أم الأشبال
New member
- إنضم
- 30/06/2004
- المشاركات
- 503
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :
اطلعت على بعض من البحوث تخص الحديث المرفوع " الرعد ملك " وبعضها مبثوث على صفحات الشبكة العنكبوتية ، وقد رأيت أن الحديث ثابت ، وهذا نتيجة لما قمته به من بحث ودراسة ، وأريد أن أبين وجهة نظري من خلال هذا المقال ، وذلك من خلال عدة نقاط ، والله المستعان وعليه التكلان .
أولا : هل صحح الإمام الترمذي الحديث ؟
روى الإمام الترمذي بإسناده الحديث التالي فقال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَ يَكُونُ فِي بَنِي عِجْلٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَخْبِرْنَا عَنْ الرَّعْدِ مَا هُوَ قَالَ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ فَقَالُوا فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ قَالَ زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ قَالُوا صَدَقْتَ فَأَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا قَالُوا صَدَقْتَ
قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ " أهــ
وقول الإمام الترمذي " هذا حديث حسن غريب " تعرض لبحث أهل العلم وتدقيقهم حيث اختلفت العبارة في بعض نسخ الترمذي :
فقد قال الدكتور خالد الحايك :
قلت: قول الترمذي هو: "حديث حسن غريب." فلم يذكر الشيخ شعيب لفظ "غريب"!
وقد نقل الشيخ الألباني والشيخ حمدي السلفي أن الترمذي قال: "حديث حسن صحيح غريب" وهذا لا يوجد في النسخة المتداولة بين أيدي طلبة العلم، ولعله يوجد في نسخة قديمة من الترمذي؛ لأن الزرقاني قال في هذا الحديث: "روى أحمد والترمذي وصححه والنسائي والضياء وغيرهم عن ابن عباس..."، فنقل هنا تصحيح الترمذي له.
قلت: وهذه الاختلافات بين النسخ في نقل أقوال الترمذي فيها أوهام كثيرة، وقد نبّه بعض أهل العلم كالمزي إلى هذا قديماً. " أهــ
وقال السيوطي في الدر المثور:
" أخرج أحمد والترمذي وصححه ، والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل ، و الضياء في المختارة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - .." أهــ
ولذلك يبدو لي أن الإمام الترمذي ذهب إل أن الحديث ثابت ، وإلا فما معنى قول أهل العلم أنه صححه ، ونسخ أهل العلم أفضل النسخ كما يعلم الجميع ، وبعد هذا تسترجع الذاكرة نداءات الدكتور أحمد معبد الذي حث طلاب العلم على اقتناء مخطوطات كتب السنن .
ثانيا : ماذا قصد أبا نعيم بقوله عن الحديث " غريب من حديث سعيد، تفرد به بكير" ؟
المعروف أن أبا نعيم عالم يعتد به في علم الحديث ، وهو شيخ الإمام البخاري ، وقد وردت عبارته السابقة في كتابه حلية الأولياء ، وحلية الأولياء ليس كتابا يختص بجمع الأحاديث والحكم عليها ، بل تعرض فيه الكاتب لذكر حال الأولياء وأحوالهم ، كما هو واضح من من عنوان الكتاب ، لذلك قال الذهبي ناقدا له :
" ما أعلم له ذنبا والله يعفو عنه أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه ثم يسكت عن توهيتها "
وقد قال الدكتور خالد الحايك معلقا على عبارة أبا نعيم السابقة :
" قلت: وهذه إشارة رائعة من الحافظ أبي نُعيم، فكيف يتفرد به بُكير هذا عن سعيد بن جبير! فأين أصحاب سعيد الثقات عن هذا الحديث؟ فالعلة تكمن في تفرد بكير هذا، وهو ممن لا يُحتمل تفرده، وهو بُكير بن شهاب الكوفيّ، وليس بالدامغاني، قال أبو حاتم: "هو شيخ، يمكن أن يكون كوفياً". روى له الترمذي والنسائي هذا الحديث فقط "
وحتى أفهم حدود ما قصده أبا نعيم قمت بالبحث التالي :
كتبت عبارة " تفرد به " وبحثت في الشاملة في كتاب أبا نعيم حلية الأولياء ، فكان عدد النتائج : ( 410 ).
وفي كتاب حلية الأولياء ورد التالي :
قال أبو نعيم رحمه الله:
حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي قال :ثنا عبد الرحمن ([1])عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن عبد الله بن عمرو قال :" كان النبي r يتعوذ بالله من علمٍ لا ينفع ، ودعاءٍ لا يسمع ، وقلبٍ لا يخشع ، ونفسٍ لا تشبع ".
غريب من حديث الثوري عن أبي سنان ، تفرد به عبد الرحمن." أهــ
قال سعيد بن صالح الرقيب الغامدي، في رسالته " الأحاديث المرفوعة المعلة في كتاب حلية الأولياء ":
" لم يتفرد به عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان ، الثوري ؛ فقد رواه قبيصة بن عقبة عن سفيان "
وقد فصل ما يخص ذلك في رسالته.
و عبد الرحمن بن مهدي هو الحافظ الكبير و الامام العلم الشهير ( ينظر تذكرة الحفاظ )
وأشار الغامدي إلى أن الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال : لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز ، والكسل ، والجبن ، والبخل ، والهرم ، وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع،ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها ".
ولنعد إلى موضوعنا ، ألم يقل أبا نعيم عن الحديث السابق :
" غريب من حديث الثوري عن أبي سنان ، تفرد به عبد الرحمن "
فهل ضعف أبا نعيم عبدالرحمن بن مهدي ، بإشارته إلى تفرده في نقل الحديث السابق ، وبالتأكيد سيكون الجواب :
أنه لم يقصد ذلك .
وبعد كل ذلك هل يحق لنا أن أنقول أن أبا نعم قد قصد تضعيف بن بكير وتوهية حديثه عندما أشار إلى تفرده بالحديث السابق ؟
بالنسبة لي : لا أظن ذلك .
وقد يعلل الأيمة النقاد الحديث بما ليس له تأثير صحته فيبقى الحديث صحيحا ، وهذا ما أشار إليه الصنعاني بقوله :
" ويعلون بما لا يؤثر في صحة الحديث " أهــ
ثالثا : هل يحتمل تفرد بكير أو لا يحتمل :
قال الدكتور خالد الحايك :
" فكيف يتفرد به بُكير هذا عن سعيد بن جبير! فأين أصحاب سعيد الثقات عن هذا الحديث؟ فالعلة تكمن في تفرد بكير هذا، وهو ممن لا يُحتمل تفرده "
وقال الدكتور الحايك :
" وترجم له البخاري في ((التاريخ)) فقال: "يعدّ في الكوفيين، عن صالح بن سلمان، روى عنه مبارك بن سعيد. قال لي أبو نُعيم: حدّثنا عبدالله بن الوليد، عن بكير، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود فقالوا: يا أبا القاسم! أخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال: كان يسكن البدو فاشتكى عرق النَسا فلم يجد شيئاً يلاومه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرّمها. قالوا: صدقت. وقال الثوري: عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله." قال أبو عبد الله: "حدثناه محمد بن يوسف وغير واحد عن سفيان" .
قلت: يبيّن البخاري من خلال الترجمة أن حديث بكير هذا حديث منكر، وإن اقتصر على جزء منه فقط، والصحيح ما رواه غيره عن سعيد عن ابن عباس من قوله ليس مرفوعاً، فيكون من تفسير ابن عباس رضي الله عنه لهذا الجزء من الحديث فقط.
فيكون بكير هذا جاء إلى الأجزاء التي ذكرها في الحديث فرواها عن سعيد ورفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض هذه المذكورة في الحديث صحيحة من طرق أخرى كما سأبينه لاحقاً إن شاء الله تعالى." أهــ
وقد علقت على كلامه فيما سبق ، وبصراحة هو إنسان متفهم ، يعرف أنه قد يخالفه البعض في نتائج بحثه ، فلقيت منه تفهما ورقيا في الرد ولا أزكي أحدا على الله تعالى ، ولا أدري إن كان تقبل الرأي الذي طرحته أم لا في القضية الآنفة الذكر ، والله أعلم أينا توصل للصواب فيما يخص رأي الإمام البخاري في الراوي " بكير ".
وسأطرح وجهة نظري بتفصيل أكثر هنا :
قال الإمام البخاري في التاريخ الكبير :
" بكير بن شهاب يعد في الكوفيين عن صالح ابن سلمان، روى عنه مبارك بن سعيد، قال لى أبو نعيم حدثنا عبد الله بن الوليد: عن بكير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: اقبلت يهود فقالوا: يا ابا القاسم ! أخبرنا عما حرم اسرائيل على نفسه، قال: كان يسكن البدو فاشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يلاومه .
إلا لحوم الابل وألبانها فلذلك حرمها، قالوا: صدقت، وقال الثوري : عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله، قال أبو عبد الله :
حدثناه محمد بن يوسف وغير واحد عن سفيان . " أهــ
الحديث بالمتن الذي ذكره البخاري في تاريخه صحيح ولا إشكال في ذلك ، والبخاري يصحح الأثر الذي ورد عن ابن عباس من قوله دون أن يرفعه وكان موضوعه نفس موضوع الحديث الوارد عنه قبلا ، وقد رواه الحاكم في مستدركه.
ونرى هنا أمرا لطيفا وهو أن هذه القصة ليست من الإسرائيليات .
وأن بكير معروف لدى الإمام البخاري ، وقد قلت بالنص فيما سبق :
" بما أن البخاري صحح الحديث الموقوف فأنا لا أفهم أنه يضعف الحديث المرفوع لماذا لأن ما فهمته من أهل العلم أن منهج نقاد الحديث هو الاستفادة من الأحاديث الموقوفة في تصحيح أو تحسين الأحاديث المرفوعة ، وهذا عندما يكون الإسناد مختلفا .
إذن إذا صح ما قلت ، فالنتيجة أن البخاري يرى أن حال بكير ليس سيئا ...."
ونرى أن بكير لم يتفرد بذكر القصة وإن كان قد ذكرت زيادة في سنن الترمذي تخص " الرعد ملك " ، وهذا ليس اضطراب فليس هناك تضاد بين الروايتان ، كما أنه قد صحح العلماء الأثر الوارد عن ابن عباس والذي يذكر فيه أن " الرعد ملك " وهذا يفيدنا في تقوية الحديث وإيصاله إلى درجة الثبوت ، وخير مثال الإمام البخاري ، ففي المثال السابق عزز ذكره للحديث المتصل بالأثر الوارد عن ابن عباس رضي الله عنه ، وهذا في وجهة نظري يدعم قضية أخرى وهي أن القصة السابقة بكل ما ورد فيها ليست من الإسرائيليات كما يشك بعض الباحثين.
وقال السيوطي يقرر فائدة قول الصحابي الذي له حكم الرفع وليس من الإسرائيليات في تصحيح الأحاديث:
" وهذه متابعة قوية جداً ، ولا يضر إيراده بصيغة الوقف ، لأن له حكم الرفع "
وللفائدة :
" بكير بن شهاب قال عنه أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي في الميزان عراقي صدوق "
وقد قال العراقي في تخريج أحاديث الأحياء:
" وللترمذي وحسنه من حديث ابن عباس : قالت اليهود يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد قال " ملك من الملائكة موكل بالسحاب " ولمسلم من حديث أبي هريرة " بينما رجل بفلاة من الأرض سمع صوتا من سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماء في حرة . . . الحديث " أهــ
فللحديث أصل وشاهد من حديث مسلم كما أفهم من إشارة العراقي، وهذا يبعد كون الحديث من الإسرائيليات وتم رفعه سهوا أو بالخطأ .
وقال ابن عبد البر في كتابه الإستذكار :
" جمهور أهل العلم من أهل الفقه والحديث يقولون الرعد ملك يزجر السحاب "
ولا تعارض بين كون الرعد ملك وبين ما ورد في شأن هذا الأمر فقد قال ابن تيمية معلقا على ذلك :
" وأما الرعد والبرق ففي الحديث المرفوع فى الترمذى وغيره أنه سئل عن الرعد قال ( ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله ) وفى مكارم الأخلاق للخرائطى عن علي أنه سئل عن الرعد فقال ملك وسئل عن البرق فقال مخاريق بأيدى الملائكة وفى رواية عنه مخاريق من حديد بيده وروى فى ذلك آثار كذلك . وقد روى عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك كقول من يقول أنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه ، فإن هذا لا يناقض ذلك ، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعدا وكذلك الراعد يسمى رعدا كما يسمى العادل عدلا ، والحركة توجب الصوت ، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان ، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة ، وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه ولسانه وأسنانه ولهاته وحلقه ، وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر ، فالرعد يزجر السحاب وكذلك البرق ، قد قيل لمعان الماء أو لمعان النار ، وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافى أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك ، فإن النار التي تلمع بيد الملك كالمخراق مثل مزجي المطر ، والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي ، والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده ، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث ، وحكمة كونها آية يخوف الله بها عباده هى من حكمة ذلك ، وأما أسبابه فمن أسبابه انضغاط البخار فى جوف الأرض كما ينضغط الريح ظاهرا فى المكان الضيق فإذا انضغط طلب مخرجا فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض " أهــ
وأيضا لا إشكال في إشارة الإمام الشافعي إلى أن كون الرعد ملك لا يعارض ظاهر القرآن ، فمتى كان في الشريعة تناقض أو بين النصوص تعارض ، والإمام الشافعي أول من رسخ وثبت هذه الفكرة في عقلي من خلال قراءتي لكتابه الرسالة رحمه الله تعالى.
لذلك كله رأيت أن الحديث ثابت ، والله أعلى وأعلم وأحكم ، وهو المستعان وعليه التكلان .
ـــــــــــ
1- رسالة الغامدي موجودة على الشبكة ،فمن أرادها فاليبحث عنها .
2- رسالة اختلاف السلف في التفسير ، فقد استفدت من الرسالة ، ووعدت في الرابط نفسه بكتابة هذا المقال .
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=19843
3- هذا بحث الدكتور خالد الحايك ، وقد شاركت في نفس الرابط ، وعلق الدكتور الحايك على ما كتبت .
http://ahlalhdeeth.cc/vb/showthread.php?t=134442
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref1
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :
اطلعت على بعض من البحوث تخص الحديث المرفوع " الرعد ملك " وبعضها مبثوث على صفحات الشبكة العنكبوتية ، وقد رأيت أن الحديث ثابت ، وهذا نتيجة لما قمته به من بحث ودراسة ، وأريد أن أبين وجهة نظري من خلال هذا المقال ، وذلك من خلال عدة نقاط ، والله المستعان وعليه التكلان .
أولا : هل صحح الإمام الترمذي الحديث ؟
روى الإمام الترمذي بإسناده الحديث التالي فقال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَ يَكُونُ فِي بَنِي عِجْلٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَخْبِرْنَا عَنْ الرَّعْدِ مَا هُوَ قَالَ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ فَقَالُوا فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ قَالَ زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ قَالُوا صَدَقْتَ فَأَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا قَالُوا صَدَقْتَ
قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ " أهــ
وقول الإمام الترمذي " هذا حديث حسن غريب " تعرض لبحث أهل العلم وتدقيقهم حيث اختلفت العبارة في بعض نسخ الترمذي :
فقد قال الدكتور خالد الحايك :
قلت: قول الترمذي هو: "حديث حسن غريب." فلم يذكر الشيخ شعيب لفظ "غريب"!
وقد نقل الشيخ الألباني والشيخ حمدي السلفي أن الترمذي قال: "حديث حسن صحيح غريب" وهذا لا يوجد في النسخة المتداولة بين أيدي طلبة العلم، ولعله يوجد في نسخة قديمة من الترمذي؛ لأن الزرقاني قال في هذا الحديث: "روى أحمد والترمذي وصححه والنسائي والضياء وغيرهم عن ابن عباس..."، فنقل هنا تصحيح الترمذي له.
قلت: وهذه الاختلافات بين النسخ في نقل أقوال الترمذي فيها أوهام كثيرة، وقد نبّه بعض أهل العلم كالمزي إلى هذا قديماً. " أهــ
وقال السيوطي في الدر المثور:
" أخرج أحمد والترمذي وصححه ، والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل ، و الضياء في المختارة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - .." أهــ
ولذلك يبدو لي أن الإمام الترمذي ذهب إل أن الحديث ثابت ، وإلا فما معنى قول أهل العلم أنه صححه ، ونسخ أهل العلم أفضل النسخ كما يعلم الجميع ، وبعد هذا تسترجع الذاكرة نداءات الدكتور أحمد معبد الذي حث طلاب العلم على اقتناء مخطوطات كتب السنن .
ثانيا : ماذا قصد أبا نعيم بقوله عن الحديث " غريب من حديث سعيد، تفرد به بكير" ؟
المعروف أن أبا نعيم عالم يعتد به في علم الحديث ، وهو شيخ الإمام البخاري ، وقد وردت عبارته السابقة في كتابه حلية الأولياء ، وحلية الأولياء ليس كتابا يختص بجمع الأحاديث والحكم عليها ، بل تعرض فيه الكاتب لذكر حال الأولياء وأحوالهم ، كما هو واضح من من عنوان الكتاب ، لذلك قال الذهبي ناقدا له :
" ما أعلم له ذنبا والله يعفو عنه أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه ثم يسكت عن توهيتها "
وقد قال الدكتور خالد الحايك معلقا على عبارة أبا نعيم السابقة :
" قلت: وهذه إشارة رائعة من الحافظ أبي نُعيم، فكيف يتفرد به بُكير هذا عن سعيد بن جبير! فأين أصحاب سعيد الثقات عن هذا الحديث؟ فالعلة تكمن في تفرد بكير هذا، وهو ممن لا يُحتمل تفرده، وهو بُكير بن شهاب الكوفيّ، وليس بالدامغاني، قال أبو حاتم: "هو شيخ، يمكن أن يكون كوفياً". روى له الترمذي والنسائي هذا الحديث فقط "
وحتى أفهم حدود ما قصده أبا نعيم قمت بالبحث التالي :
كتبت عبارة " تفرد به " وبحثت في الشاملة في كتاب أبا نعيم حلية الأولياء ، فكان عدد النتائج : ( 410 ).
وفي كتاب حلية الأولياء ورد التالي :
قال أبو نعيم رحمه الله:
حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي قال :ثنا عبد الرحمن ([1])عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن عبد الله بن عمرو قال :" كان النبي r يتعوذ بالله من علمٍ لا ينفع ، ودعاءٍ لا يسمع ، وقلبٍ لا يخشع ، ونفسٍ لا تشبع ".
غريب من حديث الثوري عن أبي سنان ، تفرد به عبد الرحمن." أهــ
قال سعيد بن صالح الرقيب الغامدي، في رسالته " الأحاديث المرفوعة المعلة في كتاب حلية الأولياء ":
" لم يتفرد به عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان ، الثوري ؛ فقد رواه قبيصة بن عقبة عن سفيان "
وقد فصل ما يخص ذلك في رسالته.
و عبد الرحمن بن مهدي هو الحافظ الكبير و الامام العلم الشهير ( ينظر تذكرة الحفاظ )
وأشار الغامدي إلى أن الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال : لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز ، والكسل ، والجبن ، والبخل ، والهرم ، وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع،ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها ".
ولنعد إلى موضوعنا ، ألم يقل أبا نعيم عن الحديث السابق :
" غريب من حديث الثوري عن أبي سنان ، تفرد به عبد الرحمن "
فهل ضعف أبا نعيم عبدالرحمن بن مهدي ، بإشارته إلى تفرده في نقل الحديث السابق ، وبالتأكيد سيكون الجواب :
أنه لم يقصد ذلك .
وبعد كل ذلك هل يحق لنا أن أنقول أن أبا نعم قد قصد تضعيف بن بكير وتوهية حديثه عندما أشار إلى تفرده بالحديث السابق ؟
بالنسبة لي : لا أظن ذلك .
وقد يعلل الأيمة النقاد الحديث بما ليس له تأثير صحته فيبقى الحديث صحيحا ، وهذا ما أشار إليه الصنعاني بقوله :
" ويعلون بما لا يؤثر في صحة الحديث " أهــ
ثالثا : هل يحتمل تفرد بكير أو لا يحتمل :
قال الدكتور خالد الحايك :
" فكيف يتفرد به بُكير هذا عن سعيد بن جبير! فأين أصحاب سعيد الثقات عن هذا الحديث؟ فالعلة تكمن في تفرد بكير هذا، وهو ممن لا يُحتمل تفرده "
وقال الدكتور الحايك :
" وترجم له البخاري في ((التاريخ)) فقال: "يعدّ في الكوفيين، عن صالح بن سلمان، روى عنه مبارك بن سعيد. قال لي أبو نُعيم: حدّثنا عبدالله بن الوليد، عن بكير، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود فقالوا: يا أبا القاسم! أخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال: كان يسكن البدو فاشتكى عرق النَسا فلم يجد شيئاً يلاومه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرّمها. قالوا: صدقت. وقال الثوري: عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله." قال أبو عبد الله: "حدثناه محمد بن يوسف وغير واحد عن سفيان" .
قلت: يبيّن البخاري من خلال الترجمة أن حديث بكير هذا حديث منكر، وإن اقتصر على جزء منه فقط، والصحيح ما رواه غيره عن سعيد عن ابن عباس من قوله ليس مرفوعاً، فيكون من تفسير ابن عباس رضي الله عنه لهذا الجزء من الحديث فقط.
فيكون بكير هذا جاء إلى الأجزاء التي ذكرها في الحديث فرواها عن سعيد ورفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض هذه المذكورة في الحديث صحيحة من طرق أخرى كما سأبينه لاحقاً إن شاء الله تعالى." أهــ
وقد علقت على كلامه فيما سبق ، وبصراحة هو إنسان متفهم ، يعرف أنه قد يخالفه البعض في نتائج بحثه ، فلقيت منه تفهما ورقيا في الرد ولا أزكي أحدا على الله تعالى ، ولا أدري إن كان تقبل الرأي الذي طرحته أم لا في القضية الآنفة الذكر ، والله أعلم أينا توصل للصواب فيما يخص رأي الإمام البخاري في الراوي " بكير ".
وسأطرح وجهة نظري بتفصيل أكثر هنا :
قال الإمام البخاري في التاريخ الكبير :
" بكير بن شهاب يعد في الكوفيين عن صالح ابن سلمان، روى عنه مبارك بن سعيد، قال لى أبو نعيم حدثنا عبد الله بن الوليد: عن بكير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: اقبلت يهود فقالوا: يا ابا القاسم ! أخبرنا عما حرم اسرائيل على نفسه، قال: كان يسكن البدو فاشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يلاومه .
إلا لحوم الابل وألبانها فلذلك حرمها، قالوا: صدقت، وقال الثوري : عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله، قال أبو عبد الله :
حدثناه محمد بن يوسف وغير واحد عن سفيان . " أهــ
الحديث بالمتن الذي ذكره البخاري في تاريخه صحيح ولا إشكال في ذلك ، والبخاري يصحح الأثر الذي ورد عن ابن عباس من قوله دون أن يرفعه وكان موضوعه نفس موضوع الحديث الوارد عنه قبلا ، وقد رواه الحاكم في مستدركه.
ونرى هنا أمرا لطيفا وهو أن هذه القصة ليست من الإسرائيليات .
وأن بكير معروف لدى الإمام البخاري ، وقد قلت بالنص فيما سبق :
" بما أن البخاري صحح الحديث الموقوف فأنا لا أفهم أنه يضعف الحديث المرفوع لماذا لأن ما فهمته من أهل العلم أن منهج نقاد الحديث هو الاستفادة من الأحاديث الموقوفة في تصحيح أو تحسين الأحاديث المرفوعة ، وهذا عندما يكون الإسناد مختلفا .
إذن إذا صح ما قلت ، فالنتيجة أن البخاري يرى أن حال بكير ليس سيئا ...."
ونرى أن بكير لم يتفرد بذكر القصة وإن كان قد ذكرت زيادة في سنن الترمذي تخص " الرعد ملك " ، وهذا ليس اضطراب فليس هناك تضاد بين الروايتان ، كما أنه قد صحح العلماء الأثر الوارد عن ابن عباس والذي يذكر فيه أن " الرعد ملك " وهذا يفيدنا في تقوية الحديث وإيصاله إلى درجة الثبوت ، وخير مثال الإمام البخاري ، ففي المثال السابق عزز ذكره للحديث المتصل بالأثر الوارد عن ابن عباس رضي الله عنه ، وهذا في وجهة نظري يدعم قضية أخرى وهي أن القصة السابقة بكل ما ورد فيها ليست من الإسرائيليات كما يشك بعض الباحثين.
وقال السيوطي يقرر فائدة قول الصحابي الذي له حكم الرفع وليس من الإسرائيليات في تصحيح الأحاديث:
" وهذه متابعة قوية جداً ، ولا يضر إيراده بصيغة الوقف ، لأن له حكم الرفع "
وللفائدة :
" بكير بن شهاب قال عنه أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي في الميزان عراقي صدوق "
وقد قال العراقي في تخريج أحاديث الأحياء:
" وللترمذي وحسنه من حديث ابن عباس : قالت اليهود يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد قال " ملك من الملائكة موكل بالسحاب " ولمسلم من حديث أبي هريرة " بينما رجل بفلاة من الأرض سمع صوتا من سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماء في حرة . . . الحديث " أهــ
فللحديث أصل وشاهد من حديث مسلم كما أفهم من إشارة العراقي، وهذا يبعد كون الحديث من الإسرائيليات وتم رفعه سهوا أو بالخطأ .
وقال ابن عبد البر في كتابه الإستذكار :
" جمهور أهل العلم من أهل الفقه والحديث يقولون الرعد ملك يزجر السحاب "
ولا تعارض بين كون الرعد ملك وبين ما ورد في شأن هذا الأمر فقد قال ابن تيمية معلقا على ذلك :
" وأما الرعد والبرق ففي الحديث المرفوع فى الترمذى وغيره أنه سئل عن الرعد قال ( ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله ) وفى مكارم الأخلاق للخرائطى عن علي أنه سئل عن الرعد فقال ملك وسئل عن البرق فقال مخاريق بأيدى الملائكة وفى رواية عنه مخاريق من حديد بيده وروى فى ذلك آثار كذلك . وقد روى عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك كقول من يقول أنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه ، فإن هذا لا يناقض ذلك ، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعدا وكذلك الراعد يسمى رعدا كما يسمى العادل عدلا ، والحركة توجب الصوت ، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان ، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة ، وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه ولسانه وأسنانه ولهاته وحلقه ، وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر ، فالرعد يزجر السحاب وكذلك البرق ، قد قيل لمعان الماء أو لمعان النار ، وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافى أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك ، فإن النار التي تلمع بيد الملك كالمخراق مثل مزجي المطر ، والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي ، والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده ، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث ، وحكمة كونها آية يخوف الله بها عباده هى من حكمة ذلك ، وأما أسبابه فمن أسبابه انضغاط البخار فى جوف الأرض كما ينضغط الريح ظاهرا فى المكان الضيق فإذا انضغط طلب مخرجا فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض " أهــ
وأيضا لا إشكال في إشارة الإمام الشافعي إلى أن كون الرعد ملك لا يعارض ظاهر القرآن ، فمتى كان في الشريعة تناقض أو بين النصوص تعارض ، والإمام الشافعي أول من رسخ وثبت هذه الفكرة في عقلي من خلال قراءتي لكتابه الرسالة رحمه الله تعالى.
لذلك كله رأيت أن الحديث ثابت ، والله أعلى وأعلم وأحكم ، وهو المستعان وعليه التكلان .
ـــــــــــ
1- رسالة الغامدي موجودة على الشبكة ،فمن أرادها فاليبحث عنها .
2- رسالة اختلاف السلف في التفسير ، فقد استفدت من الرسالة ، ووعدت في الرابط نفسه بكتابة هذا المقال .
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=19843
3- هذا بحث الدكتور خالد الحايك ، وقد شاركت في نفس الرابط ، وعلق الدكتور الحايك على ما كتبت .
http://ahlalhdeeth.cc/vb/showthread.php?t=134442
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref1