هناك أمر يتعلق بترتيب الأحداث التاريخية التي مرَّ بها بنو إسرائيل في عهد موسى ، وهو لا يؤثر على فهم الخبر ( أي : التفسير ) ، ففي القرآن حديث متفرق عنهم ، بل قد يكون الحدث الواحد قد عُبِّر عنه بعبارات مختلفة زيادة أو نقصًا ، ولكل مقام ما يناسبه من هذه العبارات .
ومن خلال رصدي واجتهادي في ترتيب هذه الأحداث ظهر لي صعوبة ترتيب بعضها في زمانه المحدد ، وأُأكِّد أنه لم يؤثر على فهم المعنى ، وسأذكر لك مجموعة آيات ، لننظر ما فيها :
أولاً : قوله تعالى : وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)
ثانيًا : قوله تعالى ( فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28)
ثالثًا : قوله تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
ففي المقطع الأول أبهم الأرض ، وأشار إلى بني إسرائيل بالقوم الذين يُستضعفون .
وفي المقطع الثاني أبهم القوم الوارثين الذين ورثوا تركة فرعون .
وفي الآية الثالثة صرَّح بأن الوارثين هم بنو إسرائيل .
ويقع السؤال هنا عن كيفية هذه الوراثة ، فهل رجع بنو إسرائيل مع موسى بعد غرق فرعون أم ماذا؟
هل كان هذا قبل التيه ، أم كان بعده ؟ ( ومن المشهور أن هارون مات في التيه ، ثم مات بعده موسى عليهما الصلاة والسلام ، ثم دخل بنو إسرائيل الأرض المقدسة مع فتى موسى : يوشع بن نون ) .
الظاهر والله أعلم أنهم لم يعودوا إلى مصر بعد غرق فرعون وليس لدينا ما يثبت عودتهم من الادلة الصحيحة
ولنعد قليلا إلى الوراء ولنسأل أنفسنا هل خرج كل بني إسرائيل مع موسى عليه السلام عندما امره الله بالخروج من مصر ليلا ؟؟
يقول تعالى ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم... ") وهذا يعني أن قلة من بني إسرائيل آمنوا بموسى عليه السلام أما البقية الباقية فاختلفت ردود افعالهم
وكما يقول الأستاذ بسام جرار ( وكيف يمكن لشعب يعد بمئات الألوف، بل هو أكثر من ذلك، أن يخرج خلسة، وأنّى لغير المؤمن منهم أن يثق بموسى، عليه السلام، فيخرج إلى عالم المجهول ؟! بهذا نكون قد خلصنا إلى نتيجة تقول: هناك ما يدل على خروج بعض أبناء إسرائيل قبل مجيء موسى، عليه السلام، إلى مصر. ولا يوجد ما يُثبت خروج كل بني إسرائيل مع موسى، عليه السلام، بل إنّ الأقرب إلى العقل ومنطق الأمور أن تبقى الأكثرية في مصر وتخرج فقط الأقلية المؤمنة ومن يواليها ويتبعها لسبب أو آخر.)
ويقول أيضا ( ومن يتدبّر الآيات القرآنية يدرك أنّه بعد غرق فرعون وجنده ورموز سلطته سيطر الشعب الذي ينتمي إلى طوائف شتى، ومنهم شعب بني إسرائيل، على كل ما تركه الفرعون وأركان سلطته. انظر قوله تعالى: " فأخرجناهم من جنّات وعيون، وكنوز ومقام كريم، كذلك وأورثناها بني إسرائيل، فأتبعوهم مشرقين " الشعراء:(57-60) فبمجرد خروج الفرعون تمّ الإرث، بدليل استخدام الفاء في قوله تعالى: " فأتبعوهم مشرقين ". ولم يكن شعب إسرائيل هو الوارث الوحيد، بل إنّ هناك شعوباً أخرى كانت في الطبقات الأدنى. انظر قوله تعالى: " كم تركوا من جنّات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونَعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين " الدّخان:(25-28)ويبدو أنّ بني إسرائيل كانوا في الدائرة الأقرب إلى القصور الفرعونية، بدلالة قوله تعالى في آيات سورة الشعراء:" وكنوز ومقام كريم " أمّا الدائرة الأبعد، وهي الأراضي والسهول، فقد وقعت تحت سلطة آخرين، بدليل قوله تعالى:" وزروع ومقام كريم... وأورثناها قوماً آخرين" .)
أمّا الذين خرجوا مع موسى، عليه السلام، وحكم الله تعالى فيهم أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، فربما أصبحوا في هذه المدة بؤرة جذب لبعض من بقي في مصر، ثم أورثهم الله تعالى الأرض المباركة، بدلالة قوله تعالى:" وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها.." (الأعراف: 137). فالميراث الفوري كان لمن بقي في مصر، أمّا ميراث الأرض المباركة فكان بعد زمن التيه. وعلى هؤلاء من بني إسرائيل نزلت التوراة،
أشكر الاخ نضال على هذه المداخلة ، ولي عليها ملاحظات :
الأولى : إن قول الأستاذ بسام حفظه الله فيه إشكال من جهات :
اولاً : أن العقل لا يمنع ولا يحيل أن يخرج شعب بالألوف ، فهو في محيط الممكنات .
ثانيًا : أين حفظ الله تعالى لهؤلاء المؤمنين بموسى عليه الصلاة والسلام ؟!
ألا يمكن أن يقول قائل : كيف يمكن لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يخرج من الرَّصد الذين جعلتهم قريش عند بابه ؟!
أفلا نتذكر قول الله تعالى : ( وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا ) فالأمر إذا جاء من الله لا يمكن للعقل أن يردَّه لعدم تقبله له .
ولو تأملت الآيات التي تتحدث عن خروج بني إسرائيل لظهر لك ذلك ، ومنها قوله تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) ، فتأمل قوة يقين موسى بربه ، فالذي وعده بالنجاة هو ربه الذي قال له : ( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) ، فهل نحتاج بعد ذلك أن نقيس بعقولنا بعد أن وعده الله بأنه لن يدركه فرعون وقومه ؟!
الثانية : أن الزَّعم بأن بعض بني إسرائيل بقي زعم لا دليل عليه ، ثم لو كان كذلك ، فهل يُعتبرون ـ لعدم خروجهم ـ عصاة لأمر موسى بالخروج ، فإن كانوا كذلك ، فهل يكافؤون بوراثة أرض فرعون وقومه ؟!
الثالثة : إذا كانت ظواهر النصوص تدل على وراثتهم ، فهل يمتنع أن يعود جزء منهم ويأخذوا كنوز قوم فرعون ، مادام الاحتمال العقلي واردًا ، وإلا فمن أين لنا أن نقول بمثل ما قال الأستاذ بسام : ( سيطر الشعب الذي ينتمي إلى طوائف شتى، ومنهم شعب بني إسرائيل ) ، أين الدليل على هذا سوى الاحتمال العقلي ؟
الرابعة : إن تعقيبكم ـ أيها الفاضل ـ : ( أمّا الذين خرجوا مع موسى، عليه السلام، وحكم الله تعالى فيهم أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، ) ... ( فالميراث الفوري كان لمن بقي في مصر ) ألا ترى فيه إشكالاً ، فمن خرج مع موسى يُعاقب ، ومن بقي ولم يخرج يُكرم بوراثة أرض مصر ؟!
قرأت في بعض التفاسير لعلي أستوضح المسالة ( هل رجع بنو إسرائيل الى مصر بعد غرق فرعون ام لا ) فوجدت اقولا للمفسرين في ذلك
قول إبن عاشور ان بني إسرائيل لم يعودوا الى مصر بعد غرق فرعون ويتكلم عن طبيعة هذه الوراثة
وجملة : { وأورثناها بني إسرائيل } معترضة أيضاً والواو اعتراضية وليست عطفاً لأجزاء القصة لما ستعلمه . والإيراث : جعل أحد وارثاً . وأصله إعطاء مال الميت ويطلق على إعطاء ما كان ملكاً لغير المعطَى ( بفتح الطاء ) كما قال تعالى : { وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارقَ الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } [ الأعراف : 137 ] ، أي أورثنا بني إسرائيل أرض الشام ، وقال : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } [ فاطر : 32 ] .
والمعنى : أن الله أرزأ أعداء موسى ما كان لهم من نعيم إذ أهلكهم وأعطى بني إسرائيل خيرات مثلها لم تكن لهم ، وليس المراد أنه أعطى بني إسرائيل ما كان بيد فرعون وقومه من الجنات والعيون والكنوز ، لأن بني إسرائيل فارقوا أرض مصر حينئذ وما رجعوا إليها كما يدل عليه قوله في سورة الدخان ( 28 ) { كذلك وأورثناها قوماً آخرين } ولا صحة لما يقوله بعض أهل قصص القرآن من أن بني إسرائيل رجعوا فملكوا مصر بعد ذلك ، فإن بني إسرائيل لم يملكوا مصر بعد خروجهم منها سائر الدَّهر فلا محيص من صرف الآية عن ظاهرها إلى تأويل يدل عليه التاريخ ويدل عليه ما في سورة الدخان .
فضمير أورثناها } هنا عائد للأشياء المعدودة باعتبار أنها أسماء أجناس ، أي أورثنا بني إسرائيل جناتتٍ وعيوناً وكنوزاً ، فعَود الضمير هنا إلى لفظ مستعمل في الجنس وهو قريب من الاستخدام وأقوى منه ، أي أعطيناهم أشياء ما كانت لهم من قبل وكانت للكنعانيين فسلط الله عليهم بني إسرائيل فغلبوهم على أرض فلسطين والشام . وقد يعود الضمير على اللفظ دون المعنى كما في قولهم : عندي درهم ونصفُه ، وقوله تعالى : { إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثُها إن لم يكن لها ولد } [ النساء : 176 ] ، إذ ليس المراد أن المرء الذي هلك يرث أخته التي لها نصف ما ترك بل المراد : والمرء يرث أختاً له إن لم يكن لها ولد ، ويجوز أن يكون نصب الضمير لفعل «أورثنا» على معنى التشبيه البليغ ، أي أورثنا أمثَالها . وقيل ضمير : { أورثناها } عائد إلى خصوص الكنوز لأن بني إسرائيل استعاروا ليلة خروجهم من جيرانهم المصريين مصوغهم من ذهب وفضة وخرجوا به كما تقدم في سورة طه .
ويتابع أيضا فيقول
ويجوز عندي وجه آخر وهو أن تكون جملة { فأخرجناهم من جنات } إلى قوله : { وأورثناها } حكاية لكلام من الله معترض بين كلام فرعون . وضمير { فأخرجناهم } عائد إلى قوم فرعون المفهوم من قوله : { في المدائن } [ الشعراء : 53 ] ، أي فأخرجنا أهل المدائن . وحذف المفعول الثاني لفعل { أورثناها } . والتقدير : وأورثناها غيرهم ، ويكون قوله : { بني إسرائيل } بياناً لاسم الإشارة في قوله : { إن هؤلاء } [ الشعراء : 54 ] سلك به طريق الإجمال ثم البيان ليقع في أنفس السامعين أمكن وقْع .
وجملة : { فأتبعوهم مشرقين } مفرعة على جملة : { فأخرجناهم } وما بينهما اعتراض . والتقدير : فأخرجناهم فأتبعوهم . والضمير المرفوع عائد إلى ما عاد عليه ضمير النصب من قوله : { فأخرجناهم } ، وضمير النصب عائد إلى { عبادي } [ الشعراء : 52 ] من قوله : { أن اسْرِ بعبادي } [ الشعراء : 52 ] .
واورد الالوسي رحمه الله اقوالا في المسالة في تفسيره لسورة الدخان
والمراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل وهم مغايرون للقبط جنساً وديناً . ويفسر ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء ( 59 ) { كَذَلِكَ وأورثناها بَنِى إسراءيل } وهو ظاهر في أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وملكوها وبه قال الحسن .
وقيل : المراد بهم غير بني إسرائيل ممن ملك مصر بعد هلاك القبط وإليه ذهب قتادة قال : لم يرد في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر ولا أنهم ملكوها قط
وقيل : المراد من إيراثها إياهم تمكينهم من التصرف فيها ولا يتوقف ذلك على رجوعهم إلى مصر كما كانوا فيها أولاً ، وأخذ جمع بقول الحسن وقالوا لا اعتبار بالتواريخ وكذا الكتب التي بيد اليهود اليوم لما أن الكذب فيها كثير وحسبنا كتاب الله تعالى وهو سبحانه أصدق القائلين وكتابه جل وعلا مأمون من تحريف المحرفين . إنتهى كلامه رحمه الله
ويقول سيد طنطاوي
والذى نراه - كما سبق أن قلنا عند تفسير سورة الشعراء - أن الآية صريحة فى توريث بنى اسرائيل للجنات والعيون . . التى خلقها فرعون وقومه بعد غرقهم ، بمعنى أنهم عادوا إلى مصر بعد غرق فرعون ومن معه ، ولكن عودتهم كانت لفترة معينة ، خرجوا بعدها إلى الأرض المقدسة التى دعاهم موسى - عليه السلام - لدخولها كما جاء فى قوله - تعالى - : { يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ . . }إنتهى كلامه
والذي يظهر لي أن بني إسرائيل لم يعودوا إلى مصر وإنما كانت لهم مصر إيراثا ( ملكا وتصرفا ) دون وجود موانع تحول بينهم وبين التصرف فيها والله أعلم
فليس في أيدينا دليل يستند إليه لنقول بعودتهم وإنما الظاهر انهم بقوا خارجها وبعد ذلك حصل لهم التيه
أشكر لك مداخلة مرة أخرى أخي نضال ، لكن أليس ظاهر القرآن دليلاً قطعيًّا عندنا ، وما قاله الشيخ سيد طنطاوي ـ حفظه الله ـ أقرب إلى ظاهر الآيات ، والله أعلم .
والمشكلة عندنا ـ أخي الفاضل ـ أننا نعتقد ثم نستدل ، فمن أين لنا أن بني إسرائيل لم يعودوا إلى مصر بعد غرق فرعون ، وهل هناك نصٌّ صريح ينفي عودتهم ، وها أنت ترى النص الصريح يرجح عودتهم .
ثم هل الحَكَم عندنا التاريخ المكتوب ؟
ثمَّ أي تاريخ هذا الذي سيكون حَكَمًا على النصِّ الظاهر من القرآن ؟!
وإذا لم نجد في التاريخ المكتوب فهل نتررد في الأخذ بظاهر القرآن ؟!
أرى أن السلامة باتباع النصِّ ، والقول به ، والوقف عند حدِّه ، هذا أولى لنا .
بارك الله فيك شيخي الفاضل
فأنا لا اقدم شيئا على نص القرآن الصريح ولكن نص القرآن هنا يحتمل عودتهم وهذا ظني وليس قطعي
ولذلك كان للعلماء اقوال في المسألة ولو كان النص قطعيا لسلمنا بعودتهم
ومن ثم فانا لا أحكم التاريخ ولكن أستأنس به إن صح في مثل هذه المسائل
لي مداخلة ربما تفيد في مسألة ترتيب الأحداث التاريخية مع محاولة فقه أسبابها ونتائجها ونبدأها من سورة القصص
" ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " ماذا يرثون لم تحدد آية القصص ولذا يمكن القول أنهم يرثوا كل ما يورث :الملك ،القيادة ،الهيمنة في الأرض ولذلك آية الأعراف "..َ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا...." لم تحدد فالأرض في الآية ليست أرض محددة بل كل الأرض
"...عسي ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " ورثوا الخلافة استخلفوا-
" أن أرسل معنا بني اسرائيل "هذا نص الرسالة فهل بعد الخروج عودة ؟ ربما إن دانت لسلطانهم بعدما استخلفوا في الأرض " ولما كان طلب الارسال ؟ لإعدادهم للخلافة في الأرض –كل الأرض، حيث نعلم أن فرعون ملك الأرض كما جاء في الحديث "ملك الدنيا أربعة .."-
وهذا لايمنع أن يكون طلب الارسال إلي جزء من مصر يكون خاصا بهم ولا يخضع لتسلط فرعون-حكم ذاتي- وله دليل " أن أرسل معنا بني اسرائيل ولا تعذبهم ..." فقول موسي وهارون " ولاتعذبهم " ربما يفيد أنهم سيبقون في جزء من مصر حتي إن كان سيناء
ولذلك الموروث في آية الشعراء ) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيل]َ"هي الخلافة أو مكانة الأمة الأولي والله أعلم
وما حدث بعد ذلك " ولقد اخترناهم علي علم علي العالمين32 وءاتيناهم من الأيات ما فيه بلاءٌ مبين "وهذا البلاء مع كل آية للتصفية حتي يثبت الصادقين الذين أخذ عليهم الميثاق وبالطبع علي رأسهم الرسول فلا يقال عنه أنه مات في التيه ،فهذا التيه كان خاصا بالذين لم يدخلوا الأرض المقدسة " محرمة عليهم ..."والخطاب لموسي فهو ليس معهم
كما كان العقاب لعدم دخول القرية الأولي حيث تجربة الاعداد خاصا بالذين ظلموا وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم حيث كان العقاب " فأنزلنا علي الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون " وهو غير مسألة التيه بالطبع والثابتين مع الرسول لهم مالمثلهم من المكانة والفضل بل كان منهم ملوكا في وجود موسى عليه السلام "وإذ قال موسى لقومه..............................وجعلكم ملوكا وآتكم مالم يؤت احدا من العالمين "
وبهذا يتضح أن الذين ذمهم القرآن بعد كل بلاء هم الذين رسبوا في الامتحان أما الذين نجحوا فاستمروا حتي "...وتمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل لما صبروا ...."
أخي نضال ـ حفظك الله ورعاك ـ : أنا لا أشك أنك لا تقدم على ظاهر القرآن شيئًا ، وإنما سلكت معك سبيل الجدل فقط ، وقد كنتُ مأخوذًا بقراءات سابقة لتاريخ بني إسرائيل ، وكانت تشير إلى أن بني إسرائيل لم يرجعوا إلى مصر ، وصارت هذه الفائدة مترسخة عندي ، حتى فوجئت بوقوفي مرة على هذه الآيات ، فرحت أقلِّب النظر مرة أخرى ، فأتأولها لتوافق ما استقر عندي ـ مما قرأت عن تاريخهم وأنهم خرجوا من مصر ولم يعودو ـ لكن لم يستقم لي ذلك ، فذهبت إلى إثبات الظاهر ، والله أعلم بالصواب .
وأعتذر إليك إن كان في عبارتي شيء من الإساة .
الأخ معتصم
حياك الله في ملتقى أهلالتفسير
لكن ماعلاقة هذه الآيات برجوع بني إسرائيل إلى مصر؟
وهو السؤال الوارد في المشاركات .
أما هذه الآيات فهي في زمن داود عليه الصلاة والسلام ، ونحن نتكلم عن زمن موسى عليه الصلاة والسلام .
أخي نضال ـ حفظك الله ورعاك ـ : أنا لا أشك أنك لا تقدم على ظاهر القرآن شيئًا ، وإنما سلكت معك سبيل الجدل فقط ، وقد كنتُ مأخوذًا بقراءات سابقة لتاريخ بني إسرائيل ، وكانت تشير إلى أن بني إسرائيل لم يرجعوا إلى مصر ، وصارت هذه الفائدة مترسخة عندي ، حتى فوجئت بوقوفي مرة على هذه الآيات ، فرحت أقلِّب النظر مرة أخرى ، فأتأولها لتوافق ما استقر عندي ـ مما قرأت عن تاريخهم وأنهم خرجوا من مصر ولم يعودو ـ لكن لم يستقم لي ذلك ، فذهبت إلى إثبات الظاهر ، والله أعلم بالصواب .
وأعتذر إليك إن كان في عبارتي شيء من الإساة .
السلام عليكم
حياك الله شيخنا الفاضل مساعد الطيار وملأ قلبك نورا وبصيرة
العلاقة
فيما فهمناه من قول ربنا جل وعلا في الآية الأولى من كلام بني إسرائيل قولهم عن أنفسهم -ولعلها سمتهم الغالبة- حيث قالوا " وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا " وظاهر الآية هنا يشرح حالهم الغالبة وهي الخروج لا الرجوع, والله تعالى أجل وأعلم.
شيخنا الفاضل نرجو التعليق وإن كان هناك خطأ فنرجو التصحيح
في آية الشعراء " كذلك وأورثناها بني اسرائيل " بالبحث عن مرجع الضمير وجدت أقرب مذكور هو ،مقام كريم ، فكيف عاد عليه ضمير المؤنث وليس هناك قرينة تعيده علي المؤنثات قبله ، ولذلك فهو غير عائد علي الجنات والعيون فلنبحث عما ورثه بني اسرائيل
"مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها "
فأين جنات وعيون مصر
وبالتالي لا أستطيع أن أقول أن ظاهر النص يقول أنهم عادوا مباشرة بعد غرق فرعون وورثوا جنات وعيون مصر
أخي الكريم مصطفى ومعتصم
أنا لا أقطع الآن بشيء مما يتعلق بالآيات ، فأنا أدراسكم هذه المقاطع لعلي أظفر برأي صواب في هذا .
أما الأرض في قوله تعالى : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ) فهي بلاد الشام ، وقد كانت تلك الوراثة بعد حين كمت هو معلوم من ملك بني إسرائيل لأرض فلسطين ، خصوصًا إبَّان قوتهم في ملك داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام .
وهنا فائدة مهمة ، وهي أن لفظ ( الأرض ) من العام الذي يراد به الخصوص ، وهو من دقائق علوم القرآن التي قد يقع فيها الخطأ لمن لا يعرف هذا الأسلوب في القرآن .
أما قوله تعالى : ( وأورثناها قومًا آخرين ) فإبهام القوم يمكن أن يُحمل على البيان الوارد في الآية الأخرى ( كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) ، ويمكن أن يقال : إن الوارثين قوم آخرين غير قوم فرعون ، فبعد هلاكه وجنوده استولى عليها من استولى ممن هم من غير قومه .
وأما قوله ( كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) يجوز أن يكون تنبيهًا لى وراثتهم لهذا النوع من الجنات والعيون الزروع والمقام الكريم ، وليس هو عين ما كان فيه فرعون وقومه ، وقد حصل لهم ذلك بما دلت عليه الآية الأولى ( وأروثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ) ، ويكون مما أورثوه هذه الأنواع ، وهذا الأسلوب وراد في القرآن أيضًا كما هو الحال فيما ذكر العلماء في تفسير قوله تعالى : ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره ) ، وعلى هذا يكون الضمير المؤنث في ( وأورثناها ) عائدًا إلى جنس هذه الأنواع لا إلى عينها ، ولا يلزم أن يعود الضمير إلى أقرب مذكور دائمًا ، بل إن ترتيب الضمائر في عودها على مذكور واحد أولى من عود الضمير إلى أقرب مذكور .
وبهذا التحليل لايلزم أن يكون بنو إسرائيل قد عادوا إلى مصر ، والله أعلم بما كان .
ولازال للبحث ولنظر مجال ، والله الموفق للصواب .
جزاكم الله خيرا
فضيلة الشيخ وأحسن الله إليكم
مدارسة هذا الموضوع أثارت تساؤلا لدي - وأرجو المعذرة للخروج عن الموضوع -:
هل ألفت رسائل في قصص الأنبياء في القرآن بحيث تكون دراسة موضوعية تتناول جوانب القصة من بدايتها إلى نهايتها ؟
فقصة نبي الله موسى - عليه السلام - أطول قصص الأنبياء وتكررت في كثير من السور واختلفت الأحداث وتسلسلت في مواضع مفرقة فلو جمعت في مكان واحد .
وقد تكرم فضيلتكم بجمع الآيات التي تتعلق بنهاية هذه القصة
الموضوع يحتاج وقفة والله يوفق للصواب ويسدد للحق
معذرة للتدخل
قصة موسى في القرآن الكريم طويلة كما تفضلت وقد كتب فيها الكثير سواء رسائل علمية او كتب عادية للنشر ومن كتب فيها جيدا الدكتور صلاح الخالدي في كتابه القصص القرآني وهو أربعة مجلدات جاء الحديث عن قصة موسى عليه السلام فيها طويلا
اما الرسائل العلمية فقد كتب في بعض جوانب القصة حسب معلوماتي البسيطة
والآن الإتجاه يدور حول كتابة قصة موسى عليه السلام في جوانب معينة كدراسات مقارنة بين القرآن الكريم والتوراة فقد كتبت رسالة علمية تحت عنوان ( قصة موسى عليه السلام مع فرعون بين القرآن والتوراة دراسة مقارنة )
وهناك صديق كتب تحت عنوان قصة لوط عليه السلام بين القرآن والتوراة
وهناك فكرة مطروحة لمن اراد الكتابة تحت عنوان ( قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل بين القرآن والتوراة دراسة مقارنة ) وغيرها الكثير
بعد مراجعة التفاسير كنت اعتزم فتح موضوع لمناقشة هذه القضية لعدم وضوح المعنى بالصورة الشاملة ، ففضلت البحث أولا فيما قيل هنا في ذلك فوجدت هذا الموضوع
ولكني وجدت أن الاشكال على حاله ، ارفع هذا الموضوع مجددا لعلنا بمزيد من التدارس نعي المعاني ونفهمها بإذن الله والشكر موصول لصاحب الموضوع فضيلة الشيخ مساعد بارك الله فيه
ذكرالشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله بقوله عن اية الشعراء:{ وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 59 ] أي : أورثنا هذا النعيم من بعدهم لبني إسرائيل ، وهنا قد يسأل سائل : كيف وقد ترك بنو إسرائيل مصر وخرجوا منها ، ولم يأخذوا شيئاً من هذا النعيم؟
قالوا : المعنى أورثهم الله أرضاً مثلها ، قد وعدهم بها في الشام .
أفيعود بعض القوم ادراجهم الى ارض بعد ان اوغروا صدر من في مصر على فقد اهلهم غرقى في البحر
أفيرث القوم ماقال عنه الله عزوجل (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) فهو مدمر تماما
وماذا نقول عن اية الدخان({وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} والله لو اراد لذكر من اورثهم وحسب سياق سورة الدخان التي بدأها (ان اسر بعبادي) لذكر ان عباده هم الوارثين ..
الذي يؤيد هذا الرأي في اية الشعراء 59 كلمة (كذلك واورثناها)كلمة كذلك اي كما وصفت في الايات السابقة اي كمثل ذلك النعيم والجنات والعيون انعمنا بها على بني اسرائيل في الشام الارض المباركة
هنا لم يذكر أن فرعون سيغرق فلعل قوله تعالى (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) أي أخرجنا بني إسرائيل من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم قد أورثناها لهم من قبل في عهد يوسف عليه السلام ولم يذكر هنا إغراق فرعون وجنوده بل ذكر أنهم اتبعوهم ثم ذكر تتمة قصة موت فرعون قال تعالى( فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ{60} فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{62} فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ{63} وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ{64} وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ{65} ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ{66} فلو كان الوارثون هم بنو اسرائيل لذكر وراثتهم لمصر عقب غرق فرعون كما في الآية الأولى