هل ترجيح القرطبي بين القراءات ترجيح مذموم

مسافر وحدي

New member
إنضم
03/09/2008
المشاركات
67
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
مثلا قوله : { وَيُكَفِّرُ } اختلف القراء في قراءته؛ فقرأ أبو عمرو وابن كَثير وعاصم في رواية أبي بكر وقتَادة وابن أبي إسحاق «ونُكَفِّرُ» بالنون ورفع الراء. وقرأ (نافع) وحمزة والكسائي بالنون والجزم في الراء؛ ورُوي مثل ذلك أيضاً عن عاصم. وروى الحسين بن عليّ الجَعْفِيّ عن الأعمش «يُكَفِّرَ» بنصب الراء. وقرأ ٱبن عامر بالياء ورفع الراء؛ ورواه حفص عن عاصم، وكذلك روى عن الحسن، ورُوي عنه بالياء والجزم. وقرأ ابن عباس «وتُكَفِّرْ» بالتاء وكسر الفاء وجزم الراء. وقرأ عكرمة «وتُكَفَّرْ» بالتاء وفتح الفاء وجزم الراء. وحكى المَهْدَوِيّ عن ابن هُرْمُز أنه قرأ «وتُكَفِّرُ» بالتاء ورفع الراء. وحُكي عن عكرمة وشَهْر بن حَوشب أنهما قرءا بتاء ونصب الراء. فهذه تسع قراءات أَبْيَنُهَا «ونُكَفِّرُ» بالنون والرفع. هذا قول الخليل وسيبويه. قال النحاس قال سيبويه: والرفع هاهنا الوجه وهو الجيِّد .


فهل ( ابينها ) عند القرطبي ترجيح مذموم بين القراءات
و وصف سيبويه الرفع ب ( الجيد ) بالالف و اللام , هل يعني ان الباقي ( غير جيد ) عند سيبويه ؟
 
لا أعتقد أن كلمة مذموم مناسبة في هذا المقام ؛ فالإمام القرطبي رحمه الله تعالى بين القراءات المقروء بها ؛ وبين أن أبينها من حيث اللغة هو : "ونكفر" بالنون ورفع الراء .
ولا زال أهل العلم يرجحون بين القراءات السبعية وغيرها بحسب اللغة والقياس ونحو ذلك ؛ وليس معنى ذلك طعن في القراءات الأخرى كما هو معلوم ..
بل حتى في اللغة المحضة تجدهم يقولون : كذا قياسا وكذا شذوذا ، وكل منهم لغة عربية فصيحة لا طعن فيها .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
 
جزاك الله خيرا ابراهيم و لكن مازال العلماء ينتقدون الطبري و الزمخشري على ترجيحهما بين القراءات
فالترجيح منه المحمود وهو ما ذكرته انت , و منه المذموم و الذي يظهر فيه اسقاط القراءة الاخرى , و في الرد على هذا النوع من الترجيح كتبت الكتابات
و سؤالي عن هذه الحالة تحديدا , هل يذم مثل هذا الترجيح من القرطبي ؟
و مثله عن سيبويه
لذا اظن ان العموميات التى تفضلت بذكرها لا محل لها هنا
اليس كذلك ؟
 
المسألة - أخي الفاضل - لا تحتمل عموميات ولا خصوصيات فهي أبسط من ذلك ؛ وخلاصتها عند أهل العلم هي ما نقلت لك ملخصا من كلامهم ؛ فإن كان عندك نقل بخلافه فتفضل به لنستفيد جميعا .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
 
المفاضلة بين القراءات من المفاضلة بين كلام الله تعالى وقد كنت شرعت في مقال ينت فيه جواز المفاضلة بين كلام الله تعالى بعضه بعضا.

وهذا القسم الأول منه يسر الله تمامه

أدلة تفاضل القراءات

كتبه: أبو الوليد الهاشمي

عصمه الله من الزلل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

تقرر لدينا -في غير هذا الموطن[1]- أن القراءات اختيار وانتقاء واصطفاء، أجراه أئمة الشأن ممن نسبت إليهم على مروياتهم وما أسند إليهم عن سالفيهم ومشايخهم، فكان الناتج هذه الحروف التي رويت عنهم، سواء حازت رضا النقاد أم لا، فإن ذلك غير موضوعنا.

والاختيار والانتقاء والاصطفاء تفضيل، والقراءة مع القراءة كالآية للآية كما أُثر عن العلماء، فهل يصح تفضيل قراءة على أخرى؟ لأنه إن صح جاز ما فعله الأئمة من اختيارات، وإلا كان عملهم مخالفا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده.

ألا ترى أن عامة ما يُروى اليوم من صحيح القراءات وشاذّها إنما هو عن غير الطبقة الأولى؟ فعموم هذه البلوى قد يكون دليلا لمن أجاز هذا الفعل؛ ونحن إذ نناقش هذا فسنَبْنِيهِ على سؤال: هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟ أي: قراءة أفضل من قراءة، وآية أفضل من آية ... .

إنه لمن السهل على كل من قرأ شيئا من القرآن وفهِمه، وبعضا من السنة أن يجزم بوجود ذلك، ويستطيع أن يرجح إحدى الكفتين على الأخرى، فيميل مع من رأى جواز ذلك، وبصراحة إنه لمن الغريب جدا أن تجد في تراث أمتنا المتمسكة بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قال بخلاف ذلك -أعني التفاضل-، ولكن هذه هي الحقيقة، فهما قولان لأهل العلم: إثباتُ التفاضل في آي القرآن وقراءاته، ونفيُه.

لكن القول بالنفي محدَث ولا شك، فلم يُعرف عن أحد من السلف ممن يُرتضى قوله في الدين أنه قال: لا يكون كلام الله بعضه أشرف من بعض[2] ، إذ كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم يدلان على التفاضل، وكذا الآثار عن السلف الصالح من صحابة وتابعين رضي الله عنهم أجمعين، وإنما حدث هذا القول بعدَهم رحمهم الله تعالى، قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((واشتهر القول بإنكار التفاضل بعد المائتين لما أظهرت الجهمية القول بخلق القرآن))[3] .

إذن فلهذا المذهب المحدث بُعْدٌ عقدي مَشين نسأل الله العفو والعافية، ولو أن أهل الفضل ممن يقولون بهذا القول اطلعوا على قبيح ما يتضمنه لتركوه، ولرجعوا إلى قول الله تعالى وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والأهواء تتجارى بأهلها كما يتجارى الكلَب بصاحبه، حتى تضلهم عن سواء السبيل، نعوذ بالله من الخذلان.

فصـل:

القول بأنه لا فضل لبعض القرآن على بعض مذهب أبي الحسن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني، وطائفة من المتكلمين؛ وقال به بعض المحدثين كابن حبان، وعامة المفسرين كابن جرير، والبغوي، والثعلبي، والجلال السيوطي، وغيرهم.

قال ابن حبان في شرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك بأفضل القرآن: ((أراد به بأفضل القرآن لك، لا أن بعض القرآن يكون أفضل من بعض، لأن كلام الله يستحيل أن يكون فيه تفاوت التفاضل))[4].

وسبب قولهم هذا أنهم ظنّوا أن القول بتفاضل القرآن إنما يجيء على مذهب من قال إن القرآن مخلوق كالجهمية والمعتزلة[5]، فأرادوا أن يفروا من ذلك فنفوا عنه التفاضل.

((وقالوا: إنما يمكن مخالفة هؤلاء إذا قيل إن القرآن وغيره من الكلام لازم لذات الله تعالى، ولم يزل ولا يزال يتكلم بكل كلام له؛ كقوله يا آدم، ويا نوح!.

وصاروا طائفتين:

طائفة تقول: إنه معنى قائم بذاته.

وطائفة تقول: إنه حروف، أو حروف وأصوات مقترن بعضها ببعض أزلا وأبدا ... .

والأولون عندهم كلام الله شيء واحد، لا بعض له، فضلا أن يقال بعضه أفضل من بعض؛ والآخرون يقولون: هو قديم لازم لذاته، والقديم لا يتفاضل.))[6].

وهذا إنما هو مذهب ابن كُلاّب وأتباعه، لا مذهب السلف في كلام الله تعالى.

وجاءهم هذا الفهم السقيم حين ظنوا أن الله لا يحدث من أمره ما يشاء، وأنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل كلامه قائم بذاته بدون قدرته ومشيئته، مثل حياته[7].

وأمّا السلف وأئمة الحديث، فإنهم يقولون: إن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه ليس بمخلوق، بل كلامُه صفة قائمة بذاته.

وممن ذكر أن ذلك قول أئمة السنة أبو عبد الله بن منده، وأبو عبد الله بن حامد، وأبو بكر بن عبد العزيز، وأبو إسماعيل الأنصاري، وغيرهم؛ قال ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى[8].

بيان ذلك من كتاب الله تعالى قوله سبحانه: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ .. ﴾ [الأنبياء 2]، وقوله: ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ ... [الشعراء 5]، وسمى سبحانه كلامه حديثا فقال: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ ... ﴾[الزمر 23]، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِِ حَدِِيثًا﴾ [النساء 87].

ومن سنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث : أن لا تَكَلَّموا في الصلاة...))[9] ، فالله تعالى يحدث من أمره ما يشاء، متى شاء؛ فيتكلم بما شاء[10]، متى شاء[11]، كيفما شاء[12]، مع أن صفة الكلام فيه أزلية، وهي صفة من صفاته الأزلية، فلم تحدث بحدوث كلامه سبحانه وتعالى، إذ هي صفة ذات كما أنها صفة فعل، وهذا شأن كل الصفات الاختيارية، مثل وسمعه، وبصره، وإرادته، ومحبته، ورضاه، ورحمته، وغضبه، وسخطه، ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة.

فالذين منعوا تفاضل آيات الكتاب وقراءاته، إنما رأوا أن كلام الله صفة ذاتية لازمة كالعلم مثلا، وأن الله تعالى لم يزل متكلما، وإنما يخلق الله تعالى للسامع إدراكا لتلك الحروف والأصوات؛ ومنهم من قال: يُسمَع ذلك المعنى بإذنه؛ ومنهم من يقول: بل أَفْهَمَ منه ما أفْهَمَ؛ وغير ذلك من الآراء الفاسدة، التي أشربت في قلوبهم، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

ولو كانوا بوعي لما يقولون، لعلموا أنهم لم ينزهوا الله تعالى، ولم يصفوه إلا بما هو نقص، فإن كل من وُصف بالكلام من الملائكة والبشر والجن وغيرهم، فكلامهم لا بدّ أن يقوم بأنفسهم، وهم يتكلمون بمشيئتهم وقدرتهم؛ والكلام صفة كمال لا صفة نقص، ومن تكلم بمشيئته أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته، فكيف يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق؟[13]

جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله: ((الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه))[14]

فهو سبحانه متكلم؛ إن شاء تكلم سبحانه، وإن شاء سكت، لأنه كان ولا يزال متكلما، هذه عقيدة السلف وأئمة الحديث من أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى.

ومن أسباب قولهم هذا أيضا أنهم قالوا: إن القرآن الكريم كلام الله فهو صفة له، وصفة الله لا تتفاضل، لا سيما مع القول بأنه قديم، فإن القديم لا يتفاضل.

وهذا باطل -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- من وجهين[15]:

الأول: أن أسماءه سبحانه تتضمن صفاته، وقد جاء عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله: ((لقد دعا الله باسمه العظيم ...))[16]، وقوله: ((لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم ..)) فهناك عظيم وأعظم؛ وقوله ((أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك))[17]، فرضاه أفضل من سخطه، وعفوه أفضل من عقوبته؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه؛ والقسطُ بيده الأخرى، يرفع ويخفض))[18]، فيده اليمين فيها الفضل والأخرى بها العدل، فاليمين أفضل، ورفعُه سبحانه أفضل من خفضه، والله أعلم. فتفاضل الأسماء والصفات من الأمور البينات.

والثاني: أن الصفة الواحدة نفسها قد تتفاضل، فأمره يكون في موضع أكمل من موضع، ورضاه عن عبد يكون أوسع من عبد، وتكليمه لبعض يكون أكثر من بعض، وهكذا سائر الباب.

((دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع مع العقل، وإنما شبهة من منع تفاضلها من جنس شبهة من منع تعددها، وذلك يرجع إلى نفي الصفات كما يقوله الجهمية، لما ادعوه من التركيب))[19].

ومن حجة هؤلاء أيضا ظنهم بتفضيلهم هذا أن يكون المفضول من كلام الله تعالى ناقصا، وصفات الله تعالى ليس فيها نقص.

وهذا لازم باطل لا يلتزم به الكتاب ولا السنة، بل إن الله سبحانه وتعالى مدح القرآن كله، وذكر فضله عامّة، قال سبحانه: ﴿الحَمْدُ ِلله الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا، قَيِّمًا... ﴾[الكهف 1، 2] وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَبُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة 2]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت 44]، وقال سبحانه: ﴿ (بَلْ هُوَ آيَتٌ بَيِّنَتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت 49]، وقال تعالى: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فيِ الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمًةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس 57، 58]، وقال سبحانه: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَبٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُلُمَاتِ إِلىَ النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلىَ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة 15، 16]، والآيات الدالة على فضل القرآن كثيرة، بل تحدى سبحانه أولي القدرة والاستطاعة من العرب وغيرهم، أن يأتوا بأقل قليل من مثله، فقال سبحانه: ﴿قُلْ فَاتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾ [يونس 38] ولم يقصد في ذلك الفاضل دون المفضول، فدلّ على كمال الجميع، وعلى كلٍّ فثناء الله على كتابه إجمالا وتفضيلُه له معلوم لا مرية فيه.

وفي السنة أحاديث كثيرة تدل على ذلك، منها قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ...))[20]، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((والقرآن حجة لك أو عليك))[21]، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار))[22]، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار))[23]، وغير ذلك كثير في فضل القرآن الكريم كلّه، فما كلما فضلنا شيئا كان المفضول ناقصا، وإنما هو فضل دون فضل؛ مثال ذلك إيراد مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يعني بحال انتقاص الخلفاء قبله رضي الله عنهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء، من ذي لهجة أصدق من أبي ذر))[24] رضي الله عنه؛ فهل يُعد هذا اتهاما أو قدحا أو انتقاصا لأي صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن هم أعظم شأنا من أبي ذر رضي الله عنه بلْه من هم أقل؟؟ اللهم لا، فكذلك سائر الآيات والقراءات التي فضلت عليها بعض الآيات والقراءات لم تكن ناقصة ولا اعتراها ذم وإنما الأمر كما أسلفنا؛ ولله الحمد والمنة.

فصـل:

والأدلة على تفاضل آيات كتاب الله تعالى كثيرة، منها السمعية ومنها العقلية، أما السمعية منها فالآيات في كتاب الله تعالى تدل على ذلك، كقوله سبحانه وتعالى:

﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة 106].

((فأخبر سبحانه أنه يأتي بخير منها أو مثلها، وهذا بيان لكون تلك الآية قد يأتي بمثلها تارة أو خير منها أخرى، فدل ذلك على أن الآيات تتماثل تارة وتتفاضل أخرى.)) [25].

لكن الإمام الطبري رحمه الله تعالى أغمض حين قال في تفسيره لهذه الآية: ((فتأويل الآية إذن: ما نغير من حكم آية فنبدله أو نتركه فلا نبدله، نأت بخير لكم منه أيها المؤمنون حكما منها أو مثل حكمها في الخفة والثقل والأجر والثواب ... وغير جائز أن يكون من القرآن شيء خيراً من شيء لأن جميعه كلام الله، ولا يجوز في صفات الله تعالى ذكرُه أن يقال: بعضها أفضل من بعض، أو بعضها خير من بعض))[26]، فتمسك رحمه الله بشبهة عدم تفاضل الصفات الرحمانية، وقد ذكرنا تفنيد هذه الشبهة من كلام شيخ الإسلام رحمه الله فيما سبق، وله أي شيخ الإسلام كلام آخر قال فيه: ((وأما المقدمة الثانية وهي أن صفات الرب لا تتفاضل، فهل يمكنك أن تنقل عن أحد من السلف قولا بذلك، فضلا عن أن تنقل إجماعهم على ذلك؟! ما علمت أحدا يمكن أن يثبت عن أحد من السلف أنه قال ما يدل على هذا المعنى، لا بهذا اللفظ ولا بغيره، فضلا عن أن يكون إجماعا، ولكن إن كان قال قائل ذلك ولم يبلغنا قوله فالله أعلم[27]، لكن الذي أقطع به ويقطع به كل من له خبرة بكلام السلف أن القول بهذا لم يكن مشهورا بين السلف ولا قاله واحد واشتهر عند الباقين فسكتوا عنه ولا هو معروف في الكتب التي نقل فيها ألفاظهم بأعيانها، بل المنقول الثابت عنهم أو عن كثير منهم يدل على أنهم كانوا يرون تفاضل صفات الله تعالى))[28].

وابن جرير رحمه الله تعالى محجوج بأمرين:

الأول قوله: ((نأت لكم بخير لكم منه أيها المؤمنون حكما منها)) فإنه فاضلَ بين متعلقين بالآيتين فكأنه فاضل بينهما من وجه فقط، ويكفي وجه في الرد على دعواه.

الثاني: أنه هو نفسه رحمه الله تعالى ملأ كتابه التفسير باختياراته وترجيحاته وتفضيلاته مما لا يدع مجالا للشك أنه يرى الرأي الصواب في المسألة ولم أر من انتبه إلى هذا الأمر الواضح الظاهر البين، فلله المنة.

وكأني بهذا أرى أن ابن جرير رحمه الله يرى تفصيلا في المسألة سنذكره بإذن الله تعالى لاحقا مما يجعله يوافق المذهب الحق إن شاء الله تعالى، لكن كان لزاما عليّ أن أذكر ما ذكرت من قوله تبيينا واحترازا مما يحترز منه، وإتماما للخير، والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

... يتبع
__________________________________________________ ______________________________


[1] ) انظر على سبيل المثال شرحنا لاعتقاد الداني في القراءات، في موقع منبر وهران.

[2] ) انظر مجموع الفتاوى 17/ 46.

[3] ) مجموع الفتاوى 17/ 53.

[4] ) صحيح ابن حبان 3/ 52.

[5] ) مجموع الفتاوى 17/ 56.

[6] ) مجموع الفتاوى 17/ 53.

[7] ) انظر مجموع الفتاوى 6/ 132.

[8] ) مجموع الفتاوى 6/ 131.

[9] ) أبو داود (924) والنسائي (1221)، صححه الألباني صحيح أبي دواد 857، وأصله في البخاري ومسلم دون الشاهد.

[10] ) باعتبار الكلام يعني موضوع الكلام من أمر أو نهي أو غير ذلك.

[11] ) في الزمن، قال ذلك الشيخ ابن عثيمين في [شرح الواسطية 1/ 419].

[12] ) يعني على الكيفية والصفة التي يريدها سبحانه وتعالى، بحرف وصوت لا يماثل أصوات المخلوقين.

[13] ) مجموع الفتاوى 6/ 132.

[14] ) الترمذي 1726 حسنه الألباني.

[15] ) انظر 17/ 213 وما بعدها

[16] ) أبو داود (1493) ابن ماجه (3857)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم 1342.

[17] ) رواه مسلم.

[18] ) متفق عليه.

[19] ) 17/ 213

[20] ) رواه أحمد صححه الألباني في صحيح الترغيب 973.

[21] ) رواه مسلم.

[22] ) صحيح، الصحيحة 2019.

[23] ) رواه أحمد: 4/151،155، الصحيحة 3562، وصحيح الجامع 5266.

[24] رواه أحمد [صحيح الجامع 5536]،

[25] ) مجموع الفتاوى 17/ 10- 11.

[26] ) جامع البيان 2/402،403 ت التركي

[27] ) ورع وأي ورع منه رحمه الله تعالى وهو من هو في العلم والاستقراء والاطلاع على مذاهب السلف، وانظر إلى حال كتّاب زماننا ممن يقول: لا أعلم في ذلك خلافا ولم يذق طعم العلم إلا قليلا، فاللهم سلم سلم.

[28] ) مجموع الفتاوى 17/ 76-77.
 
اقصد ما ذكره الزركشي :
ينبغي التنبيه على شيء ، وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءة الأخرى ، وهذا غير مرضي ; لأن كلتيهما متواترة ، وقد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب " اليواقيت " عن ثعلب أنه قال : إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن ، فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى ; وهو حسن " .
وقال أبو جعفر النحاس - وقد حكى اختلافهم في ترجيح ( فك رقبة ) ( البلد : 13 ) بالمصدرية والفعلية - فقال : والديانة تحظر الطعن على القراءة التي قرأ بها الجماعة ، ولا يجوز أن تكون مأخوذة إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال : أنزل القرآن على سبعة أحرف فهما قراءتان حسنتان ، لا يجوز أن تقدم إحداهما على الأخرى .
وقال في سورة " المزمل " : " السلامة عند أهل الدين أنه إذا صحت القراءتان عن الجماعة ألا يقال : أحدهما أجود ; لأنهما جميعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيأثم من قال ذلك ، وكان رؤساء الصحابة - رضي الله عنهم - ينكرون مثل هذا " .
وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة - رحمه الله - : " قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة : ( ملك ) ، و ( مالك ) ( الفاتحة : 4 ) حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى ; وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين ، واتصاف الرب تعالى بهما ، ثم قال : حتى إني أصلي بهذه في ركعة ، وبهذه في ركعة " .
 
وقد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب " اليواقيت " عن ثعلب أنه قال : إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن ، فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى ; وهو حسن " .
أي سبعة هذه التي في كلام الإمام ثعلب ت 291 هـ عن عمرٍ ناهزَ التسعين؟
 
المهم في كل هذا الكلام هو :
1 - الذي يقول إنه لا يجوز الترجيح بين القراءات مطلقا مخالف لما عليه الأمة من جواز الترجيح بينها لغة ؛ بل وحتى رواية .
2 - الذي يرجح بين القراءات ترجيحا قصده منه إسقاط واحدة من القراءات الثابتة مجانب للصواب ومرتكب لأمر عظيم ؛ ولن يتأتي له إسقاط قراءة أجمعت عليها الأمة من حيث الجملة .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
 
أي سبعة هذه التي في كلام الإمام ثعلب ت 291 هـ عن عمرٍ ناهزَ التسعين؟
سؤال جيد شيخنا
ربما يقصد بذلك الاحرف السبعة
ربما وصل لثعلب صنيع ابن مجاهد و هما متعاصران
او ربما انتشرت سبعة ما مميزة عن غيرها كقول مكي : كان الناس على رأس المئتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو، ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، واستمروا على ذلك، فلما كان على رأس الثلاثمائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب .
او تقصد ان السيوطي اخطأ في كلامه ؟
 
2 - الذي يرجح بين القراءات ترجيحا قصده منه إسقاط واحدة من القراءات الثابتة مجانب للصواب ومرتكب لأمر عظيم ؛ ولن يتأتي له إسقاط قراءة أجمعت عليها الأمة من حيث الجملة .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
هذا هو محل السؤال , هل ترجيح سيبويه هنا مجانبة للصواب باستخدامه صيغة ( الجيد ) و هل ترجيح القرطبي مجانب باستخدامه (ابينهم) ؟
 
هذا هو محل السؤال , هل ترجيح سيبويه هنا مجانبة للصواب باستخدامه صيغة ( الجيد ) و هل ترجيح القرطبي مجانب باستخدامه (ابينهم) ؟

هذه العبارات التي ذكرت لا يفهم منها إسقاط القراءة الأخرى وغاية ما فيها ترجيح لبعض القراءات على بعض ؛ وهو مطرد عند العلماء وكتبهم مليئة بعبارات مماثلة ؛ بل أشد في الترجيح .
 
الأصلُ عند السلفِ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألاَّ ترجيحَ بين القراءاتِ بمعنى التقديم والتفضيل , ومن رجَّحَ بعدَهم من العُلماء فليسَ خارجاً عن طريقهم , بل كان ترجيحهُ لاعتباراتٍ طارئة كالشذوذ وغيره.
ولاَ ينبَغي إهمالُ تواريخِ الترجيحِ أِو المنهجِ العلميِّ (فساداً وصحةً) عند مناقشة هذا الموضوع الهامِّ , فمَن رجَّح قراءةً متواترةً على أختِها في التواتر قبل استقرار الأمر واتصال الأسانيد ليس كمن يُنكِرها بعد ذلك , ومن أسقطَ قراءةً نظراً لفساد منهجه وهواهُ اللغوي أو غيره ليس كمن يُرجِّحُ قراءةً على أخرى قاصداً أنها أشهرُ وأكثرُ استعمالاً.
 
المفاضلة بين القراءات من المفاضلة بين كلام الله تعالى وقد كنت شرعت في مقال ينت فيه جواز المفاضلة بين كلام الله تعالى بعضه بعضا.

وهذا القسم الأول منه يسر الله تمامه

أدلة تفاضل القراءات

بسم الله
إن كلامَ الإمامِ الطبريِّ هو عينُ الصوابِ، ولا أدري لماذا بترت كلامَهُ بينما أمعنت في نقل كلامِ ابن تيمية.

ابنُ تيمية طالب بذكر واحد من السلف قال بعدم المفاضلة، وأنت رأيت كلام الإمام الطبري أحد أكابر السلف، فغضضت الطرف عنه، وهو حجة عليك وعليه.

ولو رأيت كلام الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على كلام الإمام الطبري:
من شاء أن يرى كيف كان أبو جعفر رضي الله عنه يبصر معنى كل حرف، متحريا للحق والصواب حريصا على دلالة كل كلمة، فليقرأ أمثال هذا القول فيما مضى وفيما يستقبل.


والإمام الطبري لم ينفرد بهذا من السلف، بل هو عين الصواب والحق، وقد روى الإمام ابن أبي حاتم في تفسيره عن مجاهد: نثبت خطها "ونبدل حكمَها". فالخيرية في الحكم وهذا جليّ.

وشيخُ المفسرين الإمام الطبري رضي الله تعالى عنه وأرضاه روى في تفسيره عن ترجمان القرءان سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: (نأت بخير منها أو مثلها)، يقولُ: خير لكم في المنفعة وأرفق بكم. انتهى

فالموافقةُ عينُ الموافقة في كلام الإمام الطبري.
والله ربنا أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى