واللطيفُ في ذلكَ هو أنَّ الإسنادَ اليومَ انقطعَ تماماً لو أعمِلَ هذا الشرطُ, لأنَّ بعضَ المُجازينَ لا يُحسِنُ تهجِّي رجال الإسنادِ الذي يُفاخرُ بهِ بكرةً وعشياً , لكنَّ ابنَ الجَزَري رحمه الله يرمِي - والعلمُ عند الله تعالى - من وراء ذلكَ إلى تحاشي آفَـةِ الوهمِ في المَرويَّات والشيوخِ , والتي وقعتْ لبعضِ أئمَّـةِ الإقراء الذين ترجَمَ لهم نتيجةً لعدمِ إمعانهم النَّظَر وتدقيقهم في الأسنانيد , كما أنَّهُ رحمه الله يؤكدُ أنَّ سماعَ الإسنادِ كاملاً عن الشيخِ لم يكن عادةً عند المُقرئينَ رحمهم الله في عصرهِ ولا قبل ذلكَ , وإنما هو إجراءٌ احترازيٌّ ارتآهُ رحمه اللهُ علاجاً لآفةِ الوهمِ في المَرويِّ والمسنِدِ , ولذا يقولُ رحمه اللهُ تعالى {وأكثَرُ القُرَّاءِ لا عِلمَ لهُم بالأسانيدِ فمِن ثمَّ حَصَلَ الوهمُ }, وهذا واضحٌ في أنَّهم كانوا يكتفُونَ بأخذِ الإسنادِ ويكِلُونَ حالَ التدقيقِ فيهِ إلى الشيخِ ومن أخَذَ عنهم , وقد عالجَ رحمه الله ذلك في غاية النهاية وتعقَّبَ بعضَ الأسانيد التي جزمَ بها أصحابها كما في ترجمته للهذلي رحمه الله حينَ أنكر ابنُ الجزري أن يكونَ الهُذليُّ قرأ على أحمد بن الصقر وحسين بن خشيش ومحمد بن يعقوب وأن ثلاثتهم قرؤوا على زيد بن علي بن أبي بلال رحمهم الله جميعاً , يقول ابنُ الجزري { ومِن أبعَدِ البَعيدِ قراءتُهُ على أحدٍ من أصحابِ زيدٍ , فإنَّ آخِرَ أصحَابِ زيدٍ موتاً الحسنُ بنُ عليٍّ بن الصقرِ , قرأ عليهِ لأبي عمرو فقط , ومات سنةَ تسعٍ وعشرينَ وأربعمائةٍ عن أربعٍ وتسعينَ سنةً ولم يُدركهُ الهُذليُّ , وأيضاً فإنَّ هؤلاءِ الثلاثةَ لا يُعرَفونَ , ولو كانوا قد قَرؤوا على زيدٍ وتأخَّروا حتى أدركَهُمُ الهُذليُّ في حُدودِ الثلاثينَ وأربعمائةٍ أو بعدها لرحَلَ النَّاسُ إليهم من الأقطار , واشتهر اسمهم في الأمصار ..} غاية النهاية 2 /384 , والله تعالى أعلمُ.