أمين الشنقيطي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن موضوع ورود الشواذ في كتب القراءات المتواترة المتقدمة عن القراء العشرة بأسانيد مروية عنهم، من الموضوعات المهمة، وفي هذه العجالة أحببت أن أنبه على بعض هذه الشواذ عن نافع من روايتيه المتواترتين(قالون وورش) مما أوردته في بحث لي حول شواذّ أبواب الأصول في كتاب جامع البيان للحافظ أبي عمرو الدّاني (ت444هـ)،
وقبل البدء أحب أن أنبه على أمور منها:
1- أن معنى شواذّ القراءات الواردة عن الأئمّة السّبعة: هو (أنّ بعض القراء السّبعة، أو رواتهم المشهورين أو غيرهم،ترد عنه روايات منقولة بأسانيد أحادية). ( كتاب في القراءات القرآنية /29-30)..
2- حكم القراءات الشّاذة من حيث القبول والرّد: تعدّ القراءة الشاذة الآحادية الموافقة للعربية وصح سندها، وليس فيها علّة،أو شذوذ،وخالفت الرسم (كقراءة ابن محيصن، ويحيى اليزيدي، والحسن البصري، والأعمش) ، مقبولة،لكن لا يقرأ بها لكونها آحادية، ومخالفة لما قد أُجمِع عليه،وممّا لم يقطع على صحته، ولا يكفّر من جحدها، وقد تعدّ القراءة الشاذة مردودة كالقراءة الآحادية التي لا وجه لها في العربية،والقراءة الشاذة،والقراءة المدرجة،والقراءة الموضوعة، فلا تعتبر قرآناً، ولا يجوز اعتقاد قرآنيتها،ولا تجوز قراءتها في الصلاة،وخارجها، ولكن يجوز تعلّمها وتعليمها،وتدوينها في الكتب، وبيان وجهها من حيث اللّغة والإعراب(المرشد الوجيز/181) (علم القراءات لنبيل بن محمد آل إسماعيل/35، 41).
3- حكم شواذّ القراءات الواردة عن الأئمّة السّبعة خاصة: اتّفق العلماء على أنّ هذه الشواذ لا تصحّ القراءة بها، على أنّها قرآن، ولا التعبد بتلاوتها، وورودها عن الأئمّة السّبعة لا يُعتبر طعناً في شخصية من رواها منهم، أو من العلماء، أوفي ثقته، ومكانته العلمية، فقد وردت قراءات شاذة عن عدد من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كابن مسعود رضي الله عنه وغيره،وورودها عن أحد القرّاء العشرة، أو علماء القراءات إنما يكون مّما نقل عنهم نقل آحاد ونحو ذلك، وأنّها يجوز تعلّمها وتعليمها،وتدوينها في الكتب،وبيان وجهها من اللّغة والإعراب،والمعنى، واستنباط الأحكام الشرعيّة منها(رسالة في حكم القراءة بالقراءات الشواذ /41)،(القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب/10).
4-رواة القراءات الشّاذة، وهم على قسمين، القسم الأول: رواة القراءات الشّاذة،ومن رُويت عنهم قراءات شاذة -لعدم وجود شرط التواتر فيها-بصورة عامّة، كبعض الصّحابة رضي الله عنهم كابن مَسْعود رضي الله عنه(ت32هـ)، ومَسْرُوق الأَجْدَع رضي الله عنه (ت62هـ)، والتّابعين كنَصْر بن عاصم اللَّيثي(ت 99هـ)، ومُجَاهِد بن جَبْر(ت103هـ)، وغيرهم،وبعض الأئمّة العشرة.القسم الثاني: وهم من اشتهر بها كابن مُحَيْصِن، ويَحْيى اليَزِيِدِي، والحسن البَصْرِي، والأَعْمَش.
5- رواة القراءات الشّاذة عن الأئمّة السّبعة: وهم على قسمين: رواة معروفون مثل: اليَزِيِدِي عن أبي عمرو، ووَرْش، وقالونٍ كلاهما عن نافع، ورواة غير معروفين مثل : شُجَاع عن أبي عمرو، ونُصَير،وقُتَيْبَة، كلاهما عن الكِسَائِي (القراءات الشاذة ضوابطها والاحتجاج بها في الفقه والعربية/64-65)، وعن هؤلاء طرق عديدة،وقد ورد التعريف بكثير منها في حواشي هذا البحث.
6- طريقة معرفة الشّاذ: يمكن معرفة القراءات الشّاذة عن طريق مراجعة الكتب الصحيحة المؤلفة في القراءات السّبع،أو القراءات العشر المتواترة،فإنّ ما سواهما شاذّ، أو مراجعة الكتب المتخصّصة في البحث في القراءات الشّاذة، أو بمراجعة أئمّة القراءة المعروفين الضّابطين المتقنين(مقدمات في علم القراءات /76)،إذ ما ورد عن الأئمّة السّبعة بعضه من الشّاذ قال أبو شامة: ((قد يروى عنهم ما يطلق عليه أنّه ضعيف،وشاذ)).المرشد الوجيز (/173) قال في الطّيبة:
وقد حصر العلماء ضوابط القراءات الشّاذة في أربعة:
1-إذا لم تتواتر، وكانت مخالفة لرسم المصحف.(النّشر1/60).
2-إذا لم تتواتر، وضَعُف سندها عن القارئ(ضعف السّند مثاله: أن يكون من (رواية واحد من طبقة واحدة)، وقد شذّذ الإمام نافع ذلك بقوله : ((وما شذّ فيه واحدٌ تركته))، (تاريخ القرآن/301)،أو ضعف الراوي لخطئه مثاله: طريق (يحيى بن سُلَيمان) ففي ترجمته أنه (صدوق يخطئ) .(تقريب التّهذيب/1057)، أو أن يشتهر برواية الشاذ مثاله: (القاسم بن عبد الوارث) عن اليزيدي فرواياته شاذة تخالف المشهور عن أبي عمرو(قواعد نقد القراءات القرآنية/196).
3-إذا لم تتواتر،وخالفت قواعد اللغة العربية ذكر بعض الباحثين من قواعد نقد القراءات المتعلقة باللغة أن تكون القراءة مخالفة للهجات عربية مشهورة،أو للقواعد النحوية،أو للقواعد الصرفية، أو مخالفة القراءة لمعنى سياق الآيات ونظائرها في القرآن الكريم.(قواعد نقد القراءات القرآنية/317- 362)..
4-إذا لم تتواتر وكانت زائدة على العشر، وشذّذ ابن الجزري ما وراء العشرة فقال: ((والصحيح أنّ ما وراء العشرة فهو شاذ )). (منجد المقرئين/82).
7-منهج الحافظ الدّاني في ذكر الشواذّ في (أبواب الأصول) في كتابه جامع البيان:
نبّه الدّاني في مقدّمة كتابه إلى أنّه سيذكر السّقيم الدّائر (أي الشّاذ) (جامع البيان1/75)، وفي نصوص كتابه كان يذكر أوّلاً المتواتر، ثمّ يذكر الرّواية الشّاذة، ويُوِرد إسنادها، ويُعَقّب أحياناً بمخالفتها لما ذكره أوّلاً.
- كان يذكر الكلمة القرآنية المختلف فيها، والمذهب في قراءتها مع نسبتها لقرّائها،ورواتها،وطرقها، مثلاً :(( القاسم بن عبد الوارث عن أبي عمر عن اليَزِيِدِي عنه- أي عن أبي عمرو-(أنصار ربنا)آل عمران/ 193، 193، بالإدغام)).
- ولمّا كان معنيّاً ببيان هذه الشواذّ، والحكم عليها، نهج في كتابه أن يذكر صِيَغَاً تدلّ على الشّذوذ، تارةً من جهة السّند، وتارةً من جهة الرّسم، وتارة من جهة اللّغة. وهذا الحكم معروف قبل الدّاني، فقد عُرِف ابن مجاهد بتغليط الروايات من جهة الرّواية، كما في (السبعة/396)، وكذلك من جهة العربيّة (السبعة 278)، وعُرِف به كذلك تلميذه ابن خالويه، فقد غلّط بعضها لمخالفتها للرسم (مختصر شواذ القرآن/61)
-كان يذكر أسانيد صحيحة هي من أسانيد الكتاب، لهذه الشواذّ مثل: الأَصْبِهَانِي عن وَرْش؛ فهو من أسانيد الدّاني الصحيحة (جامع البيان 1/300،301).،وتارة بأسانيد غير صحيحة، أي: ليست في أسانيد الدّاني في مقدّمة الكتاب، وهي خارجة عن أسانيده الصّحيحة، مثل: هَارُون ، عن أبي بكر عن عاصم؛ فهو ليس في أسانيد الدّاني في الكتاب(جامع البيان 1/324، فما بعدها)،وفي تضعيفه ما يكفي لتضعيف روايته عن أبي بكر عن عاصم، أي أنّـه في حالة ضعف الـرّاوي يُعقّب بذكر كونه رواية واحد، أو أنّه خالف المجمع عليه، أو غلط على شيخه، ونحو ذلك،فمثلاً ذكر عن وَرْش عن نافع أنّه كان يكسر الهاء في (عليهم القتال)(النساء /246)..الخ برفع الميم ويجرها أي: يصلها بواو إذا استقبلتها ألف خفيفة وما أشبهها، وحكم عليها فقال: ((وأظنّ يحي بن سليمان غَلَط على وَرْش في هذا الباب)).
- يذكر الرّواية من طرق رواية الحروف أي: بطريقة تلقي الرواية- الحرف- ، وهي طريقة لرواية القراءات الشّاذة معروفة في كتب تراجم القرّاء( تاريخ القرآن /256)، تشير إلى الشّذوذ والضّعف والخروج عن طريق الكتاب، ويكفى فيها مجرّد العلم والرّواية، دون أن تكون موضعاً للإِقْرَاء والسّماع، وإنمّا هي الرّواية.
- يذكر ما خالف قياس اللّغة، ويُعقّب أحياناً بمخالفته لسُنَن العَرَبِيّة، لكن لم يذكر الدّاني على أيّ مدرسة نحوية اعتمد في ردّه لها، ففي كلمة (أنصار ربنا)بالإدغام لليَزِيِدِي، ذكرالدّاني صيغة تدلّ على مخالفة ذلك للّغة العربية بقوله:((وذلك غير جَائِزٍ))، وقال أيضاً :((لأنّ التّنوين، وإِنْ كان غنّة من الأنف فهوحرفٌ فاصلٌ بين المدْغَم،والمدْغَم فيه فيمتنع الإدغام لذلك)).
- يذكر ما كان مخالفاً للرّسم، في باب مرسوم الخطّ، ككلمة(أمن هو قانت) بالوقف على ميم(أَمْ)بالانفصال عن الكِسَائِي،قال الدّاني:((وهذه المواضع في الرّسم موصولة من غير نون، ولا ميم، وأصلها في العربيّة الانفصال على ما ذهب الكِسَائِي إليه فيها)).
8- من أمثة الشاذ عن نافع في أبواب الأصول:
1-قال الدّاني:((عن وَرْش عن نافع أنه كان يكسر الهاء في(عليهم)، (عليهم القتال) (النساء /246)، ..برفع الميم ويجرها أي: يصلهابواو إذا استقبلتها ألف خفيفة، (والصّلة اصطلاحاً هي : عبارة عن النطق بهاء الضمير،موصولة بحرف مدّ لفظي يناسب حركتها؛ فيوصل ضمّها بواو ويوصل كسرها بياء (الإضاءة في بيان أصول القراءة/14) . وما أشبهها)) سند هذه الرّواية(( وحدّثنا عبد العزيز بن جعفر، قال حدّثنا عبد الواحد بن عمر،قال حدّثنا محمّد بن أحمد التّميمي،قال حدّثنا روح بن الفرج، قال حدّثنا يحى بن سُلَيمان ،قال حدّثنا أبو سعيد المعروف بورش)). وليس في أسانيد الدّاني (جامع البيان1/294 فما بعدها).وحكم عليها فقال:((وأظنّ يحيى بن سليمانغلط على وَرْش في هذا الباب)). (جامع البيان1/420)، وقد علّل الدّاني ذلك بقوله: ((لأنّ الجرّ والرّفع مع ألف الوصل لا يجوز بالإجماع ،لأنّه يلتقي ساكنان أحدهما واو الصّلة التي بعد ضمّة الميم، والثّاني الذي بعد ألف الوصل، وأحسبه روى عنه رفع الميم، ولا يجرها فسقطت عليه (لا)، أو على من روى عنه فإنّه لم يكن كذلك؛ فأراه سمع ذلك من ورش مع ألف القطع؛ فقلب التّرجمة وجعلها مع ألف الوصل، فإذا كان ذلك أيضاً فقد أخطأ عليه في ألف الوصل إذ حكى إسكانها معها، وذلك غير جائز)).
2-قال الدّاني: ((وروى نُصَير عنه – أي الكِسَائِي-أيضاً أنّه لم يمدّ ألف(الملئكة) كرواية الأَصْبِهَانِي عن وَرْش))، وحكم فقال: (( وأخطأ لأنّ حرف المدّ مع الهمزة في ذلك من كلمة فمدّه إجماع)) ،وقال أيضاً: (( وقرأت من طريقه بالمدّ وعليه العمل)) (جامع البيان1/478). قال في النّشر : عند حديثه عن الاختلاف في المتصل كالمنفصل، قال : ((فوجب ألا يعتقد أن قصر المتصل جائز عند أحد من القراء، وقد تتبعته فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة))،(1/215،316). وفي(إتحاف فضلاء البشر /158) المدّ المتصل حكمه التوسط، والمدّ.
3-قال الدّاني: ((عن وَرْش أنّه حذف الياء من ذلك أي(إسرائيل)حيث وقع كـ(ميكائيل) البقرة/ 98 سواء ))، سند هذه الرّواية عن (ابن شنبوذ وغيره عن النحاس عن أبي يعقوب)،وهو في أسانيد الدّاني:وأنّه قرأ على ابن رشدين عن أحمد بن صالح عن ورش( 1/299). قال الدّاني هنا : ((وقال النحاس في كتاب (اللّفظ) له كان أبو يعقوب يقرأ (اسرائيل) بغير ياء))، ولم يذكر الدّاني في أسانيده النحاس عن أبي يعقوب، وهذا يعني أنه من الوِجَادة، وهي من الطّرق الضعيفة.وحكم فقال: (( قال أبو عمرو: وحذف الياء من ذلك لغة، والذي قرأت به أنا إثبات الياء، وتمكينها من غير زيادة )) (جامع البيان2/480).(التّقريب والبيان/90).قال ابن البَاذِش:(( ونصّ عليه النّحاس بغير ياء، وبه كان يأخذ ابن أبي شنبوذ من طريقه، وليس يؤخذ بهذا، ولكن من أجله، أخذ فيه من أخذ بترك الزيادة في المد)).(الإقناع 1/473). وهي في معجم القراءات(1/88)عن ورش.(إتحاف فضلاء البشر /158)وفيه: المدّ المتصل،حكمه التوسط، والمد..
20- قال الدّاني:((عن وَرْش يمدّه أي (القرآن) البقرة/185))، سند هذه الرّواية عن(النحاس ..عن عبد الصمد)،وهو في أسانيد الدّاني(1/295). قال الدّاني:(( وحكى المصريون عن ورش، وأصحابه أنّهم كانوا يمدّون (القرآن) أكثر من مدّ نافع)). وحكم فقال:(( وبالأوّل قرأت)). (جامع البيان2/480،481). النّشر لابن الجزري1/341 ).(إتحاف فضلاء البشر/162)وفيه: إذا كان قبل الهمز ساكن صحيح متصل،يتعيّن القصر.
وغير ذلك من الأمثلة التي جمعها البحث.والله الموفق.
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن موضوع ورود الشواذ في كتب القراءات المتواترة المتقدمة عن القراء العشرة بأسانيد مروية عنهم، من الموضوعات المهمة، وفي هذه العجالة أحببت أن أنبه على بعض هذه الشواذ عن نافع من روايتيه المتواترتين(قالون وورش) مما أوردته في بحث لي حول شواذّ أبواب الأصول في كتاب جامع البيان للحافظ أبي عمرو الدّاني (ت444هـ)،
وقبل البدء أحب أن أنبه على أمور منها:
1- أن معنى شواذّ القراءات الواردة عن الأئمّة السّبعة: هو (أنّ بعض القراء السّبعة، أو رواتهم المشهورين أو غيرهم،ترد عنه روايات منقولة بأسانيد أحادية). ( كتاب في القراءات القرآنية /29-30)..
2- حكم القراءات الشّاذة من حيث القبول والرّد: تعدّ القراءة الشاذة الآحادية الموافقة للعربية وصح سندها، وليس فيها علّة،أو شذوذ،وخالفت الرسم (كقراءة ابن محيصن، ويحيى اليزيدي، والحسن البصري، والأعمش) ، مقبولة،لكن لا يقرأ بها لكونها آحادية، ومخالفة لما قد أُجمِع عليه،وممّا لم يقطع على صحته، ولا يكفّر من جحدها، وقد تعدّ القراءة الشاذة مردودة كالقراءة الآحادية التي لا وجه لها في العربية،والقراءة الشاذة،والقراءة المدرجة،والقراءة الموضوعة، فلا تعتبر قرآناً، ولا يجوز اعتقاد قرآنيتها،ولا تجوز قراءتها في الصلاة،وخارجها، ولكن يجوز تعلّمها وتعليمها،وتدوينها في الكتب، وبيان وجهها من حيث اللّغة والإعراب(المرشد الوجيز/181) (علم القراءات لنبيل بن محمد آل إسماعيل/35، 41).
3- حكم شواذّ القراءات الواردة عن الأئمّة السّبعة خاصة: اتّفق العلماء على أنّ هذه الشواذ لا تصحّ القراءة بها، على أنّها قرآن، ولا التعبد بتلاوتها، وورودها عن الأئمّة السّبعة لا يُعتبر طعناً في شخصية من رواها منهم، أو من العلماء، أوفي ثقته، ومكانته العلمية، فقد وردت قراءات شاذة عن عدد من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كابن مسعود رضي الله عنه وغيره،وورودها عن أحد القرّاء العشرة، أو علماء القراءات إنما يكون مّما نقل عنهم نقل آحاد ونحو ذلك، وأنّها يجوز تعلّمها وتعليمها،وتدوينها في الكتب،وبيان وجهها من اللّغة والإعراب،والمعنى، واستنباط الأحكام الشرعيّة منها(رسالة في حكم القراءة بالقراءات الشواذ /41)،(القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب/10).
4-رواة القراءات الشّاذة، وهم على قسمين، القسم الأول: رواة القراءات الشّاذة،ومن رُويت عنهم قراءات شاذة -لعدم وجود شرط التواتر فيها-بصورة عامّة، كبعض الصّحابة رضي الله عنهم كابن مَسْعود رضي الله عنه(ت32هـ)، ومَسْرُوق الأَجْدَع رضي الله عنه (ت62هـ)، والتّابعين كنَصْر بن عاصم اللَّيثي(ت 99هـ)، ومُجَاهِد بن جَبْر(ت103هـ)، وغيرهم،وبعض الأئمّة العشرة.القسم الثاني: وهم من اشتهر بها كابن مُحَيْصِن، ويَحْيى اليَزِيِدِي، والحسن البَصْرِي، والأَعْمَش.
5- رواة القراءات الشّاذة عن الأئمّة السّبعة: وهم على قسمين: رواة معروفون مثل: اليَزِيِدِي عن أبي عمرو، ووَرْش، وقالونٍ كلاهما عن نافع، ورواة غير معروفين مثل : شُجَاع عن أبي عمرو، ونُصَير،وقُتَيْبَة، كلاهما عن الكِسَائِي (القراءات الشاذة ضوابطها والاحتجاج بها في الفقه والعربية/64-65)، وعن هؤلاء طرق عديدة،وقد ورد التعريف بكثير منها في حواشي هذا البحث.
6- طريقة معرفة الشّاذ: يمكن معرفة القراءات الشّاذة عن طريق مراجعة الكتب الصحيحة المؤلفة في القراءات السّبع،أو القراءات العشر المتواترة،فإنّ ما سواهما شاذّ، أو مراجعة الكتب المتخصّصة في البحث في القراءات الشّاذة، أو بمراجعة أئمّة القراءة المعروفين الضّابطين المتقنين(مقدمات في علم القراءات /76)،إذ ما ورد عن الأئمّة السّبعة بعضه من الشّاذ قال أبو شامة: ((قد يروى عنهم ما يطلق عليه أنّه ضعيف،وشاذ)).المرشد الوجيز (/173) قال في الطّيبة:
((وحيث ما يختلّ ركن أثبت * شذوذه لو أنّه في السّبعة))
وقد حصر العلماء ضوابط القراءات الشّاذة في أربعة:
1-إذا لم تتواتر، وكانت مخالفة لرسم المصحف.(النّشر1/60).
2-إذا لم تتواتر، وضَعُف سندها عن القارئ(ضعف السّند مثاله: أن يكون من (رواية واحد من طبقة واحدة)، وقد شذّذ الإمام نافع ذلك بقوله : ((وما شذّ فيه واحدٌ تركته))، (تاريخ القرآن/301)،أو ضعف الراوي لخطئه مثاله: طريق (يحيى بن سُلَيمان) ففي ترجمته أنه (صدوق يخطئ) .(تقريب التّهذيب/1057)، أو أن يشتهر برواية الشاذ مثاله: (القاسم بن عبد الوارث) عن اليزيدي فرواياته شاذة تخالف المشهور عن أبي عمرو(قواعد نقد القراءات القرآنية/196).
3-إذا لم تتواتر،وخالفت قواعد اللغة العربية ذكر بعض الباحثين من قواعد نقد القراءات المتعلقة باللغة أن تكون القراءة مخالفة للهجات عربية مشهورة،أو للقواعد النحوية،أو للقواعد الصرفية، أو مخالفة القراءة لمعنى سياق الآيات ونظائرها في القرآن الكريم.(قواعد نقد القراءات القرآنية/317- 362)..
4-إذا لم تتواتر وكانت زائدة على العشر، وشذّذ ابن الجزري ما وراء العشرة فقال: ((والصحيح أنّ ما وراء العشرة فهو شاذ )). (منجد المقرئين/82).
7-منهج الحافظ الدّاني في ذكر الشواذّ في (أبواب الأصول) في كتابه جامع البيان:
نبّه الدّاني في مقدّمة كتابه إلى أنّه سيذكر السّقيم الدّائر (أي الشّاذ) (جامع البيان1/75)، وفي نصوص كتابه كان يذكر أوّلاً المتواتر، ثمّ يذكر الرّواية الشّاذة، ويُوِرد إسنادها، ويُعَقّب أحياناً بمخالفتها لما ذكره أوّلاً.
- كان يذكر الكلمة القرآنية المختلف فيها، والمذهب في قراءتها مع نسبتها لقرّائها،ورواتها،وطرقها، مثلاً :(( القاسم بن عبد الوارث عن أبي عمر عن اليَزِيِدِي عنه- أي عن أبي عمرو-(أنصار ربنا)آل عمران/ 193، 193، بالإدغام)).
- ولمّا كان معنيّاً ببيان هذه الشواذّ، والحكم عليها، نهج في كتابه أن يذكر صِيَغَاً تدلّ على الشّذوذ، تارةً من جهة السّند، وتارةً من جهة الرّسم، وتارة من جهة اللّغة. وهذا الحكم معروف قبل الدّاني، فقد عُرِف ابن مجاهد بتغليط الروايات من جهة الرّواية، كما في (السبعة/396)، وكذلك من جهة العربيّة (السبعة 278)، وعُرِف به كذلك تلميذه ابن خالويه، فقد غلّط بعضها لمخالفتها للرسم (مختصر شواذ القرآن/61)
-كان يذكر أسانيد صحيحة هي من أسانيد الكتاب، لهذه الشواذّ مثل: الأَصْبِهَانِي عن وَرْش؛ فهو من أسانيد الدّاني الصحيحة (جامع البيان 1/300،301).،وتارة بأسانيد غير صحيحة، أي: ليست في أسانيد الدّاني في مقدّمة الكتاب، وهي خارجة عن أسانيده الصّحيحة، مثل: هَارُون ، عن أبي بكر عن عاصم؛ فهو ليس في أسانيد الدّاني في الكتاب(جامع البيان 1/324، فما بعدها)،وفي تضعيفه ما يكفي لتضعيف روايته عن أبي بكر عن عاصم، أي أنّـه في حالة ضعف الـرّاوي يُعقّب بذكر كونه رواية واحد، أو أنّه خالف المجمع عليه، أو غلط على شيخه، ونحو ذلك،فمثلاً ذكر عن وَرْش عن نافع أنّه كان يكسر الهاء في (عليهم القتال)(النساء /246)..الخ برفع الميم ويجرها أي: يصلها بواو إذا استقبلتها ألف خفيفة وما أشبهها، وحكم عليها فقال: ((وأظنّ يحي بن سليمان غَلَط على وَرْش في هذا الباب)).
- يذكر الرّواية من طرق رواية الحروف أي: بطريقة تلقي الرواية- الحرف- ، وهي طريقة لرواية القراءات الشّاذة معروفة في كتب تراجم القرّاء( تاريخ القرآن /256)، تشير إلى الشّذوذ والضّعف والخروج عن طريق الكتاب، ويكفى فيها مجرّد العلم والرّواية، دون أن تكون موضعاً للإِقْرَاء والسّماع، وإنمّا هي الرّواية.
- يذكر ما خالف قياس اللّغة، ويُعقّب أحياناً بمخالفته لسُنَن العَرَبِيّة، لكن لم يذكر الدّاني على أيّ مدرسة نحوية اعتمد في ردّه لها، ففي كلمة (أنصار ربنا)بالإدغام لليَزِيِدِي، ذكرالدّاني صيغة تدلّ على مخالفة ذلك للّغة العربية بقوله:((وذلك غير جَائِزٍ))، وقال أيضاً :((لأنّ التّنوين، وإِنْ كان غنّة من الأنف فهوحرفٌ فاصلٌ بين المدْغَم،والمدْغَم فيه فيمتنع الإدغام لذلك)).
- يذكر ما كان مخالفاً للرّسم، في باب مرسوم الخطّ، ككلمة(أمن هو قانت) بالوقف على ميم(أَمْ)بالانفصال عن الكِسَائِي،قال الدّاني:((وهذه المواضع في الرّسم موصولة من غير نون، ولا ميم، وأصلها في العربيّة الانفصال على ما ذهب الكِسَائِي إليه فيها)).
8- من أمثة الشاذ عن نافع في أبواب الأصول:
1-قال الدّاني:((عن وَرْش عن نافع أنه كان يكسر الهاء في(عليهم)، (عليهم القتال) (النساء /246)، ..برفع الميم ويجرها أي: يصلهابواو إذا استقبلتها ألف خفيفة، (والصّلة اصطلاحاً هي : عبارة عن النطق بهاء الضمير،موصولة بحرف مدّ لفظي يناسب حركتها؛ فيوصل ضمّها بواو ويوصل كسرها بياء (الإضاءة في بيان أصول القراءة/14) . وما أشبهها)) سند هذه الرّواية(( وحدّثنا عبد العزيز بن جعفر، قال حدّثنا عبد الواحد بن عمر،قال حدّثنا محمّد بن أحمد التّميمي،قال حدّثنا روح بن الفرج، قال حدّثنا يحى بن سُلَيمان ،قال حدّثنا أبو سعيد المعروف بورش)). وليس في أسانيد الدّاني (جامع البيان1/294 فما بعدها).وحكم عليها فقال:((وأظنّ يحيى بن سليمانغلط على وَرْش في هذا الباب)). (جامع البيان1/420)، وقد علّل الدّاني ذلك بقوله: ((لأنّ الجرّ والرّفع مع ألف الوصل لا يجوز بالإجماع ،لأنّه يلتقي ساكنان أحدهما واو الصّلة التي بعد ضمّة الميم، والثّاني الذي بعد ألف الوصل، وأحسبه روى عنه رفع الميم، ولا يجرها فسقطت عليه (لا)، أو على من روى عنه فإنّه لم يكن كذلك؛ فأراه سمع ذلك من ورش مع ألف القطع؛ فقلب التّرجمة وجعلها مع ألف الوصل، فإذا كان ذلك أيضاً فقد أخطأ عليه في ألف الوصل إذ حكى إسكانها معها، وذلك غير جائز)).
2-قال الدّاني: ((وروى نُصَير عنه – أي الكِسَائِي-أيضاً أنّه لم يمدّ ألف(الملئكة) كرواية الأَصْبِهَانِي عن وَرْش))، وحكم فقال: (( وأخطأ لأنّ حرف المدّ مع الهمزة في ذلك من كلمة فمدّه إجماع)) ،وقال أيضاً: (( وقرأت من طريقه بالمدّ وعليه العمل)) (جامع البيان1/478). قال في النّشر : عند حديثه عن الاختلاف في المتصل كالمنفصل، قال : ((فوجب ألا يعتقد أن قصر المتصل جائز عند أحد من القراء، وقد تتبعته فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة))،(1/215،316). وفي(إتحاف فضلاء البشر /158) المدّ المتصل حكمه التوسط، والمدّ.
3-قال الدّاني: ((عن وَرْش أنّه حذف الياء من ذلك أي(إسرائيل)حيث وقع كـ(ميكائيل) البقرة/ 98 سواء ))، سند هذه الرّواية عن (ابن شنبوذ وغيره عن النحاس عن أبي يعقوب)،وهو في أسانيد الدّاني:وأنّه قرأ على ابن رشدين عن أحمد بن صالح عن ورش( 1/299). قال الدّاني هنا : ((وقال النحاس في كتاب (اللّفظ) له كان أبو يعقوب يقرأ (اسرائيل) بغير ياء))، ولم يذكر الدّاني في أسانيده النحاس عن أبي يعقوب، وهذا يعني أنه من الوِجَادة، وهي من الطّرق الضعيفة.وحكم فقال: (( قال أبو عمرو: وحذف الياء من ذلك لغة، والذي قرأت به أنا إثبات الياء، وتمكينها من غير زيادة )) (جامع البيان2/480).(التّقريب والبيان/90).قال ابن البَاذِش:(( ونصّ عليه النّحاس بغير ياء، وبه كان يأخذ ابن أبي شنبوذ من طريقه، وليس يؤخذ بهذا، ولكن من أجله، أخذ فيه من أخذ بترك الزيادة في المد)).(الإقناع 1/473). وهي في معجم القراءات(1/88)عن ورش.(إتحاف فضلاء البشر /158)وفيه: المدّ المتصل،حكمه التوسط، والمد..
20- قال الدّاني:((عن وَرْش يمدّه أي (القرآن) البقرة/185))، سند هذه الرّواية عن(النحاس ..عن عبد الصمد)،وهو في أسانيد الدّاني(1/295). قال الدّاني:(( وحكى المصريون عن ورش، وأصحابه أنّهم كانوا يمدّون (القرآن) أكثر من مدّ نافع)). وحكم فقال:(( وبالأوّل قرأت)). (جامع البيان2/480،481). النّشر لابن الجزري1/341 ).(إتحاف فضلاء البشر/162)وفيه: إذا كان قبل الهمز ساكن صحيح متصل،يتعيّن القصر.
وغير ذلك من الأمثلة التي جمعها البحث.والله الموفق.