من وحي رمضان : أدب القارئ

إنضم
6 سبتمبر 2005
المشاركات
960
مستوى التفاعل
18
النقاط
18
الإقامة
القصيم، بريدة.
أدب القارئ

ينبغي أن يكون حملةُ القرآن خيرَ الناس ديناً وعلما وأدبا وسلوكاً. فيلتزموا بالفرائض والواجبات، ويحافظواً على المندوبات، ويجتنبوا المحرمات، ويبتعدوا عن المكروهات بقدر الطاقة، سواء ما كان من ذلك بالقول أو الفعل، ظاهراً وباطناً، حتى يكونوا أهل القرآن حقاً، الذين هم أهل الله وخاصته.
وبالعمل بالقرآن والتأدب بآدابه يتحقق الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: [FONT=QCF_BSML]([/FONT] وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))
إن التلاوة الحقَّيقية للقرآن هي اتباعه والعمل به، كما قال الله تعالى: (( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ [FONT=QCF_BSML])[/FONT]، قال ابن عباسt: "يتبعونه حق اتباعه" وعن مجاهد: "يعملون به حق عمله"، وعن ابن مسعود: "والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه ،ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله".
وقد وردت بعض فضائل القرآن مقيدةً بشرط العمل به، كما في حديث النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ t قال: سمِعتُ رسول اللَّهِ r يقول: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تَقْدُمُه سورة البقرة وآل عمران، تحاجّان عن صاحبهما"أخرجه مسلم.
إن الإنسان إذا لم يعمل بالقرآن ويتبعه لا يحرم أجره فحسب، بل يكون حجةً عليه يوم القيامة، كما قالr : "والقرآن حجة لك أو عليك"أخرجه مسلم.

فينبغي لحامل القرآن أن يظهر أثرُ هذا الكتاب العظيم الذي شرّفه الله بحمله، على عبادته وسلوكه وأخلاقه، في مظهره ومخبره وسره وعلانيته.

قال ابن مسعود t: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون".
وعن الفضيل بن عياض قال: "حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو".
وعن الحسن البصري أنه قال: "إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار".
يقول الآجري بعد روايته لبعض الأخبار في هذا الباب: "هذه الأخبار كلها تدل على ما تقدَّم ذِكْرُنا له من أن أهل القرآن ينبغي أن تكون أخلاقهم مباينة لأخلاق من سواهم، ممن لم يعلم كعلمهم، إذا نزلت بهم الشدائد لجؤوا إلى الله فيها، ولم يلجؤوا فيها إلى مخلوق، وكان الله أسبق إلى قلوبهم، وقد تأدبوا بأدب القرآن والسنة، فهم أعلام يقتدى بفعالهم؛ لأنهم خاصة الله وأهله، وأولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون".
إن مجرد الاقتصار على قراءة القرآن دون تدبر وتفكر واتباع وعمل، لا يكفي ولا يشفي كما تقدم، ولذلك عاب السلف على من يفعل ذلك.
قال الفضيل: ""أُنزل القرآن ليُعمل به ؛ فاتخذ الناس قراءته عملاً".
وقال الحسن: " إن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه، وإن لم يكن يقرؤه".
وقال القرطبي: "فما أحق من علم كتاب الله ان يزدجر بنواهيه، ويتذكر ما شرح له فيه، ويخشى الله ويتقيه ويراقبه ويستحييه".
والآثار في هذا الباب عن السلف ومن بعدهم كثيرة، ويمكن مراجعتها في كتب فضائل القرآن، وأخلاق حملة القرآن، وكتب تراجم الأعلام، وغيرها.
فعلى صاحب القرآن أن يجاهد نفسه على التحلي بمعالي الآداب ومحاسن الأخلاق من الصبر، والحلم، والرفق، والكرم والحياء والتواضع، والشجاعة، والعدل والإحسان، وقضاء الحوائج، وغض البصر، وكف الأذى، والأمانة والصدق والرحمة، والوفاء بالوعد، وطلاقة الوجه، وطيب الكلام، وحسن الاستماع، وحسن الظن، وتوقير الكبير، وإجابةُ الدعوة، والإصلاح بين الناس، وعلو الهمة، والإيثار، والهدية وقبولهُا، وجبرُ الخواطر،ومراعاة المشاعر وغيرها؛ لما في ذلك من الأجر العظيم، والخير العميم، في الدنيا والآخرة.
وإذا كان الإنسان مأموراً بحسن الخلق مع الناس عموماً فإن أولى الناس بذلك منه والداه وأهله؛ فقد قال t: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
والملاحظ على بعض الشباب أنهم مع شيخهم وزملائهم من أحسن الناس خلقاً وأكرمهم معشراً، لكنهم إذا دخلوا البيت خلعوا ذلك الثوب الطيب الجميل - ثوب الأخلاق الحسنة – وتدثَّروا بثوب آخر سيء غليظ، وهذا ولا يليق أبدا، فأثر القرآن وهديه يجب أن يعرفه ويغتبط به أهلُ القارئ قبل الناس.
إن تربية متعلمي القرآن الكريم على التأدب بآدابه وتعظيم حدوده والعمل به واجب كبير، وأمانة عظيمة، فعلى القائمين على مؤسسات تعليم القرآن الكريم أن تُعنى بهذا الموضوع الكبير، وألا تكتفي بتلقين الطلاب حروف القرآن فحسب، وتغفل عمَّا هو أهم من ذلك وهو العمل به والتخلّق بأخلاقه.
يقول أبو شامَة المقدسي : "لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز همَّةُ إلا قوة حفظه، وسرعة سرده، وتحرير النطق بألفاظه، والبحث عن مخارج حروفه، والرغبة في حسن الصوت به.
وكل ذلك وإن كان حسناً ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم وأولى وأحرى، وهو فهم معانيه، والتفكر فيه، والعمل بمقتضاه، والوقوف عند حدوده، وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته".
وفق الله الجميع للعمل بكتابه الكريم، والتخلُّق بأخلاقه، إنه قريب مجيب.
 
بارك الله لكم دكتور إبراهيم
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين يتدبرون آياته ويتخلقون بأخلاقه .
 
عودة
أعلى