الصبر الجميل
New member
- إنضم
- 20/12/2006
- المشاركات
- 49
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن نسيان القرآن مذموم ولكن ما حكم هذا النسيان ؟ ذهب جمهور الفقهاء إلى أن نسيان القرآن الكريم بعد حفظه لغير عذر حرام وعده بعضهم من الكبائر .
وإليك بعض أقوالهم في ذلك
من أقوال الحنفية
قال الخادمي في بريقة محمودية 4/194:
( ومنها نسيان القرآن بعد تعلمه ) ... لأن المعدود هنا ذنب التفريط في محفوظه لعدم تعاهده ودرسه ) اهـ
وفي كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 4/276 :
( قال الشيخ رحمه الله : إنما يصير النسيان عذرا في حق الشرع إذا لم يكن غفلة فأما إذا كان عن غفلة فلا يكون عذرا كما في حق آدم عليه السلام وكنسيان المرء ما حفظه مع قدرته على تذكاره بالتكرار فإنه إنما يقع فيه بتقصيره فيصلح سببا للعتاب ولهذا يستحق الوعيد من نسي القرآن بعدما حفظه مع قدرته على التذكار بالتكرار ) اهـ
من أقوال المالكية :
في الاستذكار لابن عبد البر 2/487 :
( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من حديث سعد بن عبادة أنه قال من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم
قال أبو عمر : ومن حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت علي أجور أمتي حتى يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها وحديث بن مسعود أنه كان يقول تعاهدوا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها ... ) اهـ
من أقوال الشافعية :
وفي مغني المحتاج 1/39 :
(ونسيانه أو شيء منه كبيرة والسنة أن يقول أنسيت كذا لانسيته ويندب ختمه أول نهار أو ليل والدعاء بعده وحضوره والشروع بعده في ختمة أخرى وكثرة تلاوته) اهـ .
وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج 1/447 :
(قال حج في حاشية الإيضاح ظاهر كلامهم توقف التوبة على تمام حفظ ما نسيه من القرآن وتمام قضاء الفوائت وإن كثرت حيث قال وخروج من المظالم بردها أو برد بدلها إن تلفت لمستحقها ما لم يبرئه منها ومنها قضاء نحو صلاة وإن كثرت ويجب عليه صرف سائر زمنه لذلك ما عدا الوقت الذي يحتاج لصرف ما عليه من مؤنة نفسه وعياله وكذا يقال في نسيان القرآن أو بعضه بعد بلوغه ا هـ ) اهـ
وفي طرح التثريب 3/ 102
(الخامسة ) : فيه الحث على تعاهد القرآن بالتلاوة والدرس والتحذير من تعريضه للنسيان بإهمال تلاوته . وفي الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا { بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي . استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها } .
وفي الصحيحين أيضا عن أبي موسى الأشعري مرفوعا { تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها } .
وفي سنن أبي داود والترمذي عن أنس مرفوعا { عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها } , تكلم فيه الترمذي , وفي التنزيل { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا }
وفي سنن أبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا { من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم } ,قيل معناه مقطوع اليد وقيل مقطوع الحجة وقيل منقطع السبب وقيل خالي اليد من الخير صفرها من الثواب وقد ذكر صاحب العدة وهو أبو المكارم الروياني من أصحابنا : أن نسيان القرآن من الكبائر ) اهـ
وفي أسنى المطالب 1/64:
( ونسيانه كبيرة ) , وكذا نسيان شيء منه لخبر { عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها } وخبر { من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله - عز وجل - يوم القيامة أجذم } رواهما أبو داود ) اهـ .
وفي حاشية الرملي عليه :
( قوله : ( ونسيانه كبيرة ) موضعه إذا كان نسيانه تهاونا وتكاسلا ) اهـ
وفي أسنى المطالب أيضا 3/340 قال وهو يعدد الكبائر :
( وَنِسْيَانَ الْقُرْآنِ ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ { عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا } قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ التِّرْمِذِي ) اهـ
وفي فتاوى الرملي 4/376 :
(سئل ) عمن نسي القرآن هل يجب عليه حفظه أم لا فإن قلتم بوجوبه فهل تركه كبيرة وهل يفرق بين البالغ وغيره ؟
( فأجاب ) بأنه إن نسيه وهو بالغ تهاونا وتكاسلا كان نسيانه كبيرة ويجب عليه حفظه إن تمكن منه للخروج عن المعصية ) اهـ
وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي 1/36 :
( وسئل ) رضي الله عنه بما لفظه :
صرحوا بأن نسيان القرآن كبيرة فكيف ذلك مع خبر الصحيحين لا يقول أحدكم نسيت آية كذا وكذا , بل يقول نسيت وخبرهما أنه سمع رجلا يقرأ فقال - رحمه الله - لقد أذكرني آية كنت أسقطتها وما المراد بالنسيان وهل يعذر به إذا كان لاشتغاله بمعيشة عياله التي لا بد منها ؟ وهل يشمل ذلك نسيان الخط بأن كان يقرؤه غيبا , ومن المصحف فصار لا يقرؤه إلا غيبا وفي عكسه هل يحرم أيضا ؟
( فأجاب ) بقوله :
لا تنافي بين الحديثين والحديث الدال على أن نسيان القرآن كبيرة أما الأول فلأن الأمر بأن يقول نسيت بتشديد السين أو أنسيت إنما هو لرعاية الأدب مع الله تعالى في إضافة الأشياء إليه ; لأنها منه بطريق الحقيقة خيرها وشرها , ونسبتها للعبد إنما هي من حيث الكسب والمباشرة فأمرنا برعاية هذه القاعدة العظيمة النفع العزيزة الوقع التي ضل فيها المعتزلة ومن تبعهم كالزيدية , فليس في هذا الحديث أن النسيان كبيرة ولا أنه غير كبيرة كما اتضح مما قررته .
وأما الثاني فهو دليل على أن المراد بالنسيان المحرم أن يكون بحيث لا يمكنه معاودة حفظه الأول إلا بعد مزيد كلفة وتعب لذهابه عن حافظته بالكلية , وأما النسيان الذي يمكن معه التذكر بمجرد السماع أو إعمال الفكر فهذا سهو لا نسيان في الحقيقة فلا يكون محرما وتأمل تعبيره صلى الله عليه وسلم بأسقطتها دون أنسيتها يظهر لك ما قلناه ولا يعذر به وإن كان لاشتغاله بمعيشة ضرورية لأنه مع ذلك يمكنه المرور عليه بلسانه أو قلبه فلم يوجد في المعايش ما ينافي هذا المرور فلم يكن شيء منها عذرا في النسيان نعم المرض المشغل ألمه للقلب واللسان والمضعف للحافظة عن أن يثبت فيها ما كان فيها لا يبعد أن يكون عذرا ; لأن النسيان الناشئ من ذلك لا يعد به مقصرا لأنه ليس باختياره , إذ الفرض أنه شغل قهرا عنه بما لم يمكنه معه تعهده وقد علم مما قررته أن المدار في النسيان إنما هو على الإزالة عن القوة الحافظة بحيث صار لا يحفظه عن ظهر قلب كالصفة التي كان يحفظه عليها قبل . ونسيان الكتابة لا شيء فيه ولو نسيه عن الحفظ الذي كان عنده ولكنه يمكنه أن يقرأه في المصحف لم يمنع ذلك عنه إثم النسيان لأنا متعبدون بحفظه عن ظهر قلب , ومن ثم صرح الأئمة بأن حفظه كذلك فرض كفاية على الأمة , وأكثر الصحابة كانوا لا يكتبون وإنما يحفظونه عن ظهر قلب وأجاب بعضهم عن الحديث الثاني بأن نسيان مثل الآية أو الآيتين لا عن قصد لا يخلو منه إلا النادر وإنما المراد نسيان ينسب فيه إلى تقصير , وهذا غفلة عما قررته من الفرق بين النسيان والإسقاط , فالنسيان بالمعنى الذي ذكرته حرام بل كبيرة ولو لآية منه كما صرحوا به , بل ولو لحرف كما جزمت به في شرح الإرشاد وغيره لأنه متى وصل به النسيان ولو للحرف إلى أن صار يحتاج في تذكره إلى عمل وتكرير فهو مقصر آثم ومتى لم يصل إلى ذلك بل يتذكره بأدنى تذكير فليس بمقصر وهذا هو الذي قل من يخلو عنه من حفاظ القرآن ; فسومح به وما قدمته من حرمة النسيان وإن أمكن معه القراءة من المصحف نقله بعضهم عن جماعة من محققي العلماء وهو ظاهر جلي والله أعلم ) اهـ .
وفي الزواجر لابن احجر الهيتمي 1/201
( الكبيرة الثامنة والستون : نسيان القرآن أو آية منه بل أو حرف ) أخرج الترمذي والنسائي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها } . وأبو داود عن سعد بن عبادة : { ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم } .
وأخرج محمد بن نصر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال : { إن من أكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة لسورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها } . وأخرج ابن أبي شيبة عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {عرضت علي الذنوب فلم أر فيها شيئا أعظم من حامل القرآن وتاركه } : أي بعد ما كان حامله بأن نسيه .
وأخرج أيضا عن سعد بن عبادة : { ما من أحد يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله وهو أجذم } . وأخرج محمد بن نصر عن سعد بن عبادة : { من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم } .
تنبيهات :
عد نسيان القرآن كبيرة هو ما جرى عليه الرافعي وغيره , لكن قال في الروضة : إن حديث أبي داود والترمذي : { عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها } في إسناده ضعف . وقد تكلم فيه الترمذي انتهى .
وكلام الترمذي الذي أشار إليه هو قوله عقبه " غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وذاكرت به محمد بن إسماعيل : أي البخاري فلم يعرفه واستغربه . قال محمد : ولا نعرف للمطلب بن حنطب أي رواية سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال عبد الله : وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس . " انتهى كلام الترمذي
وبه يعلم أن مراد النووي بقوله " في إسناده ضعف " أي انقطاع لا ضعف في الراوي الذي هو المطلب لأنه ثقة كما قاله جماعة . لكن قال محمد بن سعيد : لا يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا وليس له لقي . وبين الدارقطني أن فيه انقطاعا آخر وهو أن ابن جريج راويه عن المطلب المذكور لم يسمع من المطلب شيئا كما أن المطلب لم يسمع من أنس شيئا فلم يثبت الحديث بسبب ذلك , وما ذكر أنه لم يسمع من أحد من الصحابة شيئا يرد عليه قول الحافظ المنذري : إنه روى عن أبي هريرة .
وحديث : { ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم } فيه انقطاع وإرسال أيضا , وسكوت أبي داود عليه معترض بأن فيه يزيد بن أبي زياد وليس صالحا للاحتجاج به عند كثيرين . لكن قال أبو عبيد الآجري عن أبي داود لا أعلم أحدا ترك حديثه , وغيره أحب إلي منه . وقال ابن عدي : هو من شيعة أهل الكوفة ومع ضعفه يكتب حديثه انتهى , وبالتعبير فيه بامرئ الشامل للرجل وغيره يعلم أن ذكر الرجل في الحديث الذي قبل هذا إنما هو للغالب .
ومنها : الظاهر من الروضة أنه موافق للرافعي على ما مر عنه من أن ذلك كبيرة فإنه لم يعترضه في الحكم , وإنما أفاد أن الحديث ضعيف على ما مر , ومن ثم جرى مختصرو الروضة وغيرهم على ذلك , وبه يتضح قول الصلاح العلائي في قواعده :
إن النووي قال : اختياري أن نسيان القرآن من الكبائر لحديث فيه انتهى , فأراد باختياره لذلك أنه أقر الرافعي عليه وذلك مشعر باختياره واعتماده . نعم قوله ( لحديث فيه ) فيه نظر لأنه لم يختره لذلك الحديث , كيف وهو مصرح بضعف ذلك الحديث والطعن فيه , إنما سبب تقريره للرافعي على ذلك اتضاحه من جهة المعنى وإن كان في دليله شيء على أن الذي مر أن فيه انقطاعا وإرسالا , وقد يؤخذ من تعداد طرقه التي أشرت إليها فيما مر جبر ما فيه .
وبما وجهت به كلام العلائي مع النظر فيه من الجهة السابقة يعلم ما في قول الجلال البلقيني لم يظهر من كلام النووي اختيار كونه كبيرة خلافا للعلائي , وبذلك أيضا يرد قول الزركشي : إنه في الروضة خالف الرافعي في كون نسيان القرآن كبيرة .
ومنها : قال الخطابي : قال أبو عبيدة : الأجذم المقطوع اليد . وقال ابن قتيبة : الأجذم هاهنا المجذوم . وقال ابن الأعرابي : معناه لا حجة له ولا خير فيه . وجاء مثله عن سويد بن غفلة .
ومنها : قال الجلال البلقيني والزركشي وغيرهما : محل كون نسيانه كبيرة عند من قال به إذا كان عن تكاسل وتهاون انتهى , وكأنه احترز بذلك عما لو اشتغل عنه بنحو إغماء أو مرض مانع له من القراءة وغيرهما من كل ما لا يتأتى معه القراءة , وعدم التأثيم بالنسيان حينئذ واضح لأنه مغلوب عليه لا اختيار له فيه بوجه بخلاف ما إذا اشتغل عنه بما يمكنه القراءة معه , وإن كان ما اشتغل به أهم وآكد كتعلم العلم العيني لأنه ليس من شأن تعلمه الاشتغال به عن القرآن المحفوظ حتى نسي ويؤخذ من قولهم إن نسيان آية منه كبيرة أيضا أنه يجب على من حفظه بصفة من إتقان أو توسط أو غيرهما كأن كان يتوقف فيه أو يكثر غلطه فيه أن يستمر على تلك الصفة التي حفظه عليها فلا يحرم عليه إلا نقصها من حافظته , أما زيادتها على ما كان في حافظته فهو وإن كان أمرا مؤكدا ينبغي الاعتناء به لمزيد فضله إلا أن عدمه لا يوجب إثما ... ومنها : قال القرطبي :
لا يقال حفظ جميع القرآن ليس واجبا على الأعيان , فكيف يذم من تغافل عن حفظه ؟ لأنا نقول : من جمعه فقد علت رتبته وشرف في نفسه وقومه , وكيف لا ؟ ومن حفظه فقد أدرجت النبوة بين جنبيه , وصار ممن يقال : فيه هو من أهل الله وخاصته , فإذا كان كذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية , ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره , وترك معاهدة القرآن يؤدي إلى الجهالة انتهى ) اهـ
من أقوال الحنابلة :
في الفروع لابن مفلح 1/551 :
( ويستحب ختم القرآن في سبع , وهل يكره في أقل أم لا ؟ أم يكره دون ثلاث ؟ فيه روايات , وعنه هو على قدر نشاطه وذكر ابن حزم أنهم اتفقوا على إباحة قراءته كله في ثلاثة أيام واختلفوا في أقل , ويكره فوق أربعين عند أحمد , وقيل يحرم لخوف نسيانه , وقدم بعضهم فيه يكره , وهذا مراد ابن تميم بقوله بحيث ينساه , قال أحمد : ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه )اهـ
مطالب أولي النهى 1/604 :
( ( وكره تأخير ختم ) القرآن ( فوق أربعين ) يوما ( بلا عذر ) , قال أحمد : أكثر ما سمعت ; أن يختم القرآن في أربعين . ولأنه يفضي إلى نسيانه والتهاون به . ( وحرم ) تأخير الختم فوق أربعين ( إن خاف نسيانه قال ) الإمام ( أحمد : ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه ) اهـ
وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/212 :
( مسألة : في رجل يتلو القرآن مخافة النسيان , ورجاء الثواب , فهل يؤجر على قراءته للدراسة ومخافة النسيان أم لا ؟ وقد ذكر رجل ممن ينسب إلى العلم أن القارئ إذا قرأ للدراسة مخافة النسيان أنه لا يؤجر , فهل قوله صحيح أم لا ؟
الجواب : بل إذا قرأ القرآن لله تعالى فإنه يثاب على ذلك بكل حال , ولو قصد بقراءته أنه يقرؤه لئلا ينساه , فإن نسيان القرآن من الذنوب , فإذا قصد بالقراءة أداء الواجب عليه من دوام حفظه للقرآن , واجتناب ما نهي عنه من إهماله حتى ينساه , فقد قصد طاعة الله , فكيف لا يثاب .
وفي الصحيحين : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها } .
وقال صلى الله عليه وسلم : { عرضت علي سيئات أمتي فرأيت من مساوئ أعمالها الرجل يؤتيه الله آية من القرآن فينام عنها حتى ينساها } ) اهـ
وفي كشاف القناع 1/147 وفي المبدع 1/188 :
( اختار الشيخ تقي الدين بأنه يباح لها أن تقرأه إذا خافت نسيانه بل يجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب ) اهـ
تتمة :
في المصنف لابن أبي شيبة (7/162) باب في نسيان القرآن :
(1) حدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد قال : حدثني فلان عن سعد بن عبادة قال : حدثنيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من أحد يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله وهو أجذم } .
(2) حدثنا وكيع عن ابن أبي داود عن الضحاك قال : ما تعلم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } ثم قال الضحاك : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن .
(3)حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم بن أبي أمية عن طلق بن حبيب قال : من تعلم القرآن ثم نسيه من غير عذر حط عنه بكل آية درجة وجاء يوم القيامة مخصوما .
(4) حدثنا وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عرضت علي الذنوب فلم أر فيها شيئا أعظم من حامل القرآن وتاركه) اهـ
تنبيهان :
التنبيه الأول :
ذهب بعض أهل العلم إلى أن النسيان الذي ورد فيه الوعيد هو النسيان بمعنى ترك العمل لا نسيانه بعد حفظه ففي الاستذكار لابن عبد البر 2/487 : ( وقد كان بن عيينة يذهب في أن النسيان الذي يستحق عليه صاحبه اللوم ويضاف إليه فيه الإثم هو الترك للعمل به ومعلوم أن النسيان في كلام العرب الترك قال الله عز وجل ( فلما نسوا ما ذكروا به ) الأنعام 44 أي تركوا وقال ( نسوا الله فنسيهم ) التوبة 67 أي تركوا طاعة الله فترك رحمتهم ونحو ذلك حدثني سعيد بن نصر وإبراهيم بن شاكر قالا حدثنا عبد الله بن عثمان قال حدثنا سعد بن معاذ قال حدثنا بن أبي مريم قال حدثنا نعيم بن حماد قال سمعت سفيان بن عيينة يقول في معنى ما جاء من الأحاديث في نسيان القرآن قال هو ترك العمل بما فيه قال الله تعالى ( اليوم ننسكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) الجاثية 34 وليس من اشتهى حفظه وتفلت منه بناس له إذا كان يحلل حلاله ويحرم حرامه قال : ولو كان كذلك ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم شيئا منه قال الله عز وجل ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) الأعلى 6 7 وقد نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم منه أشياء وقال ذكرني هذا آية أنسيتها ) اهـ . وفي الزواجر لابن احجر الهيتمي 1/201
( وحمل أبو شامة شيخ النووي وتلميذ ابن الصلاح الأحاديث في ذم نسيان القرآن على ترك العمل , لأن النسيان هو الترك لقوله تعالى : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } قال : وللقرآن يوم القيامة حالتان :
إحداهما : الشفاعة لمن قرأه ولم ينس العمل به .
والثانية : الشكاية على من نسيه : أي تركه تهاونا به ولم يعمل بما فيه , قال : ولا يبعد أن يكون من تهاون به حتى نسي تلاوته كذلك انتهى .
وهذا الذي زعم أنه لا يبعد هو المتبادر من النسيان الواقع في الأحاديث السابقة فهو المراد منها خلافا لما زعمه . وسيأتي في حديث البخاري في كتاب الصلاة تشديد عظيم وعذاب أليم لمن أخذ القرآن ثم رفضه ونام عن الصلاة المكتوبة , وهذا ظاهر في النسيان أيضا .) اهـ
التنبيه الثاني :
ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بنسيان القرآن أي نسيه بحيث لا يستطيع أن قرأه من المصحف قال الخادمي في بريقة محمودية 4/194: ( ومنها نسيان القرآن بعد تعلمه ) من القراءة من المصحف لا عن ظهر القلب , وإن ذهب إليه بعض فلا يدخل في الوعيد من حفظ سورة مثلا , ثم نسيها إن قدر على القراءة من المصحف كما مر ... ) اهـ
ولعل مرادهم أنه يرجع إلى المصحف فيتذكر الموضع الذي نسيه بالمراجعة كما تقدم عن ابن حجر الهيتمي ولا يمكن أن يكون مرادهم أنه ينسى القرآن كليا ثم يقرأه من المصحف وإلا لما أمكن وجود شخص ينسى القرآن فيستحق الوعيد المذكور لأن كل من يعر ف القراءة سيقرأه من المصحف ) اهـ
وفي مطالب أولي النهى 1/604
( قال أبو يوسف يعقوب ) , صاحب الإمام أبي حنيفة ( في معنى حديث نسيان القرآن : المراد بالنسيان : أن لا يمكنه القراءة في المصحف ) , وهو من أحسن ما قيل في ذلك .
( ونقل ابن رشد المالكي الإجماع على أن من نسي القرآن لاشتغاله بعلم واجب أو مندوب , فهو غير مأثوم ) اهـ
كتبه / عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
منقوووول
لا شك أن نسيان القرآن مذموم ولكن ما حكم هذا النسيان ؟ ذهب جمهور الفقهاء إلى أن نسيان القرآن الكريم بعد حفظه لغير عذر حرام وعده بعضهم من الكبائر .
وإليك بعض أقوالهم في ذلك
من أقوال الحنفية
قال الخادمي في بريقة محمودية 4/194:
( ومنها نسيان القرآن بعد تعلمه ) ... لأن المعدود هنا ذنب التفريط في محفوظه لعدم تعاهده ودرسه ) اهـ
وفي كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 4/276 :
( قال الشيخ رحمه الله : إنما يصير النسيان عذرا في حق الشرع إذا لم يكن غفلة فأما إذا كان عن غفلة فلا يكون عذرا كما في حق آدم عليه السلام وكنسيان المرء ما حفظه مع قدرته على تذكاره بالتكرار فإنه إنما يقع فيه بتقصيره فيصلح سببا للعتاب ولهذا يستحق الوعيد من نسي القرآن بعدما حفظه مع قدرته على التذكار بالتكرار ) اهـ
من أقوال المالكية :
في الاستذكار لابن عبد البر 2/487 :
( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من حديث سعد بن عبادة أنه قال من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم
قال أبو عمر : ومن حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت علي أجور أمتي حتى يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها وحديث بن مسعود أنه كان يقول تعاهدوا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها ... ) اهـ
من أقوال الشافعية :
وفي مغني المحتاج 1/39 :
(ونسيانه أو شيء منه كبيرة والسنة أن يقول أنسيت كذا لانسيته ويندب ختمه أول نهار أو ليل والدعاء بعده وحضوره والشروع بعده في ختمة أخرى وكثرة تلاوته) اهـ .
وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج 1/447 :
(قال حج في حاشية الإيضاح ظاهر كلامهم توقف التوبة على تمام حفظ ما نسيه من القرآن وتمام قضاء الفوائت وإن كثرت حيث قال وخروج من المظالم بردها أو برد بدلها إن تلفت لمستحقها ما لم يبرئه منها ومنها قضاء نحو صلاة وإن كثرت ويجب عليه صرف سائر زمنه لذلك ما عدا الوقت الذي يحتاج لصرف ما عليه من مؤنة نفسه وعياله وكذا يقال في نسيان القرآن أو بعضه بعد بلوغه ا هـ ) اهـ
وفي طرح التثريب 3/ 102
(الخامسة ) : فيه الحث على تعاهد القرآن بالتلاوة والدرس والتحذير من تعريضه للنسيان بإهمال تلاوته . وفي الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا { بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي . استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها } .
وفي الصحيحين أيضا عن أبي موسى الأشعري مرفوعا { تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها } .
وفي سنن أبي داود والترمذي عن أنس مرفوعا { عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها } , تكلم فيه الترمذي , وفي التنزيل { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا }
وفي سنن أبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا { من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم } ,قيل معناه مقطوع اليد وقيل مقطوع الحجة وقيل منقطع السبب وقيل خالي اليد من الخير صفرها من الثواب وقد ذكر صاحب العدة وهو أبو المكارم الروياني من أصحابنا : أن نسيان القرآن من الكبائر ) اهـ
وفي أسنى المطالب 1/64:
( ونسيانه كبيرة ) , وكذا نسيان شيء منه لخبر { عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها } وخبر { من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله - عز وجل - يوم القيامة أجذم } رواهما أبو داود ) اهـ .
وفي حاشية الرملي عليه :
( قوله : ( ونسيانه كبيرة ) موضعه إذا كان نسيانه تهاونا وتكاسلا ) اهـ
وفي أسنى المطالب أيضا 3/340 قال وهو يعدد الكبائر :
( وَنِسْيَانَ الْقُرْآنِ ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ { عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا } قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ التِّرْمِذِي ) اهـ
وفي فتاوى الرملي 4/376 :
(سئل ) عمن نسي القرآن هل يجب عليه حفظه أم لا فإن قلتم بوجوبه فهل تركه كبيرة وهل يفرق بين البالغ وغيره ؟
( فأجاب ) بأنه إن نسيه وهو بالغ تهاونا وتكاسلا كان نسيانه كبيرة ويجب عليه حفظه إن تمكن منه للخروج عن المعصية ) اهـ
وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي 1/36 :
( وسئل ) رضي الله عنه بما لفظه :
صرحوا بأن نسيان القرآن كبيرة فكيف ذلك مع خبر الصحيحين لا يقول أحدكم نسيت آية كذا وكذا , بل يقول نسيت وخبرهما أنه سمع رجلا يقرأ فقال - رحمه الله - لقد أذكرني آية كنت أسقطتها وما المراد بالنسيان وهل يعذر به إذا كان لاشتغاله بمعيشة عياله التي لا بد منها ؟ وهل يشمل ذلك نسيان الخط بأن كان يقرؤه غيبا , ومن المصحف فصار لا يقرؤه إلا غيبا وفي عكسه هل يحرم أيضا ؟
( فأجاب ) بقوله :
لا تنافي بين الحديثين والحديث الدال على أن نسيان القرآن كبيرة أما الأول فلأن الأمر بأن يقول نسيت بتشديد السين أو أنسيت إنما هو لرعاية الأدب مع الله تعالى في إضافة الأشياء إليه ; لأنها منه بطريق الحقيقة خيرها وشرها , ونسبتها للعبد إنما هي من حيث الكسب والمباشرة فأمرنا برعاية هذه القاعدة العظيمة النفع العزيزة الوقع التي ضل فيها المعتزلة ومن تبعهم كالزيدية , فليس في هذا الحديث أن النسيان كبيرة ولا أنه غير كبيرة كما اتضح مما قررته .
وأما الثاني فهو دليل على أن المراد بالنسيان المحرم أن يكون بحيث لا يمكنه معاودة حفظه الأول إلا بعد مزيد كلفة وتعب لذهابه عن حافظته بالكلية , وأما النسيان الذي يمكن معه التذكر بمجرد السماع أو إعمال الفكر فهذا سهو لا نسيان في الحقيقة فلا يكون محرما وتأمل تعبيره صلى الله عليه وسلم بأسقطتها دون أنسيتها يظهر لك ما قلناه ولا يعذر به وإن كان لاشتغاله بمعيشة ضرورية لأنه مع ذلك يمكنه المرور عليه بلسانه أو قلبه فلم يوجد في المعايش ما ينافي هذا المرور فلم يكن شيء منها عذرا في النسيان نعم المرض المشغل ألمه للقلب واللسان والمضعف للحافظة عن أن يثبت فيها ما كان فيها لا يبعد أن يكون عذرا ; لأن النسيان الناشئ من ذلك لا يعد به مقصرا لأنه ليس باختياره , إذ الفرض أنه شغل قهرا عنه بما لم يمكنه معه تعهده وقد علم مما قررته أن المدار في النسيان إنما هو على الإزالة عن القوة الحافظة بحيث صار لا يحفظه عن ظهر قلب كالصفة التي كان يحفظه عليها قبل . ونسيان الكتابة لا شيء فيه ولو نسيه عن الحفظ الذي كان عنده ولكنه يمكنه أن يقرأه في المصحف لم يمنع ذلك عنه إثم النسيان لأنا متعبدون بحفظه عن ظهر قلب , ومن ثم صرح الأئمة بأن حفظه كذلك فرض كفاية على الأمة , وأكثر الصحابة كانوا لا يكتبون وإنما يحفظونه عن ظهر قلب وأجاب بعضهم عن الحديث الثاني بأن نسيان مثل الآية أو الآيتين لا عن قصد لا يخلو منه إلا النادر وإنما المراد نسيان ينسب فيه إلى تقصير , وهذا غفلة عما قررته من الفرق بين النسيان والإسقاط , فالنسيان بالمعنى الذي ذكرته حرام بل كبيرة ولو لآية منه كما صرحوا به , بل ولو لحرف كما جزمت به في شرح الإرشاد وغيره لأنه متى وصل به النسيان ولو للحرف إلى أن صار يحتاج في تذكره إلى عمل وتكرير فهو مقصر آثم ومتى لم يصل إلى ذلك بل يتذكره بأدنى تذكير فليس بمقصر وهذا هو الذي قل من يخلو عنه من حفاظ القرآن ; فسومح به وما قدمته من حرمة النسيان وإن أمكن معه القراءة من المصحف نقله بعضهم عن جماعة من محققي العلماء وهو ظاهر جلي والله أعلم ) اهـ .
وفي الزواجر لابن احجر الهيتمي 1/201
( الكبيرة الثامنة والستون : نسيان القرآن أو آية منه بل أو حرف ) أخرج الترمذي والنسائي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها } . وأبو داود عن سعد بن عبادة : { ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم } .
وأخرج محمد بن نصر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال : { إن من أكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة لسورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها } . وأخرج ابن أبي شيبة عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {عرضت علي الذنوب فلم أر فيها شيئا أعظم من حامل القرآن وتاركه } : أي بعد ما كان حامله بأن نسيه .
وأخرج أيضا عن سعد بن عبادة : { ما من أحد يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله وهو أجذم } . وأخرج محمد بن نصر عن سعد بن عبادة : { من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم } .
تنبيهات :
عد نسيان القرآن كبيرة هو ما جرى عليه الرافعي وغيره , لكن قال في الروضة : إن حديث أبي داود والترمذي : { عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها } في إسناده ضعف . وقد تكلم فيه الترمذي انتهى .
وكلام الترمذي الذي أشار إليه هو قوله عقبه " غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وذاكرت به محمد بن إسماعيل : أي البخاري فلم يعرفه واستغربه . قال محمد : ولا نعرف للمطلب بن حنطب أي رواية سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال عبد الله : وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس . " انتهى كلام الترمذي
وبه يعلم أن مراد النووي بقوله " في إسناده ضعف " أي انقطاع لا ضعف في الراوي الذي هو المطلب لأنه ثقة كما قاله جماعة . لكن قال محمد بن سعيد : لا يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا وليس له لقي . وبين الدارقطني أن فيه انقطاعا آخر وهو أن ابن جريج راويه عن المطلب المذكور لم يسمع من المطلب شيئا كما أن المطلب لم يسمع من أنس شيئا فلم يثبت الحديث بسبب ذلك , وما ذكر أنه لم يسمع من أحد من الصحابة شيئا يرد عليه قول الحافظ المنذري : إنه روى عن أبي هريرة .
وحديث : { ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم } فيه انقطاع وإرسال أيضا , وسكوت أبي داود عليه معترض بأن فيه يزيد بن أبي زياد وليس صالحا للاحتجاج به عند كثيرين . لكن قال أبو عبيد الآجري عن أبي داود لا أعلم أحدا ترك حديثه , وغيره أحب إلي منه . وقال ابن عدي : هو من شيعة أهل الكوفة ومع ضعفه يكتب حديثه انتهى , وبالتعبير فيه بامرئ الشامل للرجل وغيره يعلم أن ذكر الرجل في الحديث الذي قبل هذا إنما هو للغالب .
ومنها : الظاهر من الروضة أنه موافق للرافعي على ما مر عنه من أن ذلك كبيرة فإنه لم يعترضه في الحكم , وإنما أفاد أن الحديث ضعيف على ما مر , ومن ثم جرى مختصرو الروضة وغيرهم على ذلك , وبه يتضح قول الصلاح العلائي في قواعده :
إن النووي قال : اختياري أن نسيان القرآن من الكبائر لحديث فيه انتهى , فأراد باختياره لذلك أنه أقر الرافعي عليه وذلك مشعر باختياره واعتماده . نعم قوله ( لحديث فيه ) فيه نظر لأنه لم يختره لذلك الحديث , كيف وهو مصرح بضعف ذلك الحديث والطعن فيه , إنما سبب تقريره للرافعي على ذلك اتضاحه من جهة المعنى وإن كان في دليله شيء على أن الذي مر أن فيه انقطاعا وإرسالا , وقد يؤخذ من تعداد طرقه التي أشرت إليها فيما مر جبر ما فيه .
وبما وجهت به كلام العلائي مع النظر فيه من الجهة السابقة يعلم ما في قول الجلال البلقيني لم يظهر من كلام النووي اختيار كونه كبيرة خلافا للعلائي , وبذلك أيضا يرد قول الزركشي : إنه في الروضة خالف الرافعي في كون نسيان القرآن كبيرة .
ومنها : قال الخطابي : قال أبو عبيدة : الأجذم المقطوع اليد . وقال ابن قتيبة : الأجذم هاهنا المجذوم . وقال ابن الأعرابي : معناه لا حجة له ولا خير فيه . وجاء مثله عن سويد بن غفلة .
ومنها : قال الجلال البلقيني والزركشي وغيرهما : محل كون نسيانه كبيرة عند من قال به إذا كان عن تكاسل وتهاون انتهى , وكأنه احترز بذلك عما لو اشتغل عنه بنحو إغماء أو مرض مانع له من القراءة وغيرهما من كل ما لا يتأتى معه القراءة , وعدم التأثيم بالنسيان حينئذ واضح لأنه مغلوب عليه لا اختيار له فيه بوجه بخلاف ما إذا اشتغل عنه بما يمكنه القراءة معه , وإن كان ما اشتغل به أهم وآكد كتعلم العلم العيني لأنه ليس من شأن تعلمه الاشتغال به عن القرآن المحفوظ حتى نسي ويؤخذ من قولهم إن نسيان آية منه كبيرة أيضا أنه يجب على من حفظه بصفة من إتقان أو توسط أو غيرهما كأن كان يتوقف فيه أو يكثر غلطه فيه أن يستمر على تلك الصفة التي حفظه عليها فلا يحرم عليه إلا نقصها من حافظته , أما زيادتها على ما كان في حافظته فهو وإن كان أمرا مؤكدا ينبغي الاعتناء به لمزيد فضله إلا أن عدمه لا يوجب إثما ... ومنها : قال القرطبي :
لا يقال حفظ جميع القرآن ليس واجبا على الأعيان , فكيف يذم من تغافل عن حفظه ؟ لأنا نقول : من جمعه فقد علت رتبته وشرف في نفسه وقومه , وكيف لا ؟ ومن حفظه فقد أدرجت النبوة بين جنبيه , وصار ممن يقال : فيه هو من أهل الله وخاصته , فإذا كان كذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية , ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره , وترك معاهدة القرآن يؤدي إلى الجهالة انتهى ) اهـ
من أقوال الحنابلة :
في الفروع لابن مفلح 1/551 :
( ويستحب ختم القرآن في سبع , وهل يكره في أقل أم لا ؟ أم يكره دون ثلاث ؟ فيه روايات , وعنه هو على قدر نشاطه وذكر ابن حزم أنهم اتفقوا على إباحة قراءته كله في ثلاثة أيام واختلفوا في أقل , ويكره فوق أربعين عند أحمد , وقيل يحرم لخوف نسيانه , وقدم بعضهم فيه يكره , وهذا مراد ابن تميم بقوله بحيث ينساه , قال أحمد : ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه )اهـ
مطالب أولي النهى 1/604 :
( ( وكره تأخير ختم ) القرآن ( فوق أربعين ) يوما ( بلا عذر ) , قال أحمد : أكثر ما سمعت ; أن يختم القرآن في أربعين . ولأنه يفضي إلى نسيانه والتهاون به . ( وحرم ) تأخير الختم فوق أربعين ( إن خاف نسيانه قال ) الإمام ( أحمد : ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه ) اهـ
وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/212 :
( مسألة : في رجل يتلو القرآن مخافة النسيان , ورجاء الثواب , فهل يؤجر على قراءته للدراسة ومخافة النسيان أم لا ؟ وقد ذكر رجل ممن ينسب إلى العلم أن القارئ إذا قرأ للدراسة مخافة النسيان أنه لا يؤجر , فهل قوله صحيح أم لا ؟
الجواب : بل إذا قرأ القرآن لله تعالى فإنه يثاب على ذلك بكل حال , ولو قصد بقراءته أنه يقرؤه لئلا ينساه , فإن نسيان القرآن من الذنوب , فإذا قصد بالقراءة أداء الواجب عليه من دوام حفظه للقرآن , واجتناب ما نهي عنه من إهماله حتى ينساه , فقد قصد طاعة الله , فكيف لا يثاب .
وفي الصحيحين : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها } .
وقال صلى الله عليه وسلم : { عرضت علي سيئات أمتي فرأيت من مساوئ أعمالها الرجل يؤتيه الله آية من القرآن فينام عنها حتى ينساها } ) اهـ
وفي كشاف القناع 1/147 وفي المبدع 1/188 :
( اختار الشيخ تقي الدين بأنه يباح لها أن تقرأه إذا خافت نسيانه بل يجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب ) اهـ
تتمة :
في المصنف لابن أبي شيبة (7/162) باب في نسيان القرآن :
(1) حدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد قال : حدثني فلان عن سعد بن عبادة قال : حدثنيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من أحد يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله وهو أجذم } .
(2) حدثنا وكيع عن ابن أبي داود عن الضحاك قال : ما تعلم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } ثم قال الضحاك : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن .
(3)حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم بن أبي أمية عن طلق بن حبيب قال : من تعلم القرآن ثم نسيه من غير عذر حط عنه بكل آية درجة وجاء يوم القيامة مخصوما .
(4) حدثنا وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عرضت علي الذنوب فلم أر فيها شيئا أعظم من حامل القرآن وتاركه) اهـ
تنبيهان :
التنبيه الأول :
ذهب بعض أهل العلم إلى أن النسيان الذي ورد فيه الوعيد هو النسيان بمعنى ترك العمل لا نسيانه بعد حفظه ففي الاستذكار لابن عبد البر 2/487 : ( وقد كان بن عيينة يذهب في أن النسيان الذي يستحق عليه صاحبه اللوم ويضاف إليه فيه الإثم هو الترك للعمل به ومعلوم أن النسيان في كلام العرب الترك قال الله عز وجل ( فلما نسوا ما ذكروا به ) الأنعام 44 أي تركوا وقال ( نسوا الله فنسيهم ) التوبة 67 أي تركوا طاعة الله فترك رحمتهم ونحو ذلك حدثني سعيد بن نصر وإبراهيم بن شاكر قالا حدثنا عبد الله بن عثمان قال حدثنا سعد بن معاذ قال حدثنا بن أبي مريم قال حدثنا نعيم بن حماد قال سمعت سفيان بن عيينة يقول في معنى ما جاء من الأحاديث في نسيان القرآن قال هو ترك العمل بما فيه قال الله تعالى ( اليوم ننسكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) الجاثية 34 وليس من اشتهى حفظه وتفلت منه بناس له إذا كان يحلل حلاله ويحرم حرامه قال : ولو كان كذلك ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم شيئا منه قال الله عز وجل ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) الأعلى 6 7 وقد نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم منه أشياء وقال ذكرني هذا آية أنسيتها ) اهـ . وفي الزواجر لابن احجر الهيتمي 1/201
( وحمل أبو شامة شيخ النووي وتلميذ ابن الصلاح الأحاديث في ذم نسيان القرآن على ترك العمل , لأن النسيان هو الترك لقوله تعالى : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } قال : وللقرآن يوم القيامة حالتان :
إحداهما : الشفاعة لمن قرأه ولم ينس العمل به .
والثانية : الشكاية على من نسيه : أي تركه تهاونا به ولم يعمل بما فيه , قال : ولا يبعد أن يكون من تهاون به حتى نسي تلاوته كذلك انتهى .
وهذا الذي زعم أنه لا يبعد هو المتبادر من النسيان الواقع في الأحاديث السابقة فهو المراد منها خلافا لما زعمه . وسيأتي في حديث البخاري في كتاب الصلاة تشديد عظيم وعذاب أليم لمن أخذ القرآن ثم رفضه ونام عن الصلاة المكتوبة , وهذا ظاهر في النسيان أيضا .) اهـ
التنبيه الثاني :
ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بنسيان القرآن أي نسيه بحيث لا يستطيع أن قرأه من المصحف قال الخادمي في بريقة محمودية 4/194: ( ومنها نسيان القرآن بعد تعلمه ) من القراءة من المصحف لا عن ظهر القلب , وإن ذهب إليه بعض فلا يدخل في الوعيد من حفظ سورة مثلا , ثم نسيها إن قدر على القراءة من المصحف كما مر ... ) اهـ
ولعل مرادهم أنه يرجع إلى المصحف فيتذكر الموضع الذي نسيه بالمراجعة كما تقدم عن ابن حجر الهيتمي ولا يمكن أن يكون مرادهم أنه ينسى القرآن كليا ثم يقرأه من المصحف وإلا لما أمكن وجود شخص ينسى القرآن فيستحق الوعيد المذكور لأن كل من يعر ف القراءة سيقرأه من المصحف ) اهـ
وفي مطالب أولي النهى 1/604
( قال أبو يوسف يعقوب ) , صاحب الإمام أبي حنيفة ( في معنى حديث نسيان القرآن : المراد بالنسيان : أن لا يمكنه القراءة في المصحف ) , وهو من أحسن ما قيل في ذلك .
( ونقل ابن رشد المالكي الإجماع على أن من نسي القرآن لاشتغاله بعلم واجب أو مندوب , فهو غير مأثوم ) اهـ
كتبه / عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
منقوووول