من حسن العشرة

إنضم
11 يناير 2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
10
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
حسن التصرف في مواقف الغيرة
ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ ، فَانْفَلَقَتْ ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ ، وَيَقُولُ : " غَارَتْ أُمُّكُمْ " ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا ، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ [1] .
ورواه النسائي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا أَتَتْ بِطَعَامٍ فِي صَحْفَةٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فَجَاءَتْ عَائِشَةُ مُتَّزِرَةً بِكِسَاءٍ وَمَعَهَا فِهْرٌ [حجر ] فَفَلَقَتْ بِهِ الصَّحْفَةَ ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ بَيْنَ فِلْقَتَيْ الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ : " كُلُوا ، غَارَتْ أُمُّكُمْ " مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَحْفَةَ عَائِشَةَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، وَأَعْطَى صَحْفَةَ أُمِّ سَلَمَةَ عَائِشَةَ [2] .
ياله من موقف عظيم ، ومعالجة له هي أعظم منه ، وهذا الموقف وما يشابهه بسبب الغيرة يتكرر في حياة الأزواج ؛ فهل يكون الرسول هو قدوتنا في معالجة هذه المواقف ؟ أقول جازمًا : إن كان الرسول قدوتنا في حياتنا الزوجية لقلَّت جدًّا تلكم المشاكل التي بين الزواج .
قال ابن حجر - : وقـوله : " غَارَتْ أُمُّكُمْ " اعتذار منه لئلا يحمل صنيعها على ما يذم ، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة ، فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها [3] ، قَالُ العلماء : فِيهِ إِشَارَة إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة الْغَيْرَاء بِمَا يَصْدُر مِنْهَا لأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة يَكُون عَقْلهَا مَحْجُوبًا بِشِدَّةِ الْغَضَب الَّذِي أَثَارَتْهُ الْغَيْرَة ؛ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ لا بَأْس بِهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا : " إِنَّ الْغَيْرَاء لا تُبْصِر أَسْفَل الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ " قَـالَهُ فِي قِصَّة ؛ وَعَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه رَفَعَهُ : " إِنَّ اللَّه كَتَبَ الْغَيْرَة عَلَى النِّسَاء , فَمَنْ صَبَرَ مِنْهُنَّ كَانَ لَهَا أَجْر شَهِيد " أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَأَشَارَ إِلَى صِحَّته وَرِجَاله ثِقَات , لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي عُبَيْد بْن الصَّبَاح مِنْهُمْ [4] .
إن معالجة مواقف الغيرة من المرأة تحتاج إلى حكمة عالية ، وفي معالجة النبي صلى الله عليه وسلم لما فعلته أمنا عائشة رضي الله عنها ، وقوله : " غَارَتْ أُمُّكُمْ " ، ما يبين ذلك ، فإذا عُلم أن الغيرة في النساء أمرٌ مكتوب عليها ، فلابد أن يتعامل الرجل معه بفهم وحكمة ... وهذا من حسن العشرة .
كما يجب على المرأة – أيضًا – أن تحدَّ من غيرتها ، وتصبر في مواقف يمكن أن تؤدي الغيرة فيها إلى أمور لا تحمد عقباها ... وهذا - أيضًا - من حسن عشرة المرأة لزوجها ؛ فحسن العشرة أمر مشترك يتبادل فيه الطرفان حسن التصرف في المواقف بأخلاق الإسلام . ___
[1] البخاري ( 5225 ) .
[2] النسائي ( 3956 ) .
[3] فتح الباري : 5 / 126 .
[4] فتح الباري : 9 / 325 ، وحديث عائشة رواه أبو يعلى ( 4670 ) .
 
عودة
أعلى