أخانا العليمي
إذا رأيت مثل هذا الطرح تذكرت قول مسروق : ( اتقوا التفسير ، فإنما هو الرواية عن الله).
أخي الكريم :
ليست المسألة أن نجتهد باجتهاد جديد أو لا نجتهد.
وليس المسألة أن نمنع الرأي الجديد أو لا نمنع.
المسألة : كيف نفهم التفسير وما وراءه، وكيف نعرف ما يمكن أن نجتهد فيه وما لا يمكن، فهل عندك تحقيق في هذا، أم المسألة عندك مفتوحة؟!
وهل أنت تبيح لكل واحد الاجتهاد في كتاب الله، والقول فيه ، دون شرط أو قيد؟!
على رسلك أيها الشيخ الفاضل والأخ الكريم
رويدك ، فإنك قد أسأت الظن بى كثيراً
فهل ترانى قد أبحت الإجتهاد فى كتاب الله تعالى لكل من هبّ ودبّ ؟؟
أم أننى قد ذكرت هذا على أثر ذكرى لإجتهادات أخوة بعينهم ، هم من كنت أعنيهم بالأساس ؟
، فهؤلاء الأخوة الفاضل هم عندى أهل للإجتهاد ، وأراهم يملكون أدواته التى أعرفها جيداً والتى تظننى غير عالم بها !!
هذا عن الإجتهاد ، أما التدبر فالكل مأمور به ، وقد ذكرت لك الآية الكريمة التى تفيد ذلك ، وربما التبس عليك الأمر بين الإجتهاد والتدبر فى كلامى ، فظننتَ أنى أُبيح الإجتهاد للجميع ، بينما كنت أعنى التدبر بالدرجة الأولى
وإذا رجعت إلى نص كلامى لوجدتنى قد قلت بالحرف الواحد :
فتدبر القرآن ليس وقفاً على أناس بعينهم ، أو على عصر بذاته
فعلى رسلك يا شيخ وأرفق بأخيك ، ولا تُسىء به الظن هكذا رعاك الله
وبالمناسبة : أشكرك على تجاهلك شكرنا نحن الذين لم نجتهد ـ كما هو رأيك ـ من خلال شكرك لبعض المجتهدين في هذه المسألة!
وأحب أن أذكرك أنك نسيت أن تشكر الشيخ الفاضل الأديب صالح المغامسي ، فهو صاحب المسألة حفظه الله.
معاذ الله أن أتجاهل شكركم على الإجتهاد إذا ما قدمتموه لنا أو إذا وجدناه منكم على التحقيق
وستجدنى أول الشاكرين لكم إذا ما صادفنا هذا منكم
أما إن كنت تُسمى الإقتصار على النظر فى المنقول فحسب ( إجتهاداً ) فهذا أمر آخر
وحتى لا تُسىء فهمى مرة أخرى اؤكد أنى لستُ ضد النظر فى المأثور على الإطلاق ، ومعاذ الله أن أكون كذلك ، ولكنى ضد التقيد به وحده إذا كان فى الأمر سعة للنظر والإجتهاد
وأعتقد أن مسألتنا الراهنة هى مما ينطبق عليه هذا التوصيف ، أم أن لكم رأى آخر فيها ؟
أما الشيخ الفاضل الأديب صالح المغامسى فلم أنس شكره ، ولكنى لم أكُ متأكدا أنه هو صاحب المسألة ، ولهذا ترانى قد سألت الأخت الفاضلة صاحبة الموضوع إن كان هو صاحب المسألة حقاً ، أم إنه الشيخ الفاضل خالد السبت ؟
وطلبتُ منها أن ترفع هذا الإلتباس ، وقد قامت مشكورة بالرد
والآن بعد أن علمتُ أن المسألة كانت له فإنى أشكره ، بل وأرفع له العمامة كذلك تحيةً وتقديراً
أخي الكريم:
إن مسألة الاجتهاد ليست بالأمر الهين، وليس من تعلم شيئا من العلم يمكن أن يكون مجتهدًا في كتاب الله، فاتق الله، وعليك بالسداد.
يُجاب عن هذا بما ذكرتُه لكم آنفا ، وكلنا مأمورون بتقوى الله وبالسداد فى القول
بالله عليك :هل أنت تقبل مثل هذا في بيان كلام الله : (أليس من الممكن أن يكون هذا هو ما كان ينتظرهم بالفعل
وعلى يد أخيهم يوسف وفتيانه الذين كانوا يأتمرون بأمره ، فيوسف كان يريد أن يستخلص أخاه من بين
إخوته، وكان يعرف خط سير إخوته جيداً وأى الطرق يسلكون ومن أى الأبواب يدخلون ، وعليه فقد كان من اليسير أن يتعرض فتيان يوسف ( وهم ملثمون ) لإخوته
ويقطعون عليهم الطريق ويختطفون منهم أخاه ، وهذا تصور تقريبى لتفصيل عبارة ( يحاط بكم )
أقول ربما كان هذا هو ما كان يخطط له يوسف ، ولكن الله لم يرض عن تلك الخطة فكاد ليوسف ،
كاد له بأن أحبط خطته بدخول إخوته متفرقين كما أوصاهم أبوهم ، فأسقط فى يد يوسف متحيراً ....).
من أين لك هذا التحليل ، وهل هذا الاجتهاد الذي تحييه؟!
قولك : (أليس من الممكن) ( أو ربما ) أليس هذا من الرجم بالغيب؟!.
قولك: (ولكن الله لم يرض عن تلك الخطة فكاد ليوسف ، كاد له بأن أحبط خطته بدخول إخوته متفرقين كما أوصاهم أبوهم ، فأسقط فى يد يوسف متحيراً).
يا أخي ، أليس هذا من القول على الله بغير علم، فأين أثارة العلم عندك في هذا؟!
سبحان الله العظيم !!
وكأننى أول من قال من المفسرين : ( من الممكن ) أو ( ربما )
فهل تريدنى أن أستخرج لكم من بطون كتب التفسير عشرات العبارات المماثلة ؟!
ثم كيف تريدنى أن أتحدث عن أمر لم يشأ الله له أن يقع بغير تلك العبارات ؟!
فكر قليلاً فى الأمر ، وعندها سوف تلتمس لى العذر
وعلى أى حال فإن بإمكانك أن تحذف من كلامى أمثال تلك العبارات وسيظل المعنى مع ذلك مستقيماً
هل تدرى لماذا أقول هذا ؟
لأنى على ثقة تامة من صحة المعنى الذى ذهبتُ إليه ، ولا أرتاب فيه مطلقاً ، هل تدرى من أين أستمد تلك الثقة ؟
لأن فى حوزتى الأدلة الدامغة على صحة ذلك المعنى ، فإننى لستُ من الذين يقولون على الله بغير علم كما رميتنى بذلك للأسف الشديد
بل كل ما أقوله مدعوم بالبراهين والأدلة ، ولكنى وكما قلتُ سابقا أكثر من مرة :من العسير تفصيل الأمر وبيان الأدلة عليه فى عجالة سريعة ومداخلة عابرة
فلتنتظر يا أخى كتابى " سورة يوسف تبوح بأسرارها " فستجد فيه إن شاء الله البيان الوافى المعزز بالحجج والبراهين والتى ستجدها مبثوثة فى نحو مائتى صفحة
أما أن تحكم على تفسيرى من مجرد بضعة أسطر قليلة طالعتها هنا فليس هذا من الإنصاف فى شىء ، وأربأ بمثلكم عن ذلك ، فأنتم عندى أهل الإنصاف
*********
وإذا تأملت الآية ، فإنها قد أوضحت أن التفرق مرادٌ في أول دخولهم، ولو كان المراد تفرقهم في كل وقتهم في مصر لأخبر الله به؛ لأنهم بعد دخولهم متفرقين
ـ كما أمر أبوهم ـ اجتمعوا بيوسف عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى : ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه)، فهم إذن كلهم أمام يوسف عليه الصلاة والسلام،
ثم جهزهم بجهازهم، وهم مع بعضهم ، ثم نادهم المنادي ( أيتها العير ) وهذا يدل على أنهم مع بعضهم أيضًا، ثم بعد هذا كله حصلت الإحاطة بهم
، كما أخبر الله، فلماذا لم يبقوا متفرقين حتى يخرجوا من مصر لو كان الأمر كما تقول؟!
لا أدرى كيف فهمتَ كلامى على هذا الوجه ؟!
فهلا وجدتنى قد قلتُ بأن المراد هو تفرقهم فى كل وقتهم فى مصر ؟! حقيقةً لا أدرى كيف فهمتَ هذا ؟؟
فأنا لم أزعم ذلك على الإطلاق ، لا من قريب ، ولا من بعيد
***************
وقولك : (وإننى من الذين يُشجعون الإجتهاد والتدبر فى كتاب الله ، بل وأراه غاية من غايات إنزال الكتاب المبارك ، وذلك على هدى قوله تعالى :
" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب "
وأعتقد أن الله يخاطب بتلك الآية الكريمة الناس جميعاً فى كل عصرٍ ومصرٍ ، فتدبر القرآن ليس وقفاً على أناس بعينهم ، أو على عصر بذاته) .
ما نوع الاجتهاد الذي تشجع عليه ، وهل له معيار ، أم هو مفتوح ليقول من يقول ما يقول في كتاب الله
سبق الجواب عن تلك الأسئلة بما يُغنى عن إعادته هنا
أخي الكريم، كم أتمنى لو عرفتنا بنفسك ، فنحن لا نعرف عنك إلا هذا الاسم، وما دمت قد كتبت في تفسير سورة يوسف فمالمانع لو أخبرتنا بنشاطك العلمي؟
فإن هذا يعين على مدى التواصل العلمي معكم.
وهذا هو جوابى على سؤالكم هذا : اعرف الحق تعرف أهله
ولا يُعرف الحقُ بالرجال ، وإنما يُعرف الرجال بالحق
وقد كان هذا هو شعار توقيعى منذ شاركتُ فى الملتقى ، ولكنكم أضعتموه
لا أقصد أنتم شخصياً ، بل أحد القائمين على الجانب الفنى والتقنى فى الملتقى ، وأعتقد أنه لم يتعمد ذلك ، بل حدث هذا منه بطريق الخطأ غير المقصود على الأرجح
أما إن كنتَ ترمى من وراء السؤال عن نشاطى العلمى الإطمئنان من جهة كفائتى العلمية وخلفيتى الثقافية والدينية فأقول لكم بكل ثقة ولله الحمد :
بإمكانكم الإطمئنان تماما من تلك الجهة
فهل يكفيكم مثلاً أن أقول أنى قد تقلدت رئاسة قسم الفكر الدينى فى بعض الصحف لبعض الوقت ومنذ زمن بعيد ؟
أو أن أقول أنى عضو قديم بجمعيات علمية معنية بإعجاز القرآن الكريم ؟
أو أنى قد أصدرت بموافقة الأزهر الشريف كتباُ ومقالات فى إعجاز القرآن ؟
أو أنى كنتُ وثيق الصلة بعلماء كبار من طبقة العلامة عبد الصبور مرزوق رحمه الله ، أو العلامة عبد العظيم المطعنى رحمه الله وغيرهم من علماء مصر الكبار
وكنت أجلس إليهم وأحاورهم فى بعض المسائل العلمية ، بل وكنتُ بصدد مشاركة أحدهم فى كتاب للرد على بعض الشبهات التى أثارها البعض حول الأحرف المقطعة ، ولكن توفاه الله قبل أن يصدر عملنا المشترك ، فعليه رحمة الله ورضوانه
هل يكفيكم هذا أم أستمر فى الحديث عن نفسى ؟ . . أعتقد أن ما ذكرتُه الآن فيه الكفاية حتى أنال ثقتكم ، وكى تتيقنوا من أنى لا أجرؤ على أن أقول على الله بغير علم
وختاماً فإنى لا أحمل لشخصكم الكريم إلا كل تقدير وإحترام ، ولكن ساءنى فحسب أن تسيئوا الظن بى على النحو المذكور ، ومع ذلك أقول عفا الله عنا وعنكم ، وغفر لنا ولكم
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك