النبيّ عليه الصلاة والسلام قرأ على جبريل مباشرة، وهو الذي أقرأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وبالتالي فهو أعلم الناس بقراءة جبريل عليه السلام لأنّه قرأ عليه، وأعلم بقراءة عبد الله بن مسعود لأنّه صلّى الله عليه وسلّم الذي أقرأه وعلّمه.
فالذي يحكم على تلاوة بأنّ أداءها يتوافق بالكليّة مع الأداء الذي تلقاّه النبيّ عليه الصلاة والسلام على جبريل يلزم منه أن يكون عارفاً بتلاوة النبيّ عليه الصلاة والسلام وعارفاً بتلاوة عبد الله ابن مسعود. وهذا لا يمكن إدراكه إلاّ بالمعاينة.
وكأنك تقول، كلّ متقن للقرءان الكريم تكون قراءته متطابقة تماماً من حيث الإتقان بقراءة النبيّ عليه الصلاة والسلام. وهذا لم يقله أحد فيما أعلم ، وكلام غير مقبول وغير معقول.
فأهل الشأن يحكمون على التلاوة بأنّها متقنة بحسب ما أوتوا من علم وبحسب ما قرءوا به على شيوخهم. لا يمكنهم أن يدركوا أو أن يصفوا لنا بالتدقيق قراءة النبيّ عليه الصلاة والسلام وقراءة عبد الله بن مسعود.
الأمر الثاني : قولكم بأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام ترك الباب مفتوحاً فقال : من أحب أن يقرأ القرءان...
الجواب : الخطاب كان للصحابة لأنّ عبد الله ابن مسعود كان بين أظهرهم وكانوا يعرفون قراءته، فدلّهم النبيّ عليه الصلاة والسلام عليه ليقتدوا به، وعليه فالأمر ليس مفتوحاً كما تظنّ إذ هو فهمك الخاص للنصّ ، وفهمك هذا لا يُلزمني. بدليل أنّه خصّ عبد الله بن مسعود بتلك المزية دون غيره من الصحابة وهذا لبيان مكانته في التلاوة. فالصحابة متقنون للقرءان لكن لم يصفها النبيّ عليه الصلاة والسلام بالوصف الذي وصف به قراءةعبد الله بن مسعود. فكيف نصف اليوم أحد الشيوخ بوصف خصّه النبيّ عليه الصلاة والسلام بعبد الله ابن مسعود لوحده دون غيره من الصحابة.
وأطلب من أخي المعترض أن يأتيني بدليل من الكتب المعتبرة وُصف فيه أحد الشيوخ بهذا الوصف.
لكن سيكون دائما في الأمة بلا شك من يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل
هذا مستبعد كما قلت لعدة اسباب :
الأول : السلف أعلم وأتقن من الخلف
الثاني : ورود الخلاف في الكثير من المسائل الأدائية.
الثالث : دخول القياس والاجتهاد في المسائل التي لم يرد فيها نص مع غموض الأداء فيها
الرابع : طول سلسلة الإسناد
الخامس : التفاوة في العلم والإتقان.
وغير ذلك.
فالحاصل أنّ أهل الأداء اجتهدوا ما استطاعوا ليقتربوا في الإتقان من تلاوة النبيّ عليه الصلاة والسلام، كلّ بحسب ما قرأ وعلم ، وهم جميعاً مأجورون ، والحكم عن الشيء فرع عن تصوّره ، والحكم على تلاوة تكون على اساس ما وصل إليه الحاكم من علم ومعرفة ، وليس على أساس ما يغيب عنه أو لا يعلمه.
و بما أن الإتقان أمر نسبي، و الحكم يختلف من شخص لآخر، فلا أرى بأسا بحكم الأخ على قراءة الشيخ الحذيفي بأنها غضة طرية كما أنزل القرآن، علما بأن الشيخ الحذيفي من الكبار في هذا الشأن ـ الإتقان في التلاوة ـ في وقتنا الحاضر .
القضية ليست في التصوّر نحن في غنىً عن ذلك . القضية قضية وصف قراءة النبيّ عليه الصلاة والسلام وقراءة عبد الله بن مسعود وليست مجرد حكم على تلاوة الشيوخ.
فقوله : من أراد أن يقرأ القرءان كما أنزل.......
هو خبر قطعيّ يقينيّ لا يمكن أن يُبنى على الظنّ والاحتمال والتصوّر.
والعلم عند الله تعالى.