هل القرءان الكريم معصوم؟؟ محاورة مع نصراني

ورابعهم
هو حفص بن سليمان الأسدي[نسبه تلميذه الحسن بن أعين الحراني].
انظر سنن الدارقطني (3: 301/ برقم 206)، والسنن الكبير (2: 243/ برقم 3130).] أبو عمر البزاز الكوفي القارئ [كناه تلميذه محمد بن الحسن الأسدي. انظر الأوسط للطبراني (2: 163/ برقم 1583).والبزاز: نسبة لبيعه البز. ذكر هذا ياقوت في معجم الأدباء (3: 225/ برقم 367). [جمع له بين الاسم والكنية وهذه النسبة تلميذه يسرة بن صفوان. انظر فوائد تمام (1: 40/ برقم 78).] .
ويقال له الغاضري[ نسبه تلميذه محمد بن بكار بن الريان. انظر الصغير للطبراني (1: 170/ برقم 267). والموضح للخطيب (2/18).].

ويعرف بحفيص، وهو حفص بن أبي داود[ سماه بهذا أبو الربيع الزهراني. انظر السنن الكبير (7: 136/ برقم 13560).
وقال البخاري في التاريخ الكبير (2/363)، والأوسط (2/184) وللفظ منه: ((حفص بن سليمان أبو عمر الأسدي كوفي، وهو حفص بن أبي داود، أراه هو القارئ)).
صاحب عاصم بن أبي النجود في القراءة، وابن امرأته وكان معه في دار واحدة[ نص عليه الخطيب في تاريخه (8/186).].

وقيل في نسبه: حفص بن سليمان بن المغيرة[ ذكره الخطيب في تاريخه (8/186) ، وفي موضح أوهام الجمع والتفريق (2/18)، وتبعه من بعده.. وكان مصدره في ذلك الدارقطني في الضعفاء والمتروكين برقم (170) حيث قال فيه: حفص بن سليمان بن المغيرة، هو القارئ، وهو حفص بن أبي داود، سليمان كنيته أبو داود، وقال في (الغرائب والأفراد) كما في أطرافه (3: 421/ برقم 3127) إذ قال: ((حفص بن أبي داود، وهو حفص بن سليمان بن المغيرة أبو عمر المقرئ، صاحب عاصم في القراء)).

روى عن: أبان بن أبي عياش[المحلى (8:372) ويرى ابن حزم أنه أبان بن يزيد الرقاشي.] ، إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وأيوب السختياني[الكامل (2/382).] ، وثابت البناني[الكامل (2/382).] ، ثور بن عبد الله الهمداني[تاريخ دمشق (44/ 365).] ، وحماد بن أبي سليمان، وحميد الخصاف، وخالد بن سلمة[تاريخ دمشق (46/12). انظر معجم الصحابة لابن قانع (2/213).] ، وزيد بن أسلم[الغرائب والأفراد للدارقطني (أطرافه) (3: 207/ برقم 2436).] ، وسالم الأفطس، وسماك بن حرب[الأوسط للطبراني (5: 220/ برقم 5138).] ، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله[المستدرك (1: 680/ برقم 1848).] ، وعاصم بن أبي النجود[الأوسط للطبراني (1: 10/ برقم 19).] ، وعاصم الأحول، وعامر بن كليب[جامع البيان للطبري (6/127).] ، وعبد الله بن يزيد النخعي[ الثقات (7/11).] ، وعبد العزيز بن رفيع[الأوسط للطبراني (4: 64/ برقم 3618).] ، عبد الملك عمير[الكبير للطبراني (10: 176/ برقم 10371).] ، وأبي حَصين عثمان بن عاصم[ فوائد تمام (1: 40/ برقم 78).] ، وعلقمة بن مرثد[ مسند الشهاب (1: 306/ برقم 511).] ، وعمر بن ذر[الإصابة (8/302).] ، وعمرو بن مرة الكوفي الأعمى[ المعجم الكبير للطبراني (10: 144/ برقم 10260).] ، وغيلان (هو ابن جامع)[ طرق من كذب علي متعمدًا للطبراني برقم (63).] ، وقيس بن مسلم[الأوسط للطبراني (4: 64/ برقم 3617).] ، وكثير بن زاذان (ت[الجامع للترمذي (5: 171/ برقم 2905).] ق)، وكثير بن شنظير [ السنن لابن ماجه (1: 81/ برقم 224).] ، والكميت بن زيد الأسدي[سنن الدارقطني (3: 301/ برقم 206).] ، وليث بن أبي سليم[الأوسط للطبراني (3: 351/ برقم 3376).] ، ومحارب بن دثار[الأوسط للطبراني (1: 195/ برقم 621).] ، ومحمد بن جحادة[المطالب العالية (4: 255/ برقم 543).] ، ومحمد بن سوقة[جامع البيان للطبري (2: 633).] ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى[المعجم الكبير للطبراني (11: 148/ برقم 11320).] ، ومنصور بن حيان[الأوسط للطبراني (3: 222/ برقم 2979).] ، وموسى بن أبي كثير يعرف بموسى الكبير[الكامل (2/382).] ، وموسى الصغير[تهذيب الكمال (29/152).] ، والهيثم بن حبيب الصراف[الكامل (2/281).] ، وهلال بن عقاب[الثقات (7/576). وهو التالي اختلفوا في اسمه.] ، والهيثم بن عقاب[الأوسط للطبراني (5: 28/ برقم 4582).] ، ويزيد بن أبي زياد، ويزيد بن عبد الرحمن[الكبير للطبراني (8: 261/ برقم 8014).] ، وأبي إسحاق السبيعي[تاريخ بغداد (13/153).] ، وأبي إسحاق الشيباني[معجم الصيداوي (ص228).] ، وأبي رجاء الشامي[تاريخ دمشق (22/416)، (57/81).] ، شيخ من أهل المدينة[المطالب العالية (9: 394/ برقم 2006).].

وروى عنه:أحمد بن عبدة الضبي، وأحمد بن الفرج الجشمي المقرئ[ الإكمال لابن ماكولا (3/10).] ، وآدم بن أبي إياس[تاريخ دمشق (6/39).] ، وأبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الترجماني[الأوسط للطبراني (5: 220/ برقم 5138).] ، إسماعيل بن عمرو البجلي[الواهيات لابن الجوزي (1: 68/ برقم 64).] ، وبكر بن بكار[الكامل (2/382).] ، وجعفر بن حميد الكوفي[تهذيب الكمال (5/20).] ، وحامد بن آدم المروزي[الأوسط للطبراني (8: 37/ برقم 7888).] ، والحسن بن سعيد بن عثمان الخراز الكوفي[تاريخ دمشق (44/365).] ، والحسن بن محمد بن أعين[سنن الدارقطني (3: 201/ برقم 206).] ، وأبو عمر حفص بن عبد الله الحلواني الضرير[الكامل (2/382).] ، وحفص بن غياث، وداود بن مهران[تاريخ دمشق (22/416).] ، وسعد بن محمد بن الحسن بن عطية[تاريخ دمشق (23/282).] (والد محمد بن سعد العوفي)، وسليمان بن داود أبو الربيع الزهراني[لمحلى (9/201).] ، وسليمان بن داود الشاذكوني[علل الدارقطني (3/202).] ، وسليمان بن النعمان الشيباني[الأوسط للطبراني (1: 195/ برقم 621).] ، وسهل بن حماد[الكبير للطبراني (10: 15/ برقم 9792).] ، وصالح بن مالك الأزدي الخوارزمي[الدعاء للطبراني برقم (1122).] ، وصالح بن محمد الترمذي[الغرائب والأفراد للدارقطني (4: 339/ برقم 4421).] ، وأبو شعيب صالح بن محمد القواس، (وهو ممن روى عنه القراءة)، والصباح بن سهل المدائني[تاريخ دمشق (46/12). انظر معجم الصحابة لابن قانع (2/213)] ، وعبد الله بن السري الأنطاكي[تهذيب الكمال (15/14).] ، وعبد الرحمن بن حماد الطلحي[المستدرك (1: 680/ برقم 1848).] ، وعبد الرزاق (هو ابن همام الصنعاني)[ السنن الكبير للبيهقي (5: 246/ برقم 10054).] ، وأبو الوليد عبد السلام بن سهل البصري الدمشقي[تاريخ جرجان (1/316).] ، وعبد الصمد (هو ابن النعمان البزاز)[ تاريخ دمشق (30/177).] ، وعبد الغفار بن الحكم[معجم الشيوخ الصيداوي (ص228).] ، وعبد الملك بن مسلمة[ فتوح مصر (ص122).] ، وعبيد الله بن موسى[أمالي المحاملي برقم (225). ، وعبيد بن الصباح بن أبي سريج النهشلي الخزاز، وعثمان بن حصن القرشي[تاريخ دمشق (38/324).] ، وعثمان بن سعيد الزيات[سنن الدارقطني (1/107).] ، وعثمان بن عبد الرحمن[تاريخ دمشق (11/92).] ، وعثمان بن اليمان الحُّدَّاني[تهذيب الكمال (19/510).] ، وأبو منصور عصام بن الوضاح البصري، وعلي بن حجر المروزي (ت)[ الجامع للترمذي (5: 171/ برقم 2905).] ، وعلي بن عياش الحمصي[الأوسط للطبراني (1: 7/ برقم 9).] ، وأبي الحسن علي بن يزيد الصدائي الأكفاني[الأوسط للطبراني (5: 28/ برقم 4582).] ، وعمرو بن حماد بن طلحة القناد[الكبير للطبراني (10: 176/ برقم 10371).] ، وعمرو بن الصباح بن صبيح الكوفي المقرئ[ تاريخ بغداد (7/430).] ، وعمرو بن عثمان الرقي[تهذيب الكمال (22/147).] ، وعمرو بن عون الواسطي[ الأوسط للطبراني (4: 64/ برقم 3617).] ، وعمرو بن محمد الناقد، وعيسى بن شعيب[الكبير للطبراني (8: 261/ برقم 8015).] ، والفضل بن يحيى الأنباري
[ تاريخ بغداد (12/ 362).] ، ومحمد بن بكار بن الريان[ الأوسط للطبراني (3: 222/ برقم 2979).] ، ومحمد بن حرب الخولاني [ السنن لابن ماجه (1: 78/ برقم 216).] ، ومحمد بن حماد[الغرائب والأفراد للدارقطني (أطرافه) (4: 86/ برقم 3675).] ، ومحمد بن الحسن بن التل الأسدي[الأوسط للطبراني (2: 163/ برقم 1583).] ، ومحمد بن سليمان لوين
[ إصلاح المال لابن أبي الدنيا (ص86/ برقم 281).] ، ومحمد بن عبد الرحيم بن شروس[المحلى (8: 372).] ، ومسدد (هو ابن مسرهد)[ المطالب العالية (4: 255/ برقم 543).] ، ومروان بن موسى البغدادي[ تاريخ بغداد (13/153).]، ونصر بن منصور الثقفي[تاريخ بغداد (13/286).] ، والنضر بن طاهر[تاريخ دمشق (7/431).] ، والنضر بن عبد الله الأزدي[ تهذيب الكمال (29/389).] ، وهانئ بن يحيى[الضعفاء للعقيلي (2/8).] ، وأبو عمر هبيرة بن محمد التمار المقرئ، وهشام بن عمار الدمشقي (ق)[ السنن لابن ماجه (1: 81/ برقم 224).] ، ويحيى بن سعيد العطار الحمصي[جامع البيان للطبري (2/633).] ، ويحيى بن يحيى النيسابوري[ شرح معاني الآثار (1/ 145).] ، ويزيد بن هارون[ الغرائب والأفراد للدارقطني (3: 359/ برقم (2905).] ، ويسرة بن صفوان اللخمي الدمشقي[تهذيب الكمال (32/300).] ، أبو بكر بن أبي شيبة[ المصنف (4: 329/ برقم 20707).] ، والعمري[مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا برقم (66).].
هذا مجمل ما وقفت عليه من شيوخ وتلاميذ حفص بن سليمان القارئ.. وبهذا تبين أنه أوسع المتفقين معه شيوخًا وأكثرهم تلاميذ.
وبعد الانتهاء من تراجم هؤلاء الرواة يتبين أن بينهما من الاتفاق ما لا يؤدي إلى الخلط إلا في النادر ،وإنما السبب الرئيس في الاختلاط بين حفص المقرئ الكوفي، وحفص المنقري البصري هو التشابه في النسبة ليس إلا؛ لأن حفص المنقري في عداد طبقة شيوخ حفص القارئ فلا يمكن أن يختلط به في الرواية عند أهل المعرفة، وإنما الاختلاط نشأ من التصحيف.. وليس من الاتفاق في الشيوخ أو في التلاميذ.

وأما حفص بن سليمان الأزدي، وحفص بن سليمان الراوي عن معاوية بن قرة فهما في عداد المجاهيل عند أهل الفن .. ومعنى الجهالة أنهما غير معروفين لا عينًا ولا حالاً، وبالتالي لأثر لهما في الحديث الشريف لأنه قد لا يكون لكل واحدٍ منهم من الحديث ما يذكر من أجله ويعرف.
ومن أبرز آثار الاشتباه أنه قد يشابه في بعض إطلاقاته رواة آخرين إما ضعفاء أو ثقات، فيضعف حديث الراوي أو يصحح بناءً على درجة ذاك الشبيه.
 
المراجع المستشهد بها في هذا القسم:

1ـ (سنن الدارقطني) / للحافظ الكبير علي بن عمر الدارقطني (385 ھ) / [ ومعه التعليق المغني على الدارقطني) / للعلاَّمة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ] / تـ . السيد عبد اللَّه هاشم يماني / دار المعرفة ـ بيروت.

2ـ (السنن الكبير) (السنن الكبرى) / للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (458 ھ) / تـ . جماعة بإشراف : دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / (مصورة) ـ دار المعرفة ـ بيروت.
3ـ (معجم الأدباء) / للإمام شهاب الدين أبي عبد اللَّه ياقوت الحموي (626 ھ)/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط ـ 1 (1411 ھ).

4ـ (الفوائد) / للحافظ أبي القاسم تمام بن محمد الرازي (414 ھ) / تـ . حمدي عبد المجيد السلفي / م . الرشد ـ الرياض / ط ـ 1 (1412 ھ ـ 1992م).

5ـ (موضح أوهام الجمع والتفريق) / لأبي بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي (463 ھ) / دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1378 ھ ـ 1959) / مصورة ـ دار الفكر ـ بيروت.

6ـ (التاريخ الأوسط) / للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري (256 ھ) / تـ . محمد بن إبراهيم اللحيدان/ دار الصميعي ـ الرياض/ ط ـ 1 (1418 ھ ـ 1998م).

7ـ (موضح أوهام الجمع والتفريق) / لأبي بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي (463 ھ) / دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1378 ھ ـ 1959) / مصورة ـ دار الفكر ـ بيروت.

8 ـ (الضعفاء والمتروكين) / للإمام جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (597 ھ) / تـ . أبي الفداء عبد اللَّه القاضي / دار الكتب العلمية ـ بيروت / ط ـ 1 (1406 ھ 1986م).

9ـ (المحلى بالآثار في شرح المجلى) لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي (456 ھ)/ لجنة إحياء التراث العربي/ دار الآفاق الجديدة/ بيروت.

10ـ (الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الحديث) / للحافظ أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجانيِّ (365 ھ) / تـ . سهيل زكَّار ـ يحيى مختار غزَّاوي / دار الفكر ـ بروت / ط ـ 2 (1405 ھ ـ 1985م).

11ـ (الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الحديث) / للحافظ أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجانيِّ (365 ھ) / تـ . سهيل زكَّار ـ يحيى مختار غزَّاوي / دار الفكر ـ بروت / ط ـ 2 (1405 ھ ـ 1985م).

12ـ (تاريخ دمشق) لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (571 ھ)/ تـ.محب الدين أبي سعيد عر بن غرامة العمروي/ دار الفكر ـ بيروت (1995م).

13ـ (معجم الصحابة) / لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع (351 ھ) / تـ . أبي عبد الرحمن صلاح بن سالم المصراتي / م . الغرباء الأثرية ـ المدينة النبوية / 1418 ھ ـ 1997م).

14ـ (أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للدارقطني) للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر بن القيسراني المقدسي (507 ھ)/ تـ. محمود حسن نصار/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط ـ 1.

15ـ (المعجم الصغير) (الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني) / أبي القاسم سليمان بن أحمد (360 ھ) / تـخريج . محمد شكور محمود الحاج أمرير / المكتب الإسلامي ـ بيروت / دار عمار ـ عمان / ط ـ 1 (1405 ھ ـ 1985م).


16ـ (الثقات) / للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 ھ) / تـ . محمد عبد الرشيد كامل (وغيره)/ دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1403 ھ ـ 1983م).

17ـ (المعجم الكبير) / للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 ھ) / تـ . حمدي عبد المجيد السلفي / ط ـ 2 / الناشر بدون.

18ـ (مسند الشهاب) / للقاضي أبي عبد اللَّه محمد بن سلامة القضاعي (454 ھ) / تـ . حمدي عبد المجيد السلفي / مؤسسة الرسالة ـ بيروت / ط ـ 2 (1407 ھ ـ 1986م).

19ـ (سنن الترمذي) وهي (الجامع المُختصر من السنن عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل) / للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (279 ھ) / تـ . أحمد محمد شاكر ـ وغيره / م . التجارية ـ مكة المكرمة.

20ـ (الإصابة في تمييز أسماء الصحابة) / للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 ھ)/ تـ. علي محمد البجاوي/ دار الجيل ـ بيروت/ ط ـ 1 (1412 ھ 1992م).

21ـ (سنن ابن ماجه) / للحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني (275 ھ) / تـ . محمد فؤاد عبد الباقي / دار الحديث ـ القاهرة / م . التجارية ـ مكة المكرمة.

22ـ (سنن الدارقطني) / للحافظ الكبير علي بن عمر الدارقطني (385 ھ) / [ ومعه التعليق المغني على الدارقطني) / للعلاَّمة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ] / تـ . السيد عبد اللَّه هاشم يماني / دار المعرفة ـ بيروت.

23ـ (تهذيب الكمال في أسماء الرجال)/ للحافظ المتقن جمال الدين أبي الحجَّاج يوسف المزي (742 ھ) /تـ . د . بشار عواد / مؤسسة الرسالة ـ بيروت / ط ـ 4 (1406 ھ ـ 1985م).

24ـ (تاريخ بغداد أو مدينة السلام) / للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463 ھ) / دار الكتاب العربي ـ بيروت.

25ـ (معجم الشيوخ) / لأبي الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي (402 ھ) / تـ . د . عمر عبد السلام تدمري / مؤسسة الرسالة ـ بيروت / دار الإيمان ـ طرابلس ـ لبنان / ط ـ 2 / 1407 ھ ـ 1987م).

26ـ (العلل الواردة في الأحاديث النبوية) / للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385 ھ) / تـ . د . محفوظ الرحمن زين اللَّه السلفي / دار طيبة ـ الرياض / ط ـ 1 (1405هـ ـ 1985م ـ إلى ـ 1416 ھ ـ 1996م).

27ـ (السنن الكبير) (السنن الكبرى) / للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (458 ھ) / تـ . جماعة بإشراف : دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / (مصورة) ـ دار المعرفة ـ بيروت.

28ـ (تاريخ جرجان) / لأبي القاسم حمزة بن يوسف السهمي (427 ھ) / تـ . الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني (1383 ھ) / دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / عالم الكتب ـ بيروت / ط ـ 3 (1401 ھ ـ 1981م).

29ـ (إصلاح المال) / للحافظ أبي بكر عبد اللَّه بن محمد القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (281 ھ) / تـ . محمد عبد القادر عطا / مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت / ط ـ 1 (1414 ھ 1993م).

30ـ (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) / للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (310 ھ) / دار الفكر ت بيروت / (1408 ھ ـ 1988م).

31ـ (شرح معاني الآثار) / لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي (321 ھ) / تـ . محمد زهري النجَّار / دار الكتب العلمية ـ بيروت / ط ـ 2 (1407 ھ ـ 1987م).
 

الخلاصة

وفاة حفص بن سليمان المقرئ الكوفي وتحديد مولده ومبلغ عمره.
وقد وقع خلط بين هؤلاء الرواة للحديث، لاسيمابين حفص المنقري البصري ، وحفص الأسدي الكوفي ،على نحو ما ذكرنا من نسبة قول شعبة في حفص البصري ، وحمله على حفص الكوفي . ووقع مثل هذا الخلط بينهما في تاريخ وفاتهما ، على نحو ما فعل ابن النديم حين ذكر حفص بن سليمان القارئ ، وقال :" مات حفص قبل الطاعون ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة ". وقد نبَّه ابن الجزري إلى ذلك فقال في وفاة حفص القارئ:" تُوُفِّيَ سنة ثمانين ومائة على الصحيح ، وقيل بين الثمانين والتسعين ، فأما ما ذكره أبو طاهر بن أبي هاشم [ عبد الواحد بن عمر ت 349ھ ] وغيره من أنه توفي قبل الطاعون بقليل ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة ، فذاك حفص المنقري بصري ، من أقران أيوب السختياني ، قديم الوفاة ، فكأنه تصحف عليهم ، والله أعلم.


بقي أن نبين أنه ولد في حياة الصحابة، فقد أرخ خلف بن هشام مولده في سنة تسعين، وذلك في آخر عصر الصحابة[معرفة القراء الكبار (1/287).]. فيكون له من العمر تسعين عامًا (رحمه الله تعالى)[ تهذيب الكمال (7/15)، معرفة القراء الكبار (1/289).].. ولكن لم يبلغنا أنه لقي أحدًا من الصحابة، لأنه يصغر عن ذلك.



والخلاصة التي يمكن ننتهي إليها من العرض السابق ونختم بها هي القول : إن حفص بن سليمان الأسدي كان إماماً في القراءة ، ضابطاً لها ، أفنى عمره في تعليمها ، بدءاً ببلدته الكوفة التي نشأ فيها ، ومروراً ببغداد التي صارت عاصمة الخلافة ، وانتهاء بمكة المكرمة مجاوراً بيت الله الحرام فيها ، وهو في أثناء ذلك أبدى اهتماماً برواية الحديث النبوي الشريف ، لكنه لم يتفرغ له تفرغه للقراءة ، ومن غير أن يتخصص فيه ، لكن ذلك لا يقلل من شأنه أو يكون سبباً للطعن في عدالته، بعد أن اتضح أن تضعيفه في الحديث كان نتيجة البناء على وَهْمٍ وقع فيه بعض العلماء المتقدمين ، ويكفيه فخراً أن القرآن الكريم يُتْلَى اليوم بالقراءة التي رواها عن شيخه عاصم بن أبي النجود في معظم بلدان المسلمين ، ونرجو أن ينال من الثواب ما هو أهل له ، وما هو جدير به ، شهدنا بماعلمنا ، ولا نزكي على الله أحداً.
 
دراسة الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد

أحد رواد الدراسات القرآنية واللغوية في هذا العصر
الأستاذ بكلية التربية بجامعة تكريت
والمنشور بملتقى أهل التفسير
حفص بن سليمان الأسدي راوي قراءة عاصم بين الجرح والتعديل

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة

شهرة عاصم بن أبي النجود وتلميذه حفص بن سليمان الأسدي تملأ الآفاق اليوم ، فعاصم صاحب القراءة التي يقرأ بها المسلمون القرآن في معظم البلدان اليوم ، وحفص هو صاحب الرواية عنه، لكن المرء يعجب مما ورد في كتب رجال الحديث من وصف حفص بن سليمان بأنه ضعيف، متروك الحديث ، وصار ذلك الوصف من المسلمات لدى معظم من كتب عن حفص، وحاول بعض العلماء التخفيف من أثر ذلك الوصفبالقول: " إن العالم قد يكون إماماً في فن مقصراً في فنون " ، ولا عجب بناء على ذلك أن يتقن حفص القرآن ويُجَوِّدَهُ ، ولا يتقن الحديث. (1) ولو أن الأمر توقف عند وصف حفص بعدم إتقان الحديث لكان مقبولاً ، لكنه تجاوز ذلك إلى الطعن في عدالته، واتهامه بالكذب عند بعض العلماء.
وكيف يكون المرء مؤتمناً على القرآن، متهماً في الحديث ؟ إنه أمر أشبه بالجمع بين النقيضين !
وكنت أتتبع الروايات المتعلقة بهذه القضية وأقاويل العلماء فيها ، في محاولة لتفسيرها على نحو يخفف من أثرها (2)، حتى لا تكون وسيلة للطعن في قراءة القرآن الكريم، وقد انكشفت لي جوانب جديدة حول هذه القضية جعلتني أعود إلى دراستها وعرض نتيجة ما توصلت إليه حولها على المهتمين بالموضوع ، وهي نتيجة أحسب أنها تَسُرُّ حملة القرآن ، والمهتمين بدراسة القراءات،إن شاء الله تعالى، وأرجو أن تبعث السرور في نفوس المتخصصين بدراسة الحديث أيضاً ،والحق أحق أن يتبع ، والحكمة ضالة المؤمن . وتتلخص تلك النتيجة في أن تضعيف حفص بن سليمان القارئ في الحديث انبنى على وَهْمٍ وقع فيه بعض كبار علماء الحديث الأوائل،وانتشر عند مَن جاء بعدهم ، وأُضيف إليه ، حتى صار كأنه حقيقة مسلمة لا تقبل النقاش .
وسوف أعرض عناصر الموضوع الأساسية على نحو مختصر من خلال بحث الفقرات الآتية :
(1) ترجمة حفص بن سليمان القارئ .
(2) أشهر أقاويل المُجَرِّحِين .
(3) أقوال المُوَثِّقِين .

(4) مناقشة واستنتاج .
 

أولاً : ترجمة حفص بن سليمان القارئ

لعل من المفيد للقارئ الاطلاع على ترجمة ملخصة لحفص بن سليمان ، قبل عرض فقرات الموضوع المتعلقة بتوثيقه وتجريحه ، وسوف أقتصر على إيراد نصين لترجمته يمثلان وجهتي نظر متقابلتين لكل من علماء القراءة وعلماء الحديث ، الأول من كتاب غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري الذي حاول إبراز النقاط المضيئة في شخصية حفص ، والثاني من كتاب الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ، الذي جمع فيه من أقوال التجريح التي يمكن أن تُخْرِجَ حفصاً - لو صحت - من الدين! ..
قال ابن الجزري : " حفص بن سليمان بن المغيرة ،أبو عمر الأسدي الغاضري البزَّاز، ويعرف بحُفَيْص ، أخذ القراءة عرضاً وتلقيناً عن عاصم ، وكان ربيبه ابن زوجته ، وُلِدَ سنة تسعين، قال الداني: وهو الذي أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوة ، ونزل بغداد فأقرأ بها، وجاور بمكة فأقرأ أيضاً بها، وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان ،وقال أبو هشام الرفاعي : كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم، وقال الذهبي: أما القراءة فثقة ثَبْتٌ ضابط لها ، بخلاف حاله في الحديث ، قلت : يشير إلى أنه تُكُلِّمَ فيه من جهة الحديث، قال ابن المنادي: قرأ على عاصم مراراً، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم ... توفي سنة ثمانين ومئة على الصحيح، وقيل بين الثمانين والتسعين ... "(3).


وقال ابن الجوزي : " حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي القارئ البزَّاز ، وهو صاحب عاصم ،ويقال له الغاضري، وهو حفص بن أبي داود ، كوفي ، حدَّث عن سماك بن حرب ، وليث ،وعاصم بن بهدلة ، وعلقمة بن مرثد ، قال : يحيى : ضعيف ، وقال مرَّة : ليس بثقة ،وقال مرة : كذَّاب . وقال أحمد ومسلم والنسائي : متروك الحديث . وقال البخاري : تركوه ، وقال السعدي: قد فُرِغَ منه منذ دهر ، وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : كذَّاب متروك يَضَعُ الحديث ، وقال ابن حبان : كان يَقْلِبُ الأسانيد ويرفعُ المراسيل ، وقال أبو زرعة والدارقطني : ضعيف "(4).


ثانياً : أشهر أقاويل المُجَرِّحين :
قال ابن كثير : " إنَّ أول مَن تصدَّى للكلام على الرواة شعبة بن الحجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطَّان، ثم تلامذته: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وعمرو بن الفلاس، وغيرهم "(5).
ويكاد معظم الأقاويل في تجريح حفص القارئ يستند إلى ما قاله هؤلاء العلماءالأعلام الذين ذكرهم ابن كثير،وسوف أعرض ما نُقِلَ عن شعبة ويحيى بن معين خاصة ،لأن اللاحقين اعتمدوا على أقوالهما، أما الإمام أحمد فإنه وَثَّقَ حفصاً في ثلاث روايات وضَعَّفَهُ في أخرى ، وسوف أعرض أقواله عند الكلام على المُوَثِّقين
(1)شعبة بن الحجاج الواسطي، نزيل البصرة ( ت 160 ھ ) :
نقل محمد بن سعدالبصري نزيل بغداد، كاتب الواقدي، ( ت 230ھ) وأحمد بن حنبل البغدادي ( ت 241ھ ) عن يحيى بن سعيد القطان البصري ( ت 168 ھ ) رواية عن شعبة بن الحجاج تتعلق بحفص بن سليمان المِنْقَرِيِّ البصري ، لكنها نُسبت بعد ذلك إلى حفص بن سليمان الأسدي القارئ الكوفي الأصل ، راوية عاصم .
ذكر ابن سعد في كتاب الطبقات مَن نزل البصرة مِن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –ومَن كان بها بعدهم من التابعين وأهل العلم والفقه ، وذكر في الطبقة الرابعة منهم:" حفص بن سليمان مولى لبني مِنْقَر ، ويكنى أبا الحسن، وكان أعلمهم بقول الحسن ، قال يحيى بن سعيد ، قال شعبة : أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً فلم يَرُدَّهُ عليَّ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها "(6).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :" حدثني أبي، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : عطاء بن أبي ميمون مات بعد الطاعون ، وكان يرى القَدَرَ ، وحفص بن سليمان قبل الطاعون بقليل ، فأخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً فلميَرُدَّهُ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها"(7).
ولا يخفى على القارئ أن حفص بن سليمان المذكور في قول شعبة هو المنقري، وليس حفص بن سليمان الأسدي راوي قراءة عاصم ، لكن بعض العلماء نقل هذا القول في ترجمة حفص بن سليمان الأسدي بعد ذلك، وصاردليلاً على ضعفه في الحديث ، ولعل الإمام محمد بن إسماعيل البخاري هو أقدم من وقع في هذا الوَهْمِ، في ما اطلعت عليه من المصادر، وذلك في كتاب الضعفاء الصغير ، حيثقال :"حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر ، عن علقمة بن مرثد ، تركوه ، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، قال يحيى : أخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص كتاباً فلم يرده، قال وكان يأخذ كتب الناس فينسخها"(8).
واستقرت هذه الرواية في ترجمة حفص بن سليمان الأسدي القارئ بعد ذلك ، ولم يتنبه المؤلفون إلى أنها رواية بصرية تخص أحد رواة الحديث من البصريين، كيف لا وقد اعتمدها شيخ المحدثين البخاري ، معتمداًعلى روايته عن الإمام أحمد بن حنبل ، عن يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة بن الحجاج،ولا يكاد يجد المتتبع للموضوع سبباً لتضعيف حفص القارئ غير هذه الرواية(9)، وصاركثير من المؤلفين في الجرح والتعديل يذكرون تضعيف حفص القارئ من غير ذكر العلة ،على نحو ما مر في النص المنقول عن ابن الجوزي ، باعتبار أن تضعيفه أمر ثابت قرَّره كبار علماء الجرح والتعديل ، ولم يدركوا أن ذلك التضعيف انبنى على أساس غير صحيح.
(2).يحيى بن معين ، أبو زكريا البغدادي ( ت233ھ) :
يبدو أن يحيى بن معين لم يكن يعرف حفص بن سليمان الأسدي الكوفي معرفة شخصية، وليس هناك ما يؤكد أنهما التقيا في بغداد أو في غيرها من المدن، واعتمد يحيى في الحكم على حفص القارئعلى قول أيوب بن المتوكل البصري القارئ (ت200ھ) فيه ، فقد نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد :" قال أبو زكريا ، يعني يحيى بن معين : زعم أيوب بن المتوكل قال : أبوعمر البزاز أصح قراءة من أبي بكر بن عياش ، وأبو بكر أوثق من أبي عمر . قال أبوزكريا : وكان أيوب بن المتوكل بصرياً من القراء ، سمعته يقول ذلك"(10).
ونقل بعض المؤلفين في الجرح والتعديل قول أيوب بن المتوكل السابق الذي رواه عنه يحيى بن معين منسوباً إلى ابن معين نفسه مع تغيير فيه أدى إلى وصف حفص بأنه ليس ثقة ، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل عن الليث بن عبيد أنه قال :" سمعت يحيى بن معين يقول : أبو عمر البزاز صاحب القراءة ليس بثقة ، هو أصح قراءة من أبي بكر بن عياش ، وأبوبكر أوثق منه"(11).
وجاء في كتاب تاريخ ابن معين من رواية عثمان بن سعيدالدارمي (ت280ھ) :" وسألته عن حفص بن سليمان الأسدي الكوفي : كيف حديثه ؟ فقال : ليس بثقة "(12) .
وجاء في بعض الروايات عن يحيى بن معين أنه قال : ليس بشيء(13) ،وصارت العبارة في رواية أخرى :"كان حفص كذَّاباً"، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل، عن الساجي، عن أحمد بن محمد البغدادي، قال سمعت يحيى بن معين يقول : كان حفص بنسليمان وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم ، وكان حفص أقرأ من أبي بكر ،وكان أبو بكر صدوقاً، وكان حفص كذَّاباً"(14). وانتهى الأمر عند ابن الجوزي إلى القول :" قال يحيى : ضعيف ، وقال مرة : ليس بثقة ، وقال مرة : كذاب "(15).
ويترجح لدي أن ذلك كله قراءة غير دقيقة لقول أيوب بن المتوكل في حفص القارئ ، سواء كانت تلك القراءة من يحيى بن معين نفسه أو من الرواة عنه ، وعَزَّزَ تلك القراءة غير الدقيقة لقول أيوب ما كان قد انتشر من القول بتضعيفه نتيجة لنسبة كلمة شعبة بن الحجاج في حفص المنقري إليه ، لكن ابن الجزري نقل قول ابن معين على نحو آخر ، قال :" وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان"(16).
والخلاصة هي :
أن علماء الجرح والتعديل نسبوا حفص بن سليمان القارئ إلى الضعف في الحديث ،مستندين إلى قول شعبة : إنه كان يستعير كتب الناس فينسخها ، ولا يردها . وإلى قول أيوب : أبو بكر أوثق من أبي عمر . وكلا الأمرين لا يصلح أن يكون علة لتضعيفه ، أماالأول فقد بان أنه وَهْمٌ ، وأما الثاني فإن قول أيوب يمكن أن يعني أن حفصاً ثقة لكن شعبة أوثق منه.

وسوف أعود لمناقشة ذلك بعد عرض أقوال الموثقين لحفص .
 
ثالثاً : أقوال المُوَثِّقين :

لا تخلو كتب التراجم وكتب الجرح والتعديل من أقوال في توثيق حفص بن سليمان القارئ ، لكنها قليلة، غطَّت عليها أقاويل المجرحين ، ولعل ما ذهب إليه العلماء من " أن تقديم الجرح على التعديل مُتَعَيِّنٌ"(17) قد حجب ما ورد من أقوال في توثيقه.
وما ورد من أقوال في توثيقه على قلتها تدل على أن حفصاً كان موضع ثقة من علماء عرفوه أو أخذوا عنه . ومن العلماء الذين وثقوه :
(1) وكيع بن الجراح ، الكوفي (ت 196ھ) :


نقلت مجموعة من كتب الجرح والتعديل عن أبي عمرو الداني الأندلسي (ت 444هـ) قوله في حفص القارئ:" مات قريباً من سنة تسعين ومئة ، قال : وقال وكيع : كان ثقـة "(18).
وللداني كتاب في طبقات القراء ، لعله ذكر قول وكيع فيه .
وقول وكيع هذا مهم جداً في توثيق حفص لسببين : الأول : كونه من الكوفة ، وأهل الكوفة أعرف بعلمائهم ،والثاني : كونه معاصراً لحفص ، وما رَاءٍ كمَنْ سَمِعَ !
(2) سعد بن محمد بنالحسن العوفي ، تلميذ حفص :
انتقل حفص بن سليمان الأسدي القارئ من الكوفة إلى بغداد ، ولعل ذلك حصل في منتصف القرن الثاني الهجري أو بعده بقليل ، وكان له من العمر قريباً من ستين سنة ، ونزل في الجانب الشرقي منها ، ونقل الخطيب البغدادي عن ابن مجاهد (ت 324هـ) قوله:"حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثنا أبي ، حدثنا حفص بن سليمان ، وكان ينزل سُوَيْقَةَ نصر، لو رأيته لَقَرَّتْ عَيْنُكَ به علماً وفهماً "(19).
وسعد بن محمد العوفي هذا أحد تلامذة حفص بن سليمان القارئ في بغداد ،وأخذ عنه قراءة
عاصم ، قال ابن مجاهد في كتابه السبعة :" حدثني محمد بن سعد العوفي، عن أبيه ، عن حفص، عن عاصم : أنه كان لا ينقص نحو ( هزواً ) و(كفواً)، ويقول : أكره أن تذهب مني عشر حسنات بحرف أدَعُهُ إذا هَمَزْتُهُ "(20) .
(3) الإمام أحمد بن حنبل (ت241ھ):
ذكر الخطيب البغدادي أربع روايات منقولة عن الإمام أحمد ، في ترجمة حفص بن سليمان الأسدي المقرئ ، ثلاث منها فيها توثيق ، ورواية فيها تضعيف ، والروايات المُوَثَّقَةُ له هي قوله:
أ- هو صالح (21).
ب- ماكان بحفص بن سليمان المقرئ بأس (22).
ج- عن حنبل، قال سألته ، يعني أباه، عن حفص بن سليمان المقرئ ، فقال هو صالح (23)،
وقوله : ( أباه ) يعني عمه أحمد بن حنبل .
أما الرواية التي ورد فيها تضعيف لحفص فقال فيها عنه وأبو عمر البزازمتروك الحديث (24).
ونقل ابن أبي حاتم رواية التضعيف على هذا النحو :" أنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل ، في ما كتب إليَّ ، قال سمعت أبي يقول : حفص بن سليمان ، يعني أبا عمر القارئ ، متروك الحديث"(25).
ويبدو لي أن عبارة ( يعني أبا عمر القارئ ) مما أضافه ابن أبي حاتم إلى الرواية ، حتى لا ينصرف الذهن إلى حفص آخر ، ولكن من المحتمل أن يكون ابن أبي حاتم قد وَهِمَ في إضافة هذه العبارة ، كماوَهِمَ في نسبة قول شعبة في استعارة حفص للكتب إلى حفص بن سليمان القارئ في الموضع نفسه(26)، فقد يكون المقصود بذلك حفص بن سليمان المنقري .
(4)عُبيد بن الصبَّاح الكوفي ثم البغدادي ، تلميذ حفص :
نقل الذهبي عن أحمد بن سهل الأشناني(ت307ھ )أنه قال :" قرأت على عبيد بن الصباح ، وكان من الورعين المتقين ، قال قرأت القرآن كله على حفص بن سليمان ، ليس بيني وبينه أحد"(27).
ويدل قول عبيد هذا على افتخاره بأخذه القراءة عن حفص مباشرة ، ولو كان حفص بالصورة التي تصورها كتب الجرح والتعديل من كونه متروك الحديث ، كذاباً ، لما كان لقوله معنى، لاسيما أن تلميذه أحمد بن سهل وصفه بأنه كان من الورعين المتقين .
(5) الفضل بن يحيى الأنباري ، تلميذ حفص :
ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري أنه أخذ رواية أبي عمر حفص بن سليمان، عن أبيه، وقال أبوه :" أقرأني عمي أحمد بن بشار بن الحسن الأنباري ، عن الفضل بن يحيى الأنباري ، عن أبي عمر، عن عاصم. قال أبي : قال لي عمي: كان الفضل قد أقام بمكة مجاوراً حتى أخذ القراءة عن أبي عمر"(28).

ونقل ابن الجزري عن الفضل أنه قال :" قرأت على حفص وكتب لي القراءة من أول القرآن إلى آخره بخطه"(29)، وفي قول الفضل هذا من الفخر والاعتزاز ما يدل على ثقته بشيخه أبي عمر حفص بن سليمان القارئ .
 
رابعاً : مناقشة واستنتاج:
إن ما تقدم من بيان لأقاويل المُجَرِّحِينَ لحفص بن سليمان الأسدي ،وأقوال المُعَدِّلِينَ له، يقتضي إعادة النظر في الموضوع كله ، في ضوء الحقائق التي تكشفت من خلال البحث ، وعلى النحو الآتي :

(1) إن تضعيف حفص بن سليمان القارئ في الحديث يحتاج إلى مراجعة ، بل قد يحتاج إلى تعديل وتصحيح ، وذلك بتغليب أقوال المعدِّلين له، لأن التعديل يُقبل من غير ذكر سببه ، على الصحيح المشهور ،ولا يُقبل الجرح إلا مُبَيَّن السبب(30).
وقد اتضح أن سبب تضعيف حفص بن سليمان القارئ الرئيس هو قول شعبة بن الحجاج ، وقد بان أن شعبة كان يعني حفص بن سليمان المنقري البصري ، ويؤكد ذلك أن ابن سعد نقل عن شعبة أن حفصاً المنقري كانت لديه كتب استفاد منها أخو زوجته أشعث بن عبد الملك في معرفة مسائل الحسن ، لأن حفصاً هذا كان أعلمهم بقول الحسن (31).
ولا يخفى أن تضعيف يحيى بن معين لحفص القارئ كان مبنياًعلى فهم غير دقيق لقول أيوب بن المتوكل ، على نحو ما بيَّنت من قبل . وبناء على ذلك ينبغي أن يعتمد قول الإمام أحمد بن حنبل في توثيق حفص القارئ ، ويحمل ما ورد من تضعيف على حفص آخر ، لأن وجود عدد من الأشخاص يحملون اسم حفص بن سليمان قد أوقع بعض العلماء في الخلط بينهم ، على نحو ما سنوضح بعد قليل .
أما أقوال علماء الجرح والتعديل الذين جاءوا بعد الجيل الأول من طبقة شعبة ويحيى بن معين والإمام أحمد والبخاري ، فإنهم كانوا ينقلون ما قاله هؤلاء الأعلام ، على ما فيه من أوهام وخلط ، وقد يتصرفون في العبارة بما يزيد من شدة النقد والتجريح لحفص بن سليمان القارئ ، وغَطَّتْ أقاويل التجريح أقوال التوثيق حتى نُسِيَتْ تقريباً ، على نحو مالاحظنا في النص الذي نقلناه عن ابن الجوزي من قبل .
(2) ذكرت كتب التراجم عدة أشخاص من رواة الحديث باسم حفص بن سليمان ، عاشوا في القرن الثاني ، ذكرالبخاري منهم في كتابه التاريخ الكبير أربعة ، هم
frown.png
32)

أ. حفص بن سليمان البصري المنقري ، عن الحسن .
ب. حفص بن سليمان الأزدي ، روى عنه خليد بن حسان .
ج. حفص بن سليمان ، سمع معاوية بن قرة عن حذيفة ، مرسل ...
د. حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر القارئ ...
وقد وقع خلط بين هؤلاء الرواة للحديث، لاسيما بين حفص المنقري البصري ، وحفص الأسدي الكوفي،على نحو ما ذكرنا من نسبة قول شعبة في حفص البصري، وحمله على حفص الكوفي. ووقع مثل هذا الخلط بينهما في تاريخ وفاتهما ، على نحو ما فعل ابن النديم حين ذكر حفص بن سليمان القارئ، وقال:" ماتحفص قبل الطاعون ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة "(33). وقد نبَّه ابن الجزري إلى ذلك فقال في وفاة حفص القارئ:" تُوُفِّيَ سنة ثمانين ومئة على الصحيح، وقيل بين الثمانين والتسعين، فأما ما ذكره أبو طاهر بن أبي هاشم [ عبد الواحد بن عمر ت 349ھ ] وغيره من أنه توفي قبل الطاعون بقليل، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة، فذاك حفص المنقري بصري، من أقران أيوب السختياني، قديم الوفاة ، فكأنه تصح فعليهم ، والله أعلم "(34).
وقد يعثر المتتبع على أمثلة أخرى من الخلط بين هؤلاء ، فقد نقل الهيثمي حديثاً قال عنه :" رواه الطبراني في الكبير ، وفيه حفص بن سليمان المنقري ، وهو متروك ، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه ، والصحيح أنه ضعفه ، والله أعلم ، وذكره ابن حبان في الثقات "(35).
ويثير هذا النص أكثرمن إشكال ، منها أن الطبراني ذكر في الإسناد " حدثنا حفص بن سليمان،
عن قيس بنمسلم "(36)، والذي يروي عن قيس بن مسلم هو حفص بن سليمان القارئ، وقد تكون كلمة ( المقرئ ) تصحفت إلى (المنقري)، لكن الإشارة إلى أن ابن حبان ذكره في الثقات يؤكد أن المقصود هو ( المنقري)(37)، ويكاد الهيثمي ينفرد بالنص على تضعيف حفص المنقري .
ولعل في ما قاله ابن حبان عن حفص بن سليمان المقرئ ما يشير إلى ذلك الخلط أيضاً ، ونصه " كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها سماع (كذا) "(38)، فلا شك في أن الذي يأخذ كتب الناس هو المنقري، أماالذي يرفع المراسيل فقد يكون حفص بن سليمان الأزدي، فقد وصفه ابن حبان بأنه:" يرويالمراسيل "(39)، ولعل كلمة (يروي) تصحفت عن كلمة( يرفع) .
وكان أبو زرعة (عبيد الله بن عبد الكريم ت 264ھ ) قد تخوَّف من الخلط بينهما، فقال البرذعي :" وقال لي أبو زرعة : ليس هذا من حديث حفص، أخاف أن يكون أراد حفص بن سليمان المنقري"(40).
وإذا كان الأمر بهذه الصورة فإن تضعيف حفص بن سليمان القارئ به حاجة إلى المراجعة ، لأن كثيراً مما رُمِيَ به يرجع إلى البصريين المُسَمَّيْنَ باسمه ، لكن تتابع الأقوال في تجريحه قد حجب الأقوال التي توثقه ، لا بل إن الأمروصل إلى حد تغيير مفهوم قول أيوب بن المتوكل الذي أثبت فيه أن حفصاً أصح قراءة من أبي بكر شعبة ، فقال ابن أبي حاتم :" قلت ما حاله في الحروف ؟ قال : أبو بكر بن عياش أثبت منه "(41). ومما يؤكد عدم دقة هذا التعبير قول أبي هشام الرفاعي (ت248 ھ ):كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم"(42)، وقل ابن المنادي
(ت 336ھ ) :" وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ بها على عاصم "(43) ، ولعل ابن المنادي يشير إلى قول أيوب بن المتوكل الذي نقلناه من قبل : " أبوعمر أصح قراءة من أبي بكر بن عياش " . .
(3) ذكر المزي في ( تهذيب الكمال ) سبعة وعشرين شيخاً روى عنهم الحديث حفص بن سليمان القارئ (44)، وقد تتبعتهم في(تقريب التهذيب) لابن حجر فوجدته يصف خمسة عشر منهم بـ
( ثقة )، وعشرة منهم بـ(صدوق ) ، وواحد بـ ( لا بأس به )، وواحد وصفه بمجهول ، وهو كثير بن زاذان، الذي سأل عثمان بن سعيد الدارمي يحيى بن معين عنه، فقال :" قلت يروي ( أي حفص القارئ ) عن كثير بن زاذان من هو ؟ قال : لا أعرفه"(45)، لكن ابن حجر ذكره في التهذيب وقال : كثير بن زاذان النخعي الكوفي ، وذكر جماعةً من الرواة الذين رووا عنه سوى حفص ،وذكر نقلاً عن الخطيب البغدادي أنه كان مؤذن النخع (46).
وذكر المزي خمسة وثلاثين راوياً أخذوا عن حفص بن سليمان القارئ، وقد تتبعت ما قاله فيهم ابن حجر في تقريب التهذيب ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، فوجدت أن معظمهم موصوف بأنه(ثقة ) أو (صدوق).
وإذا نظرنا إلى حال شيوخ حفص القارئ وحال معظم تلامذته من حيث وصفهم بالثقة والصدق فإن من المناسب أن يكون حفصٌ كما وصفه وكيع بأنه : ثقة ،أو كما وصفه الإمام أحمد بأنه : صالح ، وأن نَعُدَّ كل ما وُصِفَ به من ألفاظ التجريح من باب الوهم والخلط الذي كان سببه نسبة القول بأخذ كتب الناس ونسخها إليه، وعدم الدقة في فهم قول أيوب بن المتوكل : إن أبا بكر شعبة أوثق منه .
(4) لعل مما يُعَزِّزُ هذه النتيجة أن تُعْقَدَ دراسة لمرويات حفص بن سليمان القارئ من الأحاديث، ومروياتِ مَن يشاركه في الاسم ، ويُدْرَسَ حال رجالها ، وتُوَازَنَ بمرويات غيرهم من المحدثين، للتحقق مما ورد عند ابن حبان من أن حفصاً كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، أو نحو ذلك مما نسبه إليه بعض العلماء بعد أن صنفوه في الضعفاء والمتروكين، وأرجو أن أتمكن من القيام بمثل هذه الدراسة في المستقبل، أويقوم بها غيري ممن هو أكثر معرفة مني بعلم الحديث.
 
المراجع :
(1) ينظر: الذهبي : سير أعلام النبلاء 5/560 ، وميزان الاعتدال 2/ 319.
(2) ينظر : كتابي : محاضرات في علوم القرآن ص 155 هامش 5 .
(3) غاية النهاية 1/254 – 255 .
(4) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/221 .
(5) الباعث الحثيث ص 137 .
(6) الطبقات الكبرى 7/256 .
(7) العلل ومعرفة الرجال 2/503 .
(8) كتاب الضعفاء الصغير ص 32 .
(9) ينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 ،وابن أبي حاتم : الجرح والتعديل 1/140 و3/320 ، و المزي : تهذيب الكمال 7/15 ،والذهبي : ميزان الاعتدال 2/ 320 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(10) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/13 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345.
(11) الكامل في الضعفاء 2/380 .
(12) تاريخ ابن معين ص 97 ، وينظر : ابن حبان : كتاب المجروحين 1/255 ، وابن عدي : الكامل في الضعفاء 2/380، والخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 8/ 186 ،والمزي : تهذيب الكمال 7/13 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345 .
(13) ينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(14) الكامل 2/380 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/15، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(15) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/221 .
(16) غايةالنهاية 1/254 .
(17) ينظر : ابن الجوزي : كتاب الضعفاء والمتروكين 1/7 ،والسيوطي : تدريب الراوي 1/ 204 .
(18) ينظر : علم الدين السخاوي : جمال القراء 2/466 ، والمزي : تهذيب الكمال 7/15 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/ 321 ، والهيثمي : مجمع الزوائد 10/163 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345 .
(19) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر :المزي : تهذيب الكمال 7/12، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(20) كتاب السبعة ص 159 ، وينظر : ابن الجزري : غاية النهاية 2/142 .
(21) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/13 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(22) تنظر : المصادر المذكورة في الهامش السابق .
(23) تاريخ بغداد 8/186 .
(24) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 .
(25) الجرح والتعديل 3/173 ، وينظر : الذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(26) ينظر : الجرح والتعديل 3/173 .
(27) معرفة القراء الكبار 1/249 .
(28) إيضاح الوقف والابتداء 1/113 .
(29) غاية النهاية 2/11 .
(30) ينظر : السيوطي : تدريب الراوي 1/202 .
(31) ينظر : الطبقات الكبرى 7/276 .
(32) التاريخ الكبير 2/363 ، وينظر : ابن أبي حاتم : الجرح والتعديل 3/ 173-174 .
(33) الفهرست ص 31 .
(34) غاية النهاية 1/255 .
(35) مجمع الزوائد 1/328 .
(36) المعجم الكبير 12/209 .
(37) ابن حبان : الثقات 6/195 .
(38) كتاب المجروحين 1/255 ، وينظر : الذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(39) الثقات 6/197 .
(40) سؤالات البرذعي ص 8 .
(41) الجرح والتعديل 3/174 .
(42) الذهبي : معرفةالقراء 1/141 ، وابن الجزري : غاية النهاية 1/254 .
(43) المصدران السابقان .
(44) تهذيب الكمال 7/11- 12 .
(45) ينظر : ابن عدي : الكامل في الضعفاء 2/ 380 ، والخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 8/168 .
(46) تهذيب التهذيب 8/369 .
(47) نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/186) أن عبد الرحمن بن يوسف بنخراش (ت 283ھ) قال : " حفص بن سليمان كذَّاب ، متروك ، يضع الحديث " . ولا يخفى على القارئ أن ابن خراش قد أتى بألفاظ في تجريح حفص لم يأت بها أحد من قبله ، وهي تطعن في عدالته وتنسبه إلى الكذب ووضع الحديث . وهذا أمر لا يوجد ما يشير إليه في أقوال المعاصرين لحفص أو يدل عليه . ولعل من المناسب أن نذكر هنا أن ابن خراش هذاكان رافضياً يطعن على الشيخين ، فما بالك بمن هو دونهما ( ينظر : السيوطي : طبقات الحفاظ ص 297) .

وفي هذا المجال لا يفوتكم البحث القيم حول هذا الموضوع للأستاذ الدكتور يحيى بن عبد الله بن يحيى البكري الشهري.كلية المعلمين في أبها وهو من المتخصصين في الحديث الشريف ودراسة رجاله.. والمنشور في منتدى أهل التفسير.. وبريده الإليكتروني هو:
[email protected]
للإطلاع عليه كاملاً:اضغط هنا:حفص بن سليمان الأسدي راوي قراءة عاصم بين الجرح والتعديل.
 

دراسة العلامة

أبو عبد العزيز سعود الزمانان
نسف الشبهات عن عاصم وحفص إمامي القراءات
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
إن الرد على أهل البدع والضلال وكشف عوارهم وفضح خبث معتقدهم منهج شرعي وأصل من أصول هذا الدين بل ومن أسمى أنواع الجهاد في سبيل الله وإنه من الواجب والفرض اللازم على كل مسلم صادق آتاه الله يد باسطة في العلم وبيان الحق وردع الباطل أن يطلق صيحات النذير والتحذير منهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ومن الفرق التي عرفت بضلالها وتعديها على كتاب الله عز وجل والقول بوقوع التحريف فيه الشيعة الإمامية الاثنا عشرية وذلك واضح بين يعرفه كل من له أدنى خبرة وإطلاع على مذهب القوم ولقد حاول علماؤهم على مر العصور إخفاء معتقدهم الخبيث وكتمانه وعدم الجهر به أمام عموم المسلمين خشية التصدي من علماء أهل السنة والجماعة الذين حباهم الله عز وجل بشرف الإسناد وخصهم بإعلاء كتابة الكريم وسنة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم فكانوا حملة بحق هم حملة هذا الدين وحماته الذين نقلوه إلينا بالإسناد المتواتر الوضاء جيلا بعد جيل حتى وصلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام إلى رب العزة سبحانه وتعالى، فالشيعة الامامية الاثنا عشرية الذين يدعون كذبا وزورا إتباعهم لآل البيت لا يملكون سندا ولو ضعيفا لكتاب الله عز وجل بل هم في ذلك عيال على أهل السنة والجماعة .ونسمع في هذه الأيام بعض أذنابهم يتعالون بصيحات كاذبة متناقضة تارة بالطعن في قراء كتاب الله واللمز فيهم والغمز في عدالتهم ، خاصة في حفص بن سليمان الأزدي أحد رواة كتاب الله ، وتارة أخرى نسمع من بعضهم تعديله ونسبته إلى التشيع والرفض ، في محاولة يائسة لسرقة إسناد أهل السنة والجماعة يبتغون وراء ذلك نسبة السند الثابت إلى كتاب الله إلى الرافضة .
ومن هنا رأيت انه من أوجب الواجب علينا أن نتصدى لمثل هذه النعرات الكاذبة وتفنيد شبههم وإظهار خبث طويتهم .
ولنبدأ ببيان الشبهة الأولى :
الشبهة الأولى :

كيف يكون عاصم وحفص إمامين في القراءات وهما ضعيفان ؟

الرد :
أولا : لا يجوز حمل كلام المتكلم على عرف غيره ، فحينما ينقل المخالفون أمراً معيناً ضد مخالفيهم لا يجوز شرعا ولا عقلا أن يحمل كلام مخالفيهم على عرفهم وأفهامهم ، ولا شك ولا ريب أن هذا العمل من الظلم والهوى والطغيان ، فحينما ينقل أهل السنة والجماعة تضعيف حفص أو عاصم فإن هذا الضعف في الحديث لا في الحروف والقراءات .
ثانياً : يجب فهم مصطلحات أئمة الحديث المتقدمين حسب استعمالهم لها عَن طريق الجمع والاستقراء والدراسة والموازنة ، فعاصم وحفص الضعف الذي قيل فيهما إنما هو في الحديث وليس في الحروف والقراءات .
قال ابن الجوزي عن عاصم :" وكان ثبتا في القراءةواهيا في الحديث لأنه كان لا يتقن الحديث ويتقن القرآن ويجوده وإلا فهو في نفسهصادق ".
وقال الذهبي:" فأما في القراءة فثبتٌ إمام ، وأما في الحديث فحسن الحديث ".
وقال الذهبي :" كان عاصم ثبتاً في القراءة ، صدوقاً في الحديث ، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة ، وقال أبو حاتم : محله الصدق، وقال الدارقطني : في حفظه شيء ، يعني : للحديث لا للحروف ".
أما عن حفص بن سليمان الأسدي فقد قال الحافظ ابن حجر :" متروك الحديث مع إمامته في القراءة ".
وقال الهيثمي :" وفيه حفص بن سليمان القارئ وثقه أحمد وضعفه الأئمة في الحديث " .
وقال المناوي وغيره :" حفص بن سليمان ابن امرأة عاصم ثبت في القراءة لا في الحديث " .
ثالثا : بإجماع أهل العلم بأن حفصاً وعاصماً إمامان في القراءات ولا يوجد طعن واحد فيهما في الحروف والقراءات ، والجميع يقرون بإمامتهما في الإقراء وما تعرضوا لعدالتهما ، أو الطعن بقراءتهما.
رابعاً : هناك فرق بين التوثيق للحديث و التوثيق للقراءة
- قد يكون الإمام متقناً لفن من الفنون، ومُبَرِّزاً في علم من العلوم، لكونه أنفق فيه جل حياته، واعتنى بطلبه وتدريسه عناية فائقة ، بينما يكون مقصرا في فن آخر لعدم إعطائه تلك العناية، فيكون عمدة في فنه الذي ضبط معرفته وأتقنه ، وتنزل مرتبته فيما قصّر فيه ، بل قد يكون فيه غير معتمد
- قواعد إسناد الحديث ليست كإسناد القرآن، وكم ترى من هو متقن للقراءات حافظالآلاف الأبيات المتداولة كمتون الشاطبية والدرة والطيبة وغيرها لا يخرم منها حرفا،ويخبرك بأسانيد القرآن ومعرفة الأئمة منهم في القراءة ومعرفة كل حرف من العشرةبطرقه ثم إن ناقشته في الحديث فلعله لا يستطيعأن يروي لك حديثا صحيحا بإسناده هذا إن لم يخلط في متنه.
- أما الضعف في رواية الحديث واختلاط الألفاظوالأسانيد، فكم ممن رأيناهم لا يغادرون حرفاً أو حركة من كتاب الله ويحفظ الطرقوالتحريرات الدقيقة ويسرد المئات من الشواهد الشعرية ويحفظ آلاف الأبيات لمتونالقراءات كم من هؤلاء لا يفرق بين حديث رسول الله الصحيح وبين الضعيف ولا يحفظالأسانيد، بالرغم من كونهم أعمدة في أسانيد القرآن.
- فشروط رواية الحديث أن يكون راويه عدلاً ضابطاً .وحفص بن سليمان بالإجماععدل لكنه ليس ضابطاً لذلك ترك حديثه ،و هناك الكثير من العلماء الأجلاءيكونون ضعافاً في الحديث بسبب قلة ضبطهم و لا يقدح ذلك في عدالتهم.
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (وفيات سنة 130ھ ، ص 140) :" فأما في القراءة فثبتٌ إمام ، وأما في الحديث فحسن الحديث " .وكذلك أبو بكر بن عياش الأسدي إمام في القراءات أما الحديث فيأتي بغرائب ومناكير .( سير أعلام النبلاء 8/505) .وكذلك عمر بن هارون بن يزيد الثقفي البلخي قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ 1/341) :" ولا ريب في ضعفه ، وكان إماماً حافظاً في حروف القراءات " .
وقال الذهبي في النقاش :" والنقاش مجمع على ضعفه في الحديث لا في القراءات " ( سير أعلام النبلاء 17/506) .وكذلك الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي :" كان رأساً في القراءات معمرا بعيد الصيت صاحب حديث ورحلة وإكثار وليس بالمتقن له ولا المجود بل هو حاطب ليل " ( سير أعلام النبلاء 18/13) .
قد يكون إماماً في التفسير ولكنه غير قوي في الحديث :
مثال الضحاك بن مزاحم الهلالي الخراساني قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/598) :" صاحب التفسير .... وليس بالمجود لحديثه " .
قد يكون ثبتاً في الحديث ضعيفاً في القراءات :
وكذلك الأعمش كان ثبتاً في الحديث ليناً في الحروف والقراءات . قال الذهبي 5/260: " - وكان الأعمش بخلافه- أي حفص - كان ثبتاً في الحديث ، ليناً في الحروف ، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب " المنهج " وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع ، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر والله أعلم " .
قد يكون إماماً في المغازي غير مجود في الحديث :
مثال ابن إسحاق : قال الذهبي :" فله ارتفاع بحسبه ولا سيما في السير ، وأما في الأحاديث فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن ، إلا فيما شذ فإنه يعد منكرا " وقال أيضا :" قد كان في المغازي علامة " ( سير أعلام النبلاء 7/37).وكذلك سلمة بن الفضل الرازي قال عنه الذهبي :" كان قوياً في المغازي ... وقد سمع منه ابن المديني وتركه " ( سير أعلام النبلاء 9/50) وقال البخاري :" عنده مناكير " وقال النسائي :" ضعيف " .
وكذلك الواقدي قال عنه الذهبي :" لا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم ".وقال النسائي :" ليس بثقة " وقال مسلم وغيره :" متروك الحديث ".
قد يكون إماماً في الفقه ضعيفاً في الحديث :
ألإمام أبو حنيفة : إليه المنتهى في الفقه والناس عليه عيال في الفقه ، قال الذهبي :" الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام ، وهذا أمر لا شك فيه " ( السير 6/403) وضعفه من جهة حفظه في الحديث النسائي وابن عدي والخطيب .
قال النسائي :" ليس بالقوي في الحديث " ( الضعفاء والمتروكون 237 ) .
إمام الحرمين الشافعي الجويني : يقول الذهبي :" كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع والأصول وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به ، لا متناً ولا إسناداً " ( سير أعلام النبلاء 18/471) .
محمد بن عبد الله الإشبيلي المالكي (ت586ھ) : قال الذهبي :" وكان كبير الشأن ، انتهت إليه رئاسة الحفظ في الفتيا، وقُدم للشورى من سنة إحدى وعشرين ، وعظم جاهه ، ونال دنيا عريضة ، ولم يكن يدري فن الحديث ... وكان فقيه عصره " ( سير أعلام النبلاء 21/178).
وكذلك الخصيب بن جحدر البصري : قال الذهبي :" وكان من الفقهاء لكنه متروك الحديث "
( تاريخ الإسلام وفيات سنة 150ھ ص 125 ) .
قد يكون إماماً في الحديث ضعيفا في الفقه :
سعيد بن عثمان التجيبي : قال الذهبي :" وكان ورعاً زاهداً حافظاً ، بصيراً بعلل الحديث ورجاله ، لا علم له بالفقه " ( تاريخ الإسلام وفيات سنة 301 -310 ھ ص 159 ) .
قد يكون إماماً في اللغة ضعيفا في الحديث :
عمر بن حسن ابن دحية ( ت 633ھ ) : قال الذهبي :" كان الرجل صاحب فنون وتوسع ويد في اللغة ، وفي الحديث على ضعف فيه " ( سير أعلام النبلاء 22/391 ) .
قد يكون إماماً في الحديث ضعيفا في اللغة :
إبراهيم بن يزيد النخعي : قال الذهبي :" لا يحكم العربية ، وربما لحن .. " ( ميزان الاعتدال 1/75)
 
شبهة الثانية:
عاصم وحفص شيعيان وهما من أسانيد الشيعة الإمامية .
الرد :
أولاً : القول بأن سند قراءة عاصم كلهم كوفيون شيعة هذا من الهذيان و ليس كلاما موثقاً .
ثانياً : إذا كان سند قراءة عاصم وحفص من الشيعة و علىعقيدة الرفض كما يزعمون ، فهم مطالبون بأمرين أولهما : النقل من كتب الجرح والتعديل وتراجم الرجال الخاصة بأهل السنة والجماعة بأن عاصماً أو حفصاً كانا من الرافضة . ثانيهما : فإن لم يستطيعوا إثبات ذلك من كتبنا فهم مطالبون أن يثبتوا ذلك من كتبهم وأن يبينوا لنا توثيقهم من كتب الرجال الامامية، كرجال الكشي أو رجال الطوسي أو غيرها من كتب الرجال عندهم لنرى إن كانوا يعدونهم من رجالهم أم لا .
ثالثاً : حفص بن سليمان لم يترجم له الكشي ولا النجاشي ولا ابن داود الحلي ولا الخاقاني ولا البرقي في " رجالهم " ( هذه من أوثق الكتب المعتمدة في الرجال للرافضة ).
- غاية ما في الأمر أن ذكر الطوسي حفص بن سليمان في رجاله (181) في أصحاب الصادق ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وذكره القهبائي في " مجمع الرجال " (2/211) والحائري في " منتهى المقال " (3/92) وجميعهم ينقلون عن الطوسي ولم يذكروا فيه جرحاً أو تعديلاً ولم يذكروا أنه كان من الإمامية .
- وقد ترجم لحفص أحد علمائهم في الجرح والتعديل وهو آية الله التستري في كتابه " قاموس الرجال " ( 3/582) :" ولم يشر فيه إلى تشيع – أي حفص – " ، ... ثم قال : " وقد قلنا إن عنوان رجال الشيخ أعم - أي رجال الطوسي - "
قلت : أي نفى التستري أن يكون حفص رافضياً من الشيعة الإمامية، وليس كل من ذكره الطوسي في رجاله يكون رافضيا ، بل هو أعم فقد ذكر حتى النواصب في رجاله .
رابعاً : هل قول الرافضة أن فلاناً من أصحاب الصادق توثيق للرجل أم دليل على إماميته ؟
- قال آية الله التستري أن هذا لا يعتبر توثيقاً للرجل ، ولا حتى كونه من الشيعة الإمامية .
( قاموس الرجال 1/29-34 وكذلك 1/180) .
- فقد عدّ شيخ الطائفة " أحمد بن الخصيب " في أصحاب الهادي مع أنه ناصبي
( قاموس الرجال للتستري 1/180) .
- فقد ذكروا جملة من الرواة من أصحاب الأئمة ومع ذلك جهلوهم أو ضعفوهم .
- شيخ الطائفة وضع عبيد الله بن زياد في أصحاب علي بن أبي طالب
( قاموس الرجال 1/29 ) .
- هناك فرق بين الرافضي والشيعي ، والشيعي عند المتقدمين هو من فضل علياً علىعثمان بن عفان رضي الله عنهما، والتشيع في ذاته ليس قادحا إنما يكون كذلك إذا صاحبه سبللشيخين أو ارتبط بالغلو في آل البيت وصرف العبادات لغير الله .
- ثم ليس كل من صاحب عليا فهو رافضي ، فعلي كان معه كثير من الصحابة والتابعين و العلماء الأفاضلو القول بأن كل من تعلم من علي أو آل البيت أواتصل بهم هو شيعي هو قول بالباطل .
خامساً : فإن لم يستطيعوا أن يثبتوا هذا ولا ذاك فهو ادعاء و الإدعاء سهل لكل إنسان وكما قيل والدعاوى إن لم يقيموا عليها البينات فأبناؤها أدعياء.
سادساً : محاولة " اختطاف " و " سطو " أسانيد السنة للقرآن ونسبتها لهم محاولة فاشلة من الرافضة تدعو إلى رثاءحالهم و تدل بما لا يدع مجالاً للشك أن الرافضة ليسوا أهل قرآن، وليسوا أهل إسناد ، فلا يملكون سنداً واحداًللثقل الأكبر و أنهم عالة على أهل السنة والجماعة في ذلكوعالة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سابعاً : أين أسانيد الرافضة للثقل الأكبر ( القرآن الكريم ) إلى آلالبيت المتصلة في الأئمة الاثني عشر ؟هل مراجعكم عندهم أسانيد متصلة إلى آلالبيت .انتم تقولون أن التلقي لا يكون إلا من آل البيت أين أسانيدكم إلىالحسن أين أسانيدكم إلى الحسين و بقية الأئمة متسلسلة في قراء من الاماميةالاثني عشرية ؟ .
- هل يوجد سندعند الشيعة متصل بالقرآن إلى اليوم ينقلونه عن العترة إلى علمائهم، هل يملكون سنداً متصلاً بقراء ثقات أو حتى غير ثقاتأ و حتى غير ثقاتأ يتصل سنده برسول الله من طريق آل البيت .
 


الشبهة الثالثة : اتهام حفص بالكذب :
الرد :
* اتهمه ابن خراش بالكذب والرد عليه كما يلي :
- أولا ً : ابن خراش اتهم حفصاً بالكذب فقال " كذاب متروك يضع الحديث ".
- ابن خراش هذا هو عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ، وهو رافضي ، قال أبو زرعة : " محمد بن يوسف الحافظ كان خرج مثالب الشيخين وكان رافضياً " وقال الذهبي :" هذا والله الشيخ المعثر الذي ضل سعيه .... وبعد هذا فما انتفع بعلمه " .
- اتهامه بالكذب من قبل ابن خراش الرافضي لا يعتد به ولا بجرحه ، كما قال الذهبي رحمه الله :" إن ضعف الراوي ولم يكن الطاعن من أهل النقد ، وقليل الخبرة بحديث من تكلم فيه ، فلا يعتد به ولا يعتبر ولا يعتد بجرحه مثال ذلك : أبان بن يزيد العطار أبي يزيد البصري الحافظ ، فقد روى الكديمي تضعيفه ، والكديمي واهِ ليس بمعتمد ". ( ميزان الاعتدال 1/16) "
* ونقل ابن عدي تكذيب ابن معين له فقال : أنا الساجي ثنا أحمد بن محمد البغدادي قال سمعتيحيى بن معين يقول :" كان حفص بن سليمان وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصموكان حفص أقرأ من أبي بكر وكان أبو بكر صدوقا وكان حفص كذابا ".
أولاً : يجب دراسة حال الراوي عن ابن معين وهو ابن محرز أحمد بن محمد البغدادي ، فهل هذا الراوي ثقة أم غير ثقة ، ثم هل تلاميذ ابن معين وافقوه في هذا النقل أم خالفوه ، وهل تلاميذ ابن معين متساوية مراتبهم في الوثاقة أم أن بعضهم أقوى من بعض .
ثانياً : الرواية منكرة ، فالراوي عن ابن معين هو ابن محرز أحمد بن محمد البغدادي وهو مجهول ، فلم يذكر في كتب الجرح والتعديل ولم يذكروا فيه لا جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال والسند ضعيف لا يثبت.
ثالثاً : بالرغم من أن السند لا يثبت فقد خالف الثقات الأثبات من تلاميذ ابن معين ، فقد روى عثمان بن سعيد الدارمي وأبو قدامة السرخسي كلاهما عن ابن معين أنه قال في شأن حفص بن سليمان :" ليس بثقة ".
- الدارمي هو : عثمان بن سعيد قال عنه الذهبي :" الإمام العلامة الحافظ الناقد .... وأخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد وفاق أهل زمانه وكان لهجاً بالسنة بصيراً بالمناظرة " وأبو قدامة هو عبيد الله بن سعيد السرخسي قال أبو حاتم :" كان من الثقات " وقال أبو داود :" ثقة " وقال النسائي :" ثقة مأمون قل من كتبنا عنه مثله "وقال الحافظ في التقريب :" ثقة مأمون سني " بينما ابن محرز لم يذكر له أي توثيق أو حتى جرح في كتب الجرح والتعديل فهو مجهول الحال .
رابعاً : لم يوافق أحد ممن روى عن ابن معين أو في سؤالاتهم له بما تفرد به ابن محرز بتكذيب حفص ، كالدوري الحافظ الإمام الثقة الذي أكثر من ملازمة ابن معين وطول صحبته له حتى قال ابن معين عن الدوري :" صديقنا وصاحبنا " وقال عنه الحافظ في التقريب :" ثقة حافظ " . بل لم يوافقه الآخرون ممن رووا عن ابن معين وكابن الجنيد والدقاق وغيرهم .
خامساً : من المعلوم في حال وجود اختلاف على الراوي ؛ فإنه يتعين التحقق من الرواية الراجحة، و الموازنة بين الروايات وبيان الراجح وأسباب الترجيح ، ومن القرائن والقواعد العلمية للموازنة بين الروايات هي الترجيح بالحفظ والإتقان والضبط فنجد أن من رووا عن ابن معين تضعيف حفص دون ذكر التكذيب هم الأحفظ والأتقن والأضبط والأكثر ملازمة لشيخهم من ابن محرز فترجح روايتهم .
سادسا : من القرائن المرجحة والقواعد العلمية للترجيح بين الروايات هي الترجيح بالعدد والأكثر، ونجد أن من نقل تكذيب ابن معين لحفص هو ابن محرز ( المجهول ) بينما الذين لم يذكروا التكذيب أكثر .
سابعاً : كل من ترجم لحفص من أئمة الجرح والتعديل تطرقوا إلى ضعفه في الحديث وإمامته في القرآن ولم يشر أحد منهم إلى اتهامه بالكذب ومثل هذا لو ثبت لطارت به الركبان .

ثامناً : باستقراء جميع أقوال أهل العلم وسبرها وتتبعها فإنهم وصفوا حفصاً بأنه متروك أو ضعيف الحديث ولم يثبت اتهامه بالكذب ممن يعتد قوله في هذا الباب .
تاسعاً : أهل الحديث يتشددون في موضوع الكذب فكيف يقبلون قراءة الكذاب لكتاب الله ، فمن غير المقبول شرعاً ولا عقلاً عدم قبول رواية الكذاب ومن اتهم بالكذب في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينما تقبل روايته في كتاب الله ، فأهل العلم قد ردوا رواية من جرى على لسانه الكذب في حديث الناس حتى لو لم يتعمد الكذب في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لاحتمال أن يكذب في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حماية وصيانة لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فلا يتصور أن تقبل قراءته وروايته لكتاب الله .
عاشراً : من اتهمه بالكذب فقد أخطأ خطأ بينا وقوله مردود عليه ولا كرامة له كائنامن كان، بل ولو شاهد واقع الأمة اليوم لاستحى من نفسه أن يتسرع في تلك الأوصاف التيرمى بها حفصا رضي الله عنه.
أحد عشر : من باب التنزل مع الخصم فلو افترضنا صحة النقل عن ابن معين لتكذيبه لحفص فالكذب في اللغة قد يطلق على الخطأ قال ابن حبان – رحمه الله - :" وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذباً " وقال ابن حجر في ترجمة برد مولى سعيد بن المسيب :" قال ابن حبان في الثقات :" كان من الثقات كان يخطئ ، وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذباً ، قلت : - أي ابن حجر - : يعني قول مولاه : لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس – رضي الله عنهما " .
 
نتائج البحث والخلاصة :
- بإجماع أهل العلم أن عاصم بن أبي النجود وحفص بن سليمان إمامان ثبتان في القراءة .
- الضعف الذي نسب لحفص وعاصم في الحديث لا في القراءات .
- هناك فرق بين التوثيق للحديث والتوثيق للقراءات ، وقد يكون أحد العلماء متقنا لفن من الفنون مقصراً في فن آخر .
- قواعد إسناد الحديث ليست كإسناد القرآن فكم من هو متقن للقراءات حافظاً لأسانيد القرآن ومعرفة كل حرف من القراءات العشر وقد لا يكون حافظاً لحديث صحيح بإسناده هذا إن لم يخلط في متنه .
- عاصم بن أبي النجود وحفص بن سليمان من أئمة أهل السنة والجماعة ولا يستطيع الرافضة أن يثبتوا أنهما من الرافضة لا من كتب أهل السنة والجماعة ولا من كتب الرافضة .
- محاولة الرافضة نسبة الإمامين عاصم وحفص لهما إنما هي محاولة فاشلة لسرقة أسانيد أهل السنة والجماعة ونسبتها إليهم .
- لا يمتلك الرافضة إسناداً واحداً حتى لو كان ضعيفاً يتصل برسول الله في جميع كتبهم .
- اتهام حفص بالكذب لا يصح فقد رماه بالكذب ابن خراش الرافضي ولا يعتد به ولا بجرحه.
- الرواية عن ابن معين في اتهام عاصم بالكذب رواية ضعيفة منكرة لأن الراوي عن ابن معين مجهول .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه أبو عبد العزيز سعود الزمانان
الكويت في 5 ذي القعدة 1425 ھ 17/12/2004 .
 

مشاركة الفاضل أبو بكر بن عبد الوهاب

بالله نستعين

قبل تبيان إمامة حفص في القراءة، أحب أن أبين لكم أن حفصا هو أحد الرواة لقراءة عاصم ولعاصم الكثير من الرواة تلاميذ عاصم الذين قرؤوا عليه القرآن كثيرون جداً، وقد قرأ على كل واحد منهم جماعة، وبعض روايات عاصم الزائدة على روايتي شعبة وحفص ظلت أسانيدها متصلة بالقراءة والإقراء بها إلى زمن الإمام ابن الجزري في القرن التاسع الهجري والى الآن يعطى إجازة لبعض القراء.
كم الذين يقرؤون بهذه الروايات
تلاميذ عاصم الذين قرؤوا عليه عد منهم الإمام ابن الجزري في غاية النهاية في طبقات القراء ثلاثة وعشرين راوياً رووا عنه القرآن كاملاً ، ثم قال وخلقٌ لا يحصون ، ثم ذكر بعد ذلك بعض من قرأ عليه بعض الحروف [ أي الكلمات المختلففيها بين القراء ] فقط ، فقال :
عاصم بن بهدلة أبي النجود بفتح النون ..الكوفي الحناط بالمهملة والنون شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء السبعة..... روى القراءة عنه أبان بن تغلب وأبان بن يزيد العطار وإسماعيل بن مخالد والحسن بن صالح وحفص بن سليمان والحكم بن ظهير وحماد بن سلمة في قول وحماد بن زيد وحماد بن أبي زياد وحماد بن عمرو وسليمان بن مهران الأعمش وسلام بن سليمان أبو المنذر وسهل بن شعيب وأبو بكرشعبة بن عياش وشيبان بن معاوية والضحاك بن ميمون وعصمة بن عروة وعمرو بن خالدوالمفضل بن محمد والمفضل ابن صدقة فيما ذكره الأهوازي ومحمد بن رزيق ونعيم بن ميسرة ونعيم بن يحيى وخلق لا يحصون .
وروى عنه حروفاً من القرآن أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد والحارث بن نبهان وحمزة الزيات والحمادان والمغيرة الضبي ومحمد بن عبد الله العزرمي وهارون بن موسى .ا ھ ( غاية النهاية 1/275، 276).
فلو افترضنا أن عاصم لحن في أي صورة أو أية أو كلمة من آية فسوف يرد عليه اصغر طويلب علم،لأننا أثبتنا تواتر القراءة وكثرة الرواة فهي لم تقتصرعليه وحده.
وعودا إلى موضوعنا نقول القرآن الكريم ليس منقولا بأسانيد آحاد، يعرف ذلك عوام المسلمين فضلا عن طلبة العلم. يبقى الكلام على الأسانيد، وهي دونت للحفاظ على السلسلة المتصلة لا أكثر، وحين تقول قراءة عاصم فأنت إنما تعني قراءة أهل الكوفة أو جماعة كبيرة منهم يستحيل تواطؤهم على الكذب في ذلك العصر. وإنما نسبت له لتصديه للإقراء وإتقانه وما بارك الله له فيه من طول العمر، فنافع عمره 90 سنة، ابن كثير 75 سنة، أبو عمرو 86 سنة، ابن عامر 100سنة، حمزة 76 سنة، ألكسائي 70 سنة، أما عاصم فلقد عمر طويلا ومات سنة127ھ وهو شيخ قراء الكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي.
وقد جرى بين الإمام ابن الجزري والإمام الذي بلغ مرتبة الاجتهاد المطلق عبد الوهاب بن ألسبكي الشافعي رضي الله عنه كلام كثير في موضوع القراءات فتوجه له ابن الجزري بالسؤال وقال:
ما تقول السادة العلماء أئمة الدين في القرآن والقراءات العشر التي يقرأ بها اليوم هل هي متواترة أو غير متواترة؟ وهل كل ما انفرد به واحد من العشرة بحرف من الحروف متواتر أم لا وإذا كانت متواترة فما يجب على من جحدها أو حرفا منها.
فأجاب مانصه:
الحمد لله، القراءات التي اقتصر عليها ألشاطبي والثلاث التي هي قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف متواترة معلومة من الدين بالضرورة وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل، وليس تواتر شيء منها مقصورا على من قرأ بالروايات بل هي متواترة عند كل مسلم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدارسول الله ولو كان مع ذلك عاميا جلفا لا يحفظ من القرآن حرفا.
ولهذا تقرير طويل وبرهان عريض لا يسع هذه الورقة شرحه. وحظ كل مسلم وحقه أن يدين الله تعالى ويجزمنفسه بأن ما ذكرناه متواتر معلوم باليقين لا يتطرق الظنون ولا الارتياب إلى شيء منه والله أعلم.
وانظر منجد المقرئين لابن الجزري تجد أدلة تواتر قراءة كل واحد من السبعة والآثار الدالة على ذلك وكيف أنه لو انفرد أحد بحرف عن ناحية أهل ذلك البلد من القراء كيف كانوا ينكرون ذلك عليه حتى لو كان سنده الآحاد صحيحا. لأن القرآن تعريفه أنه كلام الله المكتوب بين الدفتين المنقول إلينا بالتواتر المعجزبتلاوته.
 
ثالثا : ماذا يريد الملاحدة الجدد من القرآن الكريم
قال لي صاحبي وهو يحاورني


هذه صورة ضوئية لما بعث به أحد المجادلين في كتاب الله تعالى
فبعد حديث طويل دار بيننا حول الخط العثماني أصوله وخصائصه، وعن علم القراءات ، ذلك الفن الذي تميز به كتاب الله تعالى ..أجد من المناسب أن أركز في حديثي هنا عن افتراءه على كتاب الله تعالى وذلك بقوله: ( ..التي أرى أن اليهود تدخلوا فيها قديما حين سئلوا عن التقاء الساكنين فأشاروا بحذف الساكنين)




كتبت إليه الآتي:
يا أستاذ صبحي
لقد أمعنت النظر كثيراً عند كلمتك عن اليهود أنهم (سُئِلوا) عن التقاء الساكنين..فقلت لنفسي لعله قصد (سألوا)..ولكن إجابتك جاءت شافية وموضحة اللبس الذي عندي حينما قلت عنهم (فأشاروا ) ـ أي اليهود ـ ( بحذف الساكنين)..رداً على السؤال الموجه إليهم..
ما هذا التهريج يا أستاذ صبحي..
منذ متى كان اليهود هم علماء هذه الأمة في اللغة العربية وفي علوم القرآن الكريم نتلقى عنهم علوم القرآن الكريم ومعارفه؟.
فهل كان قالون وابن وردان والكسائي وابن جمَّاز وخلف وابن كثير وهشام وابن عمرو ويعقوب وابن زكوان، وأبي حاتم السجستاني، وابن فتيبة وأبي الفضل الرازي،وابن الجزري، علماء الأمة في القراءات ، كل هؤلاء كانوا تلاميذ اليهود؟..
سبحانك هذا افتراء عظيم..لم يقل به أي كافر من الملة السابقة، ولم يدعه اليهود انفسهم..
يا أستاذ صبحي
أتستطيع إعراب هذا البيت؟..



أخاك أخاك إن من لا أخاً له = كساع إلى الهيجا بغير سلاح



دعني أوفر عليك مشقة الأمر، ولسوف أعربه أنا.


أخاك: مفعول به لفعلٍ محذوف وجوباً تقديره ألزم ولعامة نصبه الألف لأنه من الأسماءالستة
وهو مضاف والكاف مضاف إليه .
أخاك الثانية توكيد لفظي.
إن : حرف مشبه بالفعل .
من اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم إن.
لا: نافية للجنس.
أخاً : اسم لا مبني على الألف وهو مضاف والهاء مضاف إليه واللام مقحمة بين المضاف
والمضاف إليه . والجملة الاسمية لا محل لها صلة الموصول الاسمي.
كساعٍ:الكاف حرف ساعٍ اسم مجرور بالكاف وعلامة جرة الكسرة المقدرة على الياء المحذوفةلالتقاء الساكنين.
وبيان ذلك أن الصرفيين قالوا: أن أصل الكلمة: ساعي (اسم منقوص).
ثم نُوّنتْ فصارت هكذا: (ساعي ٍ = ساعينْ)، فالتقى ساكنان هما: ياء المنقوص ونون التنوين، فحذف حرف العلة، (وحروف العلة دائمًا ما تكون كبش الفداء!(فصارت الكلمة هكذا: ساع ٍ.
إن أصل ( ساعٍ)ساعيٌ في حال الرفع ، وساعيٍ في حال الجر فاستثقلت الضمة والكسرة على الياء فحذفتا، فالتقى ساكنان : الياء ، والتنوين فحذفت الياء تخلصًا من التقاء الساكنين.
فالمعروف أنَّ سببَ حذفِ الياءِ هنالأن كلمة َ(ساع ٍ) اسمٌ منقوصٌ حُذِفَتْ ياؤُه، مع العلم أن الياء ليست ساكنة أصلاً، وإنما عليها كسرة مقدرة، منع من ظهورها الثقل، فهي ساكنة لهذا، والكلمة مجرورة وليست في محل جر، كما يتوهم البعض.
والاسم المنقوص تُحذف ياؤُه إذا كان مرفوعًا أو مجرورًا غير معرَّف....
ونحنهنا أمام نحو وصرف، فالنحو في الجر وتقدير الكسرة،والصرف في حذف ياء المنقوص لالتقاء الساكنين... وهذا يسمى الحذف لفظاً وخطاً.
أي أنه قد التقى ساكنان: ياء المنقوص ونون التنوين..
وثمة حذف آخر لفظي فقط، والشيء بالشيء يذكر، وهو ما يقع في المقصور المنون مثل:
(هدىً .. عصاً ) فالألف القائمة أو المقصورة هما شيء واحد من حيث لفظهما ، ولكنالألف هنا قد سقطت لفظا ً لا كتابة لالتقاء الساكنين أصلاً..
إلى الهيجاء : جارومجرور متعلق بساعٍ .
بغير سلاحِ متعلقة بساعٍ أيضاً.
هذه هي اللغة العربية في أبسط معانيها ثم تأتي أنت لتقول لي أن التقاء الساكنين من صناعة اليهود


هذا نموذج من نماذج ملاحدة العصر الحديث..


 
رابعا
نأخذ مثال أخر لملاحدة العصر الدكتور مهندس محمد شحرور
في كتابه

الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة

دراسة وتقويم
ألّف الدكتور مهندس محمد شحرور كتاباً تحت عنوان (الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة)
زعم فيه أنه أراد حل مشكلة الجمود الذي سيطر على الفكر الإسلامي لعدة قرون، والذي دعاني إلى كتابة هذه الدراسة عدة أمور :
الأول : تزكية روبرت بللترو - وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق - لكتاباته ووجهات
نظره، وقد جاءت هذه التزكية في تصريح أشاد فيه بثلاثة كتّاب هم : محمد سعيد العشماوي
من مصر ، ومحمد أركون من الجزائر ، ومحمد شحرور من سورية .
الثاني : تزويد القارئ المسلم بنموذج من صور الانحراف والضلال في بعض الكتابات التي
تزعم التجديد في الإسلام دون استخدام الأصول والمنطلقات الصحيحة التي رسمها الإسلام .
إن موكب ( القراءة المعاصرة ) يعتبر حلقة من سلسلة صراع طويلة ، وله جذوره التي بدأت من أكثر من سبعين عاماً فليس محمد شحرور هو أول من قام بها أو ابتدع هذا المركب البراق بل هو حلقة من سلِسلة تعود بدايتها إلى كتابات علي عبد الرزاق وطه حسين .

لقد ألف الأول ـ على عبد الرازق ـ كتابه " الإسلام وأصول الحكم " نفى الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام ، بينما ألف الثاني ـ طه حسين ـ " في الشعر الجاهلي " الذي روج فيه لآراء المستشرق الإنجليزي مارجليوث إذ طعن في كتابه أصول ومصداقية الشعر الجاهلي مستخدماً المنهج الديكارتي بحجة مواكبة الحضارة الغربية والسير في ركاب حركة التنوير التي تمسحت بالعقل والعقلانية .
ثم جاء محمد أحمد خلف الله وألف كتاب " الفن القصصي في القرآن " وطعن في واقعية الأحداث الواردة في القصص القرآنية .
ثم آزره أمين لطفي الخولي الذي انتهج سبيلاًً أدبياً في الحديث عن الدراسات القرآنية ليُخرج النص القرآني عن كونه كتاباًً منزلاً من عند الله .
ثم تطورت اللعبة فنُحت لها هذا المصطلح الخُلَّبي " قراءة معاصرة " ولعب أدوار حلقاتها كلاً
من الدكاترة : حسن حنفي ، ونصر حامد أبو زيد والذي مات موتة حيرة الأطباء، وسيد محمود القمني ومحمد شحرور وطيب تيزيني .
فمنهم من اتخذ في كتاباته طابعاً فلسفياً ومنهم من اتخذ طابعاً أدبياً في قالب فلسفي ، كل ذلك مع أسلوب ماكر في اصطناع المصطلحات الغامضة كالغنوصية ، والأيستمولوجية، والأمبريقية ، والأنسنة ، والإسلاموية ، والسلفوية ، والماضوية ، والمستقبلوية ، والأنطولوجية، والبلشفية ، والمنشفية ، والديالكتيكية ، والسيوكولاستيكية ، والزمكانية ، والميكانزماتية، والسيميولوجية ، والهرمونوطيقية ، والديماجوجية ....الخ وألفاظ كثيرة غيرها انبهر منها كثير من السذج من المثقفين وظنوها علماً فلاكتها ألسنتهم في المجالس ورسمتها أقلامهم في الكتب لكي يقال عنهم : متنورون .. متحضرون ... عصريون .
فكلها تنتهي بالإيّة..فألف إيّة.. وتبقى إيّة واحدة هي إسلامية..
وقد تبنى جميعهم فيها المنهج المادي الديالكتيكي التاريخي الماركسي.ولم تكن كتاباتهم هذه وليدة الدراسات الاستشراقية فقط بل كانت متممة وداعمة لها فسميت بعد ذلك بـ " الدراسات الشرق أوسطية " ؛ وكانت الغاية منها هدم مفاهيم القرآن ومبادئ الإسلام وإحلال المبادئ الماركسية محلها ، ولكنهم سلكوا لذلك سبيلاً ظنوا أنهم يبدعون فيه ، فادعوا بأنهم يواكبون الحداثة وروح العصر ويسيرون في طريق التقدم والتطور ومعانقة المستقبل فرفعوا شعار العلمية والموضوعية وجعلوه حكراً عليهم مقابل نعتهم لغيرهم بالجهالة والجمود والسذاجة والعمالة والتخلف والظلامية والتحجر ووو..كما فعل ـ على سبيل المثال ـ نصر حامد أبو زيد في قراءاته المعاصرة لمقاصد الشريعة وأصول الفقه والقواعد الشرعية وكانت مجلة العربي الكويتية تنشر مقالاته .
ولعل من المفيد ذكره بيان أن هذا الموكب المريب نشط في وقت يسعى فيه أعداء الإسلام لتغيير صورة الإسلام على النمط الغربي أو على النمط الأمريكي تحت شعار العولمة في محاولة لرسم صورة جديدة للإسلام تتوافق مع المخططات السياسية للقرن الواحد والعشرين.
أما الدكتور محمد شحرور فهو أستاذ جامعي في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق وقد قضى في تأليف كتابه ـ كما زعم هو ـ أكثر من عشرين عاماً فكان في أكثر من ثماني مئة صفحة وقد أشار المؤلف في مقدمة كتابه إلى المراحل التي مر بها في تأليف الكتاب ، فكان أولها عام 1970 في ايرلندا ، وكان آخرها عام 1990 عند عودته من روسيا .
ورغم ضخامة الكتاب إلا أنه طبع أربع مرات في خمسة عشر شهراً ، فكانت الأولى في ديسمبر عام 1990 ، والرابعة في يناير عام 1992 .
أولاً: وحتى لا أضيع وقت القارئ الكريم فإني سأعرض تلخيصاً للمنهج المطبق في " الكتاب والقرآن " استنتاجاً كما عرضها السيد ماهر المنجد في كتابه " الإشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن " صـ 178 وما بعدها، بعدما قام بدراسته وبدراسة أهم الدود عليه.
فيقول :
( وقد صار بإمكاننا الآن من خلال مجمل ما قدمنا وما وقفنا عليه من الدراسة أن نستنتج المنهج الحقيقي المطبق فعلاً في الكتاب فنلخصه في البنود التالية :
1 ـ تحطيم خصائص اللغة العربية وأنظمتها .
2 ـ عدم المقدرة لقراءة المعجم وفهمه وتفسير الكلمات بغير معناها .
3 ـ مخالفة معجم المقاييس لابن فارس وإهمال المعاجم الأخرى .
4 ـ تزييف حقائق اللغة والإدعاء بما ليس فيها .
5 ـ مخالفة نظرية الجرجاني في النظم من خلال اجتثاث المفردة من سياقها وتجريدها من معناها الحقيقي .
6 ـ إغفال علوم الصرف والاشتقاق التي كان من أئمتها أبو علي الفارسي وابن جني .
7 ـ مخالفة ما ورد في الشعر الجاهلي .
8 ـ الاستخفاف بعقل القارئ وغياب المنهج العلمي الحقيقي .
9 ـ إضفاء صفة العلمية والحقيقة على افتراضات وتصورات محضة فقدت أدلتها وبراهينها.
10 ـ الانطلاق من أفكار الماركسية ومبادئها وإكراه آيات القرآن وقسرها على التعبير عنها.
11 ـ اتخاذ آيات القرآن غطاءً لأفكاره وأطروحاته وانهيار العلاقة بين التشكيل اللغوي للآية
والمعنى الذي يوضع لها من خارجها .
12 ـ إقحام علم الرياضيات واستخدام ألفاظ العلم والتكنولوجيا بغرض الإرهاب العلمي.
13 ـ بناء نظرية فقهية على أسس فاسدة ومقدمات باطلة علمياً ومنطقياً ولغوياً .
14 ـ وضع النتائج قبل المقدمات والإتيان بمقدمات واهية غير مسلم بها ولا ملزمة ولا منطقية.
15 ـ عدم التوثيق وانعدام المرجعية مطلقاً وعدم مراعاة أبسط قواعد البحث العلمي .).أ.ﻫ.

ثانياً: ولا ريب أن ما تضمنه الكتاب من ملاقاته هوى في نفوس كثير من المتحللين والإباحيين الذين لا يعنيهم إلا إرضاء شهوتهم والاستمتاع الغريزي الحيواني،وما تضمنه من إرهاب علمي ومصطلحات براقة جوفاء تبهر من يقرأها وما زعمه مؤلفه من الاعتماد على أرضية معارف القرن العشرين ومناقشاته لمواضيع وقضايا فكرية أو اجتماعية أو ... بأسلوب غير منضبط جذاب في محاولة للإقناع لتغيير الواقع ورافق ذلك دعاية إعلامية قوية روج لها منتفعون وداعمون للمشروع أدى إلى انتشار الكتاب بسرعة .

ثالثاً: ومن المناسب ذكره في هذا المقام ما قاله السيد ماهر المنجد في آخر كتابه عندما دعي من قبل الأستاذ الدكتور نعيم اليافي إلى حضور ندوة علمية خاصة مع المؤلف الدكتور محمد شحرور في دمشق نظمها اتحاد الكتاب العرب منذ أكثر من سنة وفي أثناء ذلك لا حظ المنجد أن المؤلف كان على العكس تماماً مما وجده في كتابه من تنظيم وتقسيم واصطلاحات فقد كان مشتتاً يتحدث دون ترابط سببي في كلامه ، فعندما طلب الدكتور اليافي أن يقدم الكتاب من خلال ثلاث نقاط :
1ـ تجربته مع الكتاب.
2ـ مقولته في الكتاب.
3ـ النتائج التي وصل إليها .
تحدث عن كل شيء إلا عن هذه النقاط الثلاث وكان حديثه مبعثراً ولغته سقيمة ركيكة لا تكاد تستقيم فيها جملة فصيحة ... حتى الآيات القرآنية التي كان يستشهد بها كان يغلط في قولها فيرده الحضور مرة والدكتور اليافي مرة أخرى ثم كانت الطامة الكبرى أن سمى نظرية " النَّظم " لعبد القاهر الجرجاني بنظرية " النُّظم " بضم النون وكررها أكثر من مرة ؟؟ !! .
فما النتيجة التي تخرج بها بعد ذلك يا رعاك الله ؟!.
رابعاً: وفي خريف عام 2005م جمعني ـ كاتب الدراسة زهدي جمال الدين ـ لقاء مع فضيلة الدكتور العالم محمد سعيد رمضان البوطي وذلك في مدينة صلالة بسلطنة عمان بارك الله في عمره ونفعنا بعلمه، فسألته رأيه عن كتاب الدكتور شحرور وهل تفضل بالرد عليه أم لا وكنت قد عرضت عليه بعض من ردودي على الكتاب وأريد رأيه فيها بعد أن سلمته نسخة منها..فإذا به يفجر قنبلة خطيرة لكل الحضور في هذا اللقاء، مؤداها أن فضيلة الدكتور العالم حينما تناقش مع شحرور فيما هو مكتوب واستعرض بعض النماذج الموجودة بالكتاب، فوجئ باستغراب الدكتور شحرور من أن هذه النماذج التي استشهد بها العالم الجليل الدكتور البوطي موجودة بكتابه!!!.. الأمر الذي أدرك معه الدكتور البوطي أن الكاتب ليس هو شحرور وأن هناك من كتب له هذا الكتاب حتى أن شحرور لم يعرف محتويات كتابه.. فأحجم عن الرد وأنهى الحديث...
خامساً: وأضيف هنا أيضاً ما قاله الدكتور محمد رفعت زنجير في كتابه " اتجاهات تجديدية متطرفة " صـ 41 وهو يعرض في نقد الكتاب أيضاً :
( يبقى أن نشير إلى ما سماه الكاتب [ يريد شحرور ] بالقانون الثاني للجدل ، فهو هنا يحاول إسقاط التفسير المادي للتاريخ على التاريخ الإسلامي ، والجدلية نظرية فلسفية نادى بها إنجلز مثلما نادى ماركس بالشيوعية ، وكلاهما يهوديان ، وقد هوت الشيوعية وهوى معها التفسير المادي للتاريخ وكان من المفترض طبقاً للتفسير المادي أن تكون الشيوعية هي المحطة الأخيرة في سلسلة النظم الاجتماعية التي عرفتها البشرية ، لذا فإن إسقاط المصطلحات المستوردة الميتة على كتاب الله مع ثبوت بطلانها وفشلها وإخفائها فيه تجن كبير على كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .).

سادساً: وأود أن أنبه منذ البداية أنني لا أستطيع أن أرد على كل الأخطاء التي وردت في الكتاب وذلك لضخامة حجمه الذي يبلغ (819) صفحة من جهة ، ولكثرة الموضوعات التي تحدث عنها الكاتب من جهة ثانية ، ولكني سأرد على بعض النقاط التي أراها أكثر خطورة من غيرها ، والتي يتّسع المقام للرد عليها .

1ـ قال شحرور: بما أن القرآن علم بالحقيقة الموضوعية "الموجودة خارج الوعي الإِنساني" وفيه قوانين الوجود وقوانين التاريخ، نستنتج بالضرورة أن له وجوداً مسبقاً عن التنزيل.
لذا قال تعالى عن القرآن الكريم:
[FONT=qcf_bsml]([/FONT]بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) [FONT=qcf_bsml]) البروج: ٢١ - ٢٢[/FONT]
وهو القوانين العامة الناظمة للوجود منذ الانفجار الكوني الأول وحتى البعث والجنة والنار والحساب، وأنه في إمامٍ مبينٍ وذلك بالنسبة لأحداث الطبيعة الجزئية "ظواهر الطبيعة" المتغيرة وأحداث التاريخ بعد وقوعها. ولم يقل ذلك أبداً عن أم الكتاب ولا عن الذكر ولا عن الفرقان.
 
وهذا يجرنا إلى الموضوع التالي: ما هو "اللوح المحفوظ" و"الكتاب المكنون" و"الإِمام المبين"؟
ـ اللوح المحفوظ: هو لوحة التحكم في الكون الذي نشأ فعلاً، وقد برمج القرآن المجيد في داخلها. ويمثل اللوح المحفوظ: (
information inaction).
ـ الكتاب المكنون: هو البرنامج الذي بموجبه تعمل قوانين الكون العامة
كمعلومات(information)
ـ الإِمام المبين: فيه قوانين الطبيعة الجزئية (ظواهر الطبيعة المتغيرة) آيات الله. وفيه أرشفة الأحداث التاريخية بعد وقوعها:

قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)) يس: ١٢
من هذا الإِمام المبين جاءت قصص القرآن، لذا سماها "الكتاب المبين" ففي أول سورة يوسف
قال تعالى: (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1))يوسف: ١
وفي أول سورة القصص
قال تعالى: (طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))القصص: ١ - ٢
وفي أول الشعراء
(طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))الشعراء: ١ – ٢ .

فإذا أخذنا محتويات هذه السور الثلاث نراها كلها قصص أحداث تاريخية.
أما إذا أخذنا سورة النمل فنراها تبدأ بقوله تعالى:
(طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1))النمل: ١

فإذا نظرنا إلى محتويات السورة نرى أنّ فيها آيات كونية وقصصاً معا وجاء فيها ذكر "كتاب مبين" الآية رقم 75: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75))النمل: ٧٥.
لذا نجد هنا عطف "كتاب مبين" على "القرآن" من قبيل عطف الخاص على العام.
ولهذا فإن القرآن ليس له أسباب نزول لأن أسباب النزول هي للأحكام وتفصيل الكتاب وقد قال عنه إنه أنزل دفعة واحدة عربياً وفي رمضان ..
قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185))البقرة: ١٨٥
وقال تعالى: (ِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1))القدر: ١
(الكتاب والقرن/ د. محمد شحرور). [ص ـ92]"
 
ملاحظات حول الموضوع
ـ إن القرآن والكتاب والفرقان والذكر جميعها من أسماء الوحي التنزيلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة حتى آخر الناس.
ـ وأن القرآن وصف بأنه في (كتاب مكنون):
قال تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80))الواقعة: ٧٧ - ٨٠
كما وُصف بأنه في (لوح محفوظ):
قال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) )البروج: ٢١ - ٢٢
ووصف بأنه (مبين):
قال تعالى : (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1))الحجر: ١.

ـ وأن معنى المكنون، هو أقصى حالات الحفظ والصون.

ـ ما دام أن هذه "الكتب" صدرت عن الله وأُبلغت إلى النبي بوحي "من أمره".
وما دام أن ليس للإنسان يدٌ في تحديد وظائفها وتوزيعها، لأن ذلك منوط بمشيئة من أصدرها وأوحاها وأمر بإبلاغها.

وما دام أن "البرمجة" تعني الترتيب والتبويب التي تستعين به الذاكرة لحفظ المعلومات وتنسيقها فهي إحدى حاجات الذاكرة الإنسانية التي فُطرت "محدودةً عن الكمال" ومتَّصفةً "بدواعي النقص والسهو" وهي عوارض وحاجات، لا يمكن تصورها في الله عزَّ وجلَّ الذي هو الكمال المطلق المنزه عن السهو والنقص والحاجة إلى وسائل التذكير. فالخطأ الجسيم الذي وقع فيه المؤلف، هو في أنه تعامل مع الذات الإلهية مثلما يتعامل مع الذات الإنسانية، فأخضعها للمؤثرات والعوامل التي يخضع لها الإنسان، وجعل ذاكرة الله عاجزة عن الإحاطة بقضايا الكون وإدارته وتنظيمه ما لم تستعن بالبرمجة والتقسيم والتبويب وإلا وقعت فيما تقع به ذاكرة الإنسان عندما تزدحم عليها المهمات وتتعقَّد الإجراءات.
وحاشَا لله...

ـ ثم كيف استطاع الجزم بأن القرآن نزل دون سبب (هذا عنوانه)؟ وهل يعقل أن يكون نزول هذا المعجز الإلهي عبثاً بلا سبب؟.
إن فقدان السبب، يعني فقدان الغاية والهدف، وهذا يعني، أن القرآن نزل عبثاً؟ ألم يقل المؤلف؟..إن القرآن جمع الحقائق الموضوعية المطلقة وأوجب على العلماء أن يبحثوا عنها في آياته، فأعطاهم القدرة على تأويلها، واستخراج القوانين منها ومطابقتها مع الحياة؟..
لقد كرَّر هذا القول أكثر من عشرين مرة في كتابه.
ـ ثم، ألم يقل: إن آيات القرآن هي الآيات البينات التي أوكل إليها تصديق الرسالة وقيامها بين يدي آيات الرسالة، بمهمة الحراسة والحماية من الوضع والرفع والتحوير؟..
ألا يصلح هذا أن يكون سبباً لنزول آيات القرآن؟...
لا حظ أنه لا ينسى أن يضع أمام اللوح المحفوظ تعبيراً إنجليزياً " Information in action" وكذلك أمام الكتاب المكنون "Information" أما الإمام المبين فقد ظل حرّاً يتمتع بعروبته.
2ـ استعرض الدكتور محمد شحرور في بداية كتابه منهجه الذي أقام بناء كتابه عليه وهو اعتماد المنهج اللغوي في تحديد معاني الألفاظ ، واعتماد عدم وجود الترادف في اللغة مستنداً على نظرية أبي علي الفارسي ، وقد أحسست من دراستي للكتاب بأنه يظن أنه أول المكتشفين لهذا المنهج ، ولكن الحقيقة أن المعتزلة سبقوه إلى هذا المنهج معتمدين على قوله تعالى :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4))إبراهيم: ٤
فأوقعهم هذا المنهج في ضلالات متعددة أبرزها حصرهم معنى الكلمة بالمعنى اللغوي وحده ، وقد ردَّ أبن تيمية عليهم معتمداً على منهج أهل السنة في النظر إلى هذه الألفاظ ، فبيّن أنّ بعض الألفاظ مثل : الإيمان، الصلاة ، الكفر الخ . . . نقلها الشرع من معناها اللغوي وأعطاها معنى آخر، فأصبحت مصطلحاً محدّداً وضّحه القرآن والسنة توضيحاً كاملاً ، فمثلاً لفظ الإيمان يعني لغة التصديق لقوله تعالى : (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17))يوسف: ١٧
فقول سبحانه وتعالى(وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) بمعنى وما أنت بمصدّق لنا ، لكنه يعني في الشرع الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر ، ويعني الإيمان بالله بصفاته التي وردت في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، وكذلك قل بالنسبة لبقية الأركان التي دخلت في مسمّى الإيمان ، وقد أجمل بعض علمائنا تعريف الإيمان فقالوا : الإيمان قول باللسان ، وتصديق بالجنان ، وعمل بالأركان.
وقد نتجت فروق رئيسية بين الإيمان عند المعتزلة وعند أهل السنّة نتيجة الخلاف في منهج التعامل مع كلمة الإيمان أبرزها: إدخال أهل السنّة العمل في مسمّى الإيمان وبالمقابل عدم إدخال المعتزلة له، فشتان ما بين الإيمان لغة واصطلاحاً.
وكذلك الصلاة في اللغة تعني الصلة والدعاء، لكن الصلاة في الشرع أصبحت مصطلحاً يدل على أعمال منها: القيام، والركوع، والسجود ، وقراءة الفاتحة ، والتسبيح الخ ... ويجب أن يسبق تلك الأعمال شروط منها : طهارة البدن ، وطهارة الثياب ، وطهارة المكان ، ودخول الوقت الخ ... ، ويجب أن يرافق ذلك أعمال قلبية منها : الخشوع ، والاطمئنان ، والتعظيم ، والتذلّل الخ... فشتان ما بين الصلاة لغة واصطلاحاً .
 
والآن بعد هذا التوضيح لمنهج أهل السنّة في التعامل مع المصطلحات الشرعية واختلافه مع منهج المعتزلة ، نعود إلى مناقشة الدكتور شحرور ونشير إلى الأمور التالية :
1- كرّر الدكتور محمد شحرور خطأ المعتزلة في عدم التمييز بين المصطلحات والألفاظ ، فالألفاظ التي تعرض لها الدكتور مثل : الكتاب ، والقرآن ، والنبي ، والرسول ، وأم الكتاب ، والسبع المثاني الخ . . . لم تعد ألفاظ تحتاج إلى أن نستقرئ معناها اللغوي في المعاجم ، بل علينا أن نستقرئ معناها في مصادر الشرع ، لذلك فإنّ كل الفروقات والتمييزات والمعاني التي حاول أن يستنبطها الدكتور شحرور من معاني الألفاظ المعجميّة وحدها إنما هو أمر لا طائل تحته ، وكل النتائج التي بناها على التفريق بين الكتاب والقرآن ، وأنّ القرآن هو الآيات المتشابهات والسبع المثاني الخ . . . نتائج غير صحيحة لأن الشرع هو الذي حدّد مضمون هذه الألفاظ ، وعلى كل من يريد أن يفهم الدين عليه أن يلِجَه من باب مصطلحاته الخاصة التي رسمها وحدّد معناها ، وفي تقديري إنّ مثل هذه الخطوة طبيعية وهي من حق كل مذهب وعلم ودين أن يحدّد مصطلحاته الخاصة التي تكون مدخلاً له.
2- حمّل الدكتور شحرور بعض الألفاظ معاني لا تسمح بها اللغة ولا سياق النص ، ومن أمثلة ذلك تفسيره عبارة أم الكتاب التي وردت في ثلاثة آيات كريمة برسالة محمد صلى الله عليه وسلموأضاف إلى ذلك تحديد مضمون تلك الرسالة وهي الحدود والأخلاق والعبادات وتعليمات خاصة وعامة ، ولو فسّرنا كلمة "أم الكتاب" معجميّاً لوجدناها تعني "أصل الكتاب" ، ولو استقرأنا الآيات التي وردت فيها تلك العبارة لوجدنا أنها تحتمل معنيين :
الأول : الآيات المحكمات .
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)) آل عمران: ٧
وقد فصّلت كتب علوم القرآن تعريف المحكم وتعريف نقيضه المتشابه .
الثاني : اللّوح المحفوظ
قال تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39))الرعد: ٣٩
وقال تعالى: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4))الزخرف: ٤
وفي كلا الحالين يتّضح تحميل الدكتور شحرور للفظ "أم الكتاب" معاني لا يحتملها التحليل اللغوي ولا سياق النّص ، وممّا يزيد في اعتسافه أنه حدّد الآيات المحكمات بالحدود والأخلاق والعبادات ، لكنّه يمكن أن تكون الآيات المحكمات في صفات الله تعالى ، أو بعض آيات الجنّة والنّار الخ . . . كقوله تعالى :
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ *)الإخلاص
وكقوله تعالى : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ * ) الإخلاص
وكقوله تعالى عن الجنّة :
(الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)فاطر: ٣٥
3ـ اعتسف الدكتور شحرور في التفسير اللغوي لبعض الألفاظ ، فهو قد اعتبر قول القائل "سبحان الله" إقراره بقانون هلاك الأشياء ـ ما عدا الله ـ نتيجة التناقض الذي تحويه داخليّاً ، وهو قد استهزأ بكل التفسيرات التي تعتبر قول المسلم "سبحان الله" بمعنى تنزيه الله عن كل نقص وعيب ، ووصفه ـ تعالى ـ بكل صفة كمال ، وكانت حجّته في ذلك أنّ النقائص والعيوب تحمل مفهوماً نسبيّاً ، ولا أدري ما الذي يضير المعنى عندما ينزّه المسلم الله عن كل عيب مطلق أو نسبي ؟! ولكن هناك قضية أخرى بالإضافة إلى اعتساف الدكتور في مجال المعنى هي أنّ عبارة "سبحان الله" تتألّف من مضاف ومضاف إليه ، والتي تعني إضافة شيء إلى ذات الله ، والواضح أنّ صيغتها النّحويّة لا تسمح بتفسيرها إلا بالمعنى الذي قال به علماء التفسير وهو إضافة التنزيه لذات الله ، ولا تسمح صيغتها النّحويّة بالمعنى الذي ذهب إليه الدكتور شحرور .
ومما زاد في خطأ استنتاجه وأحكامه في أحيان كثيرة رفضه للسنة كمبيّن ومقيّد ومفصّل لآيات القرآن الكريم، ليس هذا فحسب بل اعتباره تطبيق الرسولصلى الله عليه وسلم للإسلام هو اجتهاده غير الملزم لنا في شيء، وهو فهمه الخاص المرتبط بالمستوى المعرفي للجزيرة العربية ، وهو فهم نسبي، وهو في هذا يلتقي مع كثير من الفئات المنحرفة التي عادت السنة المشرفة قديماً كالمعتزلة والخوارج ، ويلتقي مع كثير من الشخصيات التي هوّنت من شأن السنة حديثاً ودعت إلى طرحها جانباً : كحسين أحمد أمين ، ومحمد أبو القاسم حاج حمد الخ . . .
وليس من شك بأن هذه الأقوال في التهوين من شأن السنة المشرّفة والدعوة إلى طرحها جنباً ، تتناقض تناقضاً كاملاً مع أمر الله تعالى في عشرات الآيات الكريمة من القرآن الكريم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلمإلى جانب طاعته سبحانه وتعالى، وقد أشار إلى جانب من ذلك الشافعي ـ رحمه الله ـ في بداية كتاب "الرسالة" ، والتي تساءل فيها : من أين لنا أن نستدل على لزوم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ فأجاب بأن القرآن هو الذي وجّهنا إلى ذلك ، وأوجب علينا ذلك ، واستشهد بالآيات التي أمرت بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها قوله تعالى
frown.png
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)النساء: ٥٩

ومنها
frown.png
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)النساء: ٨٠

ومنها: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)الحشر: ٧
ومنها : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)النور: ٥١
إنّ النظر إلى القرآن وحده دون الأخذ بالسنة معه هو الذي جعل الكاتب يخرج علينا بتفاسير غريبة لبعض الآيات الكريمة أو بعض المعاني القرآنية : كالقيامة والبعث والصور والساعة والسّبع المثاني الخ . . .
وسأمثّل لذلك بمثال واحد هو تفسيره للسّبع المثاني.
قال تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ)الحجر: ٨٧
فلقد أورد ما جاء عن أصلها في مقاييس اللغة حيث قال :
( المثناةُ : طرف الزمام في الخشاش ) وإنما يثنى الشيء من أطرافه ، فالمثاني إذاً أطراف السور وهي إذن فواتحها ، فتوصّل إلى أنّ السبع المثاني هي سبع فواتح للسور ، فإذن السبع المثاني هي الفواتح التالية :
1ـ ألم 2ـ ألمص 3ـ كهيعص 4ـ يس 5ـ طه 6ـ طسم 7ـ حم

ثم نظر إلى الأحرف التي تتضمنها الآيات السبع السابقة فوجدها تتألف من 11 حرفاً ، وأخذ الأحرف التي وردت في بداية سور أخرى ولم ترد في الفواتح السابقة فوجد أنها ثلاث هي :
1ـ القاف 2ـ الراء 3ـ النون . نجمعها مع الأحرف السابقة فصارت أربع عشر أحرفاً ، وأشار إلى أنها أصبحت (7 × 2) وهي أيضاً سبع مثان .

وربط بين ما توصّل إليه وهو أنّ أحرف السور الفواتح بلغت أحد عشر حرفاً وبين قول علماء اللغويات واللسانيات من أنّ الحد الأدنى لأية لغة إنسانية معروفة في العالم هو أحد عشر صوتاً، واعتبر أنّ هذا هو الحد الأدنى اللازم من الأصوات لأي تفاهم بيننا وبين أية مخلوقات يمكن أن توجد في الكواكب الأخرى في المستقبل .

هذا ما أورده الدكتور شحرور في تفسيره للسبع المثاني.
ولنر ما ورد في السنّة عن تفسير السّبع المثاني لنر مدى ابتعاده عن الصواب لغة وشرعاً وعقلاً .
قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله تعالى ـ في مسنده عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله تعالى عنه قال : "كنت أصلّي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صلّيت ، قال : فأتيته فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ قال ، قلت : يا رسول الله إني كنت أصلّي قال :
ألم يقل الله تعالى
frown.png
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)الأنفال: ٢٤

ثم قال : لأُعلّمنّك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد .
قال : فأخذ بيدي فلمّا أراد أن يخرج قلت : يا رسول الله إنك قلت لأعلّمنّك أعظم سورة في القرآن .
قال : نعم " الحمد لله رب العالمين " هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" .
وقد وردت بعض الروايات تفسّر الفاتحة بالسّبع المثاني فقط
 
والآن : هل بعد تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للسّبع المثاني من تفسير؟.
لا أظن أنه يجوز لمسلم بعد أن يسمع تفسير الرسول صلى الله عليه وسلمأن يتطلع إلى تفسير آخر ، وأحب أن أُنوّه بالإضافة إلى ما سبق إلى أنّ تفسير السنّة للسّبع المثاني أصوب من ناحية لغويّة مما ورد عند الدكتور شحرور لأنه اختار كلمة مثناة وترك الأصل ثني ، وقد جاء في مقاييس اللغة عن الأصل ثني ما يلي :
( الثاء والنون والياء أصل واحد وهو تكرير الشيء مرتين ، أو جعله شيئين متواليين أو متباينين ) والحقيقة إنّ هذا التعريف اللغوي أكثر انطباقاً على الفاتحة وهو أصل المعنى لأن الفاتحة سبع آيات تتكرّر وتثنى في كلّ صلاة ، لذلك لم يأخذ به الدكتور شحرور واختار كلمة أخرى هي "المثناة" ليجعلها أصلاً في دراسته ، وليصوغ النتيجة التي يريد أن يتوصّل إليها وهي مطابقة الأحرف في فواتح السور مع أصل الأصوات في اللغات الإنسانية .
وقد انتبه خيار الصحابة إلى أنّ فهم القرآن الكريم دون ربطه بالسنّة قابل لكل التفسيرات ، لذلك وجّه علي بن أبي طالب أبن عبّاس رضي الله عنهما أن يحاجج الخوارج بالقرآن الكريم والسنّة المشرفة معاً عندما أرسله لمناقشة الخوارج فقال له : لا تحاججهم بالقرآن وحده فإنّ القرآن حمّال أوجه ، حاججهم بالسنّة .
حرص الدكتور محمد شحرور على فتح ثغرة في فهم المسلمين للنص القطعي الثبوت القطعي الدلالة ، وهو في هذا يلتقي مع عدد من الكتّاب يركّزون على فتح هذه الثغرة في هذا الوقت من أمثال : عادل ضاهر ، وحسين أحمد أمين ، ونصر أبو زيد ، ومحمد سعيد العشماوي الخ . . . وكل كاتب تناول بعضاً من هذه الآيات ، فنصر أبو زيد تناول آيات صفات الله تعالى ، وأحمد أمين تناول آيات الحدود ، ومحمد سعيد العشماوي تناول آيات الحجاب والمرأة ، وعادل ضاهر تناول النص القطعي الثبوت القطعي الدّلالة بشكل عام وضرورة فهمه فهماً جديداً مبايناً لكل الأفهام السابقة ، وكل واحد منهم دعا إلى أن نطور فهمنا لهذه الآيات القطعية الثبوت القطعية الدلالة ، ودعوا إلى عدم التوقف عند فهم الرسول والصحابة وعند فهم علماء المسلمين هذا الفهم الذي استمر على مدار ألف وأربعمائة عام بل يجب أن نفهمها على ضوء معطيات العصر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، وحشد كل منهم حججه الخاصة ، ولكن قبل أن أستعرض حجج الدكتور محمد شحرور أود أن أنبه إلى خطورة الانسياق في هذه الدعوة التي تنتهي إلى مسخ الدين ، وجعله أُلعوبة بيد أصحاب الأهواء ، وينتهي حينئذ ديننا إلى ما انتهت إليه الأديان السابقة بأن يكون مبرراً لكل انحرافات البشر وتابعاً لانحدارهم .
تناول الدكتور محمد شحرور كل النصوص القطعية الثبوت القطعية الدّلالة تقريباً فهو تناول آيات الحدود وآيات الربا وآيات الميراث وآيات الطلاق والزواج الخ . . . المهم أنه انتهى من تناوله لكل الآيات السابقة إلى فهمها فهماً جديداً مخالفاً لكل الأفهام التي طرحت سابقاً ، فهو بالنسبة للربا حرّم ربا أضعاف المضاعفة ، وبالنسبة لآيات الميراث أباح التلاعب بالأنصبة التي حدّدها الشرع لكل فرد من أفراد الأسرة ، وبالنسبة لتعدد الزوجات أباحه من الأرامل ذوات الأولاد ، وبالنسبة لمعالجة الزوجة الناشز فقد ألغى بعض مراحل معالجة نشوزها الخ . . . .
وقد استند كل مَنْ تناول النص القطعي الثبوت القطعي الدّلالة على شبهة تطور المحيط البشري، فهناك الجديد المتطور باستمرار في العلم والأدوات والأشياء والوسائل الخ . . . وبالتالي يجب أن يكون هناك تطور بالأحكام مرافق للتطور المحيط بنا ، ولكن نسي أولئك القائلون بذلك القول أنّ هناك أشياء ثابتة في كيان الإنسان إلى جانب الأشياء المتطورة والمتغيرة التي أشاروا إليها ، وإنّ الإسلام عندما وضع آيات الحدود والميراث والزواج والطلاق والمرأة الخ . . . ربطها بالجانب الثابت من الكيان الإنساني ، فهناك التجاذب بين الذكر والأنثى ، وهناك الأسرة ، وهناك شهوة المال ، وشهوة النساء، وشهوة الانتقام الخ . . . وهي أمور ثابتة إلى قيام الساعة فلابد من حدود ثابتة مرتبطة بها ، فكانت تشريعات الزواج والطلاق والميراث وأحكام الأسرة وحدود السرقة والزنى والقتل .
وإنّ أكبر دليل على أنّ الإسلام دين الله العليم الخبير هو أنه راعى الثابت والمتحوّل في الكيان الإنساني والحياة البشرية ، فأنزل الشرائع الثابتة للجوانب الثابتة في كيان الإنسان ، وأعطى أُطراً عامة للأمور المتحولة في حياة الإنسان ، فالإسلام مثلاً أعطانا أحكاماً عامة محدودة في مجال الحياة الاقتصادية فحرّم الربا وأحلّ البيع وأوجب الزكاة وفرض الميراث ولم يلزمنا بزراعة معيّنة ولا بطرق زراعيّة معيّنة ولا بموادّ معيّنة ولا بتجارة معيّنة ولا بصناعة معيّنة الخ . . . إنما ترك ذلك لظروف الزمان والمكان .
ولقد حدّثنا القرآن عن أمور غيبيّة متعددة ، فحدثنا الله تعالى عن ذاته وعن الجنّة والنار والملائكة وخلق الإنسان وخلق الكون الخ . . . ومن الواضح أنّ قوانين عالم الغيب لا تنطبق بحال على عالم الشهادة ، وإن معظم الضلال الذي وقع فيه الفلاسفة والمعتزلة جاء من قياس عالم الغيب على عالم الشهادة وسحب قوانين الشهادة على عالم الغيب ، وقد وقع الدكتور شحرور في هذا الخطأ ، ومن أمثلة هذا قياسه كلام الله على كلام البشر ، لذلك تخيّل أنّ القرآن الموجود في اللوح المحفوظ لابد له من الانتقال إلى صيغة لسانية عربية قبل إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم ليلة القدر وهي ليلة إشهار القرآن الكريم في نظره .
ولكن هذا القرآن الكريم الذي تكلّم الله به والذي كان موجوداً في اللوح المحفوظ ، لا نعرف الكيفية التي تكلم الله بها لأننا نجهل ذات الله وبالتالي لا نستطيع أن نخوض في هذه التفصيلات لأنها ستكون بلا سند شرعي أو عقلي .
دندن الدكتور شحرور كثيراً على الجبريّة في فهم القضاء والقدر ، مع أنّ المسلمين الأوائل لم يفهموا القضاء والقدر بحال من الأحوال على أنّه السلبية والتواكل وسلب الإرادة ، بل فهموا القضاء والقدر على أنه الإيجابية نحو الأحداث ، والأخذ بالأسباب وثمّ التوكل على الله ، كذلك كان فهم القضاء والقدر بتلك الصورة عاملاً إيجابياً في بناء الشخصية المسلمة على مدار التاريخ ، وفي دفعها إلى الفعل والبناء وإعمار الكون، وجلّ الدَخَن الذي دخل فهم المسلمين للقضاء والقدر من ثقافات خارجية وأبرزها التصوف الذي رسّخ السلبية ، ودعا إلى إسقاط التدبير والانشغال بالذات وترك الخلق للخالق
 
وقد تجاوز المسلمون هذا الفهم الخاطئ للقضاء والقدر في العصر الحديث ، وجاء ذلك نتيجة عاملين :
الأول : إبراز معظم الصالحين أوجه القصور في فهم القضاء والقدر الذي ورثناه في العصور المتأخرة ، وإبراز الصورة الصحيحة لما يجب أن يكون عليه الإيمان بالقضاء والقدر .
الثاني : انحسار موجة التصوف التي كانت سبباً في رواج الفهم الخاطئ للقضاء والقدر .
لذلك فإني أرى أنّ دندنة الدكتور شحرور حول القضاء والقدر ليست في محلّها بعد أن تجاوز المسلمون هذه الظاهرة في وقتنا الحاضر .
اعتمد الدكتور محمد شحرور على عقله وحده في تفسير كثير من الآيات الكريمة فجاء بعجائب من التفسير ، وهو أمر طبيعي لكل من اعتمد على العقل وحده دون المزاوجة بين العقل والنقل في فهم الآيات وتفسيرها ، ودون الاعتماد على المأثور من الأقوال، ونستطيع أن نمثّل على مقولتنا بآيتين :
الأولى:
قوله تعالى
frown.png
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر: ٢٤

فسّر النذير بالملاك ، وقرّر أنّ الله كان يرسل ملائكة إلى البشر قبل نوح عليه السلام الذي اعتبره أوّل رسول إلى البشر ، وزعم أنّ قوله تعالى
frown.png
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) الشعراء: ١٠٥ وقوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) القمر: ٢٣ يعني أنّ تلك الأقوام كذّبت بنبيّهم وبالملائكة الذين أرسلوا إلى البشر يكلّمونهم ويدعونهم ، ورفض التفسير الذي ذكرته معظم التفاسير وهو أنّ الله سبحانه بيّن أنّ تكذيب رسول واحد يعني تكذيب جميع رسله ، لذلك جاءت كلمة الرسل بالجمع وليس بالمفرد لتشير إلى هذا المعنى .

الثانية : قوله تعالى : (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)القصص: ٨٨
فسّرها بأنّ هذا الكون يحمل تناقضاته ، وأنّ المادة تحمل تناقضها معها ، لذلك فإنّ هذا الكون سيتدمّر وسيتبدّل وسيهلك ، ولكن هلاكه سيحوّله إلى مادة أخرى ، وهذا هو تفسيره ليوم القيامة ، وهو يعتبر أنّ الجنّة والنار غير موجودتين وستوجدان عند تحوّل هذا الكون إلى مادة أخرى ، وهو في هذا يرفض الأحاديث الشريفة التي قرّرت وجود الجنّة والنار ، ولا أريد أن أسرد عشرات الآيات والأحاديث التي تدحض تفسيره للآية السابقة ، ولكنّي أريد أن أسأله بمنطقه اللغوي الذي اعتمده : كيف يمكن أن يوفّق بين المدلول اللغوي للآية الكريمة السابقة وهو الذي يعني بكل بساطة فناء المخلوقات الأخرى وهلاكها وبين تحوّلها إلى مادة أخرى ؟ فأين هو إذن الهلاك للمادة ؟.
التأويل أحد مباحث علوم القرآن ، ويحتوي على عدة أقسام مقبولة منها : التأويل بمعنى تحقيق الشيء ، ومنها : التأويل بمعنى التفسير، ولكن علماءنا حذّروا من أحد أقسامه التي تقوم على صرف ألفاظ الآية المؤوّلة عن المعنى الراجح إلى معنى مرجوح لا تسمح به اللغة ، وقد جاء تحذيرهم ذلك نتيجة استخدام الفِرَق المنحرفة له في خدمة أهوائها وضلالاتها ، ولأنه أدّى إلى ضياع حقائق الدين ومعالمه التي رسمها محمّد صلى الله عليه وسلم ، فهل أخذ الدكتور شحرور بهذا التأويل ؟ نعم لقد أخذ به ، ليس هذا فحسب بل دعا وقَنَّن له ، ولن أعرض لكل تلك التأويلات لكن سأعرض لواحد منها . قال تعالى في سورة الفجر: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ *)الفجر: ١ - ٣
 
فسّر الدكتور شحرور الآيات السابقة بما يلي :
( فالخلق الأول بدأ بانفجار كوني هائل حيث قال : "والفجر . وليال عشر . والشفع والوتر" حيث إنّ الفجر هو الانفجار الكوني الأول "وليال عشر" معناه أنّ المادة مرّت بعشر مراحل للتطوّر حتى أصبحت شفّافة للضوء ، لذا أتبعها بقوله "والشفع والوتر" حيث أنّ أول عنصر تكوّن في هذا الوجود وهو الهيدروجين وفيه الشفع في النواة والوتر في المدار ، وقد أكّد هذا في قوله تعالى :
( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)هود: ٧
والهيدروجين هو مولّد الماء ، أي بعد هذه المراحل العشر أصبح الوجود قابلاً للإبصار لذا قال سبحانه وتعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الأنعام: ١
ـ الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة. ص235ـ.

ليس من شك بأنّ الدكتور شحرور قد ابتعد في متاهات التأويل عندما فسّر الفجر بالانفجار الكوني الأول ، وفسّر الليالي العشر بمراحل تطوّر المادة العشر ، وفسّر الشفع والوتر بغاز الهيدروجين لأن معطيات السورة لا تسمح بمثل هذا التأويل ، ولو أقررناه على تأويله لأعطينا الفرصة لكل صاحب بدعة أن يُطوّع آيات القرآن حسب بدعه وهواه .
والآن : بعد هذا العرض السريع لبعض تجاوزات الدكتور شحرور وضلالاته وانحرافاته لا نستطيع إلا أن نقول إنّ الكتاب ليس حلاًّ لمشكلة الجمود في الفكر الإسلامي ، بل هدماً لكثير من أركان وأُسس ومنطلقات الفكر الإسلامي والدين الإسلامي .
وقد أراد الشحرور بتحريفاته أن يصنع دينًاجديدًا ، فصار يبدل بأحكام الشريعة حسب هواه ، متخذًا لذلك حيلة التأويل والتعطيللآيات الأحكام ، التي جاءت في كتاب الله تعالى .. وإن متابعته في تحريفاته في هذاالشأن يتطلب عدة مجلدات ، لذلك فسوف نقدم نماذج من تحريفاته فقط ، وقد جعل من نفسهإمامًا للمجتهدين المعاصرين، فألغى أحكام الدين، وهو يناقض دين الله لعبادهزاعمًا أنه يستخرجه من كتاب الله بالتأويل الملائم لحاجات العصر(التحريف المعاصر في الدين ، ص219 ، الشيخ عبد الرحمن حبنكة .).
ولنأخذ ثلاثة نماذج من تحريفاته الفقهية:
النموذج الأول: تلاعبه في مفهوم الآيات المشتملة على ذكر حدود الله :
في الآيات(13 ـ 14)من سورة النساء ، في قوله تعالى : (ينظر : الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص453 وما بعدها).
فقسم حدود الله إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : له حد أدنىوهذا يجوز الزيادة عليه ، وقد ضرب مثلاً على هذا القسم ، ما له حد أدنى من المحرماتمن النساء اللاتي جاء في القرآن تحريم نكاحهن ، فقال : هذه المحرمات هي الحد الأدنىولا يجوز النقصان عنه على أساس أنه اجتهاد ، ولكن يمكن الاجتهاد بزيادة العدد ،كتحريم بنات العم والعمة ، وبنات الخال والخالة.!!.
القسم الثاني : له حد أعلى، وهذا يجوز النقص منه ، وضرب مثلا له عقوبات السرقة والقتل ، فيجوز النقصان من قطعيد السارق مثلاً ، على أساس أنه اجتهاد ، ولكن لا يجوز الزيادة عليه !!
القسمالثالث : له حد أعلى وحد أدنى ، وهذا يجوز النقص من حده الأعلى والزيادة على حدهالأدنى .وضرب مثلاً لذلك ، أحكام الميراث ، فالحد الأعلى ، هو ميراث الذكر الذي هوضعف ميراث شقيقته الأنثى ، فيجوز الزيادة عليه ، ولكن لا يجوز النقص منه ، ويجوزإصدار قانون بإعطاء الأنثى أكثر من نصف ميراث شقيقها ، ولكن لا يجوز إعطاؤه أقل مننصف ميراثه !!
هذا كفر صريح ، وتبديل لدين الله ، إذ جعل شحرور من نفسه شريكالله عز وجل في بعض خصائص ربوبيته، وهى أحكام شريعته لعباده(التحريف المعاصر في الدين، عبد الرحمن حسن حبنكة ، ص196 – 197)..
فشحرور يرىهنا أن مفهوم السنة ، يعنى أن محمدًا صلى اله عليه وسلم اجتهد في الحدود بمايتلاءم مع ظروف شبه الجزيرة العربية في القرن السابع ، وهذا لا يعنى أبدًا أنه إذاطبق في موقف من المواقف الحد الأدنى ، أو الحد الأعلى ، علينا أن نلتزم بهذا الموقفأو ذاك وأن نستمر عليه إلى ( أن تقوم الساعة ) تحت شعار تطبيق السنة ، لأن هذاالموقف ليس له علاقة بالسنة(تهافت القراءةالمعاصرة : د. منير محمد الشواف ،ص23) .
 
النموذج الثاني من تحريفاته الفقهية : ما أسماه بالفقه الجديد في موضوع المرأة :

وقد خبط ولفق في هذا الموضوع خبط عشواء. فأعطى نموذجًا عن آرائه هذه في عدة نقاط منها :تعدد الزوجات والإرث والمهر، وحق العمل السياسي، والعلاقات بين الرجل والمرأة(الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص592 – 629 ، محمد شحرور) .
ففي تحريفه حول تعدد الزوجات ،جعل الإذن هنا مقتصرًا عليه في حاله أن تكون الثانية فالثالثة فالرابعة من الأرامل أو المطلقات، لا من الأبكار، ومن شاء أن يتزوج أرملة أو مطلقة ولها أولاد، فعليه أن يتحمل إعالة أولادها ، فيما يزعم ويفتري على دين الله (التحريف المعاصر في الدين ، ص233 ، الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني . ) .
2 ـ ومن تحريفاته وضلالاته أنه زعمه أن نشوز الرجل هو الشذوذ الجنسي، كما أن الرجل في نظره لا يملك حق طلاق زوجته.
3 ـ ومن ذلك وقاحته فيما يتعلق بلباس المرأة وحدود عورتها .
فهو يرى أن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة عريانين، ثم قيدهما بحدودونصحهما بتعليمات، فكان للمرأة عورة في الحياة العامة والمجتمع، وعورة أمام المحارم .
فأمام الأجانب ( غير المحارم ) للمرأة أن تظهر كل جسدها باستثناء الجيوب ، وجيوب المرأة (حسب فهمه الماركسي الإباحة ) هو كل ما له طبقتان أو طبقتان مع خرق، وهى ما بين الثديين وتحتهما، وتحت الإبطين، والفرج والإليتين، وما عدا ذلك فليس بعورة علمًا بأن الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[ الأحزاب : 59]هي للتعليم وليست للتشريع (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص453 وما بعدها) !!
* أما أمام المحارم، فالمرأة ليس لها عورةعلى الإطلاق، فهي تجلس معهم كما خلقها الله عارية من كل شيء، وأن الأب أو الأخ مثلاً، إذا جلست ابنته أو أخته عارية أمامه في البيت، لا يجوز له أن يقول لها : اذهبي والبسي ثيابك، لأن هذا حرام، بل يقول لها : هذا عيب. وكذلك الأمر مع سائرالمحارم في نظره(الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص453 وما بعدها) !!!
وبذلك يكون الشحرور ، قد فاق أساتذته ( ماركس ولينينوفرويد ... ) في نشر الإباحية والتخلي عن الحياء والفطرة ، مع إلباس ذلك كله لبوس الإسلام .
النموذج الثالث من تحريفاته : ما يتعلق بإباحة الربا(الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : محمد شحرور، ص467).
فقد زعم الكاتب أن الربا الذي يترتب على إقراض البنوك لذوي الفعاليات الاقتصادية ،الصناعية والتجارية ونحوها جائز، بشرط ألا يزيد على ضعف رأس المال في السنة الواحدة، وزعم أن هذا هو المقصود بقوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ]آل عمران : 130 .
أن الآية نزلت في أوائل العهد المدني لكف المؤمنين كفًا ابتدائيًا عن الربا ، بتحريم الأضعاف المضاعفة ، ثم نزل التحريم البات للربا قليلة وكثيرة في آيات سورة البقرة ،في أواخر العهد المدني في قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ] البقرة : 278 – 279
وأي ربا في البنوك العالمية يصل إلى ضعف رأس المال في السنة الواحدة ؟!..
وهو بذلك يزعم أن معاملات البنوك الربوية في العالم كلها تطبق أحكامَا يجيزها الإسلام ، وهذا عدوان صفيق على كتاب الله تعالى(الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : محمد شحرور، ص467،التحريف المعاصر في الدين ، ص199 - 201 ، عبد الرحمن حبنكة).

 
رابعاً: تنوير الأفهام في مصادر الإسلام

في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، نشرت الجمعية الإنجليزية المكلفة بالدعوة إلى النصرانية كتاب "تنوير الأفهام في مصادر الإسلام" ، لأحد الحاقدين على الإسلام وأهله الدكتور" سنكلير تِسدَل " والذي أورد في الفصل الثاني تحت عنوان " تأثيرات عرب الجاهلية " ما يلي:
(...إن بعض آيات القرآن مقتبسة من القصائد التي كانت منتشرة ومتداولة بين قريش قبل بعثة محمد. وأوردوا بعض قصائد منسوبة إلى امرئ القيس مطبوعة في الكتب باسمه تأييداً لقولهم. ولا شك أنه ورد في هذه القصائد بعض أبيات تشبه آيات القرآن، بل هي عينها، أو تختلف عنها في كلمة أو كلمتين، ولكنها لا تختلف معها في المعنى مطلقاً.




ثم أورد الأبيات هكذا:


دنت السـاعةُ وانشقَّ القمر عن غزالٍ صاد قلبي ونفر
أحور قد حرتُ في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حَوَر
مرَّ يوم العيـد في زيـنتـــه فرماني فتعاطى فعقر
بسهـامٍ من لـِحاظٍ فاتــكِ فتَرَكْني كهشيمِ المُحتظِر
وإذا ما غــاب عني ساعةً كانت الساعةُ أدهى وأمرّ
كُتب الحسنُ على وجنته بسَحيق المِسْك سطراً مُختصَر
عادةُ الأقمارِ تسري في الدجى فرأيتُ الليلَ يسري بالقمر
بالضحى والليلِ من طُرَّته فَرْقه ذا النور كم شيء زَهَر
قلـتُ إذ شقَّ العِذارُ خدَّه دنت الساـعةُ وانشقَّ القـمر
وله أيضاً:


أقبل والعشاقُ من خلفه كأنهم من كل حدبٍ يَنْسلون
وجاء يوم العيد في زينته لمثل ذا فليعملِ العاملون
ويقول: (.... أن الأبيات المذكورة واردة في سورة القمر 54:1 و27 و29؛ وفي سورة الضحى 93:1 و2؛ وفي سورة الأنبياء 21:96؛ وفي سورة الصافات 37:61، مع اختلاف طفيف في اللفظ وليس في المعنى. مثلاً ورد في القرآن «اقتربت» بينما وردت في القصيدة «دنت». فمن الواضح وجود مشابهة بين هذه الأبيات وبين آيات القرآن. فإذا ثبت أن هذه الأبيات هي لامرئ القيس حقيقةً، فحينئذ يصعب على المسلم توضيح كيفية ورودها في القرآن، لأنه يتعذر على الإنسان أن يصدق أن أبيات وثني كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم.


ولستُ أرى مخرجاً لعلماء الإسلام من هذا الإشكال إلا أن يقيموا الدليل على أن امرئ القيس هو الذي اقتبس هذه الآيات من القرآن، أو أنها ليست من نظم امرئ القيس الذي توفي قبل مولد محمد بثلاثين سنة. ولو أنه سيصعب علينا أن نصدق أن ناظم هذه القصائد بلغ إلى هذا الحد من التهتك والاستخفاف والجراءة، بعد تأسيس مملكة الإسلام حتى يقتبس آياتٍ من القرآن ويستعملها بالكيفية المستعملة في هذه القصائد!..)أﻫ..
 
الرد على هذا الباطل
1ـ لقد تصدى العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله لهذه الفرية ، وردها بالأدلة والبراهين الدامغة، ونحن ننقل هنا شيئا من كلامه لأهميته.
قال رحمه الله :" لولا أن في القراء بعض العوام ، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي ، بل يجب أن تكون لتلميذ أو مبتدئ ضعيف في اللغة من أهل الحضر المخنثين عشاق الغِلمان ، فهي في ركاكة أسلوبها وعبارتها وضعف عربيتها وموضوعها ، بريئة من شعر العرب لا سيما الجاهليين منهم ، فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم ، وأبلغ بلغائهم .
وهب أن امرأ القيس زير النساء كان يتغزل بالغلمان ـ وافرضه جدلا ـ ولكن هل يسهل عليك أن تقول : إن أشعر شعراء العرب صاحب ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) يقول : أحور قد حرت في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حور ، وتضيق عليه اللغة فيكرر المعنى الواحد في البيت مرتين ؛ فيقول : أحور بعينيه حور .
أتصدق أن عربيا يقول : انشق القمر عن غزال ، وهو لغو من القول ؟ وما معنى : دنت الساعة في البيت ؟ وأي عيد كان عند الجاهلية يمر فيه الغلمان متزينين ؟.. وهل يسمح لك ذوقك بأن تصدق أن امرأ القيس يقول : فرماني فتعاطى فعقر، وأي شيء تعاطى بعد الرمي ، والتعاطي : التناول ... وهل يقول امرؤ القيس : لحاظ فاتك ؟ فيصف الجمع بالمفرد .
وهل يشبّه العربي طلوع الشعر في الخد بالسُرى في الليل؟ مع أنه سير في ضياء كالنهار؟
وكيف تفهم وتعرب قوله :


بالضحى والليل من طرته فرقه *** ذا النور كم شيء زهر
وهل يقول عربي، أو مستعرب فصيح في حبيبه: إن العذار شق خده شقًّا ؟!.... بعد هذه الإشارات الكافية في بيان أن الشعر ليس للعرب الجاهليين، ولا للمخضرمين، وإنما هو من خنوثة وضعف المتأخرين، أسمح لك بأن تفرض أنه لامرئ القيس إكراما واحتراما للمؤلف – أي مؤلف كتاب "تنوير الأفهام" - ، ولكن هل يمكن لأحد أن يكرمه ويحترمه فيقول : إن الكلمات التي وضع لها العلامات هي عين آيات القرآن ؟ .... وليس في القرآن ( فرماني فتعاطى فعقر ) وقد ذكرنا لك الآية آنفا ، وقوله ( تركني كهشيم المحتظر ) مثله ، وإنما الآية الكريمة (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) القمر: ٣١ ..فالمعنى مختلف والنظم مختلف ، وليس في البيت إلا ذكر المشبه به ، وهو فيه في غير محله ؛ لأن تشبيه الشخص الواحد بالهشيم يجمعه صاحب الحظيرة لغنمه لا معنى له ، وإنما يحسن هذا التشبيه لأمة فُنيت وبادت كما في الآية ...
وليس في القرآن أيضًا : كانت الساعة أدهى وأمر ، وإنما فيه(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ* بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) القمر: ٤٥ - ٤٦، فههنا وعيدان شرهما الساعة المنتظرة فصح أن يقال : إنها أدهى وأمر ، وليس في البيت شيء يأتي فيه التفضيل على بابه .
واعلم أن هذا الشعر من كلام المولدين المتأخرين هو أدنى ما نظموا في الاقتباس ، ولم ينسبه إلى امرئ القيس إلا أجهل الناس .
ثم إن المعنى مختلف، والنظم مختلف، فكيف يصح قول المؤلف ـ أي مؤلف كتاب "تنوير الأفهام" ـ : إن هذه الكلمات من آيات القرآن، وإنها لا تختلف عنها في المعنى، ولو فرضنا أن هذه الكلمات العربية استعملت في معنى سخيف في الشعر ليس فيه شائبة البلاغة، ثم جاءت في القرآن العربي بمعان أخرى وأسلوب آخر، وكانت آيات في البلاغة كما أنها في الشعر عبرة في السخافة، فهل يصح لعاقل أن يقول : إن صاحب هذا الكلام البليغ في موضوع الزجر والوعظ مأخوذ من ذلك الشعر الخنث في عشق الغلمان، وأن المعنى واحد لا يختلف؟. فمن كان معتبرا باستنباط هؤلاء الناس وتهافتهم في الطعن والاعتراض على القرآن فليعتبر بهذا، ومن أراد أن يضحك من النقد الفاضح لصاحبه، الرافع لشأن خصمه فليضحك، ومن أراد أن يزن تعصب هؤلاء النصارى بهذا الميزان فليزنه ، وإنه ليرجح بتعصب العالمين.". ا.ﻫ [ مجلة المنار 7 / الجزء 5 / ص 161 ].
 
2ـ وقال الأستاذ محمد أبو الفضل في مقدمة دراسته عن امرئ القيس وشعره :
" استفاضت أخباره على ألسنة الرواة ، وزخرت بها كتب الأدب والتراجم والتاريخ ، ونسجت حول سيرته القصص، وصيغت الأساطير، واختلط فيها الصحيح بالزائف، وامتزج الحق بالباطل، وتناول المؤرخون والأدباء بالبحث والنقد والتحليل وخاصة في العصر الحديث ... وفي جميع أطوار حياته منذ حداثته وطراءة سنه، إلى آخر أيامه، قال الشعر وصاغ القريض ... وأصبح عند الناس قدر وافر من قصيده ، فنحلوه كل شعر جهل قائله، أو خمل صاحبه، من جيد يعسر تمييزه عن شعره ، ورديء سفساف مهلهل النسج ، سقيم المعنى
، وللعلماء من القدماء حول هذا الشعر وتحقيق نسبته إليه أقوال معروفة مشهورة " .ا ﻫ.
[ امرؤ القيس ص 6 ].

فلو نسبت الأبيات التي هي موضع الشبهة إلى امرئ القيس دون سند أو برهان ، فلا شك حينئذ في أنها منحولة ومكذوبة عليه ، ومع ذلك فإنه حتى في المنحول الذي يذكره من جمع شعر امرئ القيس و ما نحل عليه لا تذكر هذه الأبيات .

وقد استدل بعضهم بما أورده الإمام عبد الرءوف المناوي في كتابه " فيض القدير شرح الجامع الصغير [ مسألة رقم 1625 الجزء 3 ص 187] "..
حيث قال ما نصه :"
1625 - (امرؤ القيس) بن حجر بضم الحاء بن الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد القصائد (قائد الشعراء إلى النار) أي جاذبهم إلى جهنم (لأنه أول من أحكم قوافيها) أي أتقنها وأوضح معانيها ولخصها وكشف عنها وجانب التعويص والتعقيد، قيل كان إذا قيل أسرع وإذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال التبريزي: وأشعر المَرَاقِسَة امرؤ القيس الزائد وهو أول من تكلم في نقد الشعر وقال العسكري في التصحيف أئمة الشعراء سبعة امرؤ القيس هذا ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى ثم جرير ثم الفرزدق ثم الأخطل وسئل كثير من أشعر الناس قال الملك الضليل قيل ثم من قال الغلام القتيل طرفة قيل ثم من قال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه وقال ابن عبد البر: افتتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرّمة وقيل لبعضهم من أشعر الناس قال امرؤ القيس إذا ركب والأعشى إذا طرب وزهير [ص 187] إذا رغب والنابغة إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس إنه راهق ولم يقل شعراً فقال أبوه هذا ليس باني إذ لو كان كذلك لقال شعراً فقال لاثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه فمضيا به حتى وصلا المحل المعين فشرعا ليذبحاه فبكى وقال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوا بين الدخول فحومل
فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض قد وقف واستوقف وبكى واستبكى ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت فقام إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقاً وآخر شعر قاله امرؤ القيس إنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر فأخبر بأنها بنت ملك فقال:

أجارتنا إن المزار قريب * وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا * وكل غريب للغريب نسيب

قال في الزاهر أنشد عمر هذين فأعجب بهما وقال وددت أنها عشرة وإني علي بذلك كذا وكذا، وفي الأوائل للمؤلف وغيره أن أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه وأول من قصد القصائد امرؤ القيس وقيل عبد الأحوص وقيل مهلهل وقيل الأفوه الأودي وقيل غير ذلك ويجمع بينهما بأنه بالنسبة للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل ، فقال :


يتمنى المرء في الصيف الشتاء *** حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره
وقال:

اقتربت الساعة وانشق القمر * من غزال صاد قلبي ونفر
وقال:
إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها * ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل * فإما عليها وإما لها
وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) عبس: ١٧.
وقوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)القمر: ١.
وقوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا):الزلزلة: ١ .
وقوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ):القمر: ٣١ .
وقوله تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ):القمر: ٢٩.
وقوله تعالى: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ): القمر: ٤٦

ونقول.. أن بعض الأبيات السابقة منسوبة بالفعل إلى غير امرئ القيس ، قال الذهبي المتوفى سنة 748 ﻫ ، في تاريخ الإسلام في ترجمة " محمد بن محمد بن عبد الكريم بن برز ـ المعروف بمؤيد الدين القمي ـ" :
" وكان كاتبا سديدا بليغا وحيدا ، فاضلا، أديبا، عاقلا، لبيبا، كامل المعرفة بالإنشاء، مقتدرا على الارتجال ... وله يد باسطة في النّحو واللّغة، ومداخلةٌ في جميع العلوم ....إلى أن قال: أنشدني عبد العظيم بن عبد القويّ المنذري، أخبرنا عليّ بن ظافر الأزديّ، أنشدني الوزير مؤيّد الدّين القمّي النائب في الوزارة الناصرية، أنشدني جمال الدّين النّحويّ لنفسه في قينة:

سمّيتها شجراً صدقت لأنّـهـا **** كم أثمرت طرباً لقلب الواجد
يا حسن زهرتها وطيب ثمارها **** لو أنّها تسقى بـمـاءٍواحـد

وبه – يعني بالإسناد السابق - قال:
وأنشدنا لنفسه:

يشتهي الإنسان في الصّيف الشّتا **** فإذا مـا جـاءه أنــكـــره
فهو لا يرضى بـعـيشٍ واحـدٍ **** قتل الإنـسـان مـا أكـفـره "

فهذا الذهبي ـ وهو من المتقدمين ـ يروي البيتين السابقين بالسند منسوبين إلى غير امرئ القيس.
على أن "التيفاشي" ـ وهو من كبار أدباء العرب توفي سنة 651 ﻫ ـ صاحب كتاب " سرور النفوس بمدارك الحواس الخمسة" ينسب البيتين [ ص 89 ] إلى يحيى بن صاعد، قال :" يحيى بن صاعد :

يشتهي الإِنسانُ في الصيفِ الشتا *** فإذا جاء الـشـتـا أنـكـرَهُ
فهو لا يرضـى بـحـالٍ أبـداً *** قُتِلَ الإنـسـانُ مـاأكـفـره " ا.ﻫ

وأيا كان الأمر ، فإن "التيفاشي" والذهبي متقدمان على المناوي ، وقد نسبا كما رأيت البيتين إلى غير امرئ القيس.

5ـ أن البيتين المنسوبين إليه ، والذين ذكرهما المناوي، وهما :

يتمنى المرء في الصيف الشتاء *** حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره

في هذين البيتين خلل من ناحية الوزن الشعري، وبيانه أن كل أشطار البيتين من بحر الرمل، إلا الشطر الثاني من البيت الأول ، فهو من بحر الرجز، ولا يمكن أن يقع هذا من مثل امرئ القيس، اللهم إلا إذا أخذنا بالرواية التي ذكرها الذهبي في تاريخه والتي نسب فيها البيتين إلى غير امرئ القيس، أو الرواية التي ذكرها "التيفاشي"، فحينئذ يستقيم البيت على بحر الرمل.

 
وعموما فلقد قال المناوي في المسألة رقم (244 ) في الجزء الأول تحت عنوان زلة العالم:

(احذروا زلة العالم) أي احذروا الاقتداء به فيها ومتابعته عليها .... (فإن زلته تكبكبه)... بضم المثناة فوق وفتح الكاف وسكون الموحدة (في النار)... أي تقلبه على رأسه وترديه لوجهه فيها لما يترتب على زلته من المفاسد التي لا تحصى لاقتداء الخلق.

غفر الله له ولنا ونعوذ بالله من الزلل.

6 ـ أن بعض المفسرين أنكر هذين البيتين صراحة ، قال محمود الألوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ):" قال الإمام – أي الرازي - إن الجملة الأولى تدل على استحقاقهم أعظم أنواع العقاب عرفا ، والثانية تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعا ، ولم يسمع ذلك قبل نزول القرآن ، وما نسب إلى امرئ القيس من قوله :



يتمنى المرء في الصيف الشتا *** فإذا جاء الشتا أنكره


فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره


لا أصل له ، ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي " ا ﻫ [ روح المعاني 30 / 44 ] ، فانظر إلى كلام من ذاق أشعار العرب ، وألف أساليبهم ، حيث لم يخف عليه ركاكة الألفاظ وضعف السبك .
أن أي نقد يوجه إلى شيء من الأبيات المنسوبة إلى امرئ القيس ، يوضح ضعف سبكها ، وتهلهل نسجها ، وسقم معناها ، وسخف بعض التراكيب فيها ، فالبيت الذي فيه :



اقتربت الساعة وانشق القمر*** من غزال صاد قلبي ونفر


ما المراد بالساعة واقترابها، إن كان المراد بالساعة يوم القيامة، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنون بالمعاد، فضلا عن أن يذكروه في أشعارهم أو يضعوه في قصائدهم، وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيبة كما يزعم البعض، فما المراد حينئذ بقوله ( وانشق القمر)، فإن كان المراد انشقاق القمر فعلا، فهذا كذب ، إذ لم ينشق القمر في عهدهم أبدا، بل انشق على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاءت بذلك الروايات، وإن كان المراد بالقمر ذكر المحبوبة، فليس من عادة العرب التعبير عن جمال المحبوبة بانشقاق القمر، وأي جمال في انشقاق القمر إذا انشق، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوبة، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله ، لا بانشقاق القمر، ثم انظر إلى ركاكة الأسلوب في البيت السابق وقارنه بقول امرئ القيس في معلقته :



قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل


فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها *** لما نسجتها من جنوب وشمأل

وقوله :


مكر مفر مقبل مدر معا *** كجلمود صخر حطه السيل من عل

وقوله :


ألا عم صباحا أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في العصر الخالي


بل قارن الأبيات التي هي موضع الشبهة ، والتي ذكرت أول البحث، بما ثبت نحله على امرئ القيس، وجزم بأنه ليس من قوله، مثل :


ترى القنة الحقباء منها كأنها *** كميت يبارى رعلة الخيل فارد

ومثل :


وآليت لا أعطي مليكا مقادتي *** ولا سوقة حتى يئوب ابن مندله

ومثل :


فجعت به في ملتقى الحي خيله *** تركت عناق الطير تحجل حوله

وإذا قرأت الأبيات السابقة، والتي ثبت أنها منحولة على امرئ القيس، علمت أن الأبيات التي هي موضع الشبهة مكذوبة لا شك في ذلك، وأنها من أردأ المنحول.

أن البيت الذي فيه :
مر يوم العيد بي في زينة *** فرماني فتعاطى فعقر
يظهر منه ركاكة الأسلوب ، فإن قوله ( فتعاطى) جاء بعد قوله ( فرماني)، فإذا كان قد رماه ، فأي شيء تعاطاه ، والتعاطي هو تناول الشيء، فلماذا يتعاطى شيئا بعد أن رماه، وكان المفترض أن يتعاطى شيئا ثم يرميه به ، لا أن يرميه ثم يتعاطى ، وقد جاء بعد هذا البيت : بسهام من لحاظ .. أي أنه قد رماه بسهام من سهام العيون ، وإذا كان الأمر كذلك فما فائدة قوله : ( فتعاطى فعقر) إلا الزيادة في قبح الأسلوب ورداءة المعنى، على أن العقر إن أريد به الذبح فإنه لا يأتي في اللغة إلا في الناقة والخيل، يقال : عقرت الناقة ، وعقرت الخيل، ولا يقال عقر بمعنى ذبح إلا في الناقة والخيل.
وإن أريد به الجرح، فإن البيت موضوع أصلا للدلالة على الرمي المعنوي بسهام العيون، لا على الرمي الحقيقي بآلة أو نحو ذلك، وأيا ما كان الأمر فإن ضعف الأسلوب وركاكة التعبير تخجل من نسبة هذا الشعر إلى شاعر مولد فضلا عن شاعر عربي جاهلي.

أن البيت الذي فيه :
بسهام من لحاظ فاتك*** فر عني كهشيم المحتظر

فيه ركاكة وخلل تركيب واضحين، فقوله ( كهشيم المحتظر) لا معنى له في البيت، فإن
( هشيم المحتظر) هو حشيش الحظائر البالي الذي تدوسه الأغنام بأقدامها، أو هو العظام المحترقة، أو التراب المتناثر من الحائط كما جاء في تفسيرها [ انظر تفسير الطبري 11 / 561 ] ، فأي علاقة بين ذلك وبين فراره عنه، وما وجه الشبه، وهل يفر وهو كهشيم المحتظر؟ أم كان الأولى به أن يهلك ويموت إذا صار كهشيم المحتظر، وقارن بين ضعف التشبيه هنا، وقوته في قوله تعالى:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ):القمر: ٣١ .
10ـ أن المناوي رحمه الله صاحب فيض القدير ، لم تكن له عناية في كتابه ذلك إلا بشرح أحاديث الجامع الصغير، فلم يعتن بجمع الشعر أو نسبته ، أو تمحيص رواياته، وكتابه "فيض القدير" ليس كتابا معتمدا في نقل الشعر أو نسبته، وإنما هو كتاب في شرح الحديث، هذا فضلا عن كونه من المتأخرين، حيث توفي سنة 1029 ﻫ ، فكيف يصبح كلامه مقدما على كلام من سبقه من أساطين اللغة وعلماء الأدب والبلاغة ولا شك في أن نسبته لتلك الأبيات إلى امرئ القيس خطأ محض ، كما سبق بيانه ، ولهذا لا يذكر لها سندا أو عزوا أو مصدرا .

11ـ أن كفار قريش كانوا أعلم الناس بأشعار العرب ، وأحفظهم له، وأعرفهم بمداخله ومخارجه، وقد كانوا مع ذلك أحرص الناس على بيان كذب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنه ما هو إلا ساحر أو كاهن أو شاعر، ومع ذلك كله لم يقل له أحد منهم : إن ما جئت به يشبه شعر امرئ القيس أو أحد غيره، فضلا عن أن يقول له إن ما جئت به مقتبس من شعر من سبق، وإذا كانوا قد ادعوا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاعر، ورد الله تعالى عليهم بقوله:
(وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ)الحاقة: ٤١، فلم يستطيعوا تكذيب كلام الله تعالى ، ولم يقدروا على أن يأتوا بدليل على كلامهم إلا التهويش والتكذيب ، ولو كان ذلك الشعر من كلام امرئ القيس ، لكان كفار قريش وصناديد الكفر أول من يستعين به في رد كلام الله تعالى .

12ـ أن الوليد بن المغيرة شهد على نفسه وقومه من قبل بأن القرآن الكريم ليس من جنس شعر العرب ، فضلا عن أن يكون مقتبسا منه ، قال الوليد :" والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا " ، وإذا كان كذلك علم أن الأبيات السابقة مكذوبة لا محالة .
وقال ضماد بن ثعلبة الأزدي لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح مسلم :
" لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر " .
وفي قصة عتبة بن ربيعة حين جاء يفاوض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يترك دعوته ويعرض عليه المال والملك والسلطان ، فقرأ عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من القرآن ، فلما رجع إلى قومه وجلسوا إليه قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني والله قد سمعت قولاً ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا الكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم .
ولما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء ، فاسمع من قوله ثم ائتني ، فانطلق أخوه حتى قدم مكة وسمع من قوله ، ثم رجع إلى أبي ذر فقال : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وكلاما ما هو بالشعر ، فقال : ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة ليسمع منه ، ثم أسلم رضي الله عنه.

13ـ وختاما ، فإن أي محاولة للتشكيك في إعجاز القرآن وبلاغته ، إنما هي محاولة فاشلة يائسة ، فقد اجتمع في كفار قريش أقوى عاملين للتشكيك في القرآن الكريم.
العامل الأول: كونهم أهل اللغة العربية ، وفيهم فطاحل الشعراء والخطباء.
والعامل الثاني: رغبتهم الجامحة في إطفاء نور الله تعالى والصد عن سبيله.
ومع ذلك كله، لم يستطيعوا أن يخفوا أو ينكروا إعجاز القرآن وبلاغته وقوته، بل نسبوا إعجازه إلى ما لا يحسنه كل أحد كالسحر والكهانة، فأي تشكيك بعدهم في بلاغة القرآن الكريم وإعجازه، إنما هو ضرب من الكذب والهذيان، إذ إن أولى الناس بهذا التشكيك ـ وهم كفار قريش ـ وقفوا حائرين أمام عبارات القرآن وآياته، فكيف بالمولدين بعدهم ممن لا يحسن أحدهم إعراب جملة، أو بناء قصيدة، فضلا عن أن يعارض معلقة من المعلقات المشهورة.قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)الصف: ٨.

 
خامساً:
الرد على طعن الملاحدة في تواتر القرءان الكريم
تعلق بعض الْملاحدة بحديث أنس في حصر من جمع القرآن في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. [ رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ح 5004(8/663).
وقد صرح أنس في هذه الرواية بصيغة الحصر، قال الحافظ: وقد استنكره جماعة من الأئمة.( يعني التصريح)، انظر فتح الباري (8/668).]
وفي رواية قتادة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ. [رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159) ح 3810، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.]
فقالوا: كيف يكون القرآن متواترًا، مع ما يروى عن أنس مِن حَصْر مَن جمع القرآن في هؤلاء الأربعة.
وتعلقوا أيضًا بأن أسانيد القراء تدور على ثمانية فقط من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إن هذا العدد لا يبلغ مبلغ التواتر.
 
ويجاب عن حديث أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ بوجوه:
أولاً: الجواب بأن الحصر في كلام أنس إضافي، لا حقيقي.
أي أن قول أنس (أَرْبَعَةٌ) لا مفهوم له؛ وليس الحصر في كلامه حقيقيًّا، بل هو حصر إضافي، أي: بالإضافة إلى غيرهم، وإلا فأين الخلفاء الأربعة، وأين سالْم مولى أبي حذيفة، وأين أبو موسى وغيرهم.
ولذلك ثلاثة أدلة:

الأول: كثرة الحفاظ من الصحابة:
فقد روي حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ، وثبت في الصحيح أنه قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن، [ رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب من يُنْكَب في سبيل الله. صحيح البخاري مع فتح الباري (6/23) ح2801، ومسلم في كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد ح 677. صحيح مسلم مع شرح النووي (13/46-47).] وروي أنه قتل في وقعة اليمامة [اليمامة من حروب الردة، وقعت سنة 11 هـ، سبق الحديث عنها ص 15.] مثلهم.
فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بِمن لم يُقتل مِمَّن حضرها، ومن لم يحضرها وبقي بالْمدينة أو بمكة أو غيرهما.


الثاني: استحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله.
أي بتقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف له الإحاطة بكل من جمع القرآن مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلدان، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ، وهذا في غاية البعد في العادة.
وقد يكون مراده: الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من الْمهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان الْمراد نفي علمه، وإذا كان الْمرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.
كما أنه لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنَّهم لم يجمعوه، [ والذين منهم من كان يقول: وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. كما روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ـ صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (8/662) ح 5002 ـ.
مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بِهم، ونحن نرى أهل العصور اللاحقة يحفظ القرآن منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟ مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونَها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن، وما سمعوه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف نظن بِهم إهماله ؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد جمع القرآن إلا الأربعة الْمذكورون. [نكت الانتصار لنقل القرآن ص 67، وفتح الباري (8/667-668)، وشرح النووي على صحيح مسلم (16/19)، والإتقان (1/200).].


الثالث: اختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة
فمِمَّا يدل على إرادة الحصر الإضافي اختلاف الرواية عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ في تحديد الأربعة، ففي رواية: أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد، [رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.].. وفي رواية أخرى أبو الدرداء مكان أبيٍّ، [رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ انظر الصحيح مع فتح الباري (8/663) ح 5004.] وهذا دليل على عدم إرادة الحصر الحقيقي، فهو صادق في كلتا الروايتين ؛ لأنه ليس معقولاً أن يكذب نفسه، فتعين أن الْمراد بالحصر هنا حصر إضافي، بأن يقال: إن أنسًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم تعلق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبا الدَّرْداء دون أُبَيِّ بن كعبٍ. [ مناهل العرفان (1/243-245).].
كما اختلف العلماء في تحديد أبي زيدٍ الْمذكور في هذا الحديث، فبعضهم يَجعله سعد بن عبيد الأوسي، وبعضهم يجعله قيس بن السكن الخزرجي، وبعضهم يصحح أنَّهما جميعًا جمعا القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ،ـ [أسد الغابة في معرفة الصحابة (6/128).] وبعضهم يجعله قيس بن أبي صعصعة. [ذكره ابن أبي داود فيمن جمع القرآن. انظر فتح الباري (8/669).].
والاختلاف في تحديد الْمعدود الْمحصور يدل على عدم إرادة الحصر الحقيقي.

ثانيًا: الجواب بتقدير مراد أنس بالحصر الإضافي:
وذلك بوجوه:
الأول: أن الْمراد به: لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك.
الثاني: أن الْمراد: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، وما لم ينسخ غيرهم.
الثالث: أن الْمراد بجمعه: تلَقِّيهِ من فِي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بغير واسطة، بخلاف غيرهم، فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة.
الرابع: أنَّهم تصدوا لإلقائه وتعليمه، فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم عمن عُرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه.
الخامس: أن الْمراد بالجمع في هذا الحديث الكتابة، فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظًا عن ظهر قلب، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة، وحفظوه عن ظهر قلب.
السادس: أن الْمراد أن أحدًا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ إلا هم، بخلاف غيرهم، فلم يفصح أحد منهم بأنه أكمل حفظه إلا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نزلت آخر آية منه، فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة مِمَّن جمع جميع القرآن. [نكت الانتصار لنقل القرآن ص 68-69، وفتح الباري (8/667)، والإتقان (1/200-201).].

ثالثًا: مع التسليم بثبوت كلام أنس على الحصر الحقيقي، فإن ذلك لا يقدح في تواتر القرآن.
فلو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة، لم يقدح ذلك في تواتر القرآن؛ فإن أجزاءه حفظ كلَّ جزءٍ منها خلائق لا يحصون، يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعُهم جميعَه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك، ولم يخالف في هذا مسلمٌ ولا ملحدٌ. [شرح النووي على صحيح مسلم (16/20)، وفتح الباري (8/668)، والإتقان (1/200).].
وهناك احتمالات ضعيفة فيها تكلف، [انظر فتح الباري (8/668-669).] منها:
1 - أن الْمراد بجمعه السمع والطاعة له، والعمل بموجبه.
2 - أن الْمراد إثبات ذلك للخزرج فقط دون الأوس، فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من الْمهاجرين ومن جاء بعدهم.
أما دوران أسانيد القراء على ثمانية من الصحابة فقط، فيجاب بأن هؤلاء الثمانية هم الذين نقل إلينا قراءتهم، ولا ينفي ذلك إقراء غيرهم، ومعرفتهم بقراءة هؤلاء، وإقرارهم عليها.
كما أن تواتر القرآن يختلف عن تواتر الحديث، فعند علماء الحديث من أقسام الْمتواتر: تواتر الطبقة، ومثلوا له بتواتر القرآن، فقد تلقاه جيل عن جيلٍ، فهو لا يحتاج إلى إسناد. [تعليقات اليماني على نزهة النظر ص 22.].
 
الجمع العثماني ومزاياه
وهو على ثلاثة مباحث

المبحث الأول: عمل عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ في جمع القرآن
المبحث الثاني: مزايا جمع القرآن في عهد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ
المبحث الثالث: الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث



المبحث الأول: منهج عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ في جمع القرآن
كان المقصود من جمع القرآن زمن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ قطع دابر الفتنة التي طرأت على المسلمين من الاختلاف في كتاب الله، بجمع وتحديد الأوجه المتواترة المجمع عليها في تلاوة القرآن، وإبعاد كل ما لم تثبت قرآنيته، سواء بنسخ، أو بأن لم يكن قرآنًا أصلاً.
قال القاضي الباقلاني: لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُما في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنزيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد. [البرهان في علوم القرآن (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن (1/171).].
فأراد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أن ينسخ من الصحف التي جمعها أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ مصاحف مجمعًا عليها تكون أئمة للناس في تلاوة القرآن.
قال ابن حزم: خشي عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أن يأتي فاسقٌ يسعى في كيد الدين، أو أن يهِمَ واهمٌ من أهل الخير، فيبدِّل شيئًا من المصحف، فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجمعًا عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفًا، لكي -إن وهم واهمٌ، أو بدَّل مبدِّل- رُجِع إلى المصحف المجمع عليه، فانكشف الحق، وبطل الكيد والوهم. [الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/212-213).].
فلم يكن قصد عثمان جمع ما ليس مجموعًا، فقد كان القرآن زمن الصديق قد جُمِع، وإنما قصَدَ نسخَ ما كان مجموعًا منه زمن الصديق في مصاحف يقتدي بِها المسلمون.
قال النووي: خاف عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحفَ، وبعث بِها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة، وغيرهم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُم .ـ [التبيان في آداب حملة القرآن ص 96.].
قال البيهقي: ثم نسخ (زيدٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ) ما جمعه في الصحف (في عهد أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ) في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ على ما رسم المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.ـ [دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة (7/148).].
2 - خطة العمل
شرع الصحابة الموكلون بجمع القرآن في كتابة المصحف الإمام، الذي نسخوا منه بعد ذلك المصاحف المرسلة إلى الأمصار، وكان الخليفة عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ يتعاهدهم ويشرف عليهم، وكان الموجودون من الصحابة جميعًا يشاركون في هذا العمل.
ويُمكن أن يلخص منهج الجمع العثماني فيما يأتي:
1 - الاعتماد على جمع أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، ويظهر هذا جليًّا في طلب عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ الصحف التي جمع فيها أبو بكرٍ القرآن من حفصة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، وقد كانت هذه الصحف -كما مرَّ- مستندةً إلى الأصل المكتوب بين يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.وبذلك ينسد باب القالة، فلا يزعم زاعم أن في الصحف المكتوبة في زمن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ما لم يُكتب في المصحف العثماني، أو أنه قد كتب في مصاحف عثمان ما لم يكن في صحف أبي بكر. [ الكواكب الدرية ص 21.].
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: … فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِها حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ. [رواه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4987.].
2 - أن يتعاهد لجنة الجمع ويشرف عليها خليفة المسلمين بنفسه:
فعن كَثِير بن أفلَحَ قال: لَمَّا أراد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار ، فيهم أُبَيُّ بن كعبٍ وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الرَّبْـعَةِ [الرَّبْعَة: جُونة العطَّار، وصندوق أجزاء المصحف. القاموس المحيط (ربع) ص 929.]..التي في بيت عُمَرَ، فجِيء بِها، قال: وكان عثمانُ يتعاهدهم. [رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33، وأورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن أبي داود، وقال: إسناده صحيح. فضائل القرآن ص 45.].
3 - أن يأتي كلُّ مَن عنده شيءٌ من القرآن سمعه من الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ بِما عنده، وأن يشترك الجميع في علم ما جُمِع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحدٌ عنده شيء منه، ولا يرتاب أحدٌ فيما يودَع المصحف، ولا يُشَكُّ في أنه جمِع عن ملأٍ منهم. [ انظر البرهان في علوم القرآن (1/238-239).]
ويدل على ذلك ما صحَّ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ أنه قال: يا أيها الناسُ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إلاَّ عن ملأٍ منَّا جميعًا، فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كُفْرًا. قلنا: فماذا ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحفٍ واحدٍ، فلا تكون فرقةٌ، ولا يكون اختلافٌ. قلنا: فنعم ما رأيت. [رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30. وقال الحافظ ابن حجر: بإسنادٍ صحيح. فتح الباري (8/634).].
وورد كذلك أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ دعا الناس إلى أن يأتوا بِما عندهم من القرآن المكتوب بين يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ، وأنه كان يستوثق لذلك أشد الاستيثاق.
فعن مصعب بن سعد قال: قام عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ فخطب الناس فقال: أيها الناس! عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة سنةً، وأنتم تَمترون في القرآن… فأَعْزِم على كل رجل منكم ما كان معه من القرآن شيءٌ لَمَا جاء به، وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرةً، ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلاً رجلاً، فناشدهم: لَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ القرآن في المصاحف. ص 31.].
4 - الاقتصار عند الاختلاف على لغة قريش.
كما جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا. [ رواه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4987.].
والمقصود من الجمع على لغة واحدة: الجمع على القراءة المتواترة المعلوم عند الجميع ثبوتُها عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإن اختلفت وجوهها، حتى لا تكون فرقةٌ ولا اختلاف، فإن ما يعلم الجميع أنه قراءة ثابتة عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يختلفون فيها، ولا ينكر أحدٌ منهم القراءة بِها.
قال أبو شامة: يحتمل أن يكون قوله: نزل بلسان قريش، أي: ابتداء نزوله، ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم. [فتح الباري (8/625).].
فلعلَّ عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ عندما جمع القرآن رأى الحرف الذي نزل القرآن أولاً بلسانه أولى الأحرف، فحمل الناس عليه عند الاختلاف. [ فتح الباري (8/625).].
وقد اختلف الصحابة في كلمة (التابوت) هل هي بالتاء أم بالهاء.
كما قال الزهري: واختلفوا يومئذٍ في (التابوت) و(التابوه)، فقال النفر القرشيون: (التابوت)، وقال زيدٌ: (التابوه)، فرُفِع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه (التابوت)، فإنه بلسان قريشٍ. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ القرآن في المصاحف ص 26، وانظر فتح الباري (8/635).].
على أنه قد ورد أن الذي رأى أنَّها بالتاء هو زيدٌ، كما روى الطحاوي عن زيد ابن ثابت أنَّه لَمَّا بَلَغَ: } إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ{، [ سورة البقرة من الآية 248.] قَالَ زَيْدٌ: فَقُلْت أَنَا: (التَّابُوتُ)، فَرَفَعْنَا ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ (التَّابُوتُ). [ رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193).].
5 - أن يُمنع كتابة ما نُسخت تلاوته، وما لم يكن في العرضة الأخيرة، وما كانت روايته آحادًا، وما لم تُعلم قرآنيته، أو ما ليس بقرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة، شرحًا لمعنىً، أو بيانًا لناسخ أو منسوخٍ، أو نحو ذلك. [ انظر البرهان في علوم القرآن (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن (1/171).].
ومِمَّا يدل لذلك ما ورد عن محمد بن سيرين عن كَثِير بن أفلَحَ قال: فكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخَّروه، قال محمد: فقلت لكَثِيرٍ -وكان فيهم (فيمن يكتب): هل تدرون لم كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33، وأورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن أبي داود، وقال: إسناده صحيح. فضائل القرآن ص 45.].
6 - أن يشتمل الجمع على الأحرف التي نزل بِها القرآن، والتي ثبت عرضها في العرضة الأخيرة [انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 387-388.] مع مراعاة ما يأتي:
أ- عند كتابة اللفظ الذي تواتر النطق به على أوجهٍ مختلفةٍ عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، يبقيه الكَتَبَةُ خاليًا عن أية علامة تقصِر النطق به على وجه واحد؛ لتكون دلالة المكتوب على كلا اللفظين المنقولين المسموعين متساوية، [ النشر في القراءات العشر (1/33).] فتكتب هذه الكلمات برسم واحدٍ في جميع المصاحف، محتمل لما فيها من الأوجه المتواترة، ومن أمثلة ذلك:
1 - قوله تعالى: ) كَيْفَ نُنْشِزُهَا(، [سورة البقرة من الآية 259.] بالزاي المنقوطة، فقد قرأها أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب } نُنْشِرُهَا {، بالراء المهملة. [ النشر في القراءات العشر (2/231).].
2 – وقوله عز وجلّ: ( هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ )[سورة يونس من الآية 30.] ، بالباء الموحدة من البلوى، فقد قرأ حمزة والكسائي وخلف: ( هُنَالِكَ تَتْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ )، بالتاء المثناة من التلاوة، مكان الباء الموحدة. [ النشر في القراءات العشر (2/283).].
3 - وقوله تعالى: ( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ )، [سورة الهمزة، آية 9.] بفتح العين والميم، فقد قرأ حمزة والكسائي وخلف وشعبة: ( فِي عُمُدٍ مُمَدَّدَةٍ )، بضم العين والميم. [ النشر في القراءات العشر (2/403).].
ب- ما لا يحتمله الرسم الواحد، كالكلمات التي تضمنت قراءتين أو أكثر، ولم تنسخ في العرضة الأخيرة، ورسمُها على صورة واحدة لا يكون محتملاً لما فيها من أوجه القراء، فمثل هذه الكلمات ترسم في بعض المصاحف على صورة تدل على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدل على القراءة الأخرى. [ سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين، للشيخ على محمد الضباع. ص 101-106،وانظر أيضًا شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن لإبراهيم المارغني التونسي ص 436 وما بعدها.].
ولم يكتب الصحابة تلك الكلمات برسمين أحدهما في الأصل والآخر في الحاشية؛ لئلا يُتَوَهَّم أن الثاني تصحيحٌ للأول، وأن الأول خطأ، وكذلك لأن جعل إحدى القراءات في الأصل والقراءات الأخرى في الحاشية تحكُّمٌ، وترجيحٌ بلا مرجِّح؛ إذ إنَّهم تلقَّوْا جميع تلك الأوجه عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليست إحداها بأولى من غيرها.[ مناهل العرفان (1/259)، والكواكب الدرية ص 22-23.].
ومن الأمثلة على ذلك:
1 - قوله تعالى: ( وقالوا اتخذ الله ولدًا )[ سورة البقرة، من الآية 116.] ، فقد قرأها عبد الله بن عامرٍ الشامي: ( قالوا اتخذ الله ولدًا ) بغير واو. وهي كذلك في مصاحف أهل الشام. [ كتاب المصاحف لابن أبي داود ص 54، والنشر في القراءات العشر (1/11)، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 442.].
2 – قوله عز وجلّ: ( وَوَصَّى بِها إِبْرَاهِيمُ )، [سورة البقرة، من الآية 132.] فقد قرأها أبو جعفرٍ، ونافعٌ، وابن عامرٍ: ( وَأَوْصَى بِها إِبْرَاهِيمُ ) من الإيصاء. وقد رسمت في مصاحف أهل المدينة والشام بإثبات ألف بين الواوين. قال أبو عبيد: وكذلك رأيتها في الإمام مصحف عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ، ورسمت في بقية المصاحف بواوين قبل الصاد، من غير ألفٍ بينهما. [ كتاب المصاحف لابن أبي داود ص 49، 51، 54، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 442.].
3 - وقوله تعالى: ( وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ )، [سورة التوبة من الآية 100.] فقد قرأها عبد الله بن كثير المكي: ( وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ )، بزيادة (مِنْ) قبل (تَحْتِهَا). وهي كذلك في المصحف المكي، وفي بقية المصاحف بحذفها. [ النشر في القراءات العشر (1/11)، و(2/280)، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 448، وكتاب المصاحف لابن أبي داود ص 57.].
4 - وقوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ )، [من الآية 71 من سورة الزخرف.] في قراءة أبي جعفر، ونافع، ورواية حفص عن عاصم بِهاء بعد الياء في (تَشْتَهِيهِ)، وقد قرأها بقية القراء: ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ )، دون الهاء الأخيرة. [ النشر في القراءات العشر (2/370)، وكتاب المصاحف لابن أبي داود ص 49، 53، 56.].
قال أبو عمرو الداني: في مصاحف أهل المدينة والشام (تَشْتَهِيهِ) بِهاءين، ورأيت بعض شيوخنا يقول: إن ذلك كذلك في مصاحف أهل الكوفة، وغلط.
وقال أبو عبيد: وبِهاءين رأيته في الإمام. وفي سائر المصاحف (تَشْتَهِي) بِهاء واحدة اﻫ.
[ شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 455-456.].
7 - بعد الفراغ من كتابة المصحف الإمام يراجعه زيد بن ثابت ، ثم يراجعه عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ بنفسه.عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِها، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [سورة الأحزاب، من الآية 23.] ،فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. [ رواه البخاري في الصحيح كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4988.].
كانت هذه هي المراجعة الأولى لزيدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، ويظهر من الروايات أنه عرضه مرتين أخريين، فأظهرت الثانية الاختلاف في لفظ (التابوت)، ولم تكشف الثالثة عن شيء.فعن زيد بن ثابت أنَّه لَمَّا بَلَغَ: ( إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ) قَالَ زَيْدٌ: فَقُلْت أَنَا: التَّابُوتُ، فَرَفَعْنَا ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ التَّابُوتَ، ثُمَّ عَرَضَهُ -يَعْنِي الْمُصْحَفَ- عَرْضَةً أُخْرَى، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إلَى حَفْصَةَ أَنْ تُعْطِيَهُ الصَّحِيفَةَ، وَحَلَفَ لَهَا لَيَرُدَّنَّ الصَّحِيفَةَ إلَيْهَا، فَأَعْطَتْهُ فَعَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي شَيْءٍ، فَرَدَّهَا إلَيْهَا وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ يَكْتُبُونَ مَصَاحِفَ. [ رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193).].
وفي هذا الأثر ما يدل على أن المعارضة بِما جمعه الصديق كانت بعد الانتهاء من كتابة المصحف الإمام، لِمزيد الاطمئنان، وفي هذا ما يدل على بقاء الأوجه الثابتة من القراءة بغير اختلافٍ بين الحفَّاظ والعلماء.
وقد نفَّذ الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ هذه الضوابط أدقَّ تنفيذٍ، فكانوا ربَّما انتظروا الغائب الذي عنده الشيء من القرآن زمانًا، حتى يستثبتوا مِمَّا عنده، على الرغم من أن القائمين بالكتابة والإملاء كانوا من الحفاظ القراء.
عن مالك بن أبي عامر، قال: كنتُ فيمن أملى عليهم، فربَّما اختلفوا في الآية، فيذكرون الرجل قد تلقَّاها من رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، ولعله أن يكون غائبًا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها حتى يجيء، أو يُرسَل إليه. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ القرآن في المصاحف. ص 29.].
ثم أمر عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ بعد ذلك بنسخ المصاحف عن المصحف الإمام، وإرسالها إلى الأمصار، وهي التي عرفت فيما بعدُ بالمصاحف العثمانية.
 
المبحث الثاني: مزايا جمع القرآن في عهد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ
كان نسخ القرآن في المصاحف في زمن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ تحقيقًا لوعد الله عز وجلّ بحفظ كتابه العزيز، قال تعالى: } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {، [سورة الحجر آية 9.] فقد وحَّد هذا الجمع صف المسلمين وكلمتهم، وردَّ عنهم ما كان محدقًا بِهم من الفتنة العظيمة، واجتث بذور الشقاق من بينهم.

ومِمَّا سبق ذكره من خطة عمل الصحابة في جمع القرآن زمن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ يتبين لنا مزايا ذلك الجمع المبارك، [انظر مناهل العرفان (1/260-261).]
ويمكن تلخيص بعضها فيما يأتي:

1. مشاركة جميع من شهد الجمع من الصحابة فيه، وإشراف الخليفة عليه بنفسه.
2. بلوغ من شهد هذا الجمع وأقرّه عدد التواتر.
3. الاقتصار على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحادًا.
4. إهمال ما نسخت تلاوته، وما لم يستقرَّ في العرضة الأخيرة. [ انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 383.]
5. ترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن، بخلاف صحف أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ، فقد كانت مرتبة الآيات دون السور.
6. كتابة عدد من المصاحف يجمع وجوه القراءات المختلفة التي نزل بِها القرآن الكريم.
7. تجريد هذه المصاحف من كل ما ليس من القرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة من تفسير للفظ، أو بيان لناسخ أو منسوخ، أو نحو ذلك.
8. ولقد حظي الجمع العثماني برضى من شهده من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏والتابعين، وقطع الله به دابر الفتنة التي كادت تشتعل في بلاد المسلمين، إذ جمعهم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُم على ما ثبتت قرآنيته، فانتهى بذلك ما كان حاصلاً من الاختلاف بين المسلمين.

عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقَّق عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعِبْ ذلك أحدٌ. [ رواه الداني في المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 18، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19، ولفظه: ولم ينكر ذلك منهم أحدٌ.].
وقد عُدَّ جمعُ القرآن في المصاحف في زمن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ من أعظم مناقبه.
فعن عبد الرحمن بن مهديٍّ [هو الإمام الكبير، والحافظ العلم: أبو سعيد العنبري، قال على بن المديني: ما رأيت أعلم منه. توفي سنة 198 . انظر تقريب التهذيب (1/499)، وتذكرة الحفاظ (1/329).].
قال: خصلتان لعثمان بن عفَّانَ ليستا لأبي بكر، ولا لِعُمَرَ: صبرُهُ نفسَه حتَّى قُتِل مظلومًا، وجمعُهُ الناسَ على المصحف. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19.].

وقد دافع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ عن عثمان في جمع القرآن وإحراق المصاحف؛ لئلا يتهمه من لا فقه له بتضييع القرآن، أو الجرأة عليه، وأخبر أنه فعل ذلك عن رضى من شهده من الصحابة، وأنه لو كان واليًا إذ ذاك لفعل مثل الذي فعل عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ.
عن سويد بن غفلة قال: سمعت عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقول: يا أيها الناسُ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إلاَّ عن ملأٍ منَّا جميعًا … قال: قال عليُّ: والله لو وليت لفعَلْتُ مثلَ الذي فَعَلَ.

[ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30، قال الحافظ ابن حجر: بإسنادٍ صحيح. فتح الباري (8/634).].

المبحث الثالث: الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث
نستطيع بعد هذا العرض أن نتبين الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث، فقد كان لكل مرة من مرات جمع القرآن أسباب خاصة، وكان لكل مرة أيضًا كيفية خاصة، فالفرق بين المراحل الثلاث كان من حيث الأسباب والكيفيات:

الفرق بين المراحل الثلاث من حيث الأسباب:

1. أسباب جمع القرآن في عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: زيادة التوثق للقرآن، والتحري في ضبط ألفاظه، وحفظ كلماته، وإن كان التعويل في ذلك الوقت إنما كان على الحفظ والاستظهار، وتبليغ الوحي على الوجه الأكمل.
2. سبب جمع القرآن في زمن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: الخوف على ضياع شيء من القرآن بِهلاك حفَّاظه، وضياع ما عندهم مِمَّا كُتِب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.
3. سبب جمع القرآن في عهد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: خوف الفتنة التي وقع فيها المسلمون بسبب اختلافهم في القراءة بحسب ما تعلموه من الأحرف التي نزل بِها القرآن، والمحافظة على كتاب الله من التبديل والتغيير.

الفرق بين المراحل الثلاث من حيث الكيفية:

1. كيفية جمع القرآن في عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ترتيب الآيات في سورها، وكتابة الآيات فيما تيسر من مواد الكتابة، مع بعثرة ذلك المكتوب، وعدم جمعه في مكان واحد.
2. كيفية جمع القرآن في زمن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: جمع المكتوب في عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ونقله في صحفٍ، وهي أوراق مجردة، مرتب الآيات أيضًا، وبحيث تجتمع كل سورة متتابعة في تلك الصحف، لكن من غير أن تجمع تلك الصحف في مجلد أو مصحفٍ واحد.
3. كيفية جمع القرآن في عهد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: نقل ما في صحف أبي بكر في مصحف إمامٍ، ونسخ مصاحف منه، وإرسالها إلى الآفاق، لتكون مرجعًا للناس عند الاختلاف. [ انظر: الإتقان في علوم القرآن (1/171/172)، ومناهل العرفان في علوم القرآن (1/262-263)، والكواكب الدرية ص 26-27.].
قال البيهقي (بعد حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاع)ِ [ رواه الترمذي في جامعه كتاب المناقب باب في فضل الشام واليمن (5/734) ح 3954 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، والبيهقي في دلائل النبوة (7/147).]: وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الكتاب: الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏، ثم كانت مثبتة في الصدور، مكتوبة في الرقاع واللخاف والعسب، فجمعها منها في صحفٍ بإشارة أبي بكرٍ وعمر، ثم نسخ ما جمعه في الصحف [يعني في عهد أبي بكر.] في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ على ما رسم المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.ـ [ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة (7/147-148).].
قال القاضي الباقلاني: لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنْزِيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد. [ البرهان في علوم القرآن (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن (1/171).].
وقال ابن حزم: خشي عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أن يأتي فاسقٌ يسعى في كيد الدين، أو أن يهِمَ واهمٌ من أهل الخير، فيبدِّل شيئًا من المصحف، فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجمعًا عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفًا، لكي -إن وهم واهمٌ، أو بدَّل مبدِّل رُجِع إلى المصحف المجمع عليه، فانكشف الحق، وبطل الكيد والوهم. [ الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/212-213).].


صور لمخطوات القرءان الكريم من البلدان المختلفة











 
صور لمظروف المراسلات الخارجية بيني وبين المرتد






انتهت الدراسة بحمد الله تعالى وتوفيقه
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيراً.
ولله الحمد والمنة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصَّالِحَاتِ
والحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً.
وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وسلامٌ على المرسلين وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 
رائع ... رائع بحق ، وعلم غزير ، أسأل الله أن يبارك لك في كل شيء .
 
حياكم الله سعادة المهندس زهدي في هذا الملتقى، وأسأل الله أن يبارك في جهودكم وأن ينفع بكم، وننتظر منكم المشاركات النافعة والمتميزة.
والشكر موصول للأستاذ الكريم سالم الذي قام بنشر بعض مواضيع الأخ زهدي وقام بدعوته للمشاركة معنا في الملتقى.
 
بارك الله فيك مهندس زهدي جمال على الاهتمام بهذه القضايا المهمة ومتابعتها والصبر عليها وعلى دفاعك عن الحق.
أسأل الله أن يأجرك وجميع الأخوة الكرام.
 
عودة
أعلى