"مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .." وكيف فُهمت على غير معناها

إنضم
29/09/2012
المشاركات
314
مستوى التفاعل
4
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .." وكيف فُهمت على غير معناها

لطالما استشهد عدد من المفسرين بقول الله تعالى "مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا"(الكهف:51) لقطع الطريق على دراسة آيات الله تعالى المنظورة والمستدل عليها في السموات والأرض (الكون)، حتى ولو تم ذلك بآليات البحث العلمي المُعتبرة. والحاصل أنه لما استصعب بعض المفسرين متابعة تلك الدراسات بالتحليل والتصويب والتخطئة، اتخذ طريقاً أقصر بتحريم ما في هذه الدراسات جميعاً؛ صواباً كان أو خطأَ؛ ربما سداً للذرائع، فيلجأ إلى قول الله تعالى "مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ..." يحرم بها هذه الدراسات من حيث المبدأ. وهذا خطأ كبير لخلط الحق بالباطل في التحريم، وربما يكون فيه إثم عظيم في صرف المعاني عن مقاصدها.

ورغم أننا وقفنا على هذا المنحى لعدد غير قليل من المفسرين المعاصرين، إلا أننا رصدناه للشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، لكثرة ما أسهب في عين هذا الاستشهاد، وقد أعددنا في ذلك دراسة تجلّي المسألة، وتضع الأمور في نصابها، بقدر ما وقفنا عليه من علمٍ بالمسألة، تجدونها هنا:

تحريم الشعراوي للبحث العلمي في خلق السموات والأرض والإنسان، وتجلية المسألة

هذا والله تعالى أعلم،
 
والله يا أخي الكريم ، لا أصدق أن هذا الكلام قاله الشعراوي ..
وأعتقد أنه أسيء فهمه .. فهذه ليست طريقته ولا تفكيره ..
فالشعرواي رحمه الله يستدل بالعقليات ليقرب المعاني ، فكيف يمنع الناس من البحث والاجتهاد العلمي؟
يعني هو يستشهد بما هو أقل من العلم والبحث في طريقته .. والعلم هو أداة وضعها الله للإنسان يستعملها بحواسه التي منحه الله إياها ليتعرف بها على الأرض والكون الذي استخلف فيه ..
وهذا البحث مباح بنص كتاب الله..
وهو والله أكثر علماً وفهماً منا جميعاً ويقرأ قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)
واسمح لي بأن اقترح عليك بأن تجعل هذا البحث عامّاً دون تعيين ، ولا أظن أن الفائدة المقصودة منه ستقل إن شاء الله ..

وهذه خواطره في قول الله تعالى: (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض)
الدقيقة ٢٠
https://www.youtube.com/watch?v=b44_U8BZQLc

أما ما قاله في قوله تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ١١ الأعراف
https://www.youtube.com/watch?v=OOxmofUrI1w
فالمقصد بالضلال هنا وما يشبهه من الأبحاث العلمية التي تحاول أن تصل إلى أصل خلق الإنسان على غير الأساس الذي أخبرنا الله به ، ومثال ذلك نظرية التطور ونشأة الإنسان من القرود إلخ.
كما أنه لا يمكن أن يحاول الإنسان باستخدام البحث العلمي أن يخلق إنساناً بالكيفية التي أخبرنا الله بها.
كما أن البحث العلمي لا يدل الإنسان على غاية وجوده.
و البحث العلمي لا يصل بك إلى قصة خلق آدم وسجود الملائكة له وعداوة إبليس.
فكل استعمال للعلم بهذه الطريقة هو استعمال ضال وبقصد الإضلال.
أما استعمال العلم للاستدلال واكتشاف الحقائق التي أخبرنا الله بها فهو شأن آخر ،
لكن نتائجه إن خالفت الأصل أو لم تصل إليه (الذي أخبرنا الله به) فهي قصور في علم الإنسان أما أخذها بالاعتبار بعد هذا وتقديمها فهذا لا يصح وهو الضلال بعينه.
أما محاولة تخمين الكيفيات فهذا لا يحتاج إلى النقاش.

والله أعلم ،
جزاك الله خيراً
 
الأخت الفاضلة
النصوص التي أدرجتَها أنا بالدراسة صحيحة وموثقة، ويمكن لمن شاء أن يتحقق منها لأني أشرت لمصدرها جميعا، ويؤكدها الرابط الصوتي الثاني التي أدرجته أنتِ، أعيدي سماعه بعد دقيقة واحدة تماماً من بداية التسجيل. حيث قال فيها بالنص الصريح:

[ ما فيش قدامنا حاجات نستقرئها، ولذلك حكم الله في قضية الخلق، سواء كان للسموات والأرض وما بينهن أو للإنسان، حكم في هاتين القضيتين أن لا مصدر لعلم الأمر فيهما إلا من الله سبحانه، وأغلق باب الاجتهاد فيها وأغلق باب التخمين وسمى كل بحث بشري يصل إلى كيفية خلق السموات والأرض وخلق الإنسان سمى القائمين به ضالين ومضللين.]

فهذا الكلام فيه حق: [من وجوب ترك التخمين، وكيفية خلق آدم وحواء]
أما عدا ذلك، في شأن خلق السموات والأرض، فالسماء مملوءة بالشواهد التي تدلنا على كيفية تتابع الخلق المادي، وكيفية تخلق العناصر المادية من بدايتها إلى ما آلت إليه من أجرام ومجرات .. إلخ، فقوله بغياب أدوات الاستقراء غير صحيح، وقوله بغلق باب الاجتهاد في فهم كيف خلقت السموات وما فيها والأرض وما فيها غير صحيح.

كما وأن استشهاد الشيخ المتكرر بقول الله تعالى "مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... " في غير محله، لأنه (في المقطع الصوتي الأول الذي أدرجته أنت في تفسيره لأية ((مَا أَشْهَدْتُهُمْ ...)، كما أني ألمحت إلى ذلك في الدراسة) - التزم الشيخ بما التزم به غيره من المفسرين الذين قرأت لهم- بأن موضوع الآية منحصر في إبليس وذريته (ومن يُقاس عليهم)، وأن الضمير في (مَا أَشْهَدْتُهُمْ) يعود عليهم. وكانت العلة في ذلك، نفي أهلية إبليس وذريته من أن يتخذهم أحد أولياء من دون الله. وهذا لا علاقة له بمن يتكلم في خلق السموات والأرض متخذاً الأسباب الرصدية والاستدلالية. والغريب أن يكرر الشيخ استشهاده بنفس الآية في مواضع أخرى عديدة على أنها تؤول إلى من يجتهد في فهم خلق السموات والأرض! رغم أنه في عين تفسير الآية لم يأت بشيء من ذلك!!

والخلاصة أن الشيخ الشعراوي قطع بأن باب الاجتهاد في خلق السموات والأرض قد أغلقه الله تعالى، ونفى وجود أسباب تؤدي إلى ذلك، رغم أن الأسباب وفيرة، وفي كل يوم جديد تزداد الأدلة بالرصد والتحليل.

وأقترح إعادة قراءة الدراسة لأن فيها تفصيلات لا سبيل إلى تكراري لها هنا. وآمل ملاحظة أني لا أدين كل كلام الشيخ، فلا تحاسبيني إلا على ما أدنته بالنص (ما خططته باللون الأحمر). فلا علاقة لي بخلق آدم وحواء ولا غايات الخلق، ولا سجود الملائكة .. إلى آخر هذه الغيبيات. وإنما أتكلم على ما له أسباب يمكن بها التوصل إلى معرفة جيدة بمراحل تطور خلق السموات وأجرامها والأرض ونشأتها، وكيف أن كلامه يحرم الاجتهاد البحثي فيها، بل ويُسمي من يفعل ذلك أنه ضال مُضل.

وآمل ملاحظة أنه ليس في العلم شيء إسمه أن فلان أفضل فهماً أو علماً من الناس جميعاً، وذلك لأن سلطان العلم الدليل، وليس إلا الدليل. وما ينطق به الإنسان - مهما بلغ من علم - فهو ما يحاسب عليه، أما الضمائر وقيمة الناس فالله تعالى أعلم بها. وقد قام ديننا على الدليل، أما الاتباع، فأيضاً بالدليل، وليس هناك من عصمة لإنسان بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بما عصمه الله تعالى فيما بلّغنا عنه من وحيٍ وحكمة. فهذا دين، ولا يؤخذ الدين بالاتباع لمحض الثقة. ثم أن الشيخ اتهم فئة من الناس بأنهم ضالون مضللون، وهذا أمر شديد الخطورة إن كانوا أبرياء من هذه التهمة الشنعاء. وما كتبت ما كتبت إلا لدرأ هذا الاتهام، لأني على درئه قادر إن شاء الله تعالى.

هذا والله تعالى أعلم.
 
والخلاصة أن الشيخ الشعراوي قطع بأن باب الاجتهاد في خلق السموات والأرض قد أغلقه الله تعالى، ونفى وجود أسباب تؤدي إلى ذلك، رغم أن الأسباب وفيرة، وفي كل يوم جديد تزداد الأدلة بالرصد والتحليل.

أحسنت ، ولاشك أنك التزمت الدقة في النص في كل ما ذكرت..
ومعذرة أولاً ، فأنا لا أحاسب ولا أدين وليس هذا مكاني..
و أعتذر ففي البداية ظننتُ أن المقصود بالبحث هنا هو جميع العلوم التجريبية المرتبطة بالمخلوقات..
و الأصل أن العلم الذي هو للانتفاع من هذا الكون مباح لا شك فيه ..

والحقيقة أن في قول الشعراوي وجهاً من الصواب الذي اقتنعتُ به بعد قراءة البحث..
لأنك ترى من الناس من يشكك في أصل الخلق ، ويجعل بحثه وسيلة لإضلال الناس وهو في ذاته يعرف أن هذه ليست الحقيقة ..
والعجيب أن الله تعالى يحذرنا من هذا ولم نفهم ..
وقول الشعراوي أن مسائل أصل الخلق لا ينبغي الخوض فيها ونكتفي بما أخبرنا الله به والاستفادة مما خلقه الله وسخره لنا ..
هو قول سليم ومبنيٌ على فهم دقيق للآية التي كررها: (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض.. )
وما سبقها: (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً) .. فالمزاعم والخوض في أصل الخلق هو في أساسه ومصدره من الشيطان وذريته ومن تولاهم .. ومقصد الشيطان الأول هو الصد عن سبيل الله..
لذلك تراه يكرر ضالٌ مضل..

والدلالة على أن الشيطان وأولياؤه يخوضون وسيخوضون في مسائل الخلق ليصدوا عن سبيل الله ، هو أن الله ذكر آية ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض بعدها. أي كيف اتخذتموهم أولياء وصدقتموهم في مسائل كيفية الخلق ولم يشهد أحد خلق السماوات والأرض ؟!
فهنا ترى وجه منعه من الخوض في هذا..
والدلالة الأخرى هي قوله: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)
ففي هذا إشارة وتأكيد إلى توعد الشيطان الناس بتغيير خلق الله ، فإذا فعل فإن البحث والخوض في كيفية الخلق وأصلها سيكون وسيلة لصدهم عن سبيل الله ودفعهم إلى الكفر به سبحانه ..

و ما ذكرتَه من أن العلم بالدليل هو كلام صائب لا شك فيه ، لكنني والله أرى الشيخ وما فتح الله عليه من الفهم وما أعطاه الله من العلم.. فلا أملك إلا أن أُكبر هذا والله وأعجب من فضل الله وإنعامه عليه ..

وجزاك الله خيراً
وأسأل الله أن يحفظنا من شر الفتن
 
هنا مسألتان جديرتان بالاعتبار حول إشكالية هذه الفتوى (أي: تحريم النظر في خلق السموات والأرض والإنسان):

المسألة الأولى: الاعتبار المقاصدي (المآلات/الغايات):
وفيه أن تحريم النظر في خلق السموات والأرض والإنسان (بصفته كائن من الكائنات الحية) لن يطال إلا المؤمنين. وسوف يطال منهم العابد كما يطال المتفكر المتخذ أسباب الاستقراء والاستدلال بحق، وسوف يطال أيضاً الغافلين من المؤمنين الذين يتَّبعون المتلاعبين بالأدلة (أمثال ريتشارد دوكنز وحلف الكفر العلمي المعاصر). وإن اقتصرت الفتوى على محض تكذيب الكافرين الضالين الحقيقيين، فإن ذلك جيد للعُبَّاد من المؤمنين الذين يغلقون على أنفسهم الأبواب، هذا إن كان هناك من أبواب مغلقة بعد شيوع الأفكار المتشحة برداء العلم مع انتشار وسائل التواصل المعلوماتي! ..

ولكن هذا التحريم لن يكون إلا سَيِّئاً على قوم يتفكرون من المؤمنين، لأنه يصدهم عن البحث العلمي في هذه المسائل إن استجابوا للفتوى، هذا إن نجوا من فتنة أدلة الكافرين وتلبيسهم فيها، ثم أنه لم يترك لهم مجالاً إلا لتكذيب الكفر العلمي، دون القدرة على إقامة الحجة عليه، لأنه منعهم عنها بتحريم النظر. وهنا الكارثة؛ أي أن هذه الفتوى ستصبح حجر عثرة أمام المؤمنين المتفكرين، ليس فقط في تعريضهم لفتنة أدلة لا يستطيعون ردها، وليس فقط في منعهم من تدبر آليات الخلق، حتى وإن كانت لمزيد من الفهم لكلام الله تعالى - وإلا كانوا مُضلين حسب الفتوى - بل بالصد عن التزود من معرفة الأليات العلمية المتسقة مع كلام الله تعالى – حتى وإن سعوا إليها بغرض إقامة الحجة على الكفر العلمي، الذي يَتَحدَّى أصحابه خبر الله تعالى؛ الصادق في حكمته وإبداعه وكيف بدأ الخلق.

المسألة الثانية: الاعتبار التأصيلي (البنيوي):
وفيه أن الناظر في الفتوى ذاتها لن يجدها مُؤصَّلة على نحو صحيح! .. بل إن الأصل الصريح لها؛ أي: قول الله تعالى "مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا"(الكهف:51)، قد فُهم على غير معناه، سواء في سياق الآية (خصوص السبب)، أو في معناها اللُّغوي المُجمَل(عموم اللفظ) إلا إذا تم ضبطه وتنقيحه. وهذا ما دلَّلت عليه في قلب الدراسة.

وإذا كان الأمر كذلك، فلا غرابة أن ما أدت إليه الفتوى من إشكالية في نتاجها المقاصدي كانت نتيجة لما اعتراها من ضعف تأصيلي.

هذا والله تعالى أعلم،
 
السلام عليكم ورحمة الله
يبدو لي أستاذ كزابر أنك أسأت فهم ما قاله الامام الكبير الشعرواي في دعوى أنه لا يوافق على استقراء أسرار الخلق
حيث أن هذا العالم الكبير كثيرا ما يستشهد ويستعين بالعلوم في تفسير الآيات القرآنية التي تصف بعض حقائق الكون وعوالم النبات والحيوان و الطب والنفوس وتاريخ البشرية والأديان.
وكتابه "الأدلة المادية على وجود الله عز وجل" خير دليل.

انما نهى عن النظر في بداية الخلق وفق النظريات المادية المنحرفة مثل نظرية التطور...
لذلك ينبغي النظر لجميع أقواله وكتبه لاستخرج نظرة صحيحة حول العالم وعدم الاجتزاء والاقتباس الجزئي لأن ذلك يضللنا عن ادراك الحقيقة.
 
أختي الكريمة
أنا لست بصدد تقييم آراء الشيخ الشعراوي - رحمه الله - في مجمل تفسيره!
أنا بصدد رأي له مؤكد، في موضوع محدد، غير مؤصَّل، ويؤدِّي إلى إشكالات!

ومن هذه الإشكالات :
ما خلص إليه (في تفسير آية يونس:12)، قائلا: [ولأن الحق لم يُشْهدْ أحداً على كيفية خَلْق السماء والأرض وخلق الإنسان، فنحن لا نأخذ معلومات عن كيفية الخلق بعيداً عن القرآن؛ لذلك لا نصدق الافتراضات القائلة بأن الأرض كانت قطعة من الشمس وانفصلت عنها ثم انخفضت درجة حرارتها؛ فكل هذه افتراضات لم تثبت صحتها]

فهذا الكلام غير صحيح، فالجملة باللون الأحمر غير مبنية بالضرورة على تلك التي باللون الأسود (مُنفكة العلة - باصطلاحات أصول الفقه)، وهذا الذي يرفضه الشيخ الشعراوي من تاريخ تخلّق الأرض، وسعى إلى تخطئته، قوي للغاية، ونراه يقع لغيرنا من مجموعات شمسية أخرى، وعليه من الأدلة ما يجعل القول بخلافه متروك، ويجعل الإعراض عنه والتنفير منه على أساس من كلام الله تعالى - باستدلال خاطئ - هدم لعلم قائم على أسس قوية، وغلق لأبواب بحث يجب أن نطرقها بالأساليب المعتبرة.

ويقاس على هذا المثال قائمة من التفسيرات الطبيعية في الكون، لا سبيل إلى الإعراض عنها، فماذا نفعل بتفسير وفتوى يخلوان من التأصيل الصحيح، وتؤدي إلى إشكالات جمة؟!

ومشهور عن الإمام مالك رحمه الله تعالى قوله: ["كلٌ يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر (صلى الله عليه وسلم)"]
ولما سُئل الشيخ صالح الفوزان عن معنى هذا القول، قال:[في مسائل الفقه ، كلٌ يُؤخذ من قوله ما وافق الدليل ، ويُرد ما خالف الدليل ، هذا قصد الإمام مالك - رحمه الله.]

 
جزاك الله خيراً ،

أولاً ، إنه من الصحيح أن هذه الفتوى لم تكن واضحة ولذلك نشأت عنها بعض الإشكالات.

إنك تبني صحة هذه النظريات على قوله تعالى :(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) فتقول هذه النظريات جاءت بشيء صحيح.
هذه الآية التي نقرأها منذ ١٥ قرناً ولم نصل إلى هذه النظرية !!
وما أدراك أنهم لم يقرؤوا القرآن ويخرجوا بها ؟

هذا غير أن قوله تعالى (أولم ير) قطعاً ليس سؤالاً عما رأوه بل ما علموه لأن الله أخبرهم به مسبقاً.
يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)
ونحن لم نرى سجود من في السماوات والأرض لكن علمناه لأن الله أخبرنا به.

أما قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)
فيقول سبحانه :(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)
ويقول: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
فهذا والله أعلم نظر تفكر واعتبار وليس بحثاً.. لأن عاقبة المجرمين والمكذبين أخبرنا الله بها وأخبرنا بما توعدهم ولا حاجة لنا ببحثها..

ثم دعني أطرح سؤالاً على سبيل المثال ، هل تتصور أن هناك من يمكن أن يأتي بنظرية تشرح أو تصل إلى النقطة الأولى في خلق الإنسان؟
فلماذا إذاً يمكن للتصورات والتخمينات أن تتصور بداية خلق السماوات والأرض؟

ولكن هذا التحريم لن يكون إلا سَيِّئاً على قوم يتفكرون من المؤمنين، لأنه يصدهم عن البحث العلمي في هذه المسائل إن استجابوا للفتوى، هذا إن نجوا من فتنة أدلة الكافرين وتلبيسهم فيها، ثم أنه لم يترك لهم مجالاً إلا لتكذيب الكفر العلمي، دون القدرة على إقامة الحجة عليه، لأنه منعهم عنها بتحريم النظر. وهنا الكارثة؛ أي أن هذه الفتوى ستصبح حجر عثرة أمام المؤمنين المتفكرين، ليس فقط في تعريضهم لفتنة أدلة لا يستطيعون ردها، وليس فقط في منعهم من تدبر آليات الخلق، حتى وإن كانت لمزيد من الفهم لكلام الله تعالى - وإلا كانوا مُضلين حسب الفتوى - بل بالصد عن التزود من معرفة الأليات العلمية المتسقة مع كلام الله تعالى – حتى وإن سعوا إليها بغرض إقامة الحجة على الكفر العلمي، الذي يَتَحدَّى أصحابه خبر الله تعالى؛ الصادق في حكمته وإبداعه وكيف بدأ الخلق.

هناك إشكال وقضية كبيرة فإذا كان هناك من يسعى لتغيير خلق الله ، فالبحث ذاته سيصل إلى نتائج مضللة وخاطئة.
لو قِست خلق السماوات والأرض على خلق الإنسان ، لوجدت أنه لا أحد يمكن أن يتصور الكيفية التي تم فيها ..
هذا غير أن البحث العلمي لا يخلو من إخفاء الحقائق ، ولا يخلو من افتراضات ونظريات تتميز ثم يُكتشف خطؤها..
وأن معظم النظريات تبنى في أساسها على فكرة/ تخمين..

ومن هذه الإشكالات :
ما خلص إليه (في تفسير آية يونس:12)، قائلا: [ولأن الحق لم يُشْهدْ أحداً على كيفية خَلْق السماء والأرض وخلق الإنسان، فنحن لا نأخذ معلومات عن كيفية الخلق بعيداً عن القرآن؛ لذلك لا نصدق الافتراضات القائلة بأن الأرض كانت قطعة من الشمس وانفصلت عنها ثم انخفضت درجة حرارتها؛ فكل هذه افتراضات لم تثبت صحتها]

فهذا الكلام غير صحيح، فالجملة باللون الأحمر غير مبنية بالضرورة على تلك التي باللون الأسود (مُنفكة العلة - باصطلاحات أصول الفقه)، وهذا الذي يرفضه الشيخ الشعراوي من تاريخ تخلّق الأرض، وسعى إلى تخطئته، قوي للغاية، ونراه يقع لغيرنا من مجموعات شمسية أخرى، وعليه من الأدلة ما يجعل القول بخلافه متروك، ويجعل الإعراض عنه والتنفير منه على أساس من كلام الله تعالى - باستدلال خاطئ - هدم لعلم قائم على أسس قوية، وغلق لأبواب بحث يجب أن نطرقها بالأساليب المعتبرة.

ذكرتَ أن هذا التفسير هو ما نراه في غيرنا من المجموعات الشمسية ، وهذا المشاهدُ ليس مقياساً ولا دليلاً على أصل الخلق ..
فنحن نرى خلق الإنسان من نطقة ، ولم نرَ خلقه من تراب ؛ فلا يمكن أن نضع هذا على هذا..


والله تعالى أعلم ،
جزاك الله خيراً
 
الأخت الباحثة
تقولين:
إنك تبني صحة هذه النظريات على قوله تعالى :(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) فتقول هذه النظريات جاءت بشيء صحيح.
هذه الآية التي نقرأها منذ ١٥ قرناً ولم نصل إلى هذه النظرية !!
وما أدراك أنهم لم يقرؤوا القرآن ويخرجوا بها ؟
ولم يحدث أني ذكرت هذا الذي نسبتيه لي! - وليتكِ احتَطِّي فقلتي: [لعلك ...]، وحتى مع ذلك، فأنا لا أدعم تأويل هذه الآية بالانفجار العظيم كما يفعل أصحاب الإعجاز العلمي!

وقولُكِ:
أما قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)
فيقول سبحانه :(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)
ويقول: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
فهذا والله أعلم نظر تفكر واعتبار وليس بحثاً.. لأن عاقبة المجرمين والمكذبين أخبرنا الله بها وأخبرنا بما توعدهم ولا حاجة لنا ببحثها..
ليس إلا تبرير القاعد لقعوده. فـ(الأمر) من الله تعالى (وخاصة إذا سبقه "قُلْ") فغرضه "الفعل"، إلا إذا استعصى الفعل. فإن لم يستعصِ أصبح واجباً، إلا عند من تعودوا القعود فذهبوا يختلقون له أسباباً تبرر قعودهم. والصحيح أن يوافق فعلهم الأمر من الله تعالى، لا العكس!

وقولُكِ:
هناك إشكال وقضية كبيرة فإذا كان هناك من يسعى لتغيير خلق الله ، فالبحث ذاته سيصل إلى نتائج مضللة وخاطئة.
لو قِست خلق السماوات والأرض على خلق الإنسان ، لوجدت أنه لا أحد يمكن أن يتصور الكيفية التي تم فيها ..
هذا غير أن البحث العلمي لا يخلو من إخفاء الحقائق ، ولا يخلو من افتراضات ونظريات تتميز ثم يُكتشف خطؤها..
وأن معظم النظريات تبنى في أساسها على فكرة/ تخمين..
ليس له نتيجة إلا غلق باب الاجتهاد! ...
ثم كأنك تنسبين إليّ الموافقة أو دعم السعي لتغيير خلق الله تحت عنوان الاجتهاد !! .. فأنّى لك؟!
ثم هل هناك اجتهاد إنساني - بما فيه الفقه الشرعي- يخلو من الخطأَ ...
وبسبب هذا الخطأ البشري جعلنا الله مختلفين، حتى يُرد على المخطئ خطؤه، فتتنقح الأعمال ... لا أن توصد الأبواب أمام العلم والفهم !!!

وقولُكِ:
ذكرتَ أن هذا التفسير هو ما نراه في غيرنا من المجموعات الشمسية ، وهذا المشاهدُ ليس مقياساً ولا دليلاً على أصل الخلق ..
فنحن نرى خلق الإنسان من نطقة ، ولم نرَ خلقه من تراب ؛ فلا يمكن أن نضع هذا على هذا..
مبني على قياس غير صحيح!
لأن مناط تخلق المجموعات الشمسية (بعد تنقيحه ومروره بـالسبر والتقسيم) قابل لحمل حكم الفرع على حكم الأصل (آمل ملاحظة الاصطلاحات الأصولية باللون الأحمر)، وذلك لأن تخلق المجموعات الشمسية جميعاً ليست أولية في الخلق، وإنما هي متسلسلة كما تتسلسل النُّطَف من الآباء إلى الأبناء. (حيث يتراكم النجم ومحيطه الغباري من سدم سابقة عليه وهذه تأتي من مستعرات عظمي (موت نجمي سابق) وهذا بدوره أتي كما أتى من بعده .. وهكذا)
أما الذي ينبغي أن تقصديه، فيما يقابل الأب الأول (آدم)، فهو ما يسمونه (الانفجار الأعظم) فأنا أراه ضعيفاً حتى الآن، وعندي من المآخذ عليه ما يُجهضه. إلا أنه مسألة واحدة من عشرات المسائل، فامتناعه عن التنظير عندي حتى الآن - لغياب القرائن فضلاً عن الأدلة - لا يجب تعميمه على كل أحداث التخلق السماوي، والأرضي، التي تتوفر فيها الأدلة وبكثرة.

والغريب من هذه المداخلة للأخت الباحثة أنها تدعم التحجيم على البحث العلمي في خلق السماء والأرض (من باب: سد الذرائع)، رغم أن العلة الوحيدة في التحجيم ينبغي أن تنحصر فقط في غياب الأدلة. فمن التزم بالتوقف عند غيابها أمن الكلام فيما ليس له به علم، كما قال تعالى "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ .... أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"(الأعراف:33)، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع التفكر إلا في ذات الله عز وجل، وذلك حين قال: [تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله](حسَّنه الألباني - صحيح الجامع الصغير).

هذا والله تعالى أعلم،
 
يا أخي الكريم ،
أنا لا أحاول هنا أنسب إليك ما لم تقله أو أي شيء من هذا .. فمعذرة فقد أسأتُ أنا توضيح مقصدي..
وإنما فقط حاولت أن أشرح رأيي ووجهة نظري التي لا يجب عليك ولا أطالبك بقبولها بأي حال ؛ لأنني وجدت في ما ذكره الشيخ حقيقة -وتطابقاً مع الواقع-..

يا أخي الكريم والله ليس مقصدي أن أن أنسب إليك أنكَ تسعى لتغيير خلق الله ، أعوذ بالله من هذا الفعل..!
بل هذا كله في السياق السابق وإشارة إلى الخطة الشيطانية بتغيير خلق الله وإضلال الناس من خلال ذلك .. وأن الناس لو بحثوا فيه -بعد هذا- سيصلون إلى نتائج مضللة..

أيضاً ما ذكرته أنا في بداية ردي هو افتراض فقط (في محاولتي للتوضيح) للأسس التي قد تبنى عليها صحة هذا النوع من الأبحاث.. فمالذي يمكن أن يكون أساساً ومبرراً لكونها صحيحة؟ وهل توافق بعضها مع القرآن يجعلها صحيحة؟ وما أدرانا هل بدء هؤلاء من نص القرآن أساساً ليعطوا نظرياتهم صحة؟ وللتأكيد والدقة فقط فحديثنا هو عن البحث في أصل الخلق الأول لا البحث في الخلق. أو بمعنى آخر الخلق الذي أخبرنا الله به.

أما ما ذكرتَه:
لأن مناط تخلق المجموعات الشمسية (بعد تنقيحه ومروره بـالسبر والتقسيم) قابل لحمل حكم الفرع على حكم الأصل (آمل ملاحظة الاصطلاحات الأصولية باللون الأحمر)، وذلك لأن تخلق المجموعات الشمسية جميعاً ليست أولية في الخلق، وإنما هي متسلسلة كما تتسلسل النُّطَف من الآباء إلى الأبناء. (حيث يتراكم النجم ومحيطه الغباري من سدم سابقة عليه وهذه تأتي من مستعرات عظمي (موت نجمي سابق) وهذا بدوره أتي كما أتى من بعده .. وهكذا)

هذا حسنٌ ودقيق ، وما فهمتُه أن هذا كله يصب في الخلق المشاهد وسيكون هذا صحيحاً بالقياس لأنه كالذي نراه من خلق الإنسان من نطفة. وهذا بظني ليس مكان الإشكال وإنما الإشكال في كيفية أصل الخلق الأول. وهذا ما كنتُ أحاول قوله سابقاً رغم أنني لم أصِب في فهمي لقضية تكون المجموعات الشمسية.

يا أخي الكريم أنا لستُ أحاول أن أدعم التحجيم أو شيئاً من هذا القبيل ، بل أعتقد أن رأيي لا يستحق أن يؤخذ به في مثل هذا.. وإنما فقط وجدت ما ذكره الشعراوي مقنعاً فحاولت أن أضع هذه الفكرة هنا فقط..


جزاك لله خيراً..
وأرجوأن لا تأخذ شيئاً قلته من باب الإساءة ، فليس هذا هو المقصد والله ..
وهذا كل الذي عندي فليس عليكم قبوله وإنما لوجهة نظركم كل الاحترام ..
 
الإخوة والأخوات الكرام:
أختم هذا الموضوع من جهتي بالإحالة إلى مداخلة رقم 7، ففيها خلاصة موجزة وشافية في المسألة.

وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى
 
أستأذنك في أن أضيف شيئاً.. (والمعذرة على إثقالي)


لو تأملنا في سورة الكهف ، التي جاء في الحديث أن من حفظ عشر آيات منها عُصم من فتنة الدجال ، والتي هي سورة تقرأ كل أسبوع ، لوجدنا أن في هذا إشارات إلى أهمية هذه السورة ومافيها دروس وعلم يحفظ من فتن آخر الزمان.

وهي السورة التي جاء فيها قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا * ۞ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا).

وتجد في بدايتها: الحمد لله أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل عوجا ، ليس في أخباره عوج ، في جميع ما أخبر به من الأمور ويدخل فيها أمور الخلق. هذا الكتاب الذي ينذر ببأس شديد لمن يزعم أن فيه عوجاً.. وينذر الذي زعموا أن الله اتخذ ولداً دون علم منهم. ثم يذكر الله قصة أصحاب الكهف الذين هم مؤمنون هربوا بإيمانهم من الفتن.
وهذا كله أذكره لأهميته وارتباطه بالموضوع.

ونجد في سورة الكهف هذا (المَثَل) الذي ضربه الله عز وجل ، فهذا مَثلٌ نحتاج أن نهتم به ونضعه في أذهاننا:
( ۞ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32))
وأن هذا الرجل يتقلب في النعم التي أنعمها الله عليه.

ويقول: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)
وتأمل قوله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)
وقوله تعالى في سورة المجادلة: (۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (16) لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
وقوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)

ثم يقول: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)
فهو هو هنا يؤمن برب يعده ويمنيه (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) ، ويخبره أن الساعة لا تقوم.
وهذه الآية (يعدهم ويمنيهم) في سورة النساء جاءت بعد الآية التي توعد الشيطان فيها:
(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)
وكل عبادة لغير الله هي في منتهاها عبادة للشيطان ، وهذا قول إبراهيم عليه السلام لأبيه آزر الذي كان يعبد الأصنام:
(يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا)

ثم ننظر إلى سؤال صاحبه:(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
كيف تكفر بالله الذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً؟
وهذا السؤال لاشك أن له أهمية كبيرة ، فلم يكن ليسأله إلا لأنه منكر لهذا ولهذه المراحل .. وذكر المراحل دقيق جداً..
فالخلق من تراب سيكون فيه إشكال ..
والخلق من نطفة سيكون فيه إشكال ..
وتسوية الإنسان رجلاً كاملاً سيكون فيها إشكال ..
(وبالتأكيد سمعتم بالاستنساخ)
وهل يمكن أن يصدق أحد أن الشيطان بخيله ورجله وحزبه وأتباعه وأوليائه وتوعداته المتكررة سيكذب كذباً واهياً في هذا؟ سيكون كذباً مختلفاً ومبنياً على العلم مع كل هذه الإمكانيات.
وترى هنا وجه تحذير الشعراوي رحمه الله من الخوض في هذه الأمور كلها ، ليس فقط في خلق الإنسان من تراب فقط بل حتى خلقه من نطفة وتسويته إنساناً كاملاً ..
(مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)
ولا خلق أنفسهم ..
والطعن في خلق الله للإنسان سيكون بداية للطعن في خلق السماوات والأرض.
وانظر إلى قول موسى عليه السلام فيمن هو المضلُّ: (قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ).

(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
وتجد في تدمير الجنتين في نهاية القصة إشارة إلى نهاية المكذبين ، المشركين الظالمين بشركهم (لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) ، المجرمين لأن اتباع الشيطان لا يأتي إلا بالفساد والإجرام والصد عن سبيل الله ، المكذبين بالخلق ، والمنكرين للبعث. نرى هذا كله لأن الله عز وجل لم يكن مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ، (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)..
ثم اقرأ قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ ۚ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ)

ثم يقول في آخر هذا المَثَل: (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)
فهنا إشارة إلى ولاية أخرى..
(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)
(إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ)

وهذا كله في صراع عظيم يبدأ بإضلال الشيطان وتزيينه ثم تظهر حقيقته:
(قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
فهذا هو الذكر ، وسيأتي نبأه بعد حين. (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله). وتأمل كيف أتى هذا بعد ذكر قصة خلق آدم عليه السلام.


وفي الحديث:
4267 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن .
والحديث دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه . كذا في فتح الباري .
قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه .

ولو قارنا بين هذا وهو في المال ، وطرق التكسب الكثيرة المباحة. وبين ما يمكن أن نسميه بـ (فضول العلم) لوجدنا أنه لا حاجة لنا للخوض فيه وهو كالزينة التي يذكرها الله تعالى في قوله: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).
كما أن ذكر الجنتين في هذا المَثل ، قد يكون فيه إشارة مهمةٌ إلى ما يكون مع الدجال من جنة ونار.


والله تعالى أعلم ،
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ،
والحمد لله رب العالمين.
 
عودة
أعلى