نحن وجرأتنا على الذنوب..!!!

إنضم
20/01/2006
المشاركات
1,245
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
[align=justify] بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن الناظر بعين البصيرة والتحقق إلى واقعنا الأليم مع الذنوب والمعاصي واقترافها ليجد من نفسه وغيره – إلا من رحم الله- حالاً عجيبة تستوقف ذوي الألباب , فكثيرٌ من الناس اليوم –وما أبرئ نفسي – أصبح معتاداً على مشاهدة وسماع واقتراف المنكرات وغشيان مجالس السوء , مع العلم التام من قِـبَل أولئك بنصوص الوعيد المترتبة على هذه الممارسات,فمثلاً الكذبُ الذي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه , وتـُوُعِّد صاحبه بالانتهاء إلى قرارة الفجور ومن ثمَّ إلى نار جهنم , لم تعد تقشعرُّ منه أبدان فئام من الناس , والمستبصر بواقع التنافس بين الناس في الدراسة والوظائف والمناصب والانتدابات والتأليف والسبق إلى فكرةٍ معينة أو ابتكار جديد وغير ذلك من مجالاتٍ لا يرى المتنافسون فيها بأساً بالكذب والزور لتحصيل منفعة دنيويةٍ عاجلة زائلة , يرى العجب العجاب ,وما أشد وقعَ هذه الآلام ومرارتها وفظاعتها حين تصدر من أقوام تنتظر المجتمعات منهم أن يكونوا قدوةً لناشئتها , ومصدراً يلتمسون منه الحكمة والديانة الحسنة والأخلاق الحميدة فأين النصوصُ الشرعية التي توعدت الكذاب بعدم الفلاح والمصير إلى جهنَّم ونزع البركة مما جناه من طريق البهتان والزور, فهل نحن نعلم هذه النصوصَ حقاً, وفي تصديقنا وجزمنا بوقوعها شك وريبٌ أم ماذا..؟؟ وهل نسي أحدنا أو تناسى حين ضعف نفسه أو إقدامها على ذلك قول الله (أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة ) , وهل يعتبرُ هذا من الأمن لمكر الله تعالى , كما قال إسماعيل بن رافع رحمه الله : من الأمن لمكر الله إقامةُ العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة) أم أن الحال بلغ بالبعض مبلغاً ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون , عياذاً بالله.
وفي زاويةٍ أخرى من زوايا الجرأة على الذنب وعدم معاملة نصوص الوعيد الشديد بما يليق بها من الحذر والخوف والفزع كما كان حال سلفنا الصالح رحمة الله عليهم, نجد استهتاراً بالمناهي الشرعية وتتبعاً للرخص وشواذ الأقوال , وركضاً لإيجاد المخارج والحيل في أمور الدنيا , يقابلة تأنٍّ شديد , وسؤالٌ كثير واسترشاد بآراء ذوي الحكمة في أمور الدنيا , فما سبب هذا التناقض , هل هو راجعٌ إلى عدم التصديق الكامل واليقين التام بأن الدنيا بأسرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ,ومن ذلك: التساهل في أكل الربا والتعامل به , مع العلم بأن الله لعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه , وأن الدرهم الواحد منه أشد عند الله من ست وثلاثين زنية , وأنه بضعٌ وسبعون شعبة أدناها مثل إتيان الرجل أمَّه,والعياذ بالله وفي الوقت ذاته تجد أحد أولئك لا ينفق درهما في الاستثمار والاتجار إلا بعد بحث وتقصٍّ شديدين يود معهما الدرهمُ أن لولم يقع في يديه..!!
وإن أخشى ما أخشاه على نفسي وعلى أولئك هو أن تنشغل أذهاننا بترقب العقوبات الحسية ونطمئنَّ بعدم وقوعها, ونمني أنفسنا بالتوبة والإقلاع , ونسهى عما هو أشد من ذلك هو العقوبة التيلايشعر بها العبد كما يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى (وربما دبت العقوبة في الباطن دبيب الظلمة إلى أن يمتلىء أفق القلب فتعمى البصيرة) والعياذ بالله .
وأحسِب أن من مداخل الشيطان لعنه الله هو إيراد نصوص المعفرة في مثل هذه الساعات , لترتاح النفس إلى غشيان الإثم ومزاولته ,كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عبدا أذنب فقال رب أذنبت ذنبا فاغفر لي قال الله تعالى علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فذكر مثل الأول مرتين أخرتين) وفي رواية لمسلم أنه قال في الثالثة (قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء) يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى- في جامع العلوم: والظاهر أن مراده الاستغفار المقرون بعدم الإصرار ولهذا في حديث أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة خرجه أبو داود والترمذى والاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب فهو دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده وقد يكون الإصرار مانعا من الإجابة وفي المسند من حديث عبدالله بن عمر مرفوعا ويل للذين يصرون على ما فعلوا وهم يعملون وخرج ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزي بربه ورفعه منكر ولعله موقوف قال الضحاك ثلاثة لا يستجاب لهم فذكر منهم رجلا مقيما على امرأة زنا قضي منها شهوته قال رب اغفر لي ما أصبت من فلانة فيقول الرب تحول عنها وأغفر لك وأما ما دمت عليها مقيما فإني لا أغفر لك ورجلا عنده مال قوم يري أهله فيقول رب اغفرلي ما آكل من فلان فيقول تعالى رد إليهم مالهم وأغفر لك وأما ما لم ترد إليهم فلا أغفر لك وقول القائل أستغفر الله معناه أطلب مغفرته فهو كقوله اللهم اغفر لي فالاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار كما مدح الله تعالى أهله ووعدهم بالمغفرة قال بعض العارفين من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره وكان بعضهم يقول استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير وفي ذلك يقول بعضهم:
أستغـفر الله مـن أستغـفر الله *** من لفظة بدرت خالفت معناها
وكيف أرجو إجابات الدعاء وقد *** سددت بالذنب عند الله مجراها
فأفضل الاستغفار ما قرن به ترك الإصرار وهو حينئذ يؤمل توبة نصوحا وإن قال بلسانه أستغفر الله وهو غير مقلع بقلبه فهو داع لله بالمغفرة كما يقول اللهم اغفر لي وهو حسن وقد يرجي له الإجابة وأما من تاب توبة الكذابين فمراده أنه ليس بتوبة كما يعتقده بعض الناس وهذا حق فإن التوبة لا تكون مع الإصرار
)395
وأنا أحتاج وغيري إلى أن ندرك أن ثمة خللاً ما في تصوراتنا وواقعنا , فتغليب جانب النزاهة على الأنفس , وإحسان الظن بها بناءاً على ثناء الناس وتزكياتهم وقلة العمل الصالح الخالص, نذير شؤمٍ وعلامة استدراجٍ من الله للبعض قد تُطمئنه ويسعى للحفاظ عليها , حتى ينكشف الغيب وتحين ساعة لقاء الله ويدرك بعدها أنه أقدم على الله خالياً مما تثقل به الموازين وترتفع به الدرجات من الأعمال التي لم يُرَد بها غير وجه الله ,وما أحوجنا اليوم شيباً وشباناً ,ومتلقين ومعلمين للعلم الشرعي إلى التواصي بعدم إغفال مثل هذه الجوانب الهامة لتي اظن انها أصبحت في تصور بعضنا من ملح العلم وطرائفه وهي في حقيقة الأمر لبُّ العلم وثمرتُه , فمن فارق الدنيا ولم يستفد منها إلا جعْلَ الله نصبَ عينيه في كل إقدام وإحجام ,وأورثه ذلك تعظيماً لأمر الله ونهيه, لا شكَّ أنه حصَّل سعادة الدارين ,وأترك المجال مفتوحاً لمشايخنا الكرام في هذا الملتقى النافع , لنتواصى بالحق,ونضع الحلول والعلاج لمرض الاستهانة بالذنوب والغفلة عن الوعيد المرَتب على ارتكابها, والله تعالى أعلم..[/align]
 
عودة
أعلى