د.عبدالرحمن الصالح
New member
في هذا الموضوع سأحاول تسليط الضوء على القراءات العشر الكبرى الموجودة بين الناس اليوم والتي نقرأ بها في الصلاة ولدينا إجماع متأخر على جواز الصلاة وأم الناس بها وحدها هل تضمنت كل حروف القرآن الصحيحة؟ هل فقدنا حروفاً من القرآن لا تقل عنها صحة؟
والذي حملني على كتابة هذا الموضوع هو ما لمسته من مخالفة إخوة كثيرين في الملتقى من المبرزين في الأداء يخالفون وعي كبار علماء القراءات على التاريخ في المسألة.
فقد قال الأخ الشيخ محمد الحسن بوصو في معرض رده على كلام لي في الموضوع :
وكنت أظن أن وجهة نظري وتصوري عن تطور القراءات وتنوعها واضحة ليس فيها ما يغمض أو يريب إلا أن تساؤل الإخوة عنه من جديد قد حملني على افتتاح موضوع جديد أبين فيه رؤيتي في الموضوع من جديد بعبارة أحسبها أنأى عن الإيهام وأدنى إلى البيان، ومن ثم أيسر فهما وأكثر وضوحا، وسأتخذ من "تفنيد" ادعاء الأخ محمد الحسن بوصو الذي لم يقل به أحد من العلماء الكبار الذين قرأنا لهم في القراءات سواء من المتقدمين نسبيا كابن جرير الطبري وابن مجاهد ثم مكي أو من المتأخرين قليلا كأبي شامة المقدسي أو خاتمة المحققين ابن الجزري.
فبرغم أن ابن الجزري صرّح تصريحا لا تلميحا أنه لم يستوف كل صحيح الحروف في النشر فإن الأخ بوصو يزعم ويكرر زعمه أن القراءات العشر هي كل القرآن! لا بحسب الإمكان ولا بسبب سد الذرائع ولا بسبب قصور المنهج! وهذه مسألة ليست بالهينة إذ يبدو لي أن كثيرين جدا يوافقون الأخ محمد الحسن في رؤيته التي هي من وجهة نظري مخالفة لما عليه كبار علماء القراءات مخالفة قطعية لا تقبل الظن ولا الشك.
قال أخي الشيخ محمد الحسن بوصو حفظه الله
المسألة الأولى قال: - أنا أقول بأن القراءات، جليلها ودقيقها، من النبي صلى الله عليه وسلم، لفظا وعلما وإجازة، عن جبريل عليه السلام عن من كلفه جل جلاله اهـ وهذه مسألة قد تناقشنا فيها أنا وهو في موضوع "المتواتر قطعا والمتواتر احتمالا" ويبدو أنه لم يتحلحل عن موقفه في أن ما اختلفوا فيه من فرش الحروف يتكون من ثلاثة مجاميع
1. أن يكون كلا الحرفين أو كل الحروف المختلف فيها هي من الأحرف السبعة التي ورد الإذن بالقراءة بها
2. أن يكون أحدها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والثاني مما أقر النبي مثله وهذا المثال مما نحسب مثله من اختلافهم في أبواب الثلاثي المجرد كحسب يحسِب ويحسَب، ويعكِف ويعكُف، ويطمِث ويطمُث. وهذا القسم هو من الأحرف السبعة قطعاً، ولكنا أفردناه في التصنيف بقسم خاص لمذهبنا أن من الأحرف السبعة ما أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم الناس على القراءة به.
3. أن يكون بعض الحروف مما اجتهد فيه القراء في مرحلة ما من مراحل الإقراء، وأن الصواب لا يخرج عن اختياراتهم بمجموعها لا كلا على حدة، بسبب ضعف الخط من جانب وطول النص من جانب آخر، وهذا القسم ما ظن الأخ بوصو وكثير من الإخوة أنه مما لا يمكن أن يكون قد حصل لأنه إن حصل فسوف يضاد ويناقض الوعد بحفظ الكتاب!. وهم وإن لم يصرحوا فإنه يُفهم من موقفهم من عدّ (جميع ما سوى العشر) شاذّاً أنهم يجيزون أن يكون حصل اجتهاد في (ما سوى العشر) من القراءات فقط، أما في داخل العشر فكلاّ وحاشى! وقد قررنا أن احتمال أن يكون بعض القراء في مرحلة ما من مرحلة الإقراء قد اجتهد في قراءة بعض الحروف على الصورة التي تضمنت بعضها جميع القراءات فيما بعد، احتمال قويّ ووارد، وأن هذا ينطبق على جميع القراءات في بعض الحروف، أي القراءات التي هي اليوم مصنفة في الشاذ والقراءات العشر دون استثناء.
وقد استوجب هذا القسم توضيحا في النقطة الأخيرة أي هل يضاد حفظ الكتاب أم لا؟ والجواب أنه لا يضاد حفظ الكتاب العزيز للأسباب الآتية:
أ. يجوز أن يكون الله تبارك وتعالى قد شاء أن يكون حفظ كتابه على الهيئة التي حُفظ عليها وهو ما نعتقده
ب. يجوز أن حفظ الكتاب قد تم بأن شرح الله صدر الشيخين أن يكلفا زيد بن ثابت بجمعه وحفظه وأن يكتب بطريقة تضمن اشتماله على ما يحتمله الرسم من الأحرف السبعة حصرا وهذا ما نعتقده.
جـ. في هذا الموضع يورد الخلاف في تفسير قوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقول مجاهد وابن جريج : [لحافظون له]عندنا [أي عند الله تعالى لا عندكم]، وهذا القول في التفسير لا نورده تشكيكا في حفظ القرآن الكريم الذي نعتقد أنه قد تمّ ولكن لبيان أن حفظه قد تم عبر هداية الله تعالى للأمة بقيادة الشيخين ثم لأجيال القراء فيما بعد أن يحفظوا حروفه ويختاروا من بين قراءاته ما خلد لنا من اختياراتهم هذه القراءات العشر.
المسألة الثانية: قال:- وأقول بأن مدوني القراءات لم "يقتصروا" على السبع والعشر، بل لم يجدوا صحيحا غير ذلك، ولو وجدوا أضعاف الموجود لأثبتوه.اهـ
وهذا القول منه منتقض بأمور سوف أبينها تباعاً
1. أنه مخالف لتصريح ابن الجزري شيخ المحققين أن النشر لم يحصر كل حروف القرآن الصحيحة.
2. أن منهج القراء لم يكن يستطيع الجمع بين فضيلتين أولاهما حفظ جميع الحروف الصحيحة والثانية قبول اختيار كامل لقراء فضلاء من أول القرآن إلى آخره يجمع بين شروطهم الثلاثة المعروفة (صحة السند وموافقة أحد المصاحف ولو احتمالا وموافقة العربية ولو بوجه)، فكانت هذه القراءات العشر وحدها من استطاعت أن تجمع بين الفضيلتين، بحسب الإمكان، ولكن توجد اختيارات أخرى للقراء أخلت بأحد الشروط في مواضع معدودة فلم يستطع منهج (إما قبول القراءة كاملة أو رفضها كاملة) لم يستطع هذا المنهج أن يحافظ على الحروف الصحيحة في القراءات التي حوت حروفا تخالف الرسم فـ"ـضاعت" تلك الحروف الصحيحة الواردة في تلك القراءات بسبب سد ذريعة وجود حروف أخرى مخالفة للمصحف فيها.
ولنضرب لذلك مثلا يزيد القضية وضوحا. من تتبعي لـ"ـمفردة ابن محيصن" للأهوازي وجدت أن قراءته خالفت المصحف في تسعة مواضع. فقد شذت هذه المواضع التسعة في قراءة ابن محيصن عن رسم المصحف فعدّ منهجُ القراء "القاصر من هذا الوجه" كل القراءة شاذة عن العشر أي عن المقبول القراءة به في الصلاة، فظن الناس أن ما لا تجوز الصلاة به ليس من القرآن فضاعت منا حروف صحيحة.
لقد سامحْنا قراءاتٍ خالفت المصحف في بضعة مواضع كقراءة أبي عمرو التي خالفت في {هذىن}و{وأكون}و{ظنين} ولم نستطع أن نتجاوز فنغتفر تسعة مواضع لابن محيصن.
هل نلوم القراء على "قصور" منهجهم في هذا الباب؟
لا نفعل ذلك ألبتة ولكنا نلوم من يريد أن يستنبط من ما فعله القراء سدا للذريعة وخضوعاً لقيود الأداء مما لم يمكنهم سواه أن "يزعم" أن العلماء لم يتركوا حرفا واحدا صحيحا من القراءات. فهل قال بهذا أحد يُعتد به من أهل العلم؟ تصريحا أو تلميحا؟
إن القراءات العشر إذن لم تستوعب حروف القرآن الصحيحة كما يزعم بعض أصحابنا ولم يقل بهذا أحد من أهل العلم.
ولكنا لا نستطيع أن نعطي لقراءة كاملة (من أول القرآن إلى آخره) ما لهذه القراءات العشر من حجية ومقبولية لأنها الوحيدة التي جمعت الشروط الثلاثة ولم تخل بها إلا قليلا. وهذا القليل مغتفر أي قد اغتفره العلماء لقلته. قال أبو شامة "إلا أن النفس تطمئن لهذه القراءات السبع أكثر"
المسألة الثالثة:- قال وأن القول بتدخل السياسة في تنوع القراءت، أو تحدُّد عددها، أو اشتهار بعضها على حساب البعض الآخر، تثقف صبياني وعدوى مريبة المصدر. اهـ
هذه المسألة قد صاغها الأخ محمد الحسن صياغة تعميمية لا تعبر بدقة عن صياغة العبد الضعيف لها بقولي "ولكن القراءة اليوم ليست على مجرد الصحة وثبوت الرواية بها بل - وكما يعرف الجميع- على قرار تاريخي اتخذه بعض أهل العلم وساعده بعض الأمراء ولقي قراره قبولا". فالقول إن تسبيع السبعة وتعشير العشرة لم يكن فيه جانب ذاتي بسبب ما فيه من الموضوعية قول لا يمكن ادعاؤه، وموافقة أبي بكر ابن مجاهد قد قلنا بها من باب سد الذرائع وفضيلة جمع الأمة على قراءات بعينها هي أقوى القراءات لجمعها للشروط الثلاثة وقلة مخالفتها لها باستثناء مواضع معدودة. ولكنه كأي منهج فيه قصور من بعض الجوانب فلم يمكِّنا هذا المنهج من حفظ جميع الحروف الصحيحة ونعني بالصحيحة ما يساوي نظيره في السبع والعشر صحة من بين تلك القراءات التي لم يمكن دخولها في المنهج بحسب وضعه.
وهكذا فهذا القول هو قول العلم والوعي التاريخي بتنوع القراءات لا تثقف صبياني ولا عدوى ولا ريبة.
فعلم القراءات علم تفخر الأمة به وقد بينت في المؤتمر الأول لتطوير الدراسات القرآنية أن علم التجويد والقراءات هو العلم الوحيد المتكامل الممتلك لأدوات قياسه وتقويمه وأننا نفاخر به العالم لوضوح منهجه وصحة قواعده واتفاق الناس عليها.
ولكن العلم النظري التاريخي غير مجرد الأداء التطبيقي وهو باب واسع متشعب قابل للتغير والتطور مع ظهو ركل كتاب كبير ككتاب الكامل في القراءت الخمسين للهذلي وككتاب المنتهى للخزاعي وغيرهما من الدواوين التي نحمد الله تعالى على وصولها إلينا سالمة.
والله الموفق
والذي حملني على كتابة هذا الموضوع هو ما لمسته من مخالفة إخوة كثيرين في الملتقى من المبرزين في الأداء يخالفون وعي كبار علماء القراءات على التاريخ في المسألة.
فقد قال الأخ الشيخ محمد الحسن بوصو في معرض رده على كلام لي في الموضوع :
فبرغم أني بينت رؤيتي التي كونتها خلال ثلاثين سنة عن تطور القراءات ولم أخْفِ منها شيئا هناسيدي عبد الرحمن سلمكم الله
أشكر لكم رحابة الصدر ولطف العبارة، وأرجو أن يتقدم نقاشنا هذه المرة بتوفية شروط الحوار الجاد؛ تحرير محل النزاع، الإجابة على الأسئلة المباشرة، التزام الموضوع.
أنا أقول بأن القراءات، جليلها ودقيقها، من النبي صلى الله عليه وسلم، لفظا وعلما وإجازة، عن جبريل عليه السلام عن من كلفه جل جلاله. وأقول بأن مدوني القراءات لم "يقتصروا" على السبع والعشر، بل لم يجدوا صحيحا غير ذلك، ولو وجدوا أضعاف الموجود لأثبتوه. وأن القول بتدخل السياسة في تنوع القراءت، أو تحدُّد عددها، أو اشتهار بعضها على حساب البعض الآخر، تثقف صبياني وعدوى مريبة المصدر. ونرجئ الكلام عن ابن مجاهد وابن مقلة وابن شنَبوذ وابن مِقسَم لحينه.
وكنت أظن أن وجهة نظري وتصوري عن تطور القراءات وتنوعها واضحة ليس فيها ما يغمض أو يريب إلا أن تساؤل الإخوة عنه من جديد قد حملني على افتتاح موضوع جديد أبين فيه رؤيتي في الموضوع من جديد بعبارة أحسبها أنأى عن الإيهام وأدنى إلى البيان، ومن ثم أيسر فهما وأكثر وضوحا، وسأتخذ من "تفنيد" ادعاء الأخ محمد الحسن بوصو الذي لم يقل به أحد من العلماء الكبار الذين قرأنا لهم في القراءات سواء من المتقدمين نسبيا كابن جرير الطبري وابن مجاهد ثم مكي أو من المتأخرين قليلا كأبي شامة المقدسي أو خاتمة المحققين ابن الجزري.
فبرغم أن ابن الجزري صرّح تصريحا لا تلميحا أنه لم يستوف كل صحيح الحروف في النشر فإن الأخ بوصو يزعم ويكرر زعمه أن القراءات العشر هي كل القرآن! لا بحسب الإمكان ولا بسبب سد الذرائع ولا بسبب قصور المنهج! وهذه مسألة ليست بالهينة إذ يبدو لي أن كثيرين جدا يوافقون الأخ محمد الحسن في رؤيته التي هي من وجهة نظري مخالفة لما عليه كبار علماء القراءات مخالفة قطعية لا تقبل الظن ولا الشك.
قال أخي الشيخ محمد الحسن بوصو حفظه الله
وبرغم أنه قد طالب بتحرير محل النزاع إلا أنه قد مزج بين أكثر من مسألة واحدة في هذه الأسطر القليلة، وسأرد عليها واحدة واحدة وتلك المسائل هي:أنا أقول بأن القراءات، جليلها ودقيقها، من النبي صلى الله عليه وسلم، لفظا وعلما وإجازة، عن جبريل عليه السلام عن من كلفه جل جلاله. وأقول بأن مدوني القراءات لم "يقتصروا" على السبع والعشر، بل لم يجدوا صحيحا غير ذلك، ولو وجدوا أضعاف الموجود لأثبتوه. وأن القول بتدخل السياسة في تنوع القراءت، أو تحدُّد عددها، أو اشتهار بعضها على حساب البعض الآخر، تثقف صبياني وعدوى مريبة المصدر
المسألة الأولى قال: - أنا أقول بأن القراءات، جليلها ودقيقها، من النبي صلى الله عليه وسلم، لفظا وعلما وإجازة، عن جبريل عليه السلام عن من كلفه جل جلاله اهـ وهذه مسألة قد تناقشنا فيها أنا وهو في موضوع "المتواتر قطعا والمتواتر احتمالا" ويبدو أنه لم يتحلحل عن موقفه في أن ما اختلفوا فيه من فرش الحروف يتكون من ثلاثة مجاميع
1. أن يكون كلا الحرفين أو كل الحروف المختلف فيها هي من الأحرف السبعة التي ورد الإذن بالقراءة بها
2. أن يكون أحدها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والثاني مما أقر النبي مثله وهذا المثال مما نحسب مثله من اختلافهم في أبواب الثلاثي المجرد كحسب يحسِب ويحسَب، ويعكِف ويعكُف، ويطمِث ويطمُث. وهذا القسم هو من الأحرف السبعة قطعاً، ولكنا أفردناه في التصنيف بقسم خاص لمذهبنا أن من الأحرف السبعة ما أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم الناس على القراءة به.
3. أن يكون بعض الحروف مما اجتهد فيه القراء في مرحلة ما من مراحل الإقراء، وأن الصواب لا يخرج عن اختياراتهم بمجموعها لا كلا على حدة، بسبب ضعف الخط من جانب وطول النص من جانب آخر، وهذا القسم ما ظن الأخ بوصو وكثير من الإخوة أنه مما لا يمكن أن يكون قد حصل لأنه إن حصل فسوف يضاد ويناقض الوعد بحفظ الكتاب!. وهم وإن لم يصرحوا فإنه يُفهم من موقفهم من عدّ (جميع ما سوى العشر) شاذّاً أنهم يجيزون أن يكون حصل اجتهاد في (ما سوى العشر) من القراءات فقط، أما في داخل العشر فكلاّ وحاشى! وقد قررنا أن احتمال أن يكون بعض القراء في مرحلة ما من مرحلة الإقراء قد اجتهد في قراءة بعض الحروف على الصورة التي تضمنت بعضها جميع القراءات فيما بعد، احتمال قويّ ووارد، وأن هذا ينطبق على جميع القراءات في بعض الحروف، أي القراءات التي هي اليوم مصنفة في الشاذ والقراءات العشر دون استثناء.
وقد استوجب هذا القسم توضيحا في النقطة الأخيرة أي هل يضاد حفظ الكتاب أم لا؟ والجواب أنه لا يضاد حفظ الكتاب العزيز للأسباب الآتية:
أ. يجوز أن يكون الله تبارك وتعالى قد شاء أن يكون حفظ كتابه على الهيئة التي حُفظ عليها وهو ما نعتقده
ب. يجوز أن حفظ الكتاب قد تم بأن شرح الله صدر الشيخين أن يكلفا زيد بن ثابت بجمعه وحفظه وأن يكتب بطريقة تضمن اشتماله على ما يحتمله الرسم من الأحرف السبعة حصرا وهذا ما نعتقده.
جـ. في هذا الموضع يورد الخلاف في تفسير قوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقول مجاهد وابن جريج : [لحافظون له]عندنا [أي عند الله تعالى لا عندكم]، وهذا القول في التفسير لا نورده تشكيكا في حفظ القرآن الكريم الذي نعتقد أنه قد تمّ ولكن لبيان أن حفظه قد تم عبر هداية الله تعالى للأمة بقيادة الشيخين ثم لأجيال القراء فيما بعد أن يحفظوا حروفه ويختاروا من بين قراءاته ما خلد لنا من اختياراتهم هذه القراءات العشر.
المسألة الثانية: قال:- وأقول بأن مدوني القراءات لم "يقتصروا" على السبع والعشر، بل لم يجدوا صحيحا غير ذلك، ولو وجدوا أضعاف الموجود لأثبتوه.اهـ
وهذا القول منه منتقض بأمور سوف أبينها تباعاً
1. أنه مخالف لتصريح ابن الجزري شيخ المحققين أن النشر لم يحصر كل حروف القرآن الصحيحة.
2. أن منهج القراء لم يكن يستطيع الجمع بين فضيلتين أولاهما حفظ جميع الحروف الصحيحة والثانية قبول اختيار كامل لقراء فضلاء من أول القرآن إلى آخره يجمع بين شروطهم الثلاثة المعروفة (صحة السند وموافقة أحد المصاحف ولو احتمالا وموافقة العربية ولو بوجه)، فكانت هذه القراءات العشر وحدها من استطاعت أن تجمع بين الفضيلتين، بحسب الإمكان، ولكن توجد اختيارات أخرى للقراء أخلت بأحد الشروط في مواضع معدودة فلم يستطع منهج (إما قبول القراءة كاملة أو رفضها كاملة) لم يستطع هذا المنهج أن يحافظ على الحروف الصحيحة في القراءات التي حوت حروفا تخالف الرسم فـ"ـضاعت" تلك الحروف الصحيحة الواردة في تلك القراءات بسبب سد ذريعة وجود حروف أخرى مخالفة للمصحف فيها.
ولنضرب لذلك مثلا يزيد القضية وضوحا. من تتبعي لـ"ـمفردة ابن محيصن" للأهوازي وجدت أن قراءته خالفت المصحف في تسعة مواضع. فقد شذت هذه المواضع التسعة في قراءة ابن محيصن عن رسم المصحف فعدّ منهجُ القراء "القاصر من هذا الوجه" كل القراءة شاذة عن العشر أي عن المقبول القراءة به في الصلاة، فظن الناس أن ما لا تجوز الصلاة به ليس من القرآن فضاعت منا حروف صحيحة.
لقد سامحْنا قراءاتٍ خالفت المصحف في بضعة مواضع كقراءة أبي عمرو التي خالفت في {هذىن}و{وأكون}و{ظنين} ولم نستطع أن نتجاوز فنغتفر تسعة مواضع لابن محيصن.
هل نلوم القراء على "قصور" منهجهم في هذا الباب؟
لا نفعل ذلك ألبتة ولكنا نلوم من يريد أن يستنبط من ما فعله القراء سدا للذريعة وخضوعاً لقيود الأداء مما لم يمكنهم سواه أن "يزعم" أن العلماء لم يتركوا حرفا واحدا صحيحا من القراءات. فهل قال بهذا أحد يُعتد به من أهل العلم؟ تصريحا أو تلميحا؟
إن القراءات العشر إذن لم تستوعب حروف القرآن الصحيحة كما يزعم بعض أصحابنا ولم يقل بهذا أحد من أهل العلم.
ولكنا لا نستطيع أن نعطي لقراءة كاملة (من أول القرآن إلى آخره) ما لهذه القراءات العشر من حجية ومقبولية لأنها الوحيدة التي جمعت الشروط الثلاثة ولم تخل بها إلا قليلا. وهذا القليل مغتفر أي قد اغتفره العلماء لقلته. قال أبو شامة "إلا أن النفس تطمئن لهذه القراءات السبع أكثر"
المسألة الثالثة:- قال وأن القول بتدخل السياسة في تنوع القراءت، أو تحدُّد عددها، أو اشتهار بعضها على حساب البعض الآخر، تثقف صبياني وعدوى مريبة المصدر. اهـ
هذه المسألة قد صاغها الأخ محمد الحسن صياغة تعميمية لا تعبر بدقة عن صياغة العبد الضعيف لها بقولي "ولكن القراءة اليوم ليست على مجرد الصحة وثبوت الرواية بها بل - وكما يعرف الجميع- على قرار تاريخي اتخذه بعض أهل العلم وساعده بعض الأمراء ولقي قراره قبولا". فالقول إن تسبيع السبعة وتعشير العشرة لم يكن فيه جانب ذاتي بسبب ما فيه من الموضوعية قول لا يمكن ادعاؤه، وموافقة أبي بكر ابن مجاهد قد قلنا بها من باب سد الذرائع وفضيلة جمع الأمة على قراءات بعينها هي أقوى القراءات لجمعها للشروط الثلاثة وقلة مخالفتها لها باستثناء مواضع معدودة. ولكنه كأي منهج فيه قصور من بعض الجوانب فلم يمكِّنا هذا المنهج من حفظ جميع الحروف الصحيحة ونعني بالصحيحة ما يساوي نظيره في السبع والعشر صحة من بين تلك القراءات التي لم يمكن دخولها في المنهج بحسب وضعه.
وهكذا فهذا القول هو قول العلم والوعي التاريخي بتنوع القراءات لا تثقف صبياني ولا عدوى ولا ريبة.
فعلم القراءات علم تفخر الأمة به وقد بينت في المؤتمر الأول لتطوير الدراسات القرآنية أن علم التجويد والقراءات هو العلم الوحيد المتكامل الممتلك لأدوات قياسه وتقويمه وأننا نفاخر به العالم لوضوح منهجه وصحة قواعده واتفاق الناس عليها.
ولكن العلم النظري التاريخي غير مجرد الأداء التطبيقي وهو باب واسع متشعب قابل للتغير والتطور مع ظهو ركل كتاب كبير ككتاب الكامل في القراءت الخمسين للهذلي وككتاب المنتهى للخزاعي وغيرهما من الدواوين التي نحمد الله تعالى على وصولها إلينا سالمة.
والله الموفق