محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
مُعضلة سيناريو خلق السماوات والأرض
متى دحا الله الأرض وأخرج ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها؟
الجواب المشهور هو بعد إنتهاء أيام الخلق الستة، وذلك باعتبار أن خلق الماء، والمرعى، والجبال، تم داخل الأيام الستة، ولكن دحو الأرض وإخراج ماءها، ومرعاها، وإرساء جبالها، تم بعد إنتهاء الأيام الستة، ويُستدل لذلك بأثر لابن عباس يقول بأن الله خلق الأرض ولم يدحها ثم سوى السماء الدُخانية ثم دحا الأرض.
مع أن هناك رواية أُخرى لابن عباس في للبخاري تقول بأن دحو الأرض وما تلاه تم في يومين (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ، وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالْآكَامَ، وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ)، فأي يومين قصد ابن عباس، داخل أم خارج الأيام الستة؟!
ومع أن المعنى اللغوي للدحو يدل على الخلق والإضافة، فمن أشهر معانيه المد والبسط، والتوسيع، وكل ذلك سؤدي لزيادة في مساحة سطح الأرض، وحجمها الكُلي، وعلمياً هذا ما حدث للأرض بعد خلقها، وهذه الأحداث استمرت حتى أصبحت الأرض قرارا، وكفاتا، وتم إرساء الجبال. ولعل في إقتران آية (فاطر السماوات والأرض) مع (يزيد في الخلق ما يشاء)، (وهو يُطعمُ، ولا يُطعم)، دلالة على الزيادة في خلق الأرض وكل اجرام السماء بعد الفطر، أي الإشتقاق والفتق.
ومع أن هناك فعل مُشابه للدحو وهو الطحو، بل إن من معاني الطحو الدحو، والمد والبسط، ولكن فعل الطحو مذكور في سورة الشمس مع بناء السماء وليس بعدها، قال الله (والسماء وما بناها والأرض وما طحاها)، ولذا نفهم أن طحو الأرض تم مع بناء السماء، وأما الدحو (والأرض بعد ذلك دحاها)، فتم بعد الطحو، أو معه لأن هناك تفسير آخر للأرض بعد ذلك، أي والأرض مع ذلك، كما هو عند الطبري، وغيره.
صدمة، أليس كذلك؟!!
ربما أخدع عقلي وأسمح له بقبول أن إخراج ماء الأرض وهو من أقوات الأرض تم بعد إنتهاء أيام الخلق الستة، بحجة أنه خُلق مع الأقوات في اليومين الثالث والرابع، ولكن تم تأجيل خروجه لما بعد إنتهاء أيام الخلق الستة!!!!!!!!!
ولكن علمياً خروج ماء الأرض المرتبط بكثير من عناصر الأرض يحتاج عمليات تخليقية جيولوجية كثيرة لينفصل، ويخرج من باطنها، في صورة سائل، أو بخار ماء.
ولُغوياً كلمة الخروج في القُرآن تفيد الخلق كما تفيد الإنتقال من مكان لآخر، فهناك خلق وانتقال معاً.
صدمة، أليس كذلك؟!!!
وإذا خدعت عقلي في إخراج الماء، فكيف سأخدعه وأسمح له بقبول أن إخراج المرعى (النبات) وهو من الأقوات قد تم بعد إنتهاء أيام الخلق الستة، وخلق الأقوات بصريح آيات سورة فُصلت تم في اليومين الثالث والرابع!!!!!!
على أي صورة خلق الله النبات (المرعى) مخفياً داخل الأرض؟، الآيات تنص على خلق زوجين من كل نبات (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض)، فهل هناك فرق بين خروج المرعى وخلقها؟!!!!، أليس من معاني الخروج الخلق كما بينت في النقطة السابقة؟!!!!!!
صدمة، أليس كذلك؟!!
وإذا خدعت عقلي في إخراج الماء والمرعى، فكيف سأخدعه وأسمح له بقبول أن إرساء الجبال تم بعد إنتهاء أيام الخلق الستة، ومعلوم يقيناً أن خلق الرواسي بصريح آيات سورة فُصلت تم في اليومين الثالث والرابع!!!!!!
الله سماها في سورة فصلت رواسي (وجعل فيها رواسي من فوقها)، فهل يسمي الله الجبال رواسي وهي ليست راسية؟!!!!
وبأي منطق نرفض وصف الله في فُصلت، ونقول له لا ليست رواسي فالإرساء تم خارج أيام الخلق الستة!!!!!!
هل نحن أعلم أم الله؟!
صدمة، أليس كذلك؟!!!
وإذا قبل عقلي كل ما سبق، فكيف سيقبل أن هناك آيات كثيرة ذكر الله فيها أنه أتم خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ويدخل في ذلك تجهيز الأرض دحواً بالمد والبسط والتوسع، والفرش والتمهيد، وإنشاء قيعان الأنهار والبحار، وخلق الجبال، وإنشاء السبل الفجاج، وإخراج الماء والمرعى، وخلق الدواب، وخلق الغلاف الجوي وإنزال المطر، وكل ذلك من الأقوات المخلوقة في اليومين الثالث والرابع، داخل أيام الخلق الستة!!!!!
صدمة، أليس كذلك؟!!!
وجميع آيات القُرآن تقرن خلق السماوات والأرض معاً، مع ذكر السماوات قبل الأرض، ونحن مصممون على خلق الأرض قبل السماوات!!!!!
وآية فتق الرتق فيها إيجاد للسماوات والأرض معاً مع تقديم ذكر السماوات على الأرض، وكلاهما من نفس جنس الرتق، ومع ذلك نحن مصممون على خلق الأرض قبل السماء، وأن فتق الرتق أنتج سماء دخانية مع الأرض وليس سماء كونية، مع أنه لا يوجد دليل واحد من قُرآن أو سُنة يصرح بأن سماء فصلت الدُخانية خرجت من فتق الرتق، وفتق الرتق أنتج سماوات بالجمع، وسورة فصلت تذكر استواء الله لسماء واحدة دُخانية، وبالتسوية أصبحت سماوات!!!!
صدمة، أليس كذلك؟!!!
هل تعرفون سبب التغاضي عن كل هذه الصدمات؟
كل هذه المخالفات العقلية قبلناها لنجعل قصة الخلق الإسلامية تتشابه مع قصة الخلق التوراتية، ففي التوراة نجد خلق النور (الشمس والقمر والنجوم)، بعد خلق الأرض وليس قبلها، فقلنا مثل أهل الكتاب، فخالفنا القُرآن وخالفنا العلم أيضاً، فعلمياً خلق الأرض تم مع المجموعة الشمسية، وإنفصالاً من سديمها.
وقُرآنياً جميع الآيات تحكي خلق الأرض وتجهيز سطحها ، وخلق النبات، والدواب بعد خلق وبناء السماء الكونية ورفعها وإغطاش ليلها وإخراج ضحاها (منه الشمس)، وهو المنطقي فالله لن يخلق نبات الأرض ودوابها إلا بعد خلق الشمس وتتابع الليل والنهار، كما ذكر الطبري نقلاً عن ابن عباس.
أعرف إعتراضكم
الله ذكر تسوية السماء الدُخانية في آيات فُصلت في اليومين الخامس والسادس، أي بعد خلق الأرض والجبال وتقدير الأقوات، بينما في آيات النازعات دحو الأرض وإرساء الجبال بعد بناء السماء الكونية.
فأقول وبالله التوفيق، هذا الإعتراض الظاهري يُحل ببساطة إذا فهمنا أن سماء فصلت الدُخانية ليست هي سماء النازعات المبنية، فسماء فصلت الدُخانية يُقصد بها خلق الغلاف الجوي للأرض، وليس خلق السماء الكونية، فالدُخان نشأ مع الأقوات في اليومين الثالث والرابع، من باطن الأرض، وبراكينها، والدخان في لغة العرب مجرد بخار ماء، وغازات ناتجة من الإحتراق، وتمت تسوية هذا الدخان للطبقات الوظيفية في الغلاف الجوي في آخر يومين، فآيات فصلت تحكي خلق الأرض بكل تفاصيلها في ستة أيام، بما في ذلك الغلاف الجوي.
وأما سماء النازعات المبنية فتحكي خلق السماء الكونية حتى إخراج ضحاها ومنه ضحى شمسنا، وذلك قبل خلق الأرض وانفصالها بالكامل في آية سورة الشمس (والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها)، وبعض معاني الطحو اللغوية تفيد الاندفاع، والتباعد عن شيء، وكأنها تحكي قصة فتق الأرض وانفصالها عن المجموعة الشمسية في السماء الكونية.
وأما الدحو في سياق آيات النازعات (ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها)، فيحكي تهيئة سطح الارض بعد ذلك في اليومين الثالث والرابع، بعد خلق الأرض فتقاً وطحواً في أول يومين. فالأرض انفصلت عن السماء الكونية (فتق، وطحو) في أول يومين، وجُهزت في اليومين الثالث والرابع بالدحو والمد والبسط والفرش واخراج الماء والمرعى وتقدير كل الأقوات وخلق الجبال وإرسائها، والسُبل والأنهار، وأخيراً خُلق غلافها الجوي في آخر يومين بتسوية الدُخان، والله تعالى أعلى وأعلم.
لاحظوا أنني بالتفريق بين السماء المبنية، والدُخانية، قد أبقيت على ترتيب جميع الآيات كما تم ذكرها في القرآن، بجميع حروف العطف كما هي، فلم أضطر لتأويل (ثم) في سورة فُصلت بتأويلات غريبة عن المشهور لها في لُغة العرب، ولم أضطر لرفض ترتيب (والأرض وما طحاها)، (والأرض بعد ذلك دحاها) بعد بناء السماء، فأجعلها بعد تسوية السماء الدخانية، فكل من الطحو والدحو وما يتبعهما من أحداث تم بعد بناء السماء الكونية، وليس بعد تسوية السماء الدُخانية، والله تعالى أعلى وأعلم.
ملحوظة
هذا ما أدين لله به، وإن شاء الله هناك مزيد شرح وتأصيل في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.
د. محمود عبدالله نجا
متى دحا الله الأرض وأخرج ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها؟
الجواب المشهور هو بعد إنتهاء أيام الخلق الستة، وذلك باعتبار أن خلق الماء، والمرعى، والجبال، تم داخل الأيام الستة، ولكن دحو الأرض وإخراج ماءها، ومرعاها، وإرساء جبالها، تم بعد إنتهاء الأيام الستة، ويُستدل لذلك بأثر لابن عباس يقول بأن الله خلق الأرض ولم يدحها ثم سوى السماء الدُخانية ثم دحا الأرض.
مع أن هناك رواية أُخرى لابن عباس في للبخاري تقول بأن دحو الأرض وما تلاه تم في يومين (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ، وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالْآكَامَ، وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ)، فأي يومين قصد ابن عباس، داخل أم خارج الأيام الستة؟!
ومع أن المعنى اللغوي للدحو يدل على الخلق والإضافة، فمن أشهر معانيه المد والبسط، والتوسيع، وكل ذلك سؤدي لزيادة في مساحة سطح الأرض، وحجمها الكُلي، وعلمياً هذا ما حدث للأرض بعد خلقها، وهذه الأحداث استمرت حتى أصبحت الأرض قرارا، وكفاتا، وتم إرساء الجبال. ولعل في إقتران آية (فاطر السماوات والأرض) مع (يزيد في الخلق ما يشاء)، (وهو يُطعمُ، ولا يُطعم)، دلالة على الزيادة في خلق الأرض وكل اجرام السماء بعد الفطر، أي الإشتقاق والفتق.
ومع أن هناك فعل مُشابه للدحو وهو الطحو، بل إن من معاني الطحو الدحو، والمد والبسط، ولكن فعل الطحو مذكور في سورة الشمس مع بناء السماء وليس بعدها، قال الله (والسماء وما بناها والأرض وما طحاها)، ولذا نفهم أن طحو الأرض تم مع بناء السماء، وأما الدحو (والأرض بعد ذلك دحاها)، فتم بعد الطحو، أو معه لأن هناك تفسير آخر للأرض بعد ذلك، أي والأرض مع ذلك، كما هو عند الطبري، وغيره.
صدمة، أليس كذلك؟!!
ربما أخدع عقلي وأسمح له بقبول أن إخراج ماء الأرض وهو من أقوات الأرض تم بعد إنتهاء أيام الخلق الستة، بحجة أنه خُلق مع الأقوات في اليومين الثالث والرابع، ولكن تم تأجيل خروجه لما بعد إنتهاء أيام الخلق الستة!!!!!!!!!
ولكن علمياً خروج ماء الأرض المرتبط بكثير من عناصر الأرض يحتاج عمليات تخليقية جيولوجية كثيرة لينفصل، ويخرج من باطنها، في صورة سائل، أو بخار ماء.
ولُغوياً كلمة الخروج في القُرآن تفيد الخلق كما تفيد الإنتقال من مكان لآخر، فهناك خلق وانتقال معاً.
صدمة، أليس كذلك؟!!!
وإذا خدعت عقلي في إخراج الماء، فكيف سأخدعه وأسمح له بقبول أن إخراج المرعى (النبات) وهو من الأقوات قد تم بعد إنتهاء أيام الخلق الستة، وخلق الأقوات بصريح آيات سورة فُصلت تم في اليومين الثالث والرابع!!!!!!
على أي صورة خلق الله النبات (المرعى) مخفياً داخل الأرض؟، الآيات تنص على خلق زوجين من كل نبات (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض)، فهل هناك فرق بين خروج المرعى وخلقها؟!!!!، أليس من معاني الخروج الخلق كما بينت في النقطة السابقة؟!!!!!!
صدمة، أليس كذلك؟!!
وإذا خدعت عقلي في إخراج الماء والمرعى، فكيف سأخدعه وأسمح له بقبول أن إرساء الجبال تم بعد إنتهاء أيام الخلق الستة، ومعلوم يقيناً أن خلق الرواسي بصريح آيات سورة فُصلت تم في اليومين الثالث والرابع!!!!!!
الله سماها في سورة فصلت رواسي (وجعل فيها رواسي من فوقها)، فهل يسمي الله الجبال رواسي وهي ليست راسية؟!!!!
وبأي منطق نرفض وصف الله في فُصلت، ونقول له لا ليست رواسي فالإرساء تم خارج أيام الخلق الستة!!!!!!
هل نحن أعلم أم الله؟!
صدمة، أليس كذلك؟!!!
وإذا قبل عقلي كل ما سبق، فكيف سيقبل أن هناك آيات كثيرة ذكر الله فيها أنه أتم خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ويدخل في ذلك تجهيز الأرض دحواً بالمد والبسط والتوسع، والفرش والتمهيد، وإنشاء قيعان الأنهار والبحار، وخلق الجبال، وإنشاء السبل الفجاج، وإخراج الماء والمرعى، وخلق الدواب، وخلق الغلاف الجوي وإنزال المطر، وكل ذلك من الأقوات المخلوقة في اليومين الثالث والرابع، داخل أيام الخلق الستة!!!!!
صدمة، أليس كذلك؟!!!
وجميع آيات القُرآن تقرن خلق السماوات والأرض معاً، مع ذكر السماوات قبل الأرض، ونحن مصممون على خلق الأرض قبل السماوات!!!!!
وآية فتق الرتق فيها إيجاد للسماوات والأرض معاً مع تقديم ذكر السماوات على الأرض، وكلاهما من نفس جنس الرتق، ومع ذلك نحن مصممون على خلق الأرض قبل السماء، وأن فتق الرتق أنتج سماء دخانية مع الأرض وليس سماء كونية، مع أنه لا يوجد دليل واحد من قُرآن أو سُنة يصرح بأن سماء فصلت الدُخانية خرجت من فتق الرتق، وفتق الرتق أنتج سماوات بالجمع، وسورة فصلت تذكر استواء الله لسماء واحدة دُخانية، وبالتسوية أصبحت سماوات!!!!
صدمة، أليس كذلك؟!!!
هل تعرفون سبب التغاضي عن كل هذه الصدمات؟
كل هذه المخالفات العقلية قبلناها لنجعل قصة الخلق الإسلامية تتشابه مع قصة الخلق التوراتية، ففي التوراة نجد خلق النور (الشمس والقمر والنجوم)، بعد خلق الأرض وليس قبلها، فقلنا مثل أهل الكتاب، فخالفنا القُرآن وخالفنا العلم أيضاً، فعلمياً خلق الأرض تم مع المجموعة الشمسية، وإنفصالاً من سديمها.
وقُرآنياً جميع الآيات تحكي خلق الأرض وتجهيز سطحها ، وخلق النبات، والدواب بعد خلق وبناء السماء الكونية ورفعها وإغطاش ليلها وإخراج ضحاها (منه الشمس)، وهو المنطقي فالله لن يخلق نبات الأرض ودوابها إلا بعد خلق الشمس وتتابع الليل والنهار، كما ذكر الطبري نقلاً عن ابن عباس.
أعرف إعتراضكم
الله ذكر تسوية السماء الدُخانية في آيات فُصلت في اليومين الخامس والسادس، أي بعد خلق الأرض والجبال وتقدير الأقوات، بينما في آيات النازعات دحو الأرض وإرساء الجبال بعد بناء السماء الكونية.
فأقول وبالله التوفيق، هذا الإعتراض الظاهري يُحل ببساطة إذا فهمنا أن سماء فصلت الدُخانية ليست هي سماء النازعات المبنية، فسماء فصلت الدُخانية يُقصد بها خلق الغلاف الجوي للأرض، وليس خلق السماء الكونية، فالدُخان نشأ مع الأقوات في اليومين الثالث والرابع، من باطن الأرض، وبراكينها، والدخان في لغة العرب مجرد بخار ماء، وغازات ناتجة من الإحتراق، وتمت تسوية هذا الدخان للطبقات الوظيفية في الغلاف الجوي في آخر يومين، فآيات فصلت تحكي خلق الأرض بكل تفاصيلها في ستة أيام، بما في ذلك الغلاف الجوي.
وأما سماء النازعات المبنية فتحكي خلق السماء الكونية حتى إخراج ضحاها ومنه ضحى شمسنا، وذلك قبل خلق الأرض وانفصالها بالكامل في آية سورة الشمس (والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها)، وبعض معاني الطحو اللغوية تفيد الاندفاع، والتباعد عن شيء، وكأنها تحكي قصة فتق الأرض وانفصالها عن المجموعة الشمسية في السماء الكونية.
وأما الدحو في سياق آيات النازعات (ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها)، فيحكي تهيئة سطح الارض بعد ذلك في اليومين الثالث والرابع، بعد خلق الأرض فتقاً وطحواً في أول يومين. فالأرض انفصلت عن السماء الكونية (فتق، وطحو) في أول يومين، وجُهزت في اليومين الثالث والرابع بالدحو والمد والبسط والفرش واخراج الماء والمرعى وتقدير كل الأقوات وخلق الجبال وإرسائها، والسُبل والأنهار، وأخيراً خُلق غلافها الجوي في آخر يومين بتسوية الدُخان، والله تعالى أعلى وأعلم.
لاحظوا أنني بالتفريق بين السماء المبنية، والدُخانية، قد أبقيت على ترتيب جميع الآيات كما تم ذكرها في القرآن، بجميع حروف العطف كما هي، فلم أضطر لتأويل (ثم) في سورة فُصلت بتأويلات غريبة عن المشهور لها في لُغة العرب، ولم أضطر لرفض ترتيب (والأرض وما طحاها)، (والأرض بعد ذلك دحاها) بعد بناء السماء، فأجعلها بعد تسوية السماء الدخانية، فكل من الطحو والدحو وما يتبعهما من أحداث تم بعد بناء السماء الكونية، وليس بعد تسوية السماء الدُخانية، والله تعالى أعلى وأعلم.
ملحوظة
هذا ما أدين لله به، وإن شاء الله هناك مزيد شرح وتأصيل في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.
د. محمود عبدالله نجا