد ، وتفاوت الغنة " المنح الفكرية 161
وعلق المرعشي رحمه الله على ذلك فقال : " قوله : ( في تفاوت الغنة ) يعني أن كون النون أزيد وغير لأزيد لا يظهر فائدته في نفس النون ؛ لأنها معدومة في جميع المراتب ، ولا تمايز في الإعدام ، ففائدة هذه المراتب إنما في الأثر الباقي من النون وهي الغنة " بيان جهد المقل 160 .
وقال أيضا : " وبالجملة إن مراتب الإخفاء ثلاث ، فإخفاؤهما عند الحروف الثلاثة الأول أزيد ، وغنتهما الباقية قليلة ، بمعنى أن زمان امتداد الغنة قصير ، وإخفاؤهما عند القاف والكاف أقل وغنتهما الباقية كثيرة بمعنى أن زمان امتدادهما طويل ، وإخفاؤهما عند بواقي الأحرف متوسط ، فزمان غنتهما متوسط ، ولم أر في مؤلف تقدير امتداد الغنة في هذه المراتب " جهد المقل 160 .
وقال في حاشيته : " ولو قلنا : إن أعلاها قدر ألف ، وأدناها قدر ثلث ألف ، وأوسطها قدر ثلثي ألف لأصبنا الحق أو قربنا منه ، والله أعلم " بيان جهد المقل 160 .
وهذا ما انفرد به المرعشي رحمه الله ورده جل من نقل عنه ، قال محمد مكي نصر : " والذي نقلناه عن مشايخنا وعن العلماء والمؤلفين في فن التجويد المتقنين أن الغنة لا تزيد ولا تنقص عن مقدار حركتين كالمد الطبيعي ؛ لن التلفظ بالغنة الظاهرة يحتاج إلى تراخي لما ذكره في التمهيد أن الغنة في النون والتنوين أشبهت المد في الواو والياء لكن ينبغي التحذير من التراخي " نهاية القول المفيد 137 .
وقال الشيخ المرصفي رحمه الله :" وأما الغنة في الإخفاء في جميع أحواله السابقة فلا تفاوت فيها على التحقيق فهي لا تزيد ولا تنقص عن مقدار حركتين كالمد الطبيعي " هداية القاري173 .
فاتضح لنا مما سبق أن مراتب الإخفاء ليس لها اثر صوتي في طول زمان الغنة وقصره ، فهل تؤثر في كيفية النطق ، بمعنى أن تكون النون مشوبة بصوت الحرف الواقع بعدها حسب القرب والبعد ؟
أشار بعض المصنفين إلى الفائدة المترتبة على ذلك غير أنهم لم يوضحوا ماهية التغير الصوتي .
قال محمد مكي نصر :" ثم اعلم أن الإخفاء تارة يكون إلى الإظهار أقرب وتارة إلى الإدغام أقرب، وذلك حسب بعد الحرف منهما وقربه ، ولفظ ذلك قريب بعضه من بعض " نهاية القول المفيد 136.
وقال الإمام الضباع رحمه الله : " واعلم أن الإخفاء تارة يكون إلى الإظهار أقرب وتارة إلى الإدغام أقرب، وذلك على حسب بعد الحرف منهما وقربه " منحة ذي الجلال 143 .
فأنت ترى أن مع ذكرهم ما ترتب على هذه المراتب غير أنهم لم يوضحوا كيفية النطق الصوتي لها سوى ما ذكره مكي نصر : " ولفظ ذلك قريب بعضه من بعض " .
لكن المتأمل الآن والمستمع لمشاهير القراء يجد لهذا الكلام صدى ؛ حيث أنك تسمع الغنة عند القاف والكاف مقرونة بصوتيهما بمعنى أن المخرج ينغلق فيهما مع الغنة ، وتساوت بقية الأحرف في النطق .
لكن المرعشي رحمه الله بعد أن ذكر مراتب الإخفاء وبين الفائدة المترتبة عليها حذر من هذا النطق حيث قال :" ثم اعلم أن زمان الغنة لما كان طويلا عند القاف والكاف يخشى إحداث كاف صماء ، والكاف الصماء على ما في النشر كاف ليس فيها شدة ولا همس . قلت : والكاف الصماء إذا قارنت الغنة تكون كا يقال في لسان الترك لألف من العدد: (بك) فليحذر القارئ من لإطباق أقصى اللسان لإلى الحنك عند التلفظ بالغنة قبل القاف والكاف " جهد المقل 160،161 .
والذي حذر منه المرعشي هو المقروء به الآن ، وهو الذي قرأنا به على مشايخنا ، بل كانوا يعدون افتراق أقصى اللسان عن الحنك الأعلى عند إخفاء القاف والكاف على نحو ما أراد المرعشي من اللحن .
وبتدقيق النظر يظهر أن الذي ذهب إليه المرعشي هو الموافق لاصطلاح الإخفاء ؛ لأن انغلاق المخرج حال الإخفاء عند القاف والكاف يجعلهما إلى الإدغام الناقص أقرب ، فصوت الغنة عند الإدغام في الواو والياء في نحو :" من يومهم "و"من ورائهم " عبارة عن غنة ممزوجة بصوتيهما ، وهو كذلك حال انغلاق المخرج عند القاف والكاف على النحو المقروء به الآن فتجد أن صوت الغنة في :" من كان " و"من قبل " عبارة عن غنة ممزوجة بصوتيهما ، ولا يصدق على هذا النطق في الإخفاء قول العلماء إن الإخفاء يكون عند غيره لا في غيره ، لأنه بهذه الكيفية يكون في غيره لا عند غيره أو بعبارة أوضح يكون إدغاما ناقصا . لأن غنة الإخفاء تكون مستقلة في النطق عن الحرف التالي لها بخلاف الإدغام ، فتجد أن صوت الغنة في" الإنسان " عبارة عن غنة مستقلة غير مشربة أو ممزوجة بالحرف التالي لها ، وصوت الغنة عند الياء الواو في نحو " من يومهم " عبارة عن غنة ممزوجة بصوت الواو أو العكس ، وعليه فنطق الإخفاء عند القاف والكاف بانغلاق المخرج عبارة عن إدغام ناقص ، وذلك خلافا لما ذكروه من أن الإخفاء عندهما يكون قريبا من الإظهار .
وأحسب أن مراتب الإخفاء ليس لها أثر صوتي ظاهر كما أشار محمد مكي نصر ، وإن وضعنا في الاعتبار كلام العلماء بأنه يكون تارة قريب من الإدغام وتارة يكون قريبا من الإظهار كان حقيقة النطق أن يقرع طرف اللسان مخرج الطاء والدال والتاء عند الإخفاء ، وهو بذلك يكون شبيها بالإدغام ، وأن يتجافى أقصى اللسان عند إخفاء القاف والكاف ، ويتهيأ اللسان أو يقترب من مخارج الحروف المتبقية ، وهذا مخالف لما قرأنا به ، والله أعلم
ذكر العلماء رحمهم الله لإخفاء النون الساكنة والتنوين عند حروفها مراتبا ، ومبناها تفاوت حروف الإخفاء في القرب والبعد ، وهذا ما أشار إليه الداني رحمه الله حيث قال : " إلا أن إخفاءهما على قدر قربهما منهن وبعدهما عنهن ، فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنه " النشر 2/24 .
وقال عبد الوهاب القرطبي رحمه الله :" إن حروف الإخفاء أيضا ترتبت في التوسط ، فكان فيها أقرب وأبعد ، فكان الإخفاء في الأقرب أكثر منه في الأبعد " . الموضح 117 .
وقال علي القاري رحمه الله: " ثم إن الإخفاء يأتي على مراتب ، فكل ما هو أقرب يكون الإخفاء فيه أزيد ، وما قرب إلى البعد يكون الإخفاء كذلك " المنح الفكرية 161 .
ولما كان لحروف الإخفاء ثلاث مراتب من حيث قربها من النون وبعدها عنها جعلوا الإخفاء على ثلاث مراتب أعلاها عند الطاء والدال والتاء ، وأقلها عند القاف والكاف ، وأوسطها عند بقية الحروف .
فهل لهذه المراتب أثر صوتي ظاهر ؟
أغلب من أشار إلى مراتب الإخفاء من المتقدمين لم يذكر ما الأثر الصوتي المترتب على ذلك سوى ما ذكره الملا علي القاري رحمه الله حيث قال : " وتظهر فائدته في تفاوت التشديد ، وتفاوت الغنة " المنح الفكرية 161
وعلق المرعشي رحمه الله على ذلك فقال : " قوله : ( في تفاوت الغنة ) يعني أن كون النون أزيد وغير لأزيد لا يظهر فائدته في نفس النون ؛ لأنها معدومة في جميع المراتب ، ولا تمايز في الإعدام ، ففائدة هذه المراتب إنما في الأثر الباقي من النون وهي الغنة " بيان جهد المقل 160 .
وقال أيضا : " وبالجملة إن مراتب الإخفاء ثلاث ، فإخفاؤهما عند الحروف الثلاثة الأول أزيد ، وغنتهما الباقية قليلة ، بمعنى أن زمان امتداد الغنة قصير ، وإخفاؤهما عند القاف والكاف أقل وغنتهما الباقية كثيرة بمعنى أن زمان امتدادهما طويل ، وإخفاؤهما عند بواقي الأحرف متوسط ، فزمان غنتهما متوسط ، ولم أر في مؤلف تقدير امتداد الغنة في هذه المراتب " جهد المقل 160 .
وقال في حاشيته : " ولو قلنا : إن أعلاها قدر ألف ، وأدناها قدر ثلث ألف ، وأوسطها قدر ثلثي ألف لأصبنا الحق أو قربنا منه ، والله أعلم " بيان جهد المقل 160 .
وهذا ما انفرد به المرعشي رحمه الله ورده جل من نقل عنه ، قال محمد مكي نصر : " والذي نقلناه عن مشايخنا وعن العلماء والمؤلفين في فن التجويد المتقنين أن الغنة لا تزيد ولا تنقص عن مقدار حركتين كالمد الطبيعي ؛ لن التلفظ بالغنة الظاهرة يحتاج إلى تراخي لما ذكره في التمهيد أن الغنة في النون والتنوين أشبهت المد في الواو والياء لكن ينبغي التحذير من التراخي " نهاية القول المفيد 137 .
وقال الشيخ المرصفي رحمه الله :" وأما الغنة في الإخفاء في جميع أحواله السابقة فلا تفاوت فيها على التحقيق فهي لا تزيد ولا تنقص عن مقدار حركتين كالمد الطبيعي " هداية القاري173 .
فاتضح لنا مما سبق أن مراتب الإخفاء ليس لها اثر صوتي في طول زمان الغنة وقصره ، فهل تؤثر في كيفية النطق ، بمعنى أن تكون النون مشوبة بصوت الحرف الواقع بعدها حسب القرب والبعد ؟
أشار بعض المصنفين إلى الفائدة المترتبة على ذلك غير أنهم لم يوضحوا ماهية التغير الصوتي .
قال محمد مكي نصر :" ثم اعلم أن الإخفاء تارة يكون إلى الإظهار أقرب وتارة إلى الإدغام أقرب، وذلك حسب بعد الحرف منهما وقربه ، ولفظ ذلك قريب بعضه من بعض " نهاية القول المفيد 136.
وقال الإمام الضباع رحمه الله : " واعلم أن الإخفاء تارة يكون إلى الإظهار أقرب وتارة إلى الإدغام أقرب، وذلك على حسب بعد الحرف منهما وقربه " منحة ذي الجلال 143 .
فأنت ترى أن مع ذكرهم ما ترتب على هذه المراتب غير أنهم لم يوضحوا كيفية النطق الصوتي لها سوى ما ذكره مكي نصر : " ولفظ ذلك قريب بعضه من بعض " .
لكن المتأمل الآن والمستمع لمشاهير القراء يجد لهذا الكلام صدى ؛ حيث أنك تسمع الغنة عند القاف والكاف مقرونة بصوتيهما بمعنى أن المخرج ينغلق فيهما مع الغنة ، وتساوت بقية الأحرف في النطق .
لكن المرعشي رحمه الله بعد أن ذكر مراتب الإخفاء وبين الفائدة المترتبة عليها حذر من هذا النطق حيث قال :" ثم اعلم أن زمان الغنة لما كان طويلا عند القاف والكاف يخشى إحداث كاف صماء ، والكاف الصماء على ما في النشر كاف ليس فيها شدة ولا همس . قلت : والكاف الصماء إذا قارنت الغنة تكون كا يقال في لسان الترك لألف من العدد: (بك) فليحذر القارئ من لإطباق أقصى اللسان لإلى الحنك عند التلفظ بالغنة قبل القاف والكاف " جهد المقل 160،161 .
والذي حذر منه المرعشي هو المقروء به الآن ، وهو الذي قرأنا به على مشايخنا ، بل كانوا يعدون افتراق أقصى اللسان عن الحنك الأعلى عند إخفاء القاف والكاف على نحو ما أراد المرعشي من اللحن .
وبتدقيق النظر يظهر أن الذي ذهب إليه المرعشي هو الموافق لاصطلاح الإخفاء ؛ لأن انغلاق المخرج حال الإخفاء عند القاف والكاف يجعلهما إلى الإدغام الناقص أقرب ، فصوت الغنة عند الإدغام في الواو والياء في نحو :" من يومهم "و"من ورائهم " عبارة عن غنة ممزوجة بصوتيهما ، وهو كذلك حال انغلاق المخرج عند القاف والكاف على النحو المقروء به الآن فتجد أن صوت الغنة في :" من كان " و"من قبل " عبارة عن غنة ممزوجة بصوتيهما ، ولا يصدق على هذا النطق في الإخفاء قول العلماء إن الإخفاء يكون عند غيره لا في غيره ، لأنه بهذه الكيفية يكون في غيره لا عند غيره أو بعبارة أوضح يكون إدغاما ناقصا . لأن غنة الإخفاء تكون مستقلة في النطق عن الحرف التالي لها بخلاف الإدغام ، فتجد أن صوت الغنة في" الإنسان " عبارة عن غنة مستقلة غير مشربة أو ممزوجة بالحرف التالي لها ، وصوت الغنة عند الياء الواو في نحو " من يومهم " عبارة عن غنة ممزوجة بصوت الواو أو العكس ، وعليه فنطق الإخفاء عند القاف والكاف بانغلاق المخرج عبارة عن إدغام ناقص ، وذلك خلافا لما ذكروه من أن الإخفاء عندهما يكون قريبا من الإظهار .
وأحسب أن مراتب الإخفاء ليس لها أثر صوتي ظاهر كما أشار محمد مكي نصر ، وإن وضعنا في الاعتبار كلام العلماء بأنه يكون تارة قريب من الإدغام وتارة يكون قريبا من الإظهار كان حقيقة النطق أن يقرع طرف اللسان مخرج الطاء والدال والتاء عند الإخفاء ، وهو بذلك يكون شبيها بالإدغام ، وأن يتجافى أقصى اللسان عند إخفاء القاف والكاف ، ويتهيأ اللسان أو يقترب من مخارج الحروف المتبقية ، وهذا مخالف لما قرأنا به ، والله أعلم