نصراني يسأل عن الإسراء!؟

إنضم
18/11/2004
المشاركات
100
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
مشايخنا الإجلاء ...
إخواننا الفضلاء ...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحد الغربيين من النصارى يسأل عن أمرٍ محددٍ في قصة الإسراء والمعراج.

وسؤاله:لماذا أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالذات ؟

أي : لماذا لم يعرج به إلى السماء من مكة مباشرة,أو من مكان آخر غير المسجد الأقصى؟

لماذا حدد المسجد الأقصى؟

من لديه علم بهذا فليتصدق به علينا فـ(إن الله يجزي المتصدقين).

فقد وجدت في -بعض- كتب التفسير بعض الإجابات لهذا التساؤل-أرفقتها في هذه المشاركة-لكن ما زلت أبحث عن إجابة مباشرة مختصرة تصلح أن تترجم إلى لغات أخرى.

وإليكم ما دونه المفسرون :


جاء في تفسير ابن كثير -رحمه الله تعالى- هذا القول: "( إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى ) وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء , معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل؛ ولهذا جمعوا له هنالك كلهم، فَأمّهم في مَحِلّتهم , ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين".

وهذا ما قاله العلامة الشنقيطي-رحمه الله تعالى- في الأضواء:"
وَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَعْرُجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ ، وَمِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَلَكِنْ لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ : كَعَلَامَاتِ الطَّرِيقِ ; لِتَكُونَ دَلِيلًا لَهُ عَلَى قُرَيْشٍ فِي إِخْبَارِهِ بِالْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ ، وَتَقْدِيمِ جِبْرِيلَ لَهُ الْأَقْدَاحَ الثَّلَاثَةَ : بِالْمَاءِ ، وَاللَّبَنِ ، وَالْخَمْرِ ، وَاخْتِيَارِهِ اللَّبَنَ رَمْزًا لِلْفِطْرَةِ . وَاجْتِمَاعِ الْأَنْبِيَاءِ لَهُ وَالصَّلَاةِ بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، بَيْنَمَا رَآهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ أُرِيَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ".

وإليكم ماذكره الطاهر بن عاشور:"
أن الله مكنه من حرمي النبوة والشريعة، فالمسجد الأقصى لم يكن معمورا حين نزول هذه السورة وإنما عمرت كنائس حوله، وأن بني إسرائيل لم يحفظوا حرمة المسجد الأقصى، فكان إفسادهم سببا في تسلط أعدائهم عليهم وخراب المسجد الأقصى. وفي ذلك رمز إلى أن إعادة المسجد الأقصى ستكون على يد أمة هذا الرسول الذي أنكروا رسالته".

وهذا من التفسير الوسيط لسيد طنطاوي -رحمه الله-:"

قال بعض العلماء : وقد قيل فى خصائص المسجد الأقصى : أنه متعبد الأنبياء السابقين ، ومسرى خاتم النبيين ، ومعراجه إلى السموات العلا . . وأولى القبلتين وثاني المسجدين ، وثالث الحرمين ، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه ".

وهذا القول الأخير أجد أنه قرب لي كثيرا من الأمور...

مثلاً : هل نستطيع أن نقول أن من الأسباب لاختيار الأقصى مكاناً لمسرى سيد ولد آدم -عليه أفضل الصلاة والتسليم- أنه كان قبلة للمسلمين آنذاك,يتجهون إليها بأبدانهم,وإلى السماء يتجهون بقلوبهم !!؟


 
و إضافةً إلى ما تقدَّم ذِكْره من أقوال الأئمة و العلماء - في تعليل الإسراء بالنبي صلى الله عليه و سلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس - يُحْتَمَل أيضاً أن يُقال فيه :

1 - إن َّ ذلك الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى هو مَسيرٌ لخاتم الأنبياء و المرسلين مِن أول مسجدٍ وُضِعَ في الأرض - و هو المسجد الحرام - إلى ثاني مسجدٍ وُضع فيها و هو المسجد الأقصى للإشارة و البشارة بعودتهما معاً إلى حالهما الأَول في بدء الخليقة و الشريعة ؛ كدَاريَّ عبادة لشريعة عامة واحدة ، هي شريعة الإسلام .
قال الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم - محمداً صلى الله عليه و سلم - : [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] . {سبأ:28}
و قال تعال : [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ] . {آل عمران:96}
قال عليٌّ رضي الله عنه: كان قبل البيت بيوت كثيرة ، والمعنى أنه أول بيت وضع للعبادة.
ذكره القرطبي في تفسيره .
و قال مجاهد : خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الارض بألفي سنة، وأن قواعده لفي الارض السابعة السفلى.
وأما المسجد الاقصى فبناه سليمان عليه السلام، كما خرجه النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثة : سأل الله عزوجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عزوجل ملكا
لا ينبغي لاحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عزوجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه ).
فجاء إشكال بين الحديثين (1)، لأن بين إبراهيم وسليمان آمادا طويلة.
قال أهل التواريخ: أكثر من ألف سنة.
فقيل: إن إبراهيم وسليمان عليهما السلام إنما جددا ما كان أسسه غيرهما.
وقد روي أن أول من بنى البيت آدم عليه السلام كما تقدم.
فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عاما، ويجوز أن تكون الملائكة أيضا بنته بعد بنائها البيت بإذن الله، وكل محتمل.
والله أعلم.
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: أمر الله تعالى الملائكة ببناء بيت في الارض وأن يطوفوا به، وكان هذا قبل خلق آدم، ثم إن آدم بنى منه ما بنى وطاف به، ثم الانبياء بعده، ثم استتم بناءه إبراهيم عليه السلام.
" من الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي "

2 - و في الإسراء إلى المسجد الأقصى أيضاً زيارةٌ لذلك المسجد العتيق المبارك و عبادة ، و صلاةٌ في القبلة الأولى ، التي أُمِرَ المسلمون بالصلاة تجاهها قبل تحويل القبلة إلى البيت الحرام - .
قال تعالى : [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] {البقرة:144}
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله: { قد نرى تقلب وجهك في السماء } إلى قوله: { فولوا وجوهكم شطره } فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب [يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } وقال: { فأينما تولوا فثم وجه الله } ( البقرة: 115) وقال الله تعالى: { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } .
" من تفسير ابن كثير "

3 - و يُحْتَمَل أنَّ المعراج بالنبي صلى الله عليه و سلم في تلك الزيارة - إلى السماوات العلا و إلى سدرة المنتهى ، إنما كان من بيت المقدس ؛ لأنه سيكون أرض المنشَر عند قيام الساعة ؛ فعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاَةِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ : « أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلاَةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاَةٍ فِى غَيْرِهِ ». قُلْتُ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ . قَالَ : « فَتُهْدِى لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ ».
أخرجه أحمد ، و ابن ماجه و اللفظ له ، و الطبراني .

و في الحديث الصحيح المُتفق عليه ، عن إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : « الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ » . قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ ؟ قَالَ : « الْمَسْجِدُ الأَقْصَى » . قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ : « أَرْبَعُونَ سَنَةً ، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ » .
أخرجه البخاري و مسلم في " صحيحيْهما " .

* و هذا الإسراء بخاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه و سلم مِن أول مسجدٍ وُضِع في الأرض إلى ثاني مسجدٍ وُضِع فيها ، فيه دلالةٌ ظاهرةٌ على الصلةِ الوثيقة و الارتباط الشديد بين هذيْن المسجديْن في شريعة الإسلام ، الخاتمة للشرائع الإلهية إلى قيام الساعة .
و إمامة النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة بالأنبياء فيه ، فيه دلالةٌ على إمامة و هيمنة شريعة الإسلام على كل الشرائع السابقة ، و فيه إشارةٌ و بشارة بدخول ذلك المسجد المبارك في عُهدة المسلمين ، و وراثتهم لذلك المكان المقدَّس ، و رعايتهم له و حمايته .

و هذا الرباط بين السجديْن الحرام و الأقصى ، هو رباطٌ دينيّ عَقَدي شعائري ، و التفريط في أحدهما بمنزلة التفريط في الآخَر ، و سقوط أحدهما بمنزلة سقوط الآخَر لا قَدَّرَ الله و التهاون في احتلال المسجد الأقصى مهانة لكل مسلمٍ على وجه الأرض ؛ إذ لا شرف و لا كرامة لأمةٍ مُقَدساتها مُغتصبة و مُهانة.
فاللهمَّ أَعِدْ المسجد الأقصى و بلاده عَوْداً حميداً عزيزاً قريباً ، و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله

------------------------------
الهامش :
(1) أي : الحديث المذكور آنفا و حديث " ... قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ : « أَرْبَعُونَ سَنَةً " . الآتي بعد
 
الإسراء إلى بيت المقدس ثم العروج
الحكمة ـ إضافة إلى كل ما ذكره الإخوة الأفاضل ـ هو إثبات المعجزة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فوصفه صلى الله عليه وسلم للمسجد وإخباره عن قافلة قريش دليل مادي على صدق الدعوى وإقامة الحجة على المنكرين ، فإذا ثبت الإسراء وهو أمر خارق للعادة ثبت المعراج وبذلك تنقطع حجة المنكرين والمستبعدين.
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
 
عودة
أعلى