مُلاحظات على كِتاب المختصر في التفسير

إنضم
15/04/2006
المشاركات
161
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم ، من الكتب النافعة المباركة التي صدرت عن مركز تفسير للدراسات القرآنية ، وقد حرَّره ثُلَّة من أهل العِلم الأخيار .


وأثناء جَردي للكِتاب قبل أسابيع استوقف نظري فيه بعضُ الملاحظات ، واسترعى انتباهي فيه بعض التصويبات . فرأيتُ من واجبي تحرير ما رجَّحه الدليل بكلمات مختصرات ، وكان اعتمادي على الطبعة الثالثة ( 1437هـ)، نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن أهلُ الله وخاصَّتهِ ، وهذا أوانُ الشروعِ في المقصود :


1-ورد في ( ص/ 2) في التفسير عند فاتحة سورة البقرة ، حول الحروف المقطَّعة ما نصُّه : “.. ومن أهمِّ حِكمها الإشارة إلى التحدِّي بالقرآن ” قلت : الموضع هنا موضع تفسير ، وما ذكره المحرِّرون الأفاضل هنا هو إستقراء وليس بتفسير ، والإستقراء أضعفُ الأدلة كما قرَّره الغزالي (ت: 505هـ)رحمه الله تعالى في المستصفى ، ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين رضي الله عنهم ورحمهم تفسيرٌ للحروف المقطَّعة ، فالتعليل المذكور لا دليل عليه . وكلام الإمام الطبري (ت: 310هـ )رحمه الله تعالى في هذه المسألة في تفسيره مضطرب جداً ،فلا يصح الإستدلال بكلامه بلا دليل صريح .


وهذا موضع تربية للمسلم وليس موضع تكلُّف ، والقرآن الكريم ينهى عن التكلُّف ،ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : هو مختصر من : أنا الله أعلم ، كما في معالم التنزيل ( 1/58) وغيره من التفاسير . وقول ابن عباس تخريج لفهمه من قول الله تعالى :” ولا تقفُ ما ليس لك بِه عِلمٌ ” ( الإسراء: 36) .، وهذا من أعظم الفِقه لمن عقل وتدبَّر . وقد صحَّ عن السلف تورُّعهم عن الخوض فيها ، فقال بعضهم : هي من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ، وقال بعضهم الله أعلم بمراد الله منها .


ولما فتح بعضُ القدامى والمعاصرون من أهل العلم باب الخوض في معنى الحروف المقطعة في فواتح السور ، كثرت الأهواء والأقوال والبِدع في التأليف حولها ،ونُسجت حولها ما نُشاهده اليوم من المقروء والمرئي مما لا تُحمد عُقباه . نسأل الله السلامة والعافية .


2-ورد في ( ص/ 28) في التفسير عند الآية رقم ( 186) أن الله تعالى قريبٌ من عباده ، لكن تجبُ الإشارة هنا إلى أنه ليس كُّل قُرب ورد في القرآن الكريم المقصود به قُرب الله تعالى بذاته ، كما نبَّه عليه الإمام ابن تيمية (ت: 728هـ )رحمه الله تعالى في الفتاوى( 6/ 14) ، فليستدرك.


3- ورد في فوائد الآيات( ص/ 97) ما نصُّه : ” الشِّرك لا يغفره الله أبداً ” . قلت : الصواب تقيِّيد ذلك بعدم التوبة ، كما في آية الفرقان رقم (70) ، وكما تقدَّم معناه في التفسير(ص/ 86) في الفقرة الثالثة من فوائد الآيات ، فليتهُ يُستدرك .


4-ورد في فوائد الآيات ( ص/ 188) ما نصُّه : ” استدلَّ بعضُ العلماء بقول الله تعالى : ( وطَعنوا في دِّينكم ) على وجوب قتل كُّل من طعن في الدين عامداً مستهزئاً به ” قلت: الصواب وجوب قيام الإمام بقتل كُّل من طَعن في الدِّين عامداً مستهزئاً به .
وإطلاق العبارة السابقة ذريعة يستدلُّ بها أهل الغلو والتكفير على قتل مخالفيهم ، فليتنبَّه لهذا .


5- ورد في ( ص/ 228) في التفسير ما نصُّه : ” إن ربِّي قريبٌ ممن أخلص له العبادة ، مجيبٌ من دعاه ” قلت : لم يُشر المحرِّرون هنا إلى إثبات صفة التقرُّب والإجابة ، وهما صفتان فعليتان ثابتتان لله تعالى ، والقريب والمجيب من أسماء الله تعالى بلا خِلاف ، فليستدرك .


6-ورد في ( ص/ 243) في فوائد الآيات ، العزو إلى نصِّ الحديث ” لا يُلدغ المؤمن من جُحرٍ مرتين” وهو حديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومخرَّج في الصحيحين ، وطريقة إيراده بدون عزو ، إشارة إلى نعته بمثلٍ أو قول دارج ، فيجب بيانُ حاله إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونصحاً للأمة .


7-ورد في ( ص/ 244) عند تفسير قول الله تعالى : ” كذلك كِدنا ليوسف ” ( يوسف: 76 ) تفسير مكيدة الله تعالى ليوسف عليه السلام ، بدون الإشارة إلى إثبات صفة الكيد لله تعالى ، وهي صفة فعلية تليق بالله تعالى عند الكيد لمن يستحقُّها ، فليستدرك .


8-ورد في (ص/ 250) عند تفسير قول الله تعالى : ” وهو شديدُ المِحال ” ( الرعد : 13) ما نصُّه : ” والله شديدُ الحول والقوةِ لمن عَصاه ” . قلت : لم يُشر المحرِّرون هنا إلى إثبات صفة الشِّدة لله تعالى ، وهي صفة فعلية ذاتية ، وهذا أول موضع لها في كتاب الله تعالى ، فليستدرك .


9- ورد في ( ص/ 266) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” لا يطمح بصر المؤمن إلى زخارف الدُّنيا وعنده مَعارف المولى ” قلت : هذه الجملةُ منقولة من تفسير القرطبي رحمه الله تعالى ، عند تفسير آية سورة الحِجر رقم ( 88 )وهي من العبارات التي امتزجت بالفكر الصوفيِّ ، وهي محدثة ومُوهِمة ولم يستعملها السلف الصالح ، وفي تفسير القرطبي مثلها كثير ، كما في تفسير سورة آية يوسف رقم ( 100 ) فلو هُذِّبت العبارة بما يتناسب مع أقوال السلف وعباراتهم ، لكان في ذلك خيرٌ عظيم للمتأمِّل ، وأبعد عن المشتبهات من المصطلحات التي يتمسك بها البعضُ في كلامهم فتكون سبباً للإبتداع . وقد تقرر عند الأصوليِّين أن الأصل الترجيح بقوة السبب ، فليستدرك .


10-ورد في ( ص/ 271) في فوائد الآيات ما نصُّه : “أما التوكل فللعزوف عن الخلق والاتجاه الى الحق ” قلت : جملة العزوف عن الخلق من مصطلحات الصوفية ، وممن يردِّدها في كتبه ابن خَفيف الشيرازي ( ت: 371هـ ) رحمه الله تعالى والمتصوِّفة من بعده ، والعزوف عند المتصوفة دليلٌ على الذوق والجوع والصفاء ، كما قرَّره الماليني الصُّوفي(ت: 412هـ )رحمه الله تعالى ، فلو استبدلت العبارة السابقة بقول ابن عباس رضي الله عنهما : ” التوكل هو الثِّقة بالله تعالى ” لكانت أنفع وأكمل ، فالسلامةُ لا يعدِلُها شي .


11-ورد في ( ص/ 274) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” دليل على كمال عناية الله تعالى وتمام لُطفه بعباده وأنه الذي لا ينبغي أن يُحبَّ غيره ويُدعى سواه ” قلت : العبارة غير دقيقة ، لأن المحبة أنواع ، والصواب أن يقال : لا ينبغي أن يُوحَّد غيره ويُدعى سواه ، لأنه لا دليل على النهيِّ عن المحبة بدون قيد ٍأو شرط ، أما التوحيد فلا يكون إلا لله تعالى ، فليستدرك .


12-ورد في ( ص/ 284) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” النِّعم في الدنيا لا ينبغي أن يُستدل بها على رضا الله تعالى ، لأن الدُّنيا قد تحصل مع أن عاقبتها المصير إلى عذاب الله ” قلت : الجملة ركيكة ، والصواب – حسب سِّياق التفسير -أن يقال : الدنيا قد تحصل مع أن عاقبة الرِّياء فيها : المصير إلى عذاب الله ، فليستدرك .


13-ورد في ( ص/ 296) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” اتخاذ المساجد على القبور والصلاةُ عليها والبناء عليها غير جائز في شرعنا ” . قلت : الصواب أن يقال : إنه من نواقض الإيمان والإسلام في شرعنا ، لأن لفظة عدم الجواز ليس فيها ترهيب وزجر عن فعل الشِّرك ، وقد تُوهم الكراهة عند بعض القُرَّاء ، فليستدرك .


14-ورد في ( ص/ 354) في فوائد الآيات أن النُّور من أسماء الله تعالى . قلت : الصحيح أنه مختلف في ثُبوته فلم يرد دليل صريح يُثبت أنه من أسماء الله تعالى ، وأقوال العلماء ليست حجة ، إنما الحجة النصُّ المقطوع بثبوته . والله أعلم .


15-ورد في ( ص/ 455) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” في الآيات دليل على صحة القاعدة المشهورة من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ” قلت : ورد في مسند الإمام أحمد مرفوعاً بسند صحيح :” إنك لن تدعَ شيئاً اتِّقاء الله إلا أبدلك الله به ما هو خيرٌ منه” ، فلو أُشير إلى الحديث لكان أنفع للمتأمِّل بدلاً من القاعدة المذكورة .


16-ورد في (ص/ 479) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” سوء الظن بالله تعالى صفة من صفات الكفر ” قلت : لعل الصحيح ( الكافر أو الكفار) لأن الآية ( وذلكم ظنُّكم الذي ظننتم بِه ) تُشير إلى حال الكافرين في الآخرة ، فليستدرك .


17- ورد في ( ص/ 604) عند تفسير قول الله تعالى : ” قل هو الله أحد ” ( الإخلاص : 1) إثبات تفرُّد الله بالألوهية وتنزُّهه عن النقص . قلت : لم يُشِر المحرِّرون إلى إثبات صفة الأحدية لله تعالى ، وهي صفة ذاتية يجب إثباتُها في هذا الموضع ، فليستدرك .


نسأل الله أن ينفعَ بهذا التفسير القيِّم ، وأن يجعله سبباً في تدبُّر كلام الله تعالى والعمل به ، وأن يجزي من حرَّره وأشرف عليه وموَّله أجزل الأجر والمثوبة . والله الهادي .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

د/ أحمد بن مسفر العتيبي



( منقول )
مُلاحظات على كِتاب المختصر في التفسير
 
13-ورد في ( ص/ 296) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” اتخاذ المساجد على القبور والصلاةُ عليها والبناء عليها غير جائز في شرعنا ” . قلت : الصواب أن يقال : إنه من نواقض الإيمان والإسلام في شرعنا ، لأن لفظة عدم الجواز ليس فيها ترهيب وزجر عن فعل الشِّرك ، وقد تُوهم الكراهة عند بعض القُرَّاء ، فليستدرك .

الحمد لله وبعد: فهذا الكلام فيه مبالغة! حيث جعل اتخاذ المساجد على القبور من نواقض الإيمان مطلقا! ولم تكفه عبارة عدم الجواز!
والصواب أن اتخاذ المساجد على القبور قد شركا أصغر، وقد يكون شركا أكبر بحسب اعتقاد صاحبه.
والله أعلم

قال شيخنا محمد علي فركوس حفظه الله: فقد وَرَدَتْ مَناهٍ عديدةٌ عن اتِّخاذِ القبورِ مَساجِدَ، والنهيُ عن اتِّخاذها لا يخرج عن معنى السجودِ عليها وإليها، واستقبالِها بالصلاة والدعاء، وبناءِ المساجد عليها، وتقصُّدِ الصلاةِ فيها، وهو شاملٌ لها جميعًا؛ ويدلُّ عليه قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تُصَلُّوا إِلَى قَبْرٍ وَلَا تُصَلُّوا عَلَى قَبْرٍ»[SUP](1)[/SUP]، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا»[SUP](2)[/SUP]، وقد «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى القُبُورِ»[SUP](3)[/SUP]، و«نَهَى نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْنَى عَلَى القُبُورِ أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهَا أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهَا»[SUP](4)[/SUP]، ولا خلافَ بين الأئمَّةِ والعلماء المعروفين في تحريمِ ذلك.
انتهى كلامه
---------------
(١) أخرجه الطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (١٢٠٥١) مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١٠١٦).

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الجنائز» (‏٩٧٢) مِن حديث أبي مَرْثَدٍ الغَنَويِّ رضي الله عنه.

(٣) أخرجه ابنُ حبَّان في «صحيحه» (٢٣٢٣) مِن حديث أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٨٩٣).

(٤) أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (١٠٢٠) مِن حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه. قال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٣/ ١٩١): «رجالُه ثِقَاتٌ»، والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «تحذير الساجد» (٣٠).

عنوان الفتوى: في حكم استقبال المصلِّين الجنازةَ بصلاة الفريضة.
 
عودة
أعلى