من يُنذر من في قوله تعالى (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ )

شـاكـر

New member
إنضم
22 فبراير 2009
المشاركات
87
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) التوبة

من الذي يتفقه ويُنذر.. الفرقة القاعدة .. أم الفرقة النافرة ؟
 
{ 122 } { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .
يقول تعالى: -منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم- { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } أي: جميعا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهم المشقة بذلك، وتفوت به كثير من المصالح الأخرى، { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ } أي: من البلدان، والقبائل، والأفخاذ { طَائِفَةٌ } تحصل بها الكفاية والمقصود لكان أولى.
ثم نبه على أن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: { لِيَتَفَقَّهُوا } أي: القاعدون { فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ } أي. ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصا الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علما، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته وأجره، الذي ينمى له.
وأما اقتصار العالم على نفسه، وعدم دعوته إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ وأي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته أن يموت، فيموت علمه وثمرته، وهذا غاية الحرمان، لمن آتاه اللّه علما ومنحه فهما.
وفي هذه الآية أيضا دليل وإرشاد وتنبيه لطيف، لفائدة مهمة، وهي: أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها، لتقوم مصالحهم، وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم، ونهاية ما يقصدون قصدا واحدا، وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب، فالأعمال متباينة، والقصد واحد، وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الأمور.

(1/355)

تفسير السعدي
 
جزاك الله خيرا على هذا النقل من تفسير السعدي رحمه الله ، وهو أحد الأقوال في تفسير الآية.

لكن يقال .. !!
إن من البديهي : أن الفرقة النافرة لم تنفر أصلا .. إلا وقد تقدم الإنذار لها .. ولهذا نفرت في سبيل الله !!

وعلما بأن الآيات التي قبلها جاءت كتأنيب للقاعدين المتخلفين عن رسول الله .. ومدح للنافرين المجاهدين ووعد لهم بالجزاء بأحسن ما كانوا يعملون ..!!


مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)



؟؟!!
 
قال الإمام الطبري رحمه الله في التفسير:

"وقال آخرون منهم : بل معنى ذلك :
لتفقه الطائفةُ النافرة دون المتخلفة وتحذر النافرةُ المتخلفة .

ذكر من قال ذلك : 13559 -
حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن الحسن :
{ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين }
قال : ليتفقه الذين خرجوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين والنصرة , وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم .

وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال : تأويله .
وما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ,
وأن الله نهى بهذه الآية المؤمنين به أن يخرجوا في غزو وجهاد وغير ذلك من أمورهم ويدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيدا ,
ولكن عليهم إذا سرى رسول الله سرية أن ينفر معها من كل قبيلة من قبائل العرب وهي الفرقة. { طائفة } وذلك من الواحد إلى ما بلغ من العدد , كما قال الله جل ثناؤه : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } يقول : فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة !
وهذا إلى هاهنا على أحد الأقوال التي رويت عن ابن عباس , وهو قول الضحاك وقتادة .

وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب ,
لأن الله تعالى ذكره حظر التخلف خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به من أهل المدينة , مدينة الرسول , ومن الأعراب لغير عذر يعذرون به إذا خرج رسول الله لغزو وجهاد عدو قبل هذه الأمة بقوله : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } , 9 120
ثم عقب ذلك جل ثناؤه بقوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } فكان معلوما بذلك إذ كان قد عرفهم في الآية التي قبلها اللازم لهم من فرض النفر والمباح لهم من تركه في حال غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم وشخوصه عن مدينته لجهاد عدو , وأعلمهم أنه لا يسعهم التخلف خلافه إلا لعذر بعد استنهاضه بعضهم وتخليفه بعضهم أن يكون عقيب تعريفهم ذلك تعريفهم الواجب عليهم عند مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينته وإشخاص غيره عنها , كما كان الابتداء بتعريفهم الواجب عند شخوصه وتخليفه بعضهم .

وأما قوله :
{ ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } .

فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال :
ليتفقه الطائفة النافرة بما تعاين من نصر الله أهل دينه وأصحاب رسوله على أهل عداوته والكفر به , فيفقه بذلك من معاينته حقيقة علم أمر الإسلام وظهوره على الأديان من لم يكن فقهه , ولينذروا قومهم فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس الله مثل الذي نزل بمن شاهدوا وعاينوا ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم .

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب ,
وهو قول الحسن البصري الذي رويناه عنه ; لأن النفر(النفير) قد بينا فيما مضى أنه إذا كان مطلقا بغير صلة بشيء أن الأغلب من استعمال العرب إياه في الجهاد والغزو فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه , وكان جل ثناؤه قال : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } علم أن قوله : " ليتفقهوا " إنما هو شرط للنفر لا لغيره , إذ كان يليه دون غيره من الكلام .



فإن قال قائل :
وما تنكر أن يكون معناه : ليتفقه المتخلفون في الدين ؟
قيل :
ننكر ذلك لاستحالته ; وذلك أن نفر الطائفة النافرة لو كان سببا لتفقه المتخلفة , وجب أن يكون مقامها معهم سببا لجهلهم وترك النفقة ;
وقد علمنا أن مقامهم لو أقاموا ولم ينفروا لم يكن سببا لمنعهم من التفقه .

وبعد , فإنه قال جل ثناؤه : { ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } عطفا به على قوله : { ليتفقهوا في الدين }
ولا شك أن الطائفة النافرة لم ينفروا إلا والإنذار قد تقدم من الله إليها , وللإنذار وخوف الوعيد نفرت , فما وجه إنذار الطائفة المتخلفة الطائفة النافرة وقد تساوتا في المعرفة بإنذار الله إياهما ؟
ولو كانت إحداهما جائز أن توصف بإنذار الأخرى , لكان أحقهما بأن يوصف به الطائفة النافرة , لأنها قد عاينت من قدرة الله ونصرة المؤمنين على أهل الكفر به ما لم تعاين المقيمة , ولكن ذلك إن شاء الله كما قلنا من أنها تنذر من حيها وقبيلتها ومن لم يؤمن بالله إذا رجعت إليه أن ينزل به ما أنزل بمن عاينته ممن أظفر الله به المؤمنين من نظرائه من أهل الشرك ." اه


.
 
وقال صاحب الظلال رحمه الله في تفسير نفس الآية:

(وما كان المؤمنون لينفروا كافة , فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة , ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). .


ولقد وردت روايات متعددة في تفسير هذه الآية ,
وتحديد الفرقة التي تتفقه في الدين وتنذر قومها إذا رجعت إليهم . .

والذي يستقيم عندنا في تفسير الآية:

أن المؤمنين لا ينفرون كافة .
ولكن تنفر من كل فرقة منهم طائفة - على التناوب بين من ينفرون ومن يبقون -
لتتفقه هذه الطائفة في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة ;
وتنذر الباقين من قومها إذا رجعت إليهم ,
بما رأته وما فقهته من هذا الدين في أثناء الجهاد والحركة . .


والوجه في هذا الذي ذهبنا إليه
- وله أصل من تأويل ابن عباس - رضي اللّه عنهما -
ومن تفسير الحسن البصري , واختيار ابن جرير , وقول لابن كثير
- أن هذا الدين منهج حركي , لا يفقهه إلا من يتحرك به ;
فالذين يخرجون للجهاد به هم أولى الناس بفقهه ;
بما يتكشف لهم من أسراره ومعانيه ;
وبما يتجلى لهم من آياته وتطبيقاته العملية في أثناء الحركة به .

أما الذين يقعدون فهم الذين يحتاجون أن يتلقوا ممن تحركوا ,
لأنهم لم يشاهدوا ما شاهد الذين خرجوا ; ولا فقهوا فقههم ;
ولا وصلوا من أسرار هذا الدين إلى ما وصل إليه المتحركون
وبخاصة إذا كان الخروج مع رسول اللّه - [ صلى الله عليه وسلم ] -
والخروج بصفة عامة أدنى إلى الفهم والتفقه .



ولعل هذا عكس ما يتبادر إلى الذهن ,
من أن المتخلفين عن الغزو والجهاد والحركة ,
هم الذين يتفرغون للتفقه في الدين !

ولكن هذا وهم , لا يتفق مع طبيعة هذا الدين . .
إن الحركة هي قوام هذا الدين ; ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به ,
ويجاهدون لتقريره في واقع الناس , وتغليبه على الجاهلية , بالحركة العملية .


والتجارب تجزم بأن الذين لا يندمجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه ;
مهما تفرغوا لدراسته في الكتب - دراسة باردة ! -
وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس ;
ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق !


إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلا في أرض الحركة .
ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة .

والذين يعكفون على الكتب والأوراق في هذا الزمان
لكي يستنبطوا منها أحكاماً فقهية "يجددون" بها الفقه الإسلامي
أو "يطورونه" - كما يقول المستشرقون من الصليبيين ! -
وهم بعيدون عن الحركة التي تستهدف تحرير الناس من العبودية للعباد ,
وردهم إلى العبودية للّه وحده , بتحكيم شريعة اللّه وحدها وطرد شرائع الطواغيت . .
هؤلاء لا يفقهون طبيعة هذا الدين ;
ومن ثم لا يحسنون صياغة فقه هذا الدين !


إن الفقه الإسلامي وليد الحركة الإسلامية . .
فقد وجد الدين أولاً ثم وجد الفقه . وليس العكس هو الصحيح . .

وجدت الدينونة للّه وحده , ووجد المجتمع الذي قرر أن تكون الدينونة فيه للّه وحده . .
والذي نبذ شرائع الجاهلية وعاداتها وتقاليدها ;
والذي رفض أن تكون شرائع البشر هي التي تحكم أي جانب من جوانب الحياة فيه . .
ثم أخذ هذا المجتمع يزاول الحياة فعلاً وفق المبادئ الكلية في الشريعة
- إلى جانب الأحكام الفرعية التي وردت في أصل الشريعة -
وفي أثناء مزاولته للحياة الفعلية في ظل الدينونة للّه وحده ,
واستيحاء شريعته وحدها , تحقيقاً لهذه الدينونة , جدت له أقضية فرعية بتجدد الحالات الواقعية في حياته . .
وهنا فقط بدأ استنباط الأحكام الفقهية , وبدأ نمو الفقه الإسلامي . .

الحركة بهذا الدين هي التي أنشأت ذلك الفقه ,
والحركة بهذا الدين هي التي حققت نموه .
ولم يكن قط فقها مستنبطاً من الأوراق الباردة ,
بعيداً عن حرارة الحياة الواقعة ! . .

من أجل ذلك كان الفقهاء متفقهين في الدين ,
يجيء فقههم للدين من تحركهم به ,
ومن تحركه مع الحياة الواقعة لمجتمع مسلم حي ,
يعيش بهذا الدين , ويجاهد في سبيله ,
ويتعامل بهذا الفقه الناشئ بسبب حركة الحياة الواقعة .

(في ظلال القرآن)
 
وبكم بارك الله أخانا الفاضل عمرو
وجزاك خير الجزاء
 
عودة
أعلى