موضوع للمناقشة:الدراسات القرآنية في جامعات أمريكا الشمالية

اللاهوت البروتساتنتي الأمريكي ومحاولة فهم القرآن من خلال كتاب "الاسلام والحداثة..."

اللاهوت البروتساتنتي الأمريكي ومحاولة فهم القرآن من خلال كتاب "الاسلام والحداثة..."

تعتبر الولايات المتحدة الأمة الأكثر تشعبا و تشتتا دينيا،اذ تجمع خريطتها أكثر من 260 طائفة مسيحية فضلا عن بقية الأديان...لكن المذهب الغالب هناك هو "المذهب البروتستانتي"الذي أسس لنفسه تقاليد لفهم التراث الديني المسيحي ثم بدأ يصدر هذه التقاليد الى خارج الولايات المتحدة.
وفي أقسام "الأديان" بجامعات هذا البلد نمت هذه التقاليد وأصبحت اليوم تفرض ليس في مجال دراسة البروتستانتية بل بالنسبة لجميع الأديان اعتبارا لكون ما انتهت اليه دراسة اللاهوت هو "العلم الأمريكي" الذي يجب أن يخضع له الجميع بالتبعية.
وفي هذا السياق ظهر كتاب:
"الاسلام والحداثة:تغيير لتقليد فكري" [h=1]Islam and Modernity[/h][h=2]TRANSFORMATION OF AN INTELLECTUAL TRADITION[/h]للدكتور فضل الرحمن المذكور أعلاه ضمن منشورات جامعة شيكاغو عام 1982م.
فخلال سنوات عمل فضل الرحمن (د.فضل عبدالرحمن)في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة شيكاغو ما بين 1969 الى 1984م أجهد نفسه من أجل التأسيس لمنهج في فهم وتأويل القرآن يناسب التقاليد اللاهوتية الأمريكية حيث تختلط المسيحية بالليبرالية.
وتبعا لما انتهى اليه فضل الرحمن تـ1988م فالقرآن لا يمكن أن يفهم في زماننا الا في ضوء نظريات الحداثة الغربية،وأنه يتوجب على أهل القرآن أن يغيروا منهجهم أو"تقاليدهم"في فهمه ويستبدلوها بالتقليد الأمريكي في فهم "الكتاب المقدس"...
الأساس المنهجي لذلك التغيير يراه فضل الرحمن من خلال كتاب "الاسلام والحداثة..."ينطلق من التمييز بين القرآن أو "النص المقدس التأسيسي"حسب مصطلحه وبين فهم رسول الاسلام صلى الله عليه وسلم وفهم كل من جاء بعده من أمته...،وحسب فضل الرحمن،فالقرآن هو "الاسلام المعياري"-بحسبه- وما عداه من السنة المبينة واستنباطات أهل العلم هو "الاسلام التاريخي" -بحسبه-
ويؤسس على ذلك أن رسول الاسلام لم يكن أكثر من مؤول للقرآن - وليس بنبي- شأنه كجميع من جاء بعده من أمته،وغاية المؤلف من ذلك:
- اسقاط حجية السنة في فهم القرآن من جهة .
- ثم فتح الباب على مصراعيه أمام التأويل المنحرف للآيات بدعوى أن الكل مؤول وأن القرآن يحتمل تلك الوجوه جميعا؛وما دام المنهج التاريخي الغربي يقتضي ربط كل فهم بالحقبة التاريخية التي وجد فيها.
وهو في ذلك يسير خلف تيار لاهوتي أمريكي هو "اليمين المسيحي المحافظ" الذي يأخذ من المسيحية ما يساير أهواءه السياسية ثم يلتوي على ما عدا ذلك من تعاليم المسيحية.


مشاهدة المرفق 7502
 
جزاكم الله خيراً، هل من قائمة تجمع مراكز الدراسات القرآنية في جامعات أمريكا الشمالية؟ وهل بعض الأقسام في بعض الجامعات تتسم بالموضوعية أكثر من غيرها؟؟ على سبيل المثال أنا زرت مركز يقوم عليه اليهود في إحدى الجامعات الأمريكية وهو فاقد لأدنى درجات المصداقية العلمية، وزرت مركزاً آخراً توسمت في القائم عليه الموضوعية العلمية وكان مهتماً بالشوكاني وإرثه باعتباره مجدداً، ولا أعني بالموضوعية الانفصال عن السياسة الأمريكية بالكلية لكن أكيد بعض المراكز أفضل من بعض وكما يقولون الرمد أسهل من العمى، فهل من طريقة لمعرفة المراكز الأفضل في أمريكا وكندا؟
 
مراكز البحوث في الولايات المتحدة تطورت مع الزمن،وبالنسبة للمتخصصة منها في الاسلام والمسلمين فقد مرت بمرحلتين:
الأولى- ما بين بداية القرن العشرين الى بداية السبعينيات وكانت تسميتها غالبا:"مراكز بحوث الشرق الأوسط" - على غرار مراكز أخرى متخصصة عن روسيا وألمانيا وافريقيا والصين- وتهتم بالاقتصاد ولاجتماع والسياسة في العالم العربي خاصة...وهذه وضعت في طور الانقراض،وأقدمها أسسه فيليب حتى وبابارد دوج في جامعة برنستون 1927م.
المرحلة الثانية- وتمتد الى اليوم تمثل الجيل الجديد حيث يطغى عليها التخصص ويمكن أن تلغى أو تغير وظيفتها،ولها تسميات مختلفة،مثل "مركز السلام" أو "مركز التفاهم الاسلامي المسيحي"و"معهد كارنيجي"...ويصعب جمعها في قائمة لتنوع مهامها.
ومن الدراسات العربية التي اهتمت بهذه المراكز ما كتبه د.مازن مطبقاني عن"هل انتهى الاستشراق حقا" مجلة الشريعة الكويت العدد 43 و"المؤتمرات الاستشراقية الحديثة..."نفس المجلة العدد46؛وهناك كتاب "الاسلاميون ومراكز البحث الأمريكية" لبلال التليدي،لكن يطغى عليه الجانب الوصفي.
أما الدراسات الأمريكية فمنها مجموعة مقالات كتبها المستشرق الحاقد بيرنارد لويس بالانجليزية،وهي مطبوعة أيضا بالفرنسية تحت عنوان "عودة الاسلام le retour de l islam "وهي مجافية للموضوعية،ومنها أيضا دراسة "نقدية" للسيناتور الأمريكي بول فندلي ضمن كتابه الضخم "من يجرؤ على الكلام"الفصل السابع "تحدي الحرية الأكاديمية" وهو مترجم الى العربية.
على أنه ينبغي التمييز بين صنفين حديثين من هذه المراكز بأمريكا:
الصنف الأول-مراكز أكاديمية تشتغل في مجال البحث لتقديم المشورة والرأي لصناع القرار،خاصة أنه في الولايات المتحدة -كما ذكرت مرارا- لاينفصل القرار السياسي عن نتائج دراسات مراكز البحوث.
الصنف الثاني- مراكز لـ "جمع المعلومات عن المسلمين في أمريكا"وهذه شبيهة بـ"مراكز الفقه الاسلامي"في ألمانيا و"مركز الدراسات السياسية"في باريس التي تكلمت عنها سابقا...فهذه غالبا ما يستدعى للاشراف عليها بعض أبناء العالم الاسلامي أو أبناء الأقليات المسيحية في الشام ممن تدكتروا هناك اضافة الى الأمريكيين،ووظيفتها استخباراتية وليست أكاديمية...وهؤلاء يتعاملون بلطف ظاهر.
وقد كان د.فضل الرحمن مثل د.نبيهة عبود في الصنف الأول بشيكاغو.
 
تسلل "فكر" د.فضل الرحمن الى العالم العربي متخفيا...

لم يكتب لفكر (فضل الرحمن) أن ينتقل مباشرة الى العالم العربي لسببين رئيسين:
1- كونه ينشر كتاباته عن القرآن باللغة الانجليزية.
2- لأنه لم يصادف تلاميذ يترجمون كتاباته أويروجون فكره (باستثناء بعض التونسيين غير المعروفين في عالم النشر).
لكن في سنة 1986م اغتيل في الولايات المتحدة الأكاديمي الفلسطيني د.اسماعيل راجي الفاروقي (الأستاذ في جامعة تمبل) وكان رئيسا لـ "المعهد العالمي للفكر الاسلامي"بفرجينيا،وقد أسس المعهد بعد استقراره في الولايات المتحدة ليخدم غاية محددة هي "أسلمة العلوم الانسانية والاجتماعية"فكان هذا الحدث ثغرة ولج منها الى معهد الفكر الاسلامي طائفة من المتيمين بمقالات الحداثة كمستشارين وبدأ المعهد ينشر لهم...
أشهر هؤلاء "محمد أبوالقاسم حاج حمد" تـ2004م (عمل فيه ما بين 1990-1995م)،وانتصارا للفهم الحداثي للقرآن ركب حاج حمد على الدعوة الى تجديد مناهج فهم القرآن...،وأول ما نشره كتاب"منهجية القرآن المعرفية-أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والانسانية" في 194 صفحة.
ففي هذا المنشور نجد نفس الدعاوى التي تبناها من قبل فضل الرحمن لكن بالعربية...،وبعد نشر الكتاب من قبل المعهد(دون ذكر اسم الكاتب)أعيد طبعه أكثر من مرة في "دار الهادي" بلبنان مع اسم مؤلفه،ثم ظهرت بعد ذلك منشورات عن القرآن سارت على نفس المنوال.
وقد أثار هذا التوجه داخل المعهد العالمي سلسلة من الكتابات التي ردت عليه اصطلح فيها على أصحاب هذا التوجه بـ"العقلانيون الجدد" و"أفراخ المعتزلة"...
والله المستعان.
 
د. عبدالرزاق... جزاك الله خيرا.
الأفكار التي يناقشها كتاب
"منهجية القرآن المعرفية-أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والانسانية"
تجد رواج بين شباب مسلم واعد، فيه خير كثير، يسعى لإيجاد جسر بين أصوله الاسلامية و بين الواقع المعاصر، بشكل يحقق له التوافق مع الحضارة الحديثة و معطياتها و بين عقيدته الاسلامية.
السؤال: كيف يمكن تحقيق ما يرغبه هؤلاء الشباب و في نفس الوقت كشف السلبيات الموجودة في هذه النوعية من الكتب؟
شباب أمتي غالي...كسبهم هو كسب للأجيال القادمة.
اجابة السؤال هو دور كل من له علاقة بعلوم الشريعة، كل حسب تخصصه.
اللهم اللهمنا الصواب... أمين.
 
على هامش: الدراسات القرآنية في جامعات أمريكا الشمالية
هذا بحث للدكتور عبدالرزاق هرماس عن:
البحث قيم، و يعطي صورة عن واقع الدراسات القرآنية عند المستشرقين في الفترة بين عام: 1400 الى عام 1425هـ.
و قد رأيت وضعه مع هذه المشاركة عن الدراسات القرآنية في جامعات أمريكا الشمالية، لعلاقته بها، فالاستشراق سواء كان في اوروباأو امريكا سلسة من الجهود المبذولة من قبل غير المسلمين لأهداف تخدمهم.
و هذه بعض النقاط التي لفتت انتباهي في البحث، و ضعتها من اجل جذب اهتمام القراء لقراءة البحث، فقراءة هذه النقاط لا يغني بأي حال عن قراءةالبحث.
إذا كان هناك أي خطأ في نقل المعلومات من البحث، زمزم بيان مسؤولة عن التقصير.
ص: (2)
(و لأن كتابات الغربيين عن القرآن توسعت كثيرا طوال العقود وأجيال مديدة، اتجهت في هذا البحث لحصر مجال الدراسة في الربع الأول من القرن الخامس عشر للأسباب التالية:
حتى أتمكن من ضبط المادة التي اشتغل عليها.
لأنني بعد تتبع لم أعثر على أحد اهتم بهذه المادة المقررة.
حتى أتخلص من أسر التقادم الذي طبع الكثير من الكتابات العربية المهتمة بتراث المستشرقين القدامى.)
ص: (5)
(أن المادة التي دارت عليها الدراسة هي الكتابات الاستشراقية المنشورة عن القرآن منذ مطلع القرن الهجري الحالي إلى حدود عام(1425هـ)، أي أوائل سنة (2004م).)
ص: (10)
(الاتجاه الثاني: الاستشراق الجديد، و برز مع عدد من المتخصصين في التاريخ الإسلامي ممن تأثروا بمناهج هذه العلوم ليس في الدراسات التاريخية و الاجتماعية المهتمة بالعالم الإسلامي، بل أيضافي مجال دراسة القرآن و السنة و التشريع، و يظهر أن خلف هذه الدعوة عجز المستشرقين عن فهم مناهج البحث في مجال الدراسات القرآنية و الحديثية و مجال أصول الفقه، فأرادوا إثارة مثل هذه الدعاوي التي أعلن عنها منذ قرابة ثلاثة عقود، وتوفي كثير من دعاتها، دون أن تعرف أصولها النظرية و لا جزئياتها و تفاصيلها.)
ص: (13)
(على أن الانصاف يقتضي الإشارة أن غلبة هذا اللفيف الاستشراقي الهجين طوال الربع الأول من القرنا لخامس عشر الهجري لم يمنع من بروز و تميز بعض الغربيين المهتمين بالدراسات الشرقية الذين أنفقوا أموالهم و جهودهم و أعمارهم لدراسة التراث الإسلامي، و منهم على سبيل المثال الألماني ميكلوش موراني...)
ص: (23)
(وخلال الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري برزبين المستشرقين المهتمين بالتراث المخطوط: الألماني ميكلوش موراني الذي نشر خلال عشر السنوات الأخيرة عددا من كتب عبدالله بن وهب المصري...و رغم أن هذه الكتب صدرت بتحقيق و تعليق د.موراني الذي يرجع له السبق في وضع هذه النصوص بين أيدي المهتمين، إلا أن منهج التحقيق عنده لا يستوفي الشروط التي خطها مواطنه براجستراسر.)
ص: (25)
(و من الإنصاف، و احترازا من إطالة الكلام على هذاالتحقيق ينبغي التنبيه على الأمور التالية: أن د. موراني أخرج هذا النص المنشور من غيابات جب استعصى على الباحثين ولوجه.)
ص: (15)
( إخراجها من العزلة الزمنية، إذ يرى بيرك أن البحث يجب أن ينطلق من النص القرآني لينتقل إلى آثار هذا النص و صداه في المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
إخراجها من عزلة المنهج، و هذا هو لباب الكتاب، و يقتضي ذلك تطبيق المناهج الغربية الحديثة على الدراسات القرآنية بإطلاق.)
ص: (41، 42)
(...ولا ينبغي أن يفهم من هذا المبحث أن الاستشراق خلال القرنالهجري الحالي دخل طور الاحتضار، بل لا زال قويا بمؤسساته وجمعياته و أنشطته، و لكنه غير سبل عمله، و انخرط في مشروعات تساير المخططات السياسية الغربية الحديثةبالعالم الإسلامي،... )
 
2- اللاهوت الكاثوليكي الأمريكي ومحاولة البحث عن مصدر للقرآن في تراث الكنيسة الشرقية...

اذا كانت الدراسات القرآنية في جامعة شيكاغو قد اتجهت الى التنظير للفهم الحداثي للقرآن،فان هذه الدراسات في جامعة نوتر دام بولاية انديانا قد سلكت وجهة تناسب عقيدة هذه الجامعة الثانية التي أسستها ورعتها وتشرف عليها الكنيسة الكاثوليكية.
ففي جامعة نوتر دام notre dame university(أو سيدتنا باللغة الفرنسية) التي ترفع فوق الصومعة الذهبية لمدخلها مجسما مذهبا للسيدة مريم ...قدر للدراسات القرآنية أن توطن في قسم اللاهوت من خلال حلقة بحثية:
Qurʾān Seminar

ممولة من المؤسسة الخيرية ميلون mellon،ويشرف عليها القبطي د.جبرييل رينولدز يساعده فيها ثلاثة دارسين متعاقدين هم:
- منعم سري.
- حمزة محمود ظفر.
- طوماسو تيساي(اسرائيلي).
وتتجه جهود هؤلاء الى الاهتمام بما سموه "السياق التاريخي لظهور القرآن"،اي البحث عن جذور له في تاريخ المسيحية بشمال الجزيرة العربية خلال القرن السابع الميلادي.
وتوجه هذه الجامعة لا يكاد يخطئه النظر اذا رجعنا الى أعمال الندوات التي تقيمها كل سنتين للدراسات القرآنية بدعم من جمعية أدب الكتاب المقدس،حيث يربط ظهور القرآن بما يصطلح عليه "السياق الديني في العصور القديمة والمتأخرة في الشرق الأوسط"
 
وضع الدراسات الإسلاميّة في المؤسّسات الأكاديميّة في أمريكا

وضع الدراسات الإسلاميّة في المؤسّسات الأكاديميّة في أمريكا

وضع الدراسات الإسلاميّة في المؤسّسات الأكاديميّة في أمريكا
أوميد صافي
طلب منّي أن أدلي بانطباعاتي عن وضع الدراسات الإسلاميّة في المؤسّسات الأكاديميّة في أمريكا الشماليّة. وحينما أقوم الآن بتسجيل انطباعاتي فعليّ أن أؤكّد أنّه نظراً لأنّ كثيراً من روّاد هذا الحقل هم أساتذتي، وأنّ كثيرين آخرين هم أقراني الذين عملوا بقدر ما يستطيعون وعلى مدى سنوات في محاولة دفع هذا الحقل إلى ما وصل إليه اليوم، فإنّ ملاحظاتي لن تكون بريئة من التحيّز. من ناحية أخرى فإنّ كوني محظوظاً في أن كنت على مدى العشرين عاماً الفائتة في الصفوف الأولى في تطوير هذا الحقل، فإنّني آمل أن أستطيع أن أكون أهلاً للتحدّث عن هذا الحقل بما يستحقّه من دقّة وعناية.
أصبحت طالباً في الدراسات العليا في حقل الدراسات الإسلاميّة في أوائل التسعينات من القرن العشرين، وكنّا كلّنا تقريباً في ذلك الوقت قد "تحوّلنا" إلى هذا الحقل: أعني أنّه لم يكن أحد منّا قد باشر الدراسة للشهادة الجامعيّة الأولى على نيّة أن يصبح أستاذاً جامعيّاً في الدراسات الإسلاميّة. فالاختصاص الذي يختاره الكثيرون، وخاصّة المسلمون من دول أخرى، هو الشيء الذي يأتي إلى بالهم بشكل بديهيّ: طبيب، محامي، مهندس، وربّما يكون في حالات قليلة هو "إدارة الأعمال". أمّا حينما اختار بعضنا حقل الدراسات الإسلاميّة، فقد كان ذلك في أغلب الحالات استجابة لصيحة لذلك المعلّم المرشد أو ذاك: منهم من استجاب لسيّد حسين نصر، أو حامد ألجار، أو روي متاهِده، أو بروس لورنس، أو فنسنت كورنيل، أو كارل ارنست، أو مايكل سيلز، أو آن ماري شيمِّل، وأمثالهم.
هذا الانتقال ينطبق عليّ أنا أيضاً: كنت قد قُبلت في كليّة الطبّ، لكنّي رفضت قبول هذه الدراسة ودخلت في دراسة الدكتوراه، ولم أسأل إلاّ بعد مباشرتي تلك الدراسة بثلاث أو أربع سنوات عن احتمال أن أحصل على عمل في هذا الحقل، وما هو الراتب الذي يمكن أن أتوقّع الحصول عليه. لهذا فيمكن للمرء أن يتصوّر صدمتي وأنا أقترب من إنهاء الحصول على الدكتوراه أنّه لم يكن يتوفّر في عام 1999 إلا أربع وظائف في كلّ أمريكا الشماليّة لحاملي تخصّص الدراسات الإسلاميّة. بل علينا أن نضيف أنّ وجود أربع متخصّصين في هذا الحقل كان تقدّماً غير قليل بالمقارنة مع الثمانينات، حيث لم يكن يتوفّر في العادة إلاّ كرسيّ واحد لمتخصّص يشغل العمل بصورة ثابتة في كلّ هذه البلاد.
أمّا الحادث الذي غيّر كلّ شروط اللعبة فكان بالطبع التفجيرات التي حدثت في الحادي عشر من شهر أيلول/سبتمبر من عام 2001. ففي أعقاب هذه الأحداث وجدت الغالبيّة العظمى من الجامعات والكلّيّات الأمريكيّة نفسها فجأة لا تملك أعضاء هيئة التدريس اللاّزمين لـ "تفسير" الحادث لطلاّبهم، أو أن يكونوا الناطقين في أيّ لقاء مع الجمهور المحلّيّ، أو أن يتحاوروا مع وسائل الإعلام. لا نعني بالطبع أنّ هذه الأدوار هي دور واحد، ولكنّ قائمة المطاليب كانت طويلة وملحّة، وهكذا قفز الطلب على التخصّص في الدراسات الإسلاميّة بشكل دراميّ، ففي السنين القليلة التالية (أي حتّى الأزمة التجاريّة التي حدثت في عام 2008) كان هناك ما بين أربعين إلى خمسين وظيفة ثابتة متاحة في ذلك المجال لكلّ عام.
كان هناك في تلك الأيّام تقاسم عميق للعمل في الدراسات الإسلاميّة ما بين إدارة "الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان" ( AAR ) و "رابطة دراسات الشرق الأوسط" ( MESA ). وكما هو واضح من اسم هذه الأخيرة فإنّها تركّز على الشرق الأوسط بالطبع، بل وتحتلّ قضايا فلسطين/اسرائيل ومصر وإيران مكان الصّدارة في الغالب في اهتمام أعضاء التدريس فيها. ومن جهة أخرى فقد هناك فرق حاسم في الحجم، فبينما يبلغ تعداد أعضاء رابطة دراسات الشرق الأوسط بضعة آلاف، فإنّ المشاركين في الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان هم في حدود اثني عشر ألفاً في الوقت الرّاهن. نذكر في المقابل أنّه لم يكن يوجد في التسعينات من القرن العشرين إلا ثلاثين إلى أربعين مشاركاً في مختلف الأقسام المهتمّة بالإسلام في الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان. خلاصة القول هنا أنّ الدراسات الإسلاميّة كانت هامشيّة بالنسبة لدراسة الدين في أمريكا في تلك الفترة المبكّرة.
وهناك جانب آخر غير توسّع التركيز على مجال الشرق الأوسط يفرّق الأكاديميّة الأمريكية للأديان عن رابطة دراسات الشرق الأوسط، وهو التركيز النظريّ. فأكثر المشاركين في الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان ملتزمون بإجراء المناقشات المرتبطة بالإسلام ضمن إطار من البحوث الدينيّة يتناول عدّة أديان، وكان هذا يعني بحلول التسعينات من القرن العشرين النظر بكلّ جدّيّة ليس إلى التحليلات الناقدة لفترة ما بعد الاستعمار وللحركة النسويّة فحسب، بل إلى الإضاءات المستمدّة من علم الأناسة "الانثروبولوجيا"، وأنّ العمل كان يجري في مجالات مختلفة من "التنظير"، بما في ذلك الملاحظات الناقدة لإدوارد سعيد وما بعده، إلى جانب تحليلات أخرى. وقد خضعت اهتمامات الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان نفسها لنقاشات حقيقيّة متنوّعة، منها مثلاً كيف يمكن للمرء أن يكون متخصّصاً في تراث دينيّ معيّن (أو أكثر من تراث) وأن ينخرط (أو لا ينخرط) في مواقف شديدة التنوّع حول ذلك التراث، بأطياف متعاطفة وناقدة. وهذه الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان تعود في الحقيقة إلى أصول محليّة إلى حدّ ما: فقد كانت في الأصل "الرابطة القوميّة لمدرّسي الكتاب المقدّس". كما إنّ "المجلّة الأمريكيّة لأكاديميّة الأديان" كانت في الأصل مجلّة "الكتاب المقدّس والأدب". وهكذا فالتحوّل من دراسة المسيحيّة (وليس المسيحيّة على مستوى عالميّ) إلى أن تصبح الأكاديميّة أكبر منظّمة عالميّة منصرفة إلى الدراسة الأكاديميّة لكلّ التراثات الدينيّة، هذا التحوّل اقتضى تعديلات دائمة، ونموّاً مطرداً، وتنسيقاً في المواقف.
إنّ ممّا يؤلمني اليوم أن أرى المتخصّصين في الدراسات الإسلاميّة – وأنا أعني هنا في الغالب متخصّصين مسلمين في الدراسات الإسلاميّة – ينخرطون في مناقشات تلتزم بالمقاربة المعياريّة/الوصفيّة للدّين، دون أن يدركوا كم من جهد قد توجّه إلى تطوير الحلول الوسط السائدة في هذه الأكاديميّة. كثيراً ما حاولت أن أوجّه طلاّب الدراسات العليا الإسلاميّة إلى خطاب ريبيكا تشوب الفريد بمناسبة تسلّمها رئاسة الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان، وكان عنوان الخطاب: "ما وراء نزاع الإخوة القاتل". إنّ هناك طرقاً متوفّرة يستطيع الباحثون عن طريقها أن يشقّوا طريقهم من خلال المناقشات المعياريّة/ الوصفيّة، ولكنّهم لا يستطيعون، ولا نحن نستطيع، أن يفعلوا هذا بدون أن يكونوا على وعي بتاريخ هذه المحاورات.
هذه التقسيمات ليست مطلقة، فنحن لسنا نتعامل مع بحار لا مجال للقاء بينها. لكنّ المرء لا يستطيع أن يدخل بكلّ بساطة إلى أحد صفوف جامعة خاصّة أو رسميّة ويتحدّث بعبارات معياريّة تتجاهل آراء الأقلّيّات المتمسّكة بالتقاليد الإسلاميّة، والأسوأ من ذلك أن يتجاهل ما يتبنّاه بعض المسلمين ليميّزوا به أنفسهم ويعتبره خروجاً عن الإسلام. إنّ المرء الذي يستخدم اللغة المعياريّة بهذا الشكل فإنّه قد خرج من الدائرة الأكاديميّة. ليتصوّر المرء كيف يكون الوضع لو تبنّى هذا الموقف يهوديّ ملتزم بدينه وهو زميل في الجامعة يصرّح في الصفّ أنّ اليهود الملتزمين بالمواقف الإصلاحيّة ليسوا في الواقع يهوداً صالحين، أو لنتصوّر أن يصرّح أحد البوذيّين بأنّ البوذيّين من عقيدة الماهايانا ليسوا بوذيّين حقيقيّين، أو يصرّح المسيحيّ أنّ المسيحيّين الكاثوليك ليسوا في الحقيقة مسيحيّين. ففي كلّ هذه الحالات سوف تجد عبارات توبيخيّة صارمة وفوريّة توجّهها إدارة القسم إلى من يتكّلم بهذا الشكل. ومع ذلك تجد كثيراً من الأكاديميّين المسلمين يخرجون الشيعة، أو الصوفيّين، أو الفلاسفة، أو النسويّين، من الدائرة المقبولة، ويصفونهم بأنّهم مسلمون ضالّون بأعمق معاني الكلمة، بلّ لعلّهم يخرجونهم من دائرة "المسلمين الحقيقيّين".
وبعبارة أخرى نجد التحدّي يأتي من كوننا لا نميّز أين نحن. فالذي يثار كموضوع للمناقشة والحوار في ندوة تقام في "معهد المغرب" مثلاً أو جامعة الزيتونة أو ضمن برنامج "عالِم" أو ضمن برنامج "رحلة" لا يصلح داخل فصول أكاديميّة. فكلّ موضع له أدبه الخاصّ، ومن المهمّ بالنسبة لنا أن نلاحظ الآداب المناسبة لكلّ مكان، وأن نبقى ملتزمين بها حتّى في الوقت الذي نجتهد في تعديل تلك الآداب ودفعها نحو التنوّع.
كان هناك من جهة أخرى بعض الجوانب الهامّة من التقدّم، فبينما لم يكن يتوفّر إلاّ ثلاثين إلى أربعين متخصّصاً في الدراسات الإسلاميّة منذ عقد من الزمان، فإنّنا نجد الآن حوالي ثمانمئة عضوٍ في قسم دراسة الإسلام في الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان. وفي الوقت الذي كانت دراسة الإسلام هامشيّة فيما مضى، فإنّا شهدنا نموّاً غير قليل في هذا الجانب. كان قسم دراسة الإسلام القديم التابع للأكاديميّة الأمريكيّة للأديان قد أغلق فعلاً من قبل إدارة الأكاديميّة لأنّه وجد أنّ المتخصّصين فيه (وأكثرهم من نسق اسماعيل فاروقي) يكثرون في عملهم من لهجة "المواقف الشخصيّة". ثمّ لما فتح قسم دراسة الإسلام من جديد (وكلمة "دراسة" تبرز ضرورة أن يكون العمل أكاديميّاً وبعيداً عن المواقف الشخصيّة) ظلّ لفترة ما تحت جناح قسم المسيحيّة. أمّا اليوم فإنّ قسم دراسة الإسلام ينظر إليه على نطاق واسع على أنّه يتمتّع بالتنوّع الواسع وأنّه يقدّم دراسات متينة ضمن الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان. ثمّ إنّنا نجحنا على مدى ثلاث سنوات في ثلاثة أنواع من التوسّع: انطلاق مجموعة الصوفيّة، وانطلاق مجموعة دراسة القرآن، وانطلاق مجموعة دراسة الإسلام المعاصر.
من المؤشّرات على صعود نجم الباحثين المسلمين في حقل الدراسات الإسلاميّة أنّه ظهرت ثلاثة أعمال ناقدة مستقلّ بعضها عن بعض تهاجم وتنتقد صعود نجم الباحثين المسلمين ضمن قسم دراسة الإسلام. تنوّعت هذه الدراسات ما بين القلق الودود (وهو ما كتبه ريتشارد مارتن) إلى معلومات فات وقتها ولم تعد تتميّز بالدقّة (وهو ما كتبه ديفيد فريدنرايخ) إلى جدليّ فجّ وضحل (وهو ما كتبه هارون هيوز). غير أنّ الزيادة الملحوظة في هذه الهجومات وردود الفعل من باحثين غير مسلمين مؤشّر على حدوث تغيير عميق.
من نتائج هذا النموّ تدفّق عدد غير مسبوق من الباحثات النساء والباحثين غير البيض في الدراسات الإسلاميّة في الأكاديميّة. يكاد هذا التغيير أن يكون قد حصل بلمحة البصر: فأنا أذكر ذلك العام الذي وصل فيه عدد الباحثات النساء ضمن قسم دراسة الإسلام إلى أكثر من النصف بكثير، ثمّ في العام التالي مباشرة تدفّق عشرات من الباحثين من غير البيض، وهو ما لم يكن من قبل، وكان كلا هذين التغيّرين إنجازاً مرموقاً. لم يكن قسم دراسة الإسلام قبل هذين التنويعين يزيد كثيراً عن أن يكون مجموعة من اليهود والمسيحيّين الذين يغلب عليهم لطف المعاملة.
غير أنّ هناك أمامنا تحدّيات غير قليلة: فالنموّ الذي نتحدّث عنه يمثّل مسلمين أتو من بيئات شديدة التنوّع، مع أنّ قليلاً جدّاً من هؤلاء هم طلاب مسلمون في الدراسات العليا قد حصلوا على تدريب واسع في الحوار النظريّ حول الدراسات الدينيّة. فنحن في الواقع أقلّ مهارة وتطوّراً في الجانب النظريّ بالمقارنة مع الحقول الأخرى. ويكمن جزء من التحدّي في أنّ كثيراً من طلاّب الدراسات العليا في الدراسات الإسلاميّة يعملون للحصول على شهادة الماجستير في برامج دراسات تخصّ منطقة محدّدة (دراسات الشرق الأوسط، دراسات الشرق الأدنى)، ممّا يجعلهم غير مهيّئين بشكل جيّد للمواصلة نحو شهادة الدكتوراه في الدراسات الدّينيّة.
أحد الأسباب الرئيسيّة للدعوة إلى مقاربات تنطلق من الدراسات الدينيّة هو العدد. فحتّى في هذه الفترة التي تتعرّض فيها الإنسانيّات إلى هجوم لا يكاد يوجد كلّيّة أو جامعة أمريكيّة بدون برنامج في الدين أو الثيولوجيا. وحوالي عشرة بالمئة من تلك الجامعات يعمل فيها حاليّاً أعضاء هيئة تدريس متفرّغون ينصبّ عملهم على دراسة الإسلام. يعني هذا بشكل واضح أنّ هناك مجالاً ضخماً لتصاعد النموّ في الدراسات الإسلاميّة في أمريكا الشّماليّة. أمّا أقسام "دراسات الشرق الأدنى" فهي أقسام تقوم على مقاربة فات أوانها في الغالب، وإنّما بقيت في أقسام مشهورة مثل القسمين في برنستون وبيركلي. فهذه الأقسام تطرح اللغة العربيّة إلى جانب العبريّة والسريانيّة والآراميّة ومصر القديمة، وكانت تميل إلى التركيز على التحليل النصّي واللغوي "الفلولوجي". ثمّ دفع تمويل الحكومة وتركيزها بعد الحرب العالميّة الثانية الدراسات باتجاه "دراسات الشرق الأوسط"، وهذا ممّا جعل التركيز على المواضيع المعاصرة، وغالباً ما كان له علاقات حميميّة مع البرامج السياسيّة التي دفعت إليها الحرب الباردة.
إنّ برامج الدراسات الدينيّة توفّر إمكانيّة أن يكون المتخصّصون في الإسلام جزءاً من الإنسانيّات، وهو كما قلنا جزء حيويّ من كلّ جامعة في أمريكا تقريباً، ولكنّ علينا حتّى يتحقّق هذا أن يتجنّب المتخصّص المسلم بالذات في الدراسات الإسلاميّة حقل الألغام الذي يتمثّل في محاولة هداية الناس بطريقة ينظر إليها أنّها خرق للمقاربات المقرّرة في الدراسات الدينيّة. صحيح أنّ بإمكاننا، وواجب علينا، أن نبرز أين نقف كأشخاص، ولكنّ علينا من أجل تحقيق هذا أن نكون فاهمين تماماً للدروس النظريّة لعلم الأناسة، ودراسات ما بعد الاستعمار، والنسويّة، والدراسات الأمريكيّة لذوي الأصول الأفريقيّة، وأمثال هذه الحقول. صحيح أنّ كثيراً من متخصّصي الدراسات الإسلاميّة منفتحون على هذه الحقول التي ذكرناها، ولكنّ الأكثر منهم يتبنّون مواقف جدليّة ينظرون من خلالها إلى الحقول التي ذكرناها على أنّها غريبة عنهم، وأنّها غارقة في العلمانيّة، وأنّها فرض الغرب لهيمنته على القيم الإسلاميّة "الأصيلة". بينما الواقع يدلّنا على أنّنا بقدر ما نضع الإسلام في وضع يصادم هذه الحقول فإنّنا نقع في خطر تهميش أنفسنا بأنفسنا – حتّى نصل إلى حدّ ألا يبقى لنا دور في هذا العالم.
ليس ما نطلبه هنا هو موقف السلبيّة السياسيّة، فحقل الدراسات الإسلاميّة يضمّ عدداً غير قليل من الباحثين المسلمين – وهم يمثّلون أفهاماً للعالم شديدة التباعد – كما يتّصفون بالنباهة وسحر الشخصيّة. ولكنّ ما آمله هنا هو أنّنا – أعني فئة المتخصّصين في هذا الحقل – حينما نمتلك ناصية العدّة اللازمة للحوار المثمر، فإنّنا سنغدو جزءاً لا يتجزّأ من فريق الباحثين الأمريكيّين الذين يتميّزون بأنّهم أكاديميّون.
وآخر ما نذكره هنا أنّنا نرى الآن عدداً من المتخصّصين المسلمين في الدراسات الإسلاميّة يتحرّكون جيئة وذهاباً بين عملهم في الأكاديميّة ووظيفتهم في مجتمعهم أو في ملاقاة الفئات المثقّفة العامّة، أو في كلا المجالين. يعتقد كثير من المتخصّصين المسلمين في الواقع أنه لا بدّ لهم من هذا التحرّك بين الحقل الأكاديميّ والحقل الشعبيّ، حتى يثبت كلّ منهم لنفسه أنّه شخصيّة متعدّدة الوجوه. فها نحن نرى متخصّصين من أمثل شيرمان جاكسون، وأمينة ودود، وجوناثان براون، وكيسيا علي، وإنجريد ماتسون، وغيرهم ممّن أتقنوا هذه القدرة على الحوار بشكل متفوّق، ونحن نأمل أن يأتي من يلحق بهذه النماذج من الجيل الحاضر والقادم من متخصّصي الدراسات الإسلاميّة.
إنّ وضع تاريخ الدراسات الإسلاميّة في مقابل المعاهد الأمريكيّة يوجد فيه الغثّ والسمين. إنّ الحالة لم تستقرّ بعد في الواقع، فنحن نملك من جانب برامج أخذت مكانها في أكثر مراكز الدراسات العليا في أمريكا. يأتي هذا بعد عقدٍ رأينا فيه عزوفاً عن توظيف طاقات تعوّض عن العمالقة الذين فقدناهم: فهارفرد لم تعيّن من يعوّض تماماً عن فقدان آن ماري شيمِّل، وشيكاغو لم تعوّض فعلاً عن فقدان فضل الرحمن. كانت كثير من البرامج ولفترة من الزمان برامج الشخص الواحد (وهو في الأعمّ الغالب رجل لا امرأة: وهذا ينطبق على جامعات ديوك وييل وبركلي). لكنّ هذا الوضع تغيّر منذ تفجيرات الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر من عام 2001. فنحن نجد الآن في مختلف الجامعات برامج تضمّ عضوين أو ثلاثة أو أربعة، لهم مهارة بالإسلام. ومن المراكز المتينة الراسخة هارفرد، وييل، وبرنستون، وشيكاغو، وديوك، وجامعة كارولينا الشماليّة، وستانفورد، وكولومبيا، وبين، وجامعة نيويورك، وإيموري، وجورج تاون، وميشيجان، وغيرها.
 
الخيط الرفيع بين الأقسام الأكاديمية والمؤسسات الادماجية
بالجامعات الغربية


أجدني مضطرا للتعقيب على مشاركة السيد أوميد صافي من جانب
خلطه بين ما هو أكاديمي وما هو ادماجي في أقسام الجامعات الغربية ومنها الأمريكية...

فاذا أخذنا ألمانيا فهناك فرقا في جامعة توبنجن بين معهد الدراسات العربية (أكاديمي) وبين مركز الفقه الاسلامي (وضعته حكومة الولاية ليتخصص في أمور ادماج المسلمين أي تغريبهم)...
كما أن هناك فرقا بين د.تليمان ناجيل ود. أنجيليكا نويفرت وهما باحثان أكاديميان وبين د.عمر حمدان ود. مهند خورشيد وهما مجرد موظفين بالدكتوراه يؤديان خدمة في علاقة الدولة بالأقليات المسلمة...
واذا انتقلنا الى فرنسا،فهناك فرقا بين د.فرانسوا ديروش ود.روبير كريستيان ...وهما باحثان أكاديميان وبين د.أسماء الهلالي ود.أمير معزي...
وفي الولايات المتحدة هناك فرقا بين الاستشراق الأكاديمي الذي دار عليه الكلام سابقا وبين طائفة عريضة ممن يتكلمون عن الاسلام made in america فهؤلاء فتحت لهم الولايات هناك- كما في ألمانيا وانجلترا وفرنسا - المجال لأجل اعادة صياغة اسلام للمسلمين في امريكا خاصة خلال العشرين سنة الأخيرة...

وفيما يلي أسئلة الى السيد أوميد صافي:
1- قلتم أعلاه:"...
فإنّنا نجد الآن حوالي ثمانمئة عضوٍ في قسم دراسة الإسلام في الأكاديميّة الأمريكيّة للأديان"800 عضو أين انتاجهم من دراسات علمية للاسلام؟ قارن بين انتاج مائة منهم وما أنتجه ضد الاسلام المستشرق المتصهين بيرنارد لويس؟؟
2- قلتم أيضا:"
...كان قسم دراسة الإسلام القديم التابع للأكاديميّة الأمريكيّة للأديان قد أغلق فعلاً من قبل إدارة الأكاديميّة لأنّه وجد أنّ المتخصّصين فيه (وأكثرهم من نسق اسماعيل فاروقي) يكثرون في عملهم من لهجة "المواقف الشخصيّة" "لعلم القراء كان د.اسماعيل راجي الفاروقي المقتول غيلة 1986 رجلا بأمة،لم يكن ليبيع دينه بمنصب جامعي ومع ذلك لم تجد جامعة تمبل عنه بديلا،فأين هي لهجة المواقف الشخصية في كتاباته الكثيرة بالعربية والانجليزية؟الرجل لم يكن له هم علمي أكبر من مشروعه "اسلامية المعرفة".
3- قلتم بعد ذلك:"... ثمّ إنّنا نجحنا على مدى ثلاث سنوات في ثلاثة أنواع من التوسّع: انطلاق مجموعة الصوفيّة... "الحمد لله الذي أظهر الحق على لسانكم،هذا هو سبب اغلاق القسم،الادارة تريد أن يقتصر على (اسلام الدروشة)فوجدت من يصلح لذلك الآن.
4- قلتم:"...
وآخر ما نذكره هنا أنّنا نرى الآن عدداً من المتخصّصين المسلمين في الدراسات الإسلاميّة يتحرّكون جيئة وذهاباً بين عملهم في الأكاديميّة ووظيفتهم في مجتمعهم أو في ملاقاة الفئات المثقّفة العامّة، أو في كلا المجالين. يعتقد كثير من المتخصّصين المسلمين في الواقع أنه لا بدّ لهم من هذا التحرّك بين الحقل الأكاديميّ والحقل الشعبيّ"
التحرك بين الأكاديمي والشعبي هذا معناه أن وظيفتكم ليست أكاديمية،بل هي مهمة "ادماج"عامة المسلمين في المجتمع الليبرالي الأمريكي عن طريق الخطاب الوعظي الذي يحسنه من يحمل اسما ينتمي الى العالم الاسلامي ولا يحسنه من سمي "جون"أو"برنارد"أو"جورج"...أما الأكاديمي فعمله في مختبرات البحوث وخزائن الوثائق وهذا أتركوه للمستشرقين الأكاديميين...أمثال جورج مقدسي من الأموات وجون أسبوزيتو من الأحياء.
5- قلتم:"
فها نحن نرى متخصّصين من أمثل شيرمان جاكسون، وأمينة ودود، وجوناثان براون، وكيسيا علي، وإنجريد ماتسون، وغيرهم ممّن أتقنوا هذه القدرة على الحوار بشكل متفوّق "
تفوق في ماذا ؟ ومتخصصون في ماذا؟ في الدعوة الى "النظرية النسوانية"؟
- أمينة ودود واسمها الحقيقي
Mary Teasley تدعو الى هدم أحكام الصلاة،وتجمع خلفها رجالا ونساء مختلطين فيما سمي صلاة جمعة يعانق بعضهم بعضا وصورهم شاهدة في الانترنيت؟؟
- أنجريد ماتسون -والحمد لله لم تغير اسمها-التي تطالب بقلب نظام الصفوف بأن تصلي النساء أمام الرجال في المراكز الاسلامية بالولايات المتحدة...والبقية تأتي؟؟؟
6- قلتم:"فهارفرد لم تعيّن من يعوّض تماماً عن فقدان آن ماري شيمِّل، وشيكاغو لم تعوّض فعلاً عن فقدان فضل الرحمن "
بالله عليك:ماذا قدم فضل الرحمن؟؟
أراد نسخ القطعي من أحكام الاسلام كما يعرف ذلك العام والخاص في أمريكا وفي الباكستان وفي العالم العربي،ولقد أوجزت فكره أعلاه...
7- قلتم:" ومع ذلك تجد كثيراً من الأكاديميّين المسلمين يخرجون الشيعة، أو الصوفيّين، أو الفلاسفة، أو النسويّين، من الدائرة المقبولة "
الا يعتبر هذا من الـ"مواقف الشخصية"التي انتقدها كاتب التعليق السيد أوميد صافي Omid Safi الأمريكي الجنسية الايراني الأصل الصفوي الهوى الشيعي المذهب الصوفي الاهتمام ؟
8- وأخيرا أسأل السيد صافي:
لديك دراسة بعنوان:"التفسير التقدمي للاسلام
What progressive Islam "

ما المقصود بهذا الاسلام التقدمي؟وهل اسلامنا نحن "تأخري"؟؟؟
ألا يكشف هذا عن خلفية توظيف هذا اللفيف من المنتمين عرقيا الى العالم الاسلامي لأداء وظيفة لن تخفى على قراء الملتقى؟؟؟

ولعلم القراء فالأقسام الأكاديمية للاستشراق الأمريكي قليلة وضعيفة من جهة التخصص العلمي/
أما ما عرض له الموضوع فهو جهاز أنشأته حكومة الولايات المتحدة أخيرا مهمته "ادماج المسلمين بأمريكا" في مجتمعها اللبيرالي بعد سلخهم عن الهوية الاسلامية...
واقرؤوا ان شئتم كتاب "أمريكا المتدينة الجديدة" لديانا ايك
A new religious Amerca;by Diana Eck


 
عودة
أعلى