هل ترتضون ذلك المسلك في التفسير؟ (للنقاش)

محمد رشيد

New member
إنضم
04/04/2003
المشاركات
308
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
يسلك بعض المفسرين مسلكا لا أتسرع بالحكم عليه فأضيع فائدة البحث؛ وإنما أطرحه للنظر من قبل طلاب العلم، والمتأملين في كتابالله سبحانه. وأعرض أولا هذا المنهج من خلال استلالي لكلمات للشيخ المفسر عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني رحمه الله، حيث يقول في كتابه قواعد التدبر الأمثل دار القلم ط 2009 :

ولما كان من المقطوع به أنه لا يمكن أن تتعارض دلالة قرآنية صحيحة مع حقيقة ثابتة، كان من الواجب متى ثبتت حقيقة ما ثبوتا قطعيا فهم النص القرآني الذي تحدث عنها أو أشار إليها بما ينسجم معها. وبعد هذا فمن الخير أن تشطب الاحتمالات المخالفة التي أوردها المفسرون، هذا بشرط الوصول إلى الحقيقة النهائية علميا. أما ادعاء الوصول إلى الحقيقة النهائية دون برهان قطعي فإنه لا يلغي الاحتمالات المخالفة، بل يظهر الفهم النهائي للنص غير مجزوم به. ص 235

ويقول :

قال أهل التفسير : دحا الأرض بمعنى بسطها وأوسعها.
وقد بحثت في معاني هذه المادة في لغة العرب، فوجدت أن البسط والتوسيع من معاني الدحو، هو الذي أخذ به أهل التفسير، ويمكن حمله على ما يظهر من الأرض لأعين الرائين من الناس، إلا أنني وجدت أيضا من معاني الدحو ما هو أقرب إلى واقع حال الأرض الذي يقرره علماء الهيئة، وبهذا المعنى تظهر إحدى الروائع القرآنية. ص 322



وهو قبله قرر فقال :

ومن الأمور المهمة التي على المتدبر لكتاب الله مراعاتها، اعتماد دلالات الكلمات القرآنية في عصر نزول القرآن، لا وفق ما تطورت إليه الكلمة بعد ذلك في العصور الإسلامية، ولا وفق المصطلحات التي تمت بعد عصر التنزيل، كمصطلحات الفقهاء، وكم يقع بعض المتدبرين في الخطأ لأنه يغفل عن هذا الأمر الأساسي المهم. ص 319

وكما قاله قبل، فقد قاله بعد :

وأؤكد أنه ينبغي الحذر من أن يتأثر المتدبر لكلام الله بمعنى اصطلاحي متأخر عن عصر التنزيل، اصطلح عليه الفقهاء أو الأصوليون أو غيرهم من العلماء في مختلف العلوم الإسلامية، أو أن يتأثر بمعنى شاع في العرف العام بعد عصر التنزيل، فيفهم معنى الكلمة القرآنية على هذا الأساس.
إن من يتأثر بمثل هذا يخرج الكلمة القرآنية عن دلالتها الأصلية، وعن معناها المقصود عند التنزيل.
وينجم عن ذلك الانحراف في الفهم عن المعنى المراد. ص 323



فكيف تقولون في كلام الشيخ المفسر عبد الرحمن الميداني؟ هل ترون فيه تعارضا ؟

وهذا المسلك في التفسير قد استعمله الشهيد سيد قطب رحمه الله في ظلاله على سورة الزلزلة، فقال :

{ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } . .
ذرة . . كان المفسرون القدامى يقولون : إنها البعوضة . وكانوا يقولون : إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس . . فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة
. . .
فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الاسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة . أما الذرة فلا ترى أبداً حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي « رؤيا » في ضمير العلماء! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها !
فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ! . .



ألا ترون الصواب أن يقال : بل الذرة هي تلك الهباءة التي كانت معروفة للعربي الذي نزلت عليه الآية، حتى لو اصطلحنا نحن على معانا جديدة لتلك اللفظة؟
 
الأخ الكريم محمد رشيد،

1. طالما أن الألفاظ ظنية الدلالة فيمكن اعتبار الحقيقة العلمية مرجحاً لمعنى من المعاني التي يحتملها النص الكريم.
2. دحاها: لا تأتي بمعنى بسطها حتى يضاف إلى ذلك التسوية والتمهيد. فالمعنى أن الله تعالى جعل الأرض ممهدة ومسهلة للعيش. وقد تأتي بمعنى إزالتها عن موقعها. وعليه يمكن أن يكون المقصود: والأرض بعد ذلك أزالها من مكانها ومهدها لتصلح للعيش. وقد يرى البعض إن في ذلك إشارة إلى انفصال الأرض عن الشمس ثم جعلها صالحة للعيش.
أما القول إن دحاها تعني أنه سبحانه وتعالى جعلها كالدحية أي البيضة فغير مُسلَّم، لأن عش الطائر سمي بذلك لأن الطائر يمهده ثم هو يدفع البيض ويُقلِّبه.
3. أما القول:" اعتماد دلالات الكلمات القرآنية في عصر نزول القرآن" فعين الصواب.
4. الذرة: هي صغير النمل، أو هي الهباءة. والأصل في معنى ذرّ النشر في دقة وصِغر، ومن هنا سمي صغير النمل ذر لأنه ينتشر مع صغر، وكذلك الهباء. ولم يصرح القرآن الكريم بأن الذرة هي أصغر شيء في المادة، بل قال:"ولا أصغر من ذلك...". أما التعبير المعاصر في كلمة الذرة ــ والتي تتألف من بروتون ونيوترون وألكترون ــ فمجرد مصادفة في الترجمة.
 
أخي الكريم محمد رشيد:
لا تعارض في كلام العلامة الشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمه الله، فمن المعروف في الأصول أن المعاني لغوية واصطلاحية وعرفية،والاصطلاحية منها الشرعية وهي المعنية في الأصول، ومنها خاصة في كل علم فالطهارة الشرعية تختلف في الاصطلاح عن الطهارة الطبية، وفي التفسير فإن اللغة أصل في تفسير القرآن، وقد تتفق المعاني اللغوية مع الاصطلاحات الخاصة، وهذا لا يعني الانجرار نحو هذه الاصطلاحات، ولكن عندما يلوي المفسر عنق اللغة لتوافق فكرة في ذهنه ويلوكها بقلمه يمينا ويساراً ليطوع اللغة لهذا الاصطلاح فهذا ما يحذر منه الشيخ رحمه الله، وتطبيق هذا الكلام ستجده في كتابه هذا الذي نقلت منه كثيراً لو دققت ومنه هذا المثال الذي طرحه والله أعلم.
 
الفاضل محمد رشيد جزاكم الله خيرا على هذا الطرح فلعل لي ملاحظة في الموضوع

للشيخ المفسر عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني رحمه الله، حيث يقول في كتابه قواعد التدبر الأمثل دار القلم ط 2009 :
( ولما كان من المقطوع به أنه لا يمكن أن تتعارض دلالة قرآنية صحيحة مع حقيقة ثابتة، كان من الواجب متى ثبتت حقيقة ما ثبوتا قطعيا فهم النص القرآني الذي تحدث عنها أو أشار إليها بما ينسجم معها. وبعد هذا فمن الخير أن تشطب الاحتمالات المخالفة التي أوردها المفسرون، هذا بشرط الوصول إلى الحقيقة النهائية علميا. أما ادعاء الوصول إلى الحقيقة النهائية دون برهان قطعي فإنه لا يلغي الاحتمالات المخالفة، بل يظهر الفهم النهائي للنص غير مجزوم به.) ص 235

نقول : أين هي الحقيقة الثابتة والعلم كله نسبي . وإذا كان الأمر كذلك فكيف لنا أن نشطب الاحتمالات المخالفة التي أوردها المفسرون ، ونحن لا نتوفر على البرهان القطعي .

ويقول :
( قال أهل التفسير : دحا الأرض بمعنى بسطها وأوسعها.
وقد بحثت في معاني هذه المادة في لغة العرب، فوجدت أن البسط والتوسيع من معاني الدحو، هو الذي أخذ به أهل التفسير، ويمكن حمله على ما يظهر من الأرض لأعين الرائين من الناس، إلا أنني وجدت أيضا من معاني الدحو ما هو أقرب إلى واقع حال الأرض الذي يقرره علماء الهيئة، وبهذا المعنى تظهر إحدى الروائع القرآنية.) ص 322

ولنا مثال واضح على ما أشرنا إليه سابقا ، فإذا كان هذا هو رأي الأستاذ المفسر فكيف يرد على هذا الكلام :

يقول الأستاذ عبد الرحيم الشريف - موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة :
( ...وقال بعدها: " يقول تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها). وهى آية يتعمد كل (باحث إسلامي أن يوردها فى معرض التدليل على أن القرآن قد سبق زمانه بتحديد شكل الأرض شبه الكروي. فكلمة (دحاها) فى قاموس هؤلاء (الباحثين) تعنى جعلها كالدحية (وهى بيضة النعامة).
هذا التفسير، ليس له وجه فى اللغة . )
فكلمة دحاها تعنى فقط بسطها ومدها. وقد أطلق العرب اسم (الأدحية) على المكان الذى تبيض فيه النعامة، وليس بيضها. لأن هذا الطائر لا يبنى عشاً، بل (يدحو الأرض برجله، حتى يبسط التراب ويوسعه ثم يبيض فيه).

ويقول الدكتور زغلول النجار :
( ومنذ أيام ثار بركان في احدي جزر الفلبين فغمرت المياه المتكونة أثناء ثورته قرية مجاورة آهلة بالسكان بالكامل‏.‏
وقد يصاحب الثورات البركانية خروج عدد من الينابيع‏,‏ والنافورات الحارة وهي ثورات دورية للمياه والأبخرة شديدة الحرارة تندفع إلي خارج الأرض بفعل الطاقة الحرارية العالية المخزونة في أعماق القشرة الأرضية‏.‏
ويعتقد علماء الأرض أن وشاح كوكبنا كان في بدء خلقه منصهرا انصهارا كاملا أو جزئيا‏,‏ وكانت هذه الصهارة هي المصدر الرئيسي لبخار الماء وعدد من الغازات التي اندفعت من داخل الأرض‏,‏ وقد لعبت هذه الأبخرة والغازات التي تصاعدت عبر كل من فوهات البراكين وشقوق الأرض ـ ولا تزال تلعب ـ دورا مهما في تكوين وإثراء كل من الغلافين المائي والغازي للأرض وهو المقصود بالدحو‏. )

إذن فكيف نشطب الاحتمالات المخالفة التي أوردها المفسرون، شريطة التوصل إلى الحقيقة النهائية علميا ، والعلم البشري نسبي ، والعلم النهائي عند الله .

يقول المفسر : عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني رحمه الله :
( وأؤكد أنه ينبغي الحذر من أن يتأثر المتدبر لكلام الله بمعنى اصطلاحي متأخر عن عصر التنزيل، اصطلح عليه الفقهاء أو الأصوليون أو غيرهم من العلماء في مختلف العلوم الإسلامية، أو أن يتأثر بمعنى شاع في العرف العام بعد عصر التنزيل، فيفهم معنى الكلمة القرآنية على هذا الأساس.
إن من يتأثر بمثل هذا يخرج الكلمة القرآنية عن دلالتها الأصلية، وعن معناها المقصود عند التنزيل.
وينجم عن ذلك الانحراف في الفهم عن المعنى المراد ). ص 323

هذا كلام جميل ، لكن علينا أن نحذر مما تتضمنه كلمة - المتدبر لكلام الله –
لأن المتدبر لكلام الله لا بد له أن يمر من التفاسير السابقة ، وهو ما نسميه بالتفسير بالمأثور : تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة وتفسير القرآن بأقوال الصحابة ثم تفسيره بأقوال التابعين .
وفي اعتقادي يكون التفسير بالمأثور هو الأساس لكل التفاسير مهما تكن منهجيتها حتى نقارب المعنى القرآني ما أمكن إلى ذلك سبيلا . فإن كان هناك خلاف في المعنى فنتصرف كما تصرف المفسرون السابقون ، يقول ابن جزي في مقدمته :
( الثالث : اختلاف المعنى ، فهذا هو الذي عددناه خلافا ، ورجحنا فيه بين أقوال الناس ) . وبالتالي فعند ظهور معنى جديد نثبته بعد سرد المعاني السالفة لأئمتنا ، مع الإشارة إلى الأدلة الجديدة التي ظهرت حديثا بدون أي تشطيب للمعاني السابقة حتى يتبين التطور الحاصل في التفسير وذلك حسب تطور الآليات الجديدة في البحث العلمي .

وبهذه المناسبة ومن هذا المنبر أتقدم بتحية إكبار وإجلال لكل الذين يساهمون في هذه المرحلة التأصيلية للتفسير وعلوم القرآن في العالم الإسلامي ، وأخص بالذكر على سبيل المثال لا الحصر ، الدكاترة الباحثين والرواد منهم : عبد الرحمن الشهري ، مساعد حمد الطيار ، احمد بزوي الضاوي ، خالد السبت ، حسين الحربي وغيرهم كثير ...الذين يسهرون على أن يكون لهذا العلم مكانته اللائقة به حتى نكون ألصق بكتاب ربنا ونأخذ المشعل من جديد في عالم بعيد عن كلام الله ، مما جعله لا يزيد إلا خسارا وتدهورا فضلا عن حال المسلمين الذين نرجو أن يرد الله بهم إلى الطريق القويم ، طريق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .
إن الصحوة الحقيقية تبدأ بفهم كتاب الله والعمل به ، ولا يكون ذلك إلا بالمنهجية العلمية الصحيحة التي علينا أن نحرص عليها بكل الوسائل الممكنة .

والله أعلم
 
[align=center]لماذا لا يكون قول الله تعالى:

(أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( 31 )

هو عينه تفسير قوله تعالى:

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ( 30 ) ؟[/align]
 
ولماذا لا يكون ذلك المترجم الذي ترجم اسم ذلك الجُسَيْم المتناهي الصغر عالماً حاذقاً فتح الله عليه في ساعة صفاء؟ .
 
[align=center]لماذا لا يكون قول الله تعالى:

(أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( 31 )

هو عينه تفسير قوله تعالى:

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ( 30 ) ؟[/align]


[align=center]وجهة نظر جديرة بالتأمل ، وأرى أن السياق يوحى بذلك بالفعل

فتح الله عليك أخى حجازى الهوى

عفوا ، بل أخى أبو سعد الغامدى

ومعذرة ، فلا يزال الاسم القديم عالقا بذهنى !!

وسعداء بالتعرف عليك أخانا الحبيب[/align]
 
ولماذا لا يكون ذلك المترجم الذي ترجم اسم ذلك الجُسَيْم المتناهي الصغر عالماً حاذقاً فتح الله عليه في ساعة صفاء؟ .

هذا هو ما أراه أنا أيضا

وقد سبق وأن عبرت عن ذلك بالتفصيل فى موضوع : (( قول متوازن فى مسألة الاعجاز العلمى )) الذى كتبه الأخ البيراوى منذ بضعة أشهر ، وقد شاركت فيه بأكثر من مشاركة أبنت فيها عن رأيى فى لفظ ( ذرة ) وهذا هو رابط احداها :

http://tafsir.org/vb/showpost.php?p=87988&postcount=8
 
قال الشيخ المفسر عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني رحمه الله

وجدت من معاني الدحو ما هو أقرب إلى واقع حال الأرض الذي يقرره علماء الهيئة، وبهذا المعنى تظهر إحدى الروائع القرآنية

تُرى ماذا قصد الميداني من هذا الكلام ؟ ما هو المعنى الذي وجده لمفردة (الدحو) ويقرب من واقع حال الأرض الذي يقرره علماء الهيئة ؟
يبدو لي كلاما ضبابيا .
ولا نجد لمفردة (دحا) وكذلك (طحا) إلا المعنى القريب من (البسط) و (التسوية).
 
عودة
أعلى