}
وقد مررت على هذا الحوار مرور الكرام لكن استوقفني لمز أحد الإخوة للتحزب زاعما أنه ليس من السنة او ليس من صنيع السلف الصالح وهو وهم كثيرا ما ردده بعض الشيوخ سامحهم الله بوصفه ليس من السنة او ليس مما كان عليه السلف ، وهذا الوهم بسبب أن الأمة لم تنتج فقهاء بمستوى شيخ الإسلام والناس تسيء استخدام اللغة عن عمد وعن غير عمد.
فلا يجوز أن يُذم التحزب لذاته بل لنوع الدعوة وشعارها وأهدافها فلا يجوز أن تكون الأهداف غير شرعية وقد كان المسلمون في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حزبا واحدا وذم رسول اللهصل1 من خرج عن ذلك الحزب فنهى عن التبدي وعن أن يموت المرء ليس في عنقه بيعة.
والله تعالى شرع التجمع والتحزب على البر والتقوى داخل الجماعة المسلمة لأن الفضائل وهِمم المؤمنين تتفاوت فقال تعالى
((( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر))).
وبعض الإخوة ولا أرد بذلك على الروض الباسم في قراءة شعبة عن عاصم بل أقول بعض الإخوة يحيل إلى مفهوم السلف وينسى أن السلف الحق هم الصحابة حين كانوا حزبا واحدا تحت قيادة النبي صل1 ثم تحت قيادة أبي بكررضي الله عنه ثم تحت قيادة عمر بن الخطابرضي الله عنه ثم تحت قيادة عثمان رضي الله عنهثم تحت قيادة علي رضي الله عنهالذي لم يبايعه معاوية ومن تحت إمرته المباشرة من أهل الشام فانشقت الأمة واجتمعت من بعد على يد الحسن بن عليرضي الله عنهماإذ تنازل عن السلطة لجمع كلمة أمة جده صل1وشرط على معاوية أن يكون الامر شورى بين المسلمين من بعده لكن الأمة عادت وانشقت بسبب تولية معاوية لولده من بعده دون حق له في ذلك فخرج على قراره كل من الحسين بن عليرضي الله عنهماثم عبدالله بن الزبيررضي الله عنهما. فتشظت الأمة بعد ذلك. فكان الصالحون يتأثرون بأحداث عصرهم فمن السلف الصالح في تلك الفترة من أيد عبدالله بن الزبير ومنهم من كان مع بني أمية والناس في هرج.
فلا يجوز فقها أن يبحث المسلم عن قدوة له في عصر الاضطراب فيسميه السلف بل القدوة الحقة في عصر الوضوح والأمة متوحدة الراية والأهداف . فالسلف الحق هم الأمة في عصر التوحد. وإذا كان علماء قد اعتزلوا الفتن فاختيارهم واجتهادهم ليس ملزما لمن بعدهم ولا يجوز على الجم الغفير من العلماء اليوم أن يجعلوا من أقاويل الناس ومواقفهم في عصر الفتن دينا يجب أن يتبع!
وهذا موضوع كبير يحتاج تفكيرا متعمقا لا نقدر في هذه العجالة على الخوض فيه. لكن ما نقرره دينا واجتهادا أن لا يجوز النهي عن التحزب باسم السنة فالسنة هي حزب الله تعالى والبيعة لا تكون لدنيا بل لله أي على مرضاته ومبادئ دينه وأهدافه.
ومن حق المسلم أن لا يتحزب بذريعة خوفه من أن يُخدع أو أنه لا يجد من يثق به او يراه اهلا أو حتى لجبن فيه أو كسل. لكن ما ليس من حقه أن يوقّع عن الله تعالى في منع الناس أن يتحزبوا لنصرة حق.أو أن يزعم أن عدم التحزب من السنة ومعاذ الله
نعوذ بالله من الخذلان وعلى الله التكلان وبه المستعان
اذا قصدت الأحزاب والجماعات الإسلامية المنتشرة هذه الآيام فليس تعددها هو ما قصده شيخ الإسلام ولكن التحزب مذموم في القرآن والسنة وأثوال أهل العلم من الصحابة والتابعين .
التحزب الذي أراده شيخ الإسلام هو التحزب بمعنى التجمع لعمل مشروع ضم ضوابط الشرع لا خروجا عنها , والجماعة المتحزبة في ذلك الحزب لا تختلف عن غيرها إلا ببر تقوم به وتتخصص به وهو مما لا يختلف على صحته , وهذه الأمثلة التي ذكرها شيخ الإسلام .
وأستغرب أخي الكريم كيف جعلت زمن الفتن هو الذي تأخذ منه الحكم وبطريقة انتقائية دون عصر السمو والوحدة الذي أشرت بنفسك اليه , وتاركا كتاب الله وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم واتفاق السلف فيما بعد فقد ذكروا ذلك في اعتقاد أهل السنة .
أما الحزبية في هذه الأيام فليست حزبية على إقامة الشرع , بل كل حزب بما لديهم فرحون متنازعون يضلل بعضهم بعضا لا لمخالفة الكتاب والسنة وإنما لمجرد مخالفتهم لهم , فالتحزب الذي ذكره شيخ الإسلام لا يذم فاعلها من تاركها ولا العكس , أما تحزب اليوم فقد جاء فيه ذم ووعيد يغض أصحاب الأحزاب والمتحزبين عنهى الطرف ويدعون الناس لمبايعة أميرهم بحجة من مات وليس في عنقه بعية وهذا إنما يدلل عالى الهوى , والخذلان إنما يصيب من فارق الكتاب والسنة وإن زعم اتباعها مؤمنا ببعض الكتاب وكافرا ببعض كفعل بني اسرائيل .
{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}{وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ }{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
فالأحزاب تنظر لمن لا ينتمي اليها نظرة لا تصرح به ولكن كما قال ابو العتاهية :
إن القلوب إذا أخفت أسرارها ////أبدت لك الأسرار منها الأوجه
كنت في مقتبل العمر أصلي مع من أحبهم لا لشيء أكثر من صلاتي معهم وقرائتي معهم القران , ومع هذا كنت مقدما عندهم حتى عرضوا علي الدخول في حزبهم , فلما رفضت وجدت الوجوه تغيرت وكأني وقعت في فاحشة أمام أعين الناس , لم أبالي بهم لأن تصرفهم بين لي أنهم حقيقة على غير الحق , فقد ناقشتهم في بعض أعمالهم وقياداتهم ولم ينكروا منها شيئا بل دافعوا عن شخصيات معينة ولما إختلفوا معهم نشروا عيوابهم !!!وأصبح ما كانوا يرونه تحت باب الخلاف أصبح تحت باب الشقاق والنفاق !!!
بالطبع الشرع هو ما يدعي الكل اتباعه ولكن إذا قلت لبعضهم آية أو حديث فرد عليك بجدل لا يسمن ولا يغني من جوع فاعلن أنه من أهل البدع , والمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن ما فسق به الكثير من الناس في عصر السلف أصبح أقل ما يميز ألكثير من أصحاب الأحزاب .
الخلاصة أنظر لنفسك ونظرتك لمن خالفك وهل يتناسب حكمك عليه مع الشرع أم لما خالفك لأنه خالفك ؟ فإن كان للشرع فالحق أحق أن يتبع , وإن كان لوجهة نظر أو رأي فلا بد أن يعرض قولك وقوله على الشرع .
فمثلا ينقم أصحاب الأحزاب على الشيخ ناصر الدين الألباني في قوله :\
"
الدعوةُ السلفية هي تُحاربُ الحزبية بكلِّ أشكالِها وأنواعها، والسببُ واضحٌ جدًّا، الدعوة السلفية تنتمي إلى شخص معصوم وهو رسول الله .أمَّا الأحزابُ الأخرى فينتمون إلى أشخاصٍ غير معصومين، قد يكونون في أنفسهم صالحين، قد يكونون في ذواتهم من العلماء العاملين، ولكن أتباعهم ليسوا كذلك.
أخيراً وختاماً، فلان سلفي أو الجماعة الفلانية سلفية، لكنهم لا يعملون بالدعوة السلفية التي هي الكتاب والسنة والتمسك بما كان عليه السلف، وإلاَّ فهم خارجون عن الدعوة السلفية؛ والدليل الذي أختم به هذا الجواب هو قوله تبارك وتعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء 115].ولذلك فكلُّ الجماعات التي تدَّعي الانتسابَ إلى السلفِ، إذا لَم يعملوا بما كان عليه السلف، ومِن ذلك ما نحن بصددِه أنَّه لا يجوز تكفير الحُكَّام ولا الخروج عليهم، فإنَّما هي دعوى يدَّعونها."
فالتحزب الموجود الآن ليس له مثيل مما ذكرت لا في موضوع الحسين ولا عبد الله بن الزبير ولا معاوية رضي الله عنهم ولا حتى في قصة سعيد ابن جبير , وكل العلماء الذين كانوا مقربين من حكام أمويين أو عباسيين يحكم على فعلهم لا على قربهم وقصة الأوزاعي رحمه الله تعالى مع السفاح أشهر من أن تذكر .
فإن كان من يذم الحزبية بمعناها اللغوي على الإطلاق جاهلا فإن الحزب بمصطلحه السياسي يجعله مذموما لتعلق المعنى المخصوص بالمصطلح.
وأظن أن الموضوع يحتاج لتفصيل أكثر كما تفضلت وليته يفرد في حوار علمي .