رضا البطاوى
New member
نظرات فى كتاب اسم السورة القرآنية ومدلولها البقرة والعنكبوت نموذجا
المؤلف عبد القادر بن عزوز والبحث يدور حول تسمية سورتين باسم اثنين من الحيوانات حسب التعريف الشائع البقرة والعنكبوت وقد تحدث عزوز عن اختصاص كل سورة باسم فقال :
"لقد اختصت كل سورة من سور القرآن الكريم باسم خاص بها، يميزها عن غيرها من سور القرآن ولقد حاول العلماء الوقوف عند أسرار هذه التسمية، وذلك للربط بين معنى اسم السورة ومضمون آياتها الكريمة"
وبالقطع التسميات الموجودة حاليا ليست تسميات إلهية فالله لم يقل فى المصحف بين أيدينا على أى سورة أن اسمها كذا وإنما الناس سواء نسبوا ذلك للنبى(ص) أم لا من أطلقوا عليها ومن ثم تعددت أسماء السور فمثلا سورة الإسراء يسمونها سورة بنى إسرائيل وكتبت فى بعض المصاحف والتفسيرات باسم بنى إسرائيل وكسورة المسد تسمى بسورة تبت
وقد تحدث عن سبب تسمية السورة الثانية فى المصحف فقال :
"وتعتبر سورة البقرة من السور التي توقف عندها المفسرون خلال المكان والزمان للبحث في تفسيرها وفي مقاصد ربط أطول سورة في القرآن باسم أحد المخلوقات التي خلقت من أجل خدمة الإنسان، على الرغم من أن السورة تتضمن التشريع للعادات والمعاملات والعقائد، فما الحكمة من أن تختص السورة باسم البقرة دون غيرها من الأحكام والحوادث والقصص، فقصة البقرة تشكل جزء صغيرا بالنظر إلى باقي قصة بني إسرائيل وسيرتهم؟ وهذا ما سنحاول الوقوف عليه من خلال بيان المقاصد العامة بين التسمية "بالبقرة" وبيان المقاصد العامة للتشريع، والتي يمكن أن نحصر بعض مقاصدها فيما يلي:
1/ المقصد العقدي: إن من أهم خصائص الشريعة، دعوة الناس إلى عبادة الله سبحانه وتوحيده التوحيد الخالص، وما قصة البقرة على قلة الآيات التي تضمنها السياق القرآني لها إلا أنها تعلم الإنسان وتنبهه إلى خطورة الشرك بالله، فالإيمان مصلحة والكفر والشرك مفسدة وإن المجتمع الإسرائيلي وبحكم معاشرته للمجتمع المصري الفرعوني والذي كان من عقائده تقديس الماء عموما والنيل خصوصا، بدليل أن فرعون يضفي هذه القداسة والتي عبر عنها القرآن الكريم على لسان فرعون {وهذه الأنهار تجري من تحتي} فما التعبير عن التحتية إلا لبيان نسبة الماء إلى فرعون وبذلك إضفاء القداسة على قدرة فرعون على إعاشة الناس بحكم الألوهية التي نصب لها نفسه إلا أن هذا الادعاء والتقديس للقائل والمقول فيه، ولقد ظهر أنهما مخلوقان ضعيفان أمام عظمة الخالق سبحانه بدليل تحكم موسى عليه السلام في البحر (الماء) بأن شقه بأمر الله قسمين ليظهر لهم بأنه مؤتمر بأمر الله سبحانه، والثاني وهو فرعون فقد أغرق فيما ادعى من تسييره وتسخيره الماء لسكان مصر بقدرته وقوته وهكذا كانت بداية التحطيم لهذه المقدسات الإسرائيلية الموروثة عن المجتمع الفرعوني واحد تلو الآخر
كما قدس المجتمع الفرعوني أدوات الزراعة ووسائلها من محراث وبقر، وإن هذا التقديس منشؤه الحاجة الطبيعية للإنسان إلى الغذاء من جهة وإلى طبيعة الأرض الصحراوية التي كانوا يسكنونها من جهة ثانية وبذلك وبحكم المعاشرة بين المجتمعين من زمن سيدنا يوسف عليه السلام إلى زمن سيدنا موسى وهارون عليهما السلام انتقل حكم التقديس من المجتمع الفرعوني إلى المجتمع الإسرائيلي وإن لم يكن هذا الأمر ظاهرا في سلوكهم كعبادة إلا أنها فكرة أو عقيدة التقديس غرست في نفوسهم بدليل قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} فالتعبير بالشرب يدل على ترسخ هذه العقيدة في نفوسهم، أي أن حب العجل كان مرسوخا في قلوبهم وهذا ما يظهر وبصورة جلية من خلال المساءلة عن صفة البقرة؟ وعن عمرها؟ ولونها؟ وإن كان ظاهره يفيد حالة البخل والشح النفسي لديهم، كما بينه أهل التفسير، إلا أنه يدل في شقه الآخر على المسكوت عنه، وهو عدم قدرتهم على مواجهة موروثهم العقدي الدفين في نفوسهم من تقديس البقر عموما، والذي اكتسبوه من المجتمع المصري الفرعوني، ومن هنا بدؤوا يتهربون ويبحثون عما يخلصهم من هذا العمل الواجب شرعا بحكم العقيدة الإسلامية التي جاء بها موسى عليه السلام، والذي لم يلق قبولا في نفوسهم ومن هذا يظهر أن المقصد القرآني من ذبح بقرة واحدة أن سيدنا موسى (عليه السلام): " قد ذبح برسالته مفهوم عبادة البقر، وذلك المفهوم الذي سرى في عروق تلك الأمة وتنامى في استعداداتهم "
إن السامري لم يخترع للأمة الإسرائيلية عبادة العجل من الفراغ، وإنما كان وبحكم انتمائه إلى نفس الأمة وعلمه بنفسيتها، أو بعبارة أخرى كان على دراية بعلم نفس الشعوب، واستنبط هذا الميل واستطاع أن يوظفه وفق هواهم، ويجد مبررا يجد في نفوسهم قبولا، وهي التخلص من الحلي الآثمة الفرعونية كما جاء في السياق القرآني: {ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري} ومن هنا فإن تسمية السورة بالبقرة يحمل لنا أكثر من دلالة على العقائد الفاسدة والمغروسة في نفس الإنسان والتي لا تفتأ تظهر بمجرد ظهور بواعث تحركها، فالقرآن ينبهنا إلى خطورة هذا الأمر في حياة الأمم عموما والأمة الإسلامية خصوصا"
وحديث عزوز ملىء بالأخطاء فسورة البقرة لا تتناول قصة فرعون إلا فى آيات معدودة ولا تتناول قصة العجل وهارون(ص) وموسى(ص) إلا فى آيات معدودة ومن ثم كل هذا الحديث عن عبادة أهل مصر لفرعون والبقر وعجل السامرى لا داعى له والرجل وصل للحقيقة بقوله "فقصة البقرة تشكل جزء صغيرا بالنظر إلى باقي قصة بني إسرائيل وسيرتهم"
وهى حقيقة ناقصة لأن السورة تناول أكثر ما تناولت النفاق وأهل الكتاب والزواج والطلاق وقصص متنوعة ومن ثم لا يمكن أن تكون التسمية من عند الله ولا من عند رسوله (ص) إلا إذا كان المقصود بالبقرة شىء غير حيوان البقر وكلمة البقرة تعنى الكاشفة من ضمن ما تعنيه فلماذا ارتبط الاسم بحيوان البقر مع أنه من الممكن أن يكون المقصود بها أنها تكشف الكثير من الأمور
ثم قال أن تسميات السور يجد أنها تشغل مقدار صغير من كل سورة بقوله:
"2/ المقصد التشريعي: إن المتأمل في أسماء السور يجدها لا تشغل إلا حيزا صغيرا من السورة ولكن إذا نظرنا إليها نظرة مقاصدية يمكنه أن يتوقف عند قاعدة مقاصدية هامة تقررها هذه الآيات اليسيرة من السورة وهي أن "القرآن يبين بهذه الحادثة الجزئية بيانا معجزا، ودستورا كليا، ودرسا ضروريا يحتاجه كل أحد في كل وقت" كما أن ربط هذه السورة بهذه الأحداث الجزئية يعبر وبصورة جلية أن هذه الأحداث التأريخية أو القصص للأمم السابقة، كحالة تسمية السورة بالبقرة "إنما هي جزء من دساتير كلية، شاملة يبنى عليها غيرها" وذلك أن أسماء الأمم قد تتغير عبر اختلاف الزمان والمكان، إلا أن المصالح الشرعية والمفاسد لا تتغير لأنها تمس حفظ كلياتها الخمس
ومن هنا فالقرآن ينبهنا إلى الوقوف على معنى اسم السورة لارتباطها بحياة الأمة الإسلامية بأن لا تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة من مخالفات للشريعة السمحة"
وما قاله عزوز خطأ فهناك العديد من السور لم تذكر فيها تسمياتها مثل الفاتحة والإخلاص والأنبياء وهناك سور كسورة يوسف تشغل السورة كلها عدا صفحة واحدة وسورة المنافقون يشغل المنافقون فيها كلها
إذا تلك التسميات لا يمكن أن تكون تسميات إلهية وإنما هى تسميات من قبل الناس وبعضهم نسبوها إلى النبى(ص) زورا
ومن ثم لا يمكن تبرير التسميات إلا عبر ما نسميه الغرائب أى الأمور النادرة فالسور معظمها مسمى بأسماء الأمور التى ذكرت فيها نادرا وفى القليل سميت بما يشغل معظمها أو كلها كيوسف (ص)
ثم قال :
"3-المقصد التربوي: تؤدي التربية دورا هاما في تنمية روح الشريعة في نفسية الأمم، وتقويم سلوكها نحو أفضل سبل الرقي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي بأفضل المجتمعات هو ذلك المجتمع الذي يعي سبب وجوده في الحياة ومعنى وظيفته الاستخلافية من خلال الوقوف على مقاصد الشريعة ببيان المصالح والعمل بها، والوقوف على المفاسد واجتنابها
وللربط بين ما نحن فيه من بحث حول مضمون اسم سورة البقرة ومدلول السورة، وبين المقصد التربوي أو الأخلاقي، فيتمثل في أن معنى السورة ينبهنا إلى قضية مهمة، والمتمثلة في مسألة التأثر والتأثير بين المجتمعات الإنسانية سواء في شقها الإيجابي أو السلبي كحالة انتقال عدوى تقديس البقر من الأمة الفرعونية إلى الأمة الإسرائيلية، والتي قد تأخذ أشكالا أخرى من التقديس على حسب تغير ظروف المكان والزمان، فظاهرة التأثير الاجتماعي بالنسبة للمجتمع المصري على نظيره الإسرائيلي لم تظهر في فترة التعايش بينهما ولكن ما إن وقعت الفرقة بينهما حتى ظهرت في سلوكهم بدليل سؤالهم لموسى أصنافا من الطعام والتي تعود عليها في مصر، أي أنهم لم ينتبهوا إلى الدور التربوي للنبيين موسى وهارون عليهما السلام، بل انغمسوا في طلب الشهوات وتخلوا عن مقصد الرسالة المنوطة بهم {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها} ومن هذا، فإن معنى اسم السورة ومدلولها ينبهان إلى خطورة التعايش غير المتوازن، والذي يكون أحد طرفيه يشعر بضعف في شخصيته أو انتمائه الحضاري، فينبهر أمام الأخر ويذوب فيه"
والخطأ فى كلام عزوز هو انتقال عدوى تقديس البقر من الأمة الفرعونية إلى الأمة الإسرائيلية فلا يوجد آية واحدة تقول أن قوم فرعون عبدوا البقر وإنما كانوا يعبدون فرعون وغيره دون تحديد كما قال فرعون:
" ما علمت لكم من إله غيرى"
وكلامه مأخوذ من التاريخ الكاذب الحالى عن ما يسمونها مصر الفرعونية فيما يسمونها عبادة البقرة حتحور والعجل أبيس
ولو كان الكلام صادقا ما طلب بنو إسرائيل من موسى(ص) عبادة أصنام كأصنام القوم خارج مصر بعد عبورهم البحر وفيها قال تعالى :
"وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون"
ثم تحدث عن المقصد الإعلامى من التسمية فقال:
"4/ المقصد الإعلامي: من المقاصد الشرعية التي يبينها المدلول الاسمي لسورة البقرة، أي المصلحة الشرعية التي يراد تحصيلها عند الأمة، وهي الانتباه إلى الحرب الإعلامية المضادة ضد الدعوات التصحيحية أو التجديدية، ففي أثناء عملية التحول الاجتماعي وفي الكثير من لحظات الضعف واليأس نحو ما تقرره السورة الكريمة من معاناة السفر للمجتمع الإسرائيلي من مصر إلى أرض فلسطين التي وعدوا بدخولها أو كحالة غياب المرشد حالة غياب سيدنا موسى عليه السلام لمناجاة ربه سبحانه فإن الكثير من أفراد الأمة من ذوي النفوس الضعيفة ينساقون وراء الإشاعات والخدع التي يثيرها بعض أفراد الأمة المعارضين لحركة التغيير أو أولئك الذين يريدون أن يحوزوا السبق للحصول على بعض أنواع الطموح المركوز في نفوسهم، نحو حب قيادة الآخر، والسلطة عليه كحالة السامري والذي تمكن أن يحقق هذا الطموح النفسي في غياب موسى عليه السلام ووجود أسباب مناسبة لهذا العمل في نفوس المجتمع الإسرائيلي
ومن هنا، فإن مقاصد معنى السورة أن تنبهنا أن قوة الدعاية والخداع قد تكون في بعض الأحيان أقوى من قوة الحق لمدة من الزمن وتحجبه بعدد من السنين أو القرون، وهذا الأمر يخلف آثارا وخيمة على أفراد الأمة وعلى دينها وقيمها وانتمائها الحضاري"
والخطأ فى كلام عزوز هو تقرير السورة سفر بنى إسرائيل من مصر إلى فلسطين فلا يوجد دليل واحد على اسم فلسطين ولا حتى على أى بلد غيرها فالقوم أقاموا بعد البحر فى ا{ض التيه والأرض المقدسة هى مكة وليس غيرها لأن الجغرافيا الحالية مزورة فأسماء البلاد ليست هى ما فى القرآن فمصر فيها أنهار متعددة وحاليا مصر الحالية المزعومة فيها واحد فقط والغريب أن القرآن لم يذكر اسم النيل على الإطلاق مع اطباق الكتب على تسمية النهر ونجده يسميه اليم فلو كانت هى مصر الحالية المزعومة لأطلق عليه النيل مع شهرته المطبقة كما يقال
وخلص زوزو إلى نتيجة تخريفية وهى :
"وفي الأخير، نخلص إلى أن القرآن الكريم ينبهنا إلى الربط بين معنى اسم السورة ومدلولها العام لنستخلص العبر ونقف على مقاصد التشريع، وترتيب حياتنا وما يقع لنا وفق رتب الضروري والحاجي والتحسيني"
وهذا كلام ليس صحيح فالتسمية باسم حيوان ى تدل على المدلول العام نظرا لكثرة الموضوعات التى تناولتها السورة منافقون أهل كتاب البيت الحران والقتال والزواج والطلاق والربا والديون وقصص مختلفة كقصة آدم(ص) فلا علاقة لها على الإطلاق ببنى إسرايل وكذلك قصة إبراهيم(ص) وإسماعيل(ص) وإسحاق لأن كل هؤلاء كانوا قبلهم تاريخيا
ثم دخل بنا إلى سورة العنكبوت ليطبق عليها ما ظنه فقال :
"إن من الأهمية لقارئ القرآن الكريم أن ينتبه في قراءته لعنوان السورة وبين مدلولها العام حتى يتمكن من الربط بين المدلول المقاصدي لاسم السورة ولمعناها العام، وإن القارئ لسورة العنكبوت بإمكانه أن يتوقف عند العديد من المقاصد الكلية التي اشتملت عليها السورة الكريمة، إذ اسمها مدخل -أي العنكبوت- لمقاصد شرعية ومصالح عظيمة، والتي يمكن أن نذكر منها:
1/ مقصد التدبر في عظمة الخالق: إن من أهم دلالات اسم سورة العنكبوت أنها ترتبط بكلية الدين التي رعيت من جهة الوجود، إذ الناظر فيها لا محالة سيقف على تحقق هذا المقصد، فالحفاظ عليه باستمراره في حياة الناس، يتحقق بإثبات حقيقته، وكذا ببيان الحقائق الموصلة والمعرفة بتوحيد الله سبحانه وتعالى، وإن العنكبوت هذا المخلوق الضعيف والذي ضرب به المثل في القرآن الكريم ما هو إلا مقدمة ووسيلة لمصلحة عظمى، فالإنسان مطالب بالنظر في شكل هذا المخلوق وطريقة تكاثره وعيشه وارتباطه في عيشه بغيره من الكائنات الحية وإلى أنواعه، وإن هذا المخلوق الضعيف يدفع الإنسان إلى التفكير في عظمة الخالق سبحانه، ولهذا نجد أن الكثير من علماء الأحياء في الغرب تخصصوا فقط في دراسته لسنوات عديدة ووقفوا على الكثير من أسرار حياته
ومن هذا المنطلق فلا غرابة أن يكون اسم السورة، أي العنكبوت هو الوسيلة التي يلج من خلالها قارئ القرآن للوقوف على حقائق الأشياء في الكون والتدرج من الأدنى نحو الأعلى، نحو السماوات والأرض والنجوم وغيرها من العوالم وليقف على دليل العناية الشامل للإنسان
وإن هذا الدليل، أي ما يترتب من أعمال وخدمات يقدمها هذا العنكبوت للإنسان وإن كانت في الظاهر بعيدة أي دائرة خدمته لو بعيدة نوعا ما إلا أنه لا يخلو مخلوق من خدمة مقدمة للإنسان
فالناظر العاقل المتدبر لنسيج العنكبوت مثلا وتناسقه وتناسب شكله الهندسي وترتيبه يهتدي إلى مقصد التدبر، وذلك من خلال استفادة هذا الإنسان من الطبيعة عموما ومن العنكبوت خصوصا في التعامل مع الحياة وفي إعطائه مجموعة من الأفكار التي تعينه في حياته أليست شبكة الصياد شبيهة بنسيج العنكبوت؟ وهي المعنى الآخر لتعليم آدم الأسماء، فالتعليم يعني الاستفادة من العلوم المبثوثة في الطبيعة، وبذلك يحفظ الإنسان حياته أو كلية النفس بما يحصل عليه من الطعام؟ كما أن في النظر إلى نسيجه التدبر في عظمة الخالق سبحانه "
وكل هذا الحديث هو كلام بلا دليل فالعنكبوت سواء كانت حشرة حيوانية أو دويبة لا تدل على كل ما قاله الرجل
وكعادة بعض المحدثين تحدث عما يسمونه الإعجاز العلمى فقال :
"2/ مقصد إثبات صحة النبوة: لقد تناولت السورة الكريمة الحديث عن بيت العنكبوت وبينت ضعفه وعلى أنه أضعف البيوت على الإطلاق، وهي حقيقة عملية يقرها العلم المعاصر، وهذا مما يدعم صحة النبوة الخاتمة، إذ كيف لهذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بهذه الحقيقة العلمية ونحن نعرف ظروف المكان والزمان اللذين عاش فيهما النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم؟ وهكذا فإن السورة تقرر قاعدة ودستورا في الكون أن الضعف في حقيقة نفسه قوة، إذ أن وهن بيت العنكبوت سيصبح قوة دامغة لإثبات صدق النبوة وصحتها عبر اختلاف المكان والزمان كما رد زعماء قريش خائبين عند غار ثور"
والرجل يقرر هنا كلام ليس عليه أى دليل من السورة فالمحدثون يقولون أن خيوط نسج العنكبوت هى أقوى المواد على الإطلاق ومع هذا تبدو فى الظاهر ضعيفة وهذا غير موجود فى الآية ومعناها واضح وهو أن من يأوى إلى بيت العنكبوت من الحشرات الأخرى كالذباب والناموس يجد الهلاك كما يجد الكفار هلاكهم عندما يحتمون بالآلهة المزعومة حيث يدخلون النار
وأما حكاية عنكبوت غار ثور فأكذوبة لأن العنكبوت وكذلك الحمام مرئى شاهده الكفار وهو ما يناقض أن الله نصر الرسول(ص)وصاحبه بجنود غير مرئية فقال :
"إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها"
ثم قال :
3/ مقصد التربية بالأمثال: لا يخفى على أي عاقل أن في ضرب المثل جملة من المقاصد والمصالح، فالمثل ما هو إلا وسيلة لمصالح عظيمة للفرد والجماعة، فهو كما يحقق العبرة لسامعه أو قارئه يتعدى إلى تعريف الناس بالحقائق والتسليم العقلي لها وما سورة العنكبوت إلا حكاية لواقع الإنسان ويقرب الحقائق الإيمانية لتتقبلها العقول السليمة وترفع الوهم عنها قال الفراء: "وهو مثال ضربه الله سبحانه لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره؟ كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا" وبذلك تصبح النتيجة، وهي التفكر و المقصد أو المصلحة أن يكون المعنى: "أن أوهن ما يعتمد في الدين دينهم" وأما المفسدة الواقعة الاحتمال في هذا المثل فهي أنهم "لم يستفيدوا بمن اتخذوهم أولياء إلا ضعف"
كما أن وهن بيت العنكبوت يمكن أن ينظر إليه من جهة أخرى والمتمثلة في عدم الاستقرار العائلي داخل عائلة العنكبوت، إذ ما يقع فيها من أمور من أكل أنثى العنكبوت لذكرها إلا في حالة فراره منها، أو ما يقع من أن تلتهم الأبناء والدتهم أو والدهم أو العكس؟ وإن هذا الأمر يقاس عليه الحالة النفسية لأهل النفاق، فإنهم وإن كان ظاهرهم الاستقرار على الفكرة والتعاضد فيما بينهم، إلا أن أفكارهم شتى وقلوبهم مختلفة؟ ومن هنا فالناظر إلى بيت العنكبوت يجب عليه أن ينظر إليه من جهة الوهن الحقيقي والمعنوي لمعنى البيت والذي من مستلزماته الاستقرار والتعايش السلمي والتعاون بين أفراده"
وحكاية أكل العنكبوت لزوجها أو أولادها وغيرهم هى حكايات كاذبة نقلها القوم عن علماء الغرب أو هكذا زعموا فالعناكب فى بيوتنا وفى مواضع كثيرة من بيئتنا ومع هذا لم نشاهد هذا الكلام فهم يتعايشون معا ولا يمكن أن توجد أمة قائمة على قتل بعضها لأنها ستهلك وستنقرض لو كانت قائمة على مبدأ أكل بعضهم البعض
ثم قال:
4/ مقصد عدم التعجل في الحكم على الأمور: كثيرا ما يتسرع الإنسان كفرد أو جماعة للحكم على الأمور دون روية وتمعن، مما يؤدي به إلى الوصول إلى نتائج خاطئة بناء على ما بناه من مقدمة خاطئة؟ ومن هنا فإن الناظر لبيوت العنكبوت من خلال شكله الخارجي أو الظاهري لا يرى إلا جمال النسيج وهو حقيقة فيه، كما لا يرى إلا ضعف بيته وقابليته للزوال بسرعة؟ ولكن الإنصاف في الحكم على الأشياء يقتضي التعمق بالفكر والنظر قبل الحكم؟ إذ أن هذا البيت الذي انعدمت فيه مواصفات البيوت الأخرى من الوقاية من الحر والبرد كما جاء على لسان القرطبي يوفر لساكنيه أسباب العيش فهذا البيت الذي ضعفت خيوطه يستطيع أن يوقع بمختلف الحشرات لتقع في المصيدة لتصبح فريسة سهلة للعنكبوت
ومن هنا فوهن البيت أو ضعفه قد يكون مصدر قوة كما هو حال بيت العنكبوت
والنتيجة أن ما ينسجه أهل النفاق من شبهات حول شخص النبي صلى الله عليه وسلم أو شريعته وإن كان في ظاهره واهيا إلا أنه يمتلك من القوة ما يوقع فيه الكثير من ضعاف العقول والإيمان في شباكه كما توقع العنكبوت بالصيد في شباكها على الرغم من ضعفه وقوة المصطاد في بعض الأحيان؟ وخاصة عندما يغيب هذا المؤمن عقله ويحكم على الأمور بظواهرها دون الغوص في أعماقها وأبعادها؟ أي دون النظر في نتائجها في المستقبل على الفرد والمجتمع حالة حادثة الإفك مثلا
وفي الأخير، فإن القارئ لسورة العنكبوت عليه أن يجمع بين التدبر في معنى السورة واسمها حتى يقف على المقاصد العامة للسورة القرآنية وعلى التسمية مقصودة في حد ذاتها، وأن المثال هو أقرب للحقيقة حتى يحرك هذا الإنسان فكره وعقله للوصول إلى الحقائق، وأن لا يؤسس فكره على قواعد واهية ضعيفة من حيث المعنى كبيت العنكبوت"
وهذا الحديث عن البرد والحر لا يقى منه بيت العنكبوت كلام خاطىء فهو بيت حامى للعنكبوت وأما غيره فلا فهو مصيدة للحشرات التى تلجأ إليه كحامى لها حيث تهلك وتكون طعاما للعنكبوت والحشرات التى تأوى لذلك البيت لا تأوى له بسبب الحر أو البرد وإنما لأنها تظن أنه مكان آمن
المؤلف عبد القادر بن عزوز والبحث يدور حول تسمية سورتين باسم اثنين من الحيوانات حسب التعريف الشائع البقرة والعنكبوت وقد تحدث عزوز عن اختصاص كل سورة باسم فقال :
"لقد اختصت كل سورة من سور القرآن الكريم باسم خاص بها، يميزها عن غيرها من سور القرآن ولقد حاول العلماء الوقوف عند أسرار هذه التسمية، وذلك للربط بين معنى اسم السورة ومضمون آياتها الكريمة"
وبالقطع التسميات الموجودة حاليا ليست تسميات إلهية فالله لم يقل فى المصحف بين أيدينا على أى سورة أن اسمها كذا وإنما الناس سواء نسبوا ذلك للنبى(ص) أم لا من أطلقوا عليها ومن ثم تعددت أسماء السور فمثلا سورة الإسراء يسمونها سورة بنى إسرائيل وكتبت فى بعض المصاحف والتفسيرات باسم بنى إسرائيل وكسورة المسد تسمى بسورة تبت
وقد تحدث عن سبب تسمية السورة الثانية فى المصحف فقال :
"وتعتبر سورة البقرة من السور التي توقف عندها المفسرون خلال المكان والزمان للبحث في تفسيرها وفي مقاصد ربط أطول سورة في القرآن باسم أحد المخلوقات التي خلقت من أجل خدمة الإنسان، على الرغم من أن السورة تتضمن التشريع للعادات والمعاملات والعقائد، فما الحكمة من أن تختص السورة باسم البقرة دون غيرها من الأحكام والحوادث والقصص، فقصة البقرة تشكل جزء صغيرا بالنظر إلى باقي قصة بني إسرائيل وسيرتهم؟ وهذا ما سنحاول الوقوف عليه من خلال بيان المقاصد العامة بين التسمية "بالبقرة" وبيان المقاصد العامة للتشريع، والتي يمكن أن نحصر بعض مقاصدها فيما يلي:
1/ المقصد العقدي: إن من أهم خصائص الشريعة، دعوة الناس إلى عبادة الله سبحانه وتوحيده التوحيد الخالص، وما قصة البقرة على قلة الآيات التي تضمنها السياق القرآني لها إلا أنها تعلم الإنسان وتنبهه إلى خطورة الشرك بالله، فالإيمان مصلحة والكفر والشرك مفسدة وإن المجتمع الإسرائيلي وبحكم معاشرته للمجتمع المصري الفرعوني والذي كان من عقائده تقديس الماء عموما والنيل خصوصا، بدليل أن فرعون يضفي هذه القداسة والتي عبر عنها القرآن الكريم على لسان فرعون {وهذه الأنهار تجري من تحتي} فما التعبير عن التحتية إلا لبيان نسبة الماء إلى فرعون وبذلك إضفاء القداسة على قدرة فرعون على إعاشة الناس بحكم الألوهية التي نصب لها نفسه إلا أن هذا الادعاء والتقديس للقائل والمقول فيه، ولقد ظهر أنهما مخلوقان ضعيفان أمام عظمة الخالق سبحانه بدليل تحكم موسى عليه السلام في البحر (الماء) بأن شقه بأمر الله قسمين ليظهر لهم بأنه مؤتمر بأمر الله سبحانه، والثاني وهو فرعون فقد أغرق فيما ادعى من تسييره وتسخيره الماء لسكان مصر بقدرته وقوته وهكذا كانت بداية التحطيم لهذه المقدسات الإسرائيلية الموروثة عن المجتمع الفرعوني واحد تلو الآخر
كما قدس المجتمع الفرعوني أدوات الزراعة ووسائلها من محراث وبقر، وإن هذا التقديس منشؤه الحاجة الطبيعية للإنسان إلى الغذاء من جهة وإلى طبيعة الأرض الصحراوية التي كانوا يسكنونها من جهة ثانية وبذلك وبحكم المعاشرة بين المجتمعين من زمن سيدنا يوسف عليه السلام إلى زمن سيدنا موسى وهارون عليهما السلام انتقل حكم التقديس من المجتمع الفرعوني إلى المجتمع الإسرائيلي وإن لم يكن هذا الأمر ظاهرا في سلوكهم كعبادة إلا أنها فكرة أو عقيدة التقديس غرست في نفوسهم بدليل قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} فالتعبير بالشرب يدل على ترسخ هذه العقيدة في نفوسهم، أي أن حب العجل كان مرسوخا في قلوبهم وهذا ما يظهر وبصورة جلية من خلال المساءلة عن صفة البقرة؟ وعن عمرها؟ ولونها؟ وإن كان ظاهره يفيد حالة البخل والشح النفسي لديهم، كما بينه أهل التفسير، إلا أنه يدل في شقه الآخر على المسكوت عنه، وهو عدم قدرتهم على مواجهة موروثهم العقدي الدفين في نفوسهم من تقديس البقر عموما، والذي اكتسبوه من المجتمع المصري الفرعوني، ومن هنا بدؤوا يتهربون ويبحثون عما يخلصهم من هذا العمل الواجب شرعا بحكم العقيدة الإسلامية التي جاء بها موسى عليه السلام، والذي لم يلق قبولا في نفوسهم ومن هذا يظهر أن المقصد القرآني من ذبح بقرة واحدة أن سيدنا موسى (عليه السلام): " قد ذبح برسالته مفهوم عبادة البقر، وذلك المفهوم الذي سرى في عروق تلك الأمة وتنامى في استعداداتهم "
إن السامري لم يخترع للأمة الإسرائيلية عبادة العجل من الفراغ، وإنما كان وبحكم انتمائه إلى نفس الأمة وعلمه بنفسيتها، أو بعبارة أخرى كان على دراية بعلم نفس الشعوب، واستنبط هذا الميل واستطاع أن يوظفه وفق هواهم، ويجد مبررا يجد في نفوسهم قبولا، وهي التخلص من الحلي الآثمة الفرعونية كما جاء في السياق القرآني: {ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري} ومن هنا فإن تسمية السورة بالبقرة يحمل لنا أكثر من دلالة على العقائد الفاسدة والمغروسة في نفس الإنسان والتي لا تفتأ تظهر بمجرد ظهور بواعث تحركها، فالقرآن ينبهنا إلى خطورة هذا الأمر في حياة الأمم عموما والأمة الإسلامية خصوصا"
وحديث عزوز ملىء بالأخطاء فسورة البقرة لا تتناول قصة فرعون إلا فى آيات معدودة ولا تتناول قصة العجل وهارون(ص) وموسى(ص) إلا فى آيات معدودة ومن ثم كل هذا الحديث عن عبادة أهل مصر لفرعون والبقر وعجل السامرى لا داعى له والرجل وصل للحقيقة بقوله "فقصة البقرة تشكل جزء صغيرا بالنظر إلى باقي قصة بني إسرائيل وسيرتهم"
وهى حقيقة ناقصة لأن السورة تناول أكثر ما تناولت النفاق وأهل الكتاب والزواج والطلاق وقصص متنوعة ومن ثم لا يمكن أن تكون التسمية من عند الله ولا من عند رسوله (ص) إلا إذا كان المقصود بالبقرة شىء غير حيوان البقر وكلمة البقرة تعنى الكاشفة من ضمن ما تعنيه فلماذا ارتبط الاسم بحيوان البقر مع أنه من الممكن أن يكون المقصود بها أنها تكشف الكثير من الأمور
ثم قال أن تسميات السور يجد أنها تشغل مقدار صغير من كل سورة بقوله:
"2/ المقصد التشريعي: إن المتأمل في أسماء السور يجدها لا تشغل إلا حيزا صغيرا من السورة ولكن إذا نظرنا إليها نظرة مقاصدية يمكنه أن يتوقف عند قاعدة مقاصدية هامة تقررها هذه الآيات اليسيرة من السورة وهي أن "القرآن يبين بهذه الحادثة الجزئية بيانا معجزا، ودستورا كليا، ودرسا ضروريا يحتاجه كل أحد في كل وقت" كما أن ربط هذه السورة بهذه الأحداث الجزئية يعبر وبصورة جلية أن هذه الأحداث التأريخية أو القصص للأمم السابقة، كحالة تسمية السورة بالبقرة "إنما هي جزء من دساتير كلية، شاملة يبنى عليها غيرها" وذلك أن أسماء الأمم قد تتغير عبر اختلاف الزمان والمكان، إلا أن المصالح الشرعية والمفاسد لا تتغير لأنها تمس حفظ كلياتها الخمس
ومن هنا فالقرآن ينبهنا إلى الوقوف على معنى اسم السورة لارتباطها بحياة الأمة الإسلامية بأن لا تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة من مخالفات للشريعة السمحة"
وما قاله عزوز خطأ فهناك العديد من السور لم تذكر فيها تسمياتها مثل الفاتحة والإخلاص والأنبياء وهناك سور كسورة يوسف تشغل السورة كلها عدا صفحة واحدة وسورة المنافقون يشغل المنافقون فيها كلها
إذا تلك التسميات لا يمكن أن تكون تسميات إلهية وإنما هى تسميات من قبل الناس وبعضهم نسبوها إلى النبى(ص) زورا
ومن ثم لا يمكن تبرير التسميات إلا عبر ما نسميه الغرائب أى الأمور النادرة فالسور معظمها مسمى بأسماء الأمور التى ذكرت فيها نادرا وفى القليل سميت بما يشغل معظمها أو كلها كيوسف (ص)
ثم قال :
"3-المقصد التربوي: تؤدي التربية دورا هاما في تنمية روح الشريعة في نفسية الأمم، وتقويم سلوكها نحو أفضل سبل الرقي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي بأفضل المجتمعات هو ذلك المجتمع الذي يعي سبب وجوده في الحياة ومعنى وظيفته الاستخلافية من خلال الوقوف على مقاصد الشريعة ببيان المصالح والعمل بها، والوقوف على المفاسد واجتنابها
وللربط بين ما نحن فيه من بحث حول مضمون اسم سورة البقرة ومدلول السورة، وبين المقصد التربوي أو الأخلاقي، فيتمثل في أن معنى السورة ينبهنا إلى قضية مهمة، والمتمثلة في مسألة التأثر والتأثير بين المجتمعات الإنسانية سواء في شقها الإيجابي أو السلبي كحالة انتقال عدوى تقديس البقر من الأمة الفرعونية إلى الأمة الإسرائيلية، والتي قد تأخذ أشكالا أخرى من التقديس على حسب تغير ظروف المكان والزمان، فظاهرة التأثير الاجتماعي بالنسبة للمجتمع المصري على نظيره الإسرائيلي لم تظهر في فترة التعايش بينهما ولكن ما إن وقعت الفرقة بينهما حتى ظهرت في سلوكهم بدليل سؤالهم لموسى أصنافا من الطعام والتي تعود عليها في مصر، أي أنهم لم ينتبهوا إلى الدور التربوي للنبيين موسى وهارون عليهما السلام، بل انغمسوا في طلب الشهوات وتخلوا عن مقصد الرسالة المنوطة بهم {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها} ومن هذا، فإن معنى اسم السورة ومدلولها ينبهان إلى خطورة التعايش غير المتوازن، والذي يكون أحد طرفيه يشعر بضعف في شخصيته أو انتمائه الحضاري، فينبهر أمام الأخر ويذوب فيه"
والخطأ فى كلام عزوز هو انتقال عدوى تقديس البقر من الأمة الفرعونية إلى الأمة الإسرائيلية فلا يوجد آية واحدة تقول أن قوم فرعون عبدوا البقر وإنما كانوا يعبدون فرعون وغيره دون تحديد كما قال فرعون:
" ما علمت لكم من إله غيرى"
وكلامه مأخوذ من التاريخ الكاذب الحالى عن ما يسمونها مصر الفرعونية فيما يسمونها عبادة البقرة حتحور والعجل أبيس
ولو كان الكلام صادقا ما طلب بنو إسرائيل من موسى(ص) عبادة أصنام كأصنام القوم خارج مصر بعد عبورهم البحر وفيها قال تعالى :
"وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون"
ثم تحدث عن المقصد الإعلامى من التسمية فقال:
"4/ المقصد الإعلامي: من المقاصد الشرعية التي يبينها المدلول الاسمي لسورة البقرة، أي المصلحة الشرعية التي يراد تحصيلها عند الأمة، وهي الانتباه إلى الحرب الإعلامية المضادة ضد الدعوات التصحيحية أو التجديدية، ففي أثناء عملية التحول الاجتماعي وفي الكثير من لحظات الضعف واليأس نحو ما تقرره السورة الكريمة من معاناة السفر للمجتمع الإسرائيلي من مصر إلى أرض فلسطين التي وعدوا بدخولها أو كحالة غياب المرشد حالة غياب سيدنا موسى عليه السلام لمناجاة ربه سبحانه فإن الكثير من أفراد الأمة من ذوي النفوس الضعيفة ينساقون وراء الإشاعات والخدع التي يثيرها بعض أفراد الأمة المعارضين لحركة التغيير أو أولئك الذين يريدون أن يحوزوا السبق للحصول على بعض أنواع الطموح المركوز في نفوسهم، نحو حب قيادة الآخر، والسلطة عليه كحالة السامري والذي تمكن أن يحقق هذا الطموح النفسي في غياب موسى عليه السلام ووجود أسباب مناسبة لهذا العمل في نفوس المجتمع الإسرائيلي
ومن هنا، فإن مقاصد معنى السورة أن تنبهنا أن قوة الدعاية والخداع قد تكون في بعض الأحيان أقوى من قوة الحق لمدة من الزمن وتحجبه بعدد من السنين أو القرون، وهذا الأمر يخلف آثارا وخيمة على أفراد الأمة وعلى دينها وقيمها وانتمائها الحضاري"
والخطأ فى كلام عزوز هو تقرير السورة سفر بنى إسرائيل من مصر إلى فلسطين فلا يوجد دليل واحد على اسم فلسطين ولا حتى على أى بلد غيرها فالقوم أقاموا بعد البحر فى ا{ض التيه والأرض المقدسة هى مكة وليس غيرها لأن الجغرافيا الحالية مزورة فأسماء البلاد ليست هى ما فى القرآن فمصر فيها أنهار متعددة وحاليا مصر الحالية المزعومة فيها واحد فقط والغريب أن القرآن لم يذكر اسم النيل على الإطلاق مع اطباق الكتب على تسمية النهر ونجده يسميه اليم فلو كانت هى مصر الحالية المزعومة لأطلق عليه النيل مع شهرته المطبقة كما يقال
وخلص زوزو إلى نتيجة تخريفية وهى :
"وفي الأخير، نخلص إلى أن القرآن الكريم ينبهنا إلى الربط بين معنى اسم السورة ومدلولها العام لنستخلص العبر ونقف على مقاصد التشريع، وترتيب حياتنا وما يقع لنا وفق رتب الضروري والحاجي والتحسيني"
وهذا كلام ليس صحيح فالتسمية باسم حيوان ى تدل على المدلول العام نظرا لكثرة الموضوعات التى تناولتها السورة منافقون أهل كتاب البيت الحران والقتال والزواج والطلاق والربا والديون وقصص مختلفة كقصة آدم(ص) فلا علاقة لها على الإطلاق ببنى إسرايل وكذلك قصة إبراهيم(ص) وإسماعيل(ص) وإسحاق لأن كل هؤلاء كانوا قبلهم تاريخيا
ثم دخل بنا إلى سورة العنكبوت ليطبق عليها ما ظنه فقال :
"إن من الأهمية لقارئ القرآن الكريم أن ينتبه في قراءته لعنوان السورة وبين مدلولها العام حتى يتمكن من الربط بين المدلول المقاصدي لاسم السورة ولمعناها العام، وإن القارئ لسورة العنكبوت بإمكانه أن يتوقف عند العديد من المقاصد الكلية التي اشتملت عليها السورة الكريمة، إذ اسمها مدخل -أي العنكبوت- لمقاصد شرعية ومصالح عظيمة، والتي يمكن أن نذكر منها:
1/ مقصد التدبر في عظمة الخالق: إن من أهم دلالات اسم سورة العنكبوت أنها ترتبط بكلية الدين التي رعيت من جهة الوجود، إذ الناظر فيها لا محالة سيقف على تحقق هذا المقصد، فالحفاظ عليه باستمراره في حياة الناس، يتحقق بإثبات حقيقته، وكذا ببيان الحقائق الموصلة والمعرفة بتوحيد الله سبحانه وتعالى، وإن العنكبوت هذا المخلوق الضعيف والذي ضرب به المثل في القرآن الكريم ما هو إلا مقدمة ووسيلة لمصلحة عظمى، فالإنسان مطالب بالنظر في شكل هذا المخلوق وطريقة تكاثره وعيشه وارتباطه في عيشه بغيره من الكائنات الحية وإلى أنواعه، وإن هذا المخلوق الضعيف يدفع الإنسان إلى التفكير في عظمة الخالق سبحانه، ولهذا نجد أن الكثير من علماء الأحياء في الغرب تخصصوا فقط في دراسته لسنوات عديدة ووقفوا على الكثير من أسرار حياته
ومن هذا المنطلق فلا غرابة أن يكون اسم السورة، أي العنكبوت هو الوسيلة التي يلج من خلالها قارئ القرآن للوقوف على حقائق الأشياء في الكون والتدرج من الأدنى نحو الأعلى، نحو السماوات والأرض والنجوم وغيرها من العوالم وليقف على دليل العناية الشامل للإنسان
وإن هذا الدليل، أي ما يترتب من أعمال وخدمات يقدمها هذا العنكبوت للإنسان وإن كانت في الظاهر بعيدة أي دائرة خدمته لو بعيدة نوعا ما إلا أنه لا يخلو مخلوق من خدمة مقدمة للإنسان
فالناظر العاقل المتدبر لنسيج العنكبوت مثلا وتناسقه وتناسب شكله الهندسي وترتيبه يهتدي إلى مقصد التدبر، وذلك من خلال استفادة هذا الإنسان من الطبيعة عموما ومن العنكبوت خصوصا في التعامل مع الحياة وفي إعطائه مجموعة من الأفكار التي تعينه في حياته أليست شبكة الصياد شبيهة بنسيج العنكبوت؟ وهي المعنى الآخر لتعليم آدم الأسماء، فالتعليم يعني الاستفادة من العلوم المبثوثة في الطبيعة، وبذلك يحفظ الإنسان حياته أو كلية النفس بما يحصل عليه من الطعام؟ كما أن في النظر إلى نسيجه التدبر في عظمة الخالق سبحانه "
وكل هذا الحديث هو كلام بلا دليل فالعنكبوت سواء كانت حشرة حيوانية أو دويبة لا تدل على كل ما قاله الرجل
وكعادة بعض المحدثين تحدث عما يسمونه الإعجاز العلمى فقال :
"2/ مقصد إثبات صحة النبوة: لقد تناولت السورة الكريمة الحديث عن بيت العنكبوت وبينت ضعفه وعلى أنه أضعف البيوت على الإطلاق، وهي حقيقة عملية يقرها العلم المعاصر، وهذا مما يدعم صحة النبوة الخاتمة، إذ كيف لهذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بهذه الحقيقة العلمية ونحن نعرف ظروف المكان والزمان اللذين عاش فيهما النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم؟ وهكذا فإن السورة تقرر قاعدة ودستورا في الكون أن الضعف في حقيقة نفسه قوة، إذ أن وهن بيت العنكبوت سيصبح قوة دامغة لإثبات صدق النبوة وصحتها عبر اختلاف المكان والزمان كما رد زعماء قريش خائبين عند غار ثور"
والرجل يقرر هنا كلام ليس عليه أى دليل من السورة فالمحدثون يقولون أن خيوط نسج العنكبوت هى أقوى المواد على الإطلاق ومع هذا تبدو فى الظاهر ضعيفة وهذا غير موجود فى الآية ومعناها واضح وهو أن من يأوى إلى بيت العنكبوت من الحشرات الأخرى كالذباب والناموس يجد الهلاك كما يجد الكفار هلاكهم عندما يحتمون بالآلهة المزعومة حيث يدخلون النار
وأما حكاية عنكبوت غار ثور فأكذوبة لأن العنكبوت وكذلك الحمام مرئى شاهده الكفار وهو ما يناقض أن الله نصر الرسول(ص)وصاحبه بجنود غير مرئية فقال :
"إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها"
ثم قال :
3/ مقصد التربية بالأمثال: لا يخفى على أي عاقل أن في ضرب المثل جملة من المقاصد والمصالح، فالمثل ما هو إلا وسيلة لمصالح عظيمة للفرد والجماعة، فهو كما يحقق العبرة لسامعه أو قارئه يتعدى إلى تعريف الناس بالحقائق والتسليم العقلي لها وما سورة العنكبوت إلا حكاية لواقع الإنسان ويقرب الحقائق الإيمانية لتتقبلها العقول السليمة وترفع الوهم عنها قال الفراء: "وهو مثال ضربه الله سبحانه لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره؟ كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا" وبذلك تصبح النتيجة، وهي التفكر و المقصد أو المصلحة أن يكون المعنى: "أن أوهن ما يعتمد في الدين دينهم" وأما المفسدة الواقعة الاحتمال في هذا المثل فهي أنهم "لم يستفيدوا بمن اتخذوهم أولياء إلا ضعف"
كما أن وهن بيت العنكبوت يمكن أن ينظر إليه من جهة أخرى والمتمثلة في عدم الاستقرار العائلي داخل عائلة العنكبوت، إذ ما يقع فيها من أمور من أكل أنثى العنكبوت لذكرها إلا في حالة فراره منها، أو ما يقع من أن تلتهم الأبناء والدتهم أو والدهم أو العكس؟ وإن هذا الأمر يقاس عليه الحالة النفسية لأهل النفاق، فإنهم وإن كان ظاهرهم الاستقرار على الفكرة والتعاضد فيما بينهم، إلا أن أفكارهم شتى وقلوبهم مختلفة؟ ومن هنا فالناظر إلى بيت العنكبوت يجب عليه أن ينظر إليه من جهة الوهن الحقيقي والمعنوي لمعنى البيت والذي من مستلزماته الاستقرار والتعايش السلمي والتعاون بين أفراده"
وحكاية أكل العنكبوت لزوجها أو أولادها وغيرهم هى حكايات كاذبة نقلها القوم عن علماء الغرب أو هكذا زعموا فالعناكب فى بيوتنا وفى مواضع كثيرة من بيئتنا ومع هذا لم نشاهد هذا الكلام فهم يتعايشون معا ولا يمكن أن توجد أمة قائمة على قتل بعضها لأنها ستهلك وستنقرض لو كانت قائمة على مبدأ أكل بعضهم البعض
ثم قال:
4/ مقصد عدم التعجل في الحكم على الأمور: كثيرا ما يتسرع الإنسان كفرد أو جماعة للحكم على الأمور دون روية وتمعن، مما يؤدي به إلى الوصول إلى نتائج خاطئة بناء على ما بناه من مقدمة خاطئة؟ ومن هنا فإن الناظر لبيوت العنكبوت من خلال شكله الخارجي أو الظاهري لا يرى إلا جمال النسيج وهو حقيقة فيه، كما لا يرى إلا ضعف بيته وقابليته للزوال بسرعة؟ ولكن الإنصاف في الحكم على الأشياء يقتضي التعمق بالفكر والنظر قبل الحكم؟ إذ أن هذا البيت الذي انعدمت فيه مواصفات البيوت الأخرى من الوقاية من الحر والبرد كما جاء على لسان القرطبي يوفر لساكنيه أسباب العيش فهذا البيت الذي ضعفت خيوطه يستطيع أن يوقع بمختلف الحشرات لتقع في المصيدة لتصبح فريسة سهلة للعنكبوت
ومن هنا فوهن البيت أو ضعفه قد يكون مصدر قوة كما هو حال بيت العنكبوت
والنتيجة أن ما ينسجه أهل النفاق من شبهات حول شخص النبي صلى الله عليه وسلم أو شريعته وإن كان في ظاهره واهيا إلا أنه يمتلك من القوة ما يوقع فيه الكثير من ضعاف العقول والإيمان في شباكه كما توقع العنكبوت بالصيد في شباكها على الرغم من ضعفه وقوة المصطاد في بعض الأحيان؟ وخاصة عندما يغيب هذا المؤمن عقله ويحكم على الأمور بظواهرها دون الغوص في أعماقها وأبعادها؟ أي دون النظر في نتائجها في المستقبل على الفرد والمجتمع حالة حادثة الإفك مثلا
وفي الأخير، فإن القارئ لسورة العنكبوت عليه أن يجمع بين التدبر في معنى السورة واسمها حتى يقف على المقاصد العامة للسورة القرآنية وعلى التسمية مقصودة في حد ذاتها، وأن المثال هو أقرب للحقيقة حتى يحرك هذا الإنسان فكره وعقله للوصول إلى الحقائق، وأن لا يؤسس فكره على قواعد واهية ضعيفة من حيث المعنى كبيت العنكبوت"
وهذا الحديث عن البرد والحر لا يقى منه بيت العنكبوت كلام خاطىء فهو بيت حامى للعنكبوت وأما غيره فلا فهو مصيدة للحشرات التى تلجأ إليه كحامى لها حيث تهلك وتكون طعاما للعنكبوت والحشرات التى تأوى لذلك البيت لا تأوى له بسبب الحر أو البرد وإنما لأنها تظن أنه مكان آمن