نبذة عن مصطلح « آيات الأحكام » ، والخلاف في حَصْرِهَا وعَدِّها .

إنضم
07/02/2011
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
[FONT=&quot]لا يخفى على الباحث في عِلْمٍ من العلوم أهميةُ تحرير مصطلحاتِهِ ، وأثرُ ذلك في صحة التصوُّرِ ، ودِقَّةِ الحكْمِ ، وتحريرِ محل النزاع .[/FONT]

[FONT=&quot]والمتأملُ في كلام العلماء - رحمهم الله - يَجِدُ لمصطلح «آيات الأحكام» إطْلاقَيْنِ مشهورَيْن ، أحدهما أعمُّ من الآخر .[/FONT]

[FONT=&quot]فأولهما :[/FONT][FONT=&quot] أنَّ « آيات الأحكام » : هي كلُّ آية يُستفاد منها حكمٌ فقهيٌّ ، وتدلُّ عليه نصاً أو استنباطاً ، سواء سِيْقَتْ لبَيانِ الأحكام الفقهية ، أو لغير ذلك كآيات العقيدة ، والقصص ، والترغيب ، والترهيب[/FONT][FONT=&quot]([FONT=&quot]1[/FONT])[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]وهذا المعنى هو الأعم .[/FONT]

[FONT=&quot] والثاني :[/FONT][FONT=&quot] أنَّها الأيات التي تُبيِّنُ الأحكامَ الفقهية على وَجْهِ التَّصْريح ، دون ما يُؤخَذُ منه الحكْمُ الفقهي بطريق الاستنباط والتأمُّل[/FONT][FONT=&quot](2)[/FONT][FONT=&quot]. أو : هي الآيات التي سِيْقَتْ لبيان الأحكام الفقهية ، دون ما يُستنبطُ منه الحكم الفقهي ولم يُسَقْ لذلك[/FONT][FONT=&quot](3)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]فعلى سبيل المثال :
[/FONT]
[FONT=&quot]- قوله تعالى : {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} . استدلَّ به الشَّافعيُّ رحمه الله وغيرُه على صحَّة أنكحةِ الكفَّارِ[/FONT][FONT=&quot](4)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]- وقوله تعالى : { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل[/FONT][FONT=&quot] : 8] [/FONT][FONT=&quot]. استدلَّ به بعضُ الفقهاء على تحريم أكل لحم الخيل[/FONT][FONT=&quot](5)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]فهاتانِ الآيتان هما من « آيات الأحكام » على المعنى الأول ، [/FONT][FONT=&quot]وليْسَتَا منها على المعنى ا لثاني ؛ لعدم التصريحِ بالحكم الفقهي ، وكَوْنِها لم تُسَقْ لبيانه .[/FONT]

[FONT=&quot]وقد اجتهد العلماء-رحمهم الله- في عدِّ آيات الأحكام ، واختلفوا في قَدْرِها اختلافاً مشهوراً .[/FONT]

[FONT=&quot]فقيل :[/FONT][FONT=&quot] هي خمسمائة آية .[/FONT]
[FONT=&quot]قال الغزالي رحمه الله في معرض بيانه لشروط الاجتهاد : ( لا يشترط معرفة جميع الكتاب ، بل ما تتعلق به الأحكام منه ، وهو مقدار خمسمائة آية )[/FONT][FONT=&quot] (6)[/FONT][FONT=&quot]. ووافقَهُ - في هذا الحصْرِ- جماعةٌ ،منهم : ابن رشد الحفيد ، والرازي ، وابن قدامة -رحمهم الله-[/FONT][FONT=&quot](7)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]وقيل :[/FONT][FONT=&quot] مائتا آية .[/FONT]
[FONT=&quot]وهو ما قرره صديق حسن خان رحمه الله ، وقال : ( وقد قيل : إنها خمسمائة آية . وما صحَّ ذلك ، وإنما هي مائتا آية أو قريب من ذلك ، وإن عَدَلْنا عنه وجَعَلْنَا الآيةَ كل جملةٍ مفيدة يصحُّ أن تُسمَّى كلاماً في عرف النحاة ، كانت أكثر من خمسمائة آية ، وهذا القرآن مَنْ شكَّ فيه فَلْيَعُدَّ )[/FONT][FONT=&quot](8)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]وقيل :[/FONT][FONT=&quot] مائة وخمسون آية [/FONT][FONT=&quot](9)[/FONT][FONT=&quot].
[/FONT]
[FONT=&quot]وقيل :[/FONT][FONT=&quot] مائة آية فقط [/FONT][FONT=&quot](10)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]فهذه أشْهَرُ الأقوال في حَصْرِ آيات الأحكام وعَدِّها .[/FONT]

[FONT=&quot]وأنكر جماعةٌ من أهل العلم حَصْرَ آياتِ الأحكام ، وتقديرَها بهذه الأعداد .[/FONT]
[FONT=&quot] قال الطُوفي رحمه الله : ( والصحيح أنَّ هذا التقديرَ غيرُ معتبر ، وأنَّ مقدار أدلة الأحكام في ذلك غيرُ منحصِر ؛ فإنَّ أحكامَ الشرع كما تُستنبط من الأوامروالنواهي ، كذلك تُستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها ، فَقَلَّ آية في القرآن الكريم إلاّ ويُستنبَطُ منها شيءٌ من الأحكام ... وكأنَّ هؤلاء الذين حصروها في خمسمائة آية إنما نظروا إلى ما قُصِد منه بيانُ الأحكام ، دون ما استُفيدتْ منه ولم يُقصَد به بيانُها )[/FONT][FONT=&quot] (11)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]وردَّ القرافيُّ رحمه الله الحصْرَ، وقال : ( فإنَّ استنباطَ الأحكام إذا حُقِّقَ لا يكادُ تَعْرَى عنه آية ، فإن القصَص أبعد الأشياء عن ذلك ، والمقصودُ منها الاتِّعاظ والأمْر به، وكلُّ آيةٍ وَقَعَ فيها ذِكْرُ عذابٍ أو ذمٌّ على فعلٍ كان ذلك دليلَ تحريمِ ذلك الفعل ، أو مدحٌ أو ثوابٌ على فِعْلٍ فَذَلِكَ دليلُ طَلَبِ ذلك الفِعْل وجوباً أو ندباً ، وكذلك ذِكْرُ صفاتِ الله [/FONT][FONT=&quot]U[/FONT][FONT=&quot] والثناءِ عليه ، المقصودُ به الأمرُ بتعظيم ما عظَّمه الله تعالى وأن نُثني عليه بذلك ، فلا تكاد تجِدُ آيةً إلا وفيها حُكْمٌ ، وحَصْرُها في خمسمائة آية بعيد )[/FONT][FONT=&quot] (12)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot] وقال الزركشيُّ رحمه الله بعد ذِكْرِهِ قولَ الغزالي ومَنْ وافقَهُ : ( وكأنَّهم رأَوا مُقاتل بن سليمان أول مَنْ أفرد آياتِ الأحكام في تصنيف ، وجعلها خمسمائة آية ، وإنما أرادَ الظاهرة لا الحصر ؛ فإنَّ دلالة الدليل تختلف باختلاف القرائح ، فيختص بعضهم بدرك ضرورة فيها ... وقد نازعهم ابنُ دقيق العيد أيضاً ، وقال : هو غير منحصرٍ في هذا العدد ، بل هو مختلف باختلاف القرائح والأذهان ، وما يفتحه الله على عباده من وجوه الاستنباط ، ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالةً أوَّليةً بالذات ، لا بطريق التضمُّن والالتزام )[/FONT][FONT=&quot](13)[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT]

[FONT=&quot]والذي يظهر أن سببَ الخلاف بين مُثْبِتِيْ الحصر ومانعيه ، هوعدمُ تحرير محل النزاع ، وعدمُ اتفاقهم في مفهوم « آيات الأحكام » التي يُراد حَصْرُها وعَدُّها .[/FONT]
- [FONT=&quot]فمَنْ قَصَدَ بـ « آيات الأحكام » : كلَّ آية يمكن أنْ يُستنبط منها حكم فقهي ، أنْكَرَ حصرَها وعَدَّها ، لأن ذلك يختلف باختلاف الأفهام ، وما يفتحه الله على عباده في فقه كتابه .[/FONT]
[FONT=&quot]ويظهر في النقولات السابقة - عن الطوفي والقرافي والزركشي رحمهم الله- أنهم إنما أنكروا حصر «آيات الأحكام » بهذا المعنى .[/FONT]
- [FONT=&quot]ومن قصد بـ « آيات الأحكام » : ما سِيْقَ لبيان الأحكام الفقهية أو كان صريحَ الدلالةِ عليها ، فقد أثْبَتَ حَصْرَها واجتهد في عدِّها على وجه التقريب ؛ لإمكان ذلك ، مع تسليمه بإمكان استنباط الأحكام الفقهية من سائر آيات الكتاب العزيز .[/FONT]
[FONT=&quot]وهذا الإمام الرازي رحمه الله وهو من القائلين بحصر آيات الأحكام في خمسمائة آية - قد ملأ تفسيره الكبير باستنباطِ الأحكام الفقهية مِنْ غير مظانها ، واستدلَّ عليها بما يفوق هذا العدد ، فدلَّ ذلك على أنه لم يرِدْ حصْرَ « آيات الأحكام » بالمعنى الأول ، بل أراد المعنى الثاني ، والله أعلم[/FONT][FONT=&quot](14)[/FONT][FONT=&quot].

الحواشي :
[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][1][FONT=&quot]) انظر : البحر المحيط للزركشي (6/199) ؛ الإتقان في علوم القرآن (4/35) ؛ إرشاد الفحول (2 / 206) ؛ إجابة السائل (ص384) ؛ تفاسير آيات الأحكام ومناهجها (1/45، 50) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][2][FONT=&quot]) انظر : البرهان في علوم القرآن (2/3-5) ؛ التحبير شرح التحرير (8/3870-3871) ؛ آيات الأحكام لمحمد صالح علي (ص2-3) ؛ تفاسير آيات الأحكام ومناهجها[/FONT][FONT=&quot](1/50) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][3][FONT=&quot]) انظر : شرح مختصر الروضة (3/415) ؛ المدخل لابن بدران (ص368) ؛ تفاسير آيات الأحكام
ومناهجها (1/50) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][4][FONT=&quot]) انظر : البحر المحيط للزركشي(4/226) ؛ الإكليل (1/284، 3/1353) . [/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][5][FONT=&quot]) انظر : أحكام القرآن للجصاص (3/183) ؛ أحكام القرآن للكيا الهراسي (3/242) ؛ الجامع لأحكام القرآن (10/76-77) ؛ أضواء البيان (2/298-303) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][6][FONT=&quot]) المستصفى (2/350) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][7][FONT=&quot]) انظر : الضروري (ص137) ؛ المحصول (6/23) ؛ روضة الناظر (3/960) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][8][FONT=&quot]) نيل المرام (1/47) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][9][FONT=&quot]) انظر : الفكر السامي (1/25) ؛ تفاسير آيات الأحكام للعبيد (46) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][10][FONT=&quot]) انظر : التحبير شرح التحرير (8/3871) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][11][FONT=&quot]) شرح مختصر الروضة (3/577-578)[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][12][FONT=&quot]) شرح تنقيح الفصول (ص437) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][13][FONT=&quot]) البحر المحيط (6/199) . وانظر : البرهان في علوم القُرْآن (2/3-5) ؛ التحبير شرح التحرير (8/3870) ؛ إجابة السائل (1/384) ؛ إرشاد الفحول (1/1028) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][14][FONT=&quot]) انظر : البرهان (2/3) ؛ الإتقان (4/35) ؛ تفاسير آيات الأحكام للعبيد (1/50) .[/FONT]
 
أرحب بأخي العزيز الشيخ عبدالله بن صالح منكابو المعيد بكلية الشريعة بجامعة أم القرى (1) ، وأرجو أن يجد في ملتقى أهل التفسير من الحوارات الجادة ما يغريه بالمشاركة والإفادة إن شاء الله .
وأشكرك على هذه المشاركة الافتتاحية حول المقصود بآيات الأحكام لدى المفسرين، وهل هي محصورة في عدد محدد أم لا، وسبب الخلاف في ذلك .
والذي يظهر لي أنه حتى على التعريف الثاني لآيات الأحكام فيبقى التفاوت في تحديدها وارداً، والأمر كما قال ابن دقيق العيد أن عدد آيات الأحكام غير منحصرٍ، لاعتماده على الاستنباط الذي يتفاوت ويختلف باختلاف القرائح والأذهان، وما يفتحه الله على عباده من وجوه الاستنباط . وقد كنتُ كتبت في ذلك بحيثاً لم أكمله بعدُ إثر تدريسي لمقرر آيات الأحكام للدراسات العليا خلال الثلاث سنوات الماضية ، واقترحتُ فيه منهجاً لدراستها وتدريسها أرجو أن أنشره قريباً إن شاء الله .


ــ الحواشي ــــ
(1) ليت أخي العزيز عبدالله يقوم بالتعريف بنفسه باختصار في التوقيع ، وبتفصيل في هذا الموضوع هنا .
 
نرحب بأخينا الشيخ عبد الله بن صالح ونشكره على هذه النبذة المفيدة حول مصطلح آيات الأحكام، ولا شك أن دلالات الآيات على الأحكام غير محصورة بعدد معين، لذا يقول القرافي: "فإذا اسْتُوْفِيَتْ هذه الأقسامُ بوجوه الاعتبار؛ لم يبقَ في كتاب الله تعالى آيةٌ إلا وفيها حكمٌ شرعيٌّ، فلا معنى لتخصيص موارد الأحكام بخمسمائة آية" [نفائس الأصول: 9 / 3832 ].
ويقول ابن النجار: " وكأنهم أرادوا ما هو مقصود به الأحكام مطابقة، أما بدلالة الالتزام فغالب القرآن بل كله؛ لأنه لا يخلو شيء منه عن حكم يُسْتنبط منه " [شرح الكوكب المنير: 4 / 460 ].
أما على اعتبار الصريح منها في الدلالة فكما تفضل الشيخ عبدالله، حيث اجتهد العلماء في ذلك ولعل أولهم مقاتل بن سليمان رحمه الله وتبعه غيره.
كما ينبغي التنبه إلى أن مقصودهم بالأحكام؛ الأحكام الفقهية فقط، فلا يدخل غيرها من الأحكام.
 
جزى الله الشيخين : عبد الرحمن الشهري ، وفهد الوهبي خيراً على هذه الإضافة المفيدة ، وأسأل الله أن يرزقنا وإياهم العلم النافع والعمل الصالح .
 
وقد كنتُ كتبت في ذلك بحيثاً لم أكمله بعدُ إثر تدريسي لمقرر آيات الأحكام للدراسات العليا خلال الثلاث سنوات الماضية ، واقترحتُ فيه منهجاً لدراستها وتدريسها أرجو أن أنشره قريباً إن شاء الله .
.
هل نُشر هذا البحث؟ وكيف يمكن الحصول عليه؟
 
جلسات لعرض آيات الأحكام بالتفصيل في بيت من بيوت الله

جلسات لعرض آيات الأحكام بالتفصيل في بيت من بيوت الله

سلام الله عليكم
الشيء بالشيء يذكر
هناك درس جديد في عرض آيات الأحكام في القرآن الكريم ، وقد بلغت عند الشيخ 740 آية ، وقد ألقى جلستين منه في قصة آدم من البقرة واستخرج أحكاما كثيرة ، ووقف على قول الله تعالى :{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}.
ولعلكم اشتقتم لمعرفة الشيخ ، فهو عبد العزيز بن مرزوق الطريفي ، وموعد الدرس الاثنين بعد العشاء والمكان مسجد أسامة بن زيد في حي الملقا بشمال الرياض ، وقد أخبر الشيخ بأن هذه الدروس ستفرغ وتراجع وتنشر بإذن الله .
وصف المسجد بعد جامع فيصل بن فهد باتجاه الجنوب على طريق الملك فهد يأتيك مكتب العواد للعقارات بعده يمين ثم ثاني ملف يمين يأتيك المسجد.
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى