عدنان الغامدي
Active member
- إنضم
- 10/05/2012
- المشاركات
- 1,360
- مستوى التفاعل
- 37
- النقاط
- 48
- الإقامة
- جدة
- الموقع الالكتروني
- tafaser.com
[FONT="]بسم الله الرحمن الرحيم[/FONT]
[FONT="]" ميراث بني إسرائيل "[/FONT]
[FONT="]مـقـدمـــة[/FONT]
[FONT="]أوجه الالتباس في فهم القارئ[/FONT]
[FONT="]الوجه الأول[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]وهنا يأتي وجه الالتباس الأول إذ يقول الحق جلت قدرته :[/FONT]
[FONT="]أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ [/FONT][FONT="](52)[/FONT][FONT="] فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ [/FONT][FONT="](53)[/FONT][FONT="] إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ[/FONT][FONT="] (54) [/FONT][FONT="]وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ [/FONT][FONT="](55)[/FONT][FONT="] وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ [/FONT][FONT="](56)[/FONT][FONT="] فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [/FONT][FONT="](57)[/FONT][FONT="] وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ [/FONT][FONT="](58)[/FONT][FONT="] كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إسرائيل [/FONT][FONT="](59)[/FONT][FONT="] (الشعراء).[/FONT]
[FONT="]
فكيف يكون بني إسرائيل قد أورثوا جنات قوم فرعون وكنوزهم وديار إقامتهم وهم بما عرف تاريخيا لم يعودوا إلى مصر لأنهم أفضوا بعد العبور إلى سلسلة من الأحداث المتباعدة زمنيا ؟[/FONT]
[FONT="]قال فيها (ابن جرير) رحمه الله[/FONT][FONT="] ([/FONT][FONT="]وأورثناها ) يقول: وأورثنا تلك الجنات التي أخرجناهم منها والعيون والكنوز والمقام الكريم عنهم بهلاكهم بني إسرائيل) [/FONT][FONT="]أ. هـ[/FONT][FONT="]
أقول : ولم يفصل رحمه الله كيف أورثوها وهم غادروها ولم يعودوا إليها ؟[/FONT]
[FONT="]وقال الإمام القرطبي رحمه الله[/FONT][FONT="] ([/FONT][FONT="]قوله تعالى: « كذلك وأورثناها بني إسرائيل » يريد أن جميع ما ذكره الله تعالى من الجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم أورثه الله بني إسرائيل. قال الحسن وغيره: رجع بنو إسرائيل إلى مصر بعد هلاك فرعون وقومه. وقيل: أراد بالوراثة هنا ما استعاروه من حلي آل فرعون بأمر الله تعالى.[/FONT][FONT="]قلت: وكلا الأمرين حصل لهم. والحمد لله.
وقال رحمه الله : وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون: « فاتبعوهم مشرقين » بالتشديد وألف الوصل؛ أي نحو المشرق؛ مأخوذ من قولهم: شرق وغرب إذا سار نحو المشرق والمغرب. ومعنى الكلام قدرنا أن يرثها بنو إسرائيل فاتبع قوم فرعون بني إسرائيل مشرقين فهلكوا، وورث بنو إسرائيل بلادهم. [/FONT][FONT="]أ.هـ[/FONT][FONT="]
أقول: وهنا يقر رحمه الله بخلاف المعروف بأنهم عادوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وقومه وأما ما حملوا من أوزار قوم فرعون فإنها إذا انطبقت على الكنوز فلا تنطبق على الجنات والعيون والمقام الكريم حتى يقال أنها ما استعاروه من قوم موسى.[/FONT]
[FONT="]وكتاب الله يخبرنا بأن بني إسرائيل ما إن جاوزوا البحر حتى مروا على الوثنيين قال تعالى : [/FONT][FONT="](وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ[/FONT][FONT="]{138}[/FONT][FONT="] إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[/FONT][FONT="]{139} [/FONT][FONT="]قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ[/FONT][FONT="]{140}[/FONT][FONT="](سورة الأعراف[/FONT][FONT="]).[/FONT]
[FONT="]ثم يخبرنا ربنا جل وعلا أنهم بعد ذلك تركهم كليم الله في عهدة أخيه وذهب الى ميقات ربه فاتخذوا العجل الها من دون الله متبعين ما اضلهم بها لسامري فيقول جل وعلا : ([/FONT][FONT="]وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [/FONT][FONT="](50)[/FONT][FONT="] وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [/FONT][FONT="](51)[/FONT][FONT="] ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [/FONT][FONT="](52)[/FONT][FONT="] (سورة البقرة)[/FONT]
[FONT="]الوجه الثاني[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]ويأتي وجه الالتباس الثاني فيما اخبرنا ربنا جل وعلا عن طبيعة ميراث بني إسرائيل فيقول جلت قدرته [/FONT][FONT="]: فأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ [/FONT][FONT="](23)[/FONT][FONT="] وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ [/FONT][FONT="](24)[/FONT][FONT="] كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [/FONT][FONT="](25)[/FONT][FONT="] وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ [/FONT][FONT="](26)[/FONT][FONT="] وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ [/FONT][FONT="](27)[/FONT][FONT="] كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ [/FONT][FONT="](28)[/FONT][FONT="].(الدخان)[/FONT]
[FONT="]قال ابن كثير رحمه الله[/FONT][FONT="] ([/FONT][FONT="]كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إسرائيل[/FONT][FONT="] [ الشعراء:59 ] وقال في موضع آخر : وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسرائيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ[ الأعراف:137 ] . وقال هاهنا: ( كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) وهم بنو إسرائيل، كما تقدم.[/FONT][FONT="] أ.هـ[/FONT]
[FONT="]وقال الطبري رحمه الله[/FONT][FONT="] ([/FONT][FONT="]وقوله ( وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) يقول تعالى ذكره وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقَاماتهم وما كانوا فيه من النعمة عنهم قوما آخرين بعد مهلكهم, وقيل: عُنِي بالقوم الآخرين بنو إسرائيل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة قوله ( كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) يعني بني إسرائيل.)[/FONT][FONT="] أ.هـ[/FONT]
[FONT="]قال البغوي رحمه الله[/FONT][FONT="] ( كَذَلِكَ ) قال الكلبي: كذلك أفعل بمن عصاني, ( وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) يعني بني إسرائيل.[/FONT][FONT="] أ.هـ[/FONT]
[FONT="]
الوجه الثالث [/FONT][FONT="]:[/FONT]
[FONT="]آية ثالثة تتحدث عن نفس الحدث ولكنها تعرضه بطريقة تصرف الانتباه إلى أمر جديد وهي في قوله تعالى : [/FONT][FONT="]{ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إسرائيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [[/FONT][FONT="]الأعراف:137[/FONT][FONT="]][/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="]قال القرطبي رحمه الله[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]قوله تعالى: « وأورثنا القوم » يريد بني إسرائيل. « الذين كانوا يستضعفون » أي يستذلون بالخدمة. « مشارق الأرض ومغاربها » زعم الكسائي والفراء أن الأصل « في مشارق الأرض ومغاربها » ثم حذف « في » فنصب. والظاهر أنهم ورثوا أرض القبط. فهما نصب على المفعول الصريح؛ يقال: ورثت المال وأورثته المال؛ فلما تعدى الفعل بالهمزة نصب مفعولين. والأرض هي أرض الشأم ومصر. ومشارقها ومغاربها جهات الشرق والغرب بها؛ فالأرض مخصوصة، عن الحسن وقتادة وغيرهما. وقيل: أراد جميع الأرض؛ لأن بن بني إسرائيل داود وسليمان وقد ملكا الأرض. « التي باركنا فيها » أي بإخراج الزروع والثمار والأنهار. « وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل » هي قوله: « ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين » [ القصص: 5 ] . « بما صبروا » أي بصبرهم على أذى فرعون، وعلى أمر الله بعد أن آمنوا بموسى. « ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون » يقال: عرش يعرش إذا بنى. قال ابن عباس ومجاهد: أي ما كانوا يبنون من القصور وغيرها. وقال الحسن: هو تعريش الكرم. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم « يعرشون » بضم الراء. قال الكسائي: هي لغة تميم. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة « يعرِّشون » بتشديد الراء وضم الياء.[/FONT]
[FONT="]قال الطبري رحمه الله[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم, فيذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم, ويستخدمونهم تسخيرًا واستعبادًا من بني إسرائيل مشارق الأرض الشأم, وذلك ما يلي الشرق منها « ومغاربها التي باركنا فيها » , يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتًا دائمًا لأهلها.[/FONT]
[FONT="]وإنما قال جل ثناؤه: ( وأورثنا ) ، لأنه أورث ذلك بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة.[/FONT]
[FONT="]وبمثل الذي قلنا في قوله: ( مشارق الأرض ومغاربها ) ، قال أهل التأويل.[/FONT]
[FONT="]ذكر من قال ذلك:[/FONT]
[FONT="]حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن إسرائيل , عن فرات القزاز, عن الحسن في قوله: ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) ، قال: الشأم.[/FONT]
[FONT="]حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل, عن فرات القزاز قال: سمعت الحسن يقول, فذكر نحوه.[/FONT]
[FONT="]حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن فرات القزاز, عن الحسن، الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ، قال: الشأم.[/FONT]
[FONT="]حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) ، هي أرض الشأم.[/FONT]
[FONT="]حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قوله: ( مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) ، قال: التي بارك فيها، الشأم.[/FONT]
[FONT="]وكان بعض أهل العربية يزعم « أن مشارق الأرض ومغاربَها نصب على المحلّ, بمعني: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون في مشارق في الأرض ومغاربها وأن قوله: وأورثنا إنما وقع على قوله: ( التي باركنا فيها ) . »[/FONT]
[FONT="]وذلك قول لا معنى له, لأن بني إسرائيل لم يكن يستضعفهم أيام فرعون غير فرعون وقومه, ولم يكن له سلطان إلا بمصر , فغير جائز والأمر كذلك أن يقال: الذين يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها.[/FONT]
[FONT="]فإن قال قائل: فإن معناه: في مشارق أرض مصر ومغاربها فإن ذلك بعيد من المفهوم في الخطاب، مع خروجه عن أقوال أهل التأويل والعلماء بالتفسير.[/FONT]
[FONT="]والسؤال هنا / كيف يكون بني إسرائيل قد ورثوا شيئا ذا قيمة طالما دمر الله ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ؟ وكيف يرثون الشام في حين ان أوجه الاستشكالات الأولى فسرت أنها مصر ؟؟[/FONT]
[FONT="]ملخص الاستشكالات[/FONT]
[FONT="]أولا[/FONT][FONT="] : ذكر ربنا تبارك اسمه أن بني إسرائيل ورثوا الأرض من بعد فرعون وقومه والمعروف والثابت تاريخيا أنهم لم يعودوا البتة إلى أرض مصر منذ ذلك اليوم فكيف يتفق هذا التعبير مع الحقيقة التاريخية ؟ بل والسياق القرآني الذي استفاض في الحديث عما تلا خروج بني إسرائيل من مصر ولم يحدثنا عن أي نشاط لهم في مصر بعد عبور البحر بالإضافة أن وراثة الأرض ينبغي أن تكون حال تدمير آل فرعون وإلا ستئول إلى غير بني إسرائيل ولو حصلوا عليها بعد ذلك لم يصح أن تكون وراثة للأرض من عدوهم.[/FONT]
[FONT="]ثانيا [/FONT][FONT="]: سياق الآيات في سورة الدخان وبالخصوص الآية (28) في قوله تعالى (كذلك وأورثناها قوما آخرين) فكأنك حين تقرأ سياق الآيات تخلص إلا وجود ثلاث جماعات في القصة (قوم فرعون ، قوم موسى ، القوم الآخرين) فإذا كان المقصود بقوله تعالى (قوما آخرين) أنهم بني إسرائيل فلماذا أشار لهم بهذا التعبير ولم يسمهم كما في سورة الشعراء ؟.[/FONT]
[FONT="]ثالثا[/FONT][FONT="]: كيف تكون وراثة بني إسرائيل لأرض فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ويبنون في حين أن الله جل وعلا دمر ما بنوه وما كانوا يعرشون فكيف تكون وراثة ارض خراب تعد امتيازا إلهيا لبني إسرائيل إذا فرضنا أنهم عادوا إلى مصر ؟[/FONT]
[FONT="]وهذه الاستشكالات توقف عندها كثير من العلماء الكرام فلم أقع على ما يشفي في هذا الأمر لأن جل من بحث فيه توقف عند ما اقره مفسرينا ولذا فإنني رأيت أن الاستقراء والتقصي بعد الاعتماد على الله جل جلاله لن يحرمنا من الوصول لما يشفي في هذا الأمر فكان هذا البحث وسأبدأ فيما يلي أطرح ما وصلت له بإذن الله وبعد توفيقه جلت قدرته.[/FONT]
[FONT="]الفهم السليم للوراثة في التنزيل العزيز الحكيم[/FONT]
[FONT="]الوراثة والإرث والميراث في اللغة[/FONT][FONT="]:[/FONT]
[FONT="]إن أهم ما ظهر لي في هذا البحث هو أن معاني الوراثة في اللغة لم تستصحب في فهم هذه الآيات فالوراثة والميراث والإرث والتوريث مفردات تملك معنى مزدوجا وليست ذات معنى واحد ، فالمعنى الأول لتلك المفردة حسب المعاجم هو : [/FONT]
[FONT="]أولا : و ر ث[/FONT][FONT="] : وَرِثَ أباه و وَرَثَ الشيء من أبيه يَرِثُه بكسر الراء فيهما وِرْثاً و وِرْثَةً و وِرَاثَةً بكسر الواو في الثلاثة و إِرْثا بكسر الهمزة و أَوْرَثَه أبوه الشيء و وَرَّثَهُ إياه و وَرَّثَ فلان فلانا تَوْرِيثاً أدخله في ماله على ورثته[/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="]وتشمل كل ميراث مادي أو معنوي ينتقل من جيل لجيل أو من مورث لوارث ومنه التراث وغالبا ما تكون علاقة دم أو علاقة تبعية روحية أو عرقية بين المورث والوارث .[/FONT]
[FONT="]شواهدها في كتاب الله[/FONT]
· [FONT="]قوله تعالى[/FONT][FONT="] ([/FONT][FONT="]{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأعراف:169][/FONT]
· [FONT="]وقوله تعالى[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]ثُمَّ [/FONT][FONT="]أَوْرَثْنَا[/FONT][FONT="] الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }[/FONT][FONT="] [فاطر:32] [/FONT][FONT="]فهم جيل آل إليهم فهم الكتاب ودراسته وحفظه وتعهده من آبائهم فقد يقصد هنا إرثا ماديا ككتاب من جلد أو حجر أو ورق وكذلك إرثا علميا مقدسا تسلموه ممن سبقهم بتشابههم في أصولهم وأعراقهم وتطابقهم في العقيدة والدين فهذا هو القصد بالوراثة في التعبير الرباني.[/FONT]
· [FONT="]قوله تعالى[/FONT][FONT="] : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ } [غافر:53][/FONT][FONT="] فالله جلت قدرته آتى عبده موسى عليه السلام الهدى ثم توارث الكتاب من بعده بني إسرائيل ليقيمون حدوده ويعملون بما فيه عهدة من الله عندهم جيلا تلو جيل.[/FONT]
· [FONT="]قوله تعالى[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]{ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أ[/FONT][FONT="]ُورِثُوا[/FONT][FONT="] الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ }[/FONT][FONT="] [الشورى:14][/FONT]
· [FONT="]قوله تعالى[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]{ [/FONT][FONT="]وَأَوْرَثْنَا[/FONT][FONT="] الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إسرائيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [/FONT][FONT="][الأعراف:137][/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="]وهنا الوراثة المادية حيث أورث الله بني إسرائيل ملك الشام وفلسطين والتي عرف أن الأرض المباركة هي بيت المقدس وارض الشأم وهذا ثابت أنهم بعد أن طهرهم الله من ذنوبهم وكبائرهم جعل منهم ملوكاً ومكن لهم دولة قوية رأسها أنبيائهم في فلسطين وما حولها ، (بينما) دمر ارض فرعون وقومه فلم تكن وراثتهم لها بعودتهم إليها فقد دمرت وخربت (بنص كتاب الله) بل بانتصارهم على فرعون وزوال ملكه ونجاتهم من الفناء كما سيأتي في العرض التالي.[/FONT]
[FONT="]ثانيا : و ر ث[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]أُوْرِثَ في قلبهِ نفاقاً ، وَرِثَ النصر ، وَرِثَ عِلْمَاً وفِقْهَاً ، [/FONT][FONT="]شَعْبٌ يَرِثُ عَظَمَةَ أَجْدَادِهِ وَمَجْدَهُمْ: أَيْ تَصِيرُ عَظَمَتُهُمْ وَ مَجْدُهُمْ إِلَيْهِ .[/FONT]
[FONT="]وتَشْمَلُ كُلَّ إرْثٍ مَعْنَويٍّ يَؤْوُلُ فِيْهِ الأَمْرُ مِنَ أُمَّةٍ لِأُمَّةْ وَمِنْ فَرِيْقٍ لِفَرِيْقْ، وَالنَّصْرُ فِيْ الصِّرَاعِ هو وِرَاثَةٌ لِلْأًمْرِ كُلٍّه وَهَذِهِ الِورَاثَةُ بَيْنَ مُتَصَارِعَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ أحَدُهُمَا مُؤَيّداً مِنَ اللهِ تَعَالى وَالآخَرْ يَرْكَنُ لِقُوّتِه وَكُفْرِهِ وَجَبَرُوْتِهِ وَلَيْسَتْ كَسَابِقَتِهَا بَيْنَ أَقْرِبَاءَ دَمٍ وَعَقِيْدَةْ. [/FONT]
[FONT="]شواهدها من كتاب الله[/FONT]
[FONT="]فكيف يرثون الأرض ويتبوأون الجنة[/FONT][FONT="] ؟ أقول هذا مثال عظيم وواضح بشدة متناهية على معنى الوراثة الذي ذكرناه وبرغم أن المفسرين قد اجمع أكثرهم على أن المقصود (ارض الجنة) وهذا برأيي غير صحيح فالمذكور أنهم آل إليهم الأمر وانتصروا في صراعهم مع قوى الكفر ولم يكونوا يطلبون الأرض كميراث بل كان طلبهم الجنة وصراعهم لأجلها في الأرض فانتصروا في ميدان صراعهم وآل إليهم ما هو أعظم من الأرض فتدخل فيه الأرض حتماً أي أنهم هم من كسبوا هذا الصراع وانتصروا فيه ، ونحن نعلم بلا شك أن الأرض بعد دخول الناس أصبحت مكانا موحشا لا تجد فيه عوجا ولا أمتا فليست بمغنم في ذاتها ولكن في معنى الانتصار كانت الوراثة مثل ما حدث لبني إسرائيل التي دمر الله ما كان بني إسرائيل يعرشون ويبنون فلم تعد مغنما ولكن الوراثة بالنصر على عدوهم وإلا فالأرض المذكورة كناية عن الصراع بين الحق والباطل والخير والشر وسيلحق بذلك تفصيل أوسع فيما يلي.[/FONT]
· [FONT="]قال تعالى[/FONT][FONT="]: [/FONT][FONT="]{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا [/FONT][FONT="]نَحْنُ الْوَارِثِينَ[/FONT][FONT="] }[/FONT][FONT="] [القصص:58][/FONT]
[FONT="]وهذه هنا شاهد رائع على وراثة النصر ، نصر الله على أعدائه ففي الوقت الذين بارزوا الله بالكفر وفجروا فيما منحهم الله من النعم وعادوا أولياءه حفاظاً على ملكهم و قراهم وأملاكهم لم يكن مطلب أولياء الله إلا الحرية في عبادة الله ولم يكن مطلبهم ملك أو سلطة فدمر الله ملكهم الذي استخدموه في قتال المؤمنين واستتب الأمر للمؤمنين سواء سكنوا واحتلوا ارض الكافرين أم لا لأنه ليس هدفا لهم ولا مطلبا يسعون له فوراثتهم للأمر وانتصارهم فيه انتصار لله جل وعلا الذي أرسل قوته فدمرهم ومحى ملكهم وسلطانهم وبقيت قراهم خاوية موحشة لا مكسب في وراثتها بل الوراثة الحق ما تيسر من نصر وسؤدد بتأييد الله وقوته.[/FONT]
· [FONT="]قال تعالى[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } [القصص:5][/FONT]
[FONT="]والوراثة هنا هي المنّة الإلهية على المستضعفين بتغيير حالهم من الاستضعاف إلى التمكين ومن الاضطهاد إلى القوة ومن الهزيمة إلى النصر فلم يكن مطلب موسى وقومه نزاع فرعون على ملكه ، ولم يكونوا يريدون قصورهم وكنوزهم وما كانوا يعرشون ، بل كان مطلبهم عبادة الله وحده والخروج من مصر بسلام فجنَّد فرعون مُلْكَهُ ودولته لينكِّل بهم حتى كان العون الرباني حيث أغرقه فأفقده مُلْكَهِ وحياته وحياة جيشه ولو أنه تركهم يغادرون أرض مصر ثم بعد حين فقد ملكه لما عُدَّ سقوط مُلْكَهِ وراثة لبني إسرائيل ولكن حين استخدم سلطانه وقوته وماله وملكه لسحق واضطهاد المؤمنين الذين لا يشكلون عليه وعلى مُلْكَهِ خطراً فأفقده الله كل وسيلة استخدمها لذلك (سلطانه وقوته وماله وملكه) فكانت معركة انتصر فيها الضعفاء فورثوا الأمر وآل إليهم دون سواهم .[/FONT]
· [FONT="]قال تعالى[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]{ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ[/FONT][FONT="] الْوَارِثُونَ[/FONT][FONT="] }[/FONT][FONT="] [الحجر:23][/FONT]
[FONT="]ووراثة الله أن يؤول كل شيء إليه سبحانه فهي الوراثة الحقيقية والبقاء الحقيقي وما سواه وراثة مادية لا قيمة لها.[/FONT]
[FONT="]الخلاصة[/FONT]
[FONT="]فوراثة الغلبة في الصراع بين بني إسرائيل وعدوهم تم بحرمان الملك من ملكه ونوال المستضعف حريته وإرادته ففرعون كان يرى في نوالهم لحريتهم وتوحيدهم لله خطرا عليه وعلى ملكه فسخر ملكه لابادتهم ، وفي هذه الحالة إن تحقق للضعيف مطلبه وفقد القوي ملكه وقوته أصبح ما بيد الضعيف أقوى ما بيد الفرعون من الملك فصار وارثا له ولقوته ولملكه منتصرا عليه لأنه طالما حشد ملكه كسلاح يحارب بها أولياء الله ففقد ملكه وفقد سلطانه ونَجّى اللهُ عبادهُ ونبيهُ عليهِ الصّلاةُ والسّلام.[/FONT]
[FONT="]اللهم إن أحسنت فمنك وحدك لا شريك لك ، وإن أسأت وأخطأت فمن نفسي ومن الشيطان فأستغفرك لا اله إلا أنت وأتوب إليك وصلى اللهم صلاة دائمة نامية لا انقطاع لها على عبدك ورسولك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.[/FONT]