د. محمد بن جميل المطري
Member
قال الله سبحانه في أول سورة أنزلها في كتابه العظيم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1 - 4]، فأخبر الله أنه علَّم الإنسان بواسطة القلم، وفي هذا تعظيمٌ لشأنِ القلم، وبيانٌ لأهميته في تعلم العلوم، وأقسم الله بالقلم وما يُسطِّره الكاتبون بأقلامهم فقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]، وفي هذا إشارة إلى أهمية الكتابة في قيام مصالح الناس في دنياهم ودينهم، وبأقلام العلماء وجهودِهم حفظ الله لنا العلوم، فجزى الله عنا علماء الإسلام خيرًا، فقد حفظوا لنا الإسلام بكتابة كل ما نحتاج إليه في ديننا، من القرآن الكريم وتفسيرِه، والحديثِ النبوي وعلومِه، وسيرةِ النبي عليه الصلاة والسلام وأخبارِ أصحابِه من بعدِه، ونقلوا لنا فتاوى الصحابةِ ومن بعدهم من التابعين وأتباعِهم، وحفظوا لنا أسماءَ الرواةِ وأنسابَهم وأخبارَهم وتواريخَ وفيَّاتِهم، ونقلوا لنا أشعارَ العربِ وأخبارَهم وأمثالَهم، ونقلوا لِمَن بعدَهم التاريخَ الذي عاصروه والذي سمعوه مِمَّن قبلَهم، وألَّفوا الكتب العظيمة في القراءات، والتفسير، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وفي السيرةِ النبوية، والفقهِ، والعقيدة، واللغة، والشعر، والنحو، والتاريخ، والأنساب، وكتبوا الأحاديثَ بأسانيد الرواة، وجمعوا طرق الروايات مع كثرتها وتكرارها من غيرِ كَللٍ ولا مَلل، وقارنوا بين جميع الروايات وتأمَّلوها سندًا ومتنًا ليحكموا على الرواة بما يستحقون من توثيق أو تضعيف أو تكذيب، فمن وافق حديثُه حديث زملائه عرفوا حفظه وإتقانه، ومن خالف زملاءه وأخطأ فيما رواه غيره بالزيادة والنقصان عرفوا ضعفه في الحفظ، ومن روى ما لم يروه زملاؤه، وتفرَّد عن المشايخ بما لم يروه تلامذتهم عرفوا كذبه، وبمقارنة الروايات ميَّز علماء الحديث صحيح الحديث من سقيمِه، وعرفوا أخطاء الرواة وأوهامهم، وكما حفظ الله لنا كتابه حفظ لنا سنة نبيه المبيِّنة لكتابه، وجميع العلوم الدنيوية يسَّر الله حفظها بأقلام العلماء المتخصصين في كل علم، كالطب والصيدلة والرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة والتكنولوجيا والتقنية وغير ذلك مما يسر الله تعلمها وتعليمها بالأقلام، فالحمد لله الذي علَّم الإنسان البيان بمختلف اللغات، وعلَّم الإنسان ما لم يعلم في أمور دينه ودنياه.