محمد عبد المعطي محمد
New member
النسخ في كتاب الله تعالى من الإشكاليات التي توقف إزاءها العلماء فأثبته جمهور أهل السنة وتوقف في إثباته بعضهم ونفاه آخرون من المعتزلة وغيرهم.
وقد غلا فيه أقوام حتى أدخلوا فيه ما ليس منه، وأولعوا بالتقسيم والتضخيم لحجم النسخ في كتاب الله تعالى حتى انعكست لديهم الحقائق الضرورية التي أثبتها كتاب الله تعالى من أن المحكم هو "أم الكتاب" ومعظمه وأصله والمنسوخ هو القليل الذي يرد إلى المحكم فيعلم.
وقد اختلف علماء الفقه والأصول في تعريف النسخ اختلافا كثيرا...
والتعريف الأشهر والأيسر أن يقال فيه: هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه في ترتيب النزول .
ولن نتعرض لنقاش الحد هنا لضيق المقام.
ولكن لنا وقفة مع تقسيم بخصوصه من تقسيمات النسخ هو مشكل جدا.
فقد قسم كثير من العلماء النسخ باعتبار التلاوة والحكم إلى ثلاثة أقسام:
(1) ما نسخت تلاوته وبقى حكمه.
(2) ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته.
(3) ما نسخت تلاوته وحكمه.
وإشكالنا مع النوع الأول ويتبعه في أصل النقاش النوع الثالث، فإن نسخ الحكم وبقاء التلاوة من الإنصاف إثباته وهو واقع لا محالة ، وإن كان التفصيل في نقاش الآيات التي وقع فيها في مشاركة وبحث آخر بإذن الله تعالى.
القسم الأول: ما نسخت تلاوته وبقى حكمه:
وفي الحقيقة لقد توقفت كثيرا أمام إثبات وجود هذا النسخ في كتاب الله تعالى، خصوصا أن أمثلته محدودة جداً تكاد تُعَدُّ على الأصابع ومناقشتها ربما تؤدي بإثبات وجود هذا النوع من النسخ إلى شكٍ كبير.
( وحكى القاضي أبو بكر الباقلاني في (الانتصار) عن قوم إنكار هذا القسم لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال أبو بكر الرازي: نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله: {إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} ولا يعرف اليوم منها شيء ثم لا يخلو ذلك من أن يكون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا توفي لا يكون متلوا في القرآن أو يموت وهو متلو موجود في الرسم ثم ينسيه الله ويرفعه من أذهانهم وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ) انتهى ( )
أقول: وفي هذا الذي قاله الرازي مشكل فقد خلط الرجل بين ( الإنساء) و(التنسية) و(الرفع) لآياتٍ بحيث لم تعد قرآنا بعد ان كانت ولا يوجد نصها معنا أصلاً، خلط بين ذلك وبين ( النسخ) الذي هو (إبدال آيةٍ مكان آيةٍ).
ثم إن مثبتوا هذا النوع من النسخ (نسخ التلاوة مع بقاء الحكم) ردوا على ما حكاه القاضي أبي بكر ونقلناه آنفا، (بأن ثبوت النسخ شيء ، وثبوت نزول القرآن شيء آخر ، فثبوت النسخ يكفي فيه الدليل الظني بخبر الآحاد ، أمَّا ثبوت نزول القرآن فهو الذي يشترط فيه الدليل القطعي بالخبر المتواتر ، والذي معنا ثبوت النسخ لا ثبوت القرآن فيكفى فيه أخبار الآحاد ).( )
قلتُ: وهذا أيضا لم يصنع شيئاً فالحديث عن النسخ حديث عن القرآن بالأصالة، وإثبات النسخ إثبات لآياتٍ من القرآن، وهذا يفتح الباب أمام ادعاءات آحادٍ ظنية الثبوت لإثبات وجود ما لا يثبت بغير التواتر من القرآن، وفيه فتح لبابٍ لئيم من أبواب الكذب على الله تعالى وكلامه ممن لا دين عندهم كالروافض الذين يتهمون الصحابة بإخفاء آيات الولاية لعلى من القرآن.فتنبه.
فقد روى أنه كان في سورة النور آية ثم نُسخت تلاوتها وبقى حكمها وهى: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله».
وقبل كل شئ أود أن أنبه القارئ الكريم أن الصحيحين كليهما لم يذكرا لفظ الآية المزعومة، وإنما كانت الإشارة إلى وجود الرجم في كتاب الله تعالى ورواية مسلم فيها في كتاب الحدود – بسنده- يقول: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف ".
وأود هنا أن أحيل القارئ على دراسة الشيخ الألباني لهذه الروايات التي ذكرت ذلك في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( )، ومنها نتوقف بعض الوقفات التي ربما تساعدنا في فك إشكالية مهمة في موضوع النسخ في القرآن الكريم بين تطرف النفى الكامل، وتطرف الإفراط في دعوى النسخ ، ووقفاتنا الآتية تساعد في الجواب على بعض ما عَنَّ لي شخصيا من تساؤلات، فغاية العلم الأولى التساؤل الذي يفضي إلى البحث والتأمل والذي بدوره يفك طلاسم الشك، ويقترب من اليقين، خصوصاً إذا كان موضع كهذا يُستغَل من قِبل المنافقين والمحاربين للإسلام لتوجيه حرابهم المسمومة نحو صدره، فالقول ابتداءاً بوجود قرآن نزل ثم رُفع يحدو بالمشكِّك والشانئ أن يدعي أن قرآناً نزل وأخفته الصحابة وادعوا نسخه، فما يقال أنه يقع في القليل يمكن أن يعمِّمه الذين في قلوبهم مرض ليدعوا أكثر من ذلك، وأقرب مثال ما يرويه الروافض من أكاذيب، فلنتنبه، وهنا نقاط هامة ومقدمات لابد منها :-
النقطة الأولى
1-لابد من تقرير المسلَّمة التي تقضي بأن كتاب الله تعالى قد بلغنا (كاملاً) كما نزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حرفاً حرفاً بغير زيادةٍ ولا نقصٍ ألبتة بطريق التواتر جيلا عن جيل، وأن الله تعالى كفل حفظه من الزيادة والنقص والتحريف، فكان كتاب الله ما بين دفتىْ المصحف كما نزل تاما مرتَّبا آياته على توقيفٍ من الله تعالى تظاهرت الأمة على حفظه واليقين بتمامه، وكل تشكيك متعمَّد في هذا يعني فتح باب من أبواب الكفر بالله وكتابه.
النقطة الثانية
2-ولابد من تقرير أن القرآن الكريم المتلو المتعبّد به لا يثبت إلا من طريق التواتر، وأن طرق الآحاد فيه لا تثبت إلا شواذ القراءات، والتي ليس لها حجة القرآن الكريم، ولا يجوز التعبد بها.
والتواتر – كما يعرفه العلماء - هو نقل جمعٍ عن جمع يؤمَن تواطؤهم على الكذب، في كل طبقة، من أول السند إلى منتهاه.
وقال النويرى: (القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة، منهم الغزالى وصدر الشريعة، وموفق الدين المقدسى وابن مفلح والطوفى، هو: ما نقل بين دفتى المصحف نقلا متواترا. وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر- كما قال ابن الحاجب رحمه الله- لأن التواتر عندهم جزء من الحد، فلا يتصور ماهية القرآن إلا به. وحينئذ فلا بد من حصول التواتر عند أئمة المذاهب الأربعة، ولم يخالف منهم أحد فيما علمت- بعد الفحص الزائد- وصرح به جماعات لا يحصون كابن عبد البر وابن عطية وابن تيمية والتونسى فى تفسيره، والنووى والسبكى والإسنوى والأذرعى والزركشى والدميرى والشيخ خليل وابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم رحمهم الله.
وأما القراء فأجمعوا فى أول الزمان على ذلك، وكذلك فى آخره ، بل هو الحق الذى لا محيد عنه).( )
ففى تفسير القرطبى: أنه يُعلم على القطع والبتات، أن قراءة القرآن تلقينا متواترة عن كافة المشايخ، جيلا فجيلا، إلى العصر الكريم، إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وذكر القاضي عبد الجبار المعتزلي: أن كون القرآن منقول بالتواتر، معلوم بالضرورة.
والأصل أن القرآن متواتر بتفاصيله وجوبا.
والتفاصيل المتواترة وجوبا- أو التي دلّ الدليل على وجوب تواترها- هى إجمالا: المتن، والهيئة، وعدم الزيادة، وعدم النقصان، بل يدخلان فى الهيئة.
قال الغزالى: (حد الكتاب ما نقل إلينا بين دفتى المصحف على الأحرف السبعة المشهورة نقلا متواترا. ونعنى بالكتاب القرآن المنزّل.
وقيدناه بالمصحف لأن الصحابة بالغوا فى الاحتياط فى نقله، حتى كرهوا التعاشير والنقط، وأمروا بالتجريد كيلا يختلط بالقرآن غيره. «ونقل إلينا متواترا، فنعلم أن المكتوب فى المصحف المتفق عليه هو القرآن، وأن ما هو خارج عنه ليس منه، إذ يستحيل فى العرف والعادة مع توافر الدواعى على حفظه أن يهمل بعضه فلا ينقل أو يخلط به ما ليس منه».
قالوا اتفاقا: ما نُقل آحادا فليس بقرآن قطعا، ولم يعرف فيه خلاف لواحد من أهل المذاهب، واستدل بأن القرآن مما تتوافر الدواعى على نقله، لتضمّنه التحدى، ولأنه أصل الأحكام، باعتبار المعنى والنظم جميعا، حتى تعلق بنظمه أحكام كثيرة، ولأنه يتبرك به فى كل عصر بالقراءة. والقرآن الكريم منقول بهذه الصفة فى كل طبقة...).
وقال السيوطى: (لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا فى أصله وأجزائه، وأما فى محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققى أهل السنة. للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله، لأن هذا المعجز العظيم، الذى هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم مما تتوافر الدواعى على نقل جمله وتفاصيله. فما نقل آحادا، ولم يتواتر يُقطَع بأنه ليس من القرآن).( )
وبهذا اتضحت دلالة النقل، والعقل، والواقع الماثل للعيان على تواتر القرآن وجوبا، جملة، وتفصيلا، مادة وهيئة، ومحلا.
- ويؤخذ من التواتر القطع بأنه لا وصف لشيءٍ من القرآن وراء التواتر البتة من شهرة أو صحة غير مصحوبة بالتواتر، فضلا عما دون ذلك.
- ويؤخذ مما سلف- وخصوصا من كلام الغزالى- أن تواتر القرآن يدفع فرية الزيادة فيه، وفرية النقص منه، ويقطع دابرهما.
- ويؤخذ من جملة الأدلة أنه لا سبيل أصلا إلى القطع بنموذج لقرآن منسوخ التلاوة، لأنه لا تُدَّعى قرآنيته اليوم، ولا يدل دليل قطعى على أنه كان متواترا، فكيف يُقال إنه كان قرآنا؟!، أو يجب الإيمان بأنه كان قرآنا؟!. هكذا يقال فى كل نموذج على حدته.
- أما إذا بلغ عدد النماذج إلى ما يفيد التواتر المعنوى فإنه يفيد القطع- فى الجملة- بأن من القرآن ما نسخت تلاوته.
- (أقول – الباحث: على أن التواتر المعنوي عينه مختَلفٌ فيه، وخصوصا إذا كان الحديث عن إثبات كلام لله سبحانه تعالى في كتابه.
(أقول: وهنا لا يقين ابتداءاً بوجود مثل هذا التواتر المعنوي(!!) فيما نقل من الآيات المدَّعى نسخها تلاوةً بروايات الآحاد، كما أن الإيمان بوجود ما نسخ من كتاب الله تلاوة ( بالجملة) لا يعني الإيمان بألفاظ تلك الآيات المدَّعاة؛ خصوصاً مع الركاكة التي لا تمت لنظم القرآن بصلة، وإن ظل هذا رأياً مبدئياً يحتاج منا لتقريره وبيانه بالأدلة الآتية بعد...)
وأما إذا ثبت نموذج ثبوتا ظنيا، وأفاد هذا النموذج حكما عمليا فإن الأخذ به (أقول: أى قبول الحكم دون النص) يصح عند الجمهور، شأنه شأن العمل بالقراءة الشاذة.( )
أقول – الباحث:
وحينئذٍ يبقى معنا التفصيل في المسألة ليكون:
أولاً: قبول وجود نسخ التلاوة نظرياً في جملته، وبأنه كان هناك آيات نزلت بأحكامٍ معينة فرُفعت الآيات من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وبقي الحكم ثابتا، هذا على جملته، وهذا ما أثبتته روايات ( الصحيحين) خاصةً، وما ثبت من رفع آيات من القرآن ، كما مر في تفسير آية النسخ.
ثانيا: عدم قبول نصوص آيات لم تُنقل لنا بطريق نقل القرآن العظيم، ذلك الطريق التواتر الذي لا يكون قرآنا ما ينقَل بسواه، وحيث أننا يمكننا أن نقبل رفع آياتٍ من صدر الرسول والمؤمنين إجمالاً ، فإن نقل نصوص تلك الآيات بطرق الآحاد- والتي رُفعت من الأساس – لا يجعلها قرآناً، خصوصاً إذا اضطرب النقل كثيراً، وخرج عن فصاحة وبلاغة النظم القرآني.
كل ذلك مع ما أصلناه أن القرآن المنقول بالتواتر هو ما ما بين دفتىْ المصحف على أحرفه السبع، وليس شئٌ سواه.
وحينها نؤمن يقيناً أن جمع القرآن على ما وصلنا بين دفتى المصحف هو أمر إلهي مكفول من الله تعالى كما قال سبحانه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} (القيامة: 16 - 19)، وكما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } (الحجر: 9، 10). أي من التحريف والزيادة والنقصان كما فسره العلماء وأجمعت الأمة.
****
النقطة الثالثة.
3-ولابد من فهم أن الوحى الملقى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام نوعان: الوحى المتلقَى بلفظه السماوي ومعناه وهو المتلو المتعبَّد به الذي تصح به الصلاة وهو القرآن ولا يصح إلا بطريق التواتر،والنوع الاخر وهو الوحى المتلقى بمعناه فقط وبلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو غير المتلو ويصح بطريق التواتر وبآحاد الثقة العدل.
ولذلك خشى رسول الله التباس القرآن بما يُروَى عنه من السنة لعظيم اعتناء الصحابة بالدين كله قرءانا وسنة، فمنع كتابة السنة في أول الأمر؛ فلما استقر القرآن في الصدور وتميَّز أباح صلى الله عنه وسلم كتابة السنة.
كما أن الباحث المنصف في علوم القرآن يعلم أن الصحابة كانوا يسجلون أحيانا تفسيرات نبوية، وتفسيرات لهم علموها على مصاحفهم التي كانوا ينسخونها لأنفسهم؛ لأنهم كانوا يأمنون اللبس ويفرِّقون بين ما هو قرآن وما كان غير قرآن.
وعلى ذلك يُفَسَّر الحديث الذي رواه مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا ثُمَّ قَالَتْ: إذَا بَلَغْتُ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذَنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: 238)، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» ثُمَّ قَالَتْ سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
قال العلامة أبو الوليد الباجي:
قَوْلُهُ: ( أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا) يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ جَمْعِ الْقُرْآنِ فِي مُصْحَفٍ، وَقَبْلَ أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الْمَصَاحِفِ الَّتِي كَتَبَ بِهَا عُثْمَانُ إلَى الْأَمْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَاحِفِ إلَّا مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، وَثَبَتَ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّهُ قُرْآنٌ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يُكْتَبُ مِنْ مَعْنَى التَّفْسِيرِ فَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ (فَلَمَّا بَلَغْتهَا آذَنْتهَا) إنَّمَا أَمَرَتْ أَنْ يَسْتَأْذِنَهَا لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تُمْلِيَ عَلَيْهِ زِيَادَةً لَمْ تَكُنْ ثَبَتَتْ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي كَانَ يَنْتَسِخُ مِنْهُ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِمَّا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْسَخَ مِنْهُ وَإِنَّمَا رَوَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرَادَتْ أَنْ تُثْبِتَهَا فِي الْمُصْحَفِ لِذَلِكَ. انتهى.( )
أقول – الباحث : فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ – رضى الله عنها – زِيَادَةً على الْمَحْفُوظِ مِنْ التِّلَاوَةِ ، وهى زيادة تفسيرية أو في قوة المتلو للتأكيد على أهمية صلاة العصر، كما سمعت رسول الله يؤكد عليها، وإلا فما داعي أن يؤذنها بهذا الموضع لو كان بين يديه وبين أيدي الصحابة نفس الزيادة مُقررةٌ في المصحف المُعتمد المتواتر بينهم، فتأمل.
ولنتأمل أيضا ما روى البخاري في صحيحه ( 5019 ) : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ، عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: «مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ»، قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: «مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ» أى الجلدتين اللتين على جانبي المصحف.
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ قَالَ لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ)
أَيْ مَا فِي الْمُصْحَفِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُرْآنَ مَجْمُوعًا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُثْمَانَ.
وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ ذَهَبَ لِذَهَابِ حَمَلَتِهِ ؛ وَهُوَ شَيْءٌ اخْتَلَقَهُ الرَّوَافِضُ لِتَصْحِيحِ دَعْوَاهُمْ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ وَاسْتِحْقَاقِهِ الْخِلَافَةَ عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ثَابِتًا فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَتَمُوهُ، وَهِيَ دَعْوَى بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكْتُمُوا (أحاديث في فضل ومناقب على) مِثْلَ " أَنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى" وَغَيْرَهَا مِنَ الظَّوَاهِرِ الَّتِي قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهَا مَنْ يَدَّعِي إِمَامَتَهُ،كَمَا لَمْ يَكْتُمُوا مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ أَوْ يُخَصِّصُ عُمُومَهُ أَوْ يُقَيِّدُ مُطْلَقَهُ.
وَقَدْ تَلَطَّفَ الْمُصَنِّفُ (أى البخاري رضى الله عنه) فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الرَّافِضَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَحَدِ أَئِمَّتِهِمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِمَامَتَهُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ بن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِيهِ لَكَانَ هُوَ أَحَقُّ النَّاس بالاطلاع عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ابن عَبَّاس فَإِنَّهُ بن عَمِّ عَلِيٍّ وَأَشَدُّ النَّاسِ لَهُ لُزُومًا وَاطِّلَاعًا عَلَى حَالِهِ.
(قلت- أي الباحث: ونفى مثل هؤلاء أن يكون شيئا في القرآن أُنزل ولم يُنسخ وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في العرضة الأخيرة والنهائية للقرآن ثم كتمه الصحب الكرام.. نفى هذا من مثل هؤلاء أكبر رد رده البخاري على الروافض فضَّ الله ضلالهم).
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي (خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ) – بسنده - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا قَوْلُهُ: " أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ" ، وفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ : " شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ" ... وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: " لَمْ يَدَعْ إِلَّا مَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ " أَيْ لَمْ يَدَعْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يُتْلَى إِلَّا مَا هُوَ دَاخِلُ الْمُصْحَفِ الْمَوْجُودِ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ (عند البخاري) عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " مَا عِنْدَنَا إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ لِأَنَّ عَلِيًّا أَرَادَ الْأَحْكَامَ الَّتِي كَتَبَهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَنْفِ أَنَّ عِنْدَهُ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لم يكن كتبهَا ، وَأما جَوَاب بن عَبَّاس وبن الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّمَا أَرَادَا مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي يُتْلَى ،... إلخ ( )
وَقد ذُكر هَذَا الحَدِيث فِي معرض الِاسْتِدْلَال على الروافض، وَبَيَان بطلَان دَعوَاهُم بقول مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة ( ) ، وَبقول عبد الله بن عَبَّاس.
وَفِيه نُكْتَة لطفية من البُخَارِيّ حَيْثُ اسْتدلَّ على الروافض فِي بطلَان مَذْهَبهم بِمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة الَّذين يدعونَ إِمَامَته. فَلَو كَانَ شَيْء يتَعَلَّق بإمامة أَبِيه عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما كَانَ يَسعهُ كِتْمَانه لجلاله قدره وَقُوَّة دينه، وَكَذَلِكَ اسْتدلَّ بقول ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهُ ابْن عمر عَليّ بن أبي طَالب وَأَشد النَّاس لَهُ لُزُوما وإطلاعا على حَاله، فَلَو كَانَ عِنْده شَيْء من ذَلِك مَا وَسعه كِتْمَانه لِكَثْرَة علمه وَقُوَّة دينه وجلالة قدره.( )
فإن قلت: قد ترك من الحديث ما هو مثل القرآن أو أكثر؟
قلتُ: معناه ما ترك مكتوبا بأمره إلا القرآن وأما قصة أبي قتادة فهي نادرة.
فإن قلت: سبق في باب كتابه العلم أنه قيل لعلى: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أو فهمه، أو ما في هذه الصحيفة؟
قلتُ: لعلها لم تكن مكتوبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد يجاب بأن بعض الناس كانوا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه ؛ فالسؤال هو عن شيء يتعلق بذكر الإمامة. فقال: ما تركت شيئا متعلقا بذكرها إلا ما بين الدفتين من الآيات التي يُتمسك بها في الإمامة.( )
أقول: والخلاصة في هذا أنَّ القرآن هو معجزة الله المنزل بالوحي، والمأخوذ بالتلقي. لفظه ومعناه من عند الله وقد ضمن الله جمعه، وحفظه، فلا يمكن لمخلوق أن يغيره وترتيبة، وناسخة ومنسوخه، كل من عند الله تعالى وبأمره، لا مجال فيه للإجتهاد. فلله وحده تبديل ونسخ ما شاء وإبقاء وإثبات ما شاء، وهو ما كان في فترة نزول الوحي المخصوص بالعصر النبوي، الذي استقر فيه ما أثبته الله تعالى. والآيات القرآنية هى ما استقر بأيدينا في آخر عصر النبوة؛ وهى ما صدر للصحابة الأمر المؤكد بإثباته ونقله، واستقر الأمر عليه، فكانت كل آياته معلومة ومحفوظة، وأما جمع القرآن بعد العصر النبوي؛ فهو عملية تكميلية لحفظ القرآن بكتابته في مصحف واحد بعد ما كان في مواضع متفرقة. وهو المنقول بالتواتر، وعليه إجماع المسلمين. وآياته ثابته الحكم والتلاوة، ويوجد في بعضها الناسخ أو المنسوخ، ولا يثبت فيه النسخ إلا بالإجماع والنقل المتواتر لما ثبت في عصر النبوة.
****
النقطة الرابعة
4-أن الصحابة الكرام لم يكونوا يفرقون على مستوى الحجية والعمل بين القرآن المتلو والسنة المروية..
وكانوا يرون ذلك كله كتاب الله أي قضاؤه وحكمه ومنهجه الذي وضعه للناس ليبتليهم في العمل به، وهذا ما كانوا يرونه في حد الرجم على الزاني المحصن حيث يعتقدونه حكم الله الذي يجب العمل به...
وفي صحيح مسلم (1697 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنْشُدُكَ اللهَ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الْآخَرُ: وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ»، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ".
قال العلامة الخطابي رحمه الله:
قوله صلى الله عليه وسلم " والله لأقضين بينكما بكتاب الله" يُتأوَّل على وجوه :
أحدها : أن يكون معنى الكتاب الفرض والايجاب يقول: لأقضين بينكما بما فرضه الله وأوجبه؛ إذ ليس في كتاب الله ذكر الرجم منصوصا متلوا كذكر الجَلْد والقطع والقتل في الحدود والقصاص. وقد جاء في الكتاب بمعنى الفرض كقوله عز وجل {كتاب الله عليكم} (النساء: 24)، وكقوله {كُتب عليكم القصاص} (البقرة: 178) أي فرض، وقال عز وجل {وكتبنا عليهم فيها} (المائدة: 45) أي فرضنا وأوجبنا.
ووجه آخر: وهو أن ذكر الرجم وإن لم يكن منصوصاً عليه باسمه الخاص فإنه مذكور في الكتاب على سبيل الإجمال والإبهام ولفظ التلاوة منطوٍ عليه وهو قوله {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} (النساء: 16) والأذى يتسع في معناه للرجم ولغيره من العقوبة. وقد قيل : إن هذه الآية لما نسخت سقط الاستدلال بها وبمعناها.
وفيه وجه آخر: وهو أن الأصل في ذلك قوله {أو يجعل الله لهن سبيلا} (النساء: 15) فضمن الكتاب أن يكون لهن سبيل فيما بعد ؛ ثم جاء بيانه في السنة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني ؛ قد جعل الله لهن سبيلا؛ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" ( قلت: فكان السبيل في كتاب الله مجملا بينته السنة) .
ووجه رابع : وهو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قرأناها فيما أنزل الله " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " وهو ما رفعت تلاوته وبقي حكمه والله أعلم.)ا.ه.( )
****
وعند مسلم ترقيم عبد الباقي (1691) عن عَبْد اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوِ الِاعْتِرَافُ ".( )
وقد تأول قومٌ في قول عمر : قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي تلوناها ، والحكمة تتلى ، بدليل قول الله عزوجل : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ" } ( الأحزاب : 34 ) .
وبين أهل العلم في هذا تنازع يطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول ذكره .
جاء في تهذيب الآثار للطبري: (إن قال لنا قائل: ما وجه هذا الخبر الذي ذكرت عن زيد بن ثابت , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) , وما معنى قول عمر: " لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبنيها , فكأنه كره ذلك "...فذكر كلاما , ثم قال رحمه الله: وأما قول عمر: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم , فقلت أكتبنيها , وكأنه كره ذلك , ففيه بيان واضح أن ذلك لم يكن من كتاب الله المنزل كسائر آي القرآن , لأنه لو كان من القرآن لم يمتنع صلى الله عليه وسلم من إكتابه عمر ذلك , كما لم يمتنع من إكتاب من أراد تعلم شيء من القرآن ما أراد تعلمه منه , وفي إخبار عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كره كتابة ما سأله إلا كتابه إياه من ذلك الدليل البين على أن حكم الرجم - وإن كان من عند الله تعالى ذكره - فإنه من غير القرآن الذي يتلى ويسطر في المصاحف ...إلخ كلامه)ا.ه.( )
( قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرُهُ نَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ قَطْعًا، وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنِ ادِّعَاءِ كَوْنِ النَّاسِخِ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) . لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا ثُمَّ انْتِسَاخُ تِلَاوَتِهَا، وَإِنْ ذَكَرَهَا عُمَرُ – رضى الله عنه - وَسَكَتَ النَّاسُ فَإِنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ حُجَّةً مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَبِتَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا إِذْ ذَاكَ حَضَرُوا ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ ظَنِّيٌّ ، وَلِهَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ لِلْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَةً وَعُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ نَسْخِ عُمُومِ الْآيَةِ، فَيَكُونُ رَأْيَهُ أَنَّ الرَّجْمَ حُكْمٌ زَائِدٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ قِيلَ بِهِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ)ا.ه.( )
***
وقد صح في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة، وقال: «قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن يزِيد وَغَيره، وقصتها أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جلد شراحة يَوْم الْخَمِيس ورجمها يَوْم الْجُمُعَة، فَقيل لَهُ: أَجمعت بَين حَدَّيْنِ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله ورجمتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أي إن الجلد ثابت في القرآن والرجم ثابت في السنة والجمهور على أنه لا يجمع بين الجلد والرجم.
قال في الفتح : قال بن بطال: أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة، واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن، وحكاه بن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج، واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم وكذلك الأئمة بعده، ولذلك أشار علي رضي الله عنه بقوله : ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثبت في صحيح مسلم عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب الرجم" .( )
أقول: فثبوت حد الرجم وهو إجماع السلف وأهل السنة والجماعة ثابتٌ بالإجماع، وصريح السنة، ومفهوم الكتاب، لأن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده قد بيّن ما جعل الله تعالى للنساء الزانيات من سبيلٍ ذكر في الآية المباركة {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} (النساء: 15) فالسبيل الرجم كما في حديث مسلم.
وثبوت حد الرجم لا يتوقف على إثبات آية الرجم المزعومة، فتنبه.
قال ابن الملقن:
فالرجم ثابت كما قررناه، ولا عبرة بدفع الأزارقة من الخوارج والمعتزلة الرجم معللين بأنه ليس في كتاب الله، وما يلزمهم من اتباع الكتاب مثله يلزمهم من اتباع السنة، قال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة واتفاق (أئمة) (2) الأمة، ولا يعدون خلافًا، ولا يلتفت إليهم.( )
وفائدةٌ أخرى: أن هذا ليس مثالاً لوقوع نسخ الكتاب بالسنة، فإن السنة هنا بيان للسبيل الذي جاء في كتاب الله تعالى، فتنبه.
وما يعنينا من الشاهد هنا: أن علياً ابن طالب أثبت حكم الرجم بالسنة، ولم يقل بآية الرجم المزعومة، ولو أقر بها لجعلها عمدته في نسخ تلاوتها وبقاء حكمها ولم يفعل، فتأمل.
وهنا نقول أن الإجماع على قرآنية آية الرجم تلك هو تجاوز علمي غير مقبول.
النقطة الخامسة
5-في هذه النقطة أود أن أناقش أشهر ما احتج به على نسخ التلاوة وبقاء الحكم وهو رواية (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما...) وكما فصَّل العلامة المحدث الألباني في بحثه الذي نقلناه في الهامش على هذه الرواية والذي يتبين منه عندنا أمور:
أن أصح كتب الحديث والرواية ( الصحيحين) لم تذكر هذه الزيادة (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما...)، وإنما اكتفت بالإشارة إلى وجود حكم الرجم في كتاب الله أي قضائه وحكمه أو متضمنا في السبيل الذكور في الآية كما بان لنا من تأويل الخطابي الذي نقلناه؛ حتى إن النسائي- وهو مَن هو في حفظ الحديث ورواياته وقد قيل أنه أحفظ من سلم صاحب الصحيح- قال أن هذه الزيادة تفرد بها سفيان بن عيينة، وقد تحيَّل الحافظ بن حجر لإيراد الشواهد لها والمتابعات؛ وأيا كان فما زالت هذه الزيادة ظنية لا تثبت وجودها آيةً في كتاب الله المتواتر النقل، وإلا لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابتها إن كانت من القرآن المتلو.
أن صحة السند لا تعني صحة المتن وخصوصا حين تفرد وظنية مثل هذه الزيادة التي تفتح بابا خطيرا من التقول على صحة كمال القرآن الذي وصلنا بين دفتى المصحف ؛ فيستغلها المنافقين الروافض وأمثالهم في نقض الدين...
ومما يشكك في صحة المتن الذي يقدم هذه العبارة (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما...) على أنها مما نسخت تلاوته وبقى حكمه ذلك الاضطراب الواضح بين المتون التي جاءت بها على قلتها ابتداءا، ففي رواية أنها نزلت في سورة النور، وفي أخرى انها كانت في سورة الأحزاب، وفي رواية فارجموهما البتة أى في كل الأحوال كانا محصنيْن أو عزبين وهو بخلاف ما ثبت بالسنة القطعية والإجماع أن الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن، وهو ما صرح به الإمام مسلم في صحيحه في الحديث الذي سقناه، ثم ما وجه ذكر (الشيخ والشيخ) دون (المحصن والمحصنة) والأخير في القيد أحرى وأولى، كذلك ورد نص الآية المزعومة في الروايات التي أوردته بعبارات مختلفة، فواحدة منها تذكر (بما قضيا من اللذة) وواحدة لا تذكره، وثالثة تذكر عبارة «نكالا من الله» ورابعة لا تذكرها.
قال الشيخ محمد الصادق عرجون في كتابه محمد رسول الله: (وقد بينا بيانا شافيا أن ألفاظ ما زعموه آية قرآنية نزلت في وجوب حد الرجم لمن زنى بعد إحصان في رواياتهم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله) لم تكن قط من ألفاظ القرآن ولا ألفاظ الحديث الشريف، فلم يستعملا كلمة (الشيخة) في معنى الإحصان ولا كلمة (الشيخ) في هذا المعنى، وكذلك كلمة (البتة) لم ترد في القرآن الحكيم البتة، لا فيما ثبتت قرآنيته بالتواتر ثم نسخ، ولا فيما أحكم فلم ينسخ منه شيء.
هذا وجه إن لم يدلّ صراحة على بطلان الرواية فهو دال على استبعاد نزول آية قرآنية في زعم من رواها قرآنا بألفاظ طرحها القرآن والحديث فلم يستعملاها في المعنى المقصود للرواية، وهذه وجهة لفظية ترجح إلى خصائص القرآن في ألفاظه وملاءمتها في الفصاحة ولطف الأداء، وهي كافية في إلقاء الشك في قرآنية هذا الكلام.) انتهى.
أقول: هذا التعارض والاضطراب ومخالفة أصول لغة وبلاغة القرآن وقواطع السنة وإجماع الأمة، مع لين أسانيد هذه الروايات وظنيتها وكونها من الآحاد التي لا تعارض بحال تواتر نقل آيات كتاب الله الذي بلغنا بين دفتى المصحف.
كل هذا يشكك كثيراً في وجود مثل هذا النوع من النسخ أو على الأقل بهذه النماذج وهذا التفصيل.
***
كما إنني حاولت الوقوف ليس مع (ظنية الثبوت) لأخبار الآحاد تلك وحسب، وإن كنت على مذهب السنة في إثبات العمل بتلك الأخبار، ولكن الحديث عن القرآن وثبوته حديث عن التواتر لا غيره، ثم إنني وقفت أيضا هنا مع (ظنية الدلالة)، واستشفعت بالآثار لتوضيح ذلك، لبيان أن الأمر برمته يدعو للشك والتأمل، فكيف إذا كان الحديث عن فتح بابا للشر عظيم على الإسلام والمسلمين.
النقطة السادسة
6-هذا الذي ذكره الشيخ ابن الهمام أن الحكمة من نسخ التلاوة والحكم تبدو واضحة من رفع آياتٍ من القرآن من الصدور ومن العمل لانتهاء حكمتها في العمل بها لوقت محدد، أو ارتفاع حكمها مع بقاء تلاوتها ، أما القول برفع تلاوة آيةٍ وبقاء حكمها يفتح الباب أمام ادعاءات كثيرة مكذوبة بوجود آياتٍ نسخت تلاوتها وبقى حكمها أو كتمها الصحابة كما يقول الروافض لعنهم الله...
قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا عَلَى إِرَادَةِ الْكُلِّ ( أى نسخ التلاوة والحكم) ، وَإِلَّا لَزِمَ ضَيَاعُ بَعْضِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَمْ يُنْسَخْ؛ فَيَثْبُتُ قَوْلُ الرَّوَافِضِ أنه ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ فَلَا تَمَسُّكَ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا ... ثم قال : لِأَنَّ ادِّعَاءَ بَقَاءِ حُكْمِ الدليل بَعْدَ نَسْخِهِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ نَسْخَ الدَّليل يَرْفَعُ حُكْمَهُ، وَأما رواية أو حكم " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا" فَلَوْلَا مَا عُلِمَ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الرجم (أقول – أي الباحث-: فإنه ليس في كتاب الله المتلو المعتبر).) ا.ه.( )
****
وقد أنكر بعض العلماء هذا الضرب من النسخ (أى نسخ التلاوة مع بقاء الحكم) لعدم فهمهم الحكمة منه؛ ولضعف دليله لأنه من قبيل أحاديث الآحاد التى يتطرق إليها الاحتمال فيسقط به الاستدلال.
وقد بالغ الدكتور مصطفى زيد فى إنكار هذا الضرب بالطعن فى صحة النصوص الواردة في ذلك فقال فيما قال:
(أما الآثار التى يحتجون له بها .. وهى تنحصر فى آيتى رجم الشيخ والشيخة إذا زنيا، والتحريم من الرضاع بالرضعات الخمس- فمعظمها مروى عن عمر وعائشة رضى الله عنهما، ونحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار عنهما، بالرغم من ورودها فى الكتب الصحاح؛ فإن صحة السند لا تعنى فى كل الأحوال سلامة المتن.
على أنه قد ورد فى الرواية عن عمر قوله بشأن حد الرجم فيما زعموا: «ولولا أن يقال: زاد عمر فى المصحف لكتبتها» وهو كلام يوهم أنه لم ينسخ لفظا أيضا مع أنهم يقولون: إنها منسوخة اللفظ باقية الحكم.
كذلك ورد نص الآية فى الروايات التي أوردته بعبارات مختلفة، فواحدة منها تذكر قيد الزنا بعد ذكر الشيخ والشيخة، وواحدة لا تذكره، وثالثة تذكر عبارة «نكالا من الله» ورابعة لا تذكرها.
وما هكذا تكون نصوص الآيات القرآنية ولو نُسخ لفظها.
وفى بعض هذه الروايات جاءت بعض العبارات التي لا تتفق ومكانة عمر ولا عائشة مما يجعلنا نطمئن إلى اختلاقها ودسها على المسلمين)ا.ه. ( )
****
أقول
وإني استشعر أن عمرا رضى الله عنه وغيره من الصحابة قد نقلوا كلاما سمعوه حقيقةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيِّن لهم أحكام هذا الدين بما يوازي دلالة القرآن في الأمر بالعمل قوةً عندهم ، كما ثبت أن عليا بن أبي طالب - رضى الله عنه - كان يحتفظ بصحيفةٍ فيها من الأحكام، وكان يقول:" لم يترك لنا رسول الله إلا القرآن وما في هذه الصحيفة"، ولم تكن قرآنا كلاماً لله يُتعبَّد به لله سبحانه ، وإن كانت من كتاب الله أى قضاءه وأمره وحكمه وشرعه كما نقلنا عن الخطابي قبلُ شرحه لحديث " لأقضين بينكم بكتاب الله".
فقد روى البخاري في صحيحه( )– بسنده- عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: " لاَ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ "، وفي رواية له "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟" .
قال الحافظ في الفتح ( ):
قَوْلُهُ: {هَلْ عِنْدَكُمْ؟} الْخِطَابُ لِعَلِيٍّ رضى الله عنه، وَالْجَمْعُ إِمَّا لِإِرَادَتِهِ مَعَ بَقِيَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ لِلتَّعْظِيمِ. وقَوْلُهُ{ كِتَابٌ} أَيْ مَكْتُوبٌ أَخَذْتُمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ البخاري فِي كتاب الْجِهَادِ :{هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟} ، وَلَهُ فِي الدِّيَاتِ:{ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟} وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ:{ هَلْ عَلِمْتَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ..؟}.
وَإِنَّمَا سَأَلَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الشِّيعَةِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا سِيَّمَا عَلِيًّا أَشْيَاءَ مِنَ الْوَحْيِ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لَمْ يُطْلِعْ غَيْرَهُمْ عَلَيْهَا ، وَقَدْ سَأَلَ عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ ، وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ وَحَدِيثُهُمَا فِي مُسْنَدِ النَّسَائِيِّ .
وَقَالَ ابن الْمُنِيرِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَشْيَاءُ مَكْتُوبَةٌ مِنَ الْفِقْهِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ .. وَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رجل لِأَنَّهُ ذكره بِالرَّفْعِ ، وربما مَعْنَاهُ لَكِنْ إِنْ أَعْطَى اللَّهُ رَجُلًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ فَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ.. إلخ كلامه رحمه الله.
وقَوْلُهُ رضى الله عنه: " مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ" أَيْ شئ مَكْتُوبٌ وَإِلَّا فَكَانَ عِنْدَهُمْ أَشْيَاءُ مِنَ السُّنَّةِ سِوَى الْكِتَابِ أَوِ أن الْمَنْفِيُّ شَيْءٌ اخْتُصُّوا بِهِ عَنِ النَّاسِ.
وَسَبَبُ قَوْلِ عَلِيٍّ - رضى الله عنه- هَذَا يَظْهَرُ مِمَّا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ { أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ فَعَلْنَاهُ ، فَيَقُولُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَشْتَرُ : إِنَّ هَذَا الَّذِي تَقُولُ أَهُوَ شَيْءٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ شَيْئًا خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ إِلَّا شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ فَهُوَ فِي صَحِيفَةٍ فِي قِرَابِ سَيْفِي ؛ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ؛ فَإِذَا فِيهَا ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَزَادَ فِيهِ:" الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ . أَلَا لَا يُقْتَلْ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ "، وَقَالَ فِيهِ:" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا وَحِمَاهَا كُلَّهُ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا ، وَلَا يُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ ، وَلَا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلَاحُ لِقِتَالٍ" ، وَالْبَاقِي نَحْوُهُ ...... وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فَنَقَلَ كُلُّ رَاوٍ بَعْضَهَا .ا.ه. ( )
والمقصود أن عليا رضى الله عنه وإن كان قد احتفظ بصحيفة كتبها عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يجعلها قرآنا ؛ وإن كان يراها في الحجة والعمل من عند الله وحيا إلى نبيه.. كما في قوله صلى الله عليه وسلم كما السنن ومسند أحمد: " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ (يضيفوهم) ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ " .
قال السندي: قوله: (مثله) ....، والمماثلة إما في القَدْر، أو في وجوب الطاعة، والأول أظهر، فإن وجوب الطاعة يفهم من المعية. قال البيهقي: يحتمل أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر، أو أوتي الكتاب وحياً يتلى، وأوتي مثله من البيان، أي: أُذن له أن يُبينَ ما في الكتاب فيعم ويخص، وأن يزيد عليه، فيشرع ما ليس له ذكر في الكتاب، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به، كالظاهر المتلوِّ من القرآن. يَعْنِي: أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَأَحْكَامًا وَمَوَاعِظَ وَأَمْثَالًا تُمَاثِلُ الْقُرْآنَ فِي كَوْنِهَا وَاجِبَةَ الْقَبُولِ أَوْ فِي الْمِقْدَارِ. ا.ه... ( )
الخلاصة
والذي أميل إليه خلاصةً أن ما ثبت واستقر من كلام الله المنزل على محمد بلفظه وإعجازه قد استقر بنقله تاما بكل أمانةٍ وبالتواتر الأكيد بين دفتىْ المصحف الشريف..
وأما ما ذُكر من النصوص عن وجود آيات منسوخة التلاوة باقية الحكم فلا ننكر عدل نقلها إلينا من سلفنا الصالح، ولعلهم نقلوا عن الصحابة أحكاما نص عليها الرسول بلفظه وحيا- غير قرآن- وإن كانت في قوة القرآن دليلا ؛ وكلٌ وحىٌ من عند الله سبحانه؛ ولكنها ليست مما يُتعبد به تلاوةً وإعجازا وثباتا عن الله تعالى ، ولكنها أحاديث آحاد والقرآن العظيم إنما يثبت بالتواتر ، ولذا لم تُثبَت في المصحف الشريف..
ومما يؤكد ما أذهب إليه ما رواه النسائي ( ) - بسنده- عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمَلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَجِيءُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ " ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ ثُمَّ مَا نَسَخَهَا ".
وموضع الاستدلال قوله" وَاللهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ ثُمَّ مَا نَسَخَهَا " فقد أطلق عليها اسم الاتزال وليست بقرآن قطعا.. ومن مثال ما نميل إليه أيضا في قوله تعالى" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" بعضهم زاد" صلاة العصر" وليست بقرآن وإنما هى بيان وتفسير ربما يكون له مستنده من قول الرسول.. ولكن الله تعالى حفظ قرآنه ووصل إلينا بكل دقةٍ بنصه ورسمه.. ولا حجة لمشكِّكٍ في كتاب الله تعالى إلا النفاق وضياع الإيمان وفتنة المسلمين عن دينهم..
ومما يدل على ذلك تراجع أسلوب هذه الروايات التي يدَّعَى أنها آيات منسوخة التلاوة كثيرا جدا عن أسلوب القرآن فلا مقارنة أبداً، وكذلك اضطرابها في النقل والتواتر، وعدم إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بنقلها على أنها قرآن يُتلى، وعدم إقرار الصحابة الأمناء على نقلها في المصاحف مع إقرارهم بأنها حكم الله أى ما افترضه وأوجبه ولكنها ليست بقرآن..
وأما عن هَمِّ عمر- رضوان الله عليه- بكتابتها في المصاحف فكما قال الزرقاني في شرح الموطأ وغيره من العلماء: أن لو كانت من القرآن حقا ونصا ما منعه مانعٌ أياً ما كان أن يكتبها في المصحف، ولأصر جمع الصحابة على كتابتها، كيف لا وقد نقلوا النص الحكيم كاملا بكل أمانة؟ وما هَمُّ عمرٍ هذا إلا من باب المبالغة للحث على إمتثال حدٍ مسنون مشروع مؤكد في الدين يوازي بدليله القرآن الكريم وإن لم يكن منه... والله تعالى أعلى وأعلم...
****
المصادر
البرهان في علوم القرآن (2/ 39)
مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 238 .
قال الشيخ في سلسلته المباركة برقم 2913 م6ص977 : ورد هذا الحديث من حديث عمر وزيد بن ثابت وأبي بن كعب والعجماء خالة أبي أمامة بن سهل..
1 - أما حديث عمر، فقال أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف ": حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: قال عمر: قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول القائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن، أو قامت البينة، أو كان حمل، أو اعتراف. وقد قرأتها: " الشيخ والشيخة.. " الحديث، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده. وأخرجه ابن ماجة من طريق أبي بكر، وكذا مسلم، ولكنه لم يسق لفظه، والنسائي في " الكبرى" والبيهقي من طريقين آخرين عن سفيان بن عيينة به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه، البخاري من طريق علي بن عبد الله، ومسلم من طريق أبي بكر - كما تقدم - كلاهما عن سفيان به، إلا أنهما لم يقولا: " وقد قرأتها.. " إلخ، .... وقد ذكر الحافظ في " الفتح " أن الإسماعيلي أخرجه، يعني في " مستخرجه على البخاري " من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني، وفيه القول المذكور، وقال الحافظ عقبه: " ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا". ثم استشهد على ذلك بقول النسائي عقب الحديث: " لا أعلم أحدا ذكر في هذا
الحديث: " الشيخ والشيخة.. " غير سفيان، وينبغي أنه وهم في ذلك ". قال الحافظ: " وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان، وعقيل، وغيرهم من الحفاظ عن الزهري، فلم يذكروها، وقد وقعت هذه الزيادة في هذا الحديث من رواية الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : لما صدر عمر من الحج وقدم المدينة خطب الناس فقال:.. "، فذكر الخطبة وفيها الزيادة، وهي في " حدود الموطأ " . وأخرجها ابن سعد في " الطبقات " من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا يحيى بن سعيد به.
وبهذا الإسناد روى أحمد طرفا منه. ورواه من طريق أخرى عن يحيى.
قلت: وهذا إسناد صحيح على الخلاف المعروف في سماع سعيد من عمر. فهو شاهد قوي للزيادة التي تفرد بها ابن عيينة، ثم ذكر الحافظ لها شواهد أخرى
، ويأتي تخريجها إن شاء الله قريبا.
2 - وأما حديث زيد بن ثابت، فيرويه شعبة عن قتادة، عن يونس بن جبير عن كثير ابن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الشيخ والشيخة.. " الحديث. فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، - قال شعبة – فكأنه كره ذلك. فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم؟ أخرجه أحمد ، والنسائي في " السنن الكبرى " والدارمي المرفوع منه، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وفي رواية للنسائي من طريق أخرى عن ابن عون عن محمد - هو ابن سيرين - نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت قال زيد: كنا نقرأ: " والشيخ والشيخة.. "، فقال مروان: أفلا نجعله في المصحف؟ قال: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان؟ قال: وقال: ذكروا ذلك وفينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أنا أشفيكم من ذاك. قال: قلنا: كيف؟ قال: آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذكر كذا وكذا، فإذا ذكر الرجم أقول: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: فأتيته فذكرته، قال: فذكر آية الرجم. قال: فقال: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: " لا أستطيع ذاك ". قلت: ورجاله ثقات غير شيخ محمد، فإنه لم يسم، وقد أشار إلى صحته البيهقي بقوله عقبه: " في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا ". وأورده السيوطي في " الدر المنثور " من رواية النسائي وأبي يعلى نحوه ببعض اختصار بلفظ: " لا أستطيع الآن ".
3 - وأما حديث أبي، فيرويه عاصم بن بهدلة عن زر قال: قال لي أبي بن كعب: كائن تقرأ سورة (الأحزاب) ، أو كائن تعدها؟ قال: قلت: ثلاثا وسبعين آية. قال: قط، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة (البقرة) ، ولقد قرأنا فيها: " الشيخ والشيخة.. "، وزاد: " نكالا من الله، والله عليم حكيم ".
أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي أيضا، وعبد الرزاق في " المصنف " والطيالسي وعبد الله بن أحمد والضياء في " المختارة " وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، على ما سبق بيانه تحت الحديث الأول رقم (2908) . وزاد الطيالسي في آخر الحديث: " فرفع فيما رفع ". وفي سندها ابن فضالة، واسمه مبارك، وهو مدلس، وقد عنعن. وقد توبع عاصم على أصل الحديث من يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش به. أخرجه عبد الله بن أحمد أيضا. ويزيد هو الهاشمي مولاهم، ولا بأس به في المتابعات.
4 - وأما حديث العجماء، فيرويه الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته (وقال الطبراني: العجماء) أخبرته قالت: لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم: " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة، بما قضيا من اللذة ". أخرجه النسائي والحاكم والطبراني في " المعجم الكبير " وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: رجاله ثقات رجال الشيخين غير مروان بن عثمان، وهو ابن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري الزرقي، غمزه النسائي، وقال أبو حاتم: ضعيف. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " ! وقال الذهبي في " الكاشف ": " مختلف في توثيقه "! قلت: فلم يصنع شيئا. وقد أورده في " المغني "، وذكر تضعيف أبي حاتم إياه، وغمز النسائي له، ولم يتعرض لذكر توثيق ابن حبان، وهو الصواب هنا، ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه " ضعيف ". وقال في " الإصابة ": " متروك ". انظر " الضعيفة " (6371) . ا.ه من السلسلة الصحيحة باختصار غير مخل حتى لا تتشتت الأذهان، ويمكن للقارئ الكريم مراجعة التحقيق في محله.
انظر شرح الطيبة للنويرى ظهر 18، ووجه 19 رقم 374 رافعى 26610 قراءات بمكتبة الأزهر (وقد طبع محققا).
راجع الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/ 313،314) مجموعة من الأساتذة في الأزهر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، 1423 هـ - 2002 م.
راجع الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/ 314)
المنتقى شرح الموطإ مطبعة السعادة(1/ 244)
راجع فتح الباري لابن حجر (9/ 65) دار المعرفة - بيروت، 1379ه.
وَهُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة، وَهِي خَوْلَة بنت جَعْفَر من نَبِي حنيفَة، وَكَانَت سبي الْيَمَامَة الَّذين سباهم أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (20/ 37)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (19/ 28)
كما في معالم السنن (3/ 323)
قال النووي في شرحه11/ 191 باختصار: قَوْلُهُ (فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا) أَرَادَ بِآيَةِ الرَّجْمِ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ) وَهَذَا مِمَّا نُسِخَ لَفْظُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ... وَفِي إِعْلَانِ عُمَرَ بِالرَّجْمِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَسُكُوتِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْحَاضِرِينَ عَنْ مُخَالَفَتِهِ بِالْإِنْكَارِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الرَّجْمِ... وقوله (فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ) هَذَا الَّذِي خَشِيَهُ قَدْ وَقَعَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ ، وَهَذَا مِنْ كَرَامَاتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..)ا.ه.
تهذيب الآثار للطبري (مسند عمر) (2/ 875) محمود محمد شاكر، الناشر: مطبعة المدني – القاهرة.
نقلا من مرقاة المفاتيح (6/ 2328).
فتح الباري لابن حجر (12/ 118)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح (31/ 153)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2079)باختصار
كلامه من الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/ 636).
صحيح البخاري/ كتاب العلم /برقم111. وفي حديث آخر له /كتاب الجزية/ رقم3172 – بسنده- عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ: فِيهَا الجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الإِبِلِ: «وَالمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ»..
انظر فتح الباري لابن حجر (1/ 204) وراجع أيضا في فتح الباري لابن حجر (4/ 85)
وجاء في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 160) بتصرف واختصار:مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الدِّيات بِلَفْظ: (مَا عندنَا إلاَّ مَا فِي الْقُرْآن إلاَّ فهما يعْطى رجل فِي الْكتاب) . وَالْمعْنَى: إلاَّ مَا فِي الْقُرْآن من الْأَشْيَاء المنصوصة، لَكِن إِن أعْطى الله رجلا فهما فِي كِتَابه فَهُوَ يقدر على استنباط أَشْيَاء أُخْرَى خَارِجَة عَن ظَاهر النَّص... وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: كَلَام عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، أَنه لَيْسَ عِنْده سوى الْقُرْآن، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخص بالتبليغ والإرشاد قوما دون قوم، وَإِنَّمَا وَقع التَّفَاوُت من قبل الْفَهم واستعداد الاستنباط، وَاسْتثنى مَا فِي الصَّحِيفَة احْتِيَاطًا لاحْتِمَال أَن يكون مَا فِيهَا مَا لَا يكون عِنْد غَيره فَيكون مُنْفَردا بِالْعلمِ بِهِ... قَالَ ابْن بطال: فِيهِ مَا يقطع بِدعَة الشِّيعَة والمدعين على عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، أَنه الْوَصِيّ، وَأَنه الْمَخْصُوص بِعلم من عِنْد رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يعرفهُ غَيره حَيْثُ قَالَ: مَا عِنْده إلاَّ مَا عِنْد النَّاس من كتاب الله، ثمَّ أحَال على الْفَهم الَّذِي النَّاس فِيهِ على درجاتهم، وَلم يخص نَفسه بِشَيْء غير مَا هُوَ مُمكن فِي غَيره.
من مسند أحمد ط الرسالة (28/ 413) بهوامشه .
في السنن الكبرى (3/ 420) وأحمد وابن ماجه بسند صحيح 3448
وقد غلا فيه أقوام حتى أدخلوا فيه ما ليس منه، وأولعوا بالتقسيم والتضخيم لحجم النسخ في كتاب الله تعالى حتى انعكست لديهم الحقائق الضرورية التي أثبتها كتاب الله تعالى من أن المحكم هو "أم الكتاب" ومعظمه وأصله والمنسوخ هو القليل الذي يرد إلى المحكم فيعلم.
وقد اختلف علماء الفقه والأصول في تعريف النسخ اختلافا كثيرا...
والتعريف الأشهر والأيسر أن يقال فيه: هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه في ترتيب النزول .
ولن نتعرض لنقاش الحد هنا لضيق المقام.
ولكن لنا وقفة مع تقسيم بخصوصه من تقسيمات النسخ هو مشكل جدا.
فقد قسم كثير من العلماء النسخ باعتبار التلاوة والحكم إلى ثلاثة أقسام:
(1) ما نسخت تلاوته وبقى حكمه.
(2) ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته.
(3) ما نسخت تلاوته وحكمه.
وإشكالنا مع النوع الأول ويتبعه في أصل النقاش النوع الثالث، فإن نسخ الحكم وبقاء التلاوة من الإنصاف إثباته وهو واقع لا محالة ، وإن كان التفصيل في نقاش الآيات التي وقع فيها في مشاركة وبحث آخر بإذن الله تعالى.
القسم الأول: ما نسخت تلاوته وبقى حكمه:
وفي الحقيقة لقد توقفت كثيرا أمام إثبات وجود هذا النسخ في كتاب الله تعالى، خصوصا أن أمثلته محدودة جداً تكاد تُعَدُّ على الأصابع ومناقشتها ربما تؤدي بإثبات وجود هذا النوع من النسخ إلى شكٍ كبير.
( وحكى القاضي أبو بكر الباقلاني في (الانتصار) عن قوم إنكار هذا القسم لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال أبو بكر الرازي: نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله: {إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} ولا يعرف اليوم منها شيء ثم لا يخلو ذلك من أن يكون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا توفي لا يكون متلوا في القرآن أو يموت وهو متلو موجود في الرسم ثم ينسيه الله ويرفعه من أذهانهم وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ) انتهى ( )
أقول: وفي هذا الذي قاله الرازي مشكل فقد خلط الرجل بين ( الإنساء) و(التنسية) و(الرفع) لآياتٍ بحيث لم تعد قرآنا بعد ان كانت ولا يوجد نصها معنا أصلاً، خلط بين ذلك وبين ( النسخ) الذي هو (إبدال آيةٍ مكان آيةٍ).
ثم إن مثبتوا هذا النوع من النسخ (نسخ التلاوة مع بقاء الحكم) ردوا على ما حكاه القاضي أبي بكر ونقلناه آنفا، (بأن ثبوت النسخ شيء ، وثبوت نزول القرآن شيء آخر ، فثبوت النسخ يكفي فيه الدليل الظني بخبر الآحاد ، أمَّا ثبوت نزول القرآن فهو الذي يشترط فيه الدليل القطعي بالخبر المتواتر ، والذي معنا ثبوت النسخ لا ثبوت القرآن فيكفى فيه أخبار الآحاد ).( )
قلتُ: وهذا أيضا لم يصنع شيئاً فالحديث عن النسخ حديث عن القرآن بالأصالة، وإثبات النسخ إثبات لآياتٍ من القرآن، وهذا يفتح الباب أمام ادعاءات آحادٍ ظنية الثبوت لإثبات وجود ما لا يثبت بغير التواتر من القرآن، وفيه فتح لبابٍ لئيم من أبواب الكذب على الله تعالى وكلامه ممن لا دين عندهم كالروافض الذين يتهمون الصحابة بإخفاء آيات الولاية لعلى من القرآن.فتنبه.
فقد روى أنه كان في سورة النور آية ثم نُسخت تلاوتها وبقى حكمها وهى: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله».
وقبل كل شئ أود أن أنبه القارئ الكريم أن الصحيحين كليهما لم يذكرا لفظ الآية المزعومة، وإنما كانت الإشارة إلى وجود الرجم في كتاب الله تعالى ورواية مسلم فيها في كتاب الحدود – بسنده- يقول: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف ".
وأود هنا أن أحيل القارئ على دراسة الشيخ الألباني لهذه الروايات التي ذكرت ذلك في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( )، ومنها نتوقف بعض الوقفات التي ربما تساعدنا في فك إشكالية مهمة في موضوع النسخ في القرآن الكريم بين تطرف النفى الكامل، وتطرف الإفراط في دعوى النسخ ، ووقفاتنا الآتية تساعد في الجواب على بعض ما عَنَّ لي شخصيا من تساؤلات، فغاية العلم الأولى التساؤل الذي يفضي إلى البحث والتأمل والذي بدوره يفك طلاسم الشك، ويقترب من اليقين، خصوصاً إذا كان موضع كهذا يُستغَل من قِبل المنافقين والمحاربين للإسلام لتوجيه حرابهم المسمومة نحو صدره، فالقول ابتداءاً بوجود قرآن نزل ثم رُفع يحدو بالمشكِّك والشانئ أن يدعي أن قرآناً نزل وأخفته الصحابة وادعوا نسخه، فما يقال أنه يقع في القليل يمكن أن يعمِّمه الذين في قلوبهم مرض ليدعوا أكثر من ذلك، وأقرب مثال ما يرويه الروافض من أكاذيب، فلنتنبه، وهنا نقاط هامة ومقدمات لابد منها :-
النقطة الأولى
1-لابد من تقرير المسلَّمة التي تقضي بأن كتاب الله تعالى قد بلغنا (كاملاً) كما نزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حرفاً حرفاً بغير زيادةٍ ولا نقصٍ ألبتة بطريق التواتر جيلا عن جيل، وأن الله تعالى كفل حفظه من الزيادة والنقص والتحريف، فكان كتاب الله ما بين دفتىْ المصحف كما نزل تاما مرتَّبا آياته على توقيفٍ من الله تعالى تظاهرت الأمة على حفظه واليقين بتمامه، وكل تشكيك متعمَّد في هذا يعني فتح باب من أبواب الكفر بالله وكتابه.
النقطة الثانية
2-ولابد من تقرير أن القرآن الكريم المتلو المتعبّد به لا يثبت إلا من طريق التواتر، وأن طرق الآحاد فيه لا تثبت إلا شواذ القراءات، والتي ليس لها حجة القرآن الكريم، ولا يجوز التعبد بها.
والتواتر – كما يعرفه العلماء - هو نقل جمعٍ عن جمع يؤمَن تواطؤهم على الكذب، في كل طبقة، من أول السند إلى منتهاه.
وقال النويرى: (القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة، منهم الغزالى وصدر الشريعة، وموفق الدين المقدسى وابن مفلح والطوفى، هو: ما نقل بين دفتى المصحف نقلا متواترا. وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر- كما قال ابن الحاجب رحمه الله- لأن التواتر عندهم جزء من الحد، فلا يتصور ماهية القرآن إلا به. وحينئذ فلا بد من حصول التواتر عند أئمة المذاهب الأربعة، ولم يخالف منهم أحد فيما علمت- بعد الفحص الزائد- وصرح به جماعات لا يحصون كابن عبد البر وابن عطية وابن تيمية والتونسى فى تفسيره، والنووى والسبكى والإسنوى والأذرعى والزركشى والدميرى والشيخ خليل وابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم رحمهم الله.
وأما القراء فأجمعوا فى أول الزمان على ذلك، وكذلك فى آخره ، بل هو الحق الذى لا محيد عنه).( )
ففى تفسير القرطبى: أنه يُعلم على القطع والبتات، أن قراءة القرآن تلقينا متواترة عن كافة المشايخ، جيلا فجيلا، إلى العصر الكريم، إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وذكر القاضي عبد الجبار المعتزلي: أن كون القرآن منقول بالتواتر، معلوم بالضرورة.
والأصل أن القرآن متواتر بتفاصيله وجوبا.
والتفاصيل المتواترة وجوبا- أو التي دلّ الدليل على وجوب تواترها- هى إجمالا: المتن، والهيئة، وعدم الزيادة، وعدم النقصان، بل يدخلان فى الهيئة.
قال الغزالى: (حد الكتاب ما نقل إلينا بين دفتى المصحف على الأحرف السبعة المشهورة نقلا متواترا. ونعنى بالكتاب القرآن المنزّل.
وقيدناه بالمصحف لأن الصحابة بالغوا فى الاحتياط فى نقله، حتى كرهوا التعاشير والنقط، وأمروا بالتجريد كيلا يختلط بالقرآن غيره. «ونقل إلينا متواترا، فنعلم أن المكتوب فى المصحف المتفق عليه هو القرآن، وأن ما هو خارج عنه ليس منه، إذ يستحيل فى العرف والعادة مع توافر الدواعى على حفظه أن يهمل بعضه فلا ينقل أو يخلط به ما ليس منه».
قالوا اتفاقا: ما نُقل آحادا فليس بقرآن قطعا، ولم يعرف فيه خلاف لواحد من أهل المذاهب، واستدل بأن القرآن مما تتوافر الدواعى على نقله، لتضمّنه التحدى، ولأنه أصل الأحكام، باعتبار المعنى والنظم جميعا، حتى تعلق بنظمه أحكام كثيرة، ولأنه يتبرك به فى كل عصر بالقراءة. والقرآن الكريم منقول بهذه الصفة فى كل طبقة...).
وقال السيوطى: (لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا فى أصله وأجزائه، وأما فى محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققى أهل السنة. للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله، لأن هذا المعجز العظيم، الذى هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم مما تتوافر الدواعى على نقل جمله وتفاصيله. فما نقل آحادا، ولم يتواتر يُقطَع بأنه ليس من القرآن).( )
وبهذا اتضحت دلالة النقل، والعقل، والواقع الماثل للعيان على تواتر القرآن وجوبا، جملة، وتفصيلا، مادة وهيئة، ومحلا.
- ويؤخذ من التواتر القطع بأنه لا وصف لشيءٍ من القرآن وراء التواتر البتة من شهرة أو صحة غير مصحوبة بالتواتر، فضلا عما دون ذلك.
- ويؤخذ مما سلف- وخصوصا من كلام الغزالى- أن تواتر القرآن يدفع فرية الزيادة فيه، وفرية النقص منه، ويقطع دابرهما.
- ويؤخذ من جملة الأدلة أنه لا سبيل أصلا إلى القطع بنموذج لقرآن منسوخ التلاوة، لأنه لا تُدَّعى قرآنيته اليوم، ولا يدل دليل قطعى على أنه كان متواترا، فكيف يُقال إنه كان قرآنا؟!، أو يجب الإيمان بأنه كان قرآنا؟!. هكذا يقال فى كل نموذج على حدته.
- أما إذا بلغ عدد النماذج إلى ما يفيد التواتر المعنوى فإنه يفيد القطع- فى الجملة- بأن من القرآن ما نسخت تلاوته.
- (أقول – الباحث: على أن التواتر المعنوي عينه مختَلفٌ فيه، وخصوصا إذا كان الحديث عن إثبات كلام لله سبحانه تعالى في كتابه.
(أقول: وهنا لا يقين ابتداءاً بوجود مثل هذا التواتر المعنوي(!!) فيما نقل من الآيات المدَّعى نسخها تلاوةً بروايات الآحاد، كما أن الإيمان بوجود ما نسخ من كتاب الله تلاوة ( بالجملة) لا يعني الإيمان بألفاظ تلك الآيات المدَّعاة؛ خصوصاً مع الركاكة التي لا تمت لنظم القرآن بصلة، وإن ظل هذا رأياً مبدئياً يحتاج منا لتقريره وبيانه بالأدلة الآتية بعد...)
وأما إذا ثبت نموذج ثبوتا ظنيا، وأفاد هذا النموذج حكما عمليا فإن الأخذ به (أقول: أى قبول الحكم دون النص) يصح عند الجمهور، شأنه شأن العمل بالقراءة الشاذة.( )
أقول – الباحث:
وحينئذٍ يبقى معنا التفصيل في المسألة ليكون:
أولاً: قبول وجود نسخ التلاوة نظرياً في جملته، وبأنه كان هناك آيات نزلت بأحكامٍ معينة فرُفعت الآيات من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وبقي الحكم ثابتا، هذا على جملته، وهذا ما أثبتته روايات ( الصحيحين) خاصةً، وما ثبت من رفع آيات من القرآن ، كما مر في تفسير آية النسخ.
ثانيا: عدم قبول نصوص آيات لم تُنقل لنا بطريق نقل القرآن العظيم، ذلك الطريق التواتر الذي لا يكون قرآنا ما ينقَل بسواه، وحيث أننا يمكننا أن نقبل رفع آياتٍ من صدر الرسول والمؤمنين إجمالاً ، فإن نقل نصوص تلك الآيات بطرق الآحاد- والتي رُفعت من الأساس – لا يجعلها قرآناً، خصوصاً إذا اضطرب النقل كثيراً، وخرج عن فصاحة وبلاغة النظم القرآني.
كل ذلك مع ما أصلناه أن القرآن المنقول بالتواتر هو ما ما بين دفتىْ المصحف على أحرفه السبع، وليس شئٌ سواه.
وحينها نؤمن يقيناً أن جمع القرآن على ما وصلنا بين دفتى المصحف هو أمر إلهي مكفول من الله تعالى كما قال سبحانه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} (القيامة: 16 - 19)، وكما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } (الحجر: 9، 10). أي من التحريف والزيادة والنقصان كما فسره العلماء وأجمعت الأمة.
****
النقطة الثالثة.
3-ولابد من فهم أن الوحى الملقى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام نوعان: الوحى المتلقَى بلفظه السماوي ومعناه وهو المتلو المتعبَّد به الذي تصح به الصلاة وهو القرآن ولا يصح إلا بطريق التواتر،والنوع الاخر وهو الوحى المتلقى بمعناه فقط وبلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو غير المتلو ويصح بطريق التواتر وبآحاد الثقة العدل.
ولذلك خشى رسول الله التباس القرآن بما يُروَى عنه من السنة لعظيم اعتناء الصحابة بالدين كله قرءانا وسنة، فمنع كتابة السنة في أول الأمر؛ فلما استقر القرآن في الصدور وتميَّز أباح صلى الله عنه وسلم كتابة السنة.
كما أن الباحث المنصف في علوم القرآن يعلم أن الصحابة كانوا يسجلون أحيانا تفسيرات نبوية، وتفسيرات لهم علموها على مصاحفهم التي كانوا ينسخونها لأنفسهم؛ لأنهم كانوا يأمنون اللبس ويفرِّقون بين ما هو قرآن وما كان غير قرآن.
وعلى ذلك يُفَسَّر الحديث الذي رواه مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا ثُمَّ قَالَتْ: إذَا بَلَغْتُ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذَنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: 238)، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» ثُمَّ قَالَتْ سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
قال العلامة أبو الوليد الباجي:
قَوْلُهُ: ( أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا) يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ جَمْعِ الْقُرْآنِ فِي مُصْحَفٍ، وَقَبْلَ أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الْمَصَاحِفِ الَّتِي كَتَبَ بِهَا عُثْمَانُ إلَى الْأَمْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَاحِفِ إلَّا مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، وَثَبَتَ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّهُ قُرْآنٌ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يُكْتَبُ مِنْ مَعْنَى التَّفْسِيرِ فَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ (فَلَمَّا بَلَغْتهَا آذَنْتهَا) إنَّمَا أَمَرَتْ أَنْ يَسْتَأْذِنَهَا لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تُمْلِيَ عَلَيْهِ زِيَادَةً لَمْ تَكُنْ ثَبَتَتْ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي كَانَ يَنْتَسِخُ مِنْهُ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِمَّا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْسَخَ مِنْهُ وَإِنَّمَا رَوَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرَادَتْ أَنْ تُثْبِتَهَا فِي الْمُصْحَفِ لِذَلِكَ. انتهى.( )
أقول – الباحث : فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ – رضى الله عنها – زِيَادَةً على الْمَحْفُوظِ مِنْ التِّلَاوَةِ ، وهى زيادة تفسيرية أو في قوة المتلو للتأكيد على أهمية صلاة العصر، كما سمعت رسول الله يؤكد عليها، وإلا فما داعي أن يؤذنها بهذا الموضع لو كان بين يديه وبين أيدي الصحابة نفس الزيادة مُقررةٌ في المصحف المُعتمد المتواتر بينهم، فتأمل.
ولنتأمل أيضا ما روى البخاري في صحيحه ( 5019 ) : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ، عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: «مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ»، قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: «مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ» أى الجلدتين اللتين على جانبي المصحف.
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ قَالَ لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ)
أَيْ مَا فِي الْمُصْحَفِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُرْآنَ مَجْمُوعًا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُثْمَانَ.
وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ ذَهَبَ لِذَهَابِ حَمَلَتِهِ ؛ وَهُوَ شَيْءٌ اخْتَلَقَهُ الرَّوَافِضُ لِتَصْحِيحِ دَعْوَاهُمْ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ وَاسْتِحْقَاقِهِ الْخِلَافَةَ عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ثَابِتًا فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَتَمُوهُ، وَهِيَ دَعْوَى بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكْتُمُوا (أحاديث في فضل ومناقب على) مِثْلَ " أَنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى" وَغَيْرَهَا مِنَ الظَّوَاهِرِ الَّتِي قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهَا مَنْ يَدَّعِي إِمَامَتَهُ،كَمَا لَمْ يَكْتُمُوا مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ أَوْ يُخَصِّصُ عُمُومَهُ أَوْ يُقَيِّدُ مُطْلَقَهُ.
وَقَدْ تَلَطَّفَ الْمُصَنِّفُ (أى البخاري رضى الله عنه) فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الرَّافِضَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَحَدِ أَئِمَّتِهِمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِمَامَتَهُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ بن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِيهِ لَكَانَ هُوَ أَحَقُّ النَّاس بالاطلاع عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ابن عَبَّاس فَإِنَّهُ بن عَمِّ عَلِيٍّ وَأَشَدُّ النَّاسِ لَهُ لُزُومًا وَاطِّلَاعًا عَلَى حَالِهِ.
(قلت- أي الباحث: ونفى مثل هؤلاء أن يكون شيئا في القرآن أُنزل ولم يُنسخ وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في العرضة الأخيرة والنهائية للقرآن ثم كتمه الصحب الكرام.. نفى هذا من مثل هؤلاء أكبر رد رده البخاري على الروافض فضَّ الله ضلالهم).
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي (خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ) – بسنده - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا قَوْلُهُ: " أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ" ، وفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ : " شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ" ... وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: " لَمْ يَدَعْ إِلَّا مَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ " أَيْ لَمْ يَدَعْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يُتْلَى إِلَّا مَا هُوَ دَاخِلُ الْمُصْحَفِ الْمَوْجُودِ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ (عند البخاري) عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " مَا عِنْدَنَا إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ لِأَنَّ عَلِيًّا أَرَادَ الْأَحْكَامَ الَّتِي كَتَبَهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَنْفِ أَنَّ عِنْدَهُ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لم يكن كتبهَا ، وَأما جَوَاب بن عَبَّاس وبن الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّمَا أَرَادَا مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي يُتْلَى ،... إلخ ( )
وَقد ذُكر هَذَا الحَدِيث فِي معرض الِاسْتِدْلَال على الروافض، وَبَيَان بطلَان دَعوَاهُم بقول مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة ( ) ، وَبقول عبد الله بن عَبَّاس.
وَفِيه نُكْتَة لطفية من البُخَارِيّ حَيْثُ اسْتدلَّ على الروافض فِي بطلَان مَذْهَبهم بِمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة الَّذين يدعونَ إِمَامَته. فَلَو كَانَ شَيْء يتَعَلَّق بإمامة أَبِيه عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما كَانَ يَسعهُ كِتْمَانه لجلاله قدره وَقُوَّة دينه، وَكَذَلِكَ اسْتدلَّ بقول ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهُ ابْن عمر عَليّ بن أبي طَالب وَأَشد النَّاس لَهُ لُزُوما وإطلاعا على حَاله، فَلَو كَانَ عِنْده شَيْء من ذَلِك مَا وَسعه كِتْمَانه لِكَثْرَة علمه وَقُوَّة دينه وجلالة قدره.( )
فإن قلت: قد ترك من الحديث ما هو مثل القرآن أو أكثر؟
قلتُ: معناه ما ترك مكتوبا بأمره إلا القرآن وأما قصة أبي قتادة فهي نادرة.
فإن قلت: سبق في باب كتابه العلم أنه قيل لعلى: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أو فهمه، أو ما في هذه الصحيفة؟
قلتُ: لعلها لم تكن مكتوبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد يجاب بأن بعض الناس كانوا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه ؛ فالسؤال هو عن شيء يتعلق بذكر الإمامة. فقال: ما تركت شيئا متعلقا بذكرها إلا ما بين الدفتين من الآيات التي يُتمسك بها في الإمامة.( )
أقول: والخلاصة في هذا أنَّ القرآن هو معجزة الله المنزل بالوحي، والمأخوذ بالتلقي. لفظه ومعناه من عند الله وقد ضمن الله جمعه، وحفظه، فلا يمكن لمخلوق أن يغيره وترتيبة، وناسخة ومنسوخه، كل من عند الله تعالى وبأمره، لا مجال فيه للإجتهاد. فلله وحده تبديل ونسخ ما شاء وإبقاء وإثبات ما شاء، وهو ما كان في فترة نزول الوحي المخصوص بالعصر النبوي، الذي استقر فيه ما أثبته الله تعالى. والآيات القرآنية هى ما استقر بأيدينا في آخر عصر النبوة؛ وهى ما صدر للصحابة الأمر المؤكد بإثباته ونقله، واستقر الأمر عليه، فكانت كل آياته معلومة ومحفوظة، وأما جمع القرآن بعد العصر النبوي؛ فهو عملية تكميلية لحفظ القرآن بكتابته في مصحف واحد بعد ما كان في مواضع متفرقة. وهو المنقول بالتواتر، وعليه إجماع المسلمين. وآياته ثابته الحكم والتلاوة، ويوجد في بعضها الناسخ أو المنسوخ، ولا يثبت فيه النسخ إلا بالإجماع والنقل المتواتر لما ثبت في عصر النبوة.
****
النقطة الرابعة
4-أن الصحابة الكرام لم يكونوا يفرقون على مستوى الحجية والعمل بين القرآن المتلو والسنة المروية..
وكانوا يرون ذلك كله كتاب الله أي قضاؤه وحكمه ومنهجه الذي وضعه للناس ليبتليهم في العمل به، وهذا ما كانوا يرونه في حد الرجم على الزاني المحصن حيث يعتقدونه حكم الله الذي يجب العمل به...
وفي صحيح مسلم (1697 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنْشُدُكَ اللهَ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الْآخَرُ: وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ»، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ".
قال العلامة الخطابي رحمه الله:
قوله صلى الله عليه وسلم " والله لأقضين بينكما بكتاب الله" يُتأوَّل على وجوه :
أحدها : أن يكون معنى الكتاب الفرض والايجاب يقول: لأقضين بينكما بما فرضه الله وأوجبه؛ إذ ليس في كتاب الله ذكر الرجم منصوصا متلوا كذكر الجَلْد والقطع والقتل في الحدود والقصاص. وقد جاء في الكتاب بمعنى الفرض كقوله عز وجل {كتاب الله عليكم} (النساء: 24)، وكقوله {كُتب عليكم القصاص} (البقرة: 178) أي فرض، وقال عز وجل {وكتبنا عليهم فيها} (المائدة: 45) أي فرضنا وأوجبنا.
ووجه آخر: وهو أن ذكر الرجم وإن لم يكن منصوصاً عليه باسمه الخاص فإنه مذكور في الكتاب على سبيل الإجمال والإبهام ولفظ التلاوة منطوٍ عليه وهو قوله {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} (النساء: 16) والأذى يتسع في معناه للرجم ولغيره من العقوبة. وقد قيل : إن هذه الآية لما نسخت سقط الاستدلال بها وبمعناها.
وفيه وجه آخر: وهو أن الأصل في ذلك قوله {أو يجعل الله لهن سبيلا} (النساء: 15) فضمن الكتاب أن يكون لهن سبيل فيما بعد ؛ ثم جاء بيانه في السنة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني ؛ قد جعل الله لهن سبيلا؛ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" ( قلت: فكان السبيل في كتاب الله مجملا بينته السنة) .
ووجه رابع : وهو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قرأناها فيما أنزل الله " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " وهو ما رفعت تلاوته وبقي حكمه والله أعلم.)ا.ه.( )
****
وعند مسلم ترقيم عبد الباقي (1691) عن عَبْد اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوِ الِاعْتِرَافُ ".( )
وقد تأول قومٌ في قول عمر : قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي تلوناها ، والحكمة تتلى ، بدليل قول الله عزوجل : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ" } ( الأحزاب : 34 ) .
وبين أهل العلم في هذا تنازع يطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول ذكره .
جاء في تهذيب الآثار للطبري: (إن قال لنا قائل: ما وجه هذا الخبر الذي ذكرت عن زيد بن ثابت , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) , وما معنى قول عمر: " لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبنيها , فكأنه كره ذلك "...فذكر كلاما , ثم قال رحمه الله: وأما قول عمر: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم , فقلت أكتبنيها , وكأنه كره ذلك , ففيه بيان واضح أن ذلك لم يكن من كتاب الله المنزل كسائر آي القرآن , لأنه لو كان من القرآن لم يمتنع صلى الله عليه وسلم من إكتابه عمر ذلك , كما لم يمتنع من إكتاب من أراد تعلم شيء من القرآن ما أراد تعلمه منه , وفي إخبار عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كره كتابة ما سأله إلا كتابه إياه من ذلك الدليل البين على أن حكم الرجم - وإن كان من عند الله تعالى ذكره - فإنه من غير القرآن الذي يتلى ويسطر في المصاحف ...إلخ كلامه)ا.ه.( )
( قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرُهُ نَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ قَطْعًا، وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنِ ادِّعَاءِ كَوْنِ النَّاسِخِ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) . لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا ثُمَّ انْتِسَاخُ تِلَاوَتِهَا، وَإِنْ ذَكَرَهَا عُمَرُ – رضى الله عنه - وَسَكَتَ النَّاسُ فَإِنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ حُجَّةً مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَبِتَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا إِذْ ذَاكَ حَضَرُوا ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ ظَنِّيٌّ ، وَلِهَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ لِلْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَةً وَعُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ نَسْخِ عُمُومِ الْآيَةِ، فَيَكُونُ رَأْيَهُ أَنَّ الرَّجْمَ حُكْمٌ زَائِدٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ قِيلَ بِهِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ)ا.ه.( )
***
وقد صح في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة، وقال: «قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن يزِيد وَغَيره، وقصتها أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جلد شراحة يَوْم الْخَمِيس ورجمها يَوْم الْجُمُعَة، فَقيل لَهُ: أَجمعت بَين حَدَّيْنِ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله ورجمتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أي إن الجلد ثابت في القرآن والرجم ثابت في السنة والجمهور على أنه لا يجمع بين الجلد والرجم.
قال في الفتح : قال بن بطال: أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة، واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن، وحكاه بن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج، واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم وكذلك الأئمة بعده، ولذلك أشار علي رضي الله عنه بقوله : ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثبت في صحيح مسلم عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب الرجم" .( )
أقول: فثبوت حد الرجم وهو إجماع السلف وأهل السنة والجماعة ثابتٌ بالإجماع، وصريح السنة، ومفهوم الكتاب، لأن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده قد بيّن ما جعل الله تعالى للنساء الزانيات من سبيلٍ ذكر في الآية المباركة {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} (النساء: 15) فالسبيل الرجم كما في حديث مسلم.
وثبوت حد الرجم لا يتوقف على إثبات آية الرجم المزعومة، فتنبه.
قال ابن الملقن:
فالرجم ثابت كما قررناه، ولا عبرة بدفع الأزارقة من الخوارج والمعتزلة الرجم معللين بأنه ليس في كتاب الله، وما يلزمهم من اتباع الكتاب مثله يلزمهم من اتباع السنة، قال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة واتفاق (أئمة) (2) الأمة، ولا يعدون خلافًا، ولا يلتفت إليهم.( )
وفائدةٌ أخرى: أن هذا ليس مثالاً لوقوع نسخ الكتاب بالسنة، فإن السنة هنا بيان للسبيل الذي جاء في كتاب الله تعالى، فتنبه.
وما يعنينا من الشاهد هنا: أن علياً ابن طالب أثبت حكم الرجم بالسنة، ولم يقل بآية الرجم المزعومة، ولو أقر بها لجعلها عمدته في نسخ تلاوتها وبقاء حكمها ولم يفعل، فتأمل.
وهنا نقول أن الإجماع على قرآنية آية الرجم تلك هو تجاوز علمي غير مقبول.
النقطة الخامسة
5-في هذه النقطة أود أن أناقش أشهر ما احتج به على نسخ التلاوة وبقاء الحكم وهو رواية (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما...) وكما فصَّل العلامة المحدث الألباني في بحثه الذي نقلناه في الهامش على هذه الرواية والذي يتبين منه عندنا أمور:
أن أصح كتب الحديث والرواية ( الصحيحين) لم تذكر هذه الزيادة (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما...)، وإنما اكتفت بالإشارة إلى وجود حكم الرجم في كتاب الله أي قضائه وحكمه أو متضمنا في السبيل الذكور في الآية كما بان لنا من تأويل الخطابي الذي نقلناه؛ حتى إن النسائي- وهو مَن هو في حفظ الحديث ورواياته وقد قيل أنه أحفظ من سلم صاحب الصحيح- قال أن هذه الزيادة تفرد بها سفيان بن عيينة، وقد تحيَّل الحافظ بن حجر لإيراد الشواهد لها والمتابعات؛ وأيا كان فما زالت هذه الزيادة ظنية لا تثبت وجودها آيةً في كتاب الله المتواتر النقل، وإلا لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابتها إن كانت من القرآن المتلو.
أن صحة السند لا تعني صحة المتن وخصوصا حين تفرد وظنية مثل هذه الزيادة التي تفتح بابا خطيرا من التقول على صحة كمال القرآن الذي وصلنا بين دفتى المصحف ؛ فيستغلها المنافقين الروافض وأمثالهم في نقض الدين...
ومما يشكك في صحة المتن الذي يقدم هذه العبارة (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما...) على أنها مما نسخت تلاوته وبقى حكمه ذلك الاضطراب الواضح بين المتون التي جاءت بها على قلتها ابتداءا، ففي رواية أنها نزلت في سورة النور، وفي أخرى انها كانت في سورة الأحزاب، وفي رواية فارجموهما البتة أى في كل الأحوال كانا محصنيْن أو عزبين وهو بخلاف ما ثبت بالسنة القطعية والإجماع أن الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن، وهو ما صرح به الإمام مسلم في صحيحه في الحديث الذي سقناه، ثم ما وجه ذكر (الشيخ والشيخ) دون (المحصن والمحصنة) والأخير في القيد أحرى وأولى، كذلك ورد نص الآية المزعومة في الروايات التي أوردته بعبارات مختلفة، فواحدة منها تذكر (بما قضيا من اللذة) وواحدة لا تذكره، وثالثة تذكر عبارة «نكالا من الله» ورابعة لا تذكرها.
قال الشيخ محمد الصادق عرجون في كتابه محمد رسول الله: (وقد بينا بيانا شافيا أن ألفاظ ما زعموه آية قرآنية نزلت في وجوب حد الرجم لمن زنى بعد إحصان في رواياتهم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله) لم تكن قط من ألفاظ القرآن ولا ألفاظ الحديث الشريف، فلم يستعملا كلمة (الشيخة) في معنى الإحصان ولا كلمة (الشيخ) في هذا المعنى، وكذلك كلمة (البتة) لم ترد في القرآن الحكيم البتة، لا فيما ثبتت قرآنيته بالتواتر ثم نسخ، ولا فيما أحكم فلم ينسخ منه شيء.
هذا وجه إن لم يدلّ صراحة على بطلان الرواية فهو دال على استبعاد نزول آية قرآنية في زعم من رواها قرآنا بألفاظ طرحها القرآن والحديث فلم يستعملاها في المعنى المقصود للرواية، وهذه وجهة لفظية ترجح إلى خصائص القرآن في ألفاظه وملاءمتها في الفصاحة ولطف الأداء، وهي كافية في إلقاء الشك في قرآنية هذا الكلام.) انتهى.
أقول: هذا التعارض والاضطراب ومخالفة أصول لغة وبلاغة القرآن وقواطع السنة وإجماع الأمة، مع لين أسانيد هذه الروايات وظنيتها وكونها من الآحاد التي لا تعارض بحال تواتر نقل آيات كتاب الله الذي بلغنا بين دفتى المصحف.
كل هذا يشكك كثيراً في وجود مثل هذا النوع من النسخ أو على الأقل بهذه النماذج وهذا التفصيل.
***
كما إنني حاولت الوقوف ليس مع (ظنية الثبوت) لأخبار الآحاد تلك وحسب، وإن كنت على مذهب السنة في إثبات العمل بتلك الأخبار، ولكن الحديث عن القرآن وثبوته حديث عن التواتر لا غيره، ثم إنني وقفت أيضا هنا مع (ظنية الدلالة)، واستشفعت بالآثار لتوضيح ذلك، لبيان أن الأمر برمته يدعو للشك والتأمل، فكيف إذا كان الحديث عن فتح بابا للشر عظيم على الإسلام والمسلمين.
النقطة السادسة
6-هذا الذي ذكره الشيخ ابن الهمام أن الحكمة من نسخ التلاوة والحكم تبدو واضحة من رفع آياتٍ من القرآن من الصدور ومن العمل لانتهاء حكمتها في العمل بها لوقت محدد، أو ارتفاع حكمها مع بقاء تلاوتها ، أما القول برفع تلاوة آيةٍ وبقاء حكمها يفتح الباب أمام ادعاءات كثيرة مكذوبة بوجود آياتٍ نسخت تلاوتها وبقى حكمها أو كتمها الصحابة كما يقول الروافض لعنهم الله...
قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا عَلَى إِرَادَةِ الْكُلِّ ( أى نسخ التلاوة والحكم) ، وَإِلَّا لَزِمَ ضَيَاعُ بَعْضِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَمْ يُنْسَخْ؛ فَيَثْبُتُ قَوْلُ الرَّوَافِضِ أنه ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ فَلَا تَمَسُّكَ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا ... ثم قال : لِأَنَّ ادِّعَاءَ بَقَاءِ حُكْمِ الدليل بَعْدَ نَسْخِهِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ نَسْخَ الدَّليل يَرْفَعُ حُكْمَهُ، وَأما رواية أو حكم " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا" فَلَوْلَا مَا عُلِمَ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الرجم (أقول – أي الباحث-: فإنه ليس في كتاب الله المتلو المعتبر).) ا.ه.( )
****
وقد أنكر بعض العلماء هذا الضرب من النسخ (أى نسخ التلاوة مع بقاء الحكم) لعدم فهمهم الحكمة منه؛ ولضعف دليله لأنه من قبيل أحاديث الآحاد التى يتطرق إليها الاحتمال فيسقط به الاستدلال.
وقد بالغ الدكتور مصطفى زيد فى إنكار هذا الضرب بالطعن فى صحة النصوص الواردة في ذلك فقال فيما قال:
(أما الآثار التى يحتجون له بها .. وهى تنحصر فى آيتى رجم الشيخ والشيخة إذا زنيا، والتحريم من الرضاع بالرضعات الخمس- فمعظمها مروى عن عمر وعائشة رضى الله عنهما، ونحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار عنهما، بالرغم من ورودها فى الكتب الصحاح؛ فإن صحة السند لا تعنى فى كل الأحوال سلامة المتن.
على أنه قد ورد فى الرواية عن عمر قوله بشأن حد الرجم فيما زعموا: «ولولا أن يقال: زاد عمر فى المصحف لكتبتها» وهو كلام يوهم أنه لم ينسخ لفظا أيضا مع أنهم يقولون: إنها منسوخة اللفظ باقية الحكم.
كذلك ورد نص الآية فى الروايات التي أوردته بعبارات مختلفة، فواحدة منها تذكر قيد الزنا بعد ذكر الشيخ والشيخة، وواحدة لا تذكره، وثالثة تذكر عبارة «نكالا من الله» ورابعة لا تذكرها.
وما هكذا تكون نصوص الآيات القرآنية ولو نُسخ لفظها.
وفى بعض هذه الروايات جاءت بعض العبارات التي لا تتفق ومكانة عمر ولا عائشة مما يجعلنا نطمئن إلى اختلاقها ودسها على المسلمين)ا.ه. ( )
****
أقول
وإني استشعر أن عمرا رضى الله عنه وغيره من الصحابة قد نقلوا كلاما سمعوه حقيقةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيِّن لهم أحكام هذا الدين بما يوازي دلالة القرآن في الأمر بالعمل قوةً عندهم ، كما ثبت أن عليا بن أبي طالب - رضى الله عنه - كان يحتفظ بصحيفةٍ فيها من الأحكام، وكان يقول:" لم يترك لنا رسول الله إلا القرآن وما في هذه الصحيفة"، ولم تكن قرآنا كلاماً لله يُتعبَّد به لله سبحانه ، وإن كانت من كتاب الله أى قضاءه وأمره وحكمه وشرعه كما نقلنا عن الخطابي قبلُ شرحه لحديث " لأقضين بينكم بكتاب الله".
فقد روى البخاري في صحيحه( )– بسنده- عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: " لاَ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ "، وفي رواية له "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟" .
قال الحافظ في الفتح ( ):
قَوْلُهُ: {هَلْ عِنْدَكُمْ؟} الْخِطَابُ لِعَلِيٍّ رضى الله عنه، وَالْجَمْعُ إِمَّا لِإِرَادَتِهِ مَعَ بَقِيَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ لِلتَّعْظِيمِ. وقَوْلُهُ{ كِتَابٌ} أَيْ مَكْتُوبٌ أَخَذْتُمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ البخاري فِي كتاب الْجِهَادِ :{هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟} ، وَلَهُ فِي الدِّيَاتِ:{ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟} وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ:{ هَلْ عَلِمْتَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ..؟}.
وَإِنَّمَا سَأَلَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الشِّيعَةِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا سِيَّمَا عَلِيًّا أَشْيَاءَ مِنَ الْوَحْيِ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لَمْ يُطْلِعْ غَيْرَهُمْ عَلَيْهَا ، وَقَدْ سَأَلَ عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ ، وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ وَحَدِيثُهُمَا فِي مُسْنَدِ النَّسَائِيِّ .
وَقَالَ ابن الْمُنِيرِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَشْيَاءُ مَكْتُوبَةٌ مِنَ الْفِقْهِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ .. وَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رجل لِأَنَّهُ ذكره بِالرَّفْعِ ، وربما مَعْنَاهُ لَكِنْ إِنْ أَعْطَى اللَّهُ رَجُلًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ فَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ.. إلخ كلامه رحمه الله.
وقَوْلُهُ رضى الله عنه: " مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ" أَيْ شئ مَكْتُوبٌ وَإِلَّا فَكَانَ عِنْدَهُمْ أَشْيَاءُ مِنَ السُّنَّةِ سِوَى الْكِتَابِ أَوِ أن الْمَنْفِيُّ شَيْءٌ اخْتُصُّوا بِهِ عَنِ النَّاسِ.
وَسَبَبُ قَوْلِ عَلِيٍّ - رضى الله عنه- هَذَا يَظْهَرُ مِمَّا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ { أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ فَعَلْنَاهُ ، فَيَقُولُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَشْتَرُ : إِنَّ هَذَا الَّذِي تَقُولُ أَهُوَ شَيْءٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ شَيْئًا خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ إِلَّا شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ فَهُوَ فِي صَحِيفَةٍ فِي قِرَابِ سَيْفِي ؛ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ؛ فَإِذَا فِيهَا ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَزَادَ فِيهِ:" الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ . أَلَا لَا يُقْتَلْ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ "، وَقَالَ فِيهِ:" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا وَحِمَاهَا كُلَّهُ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا ، وَلَا يُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ ، وَلَا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلَاحُ لِقِتَالٍ" ، وَالْبَاقِي نَحْوُهُ ...... وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فَنَقَلَ كُلُّ رَاوٍ بَعْضَهَا .ا.ه. ( )
والمقصود أن عليا رضى الله عنه وإن كان قد احتفظ بصحيفة كتبها عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يجعلها قرآنا ؛ وإن كان يراها في الحجة والعمل من عند الله وحيا إلى نبيه.. كما في قوله صلى الله عليه وسلم كما السنن ومسند أحمد: " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ (يضيفوهم) ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ " .
قال السندي: قوله: (مثله) ....، والمماثلة إما في القَدْر، أو في وجوب الطاعة، والأول أظهر، فإن وجوب الطاعة يفهم من المعية. قال البيهقي: يحتمل أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر، أو أوتي الكتاب وحياً يتلى، وأوتي مثله من البيان، أي: أُذن له أن يُبينَ ما في الكتاب فيعم ويخص، وأن يزيد عليه، فيشرع ما ليس له ذكر في الكتاب، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به، كالظاهر المتلوِّ من القرآن. يَعْنِي: أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَأَحْكَامًا وَمَوَاعِظَ وَأَمْثَالًا تُمَاثِلُ الْقُرْآنَ فِي كَوْنِهَا وَاجِبَةَ الْقَبُولِ أَوْ فِي الْمِقْدَارِ. ا.ه... ( )
الخلاصة
والذي أميل إليه خلاصةً أن ما ثبت واستقر من كلام الله المنزل على محمد بلفظه وإعجازه قد استقر بنقله تاما بكل أمانةٍ وبالتواتر الأكيد بين دفتىْ المصحف الشريف..
وأما ما ذُكر من النصوص عن وجود آيات منسوخة التلاوة باقية الحكم فلا ننكر عدل نقلها إلينا من سلفنا الصالح، ولعلهم نقلوا عن الصحابة أحكاما نص عليها الرسول بلفظه وحيا- غير قرآن- وإن كانت في قوة القرآن دليلا ؛ وكلٌ وحىٌ من عند الله سبحانه؛ ولكنها ليست مما يُتعبد به تلاوةً وإعجازا وثباتا عن الله تعالى ، ولكنها أحاديث آحاد والقرآن العظيم إنما يثبت بالتواتر ، ولذا لم تُثبَت في المصحف الشريف..
ومما يؤكد ما أذهب إليه ما رواه النسائي ( ) - بسنده- عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمَلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَجِيءُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ " ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ ثُمَّ مَا نَسَخَهَا ".
وموضع الاستدلال قوله" وَاللهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ ثُمَّ مَا نَسَخَهَا " فقد أطلق عليها اسم الاتزال وليست بقرآن قطعا.. ومن مثال ما نميل إليه أيضا في قوله تعالى" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" بعضهم زاد" صلاة العصر" وليست بقرآن وإنما هى بيان وتفسير ربما يكون له مستنده من قول الرسول.. ولكن الله تعالى حفظ قرآنه ووصل إلينا بكل دقةٍ بنصه ورسمه.. ولا حجة لمشكِّكٍ في كتاب الله تعالى إلا النفاق وضياع الإيمان وفتنة المسلمين عن دينهم..
ومما يدل على ذلك تراجع أسلوب هذه الروايات التي يدَّعَى أنها آيات منسوخة التلاوة كثيرا جدا عن أسلوب القرآن فلا مقارنة أبداً، وكذلك اضطرابها في النقل والتواتر، وعدم إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بنقلها على أنها قرآن يُتلى، وعدم إقرار الصحابة الأمناء على نقلها في المصاحف مع إقرارهم بأنها حكم الله أى ما افترضه وأوجبه ولكنها ليست بقرآن..
وأما عن هَمِّ عمر- رضوان الله عليه- بكتابتها في المصاحف فكما قال الزرقاني في شرح الموطأ وغيره من العلماء: أن لو كانت من القرآن حقا ونصا ما منعه مانعٌ أياً ما كان أن يكتبها في المصحف، ولأصر جمع الصحابة على كتابتها، كيف لا وقد نقلوا النص الحكيم كاملا بكل أمانة؟ وما هَمُّ عمرٍ هذا إلا من باب المبالغة للحث على إمتثال حدٍ مسنون مشروع مؤكد في الدين يوازي بدليله القرآن الكريم وإن لم يكن منه... والله تعالى أعلى وأعلم...
****
المصادر
البرهان في علوم القرآن (2/ 39)
مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 238 .
قال الشيخ في سلسلته المباركة برقم 2913 م6ص977 : ورد هذا الحديث من حديث عمر وزيد بن ثابت وأبي بن كعب والعجماء خالة أبي أمامة بن سهل..
1 - أما حديث عمر، فقال أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف ": حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: قال عمر: قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول القائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن، أو قامت البينة، أو كان حمل، أو اعتراف. وقد قرأتها: " الشيخ والشيخة.. " الحديث، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده. وأخرجه ابن ماجة من طريق أبي بكر، وكذا مسلم، ولكنه لم يسق لفظه، والنسائي في " الكبرى" والبيهقي من طريقين آخرين عن سفيان بن عيينة به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه، البخاري من طريق علي بن عبد الله، ومسلم من طريق أبي بكر - كما تقدم - كلاهما عن سفيان به، إلا أنهما لم يقولا: " وقد قرأتها.. " إلخ، .... وقد ذكر الحافظ في " الفتح " أن الإسماعيلي أخرجه، يعني في " مستخرجه على البخاري " من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني، وفيه القول المذكور، وقال الحافظ عقبه: " ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا". ثم استشهد على ذلك بقول النسائي عقب الحديث: " لا أعلم أحدا ذكر في هذا
الحديث: " الشيخ والشيخة.. " غير سفيان، وينبغي أنه وهم في ذلك ". قال الحافظ: " وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان، وعقيل، وغيرهم من الحفاظ عن الزهري، فلم يذكروها، وقد وقعت هذه الزيادة في هذا الحديث من رواية الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : لما صدر عمر من الحج وقدم المدينة خطب الناس فقال:.. "، فذكر الخطبة وفيها الزيادة، وهي في " حدود الموطأ " . وأخرجها ابن سعد في " الطبقات " من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا يحيى بن سعيد به.
وبهذا الإسناد روى أحمد طرفا منه. ورواه من طريق أخرى عن يحيى.
قلت: وهذا إسناد صحيح على الخلاف المعروف في سماع سعيد من عمر. فهو شاهد قوي للزيادة التي تفرد بها ابن عيينة، ثم ذكر الحافظ لها شواهد أخرى
، ويأتي تخريجها إن شاء الله قريبا.
2 - وأما حديث زيد بن ثابت، فيرويه شعبة عن قتادة، عن يونس بن جبير عن كثير ابن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الشيخ والشيخة.. " الحديث. فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، - قال شعبة – فكأنه كره ذلك. فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم؟ أخرجه أحمد ، والنسائي في " السنن الكبرى " والدارمي المرفوع منه، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وفي رواية للنسائي من طريق أخرى عن ابن عون عن محمد - هو ابن سيرين - نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت قال زيد: كنا نقرأ: " والشيخ والشيخة.. "، فقال مروان: أفلا نجعله في المصحف؟ قال: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان؟ قال: وقال: ذكروا ذلك وفينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أنا أشفيكم من ذاك. قال: قلنا: كيف؟ قال: آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذكر كذا وكذا، فإذا ذكر الرجم أقول: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: فأتيته فذكرته، قال: فذكر آية الرجم. قال: فقال: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: " لا أستطيع ذاك ". قلت: ورجاله ثقات غير شيخ محمد، فإنه لم يسم، وقد أشار إلى صحته البيهقي بقوله عقبه: " في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا ". وأورده السيوطي في " الدر المنثور " من رواية النسائي وأبي يعلى نحوه ببعض اختصار بلفظ: " لا أستطيع الآن ".
3 - وأما حديث أبي، فيرويه عاصم بن بهدلة عن زر قال: قال لي أبي بن كعب: كائن تقرأ سورة (الأحزاب) ، أو كائن تعدها؟ قال: قلت: ثلاثا وسبعين آية. قال: قط، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة (البقرة) ، ولقد قرأنا فيها: " الشيخ والشيخة.. "، وزاد: " نكالا من الله، والله عليم حكيم ".
أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي أيضا، وعبد الرزاق في " المصنف " والطيالسي وعبد الله بن أحمد والضياء في " المختارة " وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، على ما سبق بيانه تحت الحديث الأول رقم (2908) . وزاد الطيالسي في آخر الحديث: " فرفع فيما رفع ". وفي سندها ابن فضالة، واسمه مبارك، وهو مدلس، وقد عنعن. وقد توبع عاصم على أصل الحديث من يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش به. أخرجه عبد الله بن أحمد أيضا. ويزيد هو الهاشمي مولاهم، ولا بأس به في المتابعات.
4 - وأما حديث العجماء، فيرويه الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته (وقال الطبراني: العجماء) أخبرته قالت: لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم: " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة، بما قضيا من اللذة ". أخرجه النسائي والحاكم والطبراني في " المعجم الكبير " وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: رجاله ثقات رجال الشيخين غير مروان بن عثمان، وهو ابن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري الزرقي، غمزه النسائي، وقال أبو حاتم: ضعيف. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " ! وقال الذهبي في " الكاشف ": " مختلف في توثيقه "! قلت: فلم يصنع شيئا. وقد أورده في " المغني "، وذكر تضعيف أبي حاتم إياه، وغمز النسائي له، ولم يتعرض لذكر توثيق ابن حبان، وهو الصواب هنا، ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه " ضعيف ". وقال في " الإصابة ": " متروك ". انظر " الضعيفة " (6371) . ا.ه من السلسلة الصحيحة باختصار غير مخل حتى لا تتشتت الأذهان، ويمكن للقارئ الكريم مراجعة التحقيق في محله.
انظر شرح الطيبة للنويرى ظهر 18، ووجه 19 رقم 374 رافعى 26610 قراءات بمكتبة الأزهر (وقد طبع محققا).
راجع الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/ 313،314) مجموعة من الأساتذة في الأزهر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، 1423 هـ - 2002 م.
راجع الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/ 314)
المنتقى شرح الموطإ مطبعة السعادة(1/ 244)
راجع فتح الباري لابن حجر (9/ 65) دار المعرفة - بيروت، 1379ه.
وَهُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة، وَهِي خَوْلَة بنت جَعْفَر من نَبِي حنيفَة، وَكَانَت سبي الْيَمَامَة الَّذين سباهم أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (20/ 37)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (19/ 28)
كما في معالم السنن (3/ 323)
قال النووي في شرحه11/ 191 باختصار: قَوْلُهُ (فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا) أَرَادَ بِآيَةِ الرَّجْمِ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ) وَهَذَا مِمَّا نُسِخَ لَفْظُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ... وَفِي إِعْلَانِ عُمَرَ بِالرَّجْمِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَسُكُوتِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْحَاضِرِينَ عَنْ مُخَالَفَتِهِ بِالْإِنْكَارِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الرَّجْمِ... وقوله (فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ) هَذَا الَّذِي خَشِيَهُ قَدْ وَقَعَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ ، وَهَذَا مِنْ كَرَامَاتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..)ا.ه.
تهذيب الآثار للطبري (مسند عمر) (2/ 875) محمود محمد شاكر، الناشر: مطبعة المدني – القاهرة.
نقلا من مرقاة المفاتيح (6/ 2328).
فتح الباري لابن حجر (12/ 118)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح (31/ 153)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2079)باختصار
كلامه من الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/ 636).
صحيح البخاري/ كتاب العلم /برقم111. وفي حديث آخر له /كتاب الجزية/ رقم3172 – بسنده- عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ: فِيهَا الجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الإِبِلِ: «وَالمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ»..
انظر فتح الباري لابن حجر (1/ 204) وراجع أيضا في فتح الباري لابن حجر (4/ 85)
وجاء في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 160) بتصرف واختصار:مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الدِّيات بِلَفْظ: (مَا عندنَا إلاَّ مَا فِي الْقُرْآن إلاَّ فهما يعْطى رجل فِي الْكتاب) . وَالْمعْنَى: إلاَّ مَا فِي الْقُرْآن من الْأَشْيَاء المنصوصة، لَكِن إِن أعْطى الله رجلا فهما فِي كِتَابه فَهُوَ يقدر على استنباط أَشْيَاء أُخْرَى خَارِجَة عَن ظَاهر النَّص... وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: كَلَام عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، أَنه لَيْسَ عِنْده سوى الْقُرْآن، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخص بالتبليغ والإرشاد قوما دون قوم، وَإِنَّمَا وَقع التَّفَاوُت من قبل الْفَهم واستعداد الاستنباط، وَاسْتثنى مَا فِي الصَّحِيفَة احْتِيَاطًا لاحْتِمَال أَن يكون مَا فِيهَا مَا لَا يكون عِنْد غَيره فَيكون مُنْفَردا بِالْعلمِ بِهِ... قَالَ ابْن بطال: فِيهِ مَا يقطع بِدعَة الشِّيعَة والمدعين على عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، أَنه الْوَصِيّ، وَأَنه الْمَخْصُوص بِعلم من عِنْد رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يعرفهُ غَيره حَيْثُ قَالَ: مَا عِنْده إلاَّ مَا عِنْد النَّاس من كتاب الله، ثمَّ أحَال على الْفَهم الَّذِي النَّاس فِيهِ على درجاتهم، وَلم يخص نَفسه بِشَيْء غير مَا هُوَ مُمكن فِي غَيره.
من مسند أحمد ط الرسالة (28/ 413) بهوامشه .
في السنن الكبرى (3/ 420) وأحمد وابن ماجه بسند صحيح 3448