ندوة الدراسات القرآنية عن موضوع الاستنباط من القرآن " تفريغا "

فجر الأمة

New member
إنضم
07/04/2009
المشاركات
203
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المحمودِ بجميع المحامد تعظيماً وثناءً .. المتصفِ بصفات الكمال عزّة وكبرياءً ..
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمةِ الكرام النجباء .. وسلم تسليمًا كثيرًا ..

ندوة الدراسات القرآنية عن موضوع الاستنباط من القرآن الكريم لفضيلة الشيخ الدكتور : فهد الوهبي .

تفريغ الحلقة الأولى


بسم الله الرحمن الرحيم


برنامج: الدراسات القرآنية على إذاعة القرآن الكريم


بعنوان: " منهج الاستنباط من القرآن الكريم ( 1 ) "


الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم مستمعينا الكرام إلى لقاء جديد في برنامج " الدراسات القرآنية " ، يسعدني في مطلع هذا اللقاء وبعد الترحيب بكم أن أرحب بالشيخ فهد بن مبارك الوهبي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة والذي سيتحدث في هذا اللقاء عن منهج الاستنباط في أمور القرآن الكريم ، نرحب بكم ياشيخ فهد وأهلا وسهلا بكم .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : حياك الله وحيا إذاعة القرآن الكريم .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : منهج الاستنباط من القرآن الكريم هذا هو ما سيتحدث عنه فضيلة الشيخ فهد وعندما نتحدث عن التفسير فإن التفسير استنباط وقد يكون جزءاً من التفسير استنباط . ما المقصود بالاستنباط ؟ وما الفرق بين الاستنباط والتفسير؟ هل كل أحد له أن يستنبط من القرآن الكريم ؟ هل هناك اشتراطات محددة في الشخص الذي يقوم بهذا الاستنباط؟ ماهي هذه الاشتراطات إذا كانت موجودة ؟ كيف نعرف أن هذا المعنى المستنبط أيضاً صحيح أو أنه خطأ ؟ ثم هل هناك من سبب أو أسباب يمكن بأن نقول أنها هي التي توقع في الخطأ في التفسير وبالتالي الخطأ في الاستنباط من كتاب الله عز وجل ؟ هذا هو محور الحديث الذي سيدور في هذا الموضوع : " منهج الاستنباط من القرآن الكريم " . المقصود بالاستنباط يا شيخ فهد ماهو ياتُرى ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . بداية أشكر إذاعة القرآن الكريم على إتاحة هذه الفرصة الكريمة للتعريف بهذا الموضوع الهام وهو منهج الاستنباط من القرآن الكريم .
أما الاستنباط فالمقصود به في اللغة هو : الاستخراج وقد ورد هذا المعنى في قوله جل وعلى : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } يعني يستخرجونه وهذه مادة اللغة العربية وقد كانوا يطلقون على الماء الذي يخرج من البئر أول ما يخرج يقولون هذا نبط ثم استعملوا كل استخراج شيء خفي سموه استنباطا فإذا استخرج الإنسان شيئا خفيا سواءا كان محسوسا أو كان معنويا سموا هذا استنباطا ومن الأشياء المعنوية العلوم والفوائد فإنها تسمى استنباطا مع كونها غير محسوسة فإذاً هذا جاريا على المحسوس وغير المحسوس فالعرب كانت تسمي الاستنباط لجميع ما يستخرج لكن يشترط أن يكون شيئا خفيا أما الأشياء الظاهرة فلا تسمى استنباط هذا هو دلالة المعنى اللغوية .
أما الاستنباط عند إضافته للقرآن الكريم لما نقول الاستنباط من القرآن فيراد به " الكشف " يتغير للمعنى العرفي الاصطلاحي وهو:استخراج ما خفي من القرآن بطريق صحيح وإضافة الطريق الصحيح هنا المراد به الاستنباط المعتد به الذي عمله العلماء لأن هناك استخراج خفي من القرآن لكن بطريق غير صحيح فهذا لا يعد استنباطا ومنهجا صحيحا في الاستنباط كما هو عند بعض الفرق إذاً الاستنباط اصطلاحا هو :استخراج ماخفي من القرآن بطريق صحيح.
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : الاستنباط والتفسير هل هناك بين اللفظتين تداخل وافتراق أم أنهما شيئا واحدا؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : الفرق بين الاستنباط والتفسير من ناحية التعريف ومن ناحية التنظير هناك فرق كبير لكن من ناحية العمل المفسرون القدامى عليهم رحمة الله كانوا يدخلون الاستنباط داخل كتب التفسير وكانوا يستنبطون في أثناء عملية التفسير وهم يفسرون يستنبطون ويسمى هذا درس التفسير أو كتاب التفسير ففي القديم لم يكن هناك تفريق واضح مابين الاستنباط من ناحية العمل من ناحية التأليف إلا في بعض الكتب القليلة أما من ناحية التعريفات فهناك فرق كبير بين الاستنباط وبين التفسير .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : ماهو ياتُرى ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : أولا : من ناحية اللغة التفسير في اللغة هو : الكشف وأما الاستنباط فهو الاستخراج فهذا فرق كبير من ناحية اللغة وغالباً إذا كانت الكلمات مختلفة في اللغة تختلف من ناحية الاصطلاح .
ثانيا : أن التفسير اصطلاحا عند العلماء هو بيان المعنى . أما الاستنباط فهو استخراج الأشياء الخفية من المعنى .فهناك دلالات للآية ليست دلالات ظاهرة وهذا هو الاستنباط مثال ذلك هو قول الله عز وجل: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } تفسيرها :أن الله جل وعلا يأمرنا بإقامة الصلاة. هذا تفسير لأنه دلالة ظاهرة أن الأمر للوجوب هذا أمر ظاهر لكن لما نأتي ويأتي شخص ويقول:أن الله أمر بصيغة الجماعة قال " أَقِيمُواْ " فيستنبط من الواو حكم وجوب الجماعة هذا ليس تفسيراً هذا استنباط من هذه الآية لأنه حكم خفي ولذلك قلنا أن الخفاء أمر ملازم للاستنباط لاينفك عنه بخلاف التفسير قد يكون أمراً واضحا أي ظاهرا وقد يكون خفيا في بعض الألفاظ مثل " القرء " مثلا خفي لكن هنا " أقيموا الصلاة " أمر ظاهر من أيضا الفروقات أن الاستنباط دائما يحتاج إلى مشقة لا يكون الاستنباط بسهولة ولذلك أغلب الذين يعرفون الاستنباط يقولون فيه جهد ومشقة في بذل في استعمال العقل في استخراج الأحكام أما التفسير فقد يكون فيه مشقة في بيانه وقد يكون أمراً ظاهرا لما أقول {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } لايوجد مشقة في فهم هذا المعنى. لكن قد يوجد في آيات أخر شيء من المشقة فالمشقة ليست ملازمة للتفسير ولكنها ملازمة بالضرورة للاستنباط. وأخيرا وهذا أمر مهم أيضا أن الاستنباط لا يمكن أن ينقطع بل هو دائم إلى قيام الساعة ونظيره هو الاجتهاد عند أهل الأصول فإنه لاينقطع إلى قيام الساعة أما التفسير فإن تفسير المعاني بمعنى بيان المفردات قد استقر وانتهى ولا يمكن أن يأتي شخص ويقول أن مثلا لفظة " القرء " لها معنى جديد ثالث غير المعاني التي ذكرها العلماء فإذاً الاستنباط لا ينتهي إلى قيام الساعة وأما التفسير فقد استقر وعلم من جهة المفردات والمعاني وأسباب النزول وغير ذلك من الأمور هذه أهم الفروق .
 
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : لو أخذناها بخلاصة ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : والخلاصة أن أهم الفروق: أولا : من ناحية اللغة . ثانيا :من ناحية التعريف الاصطلاحي , لأن العلماء لم يعرفوهما تعريف واحد أبدا . ثالثا : أن الاستنباط يحتاج إلى مشقة وجهد أما التفسير فلا يحتاج . ورابعا :أن الاستنباط مستمر إلى قيام الساعة أما التفسير فقد استقر وانتهى ويمكن أن نضيف فرقا خامسا وهو : أن التفسير المصطلح عليه عند العلماء خاص بالقرآن فإذا وجدت كتاب كتاب التفسير يقصد به تفسير القرآن لكن الاستنباط يعمل به مع القرآن ومع الحديث ومع أقوال الأئمة ونصوصهم ويعمل به الآن مع القوانين يقال يستنبط من المادة الفلانية كذا وكذا فالاستنباط ينجر على غير القرآن فيعمل به مع القرآن ومع غيره هذه أهم الفروق .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : نطرح الآن لماذا نركز الحديث حول منهج الاستنباط من القرآن الكريم ؟ إذ أن الاستنباط ليس هو التفسير فهذا أمر واضح تماما ولكن هل لكل واحد أن يستنبط من القرآن الكريم ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : لاشك أن التعامل مع القرآن إذا قلنا التعامل مع التفسير يحتاج إلى شروط فمن باب أولى أن الذي يستنبط لابد أن يكون له شروط ,لأن التفسير مرحلة أولى لعملية الاستنباط .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : هل يمكن للإنسان أن ينظر ويتأمل في القرآن ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : التدبر هذا أمر عادي أن يتدبر القرآن ويعمل بأوامر القرآن ونواهيه هذا لا شك أنه عام لجميع الناس . لكن لو لاحظت أن آية الاستنباط الواردة في سورة النساء جاءت بالحديث عن التدبر قال : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } ثم قال : {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } وهم فئة قليلة وليسوا أكثرية في الأمة ولذلك لابد من شروط تضبط الاستنباط لأن الحالات الفردية قد يصيب شخص في معنى مستنبط لكنه قد يخطئ في معاني أخر فإذا لم يضع الشروط التي تحدد الاستنباط صار لكل أحد أن يتلاعب بمعاني القرآن الكريم .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : ماهي ياتُرى هذه الشروط التي يشترط أن تكون في من يستنبط من القرآن الكريم ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : أولى هذه الشروط : أن يعرف التفسير الصحيح للآية فلا يجوز لشخص أن يستنبط من القرآن إذا كان لايعرف التفسير. والآيات القرآنية على نوعين منها آيات ظاهرة وهذه لاتحتاج إلى معرفة تفسيرها لأن تفسيرها واضح مثل قوله تعالى : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } إلى آخر الآية لكن هناك آيات خفية تحتاج إلى مراجعة كتب التفسير. فإذاً معرفة التفسير أمر مهم للاستنباط . ولذلك أضرب مثل :كان على عهد الصحابة رضوان الله عليهم قرأ قدامة بن مظعون قوله تعالى : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } لما قرأها قدامة رضي الله تعالى عنه هو من الصحابة ومن أهل التفسير ظن أن الآية للإباحة وأن من فعل هذه الأمور : اتقى وآمن وعمل صالحا وأحسن أنه ليس عليه بأس أن يأكل ويشرب مايراه فاستنبط من هذه الآية جواز شرب المسكر له لأنه من المؤمنين وممن آمن واتقى وعمل الصالحات وأحسن الذي نبه على الخطأ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وقد نص رضي الله عنه عمر على هذا السبب بذاته على التفسير قال له كما في الصحيح :إنك أخطأت التأويل يا قدامة والتأويل عند القدماء بمعنى التفسير فقد نبه عمر رضي الله عنه على أن الخطأ في التفسير قد قاد قدامة رضي الله عنه إلى الخطأ في الاستنباط .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : فهذا أثر واضح لزوم أن يكون المستنبط عنده القدرة على التفسير الصحيح أو لديه العلم بالتفسير الصحيح .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : نعم والذي نبه على ذلك هو عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في بداية الإسلام وهذا نص ظاهر لا يحتاج إلى تأويل كلامه رضي الله عنه فهذا شرط مهم وهو معرفة التفسير الصحيح .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : هل من شروط أخرى ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : هناك شرط أيضاً مهم وهو صحة الاعتقاد و صحة الاعتقاد أهم مايشترط فيها أمران :
الأمر الأول : سلامة القصد أي أن يكون من يتعامل مع القرآن قصده صحيحا يعني لما يأتي إلى القرآن الكريم يقرأ القرآن بقصد الهداية لا بقصد نصرة مذهب على مذهب , أو بقصد بث الشبهات لأن الذي يدخل في القرآن الكريم بهذا القصد القصد الصحيح يفتح الله جل وعلا عليه المعاني .ولذلك دائما أهل الهوى وأهل الضلال لا يصلون دائما إلى حقائق القرآن لأنهم قد دخلوا إلى القرآن بطريق غير صحيح .
الأمر الثاني : المهم في صحة الاعتقاد هو :أن يكون سليما في مصادر التلقي المستنبط يكون يأخذ من المصادر الصحيحة للعقيدة يعني يقر أن القرآن يأخذ منه العقيدة ومن السنة ويقر بالعقيدة الصحيحة بالجملة أي لايبتدع مصدرا جديدا لأنه إذا ابتدع مصدراً جديداً فإنه سيأتي باستنباطات جديدة مثلا لو قال لنا شخص : أنا أضيف إلى مصادر التلقي عندي الإلهام والكشف فإذا أضاف الإلهام والكشف هنا فتح علينا باب جديد للاستنباط لايمكن أن نغلقه فإذا لم يقر أن هذا خطأ لايمكن أن تكون استنباطاته صحيحة وكذلك إذا حذف مصدرا معتبراً لو أن أحد الناس حذف السنة مثلا وقال أنا لا أقر بالسنة وأنا أؤمن بالقرآن فقط لأن القرآن يفسر بعضه بعضا ستصادم استنباطاته أحاديث صحيحة كثيرة فإذا لم يؤمن بهذه الأحاديث سيخرج استنباطات باطلة كثيرة وأذكر مثلا قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } هنا عدم صحة الاعتقاد عند المفسر قد تقوده إلى أنه يقول لا شفاعة في يوم القيامة لأنه يرد الأحاديث التي فيها الشفاعة فلا يأخذ بها وأيضا عندما يقرأ قوله تعالى : ( لَن تَرَانِي ) فيقول الله عز وجل لن يراني يوم القيامة والأحاديث الصحيحة الواردة في الرؤية يردها فإذاً هنا صحة الاعتقاد مهمة جدا في مصادر التلقي ويجب أن يؤمن بهذه النصوص وأن يقبلها في تقرير عقيدته .وننبه هنا إلى أنه ليس المراد بأن كل من خالف في مسألة من مسائل الاعتقاد يرد كل ما عنده أوأن تحرق كتبه مثلا لا هذا لا يقول به عقل . لأن كتب العلماء القديمة وإن كان يوجد بها بعض الأخطاء من ناحية العقيدة إلا أن فيها فوائد كثيرة في غير العقيدة , في الفقه وفي السلوك واللغة وغير ذلك فهذا لايعني لو ركزنا على صحة مصادر التلقي وصحة القصد وإن اختلف بعض الناس مع مذهب أهل السنة والجماعة لكن يستفاد من كتبهم في غير هذا الباب.
 
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : هنا ذكرتم من الشروط أن يكون المستنبط يعرف التفسير الصحيح للآية , الأمر الآخر صحة الاعتقاد وذكرتم لهذا فرعين : سلامة القصد وأيضا أن يكون سليما في مصادر التلقي . هل هناك شروط أخرى ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : نعم هناك شرط مهم وهو معرفة طرق الاستنباط لأن الطرق الصحيحة كما يقول الشاطبي فهي محصورة وأما طرق الضلال فهي كثيرة فلذلك لما يأتي الشخص ويتكلم في طرق الاستنباط هو يحدد الطرق الصحيحة وما عداها فهي طرق غير صحيحة ومسالك أهل الأهواء في الاستنباط كثيرة لكن أبرز الطرق التي يسلكها أولئك هي ثلاث مناهج :
المنهج الأول : المنهج الحرفي يتعامل مع النصوص بحرفية مطلقة أي يتعامل مع النصوص بطريقة حرفية لا يتعمق في النصوص ولا يفهم العلل ولايجمع النصوص ولايؤلف بينها , ولايحمل العام على الخاص ولا المطلق على المقيد وإنما يأخذ كل نص مثل الخوارج يقولون لا تحكيم { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ } لما قرؤا هذه الآية قالوا أنها تدل على أنه لا يجوز التحكيم في مسائل الدين ولو قرؤا آيات كثيرة في تحكيم الله عز وجل { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ } فإن الله عز وجل ذكر في آيات أخر وهذا من حكم الله فهم لما تعاملوا مع النصوص بطريقة حرفية لم يهتدوا إلى المعنى الصحيح .
كذلك المنهج الثاني الباطل : المنهج التأويلي و المنهج التأويلي الذي يؤول النصوص على غير مرادها يأتي إلى نص من القرآن الكريم ويؤوله على غير ما كانت تفهمه العرب فهذا منهج باطل وهو منهج منتشر كثيرا .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : طيب نضرب بمثال على التأويل الباطل .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : التأويل مثلا لما يقرؤون قول الله عز وجل في آية الكرسي {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } يؤولون هذه الآية عن معناها الصحيح إلى معنى آخر يقولون : من ذل فعل مضارع , ذي يعني نفسه يشفع عند ربه . والآية أصلا { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ }وهذا بعيد جدا فهذا تأويل باطل . وكذلك عندما يأتي شخص ويقول : " الخنس " في قوله تعالى : {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } يقول " الخنس " واردة في الإمام المهدي فمن أين أتوا بهذا المعنى ؟ ولذلك في هذه المناهج لا يوجد ضابط هو فقط يذكر الآية ثم يذكر معناها عنده بلا أي ضابط .
المنهج الثالث الذي لايجب إتباعه هو المنهج الباطني وهو : أنهم يقولون أن لكل آية ظاهر وباطن أي أن الآية يقصد بها في الظاهر معنى ويقصد بها في الباطن معنى آخر , مثل :الحج يقصد به في الظاهر حج مكة وفي الباطن الحج إلى أئمتهم مثلا و " الخنس " يقصد بها في الظاهر النجوم وفي الباطن الإمام المهدي وهكذا كل شيء يقصد به في الظاهر كذا وفي الباطن كذا .
وهذا المنهج لايوجد ما يقر هذا المنهج وإن ورد في بعض الأحاديث أن للقرآن ظاهرا وباطنا إلا أنه ليس المقصود به هذا الشيء وإنما المراد أن للآيات معاني ظاهرة ولها معاني باطنة .
وأنا أضرب مثال في عدم معرفة الطرق الصحيحة مثلا قوله تعالى {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } هذا في أيوب عليه السلام قال بعض الصوفية : اركض برجلك يستنبط منها جواز الرقص .لما نأتي إلى هذه المعنى ما الرابط بين الآية وبين الرقص ؟ ولذلك ابن عقيل نقل عنه ابن الجوزي رحمه الله قال : أين الدلالة في رجل قد ابتلى وهو أيوب أمر بضرب الرجل لينبع الماء فيشفى , من أن ضرب الرجل فرحا ورقصا فلو جاز هذا لجاز أن نضرب الجماد كما في قصة موسى عندما ضرب الحجر { أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ } فنحن نضرب الحجر اقتداء بموسى فهذا لا يقول به عاقل وقال ابن الجوزي وهذا احتجاج بارد لهؤلاء فإذا مثل هذه الاستنباطات الذي دعاهم إليها أنهم لا يعرفون الطرق الصحيحة .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : إذاً ماهي الطرق الصحيحة ياشيخ ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : الطرق الصحيحة كثيرة جدا لكن أنا أذكر منها طبعا هناك طرق ذكرها أهل أصول الفقه الدلالات التي يذكرها أهل الأصول منها دلالة الإشارة ودلالة الاقتضاء ودلالة التضمن لكن أذكر دلالة مهمة جدا لايذكرها أهل أصول الفقه ويستطيع أي إنسان يقرأها أن يتعامل معها وهي " أسلوب القران " فالقرآن كلام الله عز وجل له أسلوب خاص به وهذا الأسلوب يستنبط منه الفقهاء والمفسرون وغيرهم آدابا كثيرة والشاطبي رحمه الله في الموافقات عقد له فصلا وذكر أقوال كثيرة منها .مثال القرآن من أسلوبه أنه إذا ذكر قصة أو إذا ذكر أقوالا فإذا سكت عن قول أو عن قصة فمعناها أنها صحيحة أي أن القصة صحيحة وإذا ردها فمعناها أنها باطلة فسكوت القرآن وإقراره يدل على أن ذلك الأمر صحيح مثاله : في سورة الكهف الله يقول : {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ } ثم قال { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } ثم أكمل الآية ولم يرد على القول الثاني مما يدل على أنه صحيح فإذا القرآن له هذا المنهج فمعرفة أسلوب القرآن إذا عرف الإنسان هذه القاعدة فإذا جاءت في موضع آخر فإنه سيعرفها مثل {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } فهل كذبهم القرآن ؟ لا لم يكذبهم إذا كلامهم صحيح هذا هو سبب دخولهم النار وهكذا غيرها من القصص .كما أن من أسلوب القرآن أيضا أنه يكني في المواضع التي يستحيا منها مثال : { كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ } فهم بشر إذا أكلوا الطعام فإنهم يحتاجون إلى إخراجه لكن هذا لا يذكره القرآن فهو معروف بالضرورة وأيضا { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ } ولم يذكر الحادثة التي وقعت من وجود القمل في الرأس وغير ذلك بل يذكر كلمة أذى , فهذا أسلوب جميل ورائع ينبغي للناس أن يقتدوا به .
 
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : هذا أمر مهم حقيقة ياشيخ . هل هناك مواضع يمكن لطالب العلم وكل من أراد أن يرجع إلى أسلوب القرآن الكريم ويتعرف على هذه القواعد العامة في هذا الأسلوب يعني هل استنبط أحد من أهل العلم قواعد لهذا الأسلوب أو معالم لهذا الأسلوب ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : من أقدم من تكلم على هذا الإمام الشاطبي في الموافقات ذكر فصلا في هذا الموضوع في الاستنباط بأسلوب القرآن وقد ذكر أن طريقة الاستنباط من هذا تعود إلى الاقتداء بأفعال الله عز وجل فإن الله إذا فعل هذا الأمر ويكني ينبغي لنا أن نستفيد من هذا ونكني نحن في المواضع الاستحياء ومن المعاصرين الكثير ممن تكلم عن أسلوب القرآن هناك كتاب يعتبر موسوعة اسمه " دراسات في أسلوب القرآن " وكتب كثيرة تعنون باسم أسلوب القرآن توجد في المكتبات وفيها فوائد كثيرة .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : أنتم تتحدثون ياشيخ عن الشروط التي ينبغي للشخص أن يكون ملما بها حتى يكون من أهل الاستنباط ذكرت معرفة التفسير الصحيح وصحة الاعتقاد ومعرفة طرق الاستنباط قد ذكرتم مجموعة من الطرق هل هناك إضافة ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : يبقى معنا شرط أخير وهو العلم باللغة العربية فالقرآن نزل بلغة العرب فلا يمكن أن يفهم القرآن بغير هذه اللغة وقد ذكر الأئمة اشتراط هذا الأمر وقد ذكر مجاهد :أنه لايحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في القرآن مالم يكن عالما بلغة العرب .
لكن ليس المعنى أن الإنسان عندما يأتي إلى القرآن ويستنبط منه أن يكون عالما بجميع الموسوعات ليس هذا هو المراد لكن المراد أن يستطيع معرفة كلام العرب في هذه الآية أي يكون عنده أهلية ويستطيع فهم هذا الشيء ويصل إلى كتب المفردات وكتب المعاني ويستخرج المعنى وأنا أذكر مثال يدل على أهمية هذا الشرط يقول الله عزوجل : {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } كلام العرب الذي يقرأ كلام العرب يعرف أن المعنى انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى أو ثلاث أو رباع لكن الذي لا يفهم كلام العرب استنبط بعض الفرق جواز جمع هذه الأرقام أيجمع مثنى وثلاث تصبح خمس وأربع تصبح تسع وقالوا :يجوز أن يتزوج الإنسان بتسع حرائر لأننا نجمع وعادة العرب أنهم لايجمعون بهذه الطريقة وهذه الصيغة فوقعوا في الخطأ لعدم معرفتهم باللغة وكلام العرب وهناك أمثلة حتى في الاعتقاد في أدلة الوعيد التي استدل بها بعض الفرق على خلود العاصي في النار سبب ذلك أنهم لم يفهموا أن اختلاف الوعيد إحسان وهذه عادة العرب .
شكر الله لكم فضيلة الشيخ فهد بن مبارك الوهبي على ما تفضلتم به في هذا الموضوع " منهج الاستنباط من القرآن الكريم " حيث تحدثتم حفظكم الله حول المقصود بالاستنباط ما معنى الاستنباط ، والفرق بين الاستنباط والتفسير واتضح لنا أن الاستنباط هو الكشف عن المعاني الخفية والتفسير هو معرفة دلالة اللفظ ومعناه أيضا ، بينتم الشروط الواجبة للمستنبط من كتاب الله وذكرتم من ذلك معرفة التفسير الصحيح وصحة الاعتقاد ، ومعرفة طرق الاستنباط ، وقد ذكرتم بعض الطرق الباطلة وبعض الطرق الصحيحة ، ثم أهمية المعرفة باللغة العربية لتكون مدخل من مداخل الاستنباط الحديث. حقيقة يحتاج إلى المزيد من الشرح والتوضيح لقضايا أخرى في الاستنباط كيف نعرف أن المستنبط صحيح أم غير صحيح كل هذا نؤجله إلى حلقة مقبلة بإذن الله لنحظى بلقاء آخر مع فضيلة الشيخ فهد بن مبارك الوهبي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة ليتحدث عن هذا الموضوع شكر الله لكم يا شيخ فهد وجوزيتم عنا خيرا ، نلقاكم بإذن الله على خير وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
تفريغ الحلقةالأولى ،،، من تفريغ الأخت الفاضلة : سارة . فلاتنسوها من صالح الدعاء .

&&&
ختاما :
فما كان من خير وصواب فمن الله ، وما كان من خطأ فمن أنفسنا والشيطان .

&&&

ومضة "

أمر الله عباده أن يختموا الأعمال الصالحات بالاستغفار ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يستغفر ثلاثاً ، وقد قال تعالى {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }آل عمران17 . فأمرهم أن يقوموا بالليل ويستغفروا بالأسحار ، وكذلك ختم سورة " المزمل " وهي سورة قيام الليل بقوله تعالى : وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المزمل20 .

( يتبع الحلقة الثانية )
 
الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم


برنامج: الدراسات القرآنية على إذاعة القرآن الكريم


بعنوان: " منهج الاستنباط من القرآن الكريم ( 2 ) "


الدكتور / يوسف بن صالح العقيل :بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد : فمرحباً بكم أيها الإخوة المستمعون الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . حييتم أهلا وسهلا . أرحب بكم كما أرحب بضيفي لهذا اللقاء فضيلة الشيخ : فهد بن مبارك الوهبي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة فمرحبا بكم فضيلة الشيخ .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : حياكم الله .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : حديثنا ممتد أيها الإخوة في حلقة مضت كان فضيلة الشيخ فهد ضيف لهذا البرنامج وقد تحدث عن منهج الاستنباط من القرآن الكريم تحدث فضيلته عن المقصود من الاستنباط والفرق بين الاستنباط والتفسير وأيضاً هل لكل أحد أن يستنبط من القرآن الكريم ثم الشروط التي ينبغي أن تتوفر لمن يستنبط من كتاب الله . في هذا اللقاء لعلنا نستعرض مع فضيلة الشيخ كيف نعرف أن هذا الاستنباط صحيح أم غير صحيح وأيضاً ماهي الأسباب التي تؤدي إلى الخطأ في الاستنباط وغير ذلك من الأمور التي تتعلق بموضوع منهج الاستنباط من القرآن الكريم . لكن في البداية ياشيخ لنربط الإخوة المستمعين الكرام الذين لم يكونوا معنا في اللقاء الماضي ولو بإيجاز الفرق بين الاستنباط والتفسير هل هناك فرق ؟ عندما نتكلم نقول استنباط هل هو معنى التفسير أو شيء آخر ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
سبق أن نذكرنا أن الاستنباط شيء غير التفسير وأن الاستنباط من ناحية الاصطلاح يختلف تماما عن التفسير فالتفسير هو بيان المعاني وكشف مراد الله جل وعلا من القرآن وأما الاستنباط فهو استخراج المعاني الخفية من القرآن الكريم هذه أهم الفروق بين التفسير والاستنباط .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : هنا يقودنا الحديث إلى " المعنى المستنبط " توفرت لدى المستنبط هذه الشروط التي ذكرتموها ثم استنبط معنى من المعاني في كتاب الله هل هناك شروط للمعنى المستنبط نحكم من خلالها أن هذا المعنى صحيح أو أن هذا المعنى خطأ ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : نعم بعد أن يستنبط الشخص المعنى لابد أن يعرضه على شروط المعنى المستنبط حتى تكون هذه الشروط هي التي تقوم المعنى لأنه قد يكون الشخص أهلا للاستنباط لكنه لم يوفق للمعنى لجهله مثلا بحديث معين يعارض هذا المعنى أو غير ذلك من الأسباب فهناك شروط كثيرة أهمها ثلاثة شروط :الشرط الأول/ أن يكون هذا الاستنباط سليما من معارض شرعي راجح ونحن نقول من معارض شرعي راجح لأن المعارض قد يكون مرجوحا فإذا كان المعارض مرجوحا فالاستنباط صحيح ومثال المعارض المرجوح لما يستنبط المعتزلة مثلا لما نحن نستنبط من آية معينه الرؤية رؤية الله عز وجل {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } يستنبط أهل السنة منها أنه جل وعلا يرى يوم القيامة لأنه لما منع أعدائه من الرؤية دل ذلك بمفهوم المخالفة أن أوليائه يرونه ولو لم يكن كذلك لما صح هذا العقاب إذا كان كلهم لايرونه فلا فرق بين المؤمنين وغير المؤمنين . لما يأتي شخص من المعتزلة مثلا ويعارض هذا الاستنباط بقوله تعالى (لَن تَرَانِي ) فيقول أنا أعارضك بدليل قوله جل وعلا ( لَن تَرَانِي ) هل هذا المعارض راجح أو مرجوح ؟ مرجوح لأن هذه الدلالة أصلا ليست صحيحة بل هي معارضة بأحاديث كثيرة تدل على الرؤية فإذاً نحن قلنا سلامته من معارض شرعي راجح والمثال للمعارض الراجح لما جاء بعض الناس واستنبط من قوله تعالى {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ } استنبط منها عقيدة التناسخ . الله عز وجل الآن يتحدث عن من ؟ يتحدث عن الأمم السابقة من بني إسرائيل وقال للمعاصرين من اليهود والنصارى {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ } من أهل الكتاب اليهود فكأن جاء شخص وقال إذاً مادام الخطاب موجه للمعاصرين فإذاً هم نفسهم المتقدمين فإذاً هناك تناسخ للأرواح انتقلت من الأولين إلى الآخرين .فهذه العقيدة عقيدة فاسدة وباطلة ومعارضة للنصوص الصريحة فإذاً هذا لا يمكن أن يقبل لأنه معارض للنصوص الكثيرة الدالة على البعث والقيامة وهي أصل من أصول الإيمان .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل :كأن كلمة معارض مرجوح أو معارض راجح إذا قلنا مرجوح كأن فيه تخفيف وقد يكون المعارض أصلا باطل ليس فقط مرجوحا كأن لفظة مرجوح تخفيف ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : تخفيف نعم قد يكون المعارض ظاهر البطلان وقد يكون لا يرقى إلى كونه معارض راجحا لكن هناك حالة أو حالتان باقية إذا كان المعارض مساوي أو إذا كان لا يوجد معارض ولا موافق هاتان حالتان أخرى غير الحالتين السابقتين إذا لم يوجد معارض ولا موافق فالاستنباط صحيح مثاله قوله عز وجل {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } هذه الآية استدل بها كثير من العلماء على تحريم الاستمناء هل جاء في القرآن أو في السنة ما يؤيد هذا المعنى؟ لم يأتي . هل جاء ما يعارضه؟ لم يأتي . فإذن حكم هذا الاستنباط صحيح لأننا لو قلنا أنه يشترط في الاستنباط أن يأتي ما يؤيده لما كان للاستنباط فائدة فالاستنباط دليل في حد ذاته ولو لم يأتي ما يوافقه .أما الحالة الثالثة :وهي أن يكون المعارض مساويا فما الحكم هنا؟الحكم هنا أن ننتقل إلى مرجحات خارجية ومثالها مثلاً الخلاف الواقع بين العلماء في مسألة هل الأفضل صالحي البشر أو الملائكة الأدلة المتعارضة وليس هناك راجح ولا مرجوح هي متساوية ففي هذه الحالة يتوقف الإنسان في مثل هذه المسألة أو يبحث عن المرجحات الخارجية وقد توقف كثير من العلماء عند هذه المسألة وقالوا هذه المسألة لا يوجد فيها ما يعارض أو ما يوافق هذه تقريبا معنى الشرط سلامته من معارض شرعي راجح فإذا وجد المعارض الشرعي الراجح فالاستنباط غير صحيح وذكرنا أمثلة ومن الأمثلة أيضا قوله جل وعلا {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } استنبط منها بعضهم أن الله عز وجل عاقبهم لأنهم طلبوا ما لا يجوز وهو الرؤية فقالوا إذن نحن نستنبط من هذا الآية أن الله لا يرى هل هذا الاستنباط معارض أو غير معارض؟ معارض . وهل المعارض راجح أو مرجوح؟ راجح لأن الآية لم تدل نصا على أن الله لا يرى ولكن المعنى المأخوذ منها معارض لنصوص الصحيحين (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون أو لا تضارون في رؤيته ) .
 
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : إذاً هذا من حيث سلامته من معارض شرعي _ طبعاً الحديث معارض شرعي راجح _ كلامكم حفظكم الله حول شروط المعنى المستنبط لهذا المعنى المستنبط شروط حتى نقول بصحة هذا المعنى أول هذه الشروط أن يسلم من المعارض الشرعي الراجح . هل هناك شروط أخرى ؟ .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : هناك شرط ثاني/ وهو أن يكون هذا المعنى المستنبط مرتبطا بالنص فإذا لم يوجد دلالة لفظية بين المعنى وبين النص لا يكون هذا المعنى صحيحا وإن كان في ذاته صحيحا كيف في ذاته صحيحا ؟ أبسط الأمثلة لو جاء شخص وقال الله يقول { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ } استنبط منها وجوب الزكاة هل لما نقول أن هذا الاستنباط خطأ من هذه الآية هل نحن نبطل الزكاة؟ لا. نحن نقول ارتباطه بهذه الآية غير صحيح وبالتالي لا يمكن أن نقول أن هذا استنباط قرآني من هذه الآية وقد شدد بعض العلماء حتى شيخ الإسلام يقول أن من يربط المعنى باللفظ بدون رابط هذا افتراء على الله جل وعلا وهذا يبين خطورة الاستنباط وأنه لا يدخل فيه أي أحد لا بد أن يكون شخصاً عالماً وعنده معرفة بطرق الاستنباط . فإذن لا بد من الارتباط مثال الارتباط أن يكون دلالة من دلالات أهل الأصول مثلا أو قاعدة من قواعد القرآن يقول الله عز وجل {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } لما نحن نستنبط رؤية الله عز وجل من هذه الآية هل هناك ارتباط أو لا يوجد؟ يوجد . الارتباط هو مفهوم المخالفة يعني {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } هؤلاء .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : وهناك من هم ليسوا محجوبون .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : يرون الله عز وجل فإذن هنا يوجد الارتباط فإذا لم يوجد الارتباط لا يكون الاستنباط استنباطاً قرآنياً بمعنى الاستنباط اللفظي وإنما يكون قد يكون أحياناً قياس على معاني القرآن الكريم مثال القياس لما يأتي شخص ويقول {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } هذه الآية تتكلم عن اللوح المحفوظ أو عن القرآن ؟سيقول كما أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون فإن معانيه لا يصل إليها إلا أهل القلوب الطاهرة هل هذا استنباط من القرآن الكريم؟هذا قياس على معاني القرآن الكريم وفرق بين القياس وبين الاستنباط القياس مثل قياس أهل الفقه و أصول الفقه و الاستنباط لابد أن يكون ارتباطاً لفظياً هذا الشرط الثاني من شروط المعنى المستنبط .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : هناك ممكن تأتي أراء حول آية من الآيات أو كذا هل الرأي له مجال في مسألة الاستنباط أو لا؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : نعم الاستنباط كله قائم على الرأي وعلى إعمال العقل.
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : لكن الرأي مرتبط بآية وله شروطه ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : بدون شك بهذه الشروط وبهذه الضوابط التي ذكرناها إذا كان الرأي مجرد عن هذه الضوابط فهو غير صحيح أما إذا كان داخل هذه الضوابط فهو رأي مقبول والاستنباط كله قائم على جهد الذهن وإعماله في استخراج الأحكام الخفية من القرآن الكريم .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : يعني إذاً ممكن أن نقول أن الشروط في المعنى الصحيح أن يكون سليماً من المعارض الشرعي الراجح وأن يكون مرتبطاً بالنص والثالث ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : الشرط الثالث/ من شروط المعنى الصحيح أن يكون مما للرأي فيه مجال يعني لا يأتي شخص ويستنبط في أمر لا يصل إليه الإنسان من أمور الغيب مثلا لو جاء شخص وقال أنا استنبط من عدي أحرف سورة ما متى تقوم الساعة أو يقول مثلا أنا استنبطت من سورة معينة متى تسقط الدولة الفلانية هذا في علم الغيب مثل ما حدث في استنباطات متى تسقط دولة إسرائيل ومتى يقع كذا هذه لا يمكن أن تدخل في الاستنباط القرآني الصحيح لأنه لا يمكن للعقل أن يصل إلى هذا الأمر فالله عز وجل قال {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً } مثال قديم وقع فيه اليهود اليهود حاولوا أن يصلوا إلى عمر هذه الأمة عن طريق الأحرف المقطعة فجاءوا حسبوا {الم } عن طريق حساب الجمل وحسبوا {كهيعص } وحسبوا حتى يصلوا متى تسقط هذه الأمة ومتى تنتهي لذلك هذا الاستنباط لا يكون صحيحا لأنه في أمر الغيب وكل استنباط وقع في أمر الغيب فإنه يرد على صاحبه ولا يقبل .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : مادمنا نتكلم عن مالرأي فيه مجال وسلامة المعنى المستنبط وأن له شروطاً حتى نحكم بسلامته هذا يقودنا على الخطأ في الاستنباط أسبابه ياتُرى ماهي ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : أسباب الخطأ في الاستنباط :كثيرة لكن أهمها أولا/ الانحراف في التفسير أو الخطأ في التفسير فإذا أخطأ الإنسان في التفسير فإنه بلا شك سيخطئ في الاستنباط مثال ذلك لما جاء بعض ناس وفسروا قوله تعالى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } قالوا اليقين بمعنى المرتبة التي يصل إليها الإنسان مرتبة اليقين قالوا فإذا وصل الإنسان لمرتبة اليقين تسقط عنه العبادات الآن هم أخطئوا في التفسير فينبني على ذلك الخطأ في الاستنباط . ومثال ذلك أيضا لما قالوا في قوله تعالى {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } قالوا ملكك إذا عذبت عذبت من شئت و جوزوا بناء على ذلك تعذيب المؤمنين هذا لا يكون صحيح لأن التفسير أيضا غير صحيح .
السبب الثاني / الانحراف في العقيدة وقد ذكرنا أن من الشروط صحة الاعتقاد فإذا كان المفسر عنده خطأ في العقيدة فإنه يترتب عليه خطأ في التفسير في تفسير آيات الاعتقاد والاستدلال بها على عقيدته التي يعتقد بها فنحذر عندما نقرأ في كتب التفسير لغير المؤلفين من أهل السنة والجماعة في هذا الباب في باب الاعتقاد نحذر من الوقوع في تلك الأخطاء ولذلك بعض المؤلفين من كبار المفسرين مثل الزمخشري عفا الله عنه يستخرج كثير من العلماء أخطائه بجهد وبمشقة لأنه يستنبط استنباطات دقيقة جدا وتدل على أن للاعتقاد أثره في هذه الاستنباطات مع وضوح النصوص المعارضة قد تكون النصوص في الصحيحين وترد لأجل عقيدته التي يؤمن بها .
 
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : بالمناسبة هل جمعت هذه الأخطاء في تفسير الزمخشري ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : كثير الذين ذكروا حواشي على الزمخشري وهي مطبوعة مع الزمخشري حواشي الزمخشري ونبهوا على أخطائه .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : تحدثنا عن سببين من أسباب الخطأ في الاستنباط : الانحراف في التفسير وبالتالي يقود إلى الخطأ في الاستنباط . أيضاً الانحراف في العقيدة وأن هذا مؤثر لأن المفسر أوالمستنبط وهو ينطلق من معتقد وبالتالي ربما ينوي هذا الاستنباط حتى يكيفه على معتقده . هل هناك أسباب أخرى للخطأ ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : من الأسباب أيضا الخطأ في فهم باطن القرآن هناك بعض النصوص التي قد يحسنها بعض العلماء التي تدل على أن للقرآن ظهرا وبطنا فتفسير هذه النصوص إذا كان تفسيراً خاطئاً ينبني عليه خطأ في الاستنباط فبعضهم يرى أن الآيات التي جاءت في القرآن لها ظواهر يفهمها عامة الناس ولها بواطن تدل على اعتقاداتهم مثل ماذكرنا في الحلقة الماضية في قول الله جل وعلا { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } قالوا الخنس تأويلها الظاهر هو النجوم وتأويلها الباطن هو الإمام المهدي فهذا التأويل خطأ في فهم معنى باطن القرآن ليس المراد بالباطن هو الوصول إلى هذه المعاني التي لم يفهمها العرب وإنما الباطن قد ذكر العلماء معنى الباطن أن هناك دلالات خفية للقرآن الكريم يصل إليها بعض العلماء هذا من أسباب الخطأ أيضا .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : عندنا ثلاثة الآن الإنحراف في التفسير ، الإنحراف في العقيدة ، والخطأ في فهم باطن القرآن الكريم هل هناك أسباب أخرى ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : الرابع : هو تقديم العقلي على النقلي وهذا شبيه بتقديم العقيدة أو الاعتقاد على النص فإذا جاء أحد المفسرين أو أحد المستنبطين وهو يقدم عقله على النقل فسيقع في أخطاء لأنه قد يصطدم النقل بما يعتقده هو أو بما يراه من العقل مثال ذلك جاء بعضهم عند قوله جل وعلا {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قال هو باستنباطه أنه يحرم الزواج من الثانية والثالثة والرابعة وقال لأن العقل يقول أنه لا يوجد عدل فإذا لم يوجد العدل فإننا لا نجيز الزواج من الثانية والثالثة والرابعة فهنا قدم العقل على دلالة الأحاديث الكثيرة الواردة في الجواز والنصوص أيضا التي تدل على الجواز فتقديم العقل خطير في التعامل مع النصوص وإنما يجب أن يكون تابعاً للنصوص .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : يقول الله تعالى ياشيخ فهد { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } وفي آية أخرى { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } هل يشمل القرآن جميع الأشياء جميع أنواع الاستنباط بمعنى أنه يمكن للإنسان أن يستنبط من القرآن كل ما يريد من أمور هذه الحياة مثلا يقرأ القرآن ويستنبط مثلا الأحداث العالمية الحالية وهناك من يستنبط الأمور التربوية يعني جوانب متعددة وكثيرة يعني الكلام في هذا لو ذكرتموه بطرح علمي جزاكم الله خيرا ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : شمولية القرآن الله جل وعلا قد أشار إلى هذا الموضوع في قوله تعالى { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } وفي قوله تعالى { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } على القول بأن الكتاب هنا هو القرآن لكن أصل المسألة هل القرآن بذاته بدون رجوع إلى غيره من الأدلة يشمل كل شيء أو لابد من الرجوع إلى الأدلة الأخرى فإذا قلنا عن القسم الأول الذين يقولون أن القرآن شامل لكل شيء بدون رجوع إلى السنة وبدون رجوع إلى الإجماع وبدون رجوع إلى مصادر أخرى فهذا لاشك أنه خطأ بل إنه حتى في مسائل الدين لابد من الرجوع إلى غيره من السنة و إلى غير ذلك من الأدلة وقد أشار القرآن إلى ذلك { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُو } و أشار النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً إلى هذا الموضوع قال عليه الصلاة والسلام ( هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله ) فإذاً الذين يقتصرون على القرآن فقط هؤلاء مخطئون إذا لم يرجعوا إلى غيره من الأدلة والمفسرون جميع المفسرين إلا قليل منهم قالوا أن هذه الآية { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } مراد بها الخصوص عامة مراد بها الخصوص والمراد { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } من أمور الدين فما تحتاجونه من أمور الدين سيدلكم عليه هذا الكتاب إما دلالة أصلية موجودة في القرآن كحكم الصلاة مثلاً و إما دلالة إلى غيره من الأدلة كالدلالة إلى السنة في قوله تعالى { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} أو الدلالة إلى الإجماع في قوله تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } دلنا على الإجماع على حجية الإجماع . فإذاً القرآن بذاته أو بغيره من الأدلة الأخرى يدلنا على كل شيء من أمور الدين وما يحتاجونه الناس من أمور الدنيا في معاملاتهم بلاشك موجودة في القرآن لكن إدخال العلوم العصرية وعلوم الطبيعة كلها وغيرها هذا لا يمكن أن يقول به أحد ولم أجد أحد من العلماء من صرح بأن القرآن فيه كل شيء إلا رجل واحد وهو من علماء الشافعية وهو اسمه مرسي وهذا العالم ذكر عنه السيوطي أنه يقول أن القرآن فيه كل شيء لكن لما جاء يمثل من أمثلته اتضح لي أن معنى كلامه أن فيه إشارات وليس فيه احتواء يعني فيه إشارات لعلوم الفلك ذكر بعض الأشياء في علوم الفلك فيه إشارات لعلوم الزراعة ذكر بعض الأمور هذا لاشك فيه فيه إشارات لكنه لا يحتوي كل هذا العلم لا نقول أن جميع علوم الأحياء موجود في القرآن و علوم الكيمياء وعلوم الطبيعة في القرآن هذا لا يقول به أحد ولا يمكن أن يقع في القرآن إذا كانت مسائل الدين لا توجد بالتفصيل إلا أن هذا الكتاب كتاب خالد ومن صفاته أنه يكون كلي وليس تفصيلي وهذه من خصائص القرآن بلاشك وهو معروف عند العلماء .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : لنختم شيخ فهد بأنواع الاستنباط يعني لابد بعد هذا الحديث الطويل عن منهج الاستنباط من القرآن الكريم أن هناك أنواع باعتبارات متعددة . تُرى ماهي هذه الأنواع ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : يمكن اختصار هذا أن الاستنباط يتنوع بحسب اعتبارات الاعتبار الأول باعتبار الصحة والبطلان فهناك استنباطات صحيحة وهناك استنباطات باطله الاستنباط الصحيح أن يكون ارتباطه صحيح بالقرآن الكريم وألا يوجد معارض راجح له مثال ما ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في قوله تعالى { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } قال يستنبط منها أن العبادات تؤخذ من النصوص فهي توقيفيه لأنها لو كانت اجتهادية لما دعاء إبراهيم عليه السلام ربه أن يهديه للمناسك فهذا يدل على أنها توقيفيه وهناك الاستنباط الباطل وقد ذكرنا أمثلة كثيرة فيما سبق عليها . الاعتبار الثاني الاستنباط من نص واحد أو من مجموع نصين النص الواحد أمثلته ما سبقت وأما مجموع نصين فهذه يسميها ابن القيم دلالة التركيب يعني تركيب النصوص وهي من أدق أنواع الدلالة فيأتي المستنبط إلى آية و يستنبط منها معنى ثم يأتي إلى آية أخرى ويستنبط منها معنى ويركب المعنيين فيخرج معنى ثالثا مثل قوله جل وعلا { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً } وقوله جل وعلا {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } فإذا خصمنا الحمل الحولين من الثلاثين يتبقى ستة أشهر هي أقل مدة الحمل فإذاً آيتين استخرج منهما معنى ثالث جديد مثل {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } هذه تدل على أن القرآن أنزل في ليلة القدر ثم جاء أن ليلة القدر {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } أن ليلة القدر في رمضان فإذاً القرآن أنزل في رمضان ولم ينزل في غيره من الأشهر . أيضا يتنوع الاستنباط باعتبار موضوعه إلى استنباط عقدي يعني في باب العقيدة وقد ذكرنا أمثلة كثيرة مثل قوله جل وعلا {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } استنبط منها الشيخ السعدي رجمه الله أنه يجوز الاستعانة بالمخلوق فيما يستطيعه لأن يوسف عليه السلام طلب من هذا الذي ظن أنه ناج طلب منه طلب وهذا الطلب يؤول إلى أنه استعان به وهذا جائز في شريعتنا والثاني أن يكون استنباطا من باب الفقه ومثاله قوله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } استنبط منها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يجوز منع المساجد لمصلحة لأن الآية تقول { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } فالذي يمنعها لمصلحة كتغيير فرش مثلاً أو الترميم أوغير ذلك فهذا لم يمنعها عن ذكر الله وإنما منعها ليحسنها فهذا لا بأس بها كذلك هناك استنباطات أصولية في أصول الفقه مثل قوله جل وعلا {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } استنبط منها الإمام الشافعي رحمه الله حجية الإجماع وكثير من العلماء .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : أحسن الله إليكم شيخ فهد ماتفضلتم به ولعلنا نختم هنا لأن الوقت ينتهي إلى هذا الحد . ضيفنا مستمعينا الكرام هو الشيخ فهد بن مبارك الوهبي تحدث عن منهج الاستنباط من القرآن الكريم خلال حلقتين الحلقة الماضية وهذه الحلقة ذكر فيهما معنى الاستنباط ثم الحديث عن الفرق بين الاستنباط والتفسير والفروق بين كلٍ منهما وأن لكلٍ منهما معنى ثم أيضاً شروط الشخص الذي يستنبط من كتاب الله وذكرنا منها معرفة التفسير الصحيح وصحة الاعتقاد ومعرفة طرق الاستنباط والعلم باللغة العربية ثم أيضاً شروط المعنى المستنبط نفسه من سلامته من معارض شرعي راجح وأهمية أن يرتبط بالنص وأن يكون فيما للرأي فيه مجال ثم ختم بالحديث حول أسباب الخطأ في الاستنباط من الانحراف في التفسير أولاً ثم الانحراف في عقيدة الذي يستنبط فيترتب عليه الخطأ في استنباطه أو الخطأ في فهم القرآن الكريم وتقديم العقل على النقل ثم كان حديثاً أيضاً آخر عن أنواع الاستنباط وقد ذكر في ذلك مجموع من الفوائد . شكر الله لفضيلة الشيخ فهد بن مبارك الوهبي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة جزيتم عنا خيرا شيخ فهد .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : جزاكم الله خير .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : شكراً لكم أنتم مستمعينا الكرام على متابعتكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

&&&&

الحلقة الثانية ،،، من تفريغ " أخت في الله " فلاتنسوها من صالح الدعاء .

&&&&

" ومضة "

" اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً "

" فجر الأمة "

&&&&
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فهد الوهبي
جزاك الله خيراً يا أخت فجر الأمة والشكر موصول للأخت سارة وفقكما الله وسددكما ...


جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل ،،، وتقبل ربي دعائكم .
 
التفريغ في المرفقات​

" ومضة "


{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }الحشر8 . " والصادقون في هذه الآية الذين جمعوا بين صدق اللسان ، وصدق الأفعال ، لأن أفعالهم في أمر هجرتهم إنما كانت وفق أقوالهم " .

ابن عطية
المحرر الوجيز 5 / 261
 
عودة
أعلى