من صور تعسُّف القرَّاء المتعلِّقِ بباب الوقف والابتداء

إنضم
25/01/2013
المشاركات
94
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
من صور تعسُّف القرَّاء المتعلِّقِ بباب الوقف والابتداء [1]

1- الوقف التعسفي، الابتداء التعسفي:
الوقفُ التعسُّفيُّ يُقصد به: الوقفُ الاختياريُّ غير الاضطراريِّ على ما لا يحسنُ عليه الوقف، بغرضِ إيصال معنًى بعيدٍ أو تعضيدِ وجهٍ تفسيريٍّ لا يُساعِد عليه نظم الآية.
والابتداء التعسُّفيُّ: هو الابتداء بما لا يحسن الابتداء به، بغرض إيصال معنىً بعيد أو تعضيد وجه تفسيريٍّ لا يُساعد عليه نظم الآية.
ومن خلال هذا التعريف يمكن القول بأنَّ هناك شرطين لِيقالَ: إنَّ هذا وقفٌ أو استئنافٌ تعسُّفيٌّ:
الأول: أن يكون المعنى الحاصل من هذا الوقف أو الاستئناف معنًى قام الدليل التفسيريُّ أو اللغويُّ على أنَّه غير مقصود.
الثاني: أن يتعمَّد القارئُ الوقفَ أو الاستئنافَ لإيصال هذا المعنى غير المقصود.
فلو وقف القارئُ وقفًا اضطراريًّا لا يُعدُّ متعسِّفًا، ولو وقف اتفاقًا دون قصد منه لهذا المعنى يُعدُّ مُسيئًا بالمعنى الصناعيِّ – لا بالمعنى الشرعيِّ- ولكنه لا يُعدُّ مُتعسِّفًا.
وقد تعمَّدتُ الكلام عن هاتين الصورتين مجتمعتين ؛ إذ إنَّه من المقرر عند علماء الوقف والابتداء أن الكلام على الوقف – غالبًا- ينسحب ضمنًا على الابتداء. نعم ليست هذه المقولة قاعدةً مُطَّردةً، إذ يختصُّ كلٌّ من البابين ببعض المسائل، ولكنَّ شدة ارتباط البابين ببعضهما جعل المصنِّفين في الوقف والابتداء يتتبعون الوقوف في القرآن الكريم مبينين درجةَ كلٍّ منها، ولا يفعلون ذلك في الابتداء إلا إجمالًا. ويغلب أن يكون بعد الوقف المقبول – بأي درجة من درجاته – استئنافٌ مقبولٌ بالدرجة نفسها، إلا في حالة الوقف الحسن على الاصطلاح المستقرّ الآن، فالاستئناف بما بعده – في الغالب – غير مُستحسَن.
وقياسًا على ذلك؛ فإنَّ المتبادر إلى الذهن أن يكون الوقفُ التعسفيُّ مصاحبًا له استئنافٌ أو ابتداءٌ تعسفيٌ. ولكن بإمعان النظر نجد الأمر لا يطَّرِد؛ فقد يكون المعنى المتعسَّفُ المتوهَّمُ فيما وقف عليه القارئ، مع كَون الاستئنافِ صحيحًا. وقد يكون المعنى المتعسَّف فيما استأنف به؛ مع كون الموقوف عليه لا تعسُّفَ فيه. وقد يجتمع الأمران فيكون الوقفُ متعسَّفًا، ويكون الاسئناف – كذلك- متعسَّفًا.
وإنما لم ُيشر كثيرٌ من المصنِّفين لذلك – رغم وضوح هذه الحقيقة لديهم لأنهم درجوا على الكلام على القضية باعتبارها شيئًا واحدًا، وعملية واحدة. والمتعسِّفُ في استئنافه لم يقف قبله إلا ليمهِّد له، فكان الوقف نفسه تعسُّفيًّا بهذا الاعتبار؛ لأنه ذريعةٌ إلى استئناف مُتعسَّف.
وإليكَ مثالًا؛ فالذي يقرأ قوله: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنيَّ لا تُشرك بالله) [ لقمان:13]، فيقف على لفظ (تُشركْ) فوقفه صحيحٌ، وأفاد معنًى مفهومًا لا غبار عليه، إذ غايته أنَّ لقمان ينهى ابنه عن الشرك، وهو مفهومٌ وإن لم يُصرَّحْ بالجارِّ والمجرور، ولكنَّك ترى العلماء يضربون هذا الموضع مثلًا عند كلامهم على الوقف التعسفيّ، لأنَّ القارئ ما وقف ها هنا إلا ليأتي بالاستئناف الذي يجعلُ فيه الجار والمجرور (بالله) قسمًا، لا متعلّقًا بـ( تشرك)، فيقول: بالله لا تشرك. فهو ما وَقَفَ إلا ليستأنفَ هكذا؛ فصار الوقفُ تعسُّفيًّا من هذه الجهة.
ومن أمثلة أن يكون الوقف والاستئناف كلاهما تعسُّفيًّا: أن يقرأ القارئ فيقول: (وارحمنا أنت) ثم يقطع عليها، ثم يستأنف فيقول: (مولانا فانصرنا)..
وكذا ما يذهب إليه البعض في قوله تعالى: (عينًا فيها تسمى سلسبيلًا) [الإنسان:18]؛ إذ يقف على لفظ (تُسمَّى) ثم يستأنف: (سلسبيلًا)، مُعتبرًا إيَّاها كلمتين: سل سبيلًا. قاصِدًا بِزعمه: اطلب طريقًا أيَّها السالك تُوصِّلك إليها، وهي طريق الهدى والاستقامة. ولا يخفى ما في هذا التأويل من تعسُّفٍ.
ومن أمثلة الابتداء التعسفيِّ مع كون الوقف غير متعسف أن يقرأ القارئ قوله تعالى: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) [غافر:16] فيقف على (اليوم) ثمَّ يستأنف هكذا: (الملك اليوم لله) ، فتصير الجملتان هكذا: «لمنِ الملك اليوم؟ الملك اليوم لله الواحد القهار». وقد سمعنا مَن يقرأ كذلك من مشاهير القرَّاء. والمتدبِّر في هذا الوقف يجده لا غبار عليه، وهو كافٍ؛ إذ هو تمام السؤال. أما الابتداءُ بهذه الطريقة: فقد أضاف القارئُ لكتاب الله ما ليس منه فكأنَّه يضع في كتاب الله من عند نفسه كلمتي (الملك اليوم) وهو ما يُنزَّه عنه كلام الله. ومقتضى البلاغة حذف المبتدأ في الإجابة، وهو ما جاء به القرآن. أما ذكرها في صدر الإجابة فضعيفٌ بلاغيًّا؛ فضلًا عن كَونه تَقوُّلًا على الله يُعذَرُ فيه القارئ المقلِّدُ الجاهِلُ بجهله، ويُلامُ فيه العالم وطالبُ العلم.
ومثال ما سَبَق سمعناه من بعض القرَّاء في قول الله : (وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة) [المدثر:56]، فيقف على كلمة (الله)، ثم يستأنف بها أيضًا؛ هكذا: (الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة).
وأشدُّ خطرًا من المثالين السابقين أن يقرأ القارئ قوله تعالى: (وقالت امرأت فرعون قرَّت عين لي ولك لا تقتلوه) [القصص:9] فيَصِلُ قائلًا: (قرت عين لي، ولك لا) يقصد أنَّها تقول لفرعون: هذا الرضيع قرَّت عينٍ لي دونَكَ. ثمَّ يستأنف: (لا تقتلوه). والمدقِّق يرى جليًّا أنَّ القارئ قد زاد في كلام الله لفظة (لا). وقد يُغتفر في المثالين السابقين ما لا يُغتفر في هذا المثال؛ إذ هو تحريفٌ صريحٌ للكَلِمِ عن مواضعهِ، وقاصدُه والـمُغترُّ به كلاهما على خطرٍ عظيمٍ.
وقد جمع ابن الجزري كثيرًا من أمثلة هذا الباب فقال:« ليس كل ما يتعسفه بعضُ المعربين أو يتكلفه بعض القراء أو يتأوله بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفًا وابتداءً ينبغي أن يعتمد الوقف عليه بل ينبغي تحري المعنى الآثم والوقف الأوجه. وذلك نحو الوقف على (وارحمنا أنت) والابتداء (مولانا فانصرنا)؛ على معنى النداء، ونحو (ثم جاؤك يحلفون) ثم الابتداء (بالله إن أردنا)، ونحو: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك) ثم الابتداء (بالله إن الشرك...) على معنى القسم، ونحو: (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح) ويبتدئ: (عليه أن يطوف بهما)، ونحو (فاتقمنا من الذين أجرموا وكان حقًّا) ثم يبتدئ: (علينا نصر المؤمنين)، بمعنى واجب أو لازم، ونحو الوقف على (وهو الله) والابتداء (في السموات وفي الأرض) وأشدُّ قبحًا من ذلك الوقف على (في السموات) والابتداء (وفي الأرض يعلم سركم)، ونحو الوقف على (ما كان لهم الخيرة) مع وصله بقوله (ويختار): على أن (ما) موصولة. ومن ذلك قول بعضهم في (عيناً فيها تسمى سلسبيلًا) أن الوقف على (تسمى) أي عيناً مسماة معروفة. والابتداء (سل سبيلا) هذه جملة أمرية أي اسأل طريقًا موصلة إليها، وهذا مع ما فيه من التحريف يبطله إجماع المصاحف على أنه كلمة واحدة، ومن ذلك الوقف على (لا ريب) والابتداء (فيه هدى للمتقين) وهذا يرده قوله تعالى في سورة السجدة (لا ريب فيه من رب العالمين) ومن ذلك تعسف بعضهم إذ وقف على (وما تشاؤن إلا أن يشاء) ويبتدئ (الله رب العالمين) ويبقي "يشاء" بغير فاعل فإن ذلك وما أشبهه تمحل وتحريف للكلم عن مواضعه يعرف أكثره بالسباق والسياق»[2].
2- الوصل التعسفي:
وصورته أن يصل القارئ مختارًا لا مُعلِّمًا ولا ممتحَنًا؛ ليس إلا للإتيان بمعنى فاسدٍ أو ضعيف.
وقد قَيَّدنا الوصل بحالة الاختيار، مع كَوْنِ الاضطرار لا يتوجَّه في الوصل، فإن الواقف قد يقف مُضطرًا لعارض انقطاع نَفَسٍ، أو عطاس أو سعال أو نحو ذلك، أمَّا الواصل فلا يُتخيَّلُ أن يعرض له ما يضطره للوصل، ولكنَّ التقييد هنا جاء لإخراج حالتين يمكن فيهما أن يكون القارئ معلِّمًا أو ممتحَنًا (بفتح الحاء)، فالمعلِّم له أن يصلَ ما تمَّ عليه الوقفُ ليُعلِّم طالبه كيف يصلُه، والممتحَنُ يصلُ ليُظهرَ مدى فهمه لكيفية وصل هذا الموضع.
ومن أشهر الأمثلة على هذا النوع من التعسُّف وصل قوله: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) بقوله: (ما كان لهم الخيرة) [القصص:68]، جاعلًا (ما) موصولة لا نافية، ويُوقِع عليها الفعل (ويختار).والصوابُ أنَّ (ما) نافيةٌ لنفيِ اختيار الخلق لا الحقِّ[3].
ومن التعسُّف في الوصل ما هو مشهورٌ من فِعل بعض القرَّاء بوصل آخر سورة القمر بأوَّل سورة الرحمن بدون بسملةٍ، لا يفعل ذلك إلا ليتسنَّى له أن يومئ إلى أنَّ المليك المقتدر هو الرحمن! وفي هذا مجازفةٌ من وُجوهٍ: الأوَّل: أنَّ الأصل أنَّهما سورتان منفصلتان، وكلُّ سورةٍ وَحْدةٌ مُستقِّلةٌ فلا يستقيمُ عقلًا أن تُعلَّق آيةٌ بدون تمامٍ ثمَّ يأتي التمام في آية آخرى في السورة التالية. والثاني: أنَّ سياق الكلام لا يُساعدُ عليه بدون تقدير محذوفٍ بدليل أنَّ لفظَتَيْ (مليكٍ مقتدرٍ) مجرورة، ولفظة (الرحمنُ) مرفوعة، وهي مبتدأ وخبرها (علَّم القرآن). الثالث: أنَّ الـمُتعيَّنَ على القارئ لحفص عن عاصمٍ الإتيان بالبسملة بين السورتين، وإنَّما الوصل بدون البسملة جائزٌ على قراءة البعضِ، وقد فصَّل الأئمة مذاهب القرَّاء في تلك المسألة [4].
والخلاصةُ أنَّ القارئ لحفصٍ ليس له أن يَصل بين السورتين بدون بسملةٍ إلا بين الأنفال وبراءة، وقد يُقال هنا: ما دام ذلك جائزًا على بعض الرواياتِ الأخرى غير حفص، أو في بعض القراءات غير قراءة عاصمٍ؛ فلا حرجَ فيه. فما على الفاعلِ إن كان الكلُّ قرآنًا ثابتًا بالتواترِ؛ سواءً على قراءة عاصمٍ أو غيره؟
والجواب: أنَّ العلماءَ بحثوا تلك المسألة، وهي معروفة في اصطلاحهم بتركيب القراءات أو التلفيق، وهل هذا جائزٌ أم لا، واختلفوا على أقوالٍ فمنهم من منعها مُطلقًا، ومنهم من فرَّق بين مقام الرواية ومقام التلاوة، وفيه تفصيل ليس هذا محلَّ بسطه [5]، ولكن اعتراضنا على هذا الوصل المذكور له أسبابٌ أخرى كما أوضحنا.
وهناك صورة أخرى حقيقةٌ بأن تُعتبَر من الوصل التعسفي، وهي ما يفعله بعض المقرئين من المبالغة في الإتيان بمقاطعَ طويلةٍ قد تصل إلى عدة أسطرٍ، وقد تبدأ من خواتيم سورةٍ وتنتهي بفواتح سورة أخرى؛ لا يفعلون ذلك إلا بغرض أن يقال عنهم ويشار إليهم، وليس فعلهم هذا من مقصود التلاوة في شيءٍ، وخصوصًا عندما يصل الأمر إلى الانتقاء العشوائي للبدايات، واختيار سورة الضحى وما بعدها للتكبير والإغراب، واختيار مواضع معينة على سبيل التحدي لإثبات ما يُسمَّى بـ (طول النَّفَس)، وكأنَّ التباري في ذلك سبيل كسب قلوب العوامِّ واستمطار آهاتهم واستحساناتهم، وترى الناس لا يتحدثون عن المعنى ولا يتدبرون بقدر ما يقولون: ما أقدره على وصل كذا آية بِنَفَسٍ واحد! فهل سمع أحدنا أو قرأ أنَّ السلف كانوا يفعلون ذلك؟!
ثم أية نية تحمل القارئ على ذلك؟ أيقصد لإظهار معنى لا يظهر إلا بالمبالغة في تطويل المقطع؟ أليس ذلك هو عين ما يفعله المطربون وأهل اللهو والعبث؟!
ولأنَّ الإفراطَ في جانبٍ لابدَّ أن يصاحبه التفريط والتقصير في جانبٍ آخر؛ فإنَّ القارئ المـُطيلَ النَّفَسَ يُقصِّرُ في مقادير المدود والغنن، وينطق الحروف المهموسة أقرب للجهر، لأنَّ تكميل مقادير المدود والغنن، وتحقيقَ الحرف المهموس يستهلكَ النَّفَسَ المخزون في صَدره. وقد يتدرَّبُ أحدهم على التنفُّس أثناء القراءة فيأتي بتشنُّجاتٍ وزفراتٍ مُنفِّرَةٍ. وقد يُبالغ في تطويل المقاطع مبالغةً فاحشةً؛ فتراه وقدِ اشتدَّت رقبته، وانتفخت عروق وجهه، وتصلَّب جبينه، واتسعت حدقتاه، وقُفَّ شَعَرُه، حتى يُشعرَ من يُشاهده أنَّه على وشكِ الانفجار!
فالفعل المذكور حَرِيٌّ أن يُوصفَ بأنَّه وصلٌ تعسُّفيٌّ، وعليه فإنَّه يمكن أن يُصاغ تعريف الوصل التعسُّفيّ كما يأتي: أن يصل القارئ لا مُعلِّمًا ولا مُمتحَنًا بغرض الإتيان بمعنًى فاسدٍ أو ضعيف، أو لإظهار قدرته على تلاوة مقاطع بالغة الطول بِنَفَسٍ واحدٍ.
3- التكرار التعسفي:
تكرارُ الآية أو المقطع على سبيل التدبُّر والتأمُّلِ والتخشُّعِ مطلوبٌ متواترٌ من فعل السلف رضي الله عنهم أجمعين. قال النووي : وقد بات جماعات من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح [6]. وإمامهم في ذلك رسول الله  ، الذي قام بآية يرددها حتى أصبح، وهي قول الله تعالى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) [المائدة:118] [7].
وعن محمد بن كعب القرظي : لأن أقرأ آيتين أردِّدهما وأتفكَّر فيهما أحبُّ من أن أبيت أهذُّ القرآن. وفي التكرار فوائد كثيرةٌ؛ منها أنه سبيلٌ لتحصيل لذة القرآن وحلاوته، وما أجمل قول بشر بن السرى:«إنما الآية مثل التمرة، كلما مضغتها استخرجت حلاوتها»[8].
يقول ابن القيم :«فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبُّر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتَّى إذا مرَّ بآية وهو يحتاج إليها في شفاء قلبه كررها؛ ولو مائة مرة، ولو ليلة. فقراءة آية بتدبُّر خيرٌ من قراءة ختمة بغير تدبُّر وتفهُّمٍ، وأنفعُ للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن» [9].
ومنها أنها سبيل لترقيق القلب؛ وعن الحسن :«يا ابن آدم! كيف يرقُّ قلبكَ؟ وإنما همتك في آخر سورتك» [10].
ومنها أنَّه سبيل لتحصيل المعاني الإيمانية، والفوائد التفسيرية، والمنح الربَّانية، يقول ابن عثيمين  في تفسير قوله تعالى: (وما هو بالهزل) [الطارق:14] :«أي ما هو باللعب والعبث واللغو، بل هو حقٌّ، كلماته كلُّها حقٌّ، أخباره صدق، وأحكامه عدل، وتلاوته أجر، لو تلاه الإنسان كل أوانه لم يملَّ منه، وإذا تلاه بتدبر وتفكر فتح الله عليه من المعاني ما لم يكن عنده من قبل، وهذا شيءٌ مشاهد: اقرأ القرآن وتَدبَّرْه، كلما قرأتَه وتدبَّــرْتَه حصل لك من معانيه ما لم يكن يحصل لك من قبل، كل هذا لأنه فصلٌ وليس بالهزل، لكن الكلام اللغو من كلام الناس كلما كرَّرتَه مججتَه وكرهتَه ومللتَه، أما كتاب الله فلا» [11].
ويُستحبُّ لذلك أن يكون المرء مختليًا بنفسه، خليَّ البال، غير مُشتَّت الفكر، بعيدًا عن ما يلفت الانتباه، ويُشتِّت الخاطر، وقبل كلِّ هذا لابد أن يكون المرءُ مُخلصًا، مبتهلًا إلى الله أن يرزقه الفهم.
أما ما نحن بصدده من التكرار التعسفيِّ، فهو ما نُشاهده من بعض قارئِي المحافل، لاستثارة المستمعين، ولاستجلاب رضاهم، واستحسانهم لجمال الصوت ورُقيِّ أدائه، لا لمعنىً في التلاوة والبيان. ويقصد به القارئ – غالبًا- استعراض مهاراته في الأداء، وكيف أنَّه يستطيع التنقُّل بين المقامات الموسيقية، ولا يُراعِي فيه المعنى بحالٍ من الأحوال. ومن ذلك ما يُسمَعُ من بعضهم بتكرار مقاطع لا تُفيدُ معنًى تامًّا؛ مثل: ( يا إبراهيم)، ويُكرِّرها، ويُشيرُ كأنَّه يقصد إبراهيمًا بعينه! والقارئ المتعسِّفُ سائرٌ وَفقَ رغبة مُستمعيه. وقد لا يُريد المستمِعُ من طلب التكرارِ تحصيل التدبُّر والتأمُّل والتخشُّع بقدر ما يُريد الإشباع السماعيَّ.
وفي تقديري أنَّ ذلك داخلٌ تحت تحذير النبي  في حديثه:« بادروا بالأعمال ستًّا: إمرة السفهاء، وكثرة الشُّرط، وبيع الحكم، واستخفافًا بالدَّمِ وقطيعة الرحم، ونشأً يتخذون القرآن مزامير، يقدِّمونه يُغنِّيهم؛ وإن كان أقلَّ منهم فقهًا» [12].
فلا يُماري أحدٌ في أنَّ التكرارَ على الصورة الموصوفةِ من فِعل أهل الطرب والغناءِ، يتقدَّم مغنِّيهم، فإن كان مُطربًا ارتفعتِ الآهات والتنهُّدات مُطالبةً إيَّاه بالإعادة والتكرار.

الحواشي:
[1] من بحث: (تعسُّف القرَّاء صُوَرُه ومضارٌّه وأسبابُه وعلاجُه)، منشور بمجلة تبيان للدراسات القرآنية؛ العدد الرابع عشر.
[2] النشر : (1/182-183).
[3] انظر: منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (ص 586).
[4] انظر : النشر في القراءات العشر (1/ 204) باب اختلافهم في البسملة.
[5] انظر: النشر في القراءات العشر (1/22-24).
[6] التبيان (ص47)، وقد ذكر النووي فيه آثارًا كثيرة عن السلف في تكرارهم للآيات.
[7] رواه النسائي (1010)، وابن ماجة (1350) مختصرًا، وحسنه الألباني.
[8] البرهان في علوم القرآن 1/147.
[9] مفتاح دار السعادة (ص221).
[10] رواه الإمام أحمد في الزهد (ص 317).
[11] تفسير القرآن الكريم: جزء عم (ص114).
[12] رواه أحمد في (المسند)، والبخاري في (التاريخ) والطبراني في (الكبير)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح2812)، وانظر: السلسلة الصحيحة (ح979).
***​
 
من الأوقاف التعسفية الوقف على قليلاً من قوله تعالى( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) أي الذين يقومون الليل قليل من عباد الله
 
من الأوقاف التعسفية الوقف على قليلاً من قوله تعالى( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) أي الذين يقومون الليل قليل من عباد الله
في المكتفى للإمام الداني:
"وقال يعقوب: {كانوا قليلاً} تام. وهو قول الضحاك، والمعنى: كان عددهم قليلاً. وقال الضحاك: كانوا قليلاً من الناس.
والآية دالة على قلة نومهم لا على قلة عددهم.. والمعنى: كان هجوعهم، أي: نومهم، قليلاً، وبذلك جاء التفسير.
حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا ابن سلام في قوله {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون}. قال: تفسير الحسن يقول: كانوا لا ينامون إلا قليلاً".

والوقف على {قليلا} اختيار الشيخ الهبطي، وعليه مصاحف أهل الغرب الإسلامي.
 
في المكتفى للإمام الداني:
"وقال يعقوب: {كانوا قليلاً} تام. وهو قول الضحاك، والمعنى: كان عددهم قليلاً. وقال الضحاك: كانوا قليلاً من الناس.
والآية دالة على قلة نومهم لا على قلة عددهم.. والمعنى: كان هجوعهم، أي: نومهم، قليلاً، وبذلك جاء التفسير.
حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا ابن سلام في قوله {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون}. قال: تفسير الحسن يقول: كانوا لا ينامون إلا قليلاً".

والوقف على {قليلا} اختيار الشيخ الهبطي، وعليه مصاحف أهل الغرب الإسلامي.
لكن الظاهر المتبادر من الآية خلاف المعنى المذكور ، ثم ما متعلق " من الليل " في حال تمام الوقف على " قليلا" ؟؟!!
 
لكن الظاهر المتبادر من الآية خلاف المعنى المذكور ، ثم ما متعلق " من الليل " في حال تمام الوقف على " قليلا" ؟؟!!
{ من اليل}: جار ومجرور خبر مقدم. { ما } اسم موصول، مبتدأ مؤخر. { يهجعون }: صلة { ما }. كما تقول: في المخزن ما يكفي.
لا شك أن الذين لا ينامون أكثر الليل للعبادة قليلون، ولا نكارة في المعنى ولا في مبنى النحو
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
{ من اليل}: جار ومجرور خبر مقدم. { ما } اسم موصول، مبتدأ مؤخر. { يهجعون }: صلة { ما }. كما تقول: في المخزن ما يكفي.
لا شك أن الذين لا ينامون أكثر الليل للعبادة قليلون، ولا نكارة في المعنى ولا في مبنى النحو
بعيدا عن ركاكة التركيب التي ينآى عنها لفظ القرآن ، وبعيدا عن فساد المعنى الذي ذكره ابن الأنباري ، والتعسف الذي ذكره ابن كثير
ما المعنى المترتب على التوجيه الذي ذكرتموه ؟؟ على أنكم خالفتم الضحاك في موصولية ما ؛ فرارا مما أنكره العلماء عليه مما لا يخفى عليكم .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
خلاصة القول في الوقف على قوله تعالى: الوقف على (قليلًا)

خلاصة القول في الوقف على قوله تعالى: الوقف على (قليلًا)


خلاصة القول في الوقف على قوله تعالى: الوقف على (قليلًا) من قوله تعالى (كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون) [1]

اختلف فيها الـمُفسِّرون والنحويُّون وأصحاب الوقف والابتداء على أقوال؛ ننقلها مُلخَّصة من كلامهم، فقال بعضهم: إنَّ (ما) زائدة، والمعنى: كانوا يهجعون من الليل قليلًا ويقومون أكثره يُصلُّون. و (قليلًا) نعت لظرف أو مصدر: أي زمانًا قليلًا أو هجوعًا قليلًا. وقال بعضهم هي مصدرية: أي كانوا قليلًا هجوعُهم كما تقول: كانوا يقلُّ هجوعهم، ويجوز على هذا أن يكون (ما يهجعون) بدل اشتمال من اسم كان.
وقال بعضهم: (ما) نافية وذلك مردودٌ عليه لأنَّ النفي لا يتقدم عليه ما في حيِّزه و (قليلًا) في حيِّزه. وقيل: تمَّ الكلام على قوله (قليلًا) ثمَّ استأنف فقال: (من الليل ما يهجعون)، وفيه بُعدٌ لأنك إن جعلت (ما) نافية فسد لما تقدَّم، وإن جعلتها مصدرية أو زائدة لم يكن فيه مدحٌ لأنَّ كل الناس يهجعون في الليل [2].
وهناك وجهٌ ثانٍ لفساد وجه الاستئناف مع جعل (ما) نافية، إذ يصير المعنى: لا يهجعون من الليل، فكأنَّه نفى هجوعهم بالليل على جملته، وهذا مردود بالكتاب والسنة، فأمَّا الكتاب فقوله تعالى في الأمر: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلًا نصفه أو انقص منه قليلًا أو زد عليه) [المزمل: 1-4].
وقال في الخبر: (إنَّ ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) الآية.. [المزمل:20]. ومَن أحسنُ من النبي  وأصحابه عبادةً؟
وأمَّا السنة؛ فقول النبي صلى الله عليه وسلَّم للنفر الثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلَّم فلـمَّا أُخبروا بها كأنَّهم تقالُّوها، فقالوا ما قالوا، فقال لهم صلى الله عليه وسلَّم:« أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني» .
فليس في فِعْل مَن اتَّخذ من قيام الليل بتمامه ديدنًا وعادةً ما يُمتدح؛ لأنَّ سيد المحسنين صلى الله عليه وسلَّم ردَّ على فاعله قوله وفعله، فكيف يُوصف فاعلُه بعدُ بأنَّه مُحسنٌ؟
ووجهٌ ثالثٌ: أنَّ قوله: (كانوا قليلًا) على ما ذهبوا إليه يكون مدحًا للقِلَّة، والقلة ليست ممَّا يُمتدح لذاته، وإلا لكان على صاحب الحقِّ ألا يُبشِّر به؛ حتى لا يكون فيه معه أحدٌ؛ فيحصل له المدحُ بتفرُّده، وهذا ما لا يقول به عاقل، فظهر فسادُه.
ووجه رابعٌ يصلح للاستئناس؛ وهو أنَّ وضع الفواصل في هذا المقطع من السورة على اختصاص كلِّ آية أو اثنتين بخَصلةٍ من خصال المحسنين، وقد فُصِل بينهنَّ بالواو، وفيه تفخيمٌ لتلك الخصال، وحُسنُ تقسيمٍ بسردها على هذا النحو، فيبعُد في البلاغة القرآنية أن تأتي خَصلتان على هذا النحو من شبه الوصل، بدون واو فاصلةٍ، وفي آيةٍ واحدةٍ، والله أعلم.
على أنَّه لو صحَّ المعنى الذي ذهبوا إليه لكان الوقف على (قليلًا) وقف بيان، لأنَّ محلَّ جملة: (من اليل ما يهجعون) داخل في حيِّز البدل من جملة: (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين) [الذاريات:16]؛ فاتَّصل الكلام لفظًا على ما فيه من الانفصال والاستئناف الذي ذهبوا إليه. ولكن لما كان هذا القول ضعيفًا للأسباب التي ذُكرت؛ فإنَّ هذا الوقف أقرب للتعسُّف منه للبيان. والله أعلم..

الحواشي:
[1] من بحث: (وقف البيان في القرآن الكريم دراسة مصطلحية)؛ مقبول للنشر بمجلة البحوث والدراسات القرآنية.
[2] ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2/724).
 
وهناك رسالة في هذا الباب
(تعسفات القرَّاء في الوقف والابتداء)
للدكتور محمد علي أبو الحسن يوسف
من إصدارات مؤسسة شروق للترجمة والتوزيع، بالمنصورة
وهي في حجم متوسط، تقع في 112 صفحة مع الفهارس
 
السلام عليكم
يا اخي الحبيب استفسر من اغلق مبحث الارواء في الوقف والابتداء
انتظر حتى افرغ من الباب ثم أوجه كل وقف وابتداء على حده وافسر المعنى المتولد وضوابطه وجوازه وغير ذلك
سبحان الله هذا حجر على الآراء والعقول
ارجو التوضيح

وسوف أقوم هنا مختصر بيان أوجه الوقف على لا تشرك من قوله تعالى :
"وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ".
التوجيه:
عبد صالح قيل انه نبي لما يعظ ابنه يا بني لا تشرك الى ماذا ينصرف الذهن
لا تشرك بمن
بداهة لا تشرك بالله
ويكون الوقف على لا تشرك من باب فقه الواعظ وادراك السامع ويقبح التصريح في موطن لا يكون فيه غيره
ثم اجراء القسم على ان الشرك اعظم الذنوب وأخطرها وهو بحق كما ورد بالحديث الشريف.
ويكون الابتداء بالله ان الشرك لظلم عظيم ابلغ في السامع من دون قسم
هذا مختصر فقط.
والسلام
 
قال الأشموني رحمه الله :
" وقد أغرب من وقف على ﴿ لَا تُشْرِكْ ﴾ وجعل﴿ بِاللَّهِ ﴾ قسما , جوابه﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ , وربما يتعمد الوقف عليه بعض المتعنتين , ووجه غرابته أنهم قالوا : إن الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو . فإذا ذكرت الباء أتى بالفعل و كقوله : ﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ ﴾ ،﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ ﴾ ، ولا تجد الباء مع حذف الفعل ، ومن ثم أخطأ من جعل ﴿ بِاللَّهِ ﴾ قسما " .
وقال الشيخ الحصري رحمه الله
" إن تقدير الآية على هذا الوجه السابق خلاف المتبادر من تريب الآية وأسلوبها , فإن المتبادر من أسلوب الآية أن قوله ﴿ بِاللَّهِ ﴾ متعلق بالفعل ﴿ تُشْرِكْ ﴾ , وأن جملة ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ مستأنفة لا محل لها من الإعراب سيقت تعليلا للنهي عن الشرك "
 
السلام عليكم:
فصل:
توجيه الوقف على لا تشرك والبدء مقسما بالله إن الشرك لظلم عظيم.
قوله تعالى من سورة لقمان:
"وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ".
قلت : المقام هنا مقام وعظ وتذكير ، والموعوظ به قدره كبير وعظيم. فمن يعظ من؟
لقمان الذي آتاه الله الحكمة ، ومن يؤتي الحكمة يعلم للكلمة قدرها، وينزلها منزلتها ، ويحسن صياغتها وتوظيفها ، والحكيم يضع الأمور في نصابها .
فكيف الحال عندما يعظ حكيما ابنه متلطفا به مشعره بقربه منه ويناديه وهو بين يديه :"يا بني لا تشرك.".
وينصرف الذهن والحالة هذه إلى النهي عن الشرك بالله ؛ فليس غيره يشرك به.
والسامع يعلم تماما ويعي فحوي الخطاب بالموعظة إذا قيل له لا تشرك أي :"لا تشرك بالله".
فالتصريح بالشرك هنا أنه بالله يقدح في حكمة الحكيم لقمان لأنه يعلم من السياق من باب المحذوف وجوبا.
ويأتي القسم بالله أن الشرك جرم عظيم فلا يليق بالحصيف أن يشرك بالله وهو يعلم قدره ومقامه ولا ينبغي لله أن يكون معه شريك فهو الغني عن الشريك.
ويكون القسم :"بالله إن الشرك لظلم عظيم" هو الأولى دلالة على خطر الشرك وانه أعظم الذنوب على الإطلاق كما أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فهو الذنب الذي لا يغفر أبداً.
"وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ.
بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ".

وتحمل اللام في قوله تعالى :"لظلم" على الزلقة واقعة في جواب القسم لغرض التأكيد على الوجه.
والله أعلم.
أقوال العلماء:
الألوسي:
وأخرج ابن أبي الدنيا في نعت الخائفين عن الفضل الرقاشي قال: ما زال لقمان يعظ ابنه حتى مات.
وأخرج عن حفص بن عمر الكندي قال: وضع لقمان جرابا من خردل، وجعل يعظ ابنه موعظة، ويخرج خردلة، فنفد الخردل فقال: يا بني لقد وعظتك موعظة لو وعظتها جبلا لتفطر، فتفطر ابنه، وقيل: كان مسلما، والنهي عن الشرك تحذير له عن صدوره منه في المستقبل، والظاهر أن الباء متعلق بما عنده، ومن وقف على ( لا تشرك ) جعل الباء للقسم، أي أقسم بالله تعالى إن الشرك لظلم عظيم والظاهر أن هذا من كلام لقمان ، ويقتضيه كلام مسلم في صحيحه، والكلام تعليل للنهي، أو الانتهاء عن الشرك، وقيل: هو خير من الله تعالى شأنه منقطع عن كلام لقمان متصل به في تأكيد المعنى، وكون الشرك ظلما لما فيه من وضع الشيء في غير موضعه، وكونه عظيما لما فيه من التسوية بين من لا نعمة إلا منه سبحانه ومن لا نعمة له.

قال البيضاوي:
ومن وقف على ( لا تشرك ) جعل بالله قسما . ( إن الشرك لظلم عظيم ) لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه .

قال أبو السعود:
ومن وقف على لا تشرك جعل بالله قسما. إن الشرك لظلم عظيم تعليل للنهي، أو للانتهاء عن الشرك.
انتهى.
وكتبه:سعيد بن محمود صويني.
والوقوف بيانية بلاغية تتفق مع السياق الواردة فيه حيث السياق العام النهي عن الشرك.
القسم بالباء والتاء والواو كله وارد بالكتاب العزيز
تالله لتسلئن
والله ربنا
وبالباء هنا
والذي يرجح صحة القسم معنى وشرعا وذوقا وبيانا هو اللام هنا لدخولها على الاسم وهي غير اللام التي تدخل على الفعل.
ثم الحديث الوارد وأن الكلام أما تتمة لقول الحكيم لقمان وهو الظاهر ويكون حمل القسم آكد من غيره وإما من اخبار الله سبحانه تعالى ان الشرك ظلم عظيم وهو مرجوح برأيي.
ثم تأمل لو كان سياق الآية في اللغة هكذا:
"يا بني لا تشرك ان الشرك ظلم عظيم" لفهم المتلقي والسامع ان المقصود هنا هو الشرك بالله فلا يكون شرك بغيره سبحانه ولا يفهم منها غير هذا.
ولا تعنت من ناحية الذوق والبلاغة ما دام الأصل باقيا والمعنى متحقق على كلا الوقفين والابتدائين.
الخلاصة أن أخص أوجه الاعجاز في القرآن الوقف والابتداء فهذا الكلام عجيب في نظمه ثم أن المحددات الخمس التي اشترطها تحدد طبيعة الوقوف والابتداءات.

وتحياتي ومودتي.
والسلام.
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
أخي الكريم ، لو شرعتُ في نقل النصوص التي تدل على بطلان ما تبنيته لنقلتُ عشرات النصوص من كتب التفاسير !!
حتى من نقلتَ عنهم ، ذكروا المذكور أولا ، ثم حكوا ما نقلتَ عنهم !
ولا أعلم كيف فاتك خلاف المفسرين في قوله " إن الشرك لظلم عظيم " هل هي من قول الله أم من قول لقمان ؟
لم ينقل عنهم في هذا الخلاف " بالله إن الشرك لظلم عظيم " وهذا وحده كاف لرد ما تفضلتَ به .
قال القرطبي : " واختلف في قوله : {إن الشرك لظلم عظيم" فقيل : إنه من كلام لقمان. وقيل : هو خبر من الله تعالى منقطعا من كلام لقمان متصلا به في تأكيد المعنى " .
وجاء في صحيح البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) شق ذلك على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان لابنه (إن الشرك لظلم عظيم) ".
لعل كلام النبي كاف ؟ لا الأشموني ولا الألوسي لا غيرهما ، هذا قول النبي !
أما قولك :
فالتصريح بالشرك هنا أنه بالله يقدح في حكمة الحكيم لقمان لأنه يعلم من السياق من باب المحذوف وجوبا.
فيرد عليك البقاعي : " ولما كان في تصغيره الإشفاق عليه ، زاد ذلك بإبراز الاسم الأعظم الموجب لاستحضار جميع الجلال ، تحقيقاً لمزيد الإشفاق فقال : ( بالله ) أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له ، ثم علل هذا النهي بقوله :إن الشرك - أي بنوعيه- لظلم عظيم".
ولدي ردود على بقية ما ذكرتَ ، ولكن لا حاجة إلى ذلك بعد حديث البخاري ، ودمت بعز .
 
كثير من هذه المواضع ، لا سيما التي وصفت بأنها لا غبار عليها ، ينبغي أن تضاف إلى ( وقف المعانقة ) أو ( وقف المراقبة ) ويترك على اختيار القارئ لكتاب الله ، وفيه تنوع وتعدد وزيادة في العلم .. ومن ذلك أيضاً ( عم * يتساءلون * عن النبأ العظيم ) .
 
عودة
أعلى