هل التداوي بالقرآن مبحث من مباحث علوم القرآن؟

إنضم
23/01/2007
المشاركات
1,211
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
كندا
الموقع الالكتروني
www.muslimdiversity.net
1- هل التداوي بالقرآن مبحث من مباحث علوم القرآن؟ وهل يندرج في باب فضائل القرآن؟
2- هل يمكن مداواة غير المسلم بالقرآن كوسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام ؟
---------------
خطر لي هذان السؤالان وأنا أبحث عن موضوع التداوي بالقرآن، وحقيقة نفعه في علاج أمراض القلوب أو الأمراض العضوية، أو الاثنين معا.
فقد تحاورت مع زميل لي مسيحي أصيب بمرض استعصى على الأطباء، أصيب به في أذنيه، وأجبره على العمل من البيت طيلة السنتين الأخيرتين، دون التواصل مع أحد، لما تسببه الأصوات الخارجية (حتى وإن كانت خافتة) من آلام شديدة بالدماغ..
وقد عرضت عليه التداوي بالقرآن لاطلاعي على بعض الأقوال في جواز علاج المشرك بالقرآن الكريم، مستدلة ببعض الأحاديث النبوية.
وقد لفت هذا الزميل انتباهي إلى مسألة، تدور حول طبيعة الأمراض التي يمكن التداوي فيها بالقرآن. حيث طلب مني توفير معلومات حول بعض الحالات التي نجح فيها المسلمون في علاج بعض الأمراض العضوية بالقرآن، لأنه يعتقد أن (العلاج الروحي) - كما يسميه - ليست له قدرة إلا على علاج الأمراض النفسية، وأن التداوي بالقرآن يشبه تماما ما يقوم به بعض الإنجيليين من علاج الناس بالإنجيل. وذكر لي أن من أدلة ما وصل إليه في هذا الموضوع، هو أن العلاج بالإنجيل أو القرآن لم يحصل أن مكنا من إعادة يد مبتورة أو رجل مقطوعة، أو أي مرض ظاهر للعيان لاحد المرضى. وأن كل ما يتم نقله عن شهادات الآخرين هو علاج أمراض كالصرع، أو المس، أو آلام الرأس غير المرئية، أو ما شابه ذلك، وكلها تقريبا أمراض باطنية لا يرى أثرها الخارجي على المرء.

وقد تولدت لدي بعض الأسئلة أرجو المساعدة في الإجابة عليها:
1- هل التداوي بالقرآن مبحث من مباحث علوم القرآن؟ وهل يندرج في باب فضائل القرآن؟
2- هل يصح علاج الأمراض العضوية بالقرآن والرقية؟
3- هل أستمر في اقتراح التداوي بالقرآن على هذا الزميل المسيحي (كوسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام) ؟
 
وقد طالعت في هذا الموضوع بحثا بعنوان (العِلاجُ بِالقُرآنِ.. ماهيته، أهميته، ضوابطه) للأستاذ محمد بن يوسف الجوراني، لي عليه بعض الملاحظات.
فقد ذكر الباحث في خلاصة بحثه، ما يلي:
أولاً: أن القرآن شفاء لكافة الأمراض البدنية والروحية. ويكون ذلك بالقراءة على المريض أو الكتابة له.
ثانياً: أن علم العلاج بالقرآن ؛ ليس علماً حديثاً، بل هو موجود في الكتاب والسنة ومتداول من عصر الصحابة إلى زماننا.
ثالثاً: أن العلم بالعلاج بالقرآن وِفْق الشرع الحنيف ؛ ضرورة على كل مسلم ومسلمة معرفته وتعلمه لحاجة البشرية له.
رابعاً: أن العلاج بالقرآن والطب الحديث يتعاونان معاً في علاج الأمراض ولا ينبغي أن يُهمِل أحدهما الآخر.
خامساً: أن العلاج بالقرآن يُعدُّ من جملة فضائل الأعمال الصالحة سيَّما إذا توفرت فيها الضوابط الآنفة الذكر في الراقي.
سادساً: لا بُدَّ أن يتعاون المريضُ مع الراقي في العلاج وأن يعتقدا أن الشفاء بيد الله تعالى وحده وما الراقي إلا من جملة الأسباب.

وذكر في باب أهمية العلاج بالقرآن ما يلي:
أولاً: أنها شعيرة من شعائر الدين الإسلامي
ثانياً: أنها من وسائل الدعوة إلى الله تعالى
ثالثاً: وجود المرضى في كل بيت من بيوتات المسلمين وفي كل زمان
رابعاً: أنها المخْرَجُ من الكُرَبِ والمصائب
خامساً: أنَّ فيها الاقتداء بالأنبياء والصالحين
سادساً: حتى يُوْصَد البابُ دون السحرة والكهنة والمشعوذين

ثم ذكر في ضوابط العلاج بالقرآن ما يلي:
أولاً: شرعية المصدر
ثانياً: سلامتها مما يُخِلُّ بالاعتقاد
ثالثاً: أن يُعتقد أن الرقية لا تؤثِّر بذاتها
رابعاً: أن تكون باللسان العربي
خامساً: في حال كونها مكتوبة بمداد

ثم ذكر في ضوابط المعالِج بالقرآن ما يلي:
أولاًًً: الإخلاص لله عز وجل في كل عمل
ثانياً: الحرص على العلم الشرعي والعمل به
ثالثاً: التقوى والعبادة
رابعاً: حسن الخلق
خامساً: الممارسة والدربة على يَدِ شيخٍ متقن
سادساً: التحصين
سابعاً: الدعوة إلى الله
ثامناً: الإلمام بأحوال الشياطين ومكائدهم وحيل مكرهم
تاسعاً: التَّأنِّي في التشخيص

وأخيرا، ذكر الضوابط التي تؤهِّل المريض للقبول والانتفاع بالعلاج بالقرآن
أولاً: التوجَّه إلى الله تعالى بالتذذل والخضوع والاتغفار وطلب الرحمة
ثانياً: الإحسان إلى الناس، وتفقد فقيرهم بالصدقة، وسائر فعل الخيرات
ثالثاً: الصبر والرضى بقضائه وقدره

والسؤال الذي أطرحه هو التالي:

أين نجد كل هذه الضوابط في حديث أبي سعيد الخدري المروي عند البخاري: أنه كان في رهط من الصحابة، فأتوا أهل قرية فاستطعموا أهلها فأبوا أن يضيفوهم؛ فكان أن لُدغ سيد القوم فاستعصى عليهم علاجه، فأتوا أولئك النفر من الصحابة، وطلبوا منهم راقيا، فاشترطوا عليهم جُعلا (أي مكافأة) فوعدوهم قطيعا من الغنم، فذهب أبو سعيد رضي الله عنه، وقرأ عليه الفاتحة ونفث من ريقه عليه، فكأنما نشط من عقال، فقال الصحابة: لا تفعلوا شيئا بالغنم حتى ننظر ما يأمرنا النبي عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم مثنيا على فقه أبي سعيد الخدري: "وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم"

فهذا الحديث فيه جواز مداواة المشرك بدون اشتراط إيمانه. كما أن فيه جواز العلاج بدون دربة ولا معرفة سابقة، وإنما يكفي الإخلاص لله عز وجل ومعرفة الآيات والسور القرآنية الممكن استعمالها في العلاج. وأن العلاج يمكن أن يقوم به أي مسلم.
 
الحمد لله ، وبعد ..

أشكر مرورك أخي الكريم على البحث ، ويسعدني كثيراً والله المدارسة والمناطحة لما أكتبه لنفع العباد قاطبة .

فما أنا إلا صعلوك على بابة العلماء ، ومتطفِّل عليهم .

وأما الجواب على ما ذكرت فإني غداً سأفصل لك ذلك بما أظنه أنه نافع إن شاء الله ومزيل للبس .

وجزاك الله خيراً ونفع بك على هذا النصح الطيب .

فإلى غدٍ بحوله تعالى .
 
الحمد لله ، وبعد ..

أما الجواب على الأسئلة التي ذكرتها ، وهي :
1- هل التداوي بالقرآن مبحث من مباحث علوم القرآن؟ وهل يندرج في باب فضائل القرآن؟
2- هل يمكن مداواة غير المسلم بالقرآن كوسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام ؟

فجواب السؤال الأول :
لقد ذكر العلماء المصنِّفون في علوم القرآن هذا تحت باب ( خواص القرآن ) ويقصدون ما يكون لبعض الآيات من الخاصية ما يكون عند القراءة بها الشفاء بإذن الله ، وإن لم يصرِّحوا بلفظ ( التداوي ) لكن شرح وبسط قولهم في الباب هو المبين للمراد بهذا الباب .
وفيه ما يكون فيه شفاء ومنفعة ووقاية من الأمراض أو العين أو الحسد أو السحر ، أو النجاة من عدو وغيرها وهذا مسطور في الإتقان ، والبرهان ، والزيادة والإحسان .
وأفرده الغزالي برسالة مستقلة بعنوان ( خواص القرآن ) ولم أقف عليها .

غير أن هذه المسألة التي تذكر في هذا الباب ، فيها من الأمور ما هو مبالغ فيه ، وربما وصل الأمر في بعض الأحايين إلى المخالفة الشرعية وربما تصل إلى الشرك نسأل الله السلامة والعافية .
إضافة إلى أن هذه المسائل ليست هي من متين العلم المرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلوم القرآن ، وغاية ما فيه أنه من ملح الاستنباطات ، ومحاسن الفهم في الآيات الكريمات ، وبعضها كما ( ذُكِر ) من شطحات الصوفيات . وهذا أمر اجتهاديٌ في التداوي ، وما جاء فيه النص بإفادته للتداوي قليل ؛ كالفاتحة والمعوذات والكافرون والإخلاص . والله المستعان .

أما ما جاء في باب الفضائل ، فالفاتحة مثلاً جاء في فضلها أنها شافية ؛ لجملة من الأحاديث ، ومنها التي ذكرته بارك الله فيك ، وهذا محصور بالنص النبوي في فضائل السور .

أما ما يجتهده الناس بعامة في انتقاء آيات للتداوي فلا يدخل في باب الفضائل بالتنصيص عليها ، ولكن هي من باب الاجتهاد والاستئناس . والله أعلم ( وقد ذكرت بعض شيء من هذا في كتابي الرقية الشرعية ( الأصل ) وهو موجود في موقع صيد الفوائد حمِّله من هنا لو تكرمت
)


وأما جواب السؤال الثاني :
فنعم ، دليله قوله تعالى ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ) الآية
فالناس في الأية عامة ويراد بها المسلم والكافر ، ومن شفاء الكافر شفاء ما في قلبه من الشك والكفر والريبة إلى الهداية والنور والطمأنينة .
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله :
(( فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة. وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدِّقين بآياته، العاملين به. وأما الظالمون بعدم التصديق به، أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خساراً ؛ إذ به تقوم عليهم الحجة . فالشفاء الذي تضمنه القرآن، عام لشفاء القلوب.. ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها. وأما الرحمة، فإن ما فيه من الأسباب والوسائل التي يحث عليها، متى فعلها العبد فاز بالرحمة والسعادة الأبدية، والثواب العاجل والآجل ))

ثم علَّق شيخنا العلامة الأستاذ الدكتور عمر الأشقر حفظه الله : (( فالشفاء الذي تضمنه القرآن عام لشفاء القلوب ولشفاء الأبدان ويدخل فيه شفاء الكفار من كفرهم بدخولهم للإسلام ، فيشفيهم من الضلال والتَّيْه ، ومن كتب الله عليه الكفر لا يشفيه . وأمَّا شفاء الأبدان فليس لدينا بيان من الكتاب والسنة ، إلا إذا نظرنا في آيات القرآن العامة فهو شامل للجميع . والله أعلم )).

، بل من أصرح الأدلة اليوم على عظمة القرآن تلكم الدراسات التي يقيموها العلماء لبيان أثر القرآن على المسلمين وغير المسلمين .( ولعلك تنظر المقالة للدكتور أحمد القاضي التي صدرتُ بها كتابي ففيها مزيد بيان رائع . )


أما الضوابط :
فإنه حين كثر الوالجون لباب الرقية ، وجاء الغث والسمين ، وتحولت الرقية من الديانة إلى التجارة ، احتاج أهل الاختصاص أن يضعوا ضوابط في العلم ، شأنه كشأن أي علم من الشروط والضوابط ، ولو ترك الباب مفتوحاً لقال من شاء ما شاء وتكالبت علينا الطوام والهفوان والنكبات نسأل الله السلامة والعافية .

لعل هذا النزر يكون كافياً إن شاء الله .

وأنا أنتظر قراءتك للكتاب وتزويدي بنصائحك بارك الله فيك .

والله أعلم واحكم
 
جزاك الله خيرا أخي أبا العالية.
وسأعود لهذا الموضوع بعد أن أطلع على كتابك خلال هذا اليوم أو اليوم الموالي، بإذن الله.
 
أخي أبا العالية

اطلعت على كتابك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يبارك في علمك ووقتك وجهدك.
وأعترف بقلة زادي في هذا الموضوع، حيث لم أطلع في السابق على بحوث فيه، وكنت أكتفي بأقوال وعموميات سمعتها أوقرأتها.
وعند الاطلاع على بحثك هذا، تولدت لدي بعض الملاحظات والتساؤلات أود عرضها عليك، رغبة في مزيد الفهم والبيان.

وبداية، أود الإشارة إلى أمرين:
- أولهما: أن حيرتي في مسألة العلاج بالقرآن ازدادت بعد الاطلاع على كتابك هذا. وقد كانت لدي رغبة صادقة في مساعدة زميلي المسيحي الذي ذكرته في أول هذه المداخلة، لمعرفتي بطبيعة معاناته ومبلغها، غير أنني عزمت على التريث قليلا حتى أجد لنفسي إجابات مريحة ومقنعة، وأتأكد من صحة ما سأحاول تطبيقه عليه.
- وثانيهما: التأكيد على أن بعض هذه الملاحظات (وليس كلها)، ناتجة عن حواراتي مع هذا الزميل. والحوار بين مؤمنَيْن، كما تعلم، لا يأخذ نفس منحى الحوار الجاري بين مؤمن وغير مؤمن. وإن كنت أعرض بعض التساؤلات في قالب (شبهة) فمرد ذلك رغبتي في أن أجد من الأدلة والشروح ما يزيد الفكرة وضوحا لدي.

وسأحوم في تساؤلاتي حول موضوع رئيسي وحيد، يتعلق بمدى قراءة القرآن أو الرقية في شفاء الأمراض البدنية. أما فوائد الرقى في الوقاية (أو العلاج) من السحر ومس الجن، والأمراض النفسية (القلق، الاضطراب النفسي...) فلعل النصوص الشرعية أوضح في بيان أثر ذلك.

1- لا شك في أن الاستقراء التام للنصوص الشرعية في هذا الموضوع، يساعد على الإلمام بكل جوانبه. فهل جمعت في كتابك كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الموضوع؟

2- من خلال النصوص الشرعية حول موضوع العلاج وطلب الشفاء، سواء بواسطة الطب الدنيوي، أو بالدعاء، أو بالقرآن، نتبين أن مداره حول الموازنة بين الدعوة إلى الصبر على البلاء، وبين الرغبة في الشفاء.
ويبدو لي أن النصوص الشرعية في ذلك تحدث نوعا من الحيرة و التشاكس في الأفكار والرغبات لدى المريض. لأنها تحدد له الأجر الكبير الناتج عن الصبر على البلاء، والرضى بقدر الله. وفي ذات الوقت تؤكد له إمكانية الشفاء عن طريق الدعاء والرقية الشرعية.
فهل يمكن اعتبار الدعاء والاستشفاء رحمة من الله تعالى، يسوقها لمن ليس له طاقة على التحمل والصبر، ولا يلجأ إليها إلا في الحالات القصوى من البلاء، وبالتالي فالأولى عدم التطبيب لمن له صبر؟
وكيف يتم التوفيق بين ذلك وبين أحد مقاصد الشريعة: حفظ النفس والحياة؟
بعبارة أخرى: ما هو الحد الفاصل بين الصبر وبين تعريض النفس إلى التهلكة؟

3- ذكرت في الصفحة 58 من كتاب (الرقية الشرعية)، أن الناس:
"في الأمراض ينقسمون إلى أقسام _كما أنهم في العافية كذلك_. قسم أمراضه حسية، وثانيه أمراضه عصبية أو نفسية عقلية وأحلاهما مر ! وثالث مرضه روحي (شيطاني). فالأول: يشفيه عقاقير الأطباء في الغالب بعد حوله الله وقوته. والثاني: مثل أوله، بيد أنه قد يخرج عن المألوف، ويصبح مرضه غير معروف، فتجرَّب عليه تجارب الأطباء المنكر منها والمعروف. والثالث: فلا يكون علاجه إلا بكلام رب العالمين. ومن بحث عن غيره فقد أخطأ السبيل، وما عليه تعويل، سوى القال والقيل !".
ويستشف من هذا أن الرقية والدعاء وقراءة القرآن لا يفيدان في الأمراض الحسية. وهو مخالف لما يفهم من قولك الذي يأتي مباشرة بعد ذلك:
"ولكثرة ما يعرض للناس من أمراض وعلل وعوارض تعرف منها وتنكر، شرع ربنا الاستشفاء بكلامه وبسنة نبيه _صلى الله عليه وسلم_ لمن اشتكى من مرض أو علة بدنية أو نفسية أو عارض عين، أو حسد أو مس أو سحر، فكلامه هو الشفاء والرحمة."
فالحديث هنا يشير إلى فائدة القرآن والدعاء والرقية في العلل البدنية (الحسية).

4- لم أطلع في النصوص الشرعية ما يفيد بأثر قراءة القرآن في شفاء الأمراض البدنية، سوى حديث الصحابة الذين رقوا ملدوغا من أحد القبائل. فهل هناك حالات أخرى غير اللدغ تم شفاؤها بقراءة القرآن أو الرقية؟

5- وقد لفت انتباهي في هامش الصفحة 61، الإشارة إلى رأي الشيخ عمر الأشقر: "وأما شفاء الأبدان فليس لدينا بيان من الكتاب والسنة، إلا إذا نظرنا في آيات القرآن العامة كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ (يونس 57)، وكقوله ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ (النحل 69) فهو شامل للجميع. والله أعلم".
وقد أشكل عليّ فهم المراد من إشارته إلى الآية الأخيرة للاستشهاد على الاستشفاء بالقرآن، إلا أن يكون الشيخ قصد أن بعض آيات القرآن تهدي الناس إلى بعض الوسائل الاستشفائية ، مثل العسل.
وإن كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن قراءة القرآن بذاتها ليست هي وسيلة الشفاء لا في الأمراض الروحية ولا في الأمراض البدنية. وأن القرآن إنما يحتوي _من بين ما يحتويه_:
- على إشارات لبعض المعاني التي تقدم للناس إجابات شافية وهادية في المواقف التي تثير حيرتهم وقلقهم ووساوسهم واضطرابهم النفسي، وهو المعبر عنه بـ(شفاء ما في الصدور)
- وعلى إشارات أخرى (أقل عددا من سابقتها) تشير إلى بعض الفوائد الاستشفائية في النبات وما شابهه، كالعسل والزيتون والزيت، وهو المعبر عنه في مثال العسل: (فيه شفاء للناس).

فهل يعني هذا أن قراءة القرآن للمريض لا تجلب الشفاء، وأن المقصود فقط هو كون القرآن يقدم أجوبة تهدي إلى طرق الاستشفاء من أمراض الصدر والبدن، يرجع إليها في مواضعها من سوره وآياته؟

6- مما يقوي هذا الفهم عندي، الحديث الوارد في الصفحة 74:
عن جابر رضي الله عنه قال: لدغت رجلا منا عقرب، ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟ (وفي رواية: أرقيه؟)، قال: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"، (أخرجه مسلم: كتاب السلام...)
لم أطلع على شروح هذا الحديث، ولذلك أسأل: هل ورد في شروح هذا الحديث سبب عدم قيام النبي صلى الله عليه وسلم برقية هذا الملدوغ، واكتفائه بإحالة الأمر إلى رجل من أصحابه؟
ألا يوحي قوله (صلى الله عليه وسلم) : "من استطاع منكم أن ينفع..." بأن المسألة متعلقة برقية مادية (أي: دواء، مستحضر طبي، أعشاب مفيدة، تفصيد، أو ما شابه ذلك) وليست معنوية (دعاء أو تلاوة قرآن)؟
فلو كان الأمر متعلقا برقية متعلقة بالدعاء أو بالقرآن، لكان هو أولى بفعلها (صلى الله عليه وسلم) حيث أن دعاءه مستجاب، وعلمه بنفع القرآن، ومعرفته بالآيات النافعات في مثل هذه الأمور أكبر من علم أصحابه.
أضف إلى ذلك، فلو كان في قراءة القرآن أو الدعاء ما يفيد في علاج الملدوغ، لما قرن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالاستطاعة ("من استطاع منكم أن ينفع...")، ولكان الأولى أن يشير على الرجل بالآيات والأدعية المفيدة في علاج الملدوغ، لأن وجودها يعني حتمية الاستطاعة.

7- في عرضك (ص 60-61) لتفسير الآية: ﴿وَنُنَـزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ﴾ (الإسراء 82): ذكرت قول الشيخ السعدي رحمه الله: ".. فالشفاء الذي تضمنه القرآن، عام لشفاء القلوب.. ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها..".
وسؤالي المكرر: أين نجد مصداق هذا الرأي في النصوص الشرعية؟
وهل وردت عن الصحابة والتابعين والصالحين، قصص وأخبار موثوقة حول تداويهم بالقرآن من أمراض بدنية؟

8- يبقى تساؤلي الأخير بخصوص الفرق بين مبحثي (خصائص القرآن)، و(فضائل القرآن). فهل يشمل أحدهما الآخر، أم أنهما منفصلان ؟

وجزاك الله خيرا.
 
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
قال الإمام ابن أبي العز: " وأنفع الأغذية غذاء الإيمان ، وأنفع الأدوية دواء القرآن ، وكل منهما فيه الغذاء والدواء ، فمن طلب الشفاء في غير الكتاب والسنة ، فهو من أجهل الجاهلين ، وأضل الضالين ، فإن الله تعالى يقول " قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [ فصلت:44فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل للأستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان ، وقبول تام ، واعتقاد جازم ، واستيفاء شروطه ، لم يُقاوم الداءُ أبداً ، وكيف تقاوم الأدواءُ كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها ، أو على الأرض لقطعها فما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحِمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه."
[align=left]شرح العقيدة الطحاوية 2/422 [/align]
 
جواب مجمل

جواب مجمل

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ..

بداية أشكر تجاوبك معي أخي الكريم محمد وأسأل الله أن يرزقني وإياك العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يستعملنا في طاعته وفي خدمة دينه ، وأن يوفقك للسداد لكسب من تحاور للدخول في الإسلام ؛ فتظفر بأجر كبير إن شاء الله .

وأما جواب ما استشكلته وسألتَ عنه وفقك الله وفتح علينا وعليك ؛ فأقول بعد توفيق الله تعالى :

أولاً : مسألة الاستقراء التام للنصوص للشرعية في الموضوع ؛ فقد جمعتُ في هذا الكتاب ما ظهر لي أنه بهذا الجمع شامل لموضوع التداوي ، وربما تركت بعض النصوص ؛ لأنها تدخل في نص آخر .
وأنتَ وفقك الله تعلم كما قرأتَ في طليعة الكتاب ، أن هذا الكتاب استللته من الأصل الموسع الموسوم : (( نفع الأنام بما جاء في التداوي والرقى عن نبي الإسلام )) فهناك تفصيل آخر .
لكن خلاصة ما تؤول إليه النصوص _ حسب جهدي الضعيف _ هو ما أودعته في الكتاب الذي قرأته بارك الله فيك وأفدنا منك .
فإن كان ثمة نص شرعي يُملي إضافة على ما قيدته ؛ فحيَّهلا به ، ولك أحسن الدعاء أيها الناصح الحبيب ، جزاك الله خيراً .

ثانياً : أما مسألة العلاج والبحث عن الشفاء وبين الصبر ؛ فلا يا أخي الناصح الحبيب ، ليس في النصوص الشرعية ما يدل على الحيرة والتشاكس ، بل النصوص آمرةٌ بالعلاج وحاثَّة على التداوي ابتداءً ، وهذا عام بين الطب الحسي أو التداوي الروحي المعنوي بالقرآن والدعاء ، ومتى ما ترجَّح علاج على غيره وأثبت منفعة وجب الأخذ به ، سداً لضرر أو هلاك متوقع ، وهذا التداوي غير قادح ألبتة في التوكل على الله تعالى ، بل هو من جملة الأسباب في ذلك . ولعلك قرأت كلام أهل العلم في لمسألة في موطنها من الكتاب .
ولكن مقامات الناس مع البلاء تختلف بحسب قوة إيمانهم ، وصبرهم ، وتوكلهم على الله تعالى .
فمن تحمل وطاق البلاء واحتسب ؛ فلا شك ولا ريب أن جزاءه عند ربه كبير ، وخير شاهد على هذا حالة المرأة ( أم زفر ) التي كانت تُصرع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد علمت من نفسها الصبر والطاقة ؛ فاختارت الصبر والاحتساب ؛ رغبة في الأجر الكبير والثواب العظيم ، وقد خيَّرها المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ، كما أشار لذلك ابن القيم في الزاد . وهذا مقام رفيع ، سار عليه بعض أولياء الله تعالى .
أما من عجزت قواه عن التحمل ؛ فقد يدخل في الإثم والعياذ بالله إن ترك التداوي وجرَّ تركه له الضرر والهلاك ، ووقع فيما نهاه عنه الشارع الحكيم ، من إهماله لحفظ النفس كما أشرتَ وفقك الله .

وبما أنَّ أحوال الناس تتفاوت ؛ فاعلم علَّمني الله وإياك أن أحوال الناس تتجاذبها الأحكام التكليفية الخمسة ؛ من واجب ، ومندوب ، ومباح ، ومكروه ، ومحرم ، ولكل حالة حكم خاص .
وبهذا تعلم أخي محمد وفقك الله وفتح علينا وعليك ، أنَّ الحد الفاصل في ذلك ؛ هو حال الإنسان المبتلى نفسه .
وأمرٌ مهم ألفت نظرك إليه ، ذلك أن التداوي في السابق كان نفعه ظنياً ، وغير مستيقنٍِ ، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ، وأظنك قرأته في الحاشية ، أما اليوم فمع تقدم العلم ؛ فالذي يظهر لي والعلم عند الله ، أن أقرب الأقوال في هذه المسألة هو الجمع بين ذلك ؛ أي العلاج الطبي والعلاج بالقرآن ، ولا تعارض ألبتة في ذلك .
وهذا ما أشار به علينا شيخنا العلامة الراحل محمد الصالح العثيمين نوَّر النُّور ضجيعه إِبَّان سؤالي له في الحرم ، وقيدته في كناشتي مع باقي إملاءاته أعلى الله درجته ، وجمعنا به في جنان الخلد . اللهم آمين .

ثالثاً :
أما مسألة علاج القرآن للأمراض البدنية الحسية ؛ فقد قلتُ في المرتبة الأولى :
( فالأول : يشفيه عقاقير الأطباء في الغالب بعد حوله الله وقوته )
وكلمة ( في الغالب ) تفيد أن هناك حالات لم يقدر الطب العلمي الحسي على شفائها ! وهنا يأتي دور العلاج بالقرآن (الرقية الشرعية ) بعد الطب الحديث ، ولذا قلتُ ما قلت ؛ لأن الأصل في البدء في التداوي أن يكون عند أهل الاختصاص من الأطباء الثقات الأمناء لا أصحاب الهوس المالي ! ولا مانع من مشاركة العلاج بالقرآن مع علاجهم ، سيما والهدف عندنا هو شفاء المريض ؛ فمتى ما حصل بالتداوي عند الأطباء فالحمد لله ، وهذا من عموم ما أباحه الله تعالى ، سيما مع يقينية بعض أنواع العلاج اليوم الحسية من الطبيب المسلم الثقة ، وحين لا يجد الأطباء للعلة والمرض دليلاً أو طريقاً للعافية ، يتبعه _ أو يرافقه _ العلاج بالقرآن ، ويقع بقدر الله تعالى ، وقد لا يقع ، وهذا يعود لقبول المحلِّ من عدمه مع أمور أخرى من شرائط الانتفاع بإذن الله تعالى .

رابعاً : مسألة علاج الرقية الشرعية لمرض بدني حسي غير اللدغ .
فيقال أولاً : إن حديث السليم الذي رقاه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه نص في الباب ، وينطبق على علاج كل مرض بدني فلا يعدل عنه ، ومن قال بالتخصيص ؛ فهذا مفتقر للدليل ، ولا أظنه يسعفه .
بيد أن هناك أمراض بدنية حسية ثبت نفع الرقية الشرعية ( العلاج بالقرآن ) فيها ، ومن ذلك :
1_ الحمى التي تصيب البدن ، وشاهدها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو في البخاري في باب وضع اليد على المريض وقد مرَّ بك في الكتاب في الحاشية صـ ( 91 ) فهذا مرض بدني ثبت نفع الدعاء له وحصول الشفاء بدعاء رسول الله كما قاله العيني رحمه الله في العمدة على البخاري .
2_ رقية أمنا الحبيبة الصديقة عائشة رضي الله عنها وعن أهل بيتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا اشتكى الوجع والوعك تقرأ عليه بالمعوذات وهي الكافية من كل شر ؛ فقد كانت ترقيه ، وتمسح بيده الشريفة ؛ رجاء بركتها . وهو في الصحيحين .
3_ ولما سبق أيضاً ؛ فقد كانت الصديقة عائشة رضي الله عنها وعن أهل بيتها إذا خرج في يدها بثرة ترقيها بل بلفظ ( وتُلِحُّ عليها بالتعويذ ) أي الرقية فيقال لها رضي الله عنها إنها صغيرة ! فتقول رضي الله عنها : إن الله عز وجل يعظِّم ما يشاء من صغير ، ويصغِّر م يشاء من عظيم .
وانظر في المنتقى للباحي رحمه الله . وهذا أيضاً في المرض البدني .
4_ ما يكون من باب العلاج بالرقية وهي من وسائلها ومكملاتها ؛ خواص ومنافع بعض المطعومات ؛ زيت الزيتون ، وحبة البركة ( الحبة السوداء ) والعسل والسنا .. ) فهذه المطعومات أودع الله فيها خاصية الشفاء ، فإذا جمع معها الدعاء والرقية كان مفعولها أقوى وأكثر نفعاً وهذا مشاهد بالتجربة المستفيضة عند الرقاة ، وهو من باب الجمع بين الأدوية لقوله ( عليكم بالشفائين القرآن والعسل ) وهذا فيه ردٌ على بعض الأطباء النفسانيين الذين يقولون باقتصار هذه المطعومات دون الرقية أو الدعاء عليها .
والأدلة على ذلك كثيرة ، وفيما ذكر كفاية إن شاء الله .

خامساً : أما ما استشكلته من جواب شيخنا العلامة الوالد أ. د عمر الأشقر أمد الله في عافيته وبقاءه ونفع الأمة بعلمه :
فمراد الشيخ حفظه الله أن القرآن شفاء لأمراض الناس بدنية وروحية . واستدل بالآية الأولى .
وأن في القرآن دلالة على شفاء بعض المطعومات بجانب السنة .ولذا استشهد بالآية . والله أعلم .

سادساً : وأيضاً في دلالة النبي صلى الله عليه وسلم للرقية على غيره ؛ فهذا يعود لأمرين :
الأول : معرفة سبب ورود الحديث ؛ فهذا الحديث كانت له قصة ، وهي أن آل ابن حزم معروف برقيته في الجاهلية ؛ فحين لدغت العقربُ الرجل ، عرض ابن آل حزم على رسول الله _ وسياقات القصة مختلفة لتعدد الروايات _ فقال ما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه خاصية بعض الصحابة في الرقية ، وهذا يشهد له قول أصحاب القطيع : ( هل فيكم راقٍ ؟ )
وتارة ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حين لدغ أحد صحابته رضوان الله عليهم فقال : ( هل من راق ؟ ) وذكره الإمام عبد الرزاق رحمه الله في مصنفه .
وأيضاً : كما مرَّ بسبب ورود الحديث الآنف .
فهذه النصوص تشير إلى خصوصية بعض القوم على بعض في العلم بهذا الباب ؛ إعني باب الرقية الشرعية .
وفيه ردٌ على من أنكر وجود الرقاة من زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

و الأمر الثاني : كان أمره لغيره أن يباشر الرقية ؛ ليقطع تعلق أصحابه به ، ويرشدهم إلى النبع ، بعد وفاته ؛ فيتعلموها ويرقون أنفسهم وأهليهم بها ؛ وقد مرَّ فعل عائشة رضي الله عنها في ذلك وغيرها ، كما ذكر أبو الوليد الباجي رحمه الله في المنتقى وغيره .
ثم ما أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مما كان بالدعاء بدليل فعرضتُ عليه الرقية فضرب على بعض وأجاز بعض ، وفي بعض الروايات _ ولم أتحقق منها الآن _ أنه حين عرضها على النبي قال من جملة قوله _ ( فعرضت عليه هذه الدعوات التي أداوي فيها من الجنون ) والله أعلم .

سابعاً : هل ورد عن الصحابة في علاج القرآن للأمراض البدنية ؟
فالجواب نعم ، وحديث عائشة دليل ، وبالتتبع تجد كثيراً .وقد مرَّ آنفاً .

ثامناً : مسألة الفضائل والخصائص .
أما الفضائل : فهي تفتقر إلى نص شرعي صحيح يثبت فضيلة السورة أو الآية . وهذا لا يتجاوز فيه النص النبوي ، والسور ذات الفضائل قليلة التي صحَّ فيها الحديث ، وجل ما يذكر في كتب الفضائل ضعيف ، لا يُعوَّل عليه .
والفضيلة : مثل أن ينص النبي صلى الله عليه وسلم على فضل سورة ويرتب عليها الأجر ؛ فمن قرأها فله كذا ، أو تكون له منجية مثلاً مثل سورة تبارك ، من ذوات الفضائل .
هذا وقد وهم بعض من كتب في فضائل السور ؛ فظنَّ أن من الفضائل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيه في الصلاة ؛ فهو من باب السنة لا الفضيلة . كقراءته للطور أو الأعراف في المغرب مثلاً ؛ فالأجر هنا للامتثال لا لفضيلة ذات السورة . وهذا ظاهر ، والله أعلم
وأما الخواص : فهو ما كان من استنباط التجارب من الصالحين ، لمناسبة شفاء علة ، أو هرب من عدو ، أو غير ذلك . وهما علمان متغايران عن بعضهما ، لكن قد يدخل باب الخواص في جملة باب الفضائل بوجه من الوجوه .
والله اعلم .

وأخيراً : أشكر مرورك الكريم ، وأثني على أسئلتك ، ولقد أفدتني كثيراً حينما كنت أقلب صفحات الكتب ؛ فكانت الدعوات لك صاعدة لله العلي العظيم .

فليتك تقرأ الكتاب قراءة ناقدة فاحصة مرة ثانية ؛ فحتماً ستخرج أمور تنصح بها أخيك ، وقد تتضح بعض معالم هذا الباب ، والله أعلم .

وكتب
أبو العالية
غفر الله له .
 
حياك الله أخي أبا العالية، ومعذرة على التأخير في الرد، لانشغالي ببعض الأمور.
وجزاك الله خيرا على ما قدمت. وقد توضحت لي بعض الأمور، وبقيت لي بعض التساؤلات.

أوّلاً- قلت _سلّمك الله_ في المسألة الثالثة (مسألة علاج القرآن للأمراض البدنية الحسية):
"(فالأول: يشفيه عقاقير الأطباء في الغالب بعد حوله الله وقوته)
وكلمة (في الغالب) تفيد أن هناك حالات لم يقدر الطب العلمي الحسي على شفائها! وهنا يأتي دور العلاج بالقرآن (الرقية الشرعية) بعد الطب الحديث. ولذا قلتُ ما قلت؛ لأن الأصل في البدء في التداوي أن يكون عند أهل الاختصاص من الأطباء الثقات الأمناء لا أصحاب الهوس المالي! ولا مانع من مشاركة العلاج بالقرآن مع علاجهم، سيما والهدف عندنا هو شفاء المريض؛ فمتى ما حصل بالتداوي عند الأطباء فالحمد لله، وهذا من عموم ما أباحه الله تعالى، سيما مع يقينية بعض أنواع العلاج اليوم الحسية من الطبيب المسلم الثقة، وحين لا يجد الأطباء للعلة والمرض دليلاً أو طريقاً للعافية، يتبعه _ أو يرافقه _ العلاج بالقرآن، ويقع بقدر الله تعالى، وقد لا يقع، وهذا يعود لقبول المحلِّ من عدمه مع أمور أخرى من شرائط الانتفاع بإذن الله تعالى".

في هذه الفقرة، ذكرت الأمور التالية:
1- الأصل في التداوي أن يكون عند أهل الاختصاص من الأطباء الثقات الأمناء
2- ولا مانع من مشاركة العلاج بالقرآن مع علاجهم
3- حين لا يجد الأطباء للعلة والمرض دليلاً أو طريقاً للعافية، فيتبعه _ أو يرافقه _ العلاج بالقرآن

والتساؤلات المطروحة:
1- لو سألني هذا الزميل المسيحي: "ما الدليل على هذا الترتيب، من خلال نصوصكم الشرعية"، فبم أجيب؟
2- ولو سألني هذا الزميل المسيحي: "ألا يمكن اعتبار تلاوة القرآن بمثابة التصبير للمريض، بغرض التنفيس عنه، ولا يمكن لذلك أن يمثل العلاج الحقيقي والمباشر. ومفعوله، إن نجح في التأثير على المريض وتحسين حالته، لا يعدو أن يكون بمثابة الأثر الإيجابي لنوع من الإيحاء النفسي. وهو ما يقوم به أيضا بعض الإنجيليين وينجحون فيه، وهو أيضا ما يقوم به بعض علماء النفس، وينجحون فيه، وهو أيضا ما يقوم به بعض المشعوذين وينجحون فيه".

ثانياً: ذكرت الأمثلة التالية في علاج المرض البدني الحسي:- لدغ العقرب
- الحمى التي تصيب البدن
- وجع النبي صلى الله عليه وسلم ووعكه
- علاج البثور

وأتساءل: هل عولج المرضى في هذه الأمثلة بالدعاء وتلاوة القرآن فقط؟ أم أنهم كانوا يستعملون مع الدعاء والقرآن بعض المستحضرات، كالتي ذكرتها (العسل، زيت الزيتون، حبة البركة،...).

وحتى يكون البحث أدق ومساعدا لي في الفهم:
1- هل يفيد الدعاء والتلاوة القرآن في كل الأمراض (الباطنة والظاهرة، النفسية وغير النفسية)؟
2- هل يفيد الدعاء وتلاوة القرآن في العلاج دون استعمال أي مستحضرات طبية، أو أطعمة ذات خصوصية ونفع خاص؟
3- لو اشترطنا استعمال مستحضرات طبية مع الدعاء وتلاوة القرآن، فكيف نميز بين ما جاء نتيجة الدعاء وتلاوة القرآن، وبين كا جاء نتيجة المفعول المادي للمستحذرات الطبية أو الأطعمة؟
4- لو كانت للدعاء وتلاوة القرآن فائدة في علاج المريض، فهل تتمثل في إعطاءه شعورا بالطمأنينة والرضى وتنمية درجة الصبر لديه؟ أم أنهما يفيدان في علاج المرض وإزالة أعراضه تماما؟
5- من الأمثلة الأولى التي طرحها عليها هذا الزميل المسيحي وجعلني أتوقف كثيرا عند الموضوع، هو التالي: لو قطعت يد أحدهم، أو تشوه وجهه نتيجة حادث، أو ولد بإعاقة بدنية (تخلف ذهني، أو شلل، أو عرج...)، فهل يفيد الدعاء وتلاوة القرآن في علاجه؟

وقد فكرت طويلا في جواب عن هذا السؤال، ولم أجد من مثال يمكنني المقارنة به، سوى مثالين:
1- ما ينقله القرآن الكريم عن عيسى عليه السلام، وبيان أن أحد معجزاته: أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله.
"وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران 49)
"إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ" (المائدة 110)
2- وأيضا ما ورد في قصة أصحاب الأخدود:
فقد روى مسلم في صحيحه عن صهيب بن سنان الرومي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر. فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت. فابعث إلي غلاما أعلمه السحر. فبعث إليه غلاما يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك، راهب. فقعد إليه وسمع كلامه. فأعجبه. فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه. فإذا أتى الساحر ضربه. فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس. فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل ؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم ! إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. حتى يمضي الناس. فرماها فقتلها. ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني ! أنت، اليوم، أفضل مني. قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنك ستبتلى. فإن ابتليت فلا تدل علي.. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله. فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له الملك: من رد عليك بصرك ؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري ؟ قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام. فجئ بالغلام. فقال له الملك: أي بني ! قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب. فجئ بالراهب. فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار. فوضع المئشار على مفرق رأسه. فشقه حتى وقع شقاه. ثم جئ بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فوضع المئشار في مفرق رأسه. فشقه به حتى وقع شقاه. ثم جئ بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا. فاصعدوا به الجبل. فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل. فقال: اللهم ! اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك ؟ قال: كفانيهم الله. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر. فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به. فقال: اللهم ! اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك ؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو ؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد. وتصلبني على جذع. ثم خذ سهما من كنانتي. ثم ضع السهم في كبد القوس. ثم قل: باسم الله، رب الغلام. ثم ارمني. فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد. وصلبه على جذع. ثم أخذ سهما من كنانته. ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله، رب الغلام. ثم رماه فوقع السهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السهم. فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام. فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد، والله ! نزل بك حذرك. قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت. وأضرم النيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمه ! اصبري. فإنك على الحق ".

ولكن حتى في هذين المثالين (القرآني والنبوي)، لا نجد ذكرا لنوع العلاج الذي كان يمارسه عيسى عليه السلام، وهذا الغلام. فهل كان فقط من باب الدعاء لله عز وجل، أم أنهما كانا يستعملان بعض المستحضرات الطبية مع الدعاء؟

ثالثا- وقد اطلعت على الحديث النبوي الذي ذكرته: (عليكم بالشفائين: القرآن والعسل)، وتعليقك عليه بأن معناه الجمع بينهما للعلاج.

وسؤالي: لم لا يكون معناه هو التالي: عليكم بالشفائين: القرآن (فهو شفاء للصدور لما يحتويه من إجابات شافية عن جميع الأسئلة الوجودية التي يمكن أن يحير الإنسان جوابا عنها، وفيه علاج لكل الأمراض الأخلاقية والاجتماعية التي لن يجد الإنسان علاجا ناجعا لها مثل ما يوجد في القرآن)، والعسل (فهو مستخلص طبيعي، فيه من المنافع الكثيرة والمتنوعة ما يجعله دواء لكثير من الأمراض البدنية التي تصيب الإنسان)؟

رابعاً- ذكرت، _حفظك الله_ ما يلي:
"إن حديث السليم الذي رقاه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه نص في الباب ، وينطبق على علاج كل مرض بدني فلا يعدل عنه ، ومن قال بالتخصيص ؛ فهذا مفتقر للدليل ، ولا أظنه يسعفه".


وسؤالي: لم لا يكون التخصيص هو الأصل، ومن يريد تعميمه هو المفتقر للدليل؟
وهذه القاعدة مثار غموض عندي، ولعلي أحتاج لدراستها أكثر في أصول الفقه. غير أنني طرحت هذا السؤال، بعدما انقدح في ذهني المسألة التي أثيرت مؤخرا حول موضوع (إرضاع الكبير)، وتفسير بعض الفقهاء للحادثة المنقولة في كتب الحديث، من أنها (واقعة خاصة لضرورة) ولا يجوز تعميمها.
فما هو الضابط الذي يمكن من خلاله قبول التعميم أو التخصيص لنص، أو حادثة؟

أرجو ألا أكون قد أثقلت عليك بهذه التساؤلات، أخي أبا العالية، ولعل الموضوع يرى مشاركات أكثر تساعدني على الفهم.

وجزاك الله خير الجزاء في كل الأحوال.
 
أحسن الله إليكما.
وقد أشارالإمام ابن رجب إلى نكتةٍ بديعةٍ تتعلقُ بالتداوي بالقرآن، حين قال :"فالقرآنُ كلُّه شفاءٌ، والفاتحةُ أعظمُ سُورةٍ فيه، فلها من خصوصيَّة الشِّفاءِ ما ليس لغيرِها، ولم يَزْل العارفون يتَداوَون بها من أسقامِهم، ويجدون تأثيرَها في البُرْءِ والشِّفَاءِ عاجلاً؛ ولكن ها هُنا نُكتةٌ ينبغي التفطُّنُ لها، وهي: أنَّ الرُّقا والتَّعاوِيذ بمنزلةِ السِّلاح، والسِّلاحُ يَحتاجُ تأثيرُهُ إلى قوّةِ الضَّاربِ به، وكون المحلّ قابلاً للتأثير، فالسِّلاَحُ بضارِبِه لا بحدِّهِ، فمتى كان السِّلاحُ سِلاحًا تامًا في نفسِه لا آفةَ فيه، والسَّاعِدُ الضَّارِبُ به قويٌّ، والمضرُوبُ به قابلٌ للقطعِ = أثَّر القطع لا مَحالة، ومتى تخلَّفَ شيءٌ من هذه الثَّلاثةِ = تخلَّف تأثيرُه.
وكذلكَ الرُّقا والتَعاويذُ تَستدعي قوةَ وهمَّةَ الفاعلِ وتأثيرَه وقبولَ المحلِّ للتأثير، فمتى تخلَّف الشِّفاءُ بهذه الرُّقا الشَّرعيَّة كان بخللٍ في واحدٍ من هذين أو فيهما، ومتى وُجِدَا على وَجههما حَصَلَ التأثيرُ، فإذا أخذ القلبُ الرُّقا بقبولٍ تامٍ وكان للرَّاقي همَّةٌ مُؤَثِّرةٌ، ونفسٌ فَعّالةٌ، وقُوةٌ صَادقةٌ، وعَزيمةٌ تامَّةٌ، وإيمانٌ كاملٌ، وقلبٌ حاضرٌ، وبَصيرةٌ نافذةٌ = أثَّر في إزالةِ الدَّاءِ".
[تفسير الفاتحة لابن رجب ص: 22]
 
عودة
أعلى