الجكني
مشارك نشيط
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا ونبينا محمدٍ ، هو حبيبنا وقدوتنا ومعلّمنا ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فإنه لا يخفى على طالب العلم أهمية " الأسانيد " ودراستها ، والاستفادة من منهاج الأئمة السابقين في نقدها وسبرها وتصحيحها .
وإذا كانت أسانيد الحديث الشريف هي الأصل في هذا الباب ، فإن أسانيد القراءات وكتبها تأتي – حسب رأيي القاصر – بعدها ؛ حتى مع وجود الفارق الأصيل بينهما في النتيجة ، وأعني بالفارق هنا أنّ أي خلل في سند حديثٍ ما يؤثر سلباً على متن الحديث ، وهو ما لا ينطبق على أسانيد القراءات ، فمهما كانت العلل فيها فهي لا تؤثر بحال من الأحوال على قبول المتن ، وأعني هنا الكلمة القرآنية المقروء بها ، وإن كان قد يؤثر في " الوجه " أو " الطريق " لا غير .
هذا ؛ وقد اهتم علماء السلف رحمهم الله بأسانيد القراء والقراءات ، فدوّنوها في كتبهم كما تلقوها ونقلوها ونسخوها ؛ ويتجلى هذا الاهتمام ويظهر في ما نجده في كتب الأمهات من ذكر سندين ؛ أحدهما ل " الإجازة " و الآخر ل " للتلاوة " و " القراءة " ، وما هذا إلا لبيان الدقة والأمانة في التحمل وصِيَغِه .
إلا أن بعض هذه الأسانيد – أسانيد بعض القراء - وقع فيها مقال ٌ من حيث الانقطاعُ والجهالةُ وغيرُ ذلك من أصناف العلل ، وهو أمرٌ قديمٌ ، تفطّن له الأئمة المحققون ، فكان دورُ المتأخرِ تصحيحَ وتصويبَ غفلةِ أو سهوِ المتقدم ، كما عند الداني في بعض كتبه ، وأبي العلاء الهمداني في ما كتبه من الحواشي على " أسانيد " كتاب الكامل للهذلي ، وكما عند الذهبي في كتابه " معرفة القراء الكبار " ، وهكذا دواليك حتى خُتِم هذا العلم ؛ وأعني علم تحقيق أسانيد القراء والقراءات وتمحيصها ، بخاتمة حفاظ القراءات وإمامهم ، الشيخ ابن الجزري رحمه الله ، فألّف كتابيه العمدتين ، وهما " غاية النهاية " و " النشر في القراءات العشر " متكئاً ومعتمداً على " أصح الأسانيد القرآنية – في نظره - التي وصلت إليه .
وقد اهتم العلماء بكتب ابن الجزري كل الاهتمام ، ورعوها حق الرعاية ، ودرسوها حق الدراسة .
هذا ؛ وإنّ من أهم الكتب المؤلفة حول كتاب " النشر " والتي اطلعت عليها ، وقد طبعت مؤخراً ؛ الكتابَ الموسومَ بِ " السلاسل الذهبية بالأسانيد النشرية من شيوخي إلى الحضرة النبوية " مكتوب على غلافه :
إعداد : خادم القرآن الكريم ، الدكتور : أيمن رشدي سويد
وناشره : دار نور المكتبات
الطبعة الأولى سنة : 1428هـ - 2007م
وقد قسّم المؤلف كتابه أربعة أقسام ، بيّنها في قوله :
1- أسانيدي عن شيوخي الذين قرأت عليهم إلى الإمام ابن الجزري .
2- أسانيد الإمام ابن الجزري إلى المصنفين من القراء الذين تلقى كتبهم ، وقرأ القرآن العظيم بما تضمنته تلك الكتب من قراءات ، ثم انتقى منها الطرق الألف التي أودعها في كتابه النشر .
3- أسانيد هؤلاء المصنفين إلى القراء العشرة المشهورين .
4- أسانيد القراء العشرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
والحق يقال :
إن هذا الكتاب – كتاب السلاسل الذهبية - اكتسب أهميته من جزئيتين :
الأولى : نسبته إلى من أعدّه ، وهو الدكتور أيمن سويد حفظه الله ، وهو من أعلام القراءات المشهورين في هذا الزمن ، وله حضور قوي في المحافل القرآنية ، والشهرة الواسعة ، حفظه الله ورعاه ، وبارك فيه وفي عمره ، وعلمه ، ونفع به .
الثانية : موضوع الكتاب ، وهو متعلّق بأسانيد إمام القراء ، الذي كلّ أسانيد الدنيا في هذا الزمن تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريقه ، وهو خاتمة حفاظ علم القراءات ، وكتابه هو عمدة كتبها ؛ وأعني الإمام محمد بن محمد بن الجزري ( 751-833هـ ) وكتابه " النشر في القراءات العشر " .
ولما كان كل كتاب يعرضه مؤلّفه على الناس لا يخلو من نقد وهنات ، وأماكن يسهو فيها المؤلف ، أو ينسى ، أو يخطئ ؛ كان من دأب العلماء فتح باب الاعتراض والنقد والتصحيح ، بل والتخطئة ، لا الفاضلُ والعالمُ يمنعه علمُه أن يقال له أخطأت ، ولا الصغيرُ يمنعه صِغرُه أن يقول أخطأت ، لأن العلم والمعرفة هبة من الله تعالى يعطيها من شاء من خلقه ، ويمنعها عمن شاء ، وبيان محل السهو والغفلة والخطأ في كلام العلماء لا ينتبه إليه إلا من علم العلم الذي يتكلم فيه ، وإلا من خالط العلماء وكتبهم واصطلاحاتهم ، فعرف مدلولات ألفاظهم ، وفهم عنهم إشاراتهم ، وألمح منهم رموزهم ، ولم يكتف من كتبهم بقشورها ، ولا بعباراتهم ميسورها .
ولما كان – أيضاً – حقاً على طالب العلم أن يبين ما يراه خطأً في الكتب ، داعماً رأيه بالدليل العلمي ، معترفاً بقصوره وتقصيره عن شأو العلماء المحققين رأيت أن من الواجب عليّ بيان ما وقفت عليه في كتاب " السلاسل الذهبية " من مسائل أرى أن الصواب جانب فيها مؤلفه ، وأن الحقَّ فيها هو مع ابن الجزري رحمه الله ، عمدتي في ذلك قول الإمام زرّوق المالكيّ رحمه الله :"العلماء مصدّقون فيما ينقلون ، لأنه موكول لأمانتهم ، مبحوث معهم فيما يقولون ، لأنه نتيجة عقولهم" .
وكان سبب هذا التعليق أمرين :
الأول : أني رأيت كتاب " السلاسل الذهبية " قد وقع في أمورٍ ليس بالشيء الهيّن المرور عليها دون نقاش ؛ حفظاً للعلم وأمانته ، ومن أهمها :
1- إلزامُ ابن الجزري بأشياء لا تلزمه .
2- اتهامُ ابن الجزري – بحسن قصدٍ – بالمُدَلّس – بفتح اللام - عليه !!
3- إدخالُ أسانيد في النشر ليست منه ، ولا ابن الجزري يريدها ، ثم الحكم عليها بأنها نشرية ، وهي في الحقيقة أسانيد " السلاسل " وليس " النشر " .
4- التدخل في منهجية ابن الجزري في طرقه ، وتقديمها في " السلاسل " منهجية لمؤلفها على أنها " نشرية " وليس كذلك .
الثاني : حفظاً لحقّ ابن الجزري علينا ، خاصة وأننا من أهل " الحجاز " الذين كان ابن الجزري رحمه الله يكرمهم ويصلهم بعطاياه ، فرأيت أن له حقاً علينا بأن " ندافع " عنه بالحق ، وبالدليل العلميّ ، وأن نبين أن الحق معه ، وأنه لم " يُلَبّس " عليه ، وأنه لا " يلزمه " ما ألزمه به غيره ، إذ كل مؤلف له منهجيته الخاصة به .
وقبل الشروع في ذكر هذه التعليقات أحب أن أذكّر بأمرين مهمين :
أولهما : ليُعلَم أني لا أقول إنني أحرر أو أصحّح كتاب " السلاسل الذهبية " ، ولا أنّ ما فيها خطأ ، فلا أزعم ذلك ولا أدّعيه ، ولكن أقول : إنما هي وجهات نظر وملحوظات تبين صواب صنيع ابن الجزري في أسانيده ، وأنه رحمه الله قد قنّن أسانيده وبناها على منهجية خاصة به ، وهذه الملحوظات واوجهات النظر التي أبيّنها هنا أزعم أنها مدعّمة بالدليل ، أطرحها للمهتمين بأسانيد ابن الجزري لمناقشتها وتصويبها وتصحيحها ، وللنظر في كتاب " السلاسل الذهبية " نظرة المتفحص ، لا نظرة المسلّم تسليماً أعمى .
ثانيهما : أطلب ممن يقرأ هذه التعليقات ولا تعجبه لمجرد أنها اعتراض على كتاب شيخ من شيوخ العصر أن يتقي الله ولا تأخذه العزة بالإثم فيدافع عن الكتاب بالباطل والحميّة ، بل عليه أن يدافع – إن أراد – بالحق والدليل العلميّ ، فهو الحكَمُ الفصل الذي يحتكم إليه ، وليس إلى مكانة المعترض والمعترض عليه .
هذا ؛ وسأبدأ بطرح هذه الملحوظات بين فترة وفترة ، بحيث لايزيد مابين الفترتين على ثلاثة أيام نظراً للوقت من جهة وأمور النت من جهة أخرى .
والله من وراء القصد .
السالم محمد محمود " المدنيّ " الجكني الشنقيطي
ليلة الخميس : 12/10/1433هـ