هل تتسبب الحروب الحالية في علامة الدُخان المُبين؟ (مُجرد إجتهاد قد يصيب أو يخطيء)

إنضم
08/02/2024
المشاركات
79
مستوى التفاعل
7
النقاط
8
العمر
52
الإقامة
مصر، المنصورة
هل تتسبب الحروب الحالية في علامة الدُخان المُبين؟
(مُجرد إجتهاد قد يصيب أو يخطيء)


يُعدّ "الدخان المبين" من علامات القيامة التي ورد ذكرها في القرآن، والأحاديث النبوية، وقد أُثار السلف حوله تساؤلات عديدة حول طبيعته، وزمان وقوعه، خوفاً من عذابه، ولكن نحن الخلف أصبحنا لا نفكر فيه، وكأننا بمأمن أن يغشانا بعذابه الأليم، نعوذ بالله أن نكون من الغافلين.

قال الله في سورة الدخان ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ. فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ. رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ. أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ. إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾.

بعض الأحاديث أشارت لمشاهدة الدُخان في زمن النبي، عندما دعا على قومه أن يصيبهم سبع كسبع يوسف، فكان أحدهم من شدة الجوع يرى كأن هناك دخان بين الأرض والسماء، ولا شك أن من تخيل وجود دخان في السماء لشدة الجوع، فلن يعاني من العذاب الأليم بسبب هذا الدخان الموهوم، ولذا يرى كثير من أهل العلم أن هذه الآيات تتحدث عن الدخان الذي عده رسول الله من العلامات العشر قبل يوم القيامة، والذي قال فيه للصحابة (ما تذاكرون ؟ قالوا نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر.. الدخان والدجال ......الحديث)، فكان أول ما ذكر الراوي الدخان، فلعله أقرب العلامات العشر لزماننا. وعليه فالسنة أشارت لدخانين أحدهما مضى في زمن النبوة، والآخر سيأتي مع أحداث القيامة، قال القرطبي في تفسره (قال مجاهد : كان ابن مسعود يقول: هما دخانان قد مضى أحدهما ، والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض، ولا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة ، وأما الكافر فتثقب مسامعه)، والذي بين السماء والأرض هو هواء الغلاف الجوي، فهذا الدخان يملأ الغلاف الجوي للأرض، وإن كنت أستغرب ضعف أثره على المؤمن لأن الآية صريحة في أن الدخان يغشى الناس بالعذاب، دون تفريق بين مؤمن وكافر.

وأول ما يتبادر للذهن عند سماع كلمة (الدخان)، أن مصدره أرضي، كأحد نواتج الإحتراق، والإنفجار، أو ما شابه، وقد أشار لذلك بعض المفسرين كابن عاشور الذي يقول عن الدخان (قد يكون غبارًا متصاعدًا من شدة الجفاف أو الحرب). وطالما كان مصدر هذا الدخان أرضي فإنه بحسب القواعد الفيزيائية، فإنه لخفته عن الهواء يصعد لطبقات الغلاف الجوي (السماء)، ويبدأ في الإنتشار ليراه الناس ويتأثروا به، ولعل في قول الله ﴿تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾، دلالة على أن هذا الدخان ستأتي به السماء من مكان بعيد، فهذه العبارة قد تُوحي بأن الدخان ينقله الغلاف الجوي، وفي لفظة (يغشى) دلالة على ذلك لأن من معانيها المجيء والقدوم، بالإضافة إلى معنى التغطية والإحاطة. ولعل في ذلك إشارة إلى إنتقال الدخان عبر الغلاف الجوي ليغشى مناطق واسعة بعد نشأته في مكان ما، وهذا يشبه تكون السحاب من مصدر أرضي ثم تصريفه داخل الغلاف الجوي لأماكن أخرى غير مكان تكونه.

وفي خطاب الله لنبيه (ارتقب)، بعد بيان حال قومه (بل هم في شك يلعبون)، دلالة على أن مكان الترقب هو المكان الذي عاش فيه النبي، وأن السماء تأتي بهذا الدخان من خارج الجزيرة العربية والله أعلم، والأمر (ارتقب)، للنبي ولكل أتباعه، فليس كل خطاب للرسول يكون مقصوراً عليه، فهناك خطاب للرسول ويشمل أمته مثل (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ). ومما يؤكد أن هذا الدخان يحدث في غير زمن النبوة، أن الله قال (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ)، والدخان فيه عذاب أليم، وللأسف ذهب الأمان الأول بوفاة رسول الله، ولم يتبق إلا الأمان الثاني (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)، وحال جزيرة العرب، وحالنا كما نرى الآن، أصبحنا في شك لاعبين كما كانت قريش في زمن النبوة، نسأل الله السلامة.

■ خصائص الدخان المبين المرتقب

وفقًا للتحليل السابق، يجب أن تتوافر في الدخان المبين (بصفته علامة كبرى للساعة) الخصائص التالية:

١. دخان حقيقي مادي، وليس مجرد رؤية أو تأثير رمزي.
٢. ينشأ من حدث أرضي في مكان خارج الجزيرة العربية، ثم يرتفع في الهواء وينتشر لمسافات كبيرة تؤثر على الناس بما فيهم أهل الجزيرة العربية.
٣. مصدر مباشر لعذاب أليم، فهو ذاته يُسبب ضررًا جسديًا وبيئيًا ومعاناة شديدة.
٤. يكون بمثابة إنذار للناس ليعودوا لله (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون)، فيكشف الله بعضه وليس كله (إنا كاشفو العذاب قليلا)، وللأسف يرجع الناس كما كانوا، فهذا الدخان الذي يصل اثره لجزيرة العرب سيكون إنذار لحدث أعظم، وهو ما يُعرف بـ"البطشة الكبرى" أو قيام الساعة.

هذا التصور السابق إن صح، يجعلنا نتساءل عن ماهية، ومكان وسبب، وزمان هذا الحدث الأرضي الضخم الذي ينشأ عنه مثل هذا الدخان المبين، الذي يغشى الناس بالعذاب الأليم، مع ملاحظة أن هذا الدخان سيأتي لجزير العرب من خارجها، وليس منها، فربما يكون منشأه كارثة أرضية كبيرة، مثل حريق ضخم جدا، أو إنفجار بركاني، أو إنفجار نووي شديد في أحد الحروب، وربما كما يرى البعض أنه من مصدر علوي من السماء الدنيا كشهاب ضخم، أو رياح شمسية عاتية. وإن كنت أستبعد النيازك (جسم سماوي)، والرياح الشمسية، فلا يُمكن أن يكون الدخان المبين نيزكًا أو شهابًا، فالنيزك جسم صلب يُحدث ارتطامًا أو يُشاهد في السماء ككتلة نارية، ولا يصاحبه دخان فيه عذاب أليم. وأما الرياح الشمسية فهي تدفق لجسيمات مشحونة تُؤثر على المجال المغناطيسي للأرض، ولا تُنتج "دخانًا" بالمعنى المادي أو المرئي الذي يغشى الناس ويُسبب عذابًا أليمًا مباشرًا.

لقد شهدت السماء عدة أمثلة سابقة لدخان فيه عذاب أليم، ولكن كانت في مناطق أخرى غير البلدان العربية، فمثلاً كان هناك الدخان النووي في اليابان (هيروشيما وناجازاكي، 1945)، ويعتبر أشد أنواع الدخان ذو العذاب الأليم الذي تعرضت له الأرض ولكن لم يصل لجزيرة العرب. وكان هناك الانفجارات البركانية الكبرى، مثل انفجار بركان كراكاتوا عام 1883 في إندونيسيا، والذي قذف كميات هائلة من الرماد والغازات إلى الغلاف الجوي، مما أثر على المناخ العالمي وتسبب في ظلام دامس لساعات في مناطق واسعة. ورغم أن تأثيره كان عالميًا على المناخ، إلا أن العذاب الأليم المباشر للدخان كان محليًا. وأيضاً كارثة تشيرنوبل (1986): تسرب إشعاعي هائل أدى إلى انتشار سحابة مشعة عبر أجزاء واسعة من أوروبا، مُسببًا أمراضًا خطيرة طويلة الأمد وتلوثًا بيئيًا واسع النطاق، وهو ما يُشكل عذابًا أليمًا عبر الدخان والإشعاع.

■ إقتراح لسيناريو محتمل

مما سبق ربما يكون الأقرب للعقل هو الانفجارات النووية، خاصةً الكبرى منها، فالانفجار النووي يتميز بالشدة والتفرد في تحقيق وصف "العذاب الأليم" مقارنة بالسيناريوهات الأخرى، نظرًا لطبيعته المدمرة والممتدة الأثر، وذلك لأنه ينتج دخان بكميات هائلة من الغبار والرماد المشع إلى الغلاف الجوي، وينتشر لمسافات بعيدة عن طريق الرياح فربما يغطي دول عديدة، ويحجب الرؤية، وفيه عذاب أليم من خلال اشعاعاته القاتلة التي تسبب الموت السريع لمن تعرض لها في منطقة الانفجار، والموت البطيء لمن كان بعيدا عنها، ولعل هذا الدخان يحجب ضوء الشمس، مما يُسبب انخفاضًا حادًا في درجات الحرارة، وأمطار نووية (شتاء نووي)، وانهيارًا بيئيًا وزراعيًا، وآثار إقتصادية سيئة، وهو ما يُضيف بُعدًا آخر للعذاب الأليم. وبالإضافة لذلك، هذا النوع من العذاب الأليم يقل تأثيره بالتدريج في الأماكن البعيدة عن مركز الإنفجار، ولعل هذا سبب قول الله (إنا كاشفو العذاب قليلا)، فيقل الأثر في جزيرة العرب وما حولها، بينما غالب الأثر قائم حول مكان الإنفجار، والأماكن القريبة منه، والله أعلم.

وفي ظل الأحداث المتسارعة، والتصعيد العسكري والسياسي الراهن بين حكومات العالم، وظهور تهديدات بضرب المنشآت النووية، فيُمكن أن يكون تفجير المفاعلات النووية في منطقة ما مثل إيران، باكستان، الهند، أو فلسطين، هو سبب الدخان المبين المرتقب. وقد تكون هناك سيناريوهات أخرى، ولكن يبقى دخان السيناريو النووي الأكثر عذاباً بناءً على المعرفة الحالية، ومع ذلك، لا أجزم بقطعية هذا الطرح، فالله وحده يعلم بحقيقة الدخان المبين، ويبقى إجتهادي مجرد رؤية قد تصيب أو تخطئ، وكل ما أردته هو تذكير المؤمنين بالبعد عن الغفلة، وترقب علامة الدخان المبين، كما ترقبها النبي والصحابة، نعوذ بالله أن نكون من الغافلين.

اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
 
عودة
أعلى