من ضوابط التفسير:الإلمام بعادات العرب في الجاهلية

إنضم
12/04/2003
المشاركات
6
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الرياض
الحلقة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه،وعلى آله وصحبه ومن والاه،وبعد:
فقبل الشروع في بيان هذا الضابط أجد من الأهمية بمكان أن أقدم بمقدمتين مرتبطتين به.
الأولى: تعريف العادات في اللغة والاصطلاح

أمَّا في اللغة فيقول ابن فارس:" العين والواو والدال أصلان صحيحان يدلُّ أحدهما:على تثنيةٍ في الأمر ،والآخر جنس من الخشب ...والعادة:الدُّربة والتمادي في شيء حتى يصير له سجية، ويقال للمواظب على الشيء :المعاود" (1)
وقال الراغب :" العَوْدُ:الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إما انصرافاً بالذات،أو بالقول والعزيمة قال تعالى { ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون } [ المؤمنون:107] ...والعادة اسم لتكرير الفعل والانفعال ،حتى يصير ذلك سهلاً تعاطيه كالطبع ، ولذلك قيل:العادة طبيعة ثانية" (2).
وقال ابن منظور :" العادة الديدن يعاد إليه" (3).
وأمّا في الاصطلاح فيقول الجرجاني :" العادة: ما استمر الناس عليه على حكم المعقول،وعادوا إليه مرَّة بعد أخرى " (4).
وأوضح منه من عرَّفها بـ"السلوك المتكرر الذي تمارسه جماعة من الناس" (5).
الثانية:تعريف الجاهلية في اللغة والاصطلاح

في اللغة:الجَهل :ضدُّ العلم ،وقد جَهِلَ من باب فهِمَ وسَلِمَ،وتجاهَلَ أرى من نفسه ذلك وليس به(أي الجهل).واستجهله:عدَّه جاهلاً،واستخفه أيضاً،والتجهيل:النِّسبة إلى جهل "(6).
وفي الاصطلاح:"الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام ، من الجهل بالله ورسوله،وشرائع الدين،والمفاخرة بالأنساب ،والكْبر،والتجبر،وغير ذلك"(7) .
وقيل هي "الحالة المخالفة لما أراد الله التي كان عليها الناس قبل مجيء الهدى لهم"(8)
فتبين مما سبق أن المقصود بعادات العرب في الجاهلية ما كانت تفعله جماعة من الناس باستمرار وتكرر من غير نكير،سواء كان لعقيدة أو خلق أو معاملة،وسواء وافقه الإسلام أو عارضه، وسيتضح ذلك ـ إنشاء الله ـ من خلال الأمثلة.
يتبع الحلقة الثانية ـ بإذن الله ـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم مقاييس اللغة ؛لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ،المتوفى سنة 395هـ (4/181) مادة (عَوَدَ)تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون ،دار الجيل،بيروت ـ لبنان.
(2) مفردات ألفاظ القرآن ؛ تأليف العلامة (الراغب) الحسين بن محمد الأصفهاني ،(ص:593) مادة (عَوَدَ) تحقيق صفوان عدنان داوودي ، الطبعة الثانية 1418هـ = 1997م ،دار القلم بدمشق،والدار الشامية ببيروت.
(3) لسان العرب ؛لمحمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، المتوفى سنة 711هـ ،(9/459) مادة ( عَوَدَ)الطبعة الأولى ، دار صادر،بيروت ـ لبنان.
(4) التعريفات ؛ لعلي بن محمد بن علي ،السَّيِّد الزين ،أبو الحسن الحسيني الجرجاني الحنفي ،المتوفى سنة 826هـ ،(ص:104) الطبعة الأولى 1418هـ =1997م،دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.
(5) عادات أهل الجاهلية ـ دراسة موضوعية في ضوء القرآن الكريم ـ ( رسالة ماجستير بكلية أصول الدين بالرياض ـ قسم القرآن وعلومه) إعداد ناصر بن محمد بن عبد الله الماجد ( ص:14).
(6) مختار الصحاح ؛ لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ،المتوفى سنة 721هـ (1/49) مادة ( جَهِلَ) تحقيق محمود خاطر ، الطبعة الأولى 1415هـ =1995م ، مكتبة لبنان ،بيروت ـ لبنان.
(7) النهاية في غريب الحديث والأثر ؛ للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، ابن الأثير،المتوفى سنة 606هـ (1/323) مادة ( جَهِلَ ) تحقيق طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي،دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.؛اللسان (11/130) مادة ( جَهِلَ).
(8) عقائد أهل الجاهلية في ضوء القرآن الكريم وموقفه منها ، ( رسالة ماجستير بكلية أصول الدين بالرياض ـ قسم القرآن وعلومه) إعداد نهلة بنت محمد الناصر ( ص: 17).
 
الحلقة الثانية:
أهمية الإلمام بعادات الجاهلية قبل الإسلام

من الأهمية بمكان لكل مسلم معرفة ما كان عليه أهل الجاهلية في جميع أمورهم
إدراكاً لنعمة الله بهذا الدين ،وحذراً فيما نهى عنه الشرع القويم.
يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ :" إنما تنقض عرى الإسلام عروةً عروةً إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " (1)
وهذه المعرفة تزداد أهميتها بالنسبة للمفسِّر ؛إذ عليه أن يكون ملمَّاً بعادات العرب في الجاهلية،مطلعاً على أقوالهم،متعرفاً على أفعالهم ،واقفاً على حياتهم الاجتماعية وأيامهم وحروبهم وتاريخهم وأديانهم.
ذلك لأننا نجد في الكتاب الكريم آيات تتعرض إلى بعض أمورهم ،فإذا لم يكن المفسر عارفاً بأحوالهم حالة التنزيل لم يستطع أن يفهم معاني الآيات ولا أن يتذوقها ولا أن ينفذ إلى مغازيها .ولم يدرك الأثر العظيم الذي حققه كتاب الله في تغيير حياة العرب ،وإبطال الفاسد من عاداتهم (2).
ويؤكد هذه الأهمية الإمام الشاطبي ـ في معرض حديثه عن معرفة أسباب النزول ـ فيقول: " معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل،وإن لم يكن ثمَّ سبب خاص لابد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه،وإلا وقع في الشبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة" (3).
إضافة إلى ما ذكر فإن معرفة عادات العرب وأحوالهم عند نزول القرآن من مرجحات دفع التعارض بين النصوص.
قال الزركشي :"( في مرجحات التعارض ) الثاني:أن يكون أحد الحكمين على غالب أحوال أهل مكة ،والآخر على غالب أحوال أهل المدينة فيقدم الحكم بالخبر الذي فيه أحوال أهل المدينة كقوله تعالى { ومن دخله كان آمناً } [ آل عمران:97] مع قوله: { ولكم في القصاص حياة } [ البقرة:178] " (4).
فحكم أهل مكة سلامة القاتل إذا دخل حرم مكة تعظيماً لأمر الحرم،أما بعد نزول آية القصاص المدنية فيقتل القاتل ولو تعلق بأستار الكعبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم أقف على تخريجٍ لهذا الأثر في مظانه الحديثية،وهو في: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي؛للإمام شمس الدين أبي عبدالله محمد ابن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية،المتوفى سنة 751هـ (ص:215) الطبعة الثالثة 1422هـ = 2001م،تحقيق بشير محمد عون،مكتبة دار البيان ،دمشق ـ سوريا؛ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين؛ للإمام شمس الدين أبي عبدالله محمد ابن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية،المتوفى سنة 751هـ (1/263) الطبعة الأولى 1419هـ = 1999م ، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت ـ لبنان؛ مفتاح السعادة ؛لابن القيم(1/295).
(2) انظر : بحوث في أصول التفسير؛للدكتور محمد بن لطفي الصباغ (ص:187) الطبعة الأولى 1408هـ = 1988 م،المكتب الإسلامي ، بيروت ـ لبنان.؛تفسير القرآن الكريم أصوله وضوابطه ؛للدكتور علي بن سليمان العبيد ( ص:97) الطبعة الأولى 1418هـ = 1998م،مكتبة التوبة،الرياض ـ المملكة العربية السعودية.
(3) الموافقات في أصول الشريعة ؛للإمام الفقيه إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي،أبو إسحاق الشاطبي،المتوفى سنة 790هـ ( ص: 629) الطبعة الأولى 1424هـ =2002م، تحقيق محمد الإسكندراني وعدنان درويش،دار الكتاب العربي،بيروت ـ لبنان.
(4) البرهان في علوم القرآن ؛للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي،المتوفى سنة 794هـ (2/48)الطبعة الأولى 1419هـ =1998م،تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،المكتبة العصرية ،صيدا ـ بيروت.
 
عودة
أعلى