بسم1
قال الحق جل وعلا: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام:59]
ويقول تعالى : { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [النمل:65]
إن الغيب على نوعين : وهما الغيب المطلق ، والغيب النسبي
الغيب المطلق :
هو مالا يتأتى العلم به لأحد من الخلق ،كوقائع المستقبل والأقضية والمآلات كالآجال والمصائر والحوادث المستقبلية.
والغيب المطلق لا ينبغي علم أحد من الخلق به فعلمه لدى الله وحده ، ولكن يمكن توقع حدوث أمر بناء على معطيات فتحدث كما توقع ، وقد لا يحدث ما جرى توقع حدوثه ، وإن حدث فليس علم بالغيب البتة ولكن تم الاستفادة من السنن الربانية الكونية لتوقع المآل ، فمثلاً ، يمكن توقع نزول المطر بناء على ملاحظات علمية تدل على اكتمال دورة الإمطار الطبيعية ومن خلال العلم الذي علمه الله للخلق ويسر لهم سبل الاستفادة منه ولكن يبقى توقعاً وليس علماً قاطعاً مهما اقتربت نسبته من الاكتمال.
ومن الغيب المطلق مصائر العباد ، فمن شهد الناس له بالإيمان وقبض على ذلك بخاتمة حسنة فالسنة الربانية تؤشر بأنه قد يكون من أهل الجنة ، ومن علم كفره وحربه لله ورسوله والحادة ومات مصراً على ذلك فالسنة الربانية تؤشر بأنه قد يكون من أهل النار ، وهذه المؤشرات ليست قطعية لأن الله تعالى يعلم ما سيحدث على وجه الحقيقة ونحن نستظهر ذلك على سبيل الظن والاستنتاج ، فما لدى الله علم غيب وما لدينا توقع.
الغيب النسبي :
وهو ما يغيب عن علم جزء من الخلق ويحضر علمه عند جزء آخر.
كالعلم بالحاضر من الأمر ، فالعلم بحدث ورؤيته فور وقوعه علم مختص بمن حضر تلك الواقعة غائب عمن سواهم فهو بالنسبة للغائبين غيب ولكنه شهادة بالنسبة للحاضرين ، ومن الغيب النسبي وقائع الماضي ، فهي بالنسبة لمن حضرها شهادة ولكنها بالنسبة لمن أتى بعدها غيب .
والله تعالى علام الغيوب ومن دلائل علمه المطلق بكل الغيوب هو امتناع الزمن عن التأثير عليه فالبشر يخضعون لعامل الزمن فلديهم الماضي والحاضر والمستقبل أما الله فهو فوق ذلك الزمن وهو خالقه وهو موجود من الأزل إلى الأبد لا يسري عليه شئ منه فلذلك يمتنع عليه الغيب بالكلية.
والله تعالى محيط بكل شئ ، فالحاضر مهما بلغ عند البشر من التقدم التقني لا يمكنهم الإحاطة بالحاضر إحاطة تامة ، فقد يعلمون جزءاً من الحاضر المشهود ولكن الله تعالى يعلم الحاضر كله والماضي كله والمستقبل كله بتفاصيلها الدقيقة والعميقة التي لا نستطيع تصورها والعلم بها.
ولو أردنا أن نوسع مداركنا ومفاهيمنا فنعلم أن الكون به مخلوقات سوى البشر من جان وملائكة وغيرهما من المخلوقات التي لا ندركها والعوالم التي لا نحيط بها ، فعندما نتحدث عن علم الله جلت قدرته فيجب أن نستحضر علمه بتلك العوالم وغيوبها النسبية والمطلقة .
وعندما نقول أن الله يعلم الغيب لا يعني نفي علم سواه بالكلية ، فالغيب النسبي يعلمه الخلق أيضا ولكنه بالنسبة لهم ليس غيباً ، والآية بينة واضحة فالمقصود هو (الغيب) وكل ما يغيب عني يعلمه الله ولو لم يغب عن بعض الخلق أو كل بقية الخلق.
الجان جزء من العوالم الخفية عن بني آدم ويشاركون الناس في سكنى هذه الأرض ولو أنهم في بعد لا نراهم ويرونا ، فهم غيب أيضاً بالنسبة لنا ، ولكن بعض ما يكون غيب علينا هو عندهم شهادة فهم يتواجدون ويعلمون وقائع لا يعلمها الناس.
أما مفاتح الغيب فهي ليست إنزال المطر وما في الأرحام بل أمر آخر لا يعلمه إلا الله فهو يقول جل شأنه (
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) فمفاتح الغيب ممتنعة العلم إلا على الله تعالى فلا يمتنع عنه العلم بها وهو وحده من يملكها أما ما يلي مفاتح الغيب في الآية (
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) فلا يمتنع العلم بها على بعض البشر ولم يحصر ويستثني فيها بشئ كما استثنى بـ (إلا) في مفاتح الغيب وهي ليست من مفاتح الغيب بل عناصر أخرى من الآية ولكن المختص بعلم مفاتح الغيب هو الله وحده ، وأما ماهيتها فالعلم أيضاً عنده وحده تعالى.
حاولت أختي أن ابسط المفاهيم بقدر المستطاع وأرجو أن يتضح الأمر بهذه الصورة ، هدانا الله وإياكم للحق بتوفيقه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.