نزهة الأخيار بين روابي عيـون الأخبار

علي البشر

New member
إنضم
16 يناير 2011
المشاركات
225
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
جاء في معجم الأدباء للحموي (2498/6) ذِكر القصّة التالية ...
قال الأمير أحمد بن الحسين أبو نصرٍ المكيالي :
تذاكرنا المتنزّهات يوماً ، وابن دريدٍ حاضرٌ ، فقال بعضهم : أَنْزَهُ الأماكن غُوطة دمشق؛ وقال آخرون : بل نهر الأُبلّة؛ وقال آخرون : بل سُغْدُ سمرقند؛ وقال بعضهم : بل شِعبُ بوان؛ وقال بعضهم : بل نُوبهار بلخ ...
فقال ابن دريد : هذه متنـزّهات العيون ، فأين أنتم عن متنـزهات القلوب؟
قالوا : وما هي يا أبا بكر ؟ قال :
عيـون الأخبـار للقتيـبي ؛ والزهـرة لابـن داود ؛ وقـلق المشتـاق لابن أبي طـاهر ... ثم أنشأ يقول :
ومَن تك نُزهتـه قينةٌ *** وكأسٌ تُحثّ وأخرى تُصب
فنُـزهتنا واستراحتنا *** تلاقي العيون ودرسُ الكتب​
وبعد: أيها الأفاضل الأخيار ؛ فهذه ورودٌ ورياحين وأزهار ؛ أقتطفتُها لكم من كتاب: عيون الأخبار ..
لابن قتيبة الدينوري ؛ عليه رحمة الباري.
وما لي منها إلا الاستملاح والاختيار ، وأرجو ألا تؤاخذوني فقد قدّمت الاعتذار ..
وهاهو عامي الأول - على ولادتي في هذا الملتقى - قد أفل ، فأحببت أن أختمه بهذا العمل ، ختم الله لنا جميعاً بغفران الزلل ..
إنه وليّ ذلك والقادر عليه ..
 
من حُلَل الديـباجة

من حُلَل الديـباجة

مما جادت به قريحة ابن قتـيبة رحمه الله في مقدمة كتابه ، قوله :
هذه عيـون الأخـبار؛ نظمتُها لمغفل التأدب تبصـرةً ، ولأهل العلم تذكرةً ، ولسائس الناس ومَسُوسِهم مؤدباً ، وللملوك مستراحاً..
وصَنّفتُها أبواباً ، وقَرنتُ الباب بشكله ، والخبرَ بمثله ، والكلمةَ بأُختها ؛ ليَسهُل على المتعلّم عِلْمُها ، وعلى الدارس حِفظها ، وعلى الناشد طَلَبها ..
وهي لقاحُ عقول العلماء ، ونتائجُ أفكار الحكماء ، وزُبدةُ المَخْض ، وحِليةُ الأدب ، وأثمارُ طُول النظر ، والمُتخَيَّرُ من كلام البلغاء ، وفِطَنِ الشعراء ، وسِيَر الملوك ، وآثار السلف ...
....​
وللحديث تكملة ..
 
ثـم قـال رحـمه اللـه عـن عيـون أخبـاره :
جمعتُ لك منها ما جمعتُ في هذا الكتاب ، لتأخُذَ بأحسنِها ، وتُقوِّمَها بِثِقَافِها ، وتُخلِّصَها من مساوئ الأخلاق كما تُخلَّصُ الفضةُ البيضاءُ من خَبَثِهَا ؛ وتَرُوضَها على الأخذ بما فيها من سُنَّةٍ حسنةٍ ، وسِيرةٍ قويمةٍ ، وأدبٍ كريمٍ ، وخُلُقٍ عظيمٍ ؛ وتَصِلَ بها كلامكَ إذا حاورتَ ، وبلاغتكَ إذا كتبتَ ، وتَستنجحَ بها حاجتكَ إذا سألتَ ، وتتلطَّفَ في القول إذا شفعتَ ، وتَخرُجَ من اللَّوم بأحسن العذر إذا اعتذرتَ ؛ فإن الكلامَ مصايدُ القلوب ، والسحرُ الحلال ..
وتَستَعملَ آدابها في صُحبة سلطانك ، وتَسديدِ ولايته ، ورفقِ سياسته ، وتدبيرِ حروبه ؛ وتَـعمُرَ بها مجلسكَ إذا جَدَدْتَ أو هزِلتَ ، وتُوضِحَ بأمثالها حُججك ، وتَبُذَّ باعتبارها خصمك ؛ حتى يظهرَ الحقُّ في أحسن صورة ، وتَبلُغَ الإرادةَ بأخفِّ مؤونة ، وتستوليَ على الأمد وأنت وَادِع ، وتلحقَ الطريدة َ ثانياً من عِنَانِك ، وتمشي رويداً وتكونَ أولاً ..
هذا إذا كانت الغريزةُ مواتيةً ، والطبيعـةُ قابلةً ، والحِسُّ مُنقاداً ...

فإن لم يكن كذلك ؛ ففي هذا الكتابِ ولِمن أراهُ عقلُهُ نَقصَ نفسه فأحسَنَ سياستها ، وسَتَر بالأناة والرَّوِيَّةِ عَيبَها ، وَوَضَعَ من دواء هذا الكتاب على داء غريزته ، وسَقَاها بمائه ، وقَدَحَ فيها بضِيائه ، ما نَعَش منها العليلَ ،وشَحَذَ الكليلَ ، وبَعثَ الوسنان ، وأيقظَ الهاجعَ ، حتى يقارب بعون الله رُتَب المطبوعين ...

وللحديث صِلةٌ بعون الله ..
 
الكنـز المخبـوء​
قـال رحمه الله :
وأودعتُه طرفاً من محاسن كلام الزُّهَّاد في الدنيا ، وذِكرِ فجائعها ، والزوال والانتقال ، وما يتلاقون به إذا اجتمعوا ، ويتكاتبون به إذا افترقوا ، في المواعظ والزهد والصبر والتقوى واليقين ، وأشباه ذلك ؛ لعل الله يعطف به صادقاً ، ويأطر على التوبة متجانفاً ، ويردع ظالماً ، ويليّن برقائقه قسوة القلوب ..
ولم أُخْلِهِ مع ذلك من نادرةٍ ظريفةٍ ، وفِطنةًٍ لطيفةٍ ، وكلمةٍ مُعجِبَةٍ ، وأخرى مضحكةٍ ؛ لئلا يخرجَ عن الكتاب مذهبٌ سلكه السالكون ، وعَرُوضٌ أخذ فيها القائلون ؛ ولأُروِّح بذلك على القارئ من كدِّ الجِدّ ، وإتعاب الحق ؛ فإن الأذن مجَّاجة ، وللنفس حمضة ، والمزحُ - إذا كان حقاً أو مقارباً ، ولأحايينه وأوقاته وأسبابٍ أوجبتْهُ مشاكلاً - ليس من القبيح ، ولا من المنكر ، ولا من الكبائر ، ولا من الصغائر إن شاء الله ..

ولنا عودةٌ إن شاء الله ...
 
من كتاب السلطان
قال عبد الملك بن مروان : أنصِفُونا يا معشر الرَّعيّة ، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعيَّة أبي بكر وعمر !
نسأل الله أن يعين كلاًّ على كلٍّ ...
 
كان يقـال :
لا سلطان إلا برجـال ؛ ولا رجال إلا بمـال ؛ ولا مال إلا بعمـارة ؛ ولا عمارة إلا بعـدل وحسن سياسة ..
 
قال الوليد لأبيه عبد الملك بن مروان :
يا أبت ما السياسة ؟
قال : هيبةُ الخاصة مع صدق مودَّتها ، واقتيادُ قلوب العامة بالإنصاف لها ، واحتمال هفوات الصنائع ..
 
قال ابن قتيبة رحمه الله :
قرأتُ في كتاب التاج : قال أبْرَوِيز لابنه شِيرَوَيه وهو في حبسه :
لاتوسّعنّ على جندك فيستغنوا عنك ، ولا تُضيّقنّ عليهم فيَضِجّوا منك ؛ أعطهِم عطاءً قصْداً ، وامنعهم منعاً جميلاً ؛ وسّع عليهم عليهم في الرجاء ، ولا تُوسّع عليهم في العطاء ...
 
ونحوه قول المنصور في مجلسه لقوّاده :
صدق الأعرابيُّ حيث يقول : أَجِعْ كلبك يتْبعْكَ ..
أبو العباس الطوسي فقال : ياأمير المؤمنين ، أخشى أن يلوِّح له غيرُك برغيفٍ فيَتْبعَه ويدَعَك ...
 
حدّث الأصمعي عن ابن عمه ، قال :
كلَّمَ الناسُ عبدَ الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن يُكلِّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أن يلين لهم ، فإنه قد أخافهم ، حتى إنه قد أخاف الأبكار في خدورهن ؛ فقال عمر :
إني لا أجد لهم إلا ذلك ؛ إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي عن عاتقي ..

وتقدَّمتْ إليه امرأةٌ فقالت : أبا غَفرٍ ! حَفَص الله لك !!
فقال : مالكِ ؟ أعَقِرتِ ؟ -أي : دُهِشتِ-
فقالت : صَلَعتُ فرقتُك !!!

قال المحقق :
أرادتْ أن تناديه : يا أبا حفص غفر الله لك ؛ وأرادتْ من ثمّ أن تقول : فرقتُ صلعتك ، أي خفتُها ..
 
روى الهيثم عن مجالد عن الشّعبي قال:
قال الحجَّـاج: دلُّوني على رجلٍ للشُّرَط. فقيل: أيّ الرجال تريد؟ فقال:
أريـده دائمَ العُبـوس، طويلَ الجـلوس، سمـينَ الأمانـة، أعـجفَ الخيـانة، لا يُحنِـقُ في الحق على جِـرَّةٍ، يَهُون عليه سِبال الأشراف في الشفاعة .
فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي؛ فأرسل إليه يستعمله. فقال له: لست أَقبـلُها إلا أن تكفيني عُمَّالك وولدك وحاشيتك؛ قال: يا غلام، ناد في الناس: مَن طَلَب إليـه منهم حاجةً فقد بَرِئتْ منه الذِّمة.
قال الشعـبي: فواللّه ما رأيتُ صاحبَ شُرطةٍ قطُّ مثله!! كان لا يحبس إلا في دَيْنٍ؛ وكان إذا أُتِي برجلٍ قد نقَّبَ على قومٍ وَضَع مِنقَبَتَه في بطنه حتى تخرج من ظهره؛ وإذا أُتِي بنبّاشٍ حَفَرَ له قبراً فدفنه فيه؛ وإذا أُتِي برجلٍ قَاتَلَ بحديدةٍ أو شَهَرَ سلاحاً قطع يده؛ وإذا أُتِي برجلٍ قد أحرَقَ على قومٍ مَنْزِلهم أحرقه؛ وإذا أُتِي برجلٍ يُشَكُّ فيه وقد قيل إنه لص ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائة سوط.
قال: فكان ربما أقام أربعـين ليلةً لا يُؤتَى بأحد ؛ فضَمَّ إليه الحجاجُ شُرطة البصرة مع شرطة الكوفة ....
 
أشكر لجميع الأعضاء مرورهم ..
وأنبِّه إلى أن النسخة التي اعتمدتُها من البداية هي نسخة المكتب الإسلامي بتحقيق الأستاذ : منذر محمد سعيد أبو شعر حفظه الله ..
وسأحيل إليها في المشاركات القادمة إن شاء الله تعالى .
والله وليُّ التوفيق ...
 
قال عدي بت أرطاة لإياس بن معاوية:
دُلَّـني على قومٍ من القـرَّاء أُوَلِّـهم ..
فقال له : القـرّاء ضـربان :
فَضَربٌ يعملون للآخرة ولا يعملون لك؛
وَضَربٌ يعملون للدُّنيـا!! فما ظنُّكَ بهم إذا أنت وَلَّيتَهُم فمَكَّنْتَهم منها ؟!!
قال: فـما أصنعُ؟
قال: عليك بأهل البُيُـوتاتِ، الذين يَستحيُون لأحسابهم، فَوَلِّـهم ....
(37/1)
 
أحضَرَ الرَّشيـدُ رجلاً ليُـوَلِّيَهُ القضاءَ ..
فقال له: إني لا أُحسِنُ القضـاءَ، ولا أنا فقـيه ..
فقال الرشيد: فيكَ ثلاثُ خِـلال:
لكَ شَرَفٌ؛ والشرفُ يَمنَعُ صاحبَهُ من الدَّنـاءَةِ ..
ولكَ حِلمٌ يَمنعُكَ من العَجَـلةِ؛ وَمَن لم يَعْجَلْ قَـلَّ خطَـؤُه ..
وأنتَ رجلٌ تُشَـاوِرُ في أَمْرِك؛ وَمَن شَـاور كَثُـرَ صَوَابه ..
وأمَّا الفِقـهُ، فَسَيَـنضَمُّ إليكَ مَن تَتَـفَقَّهُ بِه ..
فَوُلِّـيَ فما وَجَـدُوا فِيهِ مَطعَـناً...
(37/1)
 
باب صُحبَـةِ السُّلطـانِ وآدابِهـا؛ وتَغَـيُّرُ السلطانِ وتَلَوُّنُـه

حَدَّثني مُحَمد بن عُبيد، قال: حَدَّثنا أبو أُسامة، عن مُجَالدٍ، عن الشَّعبي، عن عبد اللّه بن عباس رضي الله عنهما قال:
قال لي أبي: يا بُنيَّ؛ إني أَرَى أمير المؤمنين - يعني عمر رضي الله عنه - يَسْتَـخْلِيكَ، ويَسْتشِـيرُك، ويُقـدِّمُك على الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ..
وإني أُوصِـيكَ بِخِـلَالٍ أربعٍ:
لا تُفشِيَـنَّ له سِرَّاً ؛ ولا تَغتَـابَنَّ عنده أحداً ؛ ولا يُجَـرِّبَنَّ عليك كذباً ؛ ولا تَطْـوِ عنه نَصيحةً ..
قال الشَّعبيُّ: قلت لابن عباس: كلُّ واحدةٍ خيـرٌ من ألفٍ.
قال: إِي واللهِ، ومن عشرة آلاف ....
(39/1)
 
قال ابن قتيبة رحمه الله :
قـرأتُ في كتابٍ للهنـد :​
صُحبةُ السلطان على ما فيها من العزِّ والثروة ، عظيمةُ الخِطار ؛ وإنـمَّا تُشَبَّهُ بالجبل الوعِـر ، فيه الثِّـمَارُ الطيبة والسِّبـَاع العادية ؛ فالارتقاءُ إليه شديدٌ ، والـمُقامُ فيه أشدُّ ؛ وليس يَتكافأُ خيرُ السلطانِ وشرُّه ، لأنَّ خيـرَ السلطانِ لا يعدو مزيدَ الحـال ، ولا خيرَ في الشيءِ الذي في سَلامته مالٌ وجاهٌ ، وفي نَكْبتـِهِ الجائحةُ والتلف ...

(39/1)
 
قال الفَضْلُ بن الرَّبيع :
مَسْـأَلَةُ الملوك عن أحوالهم ، مِنْ تَحِيَّـاتِ النَّـوْكَى !!
فإذا أردتَ أن تقولَ : كيف أصبحَ الأميرُ ؟ فقُـل : صَبَّحَ اللهُ الأميـرَ بالكَرَامةِ .. وإذا أردتَ أن تقولَ : كيف يَجِـدُ الأميـرُ نفسه ؟ فقُـلْ : أَنـزَلَ اللهُ على الأميـرِ الشفاءَ والرحـمةَ ..
فإن المَسأَلَةَ تُـوجِبُ الجوابَ ؛ فـإنْ لم يُجِبـْكَ اشتَـدَّ عليكَ ، وإِنْ أجَـابَكَ اشْتَـدَّ عليهِ ....

(42/1)
 
قـرأتُ في كتابٍ للهنـد​

أنه أُهدِيَ لملكِ الهندِ ثيابٌ وحُـلِيٌ ؛ فدعا بامرأتين له ، وخيَّرَ أَحظَـاهُما عنده بين اللِّباسِ والحِلْيَـةِ ، وكان وزيرهُ حاضراً ؛ فنظرتِ المرأةُ إليه كالمستشيرة له ، فَغَمَزَها باللِّبـاسِ تَغْـضِيناً بعينه ، ولَحَظَهُ الملكُ ؛ فاختارَتِ الحِليَةَ لئلا يَفطَن للغَـمزةِ ..
ومكثَ الوزيرُ أربعيـن سنةً كاسراً عينَه ، لئلا تَقَـرَّ تلك في نفس الملك وليظـنَّ أنها عادةٌ أو خِلقةٌ ..
وصار اللباسُ للأُخـرى ..
فلما حضرتِ الملكَ الوفاةُ ، قال لولده : تَـوَصَّ بالوزير خيراً ، فإنه اعتذر من شيءٍ يسيرٍ أربعين سنةً ....

(43/1)
 
قال شبيب بن شيبة:

ينبغي لِمَن سَايَـر خليفةً ، أن يكون بالموضِعِ الذي إذا أراد الخليفـةُ أن يسألَهُ عن شيءٍ لم يَحْتَـجْ إلى أنْ يَلْتَفِتَ ..
ويكونَ من ناحـيةٍ ، إِنِ التَفَتَ لم تستقـبلْهُ الشمس ..
وإِنْ سَارَ بين يديه ، أن يَحِيدَ عن سَنَن الرِّيحِ التي تُؤَدِّي الغُبـارَ إلى وجهه ...​

(43/1)
 
كان يحيى بن أكثم يُماشي المأمون يوماً في بستان موسى ؛ والشمسُ عن يسار يحيى ، والمأمونُ في الظل ؛ وقد وضع يده على عَـاتق يحيى ، وهما يتحادثان ، حتى بَلغَ حيثُ أراد ؛ ثم كرَّ راجعاً في الطريق التي بدأا فيها ؛ فقـال ليحيى :
كانت الشمس عليك ، لأنك كنتَ عن يساري ، وقد نالتْ منك ، فكن الآن حيث كنتُ ، وأتحوَّلُ أنا حيث كنتَ .
فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين ، لو أمكنني أن أقِيَكَ هولَ المطلعِ بنفسي لفعلت .
فقال المأمون: لا والله ، لابدَّ من أن تأخذَ الشمسُ منِّي مثلَ ما أخذت منك .
فتحوَّلَ يحيى ، وأخـذ من الظلِّ مثلَ الذي أخذَ منهُ المأمون ..

وقال المأمون : أوَّلُ العدلِ ، أن يعدلَ الرجل على بِطَـانَتِه ، ثم على الذين يَلُونَهُم ، حتى يبلغَ العدلُ الطبقةَ السفلى ...

(43-44/1)
 
المشاورة والرأي
قرأت في كتاب التاج

أنَّ بعضَ ملوكِ العجمِ استَـشارَ وُزَراءه ؛
فقال أحدهم : لا ينبغي للملكِ أَن يستشيـرَ مِنَّا أحداً إلا خالياً به ؛ فإنَّه أَمْوَتُ للسِّرِّ ، وأحزمُ للرَّأيِ ، وأجدرُ بالسلامةِ ، وأَعْفَـى لبعضنا مِن غَـائِلَةِ بعضٍ .
فإنَّ إِفْشَاءَ السِّرِّ إلى رجلٍ واحدٍ ، أَوثَقُ مِن إفشائه إلى اثنين ؛ وإِفشاءَه إلى ثلاثةٍ ، كإفشائِه إلى العامَّةِ ؛ لأن الواحدَ رَهْنٌ بما أُفْشِيَ إليه ، والثاني يُطلِـقُ عنه ذلكَ الرَّهْنَ ، والثالثَ عِلاوَةٌ فيـه .
وإذا كان سِرُّ الرجلِ عند واحدٍ ، كان أحرَى ألَّا يُظهِـرَهُ رهبةً منه ورغبةً إليه ؛ وإذا كان عِندَ اثنين ، دَخلتْ على الملكِ الشُّبْهَـةُ ، واتَّسَعَتْ على الرَّجُلَيْنِ المعَارِيضُ ؛ فإِنْ عاقَبَهُـما عاقبَ اثنينِ بذنب واحدٍ ؛ وإِنِ اتَّهَمَـهُما اتَّهَمَ بَريئاً بِجِنَايةِ مُجرمٍ ؛ وإِنْ عفا عنهما ، كان العَفوُ عَنْ أَحَدِهِمَا ولا ذنبَ له ، وعَنِ الآخَـرِ ولا حُجَّـةَ معه ...

(49/1)
 
كَـتَبَ بَعـضُ الكُـتَّاب​
اعـلَمْ أنَّ النَّاصحَ لك ، المشفقَ عليك ، مَنْ طَـالَعَ لك ما وراءَ العواقبِ ، بِرُؤيَتِهِ وَنَظَرِه ؛ وَمَثَّـلَ لك الأحوالَ المَخُـوفَةَ عليك ؛ وخَلَطَ لك الوَعْـرَ ، بالسَّهْلِ من كلامه ومَشُورَتِه ، ليكونَ خوفُكَ كُفؤاً لرجَائِك ، وشُـكرُكَ إزاءَ النعمةِ عليك ..
وإنَّ الغـاشَّ لك ، الحاطبَ عليك ، مَن مدَّ لك في الاغترار ، وَوَطَّـأَ لك مِهَاد الظُّلمِ ، وَجَرى مَعكَ في عِنَـانِك مُنقُـاداً لهواك ...

(51/1)
 
عودة
أعلى