مُجَدِّدٌ جديد في "مذهب الأمة" و"أهل السنة"

إنضم
27/04/2006
المشاركات
751
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مكة المكرمة
تنقسم الكُتلة البشرية المُسماة بـ"ـالمسلمين" إلى قسمين رئيسين أولهما القسم الذي يَحصُر الاتصال بالملأ الأعلى (بالله تعالى وملائكته) على الأنبياء وخاتمهم النبي محمد عليه وعليهم الصلاة والتسليم، والقسم الثاني يقول بوجود أناس من غير الأنبياء لهم نوع من الاتصال بالملأ الأعلى ولو بأن يكون الله تعالى قد نص عليهم أو يكون الاتصال بحجز مقعد في الملأ الأعلى لكائن متخيل يطلق عليه اسم صاحب الزمان ويُلبس لباس شخصية خرافية اسمها محمد بن الحسن ويزعم لها سنة ميلاد بحدود 255هـ وغيبة صغرى 260 وغيبة كبرى 329هـ أي حين كان المتنبي حيا وبنو حمدان يتشيعون ويملكون حلب الشهباء ولا يسمع بتلكم الشخصية أدباء المئة الرابعة ولا أمراؤها وولاتها من متشيعين وغيرهم ولكنها مع ذلك تظل مفترضة "يرتبط" عن طريقها المؤسسات الدينية بالملأ الأعلى لتتحقق الولاية المستحيلة للأموات عن طريق افتراض حيّ في الملأ الأعلى.
القسم الأول من المسلمين هم الأمة وهم الذين نص على أنهم وحدهم جديرون بمسمى مسلمين أبو محمد ابن حزم ت 456هـ في كتابه العظيم "الفِصَل في المِلل والأهواء والنِّحل" وهم بالاستقراء المسلمون المنحدرون من التراث السني (أهل السنة) ومن التراث الشيعي الزيدي (الزيدية) ومن التراث الإباضي (الإباضية) ولما كان الزيدية والإباضية لا يكادون يتجاوزون العشرة الملايين كان (أهل السنة) أكبر المذاهب والفرق الممثلة لمذهب الأمة.
ولكن قد حصل مع الزمن أن تلقّى أهلُ السنة مجموعة من المفاهيم والمصطلحات فهِمها قسْمٌ منهم بمفهوم متأخر فأثرت على فهم الأمة لما كان ينبغي أن يكون عليه "مذهب الأمة". لقد جعل المتعصِّبون من أهل السنة طائفة من الطوائف تتبنى مفاهيم قال بها بعض أو قسم من العلماء وما كان ينبغي لهذا أن يحصُل لأنَّ المفروض بأهل السنة وهم القسم الأعظم بلا مقارنة من مذهب الأمة أن لا يربطوا أنفسهم بفُهوم ويتعصبوا لمصطلحات ومفاهيم هي مجرد مصطلحات ومفاهيم قابلة للتصحيح وإعادة الفهم والأخذ والرد.
ومن تلك المصطلحات ما يلي:
- التمييز بين مجموعة "أصحاب محمد" وبين "مجموعة الصحابة"

فمجموعة الصحابة هو مصطلح أطُلق على الكتلة البشرية من الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا وماتوا على الإسلام، وأكثرهم من العرب وأكبر موسوعة حفظت ما استطاع التاريخ حفظه من أسماء هذه المجموعة البشرية هو كتاب "الإصابة" للحافظ ابن حجر العسقلاني ت 852هـ. أما مجموعة "أصحاب محمد" وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أهل بيعة الرضوان ومن مات قبلها وأزواجهم وأسرهم فهم قسم من مجموعة من الصحابة لا كلها، والذي فرق بين المجموعتين هو الآيات القرآنية والأحاديث الصحاح ويكفينا هنا الاستشهاد بحديث رواه مسلم في صحيحه حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالد لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ وَوَكِيعٍ ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فالحديث بسياقه يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم مصطلح "أصحابي" لمجموعة من أسلم قبل خالد بن الوليد المعلوم إسلامه بعد الحديبية، وأما مصطلح صحابة الذي أطلقه علماء الحديث ليشمل جميع المسلمين الذي عاشوا في عصر النبي وأسلموا وماتوا على الإسلام فهذا يُقبل من أجل الرواية لا أن تُسقط عليهم لوهم أو لهوى صفاتُ مجموعة أصحاب محمد. فهذا وهم قبيح وقَع فيه المحدِّثون ولا ينبغي للمسلمين من أتباع مذهب الأمة (أي الذين لم يغْلوا في الدين فيجعلوا لغير الأنبياء اتصالا بالملأ الأعلى وهم جميع أهل السنة والمعتزلة والزيدية والإباضية) لا ينبغي للمجموعة الكبرى من الأمة وهم أهل السنة أن يتعصبوا لمصطلحات لا تطابق الواقع وتقودهم إلى إساءة فهم قوله تعالى "والذين اتبعوهم بإحسان" وإساءة فهم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم.
والسبب في المزج بين المصطلحين
1. رواية الحديث ناقصة مما سهل الوقوع في الفهم بمفهوم متأخر
فرواية الترمذي: [ بَاب فِيمَنْ سَبَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَال سَمِعْتُ ذَكْوَانَ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَصِيفَهُ يَعْنِي نِصْفَ مُدِّهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَكَانَ حَافِظًا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ] فأبو عيسى رحمه الله استخدم "أصحاب النبي بشكل صواب ولا بد أن لا نستخدمه لكل مجموعة الصحابة لأن النبي لم يقصدها ألبتة، بل قصد مجموعة أصحابه لا الصحابة. لكن أبا عيسى لم يورد الرواية بكاملها فسبب للقارئ توهم المزج بين المجموعتين وهو ما حصل.
أما البخاري 256هـ رحمه الله فهذه روايته [حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَاضِرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ] وهي تشبه رواية أبي عيسى ولكن البخاري وضعها في كِتَاب فَضَائِلِ الصحابة مما يدل على أن علماء الحديث بحسن نية قد استخدموا نفس المصطلح لمجموعتين متميزتين فأدى ذلك إلى إساءة فهم قول النبي صلى الله عليه وسلم فشُمل بمقصوده مجموعة أصحاب محمد بالتفضيل والتمييز جميع مجموعة الصحابة دون أن يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أو تنتصر له النصوص. إن المزج بين المجموعتين بمصطلح واحد هو الذي جعل أهل الحديث يطلقون مصطلح التابعين بإحسان لما بعد مجموعة الصحابة بالفترة الزمنية وهذا خلاف فهم الآية وتوهم في التفسير إذ أن التابعين بإحسان هم تابعون لمجموعة أصحاب محمد سواء كانوا من الصحابة أو ممن بعدهم وعليه يكون كل مسلم جاء بعد أصحاب محمد مشروطة عدالته بشرط الاتباع بإحسان فإن ظهر منه غير ذلك لم يجُز ْتعديلُه بحجة مجيئه في فترة زمنية جعلته يكون عنصرا في مجموعة الصحابة. أما مجموعة أصحاب محمد فقد زكتهم وعدلتهم الآيات والسنن الكثيرة.

- ومن تلك المصطلحات مصطلح السلف والقرون الثلاثة المفضلة
الطريقة الفضلى لطالب العلم ليتجنب الوقوع في عيب "الفهم بمفهوم متأخر" هو أن يفهم النصوص القرآنية والنبوية بواسطة اللغة وليس بواسطة مصطلحات علماء الحديث أو متكلمي أهل السنة من أحمد بن حنبل إلى ابن قيم الجوزية، فإن سبب الضلالات الفكرية التي جعلت قسمًا من أهل السنة في المملكة وغيرها يقومون دون وعي منهم بتفريق الأمة وتمزيق المسلمين وانتهاك الأخلاق والعلم هو "عيب الفهم بمفهوم متأخر" وهو نفسه الذي يسميه الفرنسيون بـ"ـالإسقاط على التاريخ" وهو عيب قلما ينجو منه أحد. وأحسن سبيل للنجاة من هذا العيب القاتل هو الفهم بواسطة اللغة لا بواسطة المصطلحات.
فقد تقدم أنك حين تفهم قول النبي لا تسبوا اصحابي مثلا بواسطة اللغة وترى انه قالها لخالد بن الوليد تعلم أن أصحاب محمد الذين لو أنفق خالد بن الوليد وكل من جاء بعده مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه هم ليسوا كل من أطلق عليهم المحدثون في المئة الثانية والثالثة الصحابة فهذا هو عيب الفهم بمفهوم متأخر، بل هم مجموعة أصحاب محد الذين عناهم النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسُه
ومن أمثلته مصطلح القَرْن فهو في اللغة الطبقة من الناس أي ما نسميه اليوم الجيل فأبوك قرن وأنت قرن وابنك قرن ثالث ولذلك قالت المعاجم القرن ثلاثون سنة وقيل ثمانون وقيل مئة. أما الظن أن القرن مئة سنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد الى سنة 300 هـ وإطلاق القرون المفضلة ليقحم فيها أحمد بن حنبل وأبطال المحدثين فهذا بلا ريب إسقاط على التاريخ وفهم بمفهوم متأخر لمعنى القرن، وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله يفهم القرن على أنه الطبقة من الناس فقال "وأفضل الناس بعد الأنبياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذين بُعث فيهم" فعلى هذا الفهم يكون الزبير بن العوام قرن وعروة بن الزبير قرن وهشام بن عروة قرن [اسم "يكون" هو الحال ولذلك رفعت قرن].

- مصطلح "الصفات" أي صفات الباري الحسية وهل كان أصحاب محمد والذين اتبعوهم بإحسان من طبقة الصحابة والتابعين وتابع التابعين يفهمون الآيات الواردة فيها على أنها "إثبات الظاهر مع نفي المماثلة" كما فهم ابن تيمية والقيم ومن تبعهما، أم أن طبقة أصحاب محمد والذين اتبعوهم بإحسان من الصحابة والتابعين وتابع التابعين وعلماء الحديث كانوا يفوضون أمرها إلى الله فيتوقفون في القول فيها بقول ويمرونها كما جاءت كما فهم ذلك ابن الجوزي 597هـ، أم أن طبقة أصحاب محمد والذين اتبعوهم بإحسان من الصحابة والتابعين وتابع التابعين قد كانوا يفهمون اللغة بالسليقة ويدركون أن ظاهرها يفيد التجسيم فكانوا ينززهون الباري عن الجسمانية وإن لم يُنقل عنهم تأويل ، كما فهم ذلك الأشعرية والماتُريدية وعبر عنه الغزالي 505 في "الاقتصاد في الاعتقاد".
بغض النظر عن الفهم الصواب فإن طائفة غير قليلة من أهل السنة اليوم تتغلغل إلى وسائل الإعلام تغفَل مع الأسف القاتل عن أن ما يعادل الفهم الصواب لفهم السلف أهمية أو يفوقه هو كيف تعامل السلف مع القضية، فلم يكن من أخلاق طبقة أصحاب محمد والذين اتبعوهم بإحسان من الصحابة والتابعين وتابع التابعين أن يسألوا بعضهم أن يصرح بفهمه لهذه الآيات ولم يقل أحد منهم لمسلم أين الله؟ ولا ماذا تعتقد في الصفات.فعلى فرض أن الفهم الصواب لمذهب السلف هو تعبير ابن تيمية والقيم عن ذلك الفهم فإنه ولا ريب وعلى القطع ليس من أخلاق السلف سؤال المسلمين عن ذلك ولا فرض فهم أحدهم له عليه ولا إثارته أصلاً.
فالاتباع الحق للسلف ليس بتعبير معين عما يُظن أنه فهمهم للقضية بل في فهم سلوكهم معها.
لم أرَ بين الإخوة المتعاطين لتعليم الناس الخير من يحاولُ جاهدا أن ينقذ المسلمين من أتباع مذهب الأمة من إساءات الفهوم ومن تفريق وحدة صف المسلمين وجرح شعور بعضهم بناء على توهمات لما يُظن أنه الحق ولكن قد أرسل إليَّ أحدُ الإخوة قبل يومين رابطا لموقع لدكتور مسلم شامي الأصل يعيش في أوربا اسمه د.عدنان محمد إبراهيم فوجدته داعيا إلى مذهب الأمة أي إلى مذهب أصحاب محمد وما ينبغي أن يكون عليه أهل السنة ووجدته شجاعا في الجهر بآرائه التي تسير ضمن هذا الخط الذي يتميز بالنجاة من "عيب الفهم بمفهوم متأخر". فأحببت أن أشيد به ههنا وأدعو الإخوة الفضلاء إلى الاستماع إليه.
وبدلا من التخندق ضده مثلما رأيت بعض اليوتيوبات التي يقوم بها بعض الناس بنية الدفاع عن أهل السنة فينبغي إعادة أهل السنة إلى ما كان عليه أصحاب محمد وبدلا من التعصب لمصطلحات تفرق مذهب الأمة فعلي المسلمين التواصي بالحق والصبر والنصح لله ورسوله.
ومن أكثر ما أعجبني فيه قيامه بما كنت قد حاولت في هذا الملتقى المبارك أن أنصح به وهو استعادة الحسين من الفرس الذين اختطفوه من الأمة. فاستعادة الحسين واجب شرعي وأخلاقي وهو يسحب البساط من الغلاة المستقلين عن مذهب الأمة.

وما لم يعجبني في الدكتور حفظه الله تصديقه لبعض الأحاديث الضعيفة والأخبار غير الثابتة من مثل أن معاوية قد قتل من تسمّى بعلي فقد ذكَّرني وهو يصدق هذا الخبر ويتحمس له بردّ ابن قتيبة الدينوري 276 على النظّام حين صدق أن عمر رضي الله عنه قد قضى في الجد بمئة قول، قال ابن قتيبة فاعجب له وهو صاحب نظر كيف غفل عن هذه المسألة أما كان في حملة الآثار ورواة السنن من يحمل شطر هذه المئة مسألة أو ربعها أو عشرها، بل أعماه ضِغن يحمله في نفسه على عمر.
وقد عجبت من الدكتور عدنان إبراهيم - وهو كما قال ابن قتيبة في النظام صاحبُ نظر- كيف يصدِّق أن يكون معاوية يقتل من تسمى بعليّ !! أو أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد حذَّرنا من معاوية، فالثابت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي حذَّر منه كما في المعارف لابن قتيبة "أحذِّركم آدم قريش وابن كريمها الذي لا يبيت إلا على رضا ويضحك في الغضب" ، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقال عدة أحاديث تشمل معاوية وفئته الباغية وهي ما رواه البخاري وغيره أن عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار
ولكن يبقى الدكتور عدنان إبراهيم حفظه الله من مجددي أهل السنة العائدين بهم إلى أصل مذهبهم وهو ما كان عليه أصحاب محمد والتابعون لهم بإحسان دون تعصب للمفاهيم والمصطلحات أو فهمها بمفهوم متأخر.
أدعو الإخوة طلبة العلم والإخوة الأكاديميين الاستماع الى محاضرات الأستاذ عدنان والرد عليه بالعلم والحجة دون ربط أهل السنة وهم الأمة بتيار منها وجعله الناطق باسمها.
والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسليمن وعامتهم

والله من وراء القصد​
 
ليتها جاءت من غيرك!

ليتها جاءت من غيرك!

أحييك أخي الدكتور عبد الرحمن، وأنا أحيي فيك شجاعتك وإخلاصك لأمتك، بيد أني أراك في مثل هذا الموضوع تستعجلنا بقبول ما يظهر لك بادي الرأي دون تمحيص ونقد وتقليب للفكرة وملابساتها ومناسبتها، ولذا فاسمح لي أن أطرح بين يديك هذه النقاط:

- ذكرت أن أصحاب الحديث (وهو مصطلح يشمل المحدثين وشراح الحديث وغيرهم) كانوا السبب في "الوهم" الحاصل بالخلط بين ما أسميته مصطلح "أصحاب محمد و"الصحابة" فهل سبقك أحد بهذا الفهم؟
- أوافقك أن على الإنسان التحرر من الأفهام المسبقة والقيود التي لم يحددها الشارع نصاً، وأن عليه الاجتهاد في محل الاجتهاد مادام متمكنا من آلته، ولكن هل تعتقد أن معنى ذلك أن يكون (اجتهاده) أوثق عنده مما تتابعت العلماء على مر العصور وتواترت عليه من المصطلحات؟
هل أساوي اجتهادهم الذي أضيف إليه موافقة الجمهور وتتابُعُ العصور باجتهاد فردي، بل وأجعله أولى بالصواب من اجتهادهم؟
- أشعر بما تشعر به من الحمية والغيرة على وحدة الأمة ووجوب السعي في كل ما يدعم هذه الوحدة ويقويها، ولكني أرى كلامك الذي أسسته كمقدمات لهذا الهدف النبيل لا يخدم هذا الهدف، فهل مِن جمعِ كلمة الأمة أن نقول إن ما كان عليه عامتها خاطئ ولنأخذ باجتهادات خاصة وفهوم فرديّة؟
- أختم بأن من سميته (مجددا) قد استمعت له سابقا، ووجدته أقرب إلى تفرقة الأمة إذ يرمي أكثرها بالنصب، ويلعن بني أمية ودولتهم، مع ذمّ وحِدَّة وشِدّة على كبار العلماء الذين توالت شهادة القرون عليهم بالصلاح والخيرية.
وله فهوم خاصة يناقشه ويردها عليه فيها من أوتي اليسير من العلم، فهو يدعو إلى رد الأحاديث بكل ما يوهم التعارض، ويبني كلامه على الأحاديث الضعيفة والأقاويل والقصص الواهية والبحث عن المتناقضات أو موهمات التناقض، وكان الأولى به إحسان الظن أولا، ثم سؤال أهل العلم ثانيا قبل تجشم أمر ليس له بأهل.

أرجو أخي ألا تكون تزكيتك له عن سبر وتمحيص!
 
والليالي من الزمان حبالى مثقلاتٍ يلدن كل عجيب
 
(...) إنك امرؤ فيك جاهلية!.

(...) إنك امرؤ فيك جاهلية!.

بارك الله فيك د. عبدالرحمان،
هذه المقالة القيمة قرأتها منذ زمن بُعيْد تسجيلي في الملتقى العلمي المبارك، وقد تأخرت عن التعليق للتعبير عن وجهة نظري وأيضا عن إعجابي بقاعدة المنهج (= الاتصال بالعلوي) في التمييز داخل الأمة، بين مذهبها (بكل مدارسه) والمذهب (بمدارسه المختلفة) الملحد في الإنتماء إليها، رغم إختلافي مع حضرتك في النتيجة التي توصَّلت إليها والتي توحي، وقد أظهرت ذلك في مقالة أخرى، بإخراج أكبر الفرق الشيعية من الإنتماء اللاملحد، اللامنحرف بمعنى آخر، وهي الإمامية. أنا أرى أننا لا نستطيع القدوم على هذا دون تأويل بعيد، بل تأويل لاعقلاني أي لا تاريخي إذ لا ربط فيه لما يذهب إليه الذاهب بواقعه، لـ [الإتصال اللانبوي بالعلوي] وتلك نتيجة لمقدمات أخرى لا تعير أي إهتمام لتطور مفهوم الإمامة وتطبيقاته من الحزب السياسي العلوي إلى ولاية الفقيه الخمينية من خلال التركيز على دراسة الظروف والبيئات التي تلونت فيها الإمامة مرتبطة بالعصمة والوصية، وهذا يا أخي، إن خالفنا التأريخ المذهبي، السني والشيعي معا، سيدفعنا إلى إقرار صيرورة، ديناميكية هذا الربط. إن مناصري نظام السقيفة وبالتالي أنصار (حزب الشورى) فعلوا ما لم يفعله السلف أنفسهم، على الأقل من الناحية التأطيرية، فهم ينكرون الوصية في شكل ويثبتونها في شكل آخر محاولين إيجاد صيغة تبريرية لها في تأويل آيات قرآنية وفي إمامة أبي بكر رضي الله عنه للمصلين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. بل إن الإمامة (السياسية) نفسها تم تطبيقها بحذافيرها طيلة "خلافة" الأمويين والعباسيين. تبقى (العصمة) وربما هنا وهنا فقط يمكن البحث عن ادعاءات الإتصال اللانبوي بالعلوي، لكن كيف؟ أنا ضد التطرفين: التطرف في إثبات هذا الإتصال فأصير مع السينوية وأمها الحرانية وعقائد فارسية أخرى فيكون المآل إنكار النبوة، أي القول بإمكانية إتصال كل واحد منا بالعلوي، بالنفوس، بالعقول..الخ ومن ثم تحصيل المعرفة (الغنوصية) والسعادة (الإشراقية).. وضد التطرف في إنكار هذا الإتصال فأصير إلى إنكار ما أثبتته الملة من مصادر للمعرفة غير الوحي والحس، وهي مصادر خبرية أخرى كالإلهام والتوفيق والتسديد وما يحصل من خلالها أولياء الله والصالحين على درجات في المعرفة والإطمئنان (التي طلبها إبراهيم عليه السلام)، وما يتحقق معه المعية، فتدبر معي ((حتى يكون الله سمعك الذي تسمع به وبصرك الذي تبصر به ويدك التي تبطش بها وقدمك التي تمشي بها ..)). وأظن أن السينوي المنحرف عن السينوية، الإمام الغزالي، نقل القول بالاتصال بالعلوي من الدائرة الإشراقية، المختلطة بتلك العقائد التي دفع عنها فلاسفة المشرق وإخوان الصفا بشعور وبلاشعور في الغالب لسبب يسمى عندنا بالوعي الايديولوجي المقلوب، إلى دائرة السنة بعد أن حاول نزع الجانب المتطرف فيها. وهنا أنا لا يهمني ما فعله الغزالي رحمه الله، وصحة وصف فعله بالتصوف السني أو غير ذلك قدر ما يهمني التوضيح بأن القاعدة في المنهج أعلاه قاعدة شكلية لا حقيقة كلية، تصورية، ولا جزئية، علمية، لها. إن الإمامية وكبار أئمتهم الذين يعبرون عن معتقدهم موسوعيين ولا يمكن لنا فهمهم من خلال التعرض لمقولاتهم، أي تلك المضامين المعرفية، دون محاولة تشرب مناهجهم في فنون شرعية أخرى، غير التوحيد، غير الكلام، كالتفسير والفقه مثلا، للوصول إلى فكرة عامة وتمحيص الادعاء الذي أكذب به ما أظهرته وهو: أن العصمة المرتبطة بالإمامة قد تم فعلا "عقلنتها" وانتقلوا بها من مستوى (الباطن) إلى مستوى (اللغة) أو من "إثبات الذات الفارسية" إلى "النصية الإسلامية". هذا ما لم يحصل مع فرق شيعية أخرى وهي التي أنتجت واقعا ووعيا ثقافيا وجدت فيه البابية والبهائية والقاديانية والأحمدية وغيرها من الملل والنحل تربة صالحة للنشوء. ولكن تلك العملية أو تلك الطفرة التي أحدثها الفكر الشيعي الإمامي ليست بريئة بل كانت مدفوعة فكرانيا ولعل (الحوزات) اليوم لم تتحرر نهائيا من الشيرازية والشيرازية من السهرورودية والسهروردية من السينوية وهذه الأخيرة من ((الفارسية)).. لكن هذا في تراثهم الفلسفي، طبعا. نفس الشيء في الدائرة الأخرى.

ألم يحصل نفس الشيء في دائرة من تسميهم بمذهب الأمة؟ إني أنطلق من قاعدة ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) لأنكر براءة هذا المذهب من الإختلاط بما هو كائن وكان سواء بوعي وشعور أم بغير وعي ولا شعور. النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل من أجل هداية وإرشاد تلك الفئة المؤمنة في فجر الإسلام وحسب، بل عمل وجهد في (التصفية) و (التربية) لتكون تلك النواة نقية وبريئة تحمل الرسالة إلى الأجيال التي تليها. ثم جاء خلف بعده خلف لا مربي فيها بمستوى النبي لكن مجدد، والمجدد الحقيقي رجل يعيش جغرافيا ونفسانيا وهموميا وعمليا داخل مجتمع يمارس فيه التجديد ويعرف منه الصلاح والإصلاح بل تظهر معه، ومع تحركه التجديدي، تلك الأوصاف الواقعية التي تدفعنا إلى الإعتقاد بأن المحيط فيه كل ما يستدعي التجديد، وهذا شرط. طبعا لا يتوفر في الدكتور عدنان إبراهيم.
أنا هنا لا أحاول أن أقرأ د. عدنان قراءة علمية، تهتم بالجزئيات وتتمسك بالجدل، بالكلام إن شئت، فقراءة مثل هذه ينبري لها (العلماء).. أما أنا فقد بحثت وما زلت أبحث عن كيفية تأطير تلك "الجديدات العدنانبراهيمية"، تلك البحثيات في المضمامين التراثية، كيف يؤطرها، وماذا يدفع به؟ ترف فكري؟ لا أظن. ربما هناك جواب لم أصل إليه بعد إلا أن أية إجابة، مهما كانت، لابد وأن تربط لي منطقيا بين هذا التأطير، أو الدافع الإيديولوجي، وبين القراءة العدنانية لمعاوية رضي الله عنه.. وإلا، فالقول المحتمل: ((الرواندية)) - مع من يدفع.. أرى الآن دولة سنية تدفع أو أرى قناة فضائية تابعة لدولة محسوبة على مرجعية ثقافية إنتهكها نقد د. عدنان إبراهيم، ومعها رأيت "تغييرات جذرية في الخطاب". وصلت إلى 3 إحتمالات: ترف فكري، رواندية أو واقعية. والله أعلم.
 
عودة
أعلى