نص في البخاري مشكل

إنضم
01/03/2005
المشاركات
1,063
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
العمر
60
الإقامة
الأردن - عمان
حدثني أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع عن حبيب عن ابن أبي مليكة قال ابن الزبير قلت لعثمان بن عفان { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } . قال قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها ؟ أو تدعها ؟ قال يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه
هذا نص مشكل وسبب الاشكال فيه ان هذا المعنى المقصود للنسخ هو من اقوال المتاخرين فهل كان الصحابة يعلمون النسخ بما هو مفهوم عند المتاخرين من انه رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متراخ عنه؟
واذا كان الامر كذلك فلماذا اغفل جميع الاصوليين ومن كتب في علوم القران عزو هذا المعنى للصحابة؟
واذا لم يكن الامر كذلك فكيف يمكن توجيه هذا القول؟
وكيف يجوز وقوع مثل هذا السؤال من ابن الزبير؟ هل كان يعتقد بان عثمان رضي الله عنه كان يتدخل في امر المصحف؟ مع ان المسلمين اجمعوا على ان النص القراني لاتدخل لاحد فيه ووقع هذا الاجماع من عهد الصحابة الى اليوم بل هذا هو معتقد المسلمين عبر العصور
ارجو من الاخوة الكرام الادلاء بدلائهم في هذا الامر
 
التعديل الأخير:
الأستاذ الفاضل : جمال أو حسان ... سأقول ما أعرف في هذه المسألة :
1ـ النسخ بالمعنى الذي ذكرت .. ليس من أقوال المتأخرين فحسب ... وإنما حتى عند السلف من الصحابة وغيرهم .. لكن الفرق أن المتأخرين (خصصوه ) بهذا المعنى دون غيره .. والسلف (على عمومه ) ويدخل فيه (النسخ ) بالمعنى المتأخر من باب أولى .. بل هو الأصل في معناه إذا أطلق .. وكانت عباراتهم تختلف فيه (آخر الأمرين ) .. (أول الأمر ) ... وغير ذلك مما لا يخفى

2ـ وأعتقد أن سؤال ابن الزبير لم يكن لاعتقاده أن عثمان يغير ... ولكن لأن وضع الآية يستدعي السؤال .. فالآية منسوخة صراحة .. وناسخها موجود في القرآن ... فهو مجرد سؤال اقتضاه وضع الآية ... وساعد على ذلك أن هناك آيات توفي رسول الله وهن مما يتلى في القرآن .. ومع ذلك (تركن) فلماذا هذه الآية ؟ هذا الذي أثار السؤال عند ابن الزبير والله أعلم ...
 
فضيلة الدكتور جمال وفقه الله سبق أن كتبت مقالاً عن هذا الموضوع تجده في الرابط:
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=9863
وقد ذكرت فيه أن السلف يُطلقون النسخ على معاني منها المعنى الأصولي وإن كان القصد منه تعميم اصطلاحهم ، وإن شئت ذكرت أمثلة لهذا الإطلاق عندهم، وفقك الله..
 
لم اجد بعد الاجابات عن تساؤلاتي وان كان فيما قيل بعض الفوائد نشكر اهلها عليها ومقال الشيخ فهد حسن وفيه جهد طيب طيب الله أصل كاتبه وحفظه
 
هذه الرواية – حسب ما أظن والله تعالى أعلم - قد نبهت إلى بعض الأمور ؛ إذ أأشارت إلى هذه الآية التي ليست وحدها المنسوخة وإنما هنالك أمثالها ، وقد دونت كما هو العادة في كتابة المصحف العثماني دون حاجة إلى سؤال ، ولكن عثمان رضي الله تعالى عنه بإجابته هذه قد نبه على منهجه في الجمع القرآني ، وهو قانون عام فيها وفي نظيراتها ، وهذا يدل على أمرين في غاية الأهمية
- المنسوخ من القرآن يكتب ولا يلغى
- عبر عثمان رضي الله تعالى عنه عن أمانته في حمل هذه الأمانة العظيمة ، وهو أنه لم يغادر في القرآن صغيرة ولا كبيرة إلا سجلها بين دفتي المصحف ؛ إذن ليس هنالك من قرآن خارج المصحف .
أي أن عثمان يكتب كل شيء سواء نسخ أم لا ، مما يمكن أن يدل على امتناع نسخ التلاوة.
ومن العلماء المعاصرين من قبل نسخ الحكم ورفض نسخ التلاوة بنوعيه رفضا باتا ، وقد عكف الدكتور مصطفى زيد عشر سنوات لدراسة موضوع النسخ فخرج بهذا الرأي، وكذلك ألف عبد الله بن الصديق الغماري كتابه (ذوق الحلاوة في امتناع نسخ التلاوة).
التقسيم النظري للنسخ عند العلماء المتأخرين :
من الممكن أن يكون تقسيم أنواع النسخ إلى أربعة أنواع عند العلماء المتأخرين - شكل من التبويب اقتضاه التقسيم المدرسي لهذه القضية ، ومن الشائع –كما هو معلوم- في التراث الإسلامي تقسيم الكلام إلى قسمين هما : (المعنى واللفظ) ، وهذا التقسيم له تقسيماته الداخلية أيضاً ؛ وتفصيل ذلك كالآتي:-
1- المعنى(وهو محتوى الكلام) وينقسم إلى قسمين :-
أ‌- الخبر (الحقائق) ب- الإنشاء (الأحكام أو الأوامر والنواهي ونحوها)
2- اللفظ (وهو مسموع الكلام) وهو في القرآن يسمى (تلاوة).
والنسخ – حسب رأيهم - صفة تدخل على كل نوع من هذه الأنواع حسب هذا التقسيم ، فإما أن ينسخ الخبر دون اللفظ (التلاوة) أو أن ينسخ الحكم دون اللفظ (التلاوة) أو أن تنسخ التلاوة (اللفظ) دون الحكم أو أن تنسخ التلاوة (اللفظ) والحكم (المعنى) معاً ؛ وبذلك تبلورت أشكال النسخ الأربعة ؛ وهي:-
1- نسخ الخبر دون التلاوة
2- نسخ الحكم دون التلاوة
3- نسخ التلاوة دون الحكم
4- نسخ الحكم والتلاوة معاً
وهذا التقسيم المدرسي قد اقتضى أن يُبحث لكل قسم من هذه الأقسام – حسبما يرى الباحث – عن أمثلة ونماذج يقوم عليها القسم كله ، ومعلوم أن نسخ التلاوة دون الحكم لم يجد له العلماء إلا مثالين لا ثالث لهما ، ومن أجل ذلك غلب الجانب النظري في دراسة النسخ ، يقول الدكتور مصطفى زيد : (وعندما بدأ التصنيف في علم أصول الفقه لم يكن بد من العناية بدراسة (النسخ) ضمن موضوعاته بوصفه ظاهرة ترد على بعض النصوص التشريعية، وقد كانت هذه الدراسة - وما زالت - أقرب إلى الناحية النظرية ؛ إذ لا تكاد تمس ناحية التطبيق إلا عندما تحتاج إلى التمثيل)
الردود الممكنة على نسخ التلاوة:
للعلماء المنكرين لنسخ التلاوة ردود منها ما يأتي
1- نسخ التلاوة دون الحكم:
ولهذا النوع مثالان لا ثالث لهما هما آية الرجم : (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عليم حكيم) وآية الرضاعة وهي ما روى عن عائشة رضي الله عنها :( كان فيما أنزل عشر رضعات يحرمن ونسخن بخمس معلومات) وتقول عائشة رضي الله عنها عن هاتين الآيتين : (كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا ما هو الآن) ويروى أن عائشة تركت الصحيفة التي فيها سورة الأحزاب وفيها الرجم والرضاعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت داجن (ماعز) فأكلتها
وقد واجه بعض العلماء هذا النوع من النسخ بانتقادات شديدة منها:-
- برزت آية الرجم هذه أول ما برزت في موطأ مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: (إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتُهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا) والراوي سعيد بن المسيب ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام ، أي أن عمر سعيد عند وفاة عمر ثماني سنوات على الأكثر ؛ فهو لذلك لم يدركه إدراك من يحفظ عنه ، وقد روي أنه قيل له: أدركت عمر بن الخطاب؟ قال: لا ، ورغم كل ذلك فهذا الحديث ليس فيه ما يثبت أنها آية قرآنية بل أنه ينفي ذلك ؛ بدليل قول عمر رضي الله عنه " لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى" وهذا الكلام يؤكد أهمية التمسك بالأحكام الواردة في السنة ، وكلام عمر هنا كحديث النبي صلى الله عليه وسلم
‏"يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى ‏ ‏أَرِيكَتِهِ ‏ ‏يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ "
- ذهب القاضي أبو بكر بن العربي إلى أن كل هذه الروايات التي تزعم وجود قرآن منسوخ التلاوة إنما هي روايات آحاد لا يصح التعويل عليها
- الروايات التي تذكر آية الرجم متضاربة فواحدة تذكر قيد الزنا وثانية لا تذكره وثالثة لا تذكر (نكالاً من الله) ورابعة تذكره ، وغير ذلك ، وقد وردت هذه العبارة في كتب الحديث على النحو الآتي : (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)ووردت : (والله عزيز حكيم ) ووردت : (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة) ووردت : (والشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله )ووردت : (نكالا من الله ورسوله) ووردت: (إذا زنيا الشيخ والشيخة )
- ورد أن عمر بن الخطاب قد استشار النبي صلى الله عليه وسلم في كتابتها فكره ذلك ، فكيف يكره النبي صلى الله عليه وسلم كتابتها إذا كانت قرآناً ، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن وينهى عن كتابة السنة
- لما اعترض بعض الصحابة على علي كرم الله وجهه على جلد شراحة ورجمها قال : (جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسبه إلى القرآن المنسوخ التلاوة
- هذه الآية ليست فيها طلاوة القرآن وحلاوته وبلاغته بشكل ظاهر لا يخفى، كما يقول الدكتور مصطفى زيد (وما هكذا تكون نصوص الآيات القرآنية)
- إن صحّ أن آية الرجم كانت في سورة الأحزاب فإن سورة الأحزاب قد سبقت في النزول سورة النور ، والناسخ لا يمكن أن يتقدم على المنسوخ في النزول كما لا يمكن أن يتقدم المخصِّص على المخصَّص.
- كلام عائشة رضي الله عنها في آية الرضاعة غير محدد فقد قالت : (فيما أنزل) فهل فيما أنزل من التوراة أم القرآن أم الإنجيل .
- دلالة هذا الكلام غير يقينية فهل الرضاعة خمس رضعات أم عشرة وقد كان ابن عباس وعلي رضي الله عنهما يريان أن التحريم بالرضاع بلا تقييد وقد تبعهما في ذلك الحسن والزهري والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة .
- كان الصحابة رضي الله عنهم يخالفون ما روي عن عائشة ، وما كانوا ليخالفوه لو كان قرآنا ، بل إنهم كانوا إذا سمعوا مثل ذلك ردوا عليه بالقرآن ، وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن عمر : أنه بلغه عن ابن الزبير أنه يأثر عن عائشة في الرضاعة لا يحرم منها دون سبع رضعات . قال : الله خير من عائشة ، إنما قال الله تعالى (وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) ولم يقل رضعة ولا رضعتين وسأل رجل ابن عمر ، أتحرم رضعة أو رضعتان ؟ فقال : ما نعلم الأخت من الرضاعة إلا حراما
- من أكبر الأدلة على دحض ما روي عن عائشة أن مالك بن أنس رضي الله عنه - وهو راوي هذا الحديث – كان يرى أن رضعة واحدة تحرم ، وقد أخذ بظاهر القرآن
- لو كانت آية الرضاعة من القرآن لنبهت عائشة رضي الله عنها عليها عند كتابة المصاحف ؛ إذ عاصرت الجمع الأول والثاني ولكان قد نقل إلينا في المصاحف التي نقلها الجماعة الذين لا يجوز عليهم الغلط
- - يقول أبو جعفر النحاس (لو كان بقي من القرآن شيء لم ينقل إلينا لجاز أن يكون ما لم ينقل ناسخا لما نقل فيبطل العمل بما نقل ونعوذ بالله من هذا فإنه كفر)
- الحديث المروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها الذي يؤكد أن سورة الأحزاب قد نقص منها أكثر من مائة وعشرون آية – حديث ضعيف وفيه عبد الله بن لهيعة وهو رافضي مفرط في الرفض وهو ضعيف لا يحتج به ، وقد تجنب العلماء الرواية عنه .
- لو كانت الآيات التي في صحيفة عائشة رضي الله عنها مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن من إثباتها في القرآن من حفظهم ولو حفظت ما ضرها موته صلى الله عليه وسلم كما لم يضر موته كل ما بلغ من القرآن
- يقول القرطبي (ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليف الملاحدة والروافض)
- الحديث المروي عن عائشة الذي يذكر أن الماعز قد أكلت الصحيفة التي فيها بعض القرآن – حديث مكذوب ولم يكن من عادة النساء آنذاك اتباع الجنائز من ناحية كما أن الماعز بحكم العادة لا تستطيع رفع الفراش وأكل ما تحته من ناحية أخرى
- إذا صحّ قول الإمام القرطبي – ونحسبه صحيحا- أن الزعم بضياع أكثر من مائة آية من سورة الأحزاب إنما كان فرية وضعها الملاحدة والروافض فإنه يبقى سؤال شديد الأهمية وهو لماذا اختيرت سورة الأحزاب دون سواها؟ ، والجواب - كما يرى الباحث- أن زيد بن ثابت رضي الله عنه وأعضاء لجنته الذين جمعوا المصحف عندما وضعوا تلك الشروط الصارمة للتدقيق حيث لم يكتفوا بحفظهم ولا الأوراق المكتوبة لديهم وإنما اشترطوا أن يأتي الحافظ للآيات التي يراد كتابتها ومعه شاهدين عدلين فجمعوا كل القرآن بهذه الطريقة الدقيقة إلا آية واحدة من سورة الأحزاب فإنهم رغم حفظهم لها ورغم الأوراق المكتوبة لديهم -كما هي شروطهم - أخذوا يبحثون عن حافظ لها حتى وجدوه ؛ وبذلك وجد الملاحدة والروافض ثغرة فبدلا من آية فُقدت ثم وجدت صارت القصة أكثر من مائة آية فقدت وما وجدت ؛ وقد جاء في صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : (نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فَلَمْ أَجِدْهَا إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه)ِومما يدل على أن الفقدان لم يقصد به مطلق الفقدان ، وإنما قُصد به عدم توفر شروطهم في الآية المذكورة - أن زيد بن ثابت قال كما في هذه الرواية : " كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا" ومعنى ذلك أن زيد يحفظها ويتذكرها ولكنه لم يرد كتابتها من حفظه ؛ لأن ذلك ليس شرطه في الجمع .
2- نسخ التلاوة والحكم معاً:-
استدل بعض العلماء ببعض الأحاديث والآثار على وجود هذا النوع من النسخ، يقول ابن عمر : (لا يقولن أحدكم : قد أخذت القرآن كله ، وما يدريه ما كله ، قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن فليقل : أخذت ما ظهر) وعن حميدة بنت يونس قالت : قرأ أبي وهو ابن ثمانين في مصحف عائشة : (أن الله وملائكته يصلون على النبي وعلى الذين يصلون في الصفوف الأول) قبل أن يغير عثمان المصاحف) وروي أن رجلان قرأ سورة أقرأهما إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرأن بها فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال : إنها مما نسخ فالهوا عنها وروي أنه مما كان يقرأ من القرآن : (لو كان لابن آدم واديان واد من ذهب وواد من فضة لابتغي واد ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)
وقد واجه العلماء المنكرون لهذا النوع من النسخ - بانتقادات شديدة منها:-
- هذا النوع من النسخ يشير وبصورة مباشرة أن هنالك قرآناً أنزله الله تعالى فضاع وفقد أو نسي وهذا مخالف لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقوله : (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى) .
- أن أبا بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما عندما جمعا القرآن لم يغفلا فيه شيئاً وإلا فما الفرق بين هذه الدعوى ودعوى الروافض بكتمان الصحابة لبعض القرآن . ومعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أحرص الناس على الاحتياط للقرآن وكانوا أيقظ الخلق في حراسته.
- الحديث المروي عن ابن عمر ضعيف جداً وفيه عبد الله بن لهيعة وهو رافضي ضعيف تجنب العلماء الرواية عنه كما سبق..
- أما حديث الرجلين الذين نسيا السورة التي أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم – فهو حديث ضعيف جداً وفيه عباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد بن حنظلة الواقفي الرافضي الذي وُصف بأنه منكر الحديث وليس بثقة ولا يصدق وفي إسناده أيضا سليمان بن أرقم وهو ضعيف ؛ قال عنه الحسن والزهرى وأبو داود والدارقطني: (متروك) وقال الجوزجانى: ساقط.وقال أحمد: (لا يروى عنه) وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: (كنا ننهى عن مجالسة سليمان ابن أرقم) وذكر منه أمرا عظيما
- أما حميدة بنت يونس راوية الحديث عن أبيها فهي مجهولة، وكون أبيها الذي تجاوز الثمانين قد قرأ من دفتر شخصي لعائشة رضي الله عنها – إن صحت تلك الرواية فرضاً – لا ينهض دليلاً على أنه قرآن .
- جاء في سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد والمستدرك على الصحيحين وسنن الدارمي وصحيح ابن خزيمة ومصنف عبد الرزاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ) ويبدو أنه لما تشابه صدر آية الأحزاب وأول هذا الحديث أدخل بعض الرواة غير المدققين هذا في هذا
- وردت عبارة (لو كان لابن آدم واديان ...) في روايات مختلفة وفي مواضع متنوعة ومع عبارات كثيرة لا يسهل قبولها كلها ؛ فقد وردت (إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واديان) وهي رواية ضعيفة وفيها هشام بن سعيد المدني وهو ضعيف وكان يحيى بن معين يرفض أن يروي عنه شيئا ، وورد (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ... ولو كان لأبن آدم واديان.......) وفيه عاصم بن بهدلة بن أبي النجود وهو صدوق لكنه في الحديث سيئ الحفظ كثير الخطأ وله توهمات وورد (سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو كان لأبن آدم واديان.........) وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو رافضي ضعيف لا يحتج به ؛ ومع ذلك كان سيئ الحفظ جدا
-وردت هذه العبارات بصورة متنوعة ومختلفة جدا في كتب الحديث فقد جاء في البخاري : (وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ ) وفيه أيضا(لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ) وفيه (لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلْئًا مِنْ ذَهَبٍ......وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ ) وفيه (وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ ) وجاء في مسند أحمد (لَابْتَغَى إِلَيْهِمَا آخَرَ وَلَا يَمْلَأُ بَطْنَ ابْنِ آدَمَ) وجاء في مسند الشاميين للطبراني (لو سيل لابن آدم واديان ........ ولا يشبع ابن آدم)وفيه (ولا يملأ نفس ابن آدم)
- ذهب ابن حجر إلى أن كثرة روايات (لو كان لابن آدم ....) مع آيات مختلفة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه العبارات في مواضع كثيرة ، وهي من كلامه ، ولم يتهيأ للصحابة أن يستفصلوه ، وقد أخبر به عن الله تعالى ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية والله أعلم
- اعتبرت عائشة أن هذه العبارة "مثلا" كان يتمثل به صلى الله عليه وسلم ؛ ففي مسند أحمد قيل لِعَائِشَةَ : (هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ شَيْئًا إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ ؟ قَالَتْ : كَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ تَمَثَّلَ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ........ويقال في اللغة تمثل فلان أي ضرب مثلا
- في مسند الإمام أحمد قال أَنَس عن هذه العبارة (كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُه فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ نَزَلَ عَلَيْهِ أَمْ شَيْءٌ يَقُولُهُ) و جاء في البخاري : عن ابن عباس أنه قال: (فلا أدري من القرآن هو أم لا)
- جاء في البخاري : (عنْ أَنَسٍ عَنْ أُبَيٍّ قَالَ كُنَّا نَرَى هَذَا مِنْ الْقُرْآنِ حَتَّى نَزَلَتْ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ)
ويقول ابن حجر : (ووجه ظنهم أن الحديث المذكور من القرآن ما تضمنه ، فلما نزلت هذه السورة وتضمنت معنى ذلك مع الزيادة عليه علموا أن الأول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
وأظن أن هذا الأمر مازال في حاجة إلى دراسات متعمقة
 
الحق أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يكونوا يعنون بالنسخ ذلك المفهوم المتأخر ؛ فقد روى البخاري عن ابن عمر أن الآية : (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ) نسختها الآية التي بعدها وهي (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وهذا عند الأصوليين تخصيص للعام وليس نسخاً.
ولهذا أكد الإمام الشافعي والشاطبي وغيرهما من الأئمة أن مفهوم النسخ عند الصحابة ليس هو مفهومه عند الأصوليين والعلماء المتأخرين ؛ ولهذا كان مفهوم النسخ عند الصحابة واسعاً جداً، وقد أورد الإمام الشاطبي بضعاً وعشرين مثالاً للتدليل على هذا الأمر، ثم يقول : (النسخ عندهم "أي الصحابة" في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخاً وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً) وقد كان ابن عباس يطلق لفظ النسخ علي الاستثناء وتقييد المطلق وتخصيص العاموهذا ما جعل الإمام الشافعي يحرر مدلول النسخ في (الرسالة) ليميزه عن تقييد المطلق وتقييد العام
أما تعريفات العلماء نحو قول أبي إسحاق الإسفرايني إنه (بيان انتهاء حكم بطريق شرعي متراخ عنه) وقول ابن حزم إنه (ما تعلق بوقت فيما لا يتكرر) وقول شهاب الدين القرافي إنه : (بيان لانتهاء مدة الحكم) وقول عبد القاهر البغدادي إنه : (انتهاء مدة الحكم) وقول الجويني إنه : ( اللفظ الدال على ظهور انتفاء شرط دوام الأول)
فهذه الإزالة التامة للحكم تحتاج إلى دراسة متعمقة ؛ خاصة وأن ابن القيم قد ذهب إلى استحالة رفع معاني بعض القرآن بالكلية، يقول في مفتاح دار السعادة: (إن الله لم يأمر بشئ ثم يبطله بالكلية ؛ بل لا بد أن يثبته بوجه ما ، ولكن قلّ من يتفطن لذلك).
 
حدثني أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع عن حبيب عن ابن أبي مليكة قال ابن الزبير قلت لعثمان بن عفان { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } . قال قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها ؟ أو تدعها ؟ قال يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه

ورد اللفظ بهذا اللفظ أيضا في البخاري :
4172 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
قُلْتُ لِعُثْمَانَ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ
{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا إِلَى قَوْلِهِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ }
قَدْ نَسَخَتْهَا الْأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا قَالَ تَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ
قَالَ حُمَيْدٌ أَوْ نَحْوَ هَذَا." أهـــ

وقبل أن نصل إلى مراد الصحابي من الأثر لابد من جمع الروايات التي تحدثت عن نفس الموضوع ، فهذا الأمر يحتاج إلى تنقير ، لذلك منع أهل العلم العوام من تقليد الصحابة ، فمرادهم يحتاج إلى إحاطة ببعض الأمور ففقه الصحابة لم يذلل كفقه الأئمة الأربعة مثلا .

ولابد من الانتباه لقضية أخرى وهي
أن هناك آيات قد نسخت بحيث لم تكتب في المصحف ، فالنسخ أنواع ، فقد يكون الصحابي قصده السؤال والاستفسار ، وكان الجواب
وهذا مجرد تخمين فالأمر يحتاج إلى بحث وتنقيب
والله أعلم .
 
أخي أبو الأشبال قولك "لابد من الانتباه لقضية أخرى وهي أن هناك آيات قد نسخت بحيث لم تكتب في المصحف"
إذا كنت تقصد به : أن عبد الله بن الزبير سأل عن تلك الآيات بالذات لعلمه أن بعض المنسوخ لا يكتب ؛ فالسياق يحتمل ذلك أيضا
وإن كان المعنى الأول عندي أقرب
 
التعديل الأخير:
هذا النص رواه البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب قول الله "وعلم آدم الأسماء كلها " بروايتين مختلفين
الأولى - " حدثني أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع عن حبيب عن ابن أبي مليكة ، وفيها "فلم تكتبها ؟ أو تدعها ؟"
والثانية- حدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا حميد بن الأسود ويزيد بن زريع قالا حدثنا حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة وفيها " فلم تكتبها ؟ قال تدعها يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه "
كما رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب العدد باب عدة الوفاة "أخبرنا أبو عمرو الأديب نا أبو بكر الإسماعيلي نا أبو جعفر أحمد بن الحسين بن نصر الحذاء نا علي بن المديني نا يزيد بن زريع نا حبيب بن الشهيد نا عبد الله بن أبي مليكة وفيها "فلم تكتبها أو تدعها قال يا بن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه وفي رواية علي لم تكتبها
وقال ابن حجر في فتح الباري "لم تدعها " أي تتركها مكتوبة وهو شك من الراوي أي اللفظين وقع
وقال أيضا" إن السؤال كان "بصيغة الاستفهام الإنكاري ، كأنه قال :لم تكتبها وقد عرفت أنها منسوخة؟"
وقال أيضا " وفي جواب عثمان هذا دليل على أن ترتيب الآي توقيفي ، وكأن عبد الله بن الزبير ظن أن الذي ينسخ حكمه لا يكتب ، فأجابه عثمان بأن ذلك ليس بلازم والمتبع فيه التوقف وله فوائد منها ثواب التلاوة والامتثال ، على أن من السلف من ذهب إلى أنها ليست منسوخة وإنما خص من الحول بعضه وبقي البعض وصية لها إن شاءت أقامت كما في الباب عن مجاهد لكن الجمهور على خلافه"
وقال أيضا "وهذا الموضع مما وقع فيه الناسخ مقدما في ترتيب التلاوة على المنسوخ وقد قيل إنه لم يقع نظير ذلك إلا هنا ، وفي الأحزاب على قول من قال أن إحلال جميع النساء هو الناسخ ، وقد ظفرت بمواضع أخرى منها في البقرة أيضا قوله "فأينما تولوا فثم وجه الله " فإنها محكمة في التطوع مخصصة لعموم قوله "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" كونها مقدمة في التلاوة ومنها في البقرة أيضا قوله تعالى "ما ننسخ من آية" على قول من قال إن سبب نزولها أن اليهود طعنوا في تحويل القبلة فإنه يقتضى أن تكون مقدمة في التلاوة متأخرة في النزول وقد تتبعت من ذلك شيئا كثيرا ذكرته في غير هذا الموضع ويكفى هنا الإشارة إلى هذا القدر"
 
أخي أبو الأشبال قولك "لابد من الانتباه لقضية أخرى وهي أن هناك آيات قد نسخت بحيث لم تكتب في المصحف"
إذا كنت تقصد به : أن عبد الله بن الزبير سأل عن تلك الآيات بالذات لعلمه أن بعض المنسوخ لا يكتب ؛ فالسياق يحتمل ذلك أيضا
وإن كان المعنى الأول عندي أقرب

أخي الفاضل د. جمال الدين
يظهر أن الكلام محتمل فيحمل المتوهم على المحكم والواضح من كلام الصحابة رضي الله عنهم وعملهم ، وهذا ما تعلمته من أستاذي، والأمر يحتاج إلى بحث وأنت أهل لذلك بإذن الله تعالى وفقك الباري.
والله أعلم وأحكم.
 
عودة
أعلى