نطق الضاد والطاء والجيم والقاف موصوفًا ومنطوقًا

إنضم
26/12/2023
المشاركات
7
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
بسم الله الرحمن الرحيم
الناظر في قراءة القراء اليوم سيجد اختلافًا في نطق بعض الحروف، جلى الاختلاف أم خفى، فأردت في هذا البحث البسيط تناول أربعة منها ومقارنة الموصوف بالمنطوق والترجيح، وهي: الضاد والطاء والجيم والقاف (مقتصرًا على كتاب سيبويه تقريبًا).

القضية الأولى: وصف النطق الحالي للحروف بناءً على علم الصوتيات الحديث:

أولًا: الضاد:
حرف الضاد المنطوق اليوم هو حرف يخرج من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا (أو ما يقاربها قربًا شديدًا كاللثة والثنايا وأطرف الثنايا) لا من حافته كما يُزعم، وهو حرف مجهور شديد مستعل مطبق مصمت، ليس رخوًا ولا مستطيلًا كما يُزعم اليوم أيضًا. وهو النظير المطبق لحرف الدال و النظير المجهور لحرف الطاء المنطوق اليوم.

ثانيًا: الطاء:
حرف الطاء المنطوق اليوم هو حرف يخرج من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا (أو ما يقاربها قربًا شديدًا كاللثة والثنايا وأطرف الثنايا)، وهو حرف مهموس شديد مستعل مطبق مصمت، ليس مجهورًا كما يُزعم، بالتالي ليس مقلقلًا (هذا ما يفترض، إلا أن القلقلة تُتَكلّف فيه رغم همسه). وهو النظير المطبق لحرف التاء والنظير المهموس لحرف الضاد المنطوق اليوم.

ثالثًا: الجيم:
حرف الجيم المنطوق اليوم هو حرف يخرج من وسط اللسان (تحديدًا من أقرب نقطة في الوسط من طرف اللسان) مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، وهو حرف مجهور شديد مستفل منفتح مصمت مقلقل، لكن الجيم المنطوقة اليوم هو صوت مركب بين الشدة والرخاوة، فيكون في أول نطقه شديدًا لكن عند فتح المخرج (بالقلقلة أو التحريك) تجد اللسان لا ينزل مباشرة بل يحتك قليلًا في المخرج قبل نزوله فيحدث صوت الرخاوة الذي يحصل في الجيم الرخوة (الجيم الشاميّة). وليس للجيم نظير في مخرجها الدقيق، إلا أن الشين يكون أقربهم، فيمكن القول أنه النظير الشديد المجهور لحرف الشين.

رابعًا: القاف:
حرف القاف المنطوق اليوم هو حرف يخرج من أقصى أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك اللحمي، وهو حرف مهموس شديد مستعل منفتح مصمت، ليس مجهورًا كما يُزعم، ليس مقلقلًا (هذا ما يفترض، إلا أن القلقلة تُتَكلّف فيه رغم همسه). وليس له نظير في مخرجه، إلا أن الخاء قريبة منه، فيمكن القول أنه النظير الشديد لحرف الخاء.

القضية الثانية: وصف القدامى المخالف:

أولًا: الضاد:
قال سيبويه في باب الإدغام: "ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مُخرَج الضاد."، والنطق الحالي من طرف اللسان.
وقال في نفس الباب: "إذا قلت الطَّسْ وانْقَضْ، وأشباه ذلك أجريت فيه الصوت إن شئت" يقصد السين والضاد عند الحديث عن الأحرف الرخوة وعدّ الضاد منها.
وأضاف في نفس الباب: "ولولا الإطباق لصارت الطاء دالًا، والصاد سينًا، والظاء ذالًا، ولخرجت الضاد من الكلام، لأنه ليس شيء من موضعها غيرها." وهذا النص يضرب النطق الحالي ضربةً قويةً لا يتحملها، فقوله أن الطاء هي إطباق الدال لوحده يخالف نطق الضاد اليوم، فهي دال مطبقة، وقوله فوق ذلك أن الضاد ليس شيء من موضعها غيرها أيضًا يخالف النطق الحالي، إذ أن الدال تخرج من نفس موضع الضاد، بل هي نظيرها المستفل. ويضاف لهذه الأدلة أنه لم يذكر أحد من القدامى قرب الضاد من الطاء، لكن ذكروا قربها الشديد من الظاء، مع أنها أقرب إلى الطاء من الظاء بناءً على النطق اليوم.

ثانيًا: الطاء:
قال سيبويه في باب الإدغام: "ولولا الإطباق لصارت الطاء دالًا" يدل كلامه على جهر الطاء لا همسها كما تُنطق اليوم، مما يجعلها حرفًا تسمع له صوتًا قبل قلقلته، صوتًا كالزن، وهو يسمع أيضًا في الجيم والدال والباء خاصّةً إذا شُدّدوا، وينتج هذا الصوت بسبب محاولة خروج الهواء مع جهره، لكن لا يمكنك مد هذا الصوت إلا قليلًا لامتلاء الفم أشد امتلاء بهذا الهواء محاول الخروج، وكلما قرب مخرج الحرف من الحلق قلت مدة المقدرة على مد هذا الصوت؛ لأن المساحة الحاوية لهذا الهواء أصبحت أقل، فتمتلئ أسرع، وهذا الصوت على الصحيح هو المسبب لثقل حرف القلقلة، بالتالي قلقلته لفك الانزعاج من المخرج. فائدةُ هذا الكلام هو أن الطاء الحالية مهموسة، فلا تسمع هذا الصوت ولا تشعر بالحاجة للقلقلة. ويحسن التنويه لأن هذا الوصف للطاء هو ذات الضاد الحالية مع الاختلاف اليسير في المبالغة في مط صوت الضاد اليوم.

ثالثًا: الجيم:
الباحث في نص يخالف نطق الجيم الحالية مخالفة صريحة لن يصل لنتيجة، إلا أن مجرد السكوت عن كون الجيم مركبةَ النطق لأمر عجيب، وما يجعله أكثر عجابة هو أنه ثمة هناك في الرواية النطق الموافق لنصوصهم بدون تركيب في النطق، ومن هذا المنطلق يصلح الاستدلال بالمتشابه من نصوص العلماء تقويةً لدليل السكوت عن كون الجيم مركبة الصوت، مثل: قول سيبويه في باب الإدغام عند حديثه عن الأحرف الفرعية المستحسنة: "والشين التي كالجيم" وقوله عند الأحرف الفرعية الغير مستحسنة: "الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين" فتفسير قوله: "والشين التي كالجيم" أنها جيم رخوة، وتفسير قوله: "والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين" أنها جيم مهموسة (هو عدّ الجيم التي كالكاف والتي كالشين حرفًا فرعيًا واحدًا مع اختلاف وصفه، وهذا دليل على قصده لصفة الهمس لا الرخاوة في الخلط مع الجيم؛ فالكاف شديدة). ويفيد هذا الكلام أن سيبويه أدرك صوت الجيم الرخو وقال أنه حرف مستحسن عند العرب (لكنه لم يصلنا من العشر المتواترة بطرقها)، فإدراكه لهذا الحرف الفرعي يَستبعد تغاضيه عنه إن كان موجودًا في الجيم مركّبًا بعد الشدة. ويمكن أيضًا الاستدلال بتحذير السخاوي من خلط الجيم بالشين، وغير معلوم قصده إن كان الخلط بجعلها جيم رخوة مع بقاء الجهر أم بجعلها جيم مهموسة مع بقاء الشدة، لكن لا بأس بالاستدلال به لنفس سبب السكوت.

رابعًا: القاف:
قال سيبويه في باب الإدغام: "فأما المجهورة: ...،والقاف،..."، يعني هذا عكس المنطوق اليوم، فهو مهموس وإن قُلقِل فتُكُلِّفَت قلقلته رغم همسه، ويمكن التأكد من ذلك بنفس طريقة التأكد في الطاء كما سبق الذكر. فإن قال قائل: تعريف سيبويه للحرف المجهور والمهموس ليس كما عرّفه علماء الصوتيات اليوم. فالرد عليه يكون بأمرين. الأول: أن القاف قُلقِل رغم عدم اهتزاز الأوتار عند النطق به، ولا يقلقل إلا مجهور ثقلت عدم قلقلته، الثاني: أن سيبويه أدرك اهتزاز الأوتار عند نطق الحرف المجهور، فقال في موضع غير المشتهر عنه: قال الأخفش: "سألت سيبويه عن الفصل بين المهموس والمجهور. قال سيبويه: وإنما فرَّقَ بين المجهور والمهموس أنك لا تصل إلى تبيين المجهور إلا أن تدخله الصّوت الذي يخرج من الصدر، فالمجهورة كلها هكذا يخرج صوتهن من الصدر ويجري في الحلق...".

القضية الثالثة: الترجيح:

أولًا: الضاد:
لربما الضاد هي أكثر هذه الحروف معارضةً للنصوص، لكن نقول وبالله التوفيق: الضاد العربية الفصيحة هي الضاد التي تخرج من حافة اللسان مستطيلة رخوةً لا نظير لها في مخرجها، وهي تخرج قريبة الصوت من الظاء لقرب الصفات والمخرج، وبينهما فرق واضح لمن أتقن الحرفين لفظًا وسماعًا وألِفَهُما، وهي ما أطلق عليه بعض العلماء اسم: الضاد الظائية، مع أن هذه التسمية مشكلة على الكثير بأن الضاد هي الظاء، وهذا غير صحيح؛ بل قيل ذلك للتفريق بينها وبين الطاء، حيث ذكر ذلك ابن غانم المقدسي في رسالته في الضاد وسمى الضاد الحالية بالضاد الطائية، والفصيحة بالضاد الظائية. وهذه الضاد موجودة في الرواية في بقاع مختلفة مع قلّتها، والقلة والكثرة لا تعني شيئًا، فطالما أن هناك جماعة مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقرأ بذلك فيكفي ذلك. وإن قال قائل: هذه الضاد ظهرت في السند اجتهادًا ثم انتشرت. فالرد عليه بما قال: لماذا لا يكون نطق الإخفاء الحقيقي مثلًا ظهر في السند اجتهادًا ثم انتشر؟ فلا حجة لديه ها هنا، فالحَكَم المقدم عند اختلاف الرواية على رأيين أو أكثر هو الكتاب (أي ما دوّنه الأئمة المتقدمين) فظهرت هذه الكتب في الأصل عند ظهور اللحن للرجوع إليها عند الإشكال، وكُتبت بدقة شديدة ندر الخطأ فيها بالدقائق الثانوية حتى، فطالما كان هنالك جماعة واحدة تقرأ وتُقرأ برأي معين مسندة إلى رسول الله، فأصبح الحَكَم على الخلاف حينئد الكتاب. وتُحسن الإشارة إلى أن هذه الضاد بنطقها الفصيح مئة بالمئة قد اختفت من اللهجات اليوم. وتُحسن الإشارة أيضًا أن النطق هذا للضاد قريب قليلًا من نطق الضاد الحالية مع فرق السهولة، وهذا تفسير لتطور هذا الحرف، فالذي حصل هو إغلاق المخرج مع الإبقاء على الصفات، فاختلف الصوت اختلافًا ليس بالكبير، لكنه تصادم مع نطق الطاء، فأصبح هو ذات الطاء إلا اليسير جدًا.

ثانيًا: الطاء:
لم تعارض الطاء النصوص كما فعلت الضاد، لكنها هي أيضًا تطورت لكي تكون مهموسة بعد إذ كانت مجهورة، وتبرير ذلك لربما يكون كُره اتفاق صوت حرفين مختلفين في اللغة، وبناءً على النصوص التي ذكرت وورود ذلك في الرواية فنقول وبالله التوفيق: النطق الفصيح للطاء هو أن تكون مجهورة في نفس المخرج، فتكون بالتالي هي نطق الضاد الحالي مع ترك المبالغة الموجودة فيه بإطالة الزمن لإثبات الرخاوة التي ليست موجودة في الضاد الطائية. فلو قال قائل: أن تكون الضاد أبدلت طاء في قراءة القرآن فهذا يغير المعنى في كلمات عدة مثل: ضلّ تصبح بمعنى طلّ، الرد على مثل هذا بالقول بأن ذلك لحن جلي نعم، ويغير المعنى نعم، لكنه يُغتفر في الصلاة والقراءة لمن لا يقدر على غير ذلك كما فُعل في الضالين والظالين بالاغتفار على رأي ابن كثير ومن وافقه. وقرأ بهذه الطاء بعض الشيوخ وإن قلّوا عن الضاد الظائية حتى ودُوّن ذلك في كتب متأخرة ككتاب المرعشي، ولا تزال هذه الطاء موجودة في لهجات بعض المصريين اليوم.

ثالثًا: الجيم:
لم تعارض الجيم النصوص إلا قليلًا، فلم تختلف الفصيحة عن المشهورة إلا قليلًا أيضًا، فنقول وبالله التوفيق: نطق الجيم الفصيح يكون بنزع هذه الرخاوة التابعة للشدة فتُسمع قريبةً بعض الشيء من الدال لمن لا يألفها، وهذا ليس غريب فهما حرفان متفقان في الصفات مختلفان اختلافًا يسيرًا في المخرج، رغم ذلك من يتقنهما لفظًا وسماعًا يلحظ الفرق الواضح بين الحرفين.

رابعًا: القاف:
القاف هي الأخرى لم تخالف النصوص كثيرًا، لكنها رغم ذلك مبهمة النطق، فلم أجد نطقًا من المنطوق اليوم يرتاح القلب له كل الارتياح، فسأذكر ما هو منطوق اليوم وما أميل إليه ميلًا فقط مع ذكر عيب كل رأي منهم:
1- نطقها من أقصى أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك اللحمي مع وضوح هواء الهمس فيها.
2- نطقها كالرأي الأول لكن مع تقليل هواء الهمس فيها، بل جعلها كالمجهورة في الجزء الثاني من النطق (نفس الأمر يفعل مع نطق الطاء الحالية عند بعض القراء محاولًا جهرها).
3- نطقها كالأول والثاني لكن مجهورة فتخرج قريبة من الغين، وكأنها غين شديدة.
4- نطقها من أقصى اللسان من منطقة الكاف مع التفخيم فتظهر وكأنها قبل مخرج الكاف قليلًا.
فعيب الرأيان الأول والثاني: أنها مهموسة فيهما، وعيب الرأي الثالث: صعوبة تخليصها من الغين، فتجد أنك إذا حدرت تكلفت تخليصها من الغين، وعيب الرأي الرابع: اختلاف المخرج؛ فلو كانت من نفس مخرج الكاف مع فرق التفخيم لذكروه، ناهيك عن ذكر الخليل بن أحمد لحرف الكاف المجهورة الغير مفخم وقوله أنه لم ينزل به قرآن.
وما أميل إليه هو الثالث، فصعوبة النطق تُحل مع التدريب، ولربما يكون من الأدلة قلب العرب في لهجات قديمة القاف إلى غين.


هذا ما وصلت إليه بإذن الله لترجيح الآراء في هذه الأحرف، فإن كان عند أحدكم ردًّا على ما أقول به فسأكون له من الشاكرين.
الحمدلله رب العالمين.

كتبته في 31/12/2023، ليلة الأحد.
 
التعديل الأخير:
ما رجّحته في البحث ما هو إلا ترجيح، لا أقرأ ولا أقرئ به مبدئيًا، حتى يرتاح القلب له وأحصل على السند به.
 
عودة
أعلى