لابد من التذكير بامرين
الامر الاول: القول أن موسى عليه السلام ، دعا اهل مكة للتوحيد ووصلتهم رسالته ، والقول فيه نظر من عدة أوجه ...
١- فيه افتراض قائم على أن أهل مكة كانوا مشركين عند حج موسى عليه السلام لبيت الله الحرام ، وان عمر بن لحى سبق زمان، موسى عليه السلام وهذا أفتراض لادليل عليه .
٢- اجداد مشركي قريش (على أفتراض صحة القول) هم من جاءهم موسى عليه السلام ، فكيف يحاسب ويقال لمعاصري الرسول عليه الصلاة والسلام قد كفرتم بما أوتي موسى عليه السلام
٣- مخالفة هذا القول ،لإية واضحة ، فأهل مكة عند تركهم التوحيد وعبادتهم للاصنام لم ياتهم نذير (رسول) ، لقوله تعالى (
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (سورة القصص 46) فكيف نقول بعد ذلك أتاهم نذير ونخالف الاية.
٤- مخالفته للسياق القراني فمن قال بدعوة موسى عليه السلام لإهل مكة ، لزمه (أن سحران ) تخص موسى عليه السلام وهارون عليهما السلام ،ويجد نفسه في صدام مع الاية التى تليها، التي تكمل ماقبلها من مناسبة (حوار ونظما)، وقوله تعالى ( قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (سورة القصص 49) فالاية تخبر عن كتب ولاتخبر عن اشخاص.
الامر الثاني : القول بان قول تعالى ( أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ) (سورة القصص 48) ، هي في فرعون وملئه ،
وهذا لايصح أيضا ، لما في هذا القول من تفريق لمرجع الضمائر وإخلال بالنظم القراني .
___
القول بأن سحران هو قول قاله كفار قريش ويقصدوا به التوراة والقران ، وهو قول راجح عندي إن شاء الله تعالى ، يتفق فيه النظم ومرجع الضمائر ، ويتم ذلك بمدارسة مطلبين ...
___
المطلب الاول هو : لقوله تعالى { فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا } (سورة القصص 48) فلابد
إذن من معرفة السور التي نزلت قبل سورة القصص (سمعها كفار قريش ) ، وورد فيها ذكر موسى عليه السلام ومعجزاته ، وذكر فيها قصصه مع قومه (بني إسرائيل ) ، وما جاء في هذه السور من ذكر لصحف موسى عليه السلام (الالواح أو التوراة )وهي الاعراف ، طه ، الفرقان ، الشعراء ، النمل ، النجم ، الاعلى ، وأخص بالذكر هنا ثلاث سور ورد فيها صحف موسى عليه السلام
1- سورة طه وقوله تعالى ( وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ
أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) (سورة طه )
2 - سورة النجم وقوله تعالى ({ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) ) (سورة النجم )
3 - وسورة الاعلى وقوله تعالى (
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) } (سورة الأَعلى )
___
المطلب الثاني :يتم بمدارسة مرجع ظرف الزمان (قبل) وقوله تعالى {
مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ } (سورة القصص 48).
وقوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى
مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ) (سورة القصص )
قبل ظرف زمان مبهم سابق لزمان ما أضيف إليه
اولا : إلي ماذا إضيف الظرف ، الظرف (قبل ) إضيف لزمن كفرهم وقولهم ، (سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ)
ثانيا : وماهي الاحداث الزمانية التي سبقت الظرف (قبل )، سبق هذا الظرف
زمانان وهما ..
الاول : نزول القران وقوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا) مراجعة المطلب الاول وهو عن السور التي نزلت قبل سورة القصص وفيها ذكر موسى عليه السلام ومعجزاته وقصص بني اسرائيل ، وصحفه ( الالواح او التورا ة)
الزمن الثاني : يلي سماعهم لهذه السور وقولهم لولا أوتي( يقصدوا الرسول عليه الصلاة والسلام ) مثل ما أوتي موسى عليه السلام من معجزات ،
___
الخلاصة :
أصبح عندنا ثلاثة أزمنه وترتيبها كالتالي
1-نزول القران وسماعهم لخبر موسى عليه السلام.
2-كفرهم وقولهم سحران ما إضيف للظرف (قبل ).
3- والمتأخر هو قولهم مخبرا الله تعالى عنهم(لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى)
فزمان كفرهم وقولهم سحران،(ما إضيف للظرف قبل )، يسبق الزمان الثالث (في الخلاصة) وقولهم لولا اوتي مثل ما اوتي موسى عليه السلام ، ويلي الزمان الاول وهو نزول القران ، فهم كفروا فيما بينهم وقالوا لبعضهم البعض أن القران والتوراة سحران ، وكفرنا بهما ، وبعد ذلك طلبوا آيات كآيات موسى عليه السلام،
والدليل على ذلك أن قول كفار قريش( سحران ) يرتكز على معرفة مسبقة بمعجزات موسى عليه السلام وصحفه ومن بعد نزول القران عليهم ومعرفتهم بما جاء فيه،
فكانوا كمن يستدل بالقران على بطلان القران والعياذ بالله .
والله أعلم بالصواب
وكل عام وانتم بخير وتقبل الله طاعتكم جميعا